التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الربع الأول من كتاب الإخوان

 

من حفيد سيد قطب إلى شيخي وأستاذي الجليل 

بسم الله الرحمن الرحيم

سيدي وأستاذي .. الدكتور / محمد عباس

سلام الله عليك يغشاك من يومنا هذا وحتى تلقاه يوم شهادتك بإذن الله ،،

سيدي لقد قرأت مقالك عن الشهيد سيد قطب ، وإنه لثورة قبل أن يكون مقالا ، نعم .. إنه ثورة ! ، إنه يكشف اللثام ويمزق الأقنعة ويشرق بالحقيقة ! إنه يقتل الجبناء ويفضح العملاء ! إنه نور الرحمن يتنزل بإشراقاته على كلماتك الصادقة المؤمنة الواعية ..

لقد أبدعت كلاما عن الشهيد .. ، لقد وفيته حقه ، إني لأحفظ من مقالك كلمات وجمل من أول قراءة له ، لقد كنت أعيد الجملة بعد الجملة ! كنت أرى فيها نور الإيمان والتقى وسبيل الصالحين الأولين ..

شيخي الجليل دعني أهنئك على الطريق الذي اتخذته .. دعني أشد على يديك وغدا نلتقي عند الله ،

شيخي الجليل لا أجد ما أعبر به من كلمات ولا ما أصوغه من أحرف لكي أوفيك حقك ، ولكني أعاهد الله أن أنشر كلامك قدر ما أستطيع وأن أوصله لمن أستطيع .. ، وأدعو لك الله بأن يسكن فؤادك في الجنة ويطفي غليل قلبك بشربة من يد حبيبك محمد صلى الله عليه وسلم ،

أسأل الله أن يجمعك أول ما يجمعك بمحمد وأصحابه وحمزة والحسين والشهداء من بعده .. ، ولعلك تلقى سيد يوما ما فيشكرك على صنيعك ..

شيخي الجليل من أرض اليمن - من صنعاء .. إليك أعظم تحية عرفها أستاذ من تلميذ ومعلم من طالب ، إليك أعطر وأجمل وأرق وأطهر تحية عرفتها البشرية يا نسل العظماء ويا حفيد الشرفاء .. يا أيها الشهيد الحي ..

تحية من ابنك /

محمد عبد الفتاح شايف

حفيد الشهيد سيد قطب

حيث والدي يمني وقد تزوج بأمي وهي بنت أخت الشهيد سيد قطب .. نفيسة قطب ،

لك التحية ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،

 


بسم الله الرحمن الرحيم

صلاة بغير وضوء..!!

***

هل كانت ثورة 23 يوليو ممكنة؟!

1.              بقلم: دكتور محمد عباس

 

انتظرت حتى انتهى صخب الاحتفال كي أقول كلمتى، رغم أن الاحتفال هذا العام قد حفل بظاهرة من أغرب الظواهر، وهو احتفاء الدولة واحتفالها بالثورة، في مشهد كريه ومقزز، كزنا المحارم، فالسلطة التى صدر عنها كل هذا الضجيج والصخب احتفالا بالثورة، أكثر فسادا و أنكى ظلما من ذلك الذي قامت الثورة للقضاء عليه.

نعم.. كان الاحتفال الرسمى بثورة 23 يوليو أشبه بقرصان أو مملوك قتل أستاذه.. وصنع من جمجمته قدحا يشرب فيه الخمر في مخازيه كل مساء.. فلما انقلب عليه غلمانه، وعاداه سادته وتنكر له أقرانه وفقد سطوته وسلطته، لم يجد إلا أستاذه القديم يتمسح فيه ويحتفل به.

ولقد انتظرت حتى ينتهى كل ذلك لأقول رأيا.

***

إذ نتناول ثورة 23 يوليو، علينا أن نحذر من ذئب التفاصيل، وغواية الحكايات، وطوفان الأحداث، فكل ذلك كفيل بإغراقنا، وبحصارنا فى أنفاق مسدودة، متناقضة، متضادة، حيث يتشبث كل منا بأن نفقه هو الذى يشكل المجرى الرئيسي لثورة 23 يوليو.

الغرق فى التفاصيل قد يكون مغريا، لكنه فى نفس الوقت يمنعنا من تكوين نظرة شاملة للأمر، لأى أمر، إذ يمكن أن ينقضى العمر كله ونحن نناقش التفاصيل، دون أن نصل إلى أى نتيجة ، أو تصور كلّى.

لكن هذا لا يعنى أن نندفع إلى الاختزال المخل، الذى قد ييسر لنا الوصول إلى تصور شامل كلى، و إلى إصدار أحكام قاطعة، تكون فى أغلب الأحيان خاطئة.

بين هذا وذاك إذن يجب أن يكون أمرنا، ومن هذا المنطلق، فإننا نستطيع القول بأن ثورة 23 يوليو هى جمال عبد الناصر و أن جمال عبد الناصر هو ثورة 23 يوليو. لن ندخل فى التفاصيل، لن نهتم على سبيل المثال بما بعد جمال عبد الناصر، لأنه يشكل شيئا آخر، لا يهمنا الآن إن كان مناقضا ، أو إن كان أسوأ، ذلك أنه فى كافة أحواله شيء آخر، غير ثورة 23 يوليو.

لن نهتم أيضا بإيجابيات الثورة ولا بسلبياتها، ولا بهزائمها وانتصاراتها، فقد قتل كل ذلك بحثا، وما من صواب قيل إلا وفيه باطل، وما من باطل قيل إلا وفيه بعض صواب.

لا يدخل فى بحثنا هذا إذن قضايا جوهرية ، كدور الثورة فى التحرير من الإنجليز، أو مسئوليتها عن الاحتلال الإسرائيلى. لن نتحدث عما أحدثته من انقلاب اجتماعى، ولا نحن سنتورط فى الغرق فى تفاصيل إذا ما كان هذا التحول خيرا أم شرا.

لن نتحدث حتى عن التعذيب، الجريمة التى لا تفوقها جريمة، ولا يمكن غفرانها أو الدفاع عنها. ولا نحن سنتحدث عن برامج التصنيع، والتحديث، وتفجير وعى العرب بهويتهم.

سوف نترك ذلك كله، فلقد تحدث غيرنا فيه، ربما بأفضل مما نستطيع..

نتركه كله لنسأل سؤالا واحدا:

-         هل كانت ثورة 23 يوليو ممكنة؟!..

نعم، ذلك هو السؤال الذى لم نتطرق أبدا – فيما أعلم- إليه..

***

لن نحاسب ثورة 23 يوليو إذن من خلال كل ما نسب إليها من انتصارات وانكسارات، ولا من مظالم وجرائم أو إنصاف وعدل. ولا نحن سنحاسبها عن تحقيق أهدافها، فقد تقصر الأعمار فلا تتسع لأمر جليل.

سوف نحاسبها بمعيار آخر، ولكى نصل إلى هذا المعيار سوف نتعسف فنفترض افتراضات مذهلة، سنفترض على سبيل المثال أن كل ما نسب إلى الثورة من جرائم لم يحدث، ولا أيضا هزيمة 67، وسوف نفترض أيضا تضاعف الإنجازات الإيجابية، وسوف نفترض أكثر من هذا كله أن جمال عبد الناصر لم يمت – أويقتل – عام 1970. وبعد كل هذه الافتراضات سوف يكون من حقنا أن نوجه السؤال:

-  هل كانت ثورة 23 يوليو ممكنة؟!..

و أعنى بالسؤال: هل كان يمكن للثورة، مع كل هذه الافتراضات، أن تحقق الأهداف التى قامت لتحققها؟‍.

سوف نتجنب الأنياب البارزة المتلمظة لذئب التفاصيل مرة أخرى.. وسوف نصل إلى غايتنا مباشرة: هل كان يمكن لثورة 23 يوليو أن تحقق – فى إطار رؤيتها النظرية وفلسفتها – الانتصار فى معركتها تلك، بل هل كان يمكن أن تصل إلى نوع من التعايش المقبول بالحد الأدنى من القوة والكرامة.

لو افترضنا أن مصر كان يمكنها الانتصار على إسرائيل، فهل كان يمكنها الانتصار على أمريكا؟ وعلى الدول الأوروبية مجتمعة؟‍

***

كيف لم يدرك رائد القومية العربية أن القومية كلها فكرة غربية ومنهج صليبى..

ماذا كان يمكن أن يحدث لو أن زعيما بقامته وتأثيره قد فهم جوهر الصراع بين الحضارات وأدرك أبعاد الصراع بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية فاتخذ الإسلام سبيلا ومنهجا وحاديا وهاديا..

كيف لم يدرك أن الصراع هو ما أنبأنا به المصطفى صلى الله عليه وسلم، و أن الغرب سيحاربنا كافة، و أن علينا أن نتجمع كافة لكى نستطيع مواجهته والانتصار عليه.. كافة.. ليس تحت راية وطنية ولا قومية و إنما تحت راية الإسلام.

***

بدت لى المسألة فى غاية الوضوع فرحت أتساءل فى ذهول : " كيف لم يرها؟"..

لم تكفنى الكتب فلجأت إلى رفاقه..

السيد حسين الشافعى، نائب جمال عبد الناصر ورفيقه فا جأنى بإجابة لم أتوقعها أبدا حين قال:

- سوف يثبت التاريخ أن ثورة 23 يولية كانت شتلات الصحوة الإسلامية التى ستنهض لمواجهة الغرب.

والحقيقة أننى لم أقتنع، رغم أنى أحب الرجل و أحترمه كثيرا، وهو شديد التدين، وقد جاوز الثمانين، ولم يعد لبهرج الدنيا ومغانمه عنده غاية.

سمعت أيضا من السيد  أحمد طعيمة وزير الأوقاف السابق- وهو من الضباط الأحرار-  والذى يقرر أن تصرفات الأحزاب السياسية  مع عبد الناصر  هى التى حولته من شخص يترسم خطى عمر بن الخطاب رضى الله عنه إلى طاغية.. لكنه امتدح إسلامه و إخلاصه كثيرا

استمعت أيضا إلى اللواء جمال ربيع، أحد ضباط الثورة..

كان الرجل حادا جدا وهو يدين ثورة 23 يوليو وجمال عبد الناصر  .. كان الرجل حادا حتى أنه أخرجه من زمرة المؤمنين...

-  ألا تظن أن أحاديث التعذيب فى عهده مبالغ فيها؟.. و أن الخلاف لم يكن بينه وبين الإسلام، و إنما بينه وبين بعض المسلمين؟..

وهنا صرخ الرجل:

-    قم.. تعال إلى جوارى.. ضع يدك على ظهرى..

ووضعت.. وليتنى ما وضعت.. لم تخف ملابسه من على  ظهره كله تلك التضاريس المرعبة للندبة الهائلة المتصلة فكأنما افترسه وحش مسعور..

اقشعر شعر رأسى هولا.. منعت صرخة وكبحت دمعة ودوى فى أذنى طنين كأنه أنين المعذبين وآهات المكروبين.. ومن خلف الدمعة والصرخة والطنين كان يأتينى صوته:

-  هذه آثار التعذيب المتبقية بعد نصف قرن..

وجهت إلي رفاقه السؤال:

-  هل كانت الثورة ممكنة؟

كان السيد حسين الشافعى فخورا بالثورة رغم كل ما حدث مؤكدا أنها غيرت، وستواصل تغيير وجه التاريخ.

كانت إجابة اللواء جمال ربيع حادة باترة أن الثورة كانت نكبة..

ولقد اتفق معه - لدهشتى وأساى - الوزير أحمد طعيمة  رغم اختلافهما حين قال:

- قد بكيت  طويلا   لأننى  شاركت  فى  الثورة التى  وصلت بالوطن  والأمة   والنظام  إلى  ما صاروا  إليه،  ليتنى  ما  شاركت  فيها،  ليتنا ما  قمنا  بها.

***

- هل كانت ثورة 23 يوليو ممكنة؟.

أحد الأصدقاء، وهو كاتب كبير، ومفكر بالغ العمق، ووطنى من الطراز الأول، ومثقف حقيقى واسع الاطلاع، راح يتساءل أثناء حوارنا حول ثورة 23 يوليو:

- كيف تسأل إن كانت الثورة ممكنة أم غير ممكنة بينما هي قد قامت فعلا، ووجدت على الساحة وكان لها تأثيراتها الكبرى؟.

قلت للصديق:

- دعنى كي أوضح نفسي أبدأ بطرفة، إذ يحكى أن شابا ذهب إلى شيخ المسجد ليسأله: يا مولانا: هل تنفع الصلاة بغير وضوء؟ وأجابه الشيخ على الفور: لا يا بنى.. لا تنفع أبدا، وهنا فاجأه الشاب: يا مولانا، لقد جربت بنفسى: عملتها ونفعت!!..

لقد قام هذا الشاب بكل حركات الصلاة، وربما يكون من حق كل من شاهده أن يقسم أنه صلى، إلا أنه في الواقع لم يصل!!.. كذلك ثورة 23 يوليو، مارست كل طقوس الثورة لكنها في الواقع لم تقم.

دعنا من الرمز المكثف الآن من أن الصلاة لا تصلح دون وضوء، وكذلك الثورة ما كانت لتصلح دون وضوء، ودون مرجعية إسلامية كاملة ومهيمنة، فالأمة لن تحررها إلا الأيدى المتوضئة.

قلت للصديق أن ثورة يوليو 52 قد قامت على خلفية قصور شامل في إدراك التاريخ من ناحية، وواجبات العقيدة من ناحية أخرى.

لم تفطن الثورة إلى قاعدتين أساسيتين لم يكن لقيامها أن يصح بدونهما: أننا كما يقول القرآن أمة واحدة، و أن أعداءنا يقاتلوننا كافة، و أنه يجب علينا أن نقاتلهم كافة. تبنت الثورة فكرة القومية وهى فكرة غربية، يقول جارودى ( الإسلام الحى- دار البيرونى-بيروت) أنه ليس هناك فكرة مناقضة  لعقلية الأمة الإسلامية أكثر منها، وهى فكرة تتناقض مع وحدة الإنسانية التى تعتبر المفتاح الرئيسي للنظرة  الإسلامية للعالم. كانت القومية تمزيقا للأمة، وكانت مؤامرة غربية صليبية، وكانت شَركا وقعت فيه الثورة، وطعما ابتلعته، فما نجحت في إرساء الدولة القومية ولا هي سعت إلى وحدة الدولة الإسلامية. بل لقد استبعدت الدين أصلا كمحرك للصراع. وتجاهلت تاريخا طويلا مضمخا بالدم والمعارك.

كان  مد العرب الحضارى قد توقف وقوتهم قد استنزفت  في الانتصار على الصليبيين والتتار،  وكان يمكن أن يكون مصيرنا كمصير الهنود الحمر و أهل استراليا الأصليين ( فوحشية استعمار القرن الخامس عشر بالظروف العالمية المحيطة  لم تكن كوحشية استعمار القرن العشرين)  لولا أن قيض الله الدولة العثمانية.. الدولة العثمانية التى ابتلعت ثورة 23 يوليو الطعم واعتبرتها رمزا للجمود والتخلف.. وكانت في ذلك متطابقة تطابقا مذهلا مع وجهة نظر أعدائنا.. و أعداء ثورة 23 يوليو و أعداء جمال عبد الناصر. امتصت الدولة العثمانية الهجمة الشرسة للقوة الغربية المفعمة بالحقد والوحشية والرغبة في الانتقام، بل وحققت الكثير من الانتصارات ،  و كبحت سرعة الانهيار، و أجلت احتلال بلادنا ثلاثة قرون على الأقل.

لو أن المسألة كانت تنحصر في هزيمة 48  و إسرائيل لكانت  مصر بالثورة كافية لهزيمتها.. لكنها كانت حربا شاملة لم تدرك الثورة أبعادها فلم تستعد لها كما يجب.

لم يكن الأمر يتعلق بعام 67 ( حيث الهزيمة المذلة المهينة) ولا بعام 48 ( حيث الهزيمة الأكثر إذلالا ومهانة) بل كان يتعلق بألف وخمسمائة عام من المواجهة، ظلت لنا فيها السيادة والانتصار ألف عام ثم بدأت الهزائم. ولم تكن 67 و 48 إلا امتدادا لما حدث فى31( عمر المختار) وفى 29 ( ضم طاجكستان المسلمة إلى الاتحاد السوفيتى) وفى 25 ( ضم جمهورية تركمانستان  وجمهورية أوزبكستان إلى الاتحاد السوفيتى) وفى 24( إلغاء الخلافة) وفى 22( استشهاد أنور باشا  وهزيمة المسلمين فى آسيا الوسطى التى احتلها الروس البرابرة) وفى 20( غورو يغزو دمشق صائحا: ها قد عدنا يا صلاح الدين)..  وفى 17( وعد بلفور واحتلال القدس وبغداد) وفى 16 ( الروس يقتلون 150000 مسلم فى قيزغيزيا) وفى 16( سايكس بيكو) ،  وفى 1911 ( احتلال ليبيا- إيطاليا) وفى 8( احتلال فاس بالمغرب- فرنسا) وفى 3 ( احتلال موريتانيا- فرنسا) وفى 1899( احتلال الكويت- بريطانيا) وفى 1892 ( احتلال مسقط والبحرين- بريطانيا) وفى 1890( احتلال تركتستان الغربية-روسيا)   وفى 1882 ( أحمد عرابى) وفى 1881 ( الفرنسيون يحتلون تونس ويذبحون 60000 جزائرى مسلم) وفى 1878( احتلال سمرقند وبخارى وطشقند- روسيا) وفى 1878( احتلال إريتريا- إيطاليا) وفى 1887 أيضا ( احتلال البوسنة والهرسك- النمسا .. وولاية بيساربيا-روسيا))  وفى 1864( احتلال القفقاس- روسيا) وفى 1866 (احتلال إمارات الخليج- بريطانيا) وفى 1858( البحرية الإنجليزية والفرنسية تقصف جدة فتقتل المئات) وفى عام 1840( فصل الشام عن مصر) وفى عام 1839( الألمان يطردون العثمانيين من بلجراد) وفى 1839( احتلال عدن- بريطانيا) وفى 1830( احتلال الجزائر- فرنسا) وفى 1830( الجيش الهولندى يذبح 200000 مسلم فى إندونيسيا بعد استيلائه على الفليبين) وفى عام 1827( أوروبا تحطم جيش محمد على فى ثلاث ساعات  فى نافارين) وفى 1827( انفصال اليونان عن الدولة العثمانية) وفى1820( احتلال مسقط-بريطانياوفى عام 1809 ( الأسطول البريطانى يدمر رأس الخيمة) وفى عام 1807( حملة فريرز) وفى 1799( احتلال مصر- فرنسا) وفى عام 1774( احتلال شبه جزيرة القرم وبحر أزوف والمناطق الشمالية للبحر الأسود ثم سلوفينيا-روسيا) وفى عام 1724( احتلال مناطق بحر قزوين-روسيا)وفى عام 1699: (انفصال المجر و أوكرانيا وترانسيفاليا عن الدولة العثمانية) وفى عام 1687 (انفصال المجر وقبلها مقاطعة كييف)  وفى 1683 (تحالف ألمانيا والنمسا وفك الحصار العثمانى على فيينا) وفى عام 1658 (هزيمة آخر ثورة للمسلمين فى الأندلس حين أصدر فيليب الثانى أمرا بذبح كل مسلم فوق سن الرابعة عشرة) وفى عام 1569 (صدور فرمان بتحريم الشعائر الإسلامية  وتنصير المسلمين) وفى عام 1529 (حرق المسلمين الذين تنصروا بتهمة عدم التنصر الكامل) .. وفى عام 1517( انتهاء الخلافة العباسية رسميا ) وفى عام 1492 (آخر ملوك غرناطة يتركها ذليلا باكيا كالنساء ملكا لم يحافظ عليه كالرجال) و… و… و…

***

لو أدركت ثورة 23 يوليو أن معركتها مع الحضارة الوثنية التى تتستر بالصليب لاختلفت حساباتها..

لو أدركت أنها مواجهة شاملة بين الإيمان والكفر لاختلف الأمر..

لو أنها توضأت لقبلت صلاتها..!!

نعم.. لم تقم ثورة 23 يوليو.. و أي ثورة لا تضع في حسبانها شمول المعركة وهيمنة العقيدة إنما هي صلاة.. لكن بغير وضوء..

***

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

أزمة فكر قومي أم أزمة ضمير شخصي؟!..

د محمد عباس

 

فاتحة:

 

نعم يا قراء.. أسألكم قراءة الفاتحة.. والمناسبة هي ذكرى حزينة ذابحة يتآمر الكل على تجاهلها..

المناسبة هي الذكري الثامنة والثلاثون للشهيد الفقيه العلامة الأديب المفكر مفسر القرآن.. صاحب الظلال والمعالم.. سيد قطب..

الفاتحة..

***

أين كنت يا محمد حسنين هيكل ليلة التاسع والعشرين من شهر أغسطس عام خمسة وستين وتسعمائة و ألف..

أين كنت والجلادون يصطحبون الشهيد لشنقه..

الشهيد الذي يكاد يجمع العلماء عليه..

يقول  الشيخ علي الطنطاوي أن الله قد ادخر لسيد قطب تفسيره للقرآن في الظلال فلم يسبقه إلى هذا التفسير منذ أنزل القرآن أحد..

ولا يقتصر الأمر على علماء الدين، فهاهو ذا الكاتب البحريني محمد جابر الأنصاري في كتابه " مساءلة الهزيمة "  يري أن  الصعود اليساري في الخمسينيات والستينيات – والذي لم يكن يتم إلا بالدعم الناصري وبدعمك يا محمد حسنين هيكل – كان صعودا  مؤقتا سرعان ما  توارى أمام صعود إسلامي كاسح شكل إرهاصاته الأولي  كتاب سيد قطب "معالم على الطريق" الذي صدر عام 1965 أو "المنفستو" الأول للحركة الإسلامية الراهنة على امتداد الأفق الإسلامي من مصر إلى الجزائر إلى أفغانستان، وربما كان سابقا لأوانه مقارنته بالمنفستو الشيوعي.

***

إنني أرجو القارئ أن يقف عند الفقرة السابقة، ورغم أن المقارنة من وجهة نظرنا مضحكة، فقد سقط المانفستو الشيوعي بالنسبة للعالم منذ أعوام طويلة، وبالنسبة لنا فقد كان ساقطا على الدوام، لكنني أنبه أنه عندما يقوم علماني بتشبيه كتاب بالمانيفستو الشيوعي فالأمر يساوي أن يقوم مسلم بتشبيه كتاب بالقرآن – أستغفر الله العظيم-.

لقد ركزت على هذا المعنى لأننا سنعود إليه فيما بعد، ولأن البعض وعلى رأسهم الأستاذ محمد قطب يرون أن قرار إعدام سيد قطب قد صدر بعد إدراك الشيوعيون والمباحث والنظام خطورة هذا الكتاب.

لا يقتصر الأمر على ذلك ، فإن غازي القصيبي الكاتب والشاعر والسياسي السعودي الشهير قد وصف الكتاب في روايته "العصفورية" معبرا عن تفاعلات المرحلة على لسان أحد شخوص الرواية إنه أعظم كتاب صدر خلال نصف القرن الأخير فيرد عليه محدثه مصححا: بل هو أعظم كتاب في خلال القرون الخمسة الأخيرة.

***

أعظم كتاب في خلال القرون الخمسة الأخيرة.

فأين كنت يا محمد حسنين هيكل ليلة شنق كاتبه..

وهل لذلك علاقة بإصرارك على التوقف عن الكتابة وعزمك على الانسحاب من التاريخ..

هل الأزمة أزمة يأس أم أزمة ضمير..

ماذا أخفيت عنا يا محمد حسنين هيكل..

***

من أجل ذلك كله لم أتعاطف مع الرسالة الفاجعة من الصحافي الأشهر محمد حسنين هيكل إلى الصحافي مصطفى بكري ، و فيها  يعتذر بسبب رفضه  الاحتفال  بعيد ميلاده، وفي الرسالة كتب يقول:

..".. لكن ما يلح عليٌ بشدة وأنا أتابع ما تنشرون هو ظني بأنه لا يصح لأحد في مثل هذه الظروف أن يحتفل بيوم دخل فيه إلي خضم الحياة رجل في نفس اللحظة التي تخرج فيه من مجري التاريخ أمة..."..

ويواصل هيكل قائلا:

..".. دعني أسألك بأمانة: هل تتصور أن رجلا عاصر وعايش أحلام الأمة علي امتداد ستة عقود يليق به أو يقبل منه أن يحضر احتفالات وسهرات تمتد إلي مطلع الفجر ثم يظل في سلام مع نفسه، راضيا مستريح الضمير، غير معذب بضرورة أن يعتذر لأفكاره وولاءاته، والوطن والتاريخ جميعا؟!.."..

***

ذوّبني الألم و أنا أستعيد عنوان كتاب هام للكاتبة الألمانية زيجفريد هونيكة.. وعنوان الكتاب هو : " الله .. ليس كذلك" .. وثمة خطأ لغوي ولكن الكاتبة تقصد أن الله الذي يعبده المسلمون ليس ذلك النموذج المشوه الذي ادعاه الغرب علينا في جهده المحموم لتشويهنا..

صرخت:

" الثورة .. ليست كذلك"..

"و هيكل.. ليس كذلك"..

وتلك الصورة المثالية الحالمة ليست كذلك..

والبطولة والإبهار والمجد والزعامة و الإلهام والفكر والحكمة والقداسة والعصمة والصواب المطلق ونفي الآخر وادعاء أن الآخر كان شيطانا رجيما ... كل ذلك لم يكن كذلك..

نعم.. برنامج صناعة النجم غير الحقيقة وألبس الحق ثوب الباطل والباطل ثوب الحق..

كل ذلك.. لم يكن كذلك ..

لذلك فإن هذا الألم الفاجع الذي فاض من محمد حسنين هيكل على قرائه هو أكبر من أن يكون ألم فقد. إنه ألم آخر. ألم ضمير طالما برر الوسيلة بالغاية فلما ضاعت الغاية تبدت بشاعة  الوسائل.

ولنقارن بين الوضعين – مستعيدين وصف هيكل لأحدهم عندما قارن بين ناصر والسادات فقال : (إن مجرد عقد المقارنة إهانة).. أقول فلنقارن بين الوضعين، وضع هيكل، مرفوعا على أعناق أحبائه ومريديه، محاطا بهالات تمجيدهم، وفي حياة رغدة حباه الله بها، لكنه بين ذلك كله، يغرق في ظلمات اليأس المطبق، واثقا من أن أمته تخرج من التاريخ، أما الوضع الآخر فهو وضع سيد قطب، معلقا في المشنقة، بعد عذاب لا يوصف، واثقا طول الوقت، من أننا، لن نبقي في التاريخ فقط، بل سنتصدر لقيادته.

***

ذوّبني الألم و أنا أتساءل عما سربه هيكل إلينا من حقائق وعما أخفاه..

ذوّبني الألم و أنا أتساءل عن دور محمد حسنين هيكل في كتابة القصة و إخراجها والسيناريو والحوار وتوزيع الأضواء وفرض مناطق الظلام..

ذوّبني الألم و أنا أتساءل عن دور هيكل في كل هذا..

ذوّبني الألم و أنا أتساءل عن علاقة كل هذا باليأس المطبق الأسود الذي يحيط به الآن ويكاد يبتلعه فيعلن عزمه على الانسحاب والتوقف عن الكتابة..

ذوّبني الألم و أنا أنظر مستفزا ومذهولا إلى الدراويش والمريدين الذين يحتفلون بهيكل احتفال المؤمنين بنبي..

ذوّبني الألم و أنا أتساءل إذا كانوا يفعلون ذلك وهيكل مثلنا بل و أكثر منا غارق في الألم عاجز عن استشراف سبيل للخلاص أو طريق للنجاة.. ثم أتساءل ماذا كان يمكن أن يفعلوه لو أن هيكل قد قدم طريقا للنجاة وسبيلا للخلاص.. أكانوا يعبدونه من دون الله؟!..

ذوّبني الألم و أنا أريد أن أصرخ فيهم: هيكل ليس مانديلا، لم يقض عمره في السجن كي ننتظر على يديه الخلاص بعد الإفراج.. هيكل كان حاكما أكثر من نصف الوقت..

ذوّبني الألم و أنا أتساءل متي بدأ الخطأ و أين وكيف ولماذا .. ولماذا كان الانهيار بهذه البشاعة والحدة والشمول والاكتمال.. ولماذا خدعتنا عناصر الصورة.. أيها كان يمثل الحقيقة اللابسة ثوب الباطل و أيها كان يمثل الباطل يلبس ثوب الحق.. أيها كان الحلم و أيها كان الكابوس و أيها كان الواقع.. هل التبست الخيانة بالبطولة والطهر بالعهر والإيمان بالكفر ؟.. أم أن التلاعب بأجهزة الإعلام وتكنولوجيا صناعة النجوم وتزوير التاريخ هي التي دلست علينا الأمر كله..

***

يجب أن نفتش في ماضينا حقبة حقبة .. بل يوما يوما..

و أن نبحث في رجالنا رجلا رجلا لنسأل من كان الصادق ومن كان الكذاب.. ومن كان الخائن ومن كان البطل..

يجب أن نفعل ذلك مهما كان الأمر أليما ومخالفا لهوانا..

نعم .. يجب أن نسأل  .. و أن نسأل هيكل بالذات:

هل كانوا ملائكة؟ أم شياطين؟.. أم بشرا خطائين؟..

نعم.. الأسئلة التي أسألها الآن عن التاريخ ومنه ثورة 23 يوليو ليست تحويما في فراغ ولا تحليقا في فضاء ولا هي ترف ولا هي تسلية ولا هي خمر أشربه و أسقيكموه  كي أثمل و أغرقكم في الغيبوبة حتى نهرب سويا من الألم الساحق المهين الذي نعيشه..

ليست ترفا.. ولشد ما أشفق عليكم يا قراء من المواجهة.. ووالله الذي لا إله إلا هو.. لقد كنت أمرض كلما واجهت هذه الأسئلة ، وفي مواجهتي الأخيرة بالذات  امتد المرض.. ليس أياما بل أسابيع وشهورا.. أقول مواجهتي الأخيرة.. لأنني ظللت أعواما تلو أعوام – حتى منتصف الثمانينيات- .. أقاوم كل شواهد المنطق.. كالزوج المخدوع..

***

الأسئلة التي أطرحها اليوم ليست ترفا.. إلا إذا اعتبرنا دراسة الطب للوباء أو للسم الناقع تزيدا لا ضرورة له ولا طائل خلفه.

ليست ترفا ولا هي شأن يهم المصريين فقط.. لأن ما حدث في مصر خفية منذ خمسين عاما هو بذاته ما يحدث اليوم على قارعة الطريق..

وما حدث في مصر منذ خمسين عاما هو بذاته ما كان يحدث فيها منذ مائة عام ومنذ مائتي عام.. وهو بعينه ما حدث في شتي أرجاء عالمنا الإسلامي.. و أعيذ فطنة القراء التي كواها الألم وحرَقتها النار .. أن يخدعها اختلاف المظهر عن وحدة الجوهر.. و أن اللص المجرم الخطير قد يتخفى في ثياب عالم دين كبير.. كما أن المجاهد.. مرفوعا .. على أجهزة التعذيب .. ممزق الجلد والأعضاء  داميا سوف يشبه بالتأكيد المفسدين في الأرض إذ يُقتص منهم ويقام الحد عليهم.

***

السؤال أعيده:

هل كانت صورة ثورة 23 يوليو تلك  الصورة المثالية الحالمة التي جهد إعلام الثورة وأصدقائها – وعلى رأسهم هيكل – على تقديمها للناس .. صورة العملقة والزهو والثأر  والبطولة والإبهار والمجد والزعامة و الإلهام والفكر والحكمة والقداسة والعصمة والصواب المطلق ونفي الآخر وأحلام اليقظة وادعاء أن الآخر كان شيطانا رجيما ..

السؤال أعيده ..

السؤال أسأله عن برنامج صناعة النجم..

 برنامج صناعة النجم  على غير الحقيقة وإلباس الحق ثوب الباطل والباطل ثوب الحق..

***

السؤال أعيده..

و إذ أعيده أطرح بعده وقبله  تساؤلا  غريبا..

 لماذا و أين تختفي وثائق ثورة يوليو إلى الآن؟.. وكيف اتفقت مصلحة العهود الثلاثة على إخفائها..

نعم أطرح قبل سؤالي الأول سؤالا آخر.. لأن هذا السؤال الآخر قد يغنينا عن الإجابتين.. إجابته.. و إجابة السؤال الأول..

***

يتساءل الكاتب عادل حمودة – وهو بالمناسبة كاتب قومي لا أحبه-  عن وثائق ثورة يوليو  وهل هي موجودة ..و.. أين ؟.. وهل صحيح أن محمد حسنين هيكل قد حصل عليها ونقلها إلى بيته؟ وما الذي حصل عليه اشرف مروان منها.. وهل صحيح انه وضعها في مكان ما في لندن؟ ..

ويواصل حمودة  تساؤلاته:

هل صحيح أن الرئيس السادات وجد أن ما ستتوصل إليه اللجنة يخالف روايته لتاريخ الثورة.. وانه سيقلل من دوره فيها.. (...) لقد بدأ تربص السادات بأوراق هيكل واضحا في وقت مبكر بعد خروجه من (الأهرام) .. في عام ..1975في تلك السنة حصل هيكل - في أثناء رحلة إلى الولايات المتحدة الأمريكية-  على مجموعة وثائق شديدة الحساسية هي مجموعة تقارير وبرقيات ومراسلات بين السادات وكيسنجر تدور عن حرب أكتوبر 1973 وما جرى بعدها.. وكانت هذه الوثائق غائبة عن هيكل رغم قربه الشديد من عملية الإعداد للحرب.. وعرف السادات بما حصل عليه هيكل.. والغالب أن هذا ضايقه.. فكان أن شنّ عليه حملة عنيفة تحاول أن تنفي عن كتاباته المصداقية..

***

تساؤلات عادل حمودة يطرحها العديدون منهم  د. يونان لبيب رزق و د. رؤوف عباس, وهما مؤرخان مشهوران لتاريخ مصر الحديث، كما طرح ذات التساؤل الشاعر فاروق جويدة.

 وقد تعجب  د. رؤوف عباس من وجود وثائق أسرة محمد علي في دار المحفوظات القومية رغم مرور ما يزيد عن 200 سنة.. وفي الوقت نفسه لا يوجد أثر لوثائق ثورة يوليو..

***

التساؤل الذي نطرحه إذن:

ما هو المشترك بين عبد الناصر والسادات ومبارك.. هذا المشترك الذي يحرص الجميع على إخفائه .. وبنفس الدرجة..

لو أن هذه الوثائق في صف عبد الناصر لنشرها هيكل، ولو كانت في صف السادات لنشرها السادات، ولو أنها كانت تدين عبد الناصر والسادات لنشرها مبارك، على الأقل لتقليل أوزار عهده، ولو بالقياس، لكن الأمر أصعب من هذا كله و أخطر منه.
الأمر – لا ريب – يتعلق باتفاق جوهري سري مرتبط بالاستمرار في الحكم..

اتفاق سري.. يهم الثلاثة ألا يذاع ويفتضح.

اتفاق سري .. لا يقتصر على مصر ولا حتى على العرب بل يشمل الدول الإسلامية جميعا.. نفس الاتفاق الذي أبرم مع أتاتورك: الإسلام الحقيقي ممنوع.. والوحدة الحقيقية ممنوعة.. القوة العسكرية ورباط الخيل خط أحمر – وذلك منذ محمد علي-  وبعد ذلك افعلوا ما شئتم..

وهذا الاتفاق السري المفروض على الحكام فرضه الحكام على أجهزة أمنهم وبلاطهم وشرطتهم وجيوشهم: الإسلام الحقيقي ممنوع.. والوحدة الحقيقية ممنوعة.. وبعد ذلك افعلوا ما شئتم..

***

اتفاق سري قبله البعض رغما عنه، وقبله البعض الآخر لأنه على هواه، وقبله آخرون على أمل المناورة..

نعم .. قبله البعض وهو يتصور العلاقة علاقة بين أنداد.. وهؤلاء كان يقودهم جنون العظمة..

وقبله البعض بشرط أن يكون العميل الأول .. وهؤلاء نسوا درس السياسة الأول: لا علاقات دائمة..

وقبله البعض الثالث على أن يكون عبدا خصيا خادما خنوعا ذليلا.. وحتى هذا لم يسلم.. فقد احتاجوا لأعضائه ولدمه في عمليات كعمليات زرع الأعضاء..

اختلفت البدايات واتفقت النهايات  وتساوي الجميع في الإثم، إثم ارتكاب فاحشة الفواحش، وكان السر مشينا للجميع فلا أحد مستعد للاعتراف به أبدا..

***

إنني أدرك يا قراء كمّ المهانة التي يمكن أن يحس بها أي واحد منكم حين يكتشف أنه قد خدع.. وأن الخديعة قد اخترقته إلى نخاعه.. وأدرك أن الأمة منذ تركت مرجعيتها المطلقة ممثلة في الدين – والدين عند الله الإسلام -  لتحوم في الفضاء والفراغ والضياع والخراب حول قيم نسبية.. منذ ذلك فإن الشرط الوحيد الذي يحميها من السقوط من حالق هو ثبات النسبي ( وهي قضية خاسرة بلا شك فالنسبي لا يمكن أبدا أن يكون ثابتا.. بل هو عكس الثبات) .. ودعوني أضرب لكم مثلا بفتاة هجرت مطلق الدين إلى نسبية الحب والعشق .. أحبت.. ومنحت نفسها لمن تحب.. وسمت ما تفعله ممارسة حب.. بالنسبة لها – لها وليس للآخرين – يظل الأمر كذلك حتى يهجرها معشوقها أو يخون.. فتتحول ممارسة الحب – بأثر رجعي- إلى زنا.. وتتحول العاشقة المعشوقة إلى مومس وبغي.. وتتحول المتحررة الحرة إلى جارية وعبدة.

نعم .. هل ترتعشون يا قراء  وهل ترتعد مفاصلكم.. فلأتقدم بالرغم من ذلك خطوة أخرى.. لأقول لكم أن هناك من هن أكثر عارا من تلك الخاطئة التي ذكرناها على الفور.. ألا وهي تلك الداعرة التي بدأت وهي تعرف أنها داعرة لكنها لبست رداء النسبية كي تقوم بدور مرسوم  تحصل به على الثمن.

لا أتحدث عن قضايا آداب بل أضرب المثل بها على قضايا سياستنا وموقف ساستنا..

***

أدرك يا قراء حجم الخديعة.. و أدرك حجم الألم .. فنحن جميعا قد تعودنا أن نقرأ و أن نبحث : ليس عما يقرّبنا من الحقيقة.. بل عما يرسخ اقتناعنا بما نحن مقتنعون به أصلا.. مهما كان بطلانه..

أدرك حجم الخديعة.. وأدرك أن القارئ سيقاوم تمزيق ستائر الباطل والكذب فكأنما هي الشيء الوحيد الذي يخفي عورته..

كل سؤال تمزيق.. وكل تمزيق كشف للمزيد من العورة..

نعود إلى السؤال:

هل كان كل المنطق وكل العقل وكل الوفاء وكل الضمير وكل الأخلاق بل وكل الإيمان  مع ثورة 23 يوليو وجمال عبد الناصر ومحمد حسنين هيكل وكان أعداؤهم بالتالي على النقيض.. كانوا الخوارج الذين لا منطق معهم ولا عقل لهم ولا ضمير ولا أخلاق بل ولا إيمان أيضا..

القضية ليست قضية مصر بل قضية كل الدول الإسلامية..

كما أنه ليست قضية حكومة ومعارضة بل قضية استسلام أو مقاومة.. بيع للوطن  أو دفاع عنه.. قابلية للاحتلال أم رفض لها.. إيمان بالطاغوت أم إيمان بالله.

***

قبل أن نجيب علينا أن نستعرض وقائع ثلاث. الواقعة الأولي عما سمي عام 54 بقضية الأسلحة. والواقعة الثانية تتعلق بالشهيد محمد الصوابي، أما الواقعة الثالثة فتتعلق بعلاقة ثورة 23 يوليو بالشهيد سيد قطب.

***

لكننا قبل أن ندلف إلى هذه الوقائع الثلاث، نثبت هنا ما أثبته الشيخ سيد سابق ( العالم الجليل مؤلف فقه السنة) حول علاقة الثورة بالإخوان المسلمين:

" جمال عبد الناصر كان من الإخوان المسلمين يقيناً، وقد بايع مع كمال الدين حسين في ليلة واحدة على المصحف والمسدس، وكان جمال تابعاً للخلايا السرية، وبقي كذلك حتى قامت الثورة، وكانت فكرة الخلايا السرية أساسا محاربة الإنجليز، فإذا استطاع الإنجليز القضاء على الهيكل الظاهري، فيكون وجود الخلايا السرية باقيا كقوة" ‏.‏

***

قد يحيك في نفس القارئ شئ من أننا استشهدنا بعدو ثورة 23 يوليو، لكن ما كتبه الضباط الأحرار بعد ذلك يحفل بهذه الحقيقة، و أولهم كمال الدين حسين، الذي ذكر أنه لم يكن هناك هدف للضباط الأحرار إلا تطبيق الإسلام، وحتى الدارسون المسيحيون يقولون ذلك أو ما يؤدي إليه، فهاهو سليم نجيب  يذكر أن جمال عبد الناصر كان  يقوم بتدريب التنظيم السري العسكري للإخوان المسلمين وإمداده بالسلاح مع أنور السادات .

سوف نقول أيضا أن عشرات الصور الفوتوغرافية عن تلك المرحة بين زعماء الإخوان وقادة الثورة ، هذه الصور موحية تماما، لكن لمن يراها، ونقول أكثر أن العلاقة بين المرشد العام للإخوان وبين جمال عبد الناصر كانت تسمح للأول أن يدعو – أو في الحقيقة يستدعي – الثاني إلى منزله عندما تكون للاجتماع ضرورة.

***

هل هذا السر الذي لا يستطيع حتى هيكل – بل وربما بالذات هيكل- البوح به؟ وهل هذا السر  هو الذي يقبع خلف ما تصوره: خروج العرب من التاريخ، وما يوشك هو بنفسه أن يفعله عامدا متعمدا بالتوقف عن الكتابة كما أعلن.. أي الانسحاب من التاريخ؟!.. أقول بالذات هيكل ..  والتخصيص هنا ليس لأنه أسوأهم.. على العكس.. لأنه أفضلهم.. وما لم يعد يُخجل الآخرين البوح به يذبحه هو أن يبوح به أو أن يعترف.. و أنا واحد من الناس ما زلت بحسن الظن أظن أن هيكل  لم يسع إلى الباطل بل وقع فيه، و أنه عندما وقع في الغواية فقد وقع استدراجا وتعرض لخيانة  مركبة معقدة .. لم تقتصر على الأجنبي .. والآخر..  بل اشترك فيها بعض نفسه ضد بعضها الآخر حين تخلى عن المرجعية الإسلامية ففقد درعه الواقي وترياقه الذي كان يمكن أن يحميه من سموم الخيانة..

كان هيكل أفضلهم.. ولذلك لم يستطع الاستمرار..تماما كما لا يستطيعه الآن.. الآخرون استطاعوا أما هو فلم يستطع..

و أنا أدرك أزمة هيكل.. فلا هو يستطيع الرجوع إلى وراء ولا التقدم إلى الأمام ولو لخطوة واحدة..

إنه لا يستطيع – بعد كل ما جرى – أن يزعم أنه كان على صواب.. كما أنه لا يملك أن يتقدم إلى فكر عاداه طول عمره.

أزمة هيكل أنه كاتب حقيقي وصحافي حقيقي ومثقف حقيقي..

و أزمته الأكبر ربما كان القرآن الكريم  سببها.. فلقد حفظه عن ظهر قلب في صباه.. والآن هو لا يستطيع العودة إلى ظلاله التي تفيأها ذات يوم.. في الوقت الذي لا يوجد فيه أي ظل آخر..

***

والآن لندلف إلى الواقعة  الأولى من الوقائع الثلاث:

قضية الأسلحة:

بطل هذه الواقعة هو المجاهد حسن عشماوي، من مواليد  عام 1921م  وأتمّ دراسته القانونية بكلية الحقوق سنة 1942م. مارَس أعمال النيابة العامة والقضاء ثم تفرغ للمحاماة، وللعمل في جماعة الإخوان المسلمين.

***

كان اللقاء الأول بين "حسن عشماوي" و"جمال عبد الناصر" سنة (1371هـ-1951م) ، بعد إلغاء معاهدة سنة 1936م ، وكان الإخوان يشاركون في معارك قناة السويس دون إعلان، وكان الضباط الأحرار  يتعاونون مع الإخوان في المعركة، واختير "حسن عشماوي" ليكون همزة الوصل بين الجماعة وتنظيم الضباط الأحرار في أمور معارك قناة السويس، وفي غيرها من الأمور. وكانت علاقة الإخوان بعبد الناصر قبلها عن طريق الضابط محمود لبيب.

كانت كفاءة "حسن عشماوي" محل تقدير على الرغم من صغر سنّه، الأمر الذي جعله أهلا لأن يكون عضوًا في لجنة وضع الدستور المصري سنة (1953)، وأن يرشَّح للوزارة. وقد أوفده عبد الناصر في مهمة رسمية إلى الكويت عام 53.

***

والآن لنتناول قضية الأسلحة.. والتي كانت بداياتها الأولى في منتصف الأربعينيات  حين كان جمال عبد الناصر وبعض الضباط الأحرار يشتركون في تدريب الإخوان على استعمال الأسلحة في النظام السري من عام 45 ـ 1947 بقصد إجادة استخدام هذه الأسلحة لمحاربة اليهود والإنجليز ، كان عبد الناصر أيضا أحد مصادر شراء السلاح للإخوان.  كان هناك أسلحة مخبأة عند عبد الناصر وعند مجدي حسنين – من الضباط الأحرار- بكان وفي يوم 26 يناير 1952 – يوم حريق القاهرة -  اتصل عبد الناصر بحسن عشماوي واستنجد به  لنقل الأسلحة - وكانت معدة لنقلها إلى منطقة قناة السويس-  لخوفه من تفتيش المكان بمناسبة الحريق  وذهب عدد من الإخوان ( منير دله  وعبد القادر حلمي وحسن عشماوي)  بسياراتهم ونقلوها برمتها إلي عزبة حسن العشماوي ثم  إلي قصر  والده المرحوم محمد العشماوي بالشرقية. وكان الوحيدون الذين يعرفون مكان هذا المخبأ هم أفراد هذه المجموعة من الإخوان بالإضافة إلى عبد الناصر نفسه. وتم بناء هذا المخزن بواسطة الإخوان في مدى ثلاث ليال في سرية كاملة علي حسب التصميم الذي وضعه جمال عبد الناصر.  ونقلت الأسلحة والمواد المتفجرة إذ هذا المخزن في سرية تامة كذلك . وظلت حتى نجاح الحركة، وكان حسن عشماوي  قلقا من  سوء التخزين لأن المخزن بنى في سرعة علي عمق ثلاثة أمتار من سطح الأرض الأمر الذي كان يخشى بسببه من تسرب المياه إلي أرضية المخزن وتلف الأسلحة ، ولذلك كان  يستعجل  صديقه جمال عبد الناصر في نقل محتويات المخزن لكن جمال عبد الناصر كان يطلب التريث لعله يحتاج إليها يوما ما. وكان حسن عشماوي يتصور  أنه ربما كان في عزمه مواصلة الكفاح في قناة السويس . وثبت بعد ذلك أنه لم يكن يريد استعمالها في قناة السويس بل في ميدان آخر، ففي يناير سنه 1954 تحققت حاجة عبد الناصر إلي  هذه الأسلحة فعلا حين ألقي القبض على حسن عشماوي مع بقية الإخوان – ومنهم المرشد العام حسن الهضيبي وسيد قطب- واتهمهم بتخزين أسلحة ومفرقعات تفكي لنسف القاهرة ! !  وأطلق ألسنة الصحافة بالكلام عن مخازن الأسلحة هذه التي كانت معدة لمحاربة الثورة . . . لا لإنقاذ الثوار من براثن الشرطة يوم حريق القاهرة ! !

دخل المرحوم حسن العشماوي السجن في يناير سنه 1954 متهما  بإحراز أسلحة عبد الناصر ، وكانت مانشيتات  الصحف الصادرة في يوم (18 من يناير 1954م) على صدر صفحتها الأولى عن عثور قوات الأمن على مستودع كبير مليء بالأسلحة والمواد الناسفة بعزبة تمتلكها أسرة "حسن عشماوي".

في التحقيق،  وجه حسن عشماوي  كلامه لوكيل النيابة بأنه ممتنع عن الإدلاء بأية أقوال، وعن الإجابة على أي سؤال حتى يحضر "جمال عبد الناصر" الذي يعرف كل شيء عن هذه الأسلحة، ويعلم قصتها.

***

يا قراء.. فلنحاذر من أن نموت في البحر غرقا أو أن نتوه في الصحراء.. ولنتجنب رصد فترة تعمد الكل ألا ترصد، وتعمد الكل تجاهل ما رصد منها، من فترة أصبحت متاهة وأرض تيه، فلنحذر إذن، نحن لا نقدم موجزا للتاريخ، لكننا فقط  نلتقط علامات موحية من هنا وهناك..

في يناير 1954 ومع أزمة نجيب الأولي كان القبض على الإخوان المسلمين الذي ذكرناه على الفور، وتغيرت الظروف بشدة داخل الجيش وفي الشارع، فاضطر عبد الناصر إلى التراجع الكامل،  و في25 مارس سنة 1954أعلن عبد الناصر إلغاء قراراته السابقة و الإفراج عن الإخوان، وفي حركة استرضاء يسبق المرشد العام إلى بيته كي يكون في انتظاره هناك عند وصوله بعد الإفراج عنه ، وهناك يلاحظ غياب  حسن العشماوي ويسال عنه فيقال له هو " غاضب من سلوكك معه ومع الإخوان "،  فيضحك عبد الناصر ملء شدقيه ويعقب: " أنا شهرته في الجرائد بما يساوى عشرة آلاف جنيه ! ! "

***

أما عن الموقف القانوني فقد  حُفظ التحقيق في قضية الأسلحة التي كانت تكفي لنسف القاهرة عشر مرات، وكان هذا يعني أن الاتهام باطل، وأن هذه الأسلحة إنما هي ملك "جمال عبد الناصر" وهو الذي أخفاها عند "حسن عشماوي".

***

يــــا اللـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه..!!

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[1][1][1]

 

 

 

 -- عبد الله العقيل – من أعلام الحركة والدعوة الإسلامية المعاصرة – مكتبة المنار الإسلامية – الكويت – 1422 هـ = 2001م.

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

(وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ)

***

الشهيد محمد الصوابي

-                  بقلم د محمد عباس

-           أقدم لكم قصة فيلم سينمائي أضمن لكم نجاحه، أو مسلسل تلفازي تطول حلقاته وتطول فلا يملها المشاهد أبدا، لأنها تحفل بكل ما يغري الناس ويجذبهم. الصراع و السلطة والدم والعنف والإثارة والرعب والألم والأمل والتشويق والخوف والانبهار والانتظار والانهيار والرجاء والموت والوفاء.. ثم أن القصة تحفل بتشويق تضاهي به أعقد القصص البوليسية، حيث لا يكتشف الناس المجرم إلا بعد أن تكتمل الجريمة، بل ويزيد الأمر على ذلك، فلربما عاش هذا المجرم أعواما وأعواما والناس يعتبرونه بطلا.. كما أن البطل قد يموت شهيدا.. والناس يضعونه في عداد المجرمين.. تماما كما اعتبر سليمان الحلبي وعمر المختار و أحمد عرابي عند المجرمين مجرمين.. لمجرد أن السلطة ووسائل الإعلام  كانت بيد المجرمين..  وفوق هذا كله فالقصة تحوي أيضا شيئا نادرا وغريبا لا تعرضه فضائياتنا  إلا مشوها.. شئ  نادر وغريب.. اسمه الإسلام..

***

على أنني في استعادة هذا التاريخ لا أهدف على الإطلاق إلى إيقاظ فتنة أو استعادة معركة أو الانتصار لهذا على ذاك، ولست أزعم أيضا أنني زعيم بأن أقدم القول الفصل، ولا الحق الذي لا يشوبه باطل، بل إنني أذكر القراء و أذكر نفسي، أن التقدم البشري جله، إنما يعتمد على اكتشاف الباطل فيما مضى، وتصويبه.

لا أهدف إلى أي من ذلك، كما لا أطمح ولا أطمع ولا أريد، أن أقدم للقارئ منجم معلومات و أترك له الحكم، فذلك فوق أنه فوق قدرتي فإنه ليس مرادي.

ما أريد أن أقدمه للقارئ، إنما هو منهج للبحث، منهج معتدل لا منهج مقلوب، منهج معتدل، منهج لا يقبل المسلمات إلا في مجالها، وفي هذا المجال عليه أن يسلم للوحي – أهم مصدر للمعرفة عند المؤمنين- بالأمر كله، أما فيما عداه فعليه أن يعمل عقله حتى أقصاه.

وما أريد أن أقوله للقارئ، أن عمليات التضليل البشعة الهائلة وغسيل المخ التي يتعرض لها العقل المسلم لم تُسبق في التاريخ. كما أريد أن أقول، أن العلمانيين العرب، وفي مقدمتهم الشيوعيين، هم على درجة من الخسة والكذب لا يضاهيهم فيها أحد. إن العلماني الغربي على سبيل المثال لا يتورع عن التصريح بأنه ملحد، أو الاعتراف بأنه شاذ، كما أنه يطرح أفكاره أيا كانت كما يؤمن بها، أما هنا، فإن الملحد لا يدعي الإيمان فقط، بل ويري أن يحتكر تفسير الدين، والشاذ لا يمارس الشذوذ فقط بل يتاح له أن يكون الوحيد الذي يحدد مقاييس الشرف  يتهمون المسلمين بالتقية وهم الذين يمارسونها على أبشع وجه يمكن تصوره، ولا أحد منهم يعبر عن آرائه الحقيقية أبدا. فإذا لم نتنبه لذلك، فسنظل على الدوام أسرى لعمليات غسيل المخ.

عمليات غسيل المخ في بلادنا لا يقوم بها الجهاز المخابراتي فقط، بل الجهاز الخسيس لتزوير الواقع واستنزاف الوعي، الذي يسيطر على جل منابره العلمانيين من عملاء الشرق والغرب والشيطان، وربما يحتفظ المواطن العادي بحصانة طبيعية ضد تضليل الدولة، لكنه غفل عن التسلل والاختراق الذي قامت به النخب المثقفة ممثلة للجهاز المخابراتي.

***

في الفترة الماضية على سبيل المثال، وقلبي ينسحق تحت وطأة الهزيمة، والنار في حشاياي، قررت أن أعيد قراءة التاريخ لأعثر على الخطأ، ولاقيت صعوبة هائلة في العثور على أبسط المصادر. كما أنني لاحظت في قضايا الإخوان المسلمين على سبيل المثال، أن صوت الدولة وحده هو الذي كان مسموعا، لكن الأمر لم يقتصر على ذلك، لقد كانت الدولة أيضا هي  تعين رجال الإعلام والمثقفين، وما هم برجال ولا هو بإعلام ولا هم بمثقفين، وكان هؤلاء بدورهم، يؤكدون طول الوقت على أكاذيب السلطة، ويتجنبون التطرق بأي شكل من الأشكال إلى حقيقة ما حدث. بل وبلغت بمعظمهم الحقارة والخسة، أن يعتمد في تحليله السياسي، وفي أحكامه، على أقوال المعتقلين، التي أخذت منهم تحت وطأة تعذيب لا يوصف، دون أن يحاول بأي شكل من الأشكال أن يلقي أقل قدر من الضوء على أي حقيقة. وكانت الدولة أيضا هي التي تعين أساتذة الجامعة، فاستبعدت طول الوقت كل شاهد حق، واستخدمت المنافقين، وأرباب الكذب، وعلى مستوي السياسة، كان وجهاء السياسة، جلهم، من حثالة الناس وقاع المجتمع الذين اقتنصتهم أجهزة الأمن، وعرضتهم لقدر من التدريب المكثف، وكان بعضهم يمتلك من الخسة قدرا جعله لا يحتاج لأي تدريب إضافي، أما البعض الآخر فكان لابد أن يمر بدهاليز السجن والعذاب، كي يكفر بكل قيمة، ودين، ويؤمن فقط بالفرعون فلا يرى إلا ما يرى.

***

ضاعت الحقيقة على موائد اللئام والمجرمين..

وكثرت الأسئلة بلا جواب وتكاثرت.. وسوف نتحدث عن ذلك في حلقات قادمة بإذن الله، ولكنني  وعدتكم  في بداية هذا المقال بقصة تصلح فيلما سينمائيا أو مسلسلا تلفازيا.. هي قصة الشهيد محمد الصوابي..

***

لقد حدثتكم عن حسن عشماوي وكيف اعتقل في يناير 1954 ، في الاعتقالات الثانية  عام 54 أيضا استطاع حسن عشماوي الفرار والتخفي ثلاثة أعوام غادر بعدها البلاد.

كان اعتقاله والتهم التي وجهت إليه تمثل منتهى الجحود والخسة..

نجح حسن العشماوي في فراره..  محمد الصوابي لم يكتب الله لفراره النجاح..

لكن قبل أن نتطرق إلى هذه القصة أريد أن ألفت انتباهكم إلى واقعة مشتركة توجع القلب..

هل قلت توجع؟؟..

يا للكلمات وكيف تخون..!! توجع؟!.. بل تمزق وتدهم وتدهس وتسحق..

هذه الواقعة المشتركة، هي أن معظم من سنتحدث عنهم من شهداء الإخوان، كانوا مشهورين قبل ثورة 23 يوليو بأعوام..

نعم .. كانوا مشهورين..  بسبب بطولاتهم وتضحياتهم في فلسطين، وفي قناة السويس.

نعم.. لن تجد من ضحايا التعذيب إلا من كانت له سابقة جهاد..

أما المشكوك فيهم.. والمتيقن من خيانتهم.. فقد قربتهم السلطة وكرمتهم أيما تقريب و أيما تكريم.

لقد كان من المتصور على سبيل المثال أن تصب ثورة 23 يوليو جام نقمتها على عبد الرحمن السندي، رئيس التنظيم السري، وهو الشخص الذي أقسم أمامه جمال عبد الناصر – وثمانية من الضباط الأحرار – يمين الولاء على السيف والمصحف عام 45، وغضب عليه الإمام حسن البنا وفصله المستشار حسن الهضيبي  من تنظيم الإخوان، أقول كان المتصور أن يكون هذا هو أكثر من يحارب و أكثر من يعاقب و أكثر من يعذب، لكنه لم يتعرض لأي من ذلك، بل عينته حكومة الثورة  في شركة شل للبترول، واستمرت علاقته وثيقة بالسلطة خاصة بعبد الحكيم عامر، ثم سمح له بالسفر للعمل في البلاد العربية، ولم يرسلوا من يأتوا به في ظروف غامضة كما أرسلوا من جاء لهم بالشهيد محمد الصوابي.

على عشماوي أيضا، كان محكوما بالإعدام مع الشهيد سيد قطب، والوثائق التي أمامي غامضة، فهي لا تذكر قرارا معينا بالإفراج أو التخفيف، لكن المعلوم أنه كان معززا مكرما ي السجن الذي لم يمكث فيه سوى بضعة شهور، يرفل في الثياب الحريرية، ويستجيب لكل رغبات السلطة الفاجرة.. ( الرغبات والسلطة معا) .. لكن المتيقن منه، أنه خرج من السجن إلى الولايات المتحدة الأمريكية (؟؟؟؟؟!!!!!) ثم عاد.. وأظنه حيا حتى الآن..

محمد الصوابي كان في الجانب الآخر..

***

محمد الصوابي الديب، وهو بطل من أبطال فلسطين، والكفاح المسلح في القناة ، كان مطلوبا للقبض عليه عام 1954، ويصف زميله وصديقه المستشار عبد الله عقيل[2][1][1] ما حدث له، فقد  بقي  محمد الصوابي فترة من الزمن، متخفياً عن الأنظار، يسكن المقابر، ويجاور الأموات، حتى هداه الله إلى الالتجاء إلى جوار رجل شهم كريم، وعالم أزهري كبير، هو مفتي الديار المصرية آنذاك،  العلامة الشيخ حسنين مخلوف .

والشيخ حسنين مخلوف ليس شخصا عاديا، و إنما مجاهد يختزل فيه ضمير أمة، وعرفت مكانته المؤسسات  العلمية، فدعته للعمل بها، فكان عضوًا مؤسسًا لرابطة العالم الإسلامي بالسعودية، وشارك في تأسيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، واختير عضوًا في مجلس القضاء الأعلى بالمملكة العربية السعودية. وحظي الشيخ بتكريم الدولة في مصر، فمنحته جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية سنة (1402هـ = 1982م) ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، وامتد تكريمه إلى خارج البلاد، فنال جائزة الملك  فيصل العالمية لخدمة الإسلام سنة (1403هـ - 1983م)

***

طرق محمد الصوابي الديب باب الشيخ حسنين مخلوف،  وذهب الخادم إلى الشيخ ليخبره عن الطارق فيقول: إنه شاب طليق اللحية، رث الثياب، ويريد مقابلتك. يروي  الشيخ مخلوف بنفسه ما حدث فيقول الشيخ : تعجبت من ذلك وظننت أنه عابر سبيل.. دخل الشاب المنزل، ولم أقابله في البداية، بل أعدَّ له الخادم طعام الغداء، فأكله بشهية وكأنه لم يأكل منذ مدة طويلة.. بعد الغداء ظننت أنه سينصرف، إلا أنه أصرَّ على مقابلتي وألحَّ في ذلك، فذهبتُ إليه وما إن رأيته حتى ظننتُ أنه سيطلب صدقة، فقد كان رثَّ الثياب تبدو عليه شدة التعب. بدأ حديثه بأن عرَّفني على نفسه.. محمد الصوابي الديب طالب بكلية الشريعة بجامعة الأزهر.. ولقد اهتز بدني وأصبت برعشة عندما قال لي: "إنه كان من متطوعي الإخوان المسلمين في حرب فلسطين والقناة"، فقد كان الإخوان المسلمون في ذلك الوقت سنة 1954م في أوج محنتهم، نظر الشاب إليَّ في هدوء - الحديث للشيخ مخلوف-  وقال بصوت منخفض ولكنه قوي: "أنا في محنة وأحتاج إليك، فأنا مطلوب القبض عليَّ، وقد مكثت أكثر من شهر هارباً متخفياً في المقابر نهاراً، ثم أخرج في الليل لأقتات الطعام... لقد كرهت الحياة بين الأموات وأريد أن أعيش بين الأحياء فهل تقبلني؟".

يقول الشيخ حسنين مخلوف: سيطر الذهول على نفسي تماماً، ولم أفق إلا عندما قال الشاب: ما رأيك؟.. استأذنت منه وذهبتُ إلى أولادي.. الدكتور علي وابنتي زينب، والذهول مازال مسيطراً على نفسي... لاحظ أولادي ذلك على الفور فسألوني: "مالك يا أبي.. حصل إيه؟".

أخبرتهم بالقصة، وفجأة وجدت نفسي أردد قائلاً: إنه صادق... إنه صادق... إنه صادق.

قلت لأولادي: إنني متأكد أن هذا الشاب ليس من الشرطة أو المباحث، جاء ليختبرنا، بل إنني موقن أنه يقول الصدق فهو صادق... وأضفت: إنني لا أستطيع أن أرد مستجيراً في هذه المحنة، وأنا موقن أنه مظلوم، وقد قررت قبوله، ولكن الذي يقلقني هو ما ستفعله بكم أجهزة المباحث والدولة كلها إذا اكتشفوا وجوده بيننا، حيث هناك قانون أو فرمان جمهوري صدر في ذلك الوقت، يعاقب كل من يتستر على أي من الإخوان المطلوب القبض عليهم بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة، قال ابني علي ـ بعد فترة صمت ـ: افعل ما تراه من الناحية الإسلامية والله يتولانا جميعاً، ويضيف الشيخ حسنين مخلوف فيقول: خرجت مع ابني علي إلى الشهيد الصوابي، وعرَّفته بابني علي، وأخبرته بأننا قررنا قبوله عندنا، وأنه يشرفني ذلك.. ارتسمت أمارات الراحة والاطمئنان على وجه الشهيد.. ومازلت أذكر ابتسامته المضيئة على وجهه حتى الآن.

ويواصل الشيخ حسنين مخلوف روايته:

وسيطرت الدهشة على وجه الشهيد عندما قال له ابني الدكتور علي: "لابد من أن تولد من الآن بشخصية جديدة وتدفن شخصيتك الحالية"، ويضيف الدكتور علي مخلوف الذي يعمل رئيس قسم أمراض النساء والولادة بطب عين شمس: كان في اعتقادي أنه لا يمكن إخفاء الشهيد محمد الصوابي الديب، وبخاصة في منطقتنا التي كانت تشتهر بكثرة ضباط البوليس الذين يسكنونها، فكان الحل أنه لابد من أن يولد الشهيد الديب بشخصية جديدة تماماً.. وأن أحسن طريقة لإخفاء أي شخصية هو أن تظهره بشخصية جديدة، وتكون جميع تصرفاته طبيعية، أما الهروب والاختفاء عن أعين الشرطة والناس، فإنها طريقة فاشلة ينكشف أمرها دائماً، عاجلاً أو آجلاً.

واتفقنا على أن يعمل الشهيد سكرتيراً لوالدي الذي كان فعلاً في حاجة إلى سكرتير، فقد كان مفتياً للديار المصرية في ذلك الوقت، وكانت ترد إليه استفسارات دينية كثيرة، بالإضافة إلى أنه يكثر من تأليف الكتب، واحترنا في الاسم الذي نطلقه عليه، وأخيراً قال والدي للشهيد: أنت صادق في جميع تصرفاتك وأقوالك، فاسمك منذ الآن "صادق أفندي"، وضحكنا جميعاً.

وفي اليوم التالي كان الشهيد محمد الصوابي الديب شخصاً آخر تماماً، نظيف المظهر، حليق الذقن، وهو أبيض اللون، واسع العينين، متوسط الطول، نحيف الجسم.

ويقول الشيخ حسنين مخلوف: إن الخطة التي تم وضعها لإخفاء الشهيد نجحت تماماً، فقد أذعنا على كل أفراد الأسرة أنه جاء لي سكرتير جديد اسمه "صادق أفندي"، ولم يعرف بالسر سوى أربعة أشخاص: أنا وابني الدكتور علي وابنتي الدكتورة زينب، وزوجة ابني الدكتورة سعاد الهضيبي، التي لم تتردد في الترحيب بالشهيد رغم أن والدها المرشد العام للإخوان المسلمين حسن الهضيبي وجميع إخوتها في السجن.

ويضيف الشيخ حسنين مخلوف: إن الشهيد محمد الصوابي الديب أو صادق أفندي، كان فعلاً سكرتيراً ممتازاً، وعاونني كثيراً في عملي، وبخاصة في الكتب التي أخرجتها في ذلك الوقت، وكان الشهيد يصحبني دائماً، في كل مكان أذهب إليه، وقد اعتبرته فعلاً سكرتيري الخاص.

عاش صادق أفندي لمدة ثمانية أشهر كاملة مع أفراد أسرة الشيخ حسنين مخلوف كأنه واحد منهم، يأكل معهم ويعيش بينهم، حيث كان الشيخ يطلب منه دائماً الإجابة عن الاستفسارات الدينية الكثيرة التي ترد إليه باعتباره مفتياً للديار المصرية، وكان الشهيد يسكن في حجرة منفصلة بحديقة المنزل بها صالون ومكتبة كبيرة وغرفة نوم وحمام خاص، تم تخصيصها لصادق أفندي.

يقول الشيخ حسنين مخلوف: وفي أحد أيام صيف 1955م على ما أذكر، جاءني صادق أفندي وقال لي إنه يريد السفر إلى السعودية ليعمل هناك، وحاولت أن أثنيه عن ذلك، ولكنه أصرَّ وأخبرني أن هناك شخصاً قد أعد له الرحلة بالباخرة عن طريق السويس إلى جدة.

إن قلبي لم يطمئن واستعنت بابني الدكتور علي لإقناعه بعدم السفر، ولكن دون جدوى، وقال إنه يريد أن يكون نفيه هناك، ويستريح من القلق الذي يعانيه كهارب، رغم إجادته لشخصية صادق أفندي، وغادرنا الشهيد البطل بعد أن وعدنا بأن يرسل لنا برقية فور وصوله إلى السعودية لكي نطمئن، وأرسلتُ إلى المرحوم محمد سرور الصبان مستشار الملك سعود ليهيئ له عملاً عند وصوله إلى هناك، ولقد مضى على سفر الشهيد حوالي الشهر ولم تصل أي برقية تفيد بوصوله إلى هناك.

يقول الدكتور علي حسنين مخلوف: كانت الأسرة كلها قلقة، وبما أنني كنت أكثرهم هدوءاً، فقد حاولت دائماً أن أطمئنهم، ولكن دون جدوى، وضاع هدوء أعصابي في أحد الأيام عندما أخبرتني زوجتي الدكتورة سعاد الهضيبي أنها سمعت من إذاعة لندن أنه تم القبض على اثنين من الإخوان المسلمين في باخرة السويس، وهما في طريقهما إلى جدة، ولم تذكر الإذاعة أسماء، ولكننا شعرنا أن الشهيد محمد الصوابي الديب كان أحدهما.

ويبدو أن الشهيد محمد الصوابي نجح في الوصول إلى جدة،  وقد كشفت السفارة المصرية في جده شخصيته،  وقبضت عليه بطريقة غامضة،  وأعادته إلى القاهرة وأدخل السجن الحربي.

 

***

ويكمل الروايـة وهـبي الفيـشــاوي

ويروي وهبي الفيشاوي الذي عمل مديراً لمطبعة مصر جزءا من الحكاية فيقول: إن الشهيد محمد الصوابي الديب سجن معنا بعد القبض عليه في سجن رقم 4 بالسجن الحربي ، وكان زبانية السجن الحربي يعذبون الشهيد تعذيباً وحشياً، حيث وضعوه في زنزانة تسمى "زنزانة الركن" وهي مخصصة للتعذيب الشديد، وكانوا لا يتركونه ينام أبداً، وكان الشهيد أشدنا تعذيباً لا يرحمه مجرمو السجن حتى في أوقات الراحة.

***

وتقول الدكتورة سعاد الهضيبي ابنة الأستاذ حسن الهضيبي المرشد العام للإخوان المسلمين وزوجة الدكتور على حسنين مخلوف : ذهبت يوماً إلى السجن الحربي لكي أسلِّم والدي بعض الحاجات، وعقب خروجي من مكتب مدير السجن حمزة البسيوني، شاهدت الشهيد محمد الصوابي الديب وهم يقومون بتصويره لعمل بطاقة اتهام، وكتمت صرخة كادت تنطلق منِّي، وأسرعت إلى المنزل وأخبرت زوجي بما شاهدته، فصاح قائلاً: "رحنا في داهية"، وأعد زوجي د.علي حقيبته التي سيأخذها معه إلى السجن، فقد كنا نتوقع في كل لحظة أن تأتي الشرطة العسكرية والمباحث العامة للقبض علينا.

***

ويقول الدكتور علي مخلوف: كنت خائفاً على والدي الشيخ حسنين مخلوف، فهو قد تجاوز الستين من عمره، ولا يستطيع أن يتحمل أهوال السجن الحربي، ولذلك كنت أنا وزوجتي لا نفارقه ليلاً أو نهاراً، متوقعين في أي لحظة مداهمة الشرطة لمنزلنا.

***

ويقول العلامة الشيخ مخلوف: لم أكن أتوقع أبداً أن يتحمل الشهيد محمد الصوابي الديب هذا التعذيب الذي لا يصدقه عقل من أجلي، لم أكن أتوقع أن يضحي بحياته من أجلي، حقاً هذه هي تربية الإسلام الحق.

***

في مذكرات الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي  يتحدث عن الشهيد فيقول:

" بقي سؤال مهم لم يجب عنه محمد الديب،  وهو: أين كان يقيم طوال المدة التي اختفي فيها قبل سفره، وهنا خشي الأخ محمد أن يضار الشيخ مخلوف بسببه،  وأن يناله أدنى شيء من أذى أو إهانة، ولهذا رفض أن يجيب عن هذا السؤال،  وكلما رأوه صامتا بالغوا في تعذيبه،  وهو مصر على السكوت،  ومن المعروف: أن الإنسان قد يصبر على الضرب الأول وإن اشتد وطال،  ولكن أقسى الضرب وأوجعه هو الضرب الثاني،  أي الضرب والجسم مجروح ومشَّرح من آثار الضرب السابق،  فهنا يكون الضرب شيئا لا يطاق،  وهذا ما حدث لأخينا الديب،  ولكثير من إخوانه المعذبين،  حتى قال الإخوة الذين شاهدوه: إن جسمه قد بات كتلة من الجراح والدم والقيح والصديد،  وكانوا إذا أرادوا أن يأخذوه من الزنزانة إلى مكاتب التحقيق،  يتحيرون في توصيله،  لأنه لا يستطيع أن يمشي،  ولا يستطيعون هم أن يحملوه،  لأنه كومة من الجراح،  وأخيرا لم يجدوا إلا (عربة القمامة) يوضع فيها،  وينقل عليها،  وما هي إلا أيام،  حتى تفاقمت جراحه،  وتضاعفت آلامه،  وفاضت روحه إلى بارئها،  تشكو إلى الله ظلم الإنسان لأخيه الإنسان،  والمصري لأخيه المصري! وكان الذين يموتون تحت التعذيب،  يلفون عادة في بطانية من بطاطين السجن،  ويحمله بعض الجنود،  ثم يذهبون في صحراء العباسية ليحفروا له حفرة،  ثم يواروه التراب،  لم يغسل،  ولم يكفن،  ولم يصل عليه أحد،  ثم يكتب أمامه: أفرج عنه يوم كذا!! وبذا يبرأ السجن من عهدته..

***

أيها القارئ..

هل تحتاج إلى فسحة من الوقت للبكاء واجترار الألم؟..

***

وتقول الدكتورة سعاد الهضيبي: تعجبنا جميعاً عندما مرت الأيام ولم تداهم الشرطة بيتنا كما كنا نتوقع، وفي أحد الأيام ذهبت لزيارة أبي المرحوم حسن الهضيبي بالسجن الحربي، وسألته عن محمد الصوابي الديب الذي كان يعرفه لأنه من الإخوان المسلمين، بالإضافة إلى أن بلدته "شبين القناطر" مجاورة لبلدة أبي وهي "عرب الصوالحة" بالقليوبية، فهز والدي رأسه بطريقة تدل على الأسى، وأخبرني أنه من الشهداء، وأضاف أبي قائلاً: لقد تعجبت له أن الذين كانوا يقومون بتعذيبه كانوا لا يسألونه إلا سؤالاً واحداً فقط وهو: "أنت كنت فين؟"، فلا يجيب إلا بآيات من القرآن الكريم، حتى كسروا عموده الفقري وبرزت عظامه وضلوعه، وكان ممرض السجن "التمرجي" يخرج من مكان تعذيبه وفي يده صفيحة مليئة بالدم.

***

يا قراء..

إنني عاجز عن أي تعليق..

تقتصر مهمتي الآن على النقل..

دون أي تعليق..

دون أي تعليق..

دون أي تعليق..

***

يقول وهبي الفيشاوي: إن بعض الإخوة المسجونين الذين كانوا يقومون بتوزيع الطعام علينا، كانوا يخبروننا بأحوال السجن والمعذبين فيه، وفي أحد الأيام أخبرني أحدهم أن جِراح الأخ محمد الصوابي الديب فادحة جداً ومتقيحة، وأن حالته قد ساءت لدرجة أن الحشرات تسري بين جروحه، وأنه قد امتنع عن الطعام بعد أن مُنع عنه الماء، ولم تمض سوى أيام قليلة على هذا الحديث حتى أطفئت أنوار السجن الحربي كلها في إحدى الليالي، وشاهدت من ثقب زنزانتي حراس السجن الحربي يحملون ملفوفاً داخل بطانية ويضعونه داخل سيارة جيب مغلقة، وشعرت أنه الشهيد محمد الصوابي الديب، وقلت في نفسي استرحت وفزت بالجنة إن شاء الله.

***

يصرخ الدكتور يوسف القرضاوي في مذكراته:

  ومن ذا سيحاسبهم؟ ولقد شهدنا أيامنا الأولى في السجن الحربي،  وكنا في سجن رقم (4) واحدا من هؤلاء الذين قضوا نحبهم تحت التعذيب،  ملفوفا في البطانية السوداء، ومحمولا على عاتق بعضهم،  شهدنا ذلك بأعيننا،  إذ كانت الأبواب مفتحة دون أن يشعروا،  ثم سرعان ما أغلقوها بعصبية وانفعال،  ولقد قتل عدد من الإخوان بهذه الطريقة البشعة،  منهم الأخ محمود يونس من عرب جهينة،  والأخ علي الخولي الموظف بأخبار اليوم،  وآخرون،  ومما أذكره: أن أحد الشباب جيء به إلى السجن بعد فترات التحقيق والتعذيب الأولى،  وكان جو السجن هادئا نسبيا،  ولكنهم حققوا معه بشيء من القسوة الزائدة،  وكان الشاب قويا أبيًّا مفتول الذراعين،  صبورا على التعذيب،  واثقا بنفسه،  مؤمنا بربه،  وهذا النوع من الرجال يغيظهم ويثيرهم،  ويبدو أنهم ضربوه ضربة كانت قاتلة،  أذكر أن اسمه فاروق أبو الخير،  وأنهم مزقوا الصفحة التي كتب فيها،  واعتبر كأن لم يدخل السجن الحربي،  ولم يمر بعتبته قط.

***

يقول الدكتور توفيق الشاوي في كتابه "مذكرات نصف قرن من العمل الإسلامي"، دار الشروق :

إن هؤلاء يظنون أنهم يستغلون أموال القوى الأجنبية ونفوذها للبقاء في السلطة، وينسون أنها هي التي تستغلهم وتخدعهم، وقد رأينا كيف استغل زعماء الثورة العربية الكبرى ما قدمه لهم "لورنس" من ذهب بريطانيا، ومن وعود كاذبة بدعم استقلالهم عن تركيا، بل ووحدة العرب بعد انفصالهم عنها، وتبين أن بريطانيا هي التي خدعتهم واستغلتهم؛ لتنتصر هي وحلفاؤها على الدول العثمانية وتستولي على الأقطار العربية وتمزق وحدتها.

والذين يظنون أنهم يستغلون مساعدات الدول الكبرى ينسون أن ما يقومون به لاقتلاع جذور الفكر الإسلامي، والقضاء على التيار الإسلامي؛ هو هدف استراتيجي لأعدائنا؛ لأنه يسهل لهم تنفيذ مخطط استراتيجي طويل المدى يحرمون فيه شعوبنا من الوحدة حتى يستغل الاستعمار الأجنبي ثرواتها، ويفرض سيطرته على دولها أطول فترة ممكنة".

***

يا قراء..

إنني أعيد تذكيركم أنني إذ أكتب إنما أحاول أن نستنبط معا قانونا واحدا يفسر لنا حجم الهزائم التي تعرضنا لها..

جميعنا يقول أن ولادة السفاح لإسرائيل عام 48 كان نتيجة منطقية لمؤتمر وسياسات تبلورت في مؤتمر بال عام 1898.. والآن أسأل: هل ما يتم الآن في مصر – على سبيل المثال – قد تم التخطيط له وزرع بذوره منذ خمسين عاما..

و أذكر مصر على سبيل المثال فقط، لكنني أقصد العالم الإسلامي كله..

نعم..

 أريد أن نستنبط معا إذا ما كانت المقدمات تتناقض مع النتائج أم أن الأخيرة هي النتيجة الطبيعية للأولى، وكوننا لم نر لا يدل إلا على حجم الخديعة والتزوير..

و أريد  أن نتساءل معا عن موقف محمد على ( باني مصر الحديثة؟؟!!)  ضد المسلمين، وحل النقراشي – عميل بريطانيا -  جماعة الإخوان – هل لاحظتم يا قراء أن حلها قد تم والمعارك محتدمة في فلسطين عام 48 ، و أن نفس هذا القرار اتخذه بطل القومية العربية جمال عبد الناصر عام 54، و أن نفس هذا الموقف يتخذه الآن بإصرار أشد ومجاهرة أكبر الرئيس مبارك الذي يفاخر دون خجل  أنه لولاه ما جاءت أمريكا إلى الخليج عام 91، كما يفاخر دونما خجل أنه أول من حذر من الإرهاب..

و أريد أن أقارن بين لجوء عبد الناصر إلى الاتحاد السوفيتي عام 56 والانشقاق الذي حدث بين مصر والسعودية آنذاك، فقد كانت الأخيرة تسير في الفلك الأمريكي، وبين لجوء ولي العهد الأمير عبد الله إلى روسيا الآن ومصر تدور في الفلك الأمريكي.. ندور نصف الدائرة مع تبدل الأدوار..

و أقول لنفسي أننا إزاء هذا وذاك لا نحتاج – لكي نفهم -  إلى علوم السياسة والاجتماع بل إلى القليل جدا من علوم الحيوان والصيد.. ذلك أن صائد الجاموس الوحشي يعرف أنه عندما يروع القطيع من الجاموس فإنه ينفر ويتفرق ويجري بأقصى سرعة حول نصف دائرة واسعة، ويدرك الصائد ذلك، فيظل يسير الهوينى في خط مستقيم، لا يزعجه اختفاء فريسته ، واثقا أنها ستلف دورة واسعة لكي تعود إليه في خطه المستقيم، لاهثة مستنزفة عاجزة ، تنتظر من الصياد- شارون وبوش- أن يلقي بأنشوطته حول أعناقها وهي تنظر إليه في استسلام غبي يائس..

فهل فهمتم الآن يا قراء سياسة حكامنا؟!..

 

 



 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الشهيد سيد قطب

ليست الغرابة في  ضراوة الصراع

بل في ضراوة الكذب والخسة والخداع..

-                  بقلم د محمد عباس

 

لو أن الوحش، الكلب المسعور والذئب العقور شارون تمكن من شيخ المجاهدين في فلسطين  "الشيخ أحمد ياسين" فقام بأسره..

لو أن ذلك حدث .. فكم تكون جريمة شارون..

فلو أنه بعد أسره أساء معاملته.. فكم يتضاعف الجرم..

فلو أنه عذبه فكيف يكون..

فلو أن هذا العذاب لم يكن عذابا وحشيا مما تعودت الوحوش والضواري من بني البشر عليه فكيف نوصف الجريمة..

لو أنه لم يرع إلا ولا ذمة.. ولم يراع عبء السنين والشيخوخة و أمراضها .. ولا سابقة الجهاد .. فكيف كيف يكون..

ماذا لو أن الوحش، الكلب المسعور والذئب العقور شارون سلط كلابه على الشيخ أحمد يسن  ورجاله لتنهال عليهم الكرابيج بعنف وليمطروا بوابل من الشتائم والسباب الفاحش، فيغمى علي الشيخ أحمد يسن  فلا ترى إلا الكرابيج تهوي عليه قم يابن كذا وكذا.. أنت عامل عيان (وبتستموت) يا بن..

ماذا كان يمكن للعالم أن يقول على الوحش، الكلب المسعور والذئب العقور شارون إن فعل ذلك لو أنه أمر كلابه بأن يواصلوا تعذيب الشيخ أحمد ياسين عذابا مروعا رهيبا ، أقله و أكثره رحمة ضرب نوع خاص من السياط يمزق اللحم حين يهوي عليه، وماذا لو أن كلابه أصرت على مواصلة هذا التعذيب حتى يتراقص المجاهدون الشرفاء تحت ضرب سياط لا تتوقف إلا عندما يغنون الأغنية المشهورة: "يا شارون يا مثال الوطنية".

 

***

 

فماذا لو أن الذي فعل ذلك ليس شارون.. و إنما واحد آخر.. واحد على دين الشيخ أحمد يسن..  ماذا لو أن الذي فعله ياسر عرفات مثلا؟!!..

أي آفاق هائلة ومروعة كان الجرم يبلغها..

 

***

 

تلك الآفاق المروعة للجرم الهائل  ليست خيالا.. لأنها بعينها ما حدث من رجال ثورة 23 يوليو مع الإخوان المسلمين.. وفي القلب منهم الشهيد سيد قطب. ولم تكن الأغنية " يا شارون يا مثال الوطنية".. بل كانت يا "جمال يا مثال الوطنية"..

 

***

 

في حدود ما أعلم، لم يشهد التاريخ قضية تواطأ الجميع على الكذب وطمس الحقائق فيها كما شهدت قضية انقلاب ضباط 23 يوليو على حلفاء الأمس.. بل قادة الأمس من الإخوان المسلمين.

كان الشرق والغرب يتحالفان.. وكان الليبراليون والشيوعيون يتفقون، وكان الجلادون والخونة واللصوص يأتمرون.. وكانت الصحافة تتواطأ على درجة من الكذب ليس لها مثيل..  ولقد ضربنا أمثلة محدودة في المقالات الماضية، ونضيف إليها اليوم - قبل أن نبدأ بالحديث عن الشيخ سيد قطب - مثلا ثالثا عن الشهيد محمد فرغلي..

كان الشيخ المجاهد محمد فرغلي  أحد أبرز العلماء حتى أن عبد الناصر ألمح إليه بنيته على تعيينه شيخا للأزهر، كان رجلا عميق الإيمان شديد المراس، قوي العزيمة زاهدا في المظاهر، يؤثر العمل على القول، يحب الناس جميعاً، ويتفانى في خدمتهم وبخاصة الضعفاء منهم، حيث يقف إلى جانبهم لأخذ حقوقهم ورفع الحيف والظلم عنهم. وكان مجرد ذكر اسمه يُرعب الإنجليز واليهود والعملاء، وقد وضعوا الجوائز الكبيرة لمن يعثر عليه ويسلمه لهم حياً أو ميتاً. وكانت أحاديثه في مخيمات الإخوان وكتائبهم ومعسكراتهم وأسرهم، تأخذ بمجامع قلوب السامعين، لما يجدونه فيها من الصدق والوضوح، والبساطة والحلاوة والإيمان والإخلاص، فحديثه حديث القلب إلى القلوب ومناجاة الروح للأرواح، يثير العواطف، ويحرك المشاعر، ويدعو للعمل الجاد الدؤوب في سبيل الله ومن أجل المستضعفين في الأرض، ويوضح لجماهير الإخوان أن أعداء الإسلام من اليهود والصليبيين والمستعمرين هم أتفه وأحقر من أن يصمدوا أمام عزائم الرجال المؤمنين ، وأن تجارب الحرب معهم في فلسطين، كشفت عن جبنهم وتخاذلهم، وهشاشة قوتهم، فكانوا يفرون كالفئران المذعورة أمام مجاهدي الإخوان المسلمين، ولولا المؤامرات الدولية الكبرى، وتخاذل بعض الأنظمة في ديار العرب والمسلمين لما ضاعت فلسطين، ولما كان للإنجليز أو الفرنسيين أو الأمريكان وجود في البلاد الإسلامية.

يقول الأستاذ عباس السيسي في كتابه القيم "في قافلة الإخوان المسلمين": "... لقد كان الشيخ محمد فرغلي داعية من دعاة الإسلام ومن الرعيل الأول من الإخوان المسلمين، عمل مع الإمام الشهيد حسن البنا منذ بدأ دعوته في مدينة الإسماعيلية، واختاره الإمام الشهيد لمسؤوليات كبار، فكان عند حسن الظن، حيث شمر عن ساعد الجد، وسط مدينة كانت ترابط حولها من كل جانب قوات الاحتلال البريطاني، فجعل الأرض تميد من تحت أقدامهم...

لقد كان الداعية المحنك الشيخ المجاهد محمد فرغلي هو رئيس الإخوان المسلمين بمنطقة الإسماعيلية، وكان ساعده الأيمن الذي يشد أزره، هو المجاهد الجسور يوسف طلعت، وكان الاثنان مصدر الخوف والرعب لقوات الاحتلال البريطاني بالقناة.

يقول الأستاذ كامل الشريف في كتابه القيم "المقاومة السرية في قناة السويس": ".... لقد عرفت الشيخ محمد فرغلي ـ أول ما عرفته ـ يوم كان يرافق الإمام الشهيد حسن البنا في جولته على خطوط القتال في فلسطين، ثم توثقت بيننا عرى الأخوة، حين عملنا سوياً، خلال الحملة الفلسطينية، فازددت به معرفة وإعجاباً، فقد كان من الصنف الذي يفرض عليك ـ رغم تواضعه الشديد وأدبه الجم ـ أن تحترمه وتقدِّره، وكان مفتاح شخصيته هو "الترفع" الترفع عن الصغائر، والترفع عن الخصومات، والترفع عن كل ما يشين، وكان شديد الحرص على سمعة الدعوة ونظمها، غيوراً إلى أبعد الحدود، على هيبتها وكرامتها، وأذكر أن الشيخ فرغلي وأنا، كنا نمثِّل الإخوان في لقاء بمكتب البكباشي عبد الناصر، وكان وقتها وزيراً للداخلية في وزارة محمد نجيب، وقد ضم الاجتماع رجال الانقلاب: عبد الحكيم عامر، وصلاح سالم، وحسين كمال الدين، فأراد ضباط الانقلاب، أن يوقعوا بين الشيخ فرغلي، والمرشد العام الهضيبي بذكرهم جهاد الشيخ فرغلي في فلسطين والقناة، وثنائهم عليه، والنيل من شخص المرشد العام، فما كان من الشيخ فرغلي، إلا أن قطع عليهم الحديث وقال غاضباً: "يجب أن تدركوا أن هذا الذي تتحدثون عنه هو زعيمنا وقائد جماعتنا، وإنني أعتبر حديثكم هذا إهانة للجماعة كلها ولشخصي بصفة خاصة، وإذا كان هذا أسلوبكم فإنكم لن تصلوا إلى شيء"، فكان هذا القول كافياً لإقناعهم أنهم أمام رجل صلب العود، قوي الشكيمة، فانصرفوا بالحديث إلى جهة أخرى. ولم يكن الشيخ فرغلي من ذلك النوع من شيوخ الدين، الذين يتعلقون بالقشور ويبحثون عن المناصب والمراكز، ولكنه كان مجاهداً بحق، وحسبه أنه ترك وظيفته وأهله، وذهب إلى فلسطين مع رجال جماعته من المجاهدين، وحين نشبت معركة قناة السويس، ترك أهله مرة أخرى واندمج بكليته في المعركة".

وقد نشرت مجلة "روزاليوسف" حديثاً مطولاً للشيخ فرغلي مع مندوبها وقد وصفته المجلة بأنه الشيخ الغامض الذي يحسب له الإنجليز ألف حساب، حيث قال في حديثه للمجلة: "إن الإخوان المسلمين لا يستطيعون الكف عن محاربة الإنجليز حتى يتمّ جلاء القوات البريطانية، وإن أفضل طريقة أمام القيادة البريطانية لحماية جنودها هي سحبهم من قناة السويس" .

 وهذا هو البطل الفذ، والمجاهد الشجاع، والداعية الحكيم، الذي دوَّخ اليهود والإنجليز، وتلك هي سيرته العطرة وتاريخه المجيد. هذا هو البطل التي تطوعت الثورة بإعدامه شنقا يوم  7-12-1954م، حيث وقف الشيخ المجاهد شامخ الرأس أمام حبل المشنقة، باسماً في إقدام، فرحاً في إيمان، مردداً قول من سبقوه من إخوانه وهم يمضون في طريق الشهادة، وعجلت إليك رب لترضى، وقال قولته الشهيرة: "إنني مستعد للموت فمرحباً بلقاء الله"، وصدق الله العظيم إذ يقول: من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى" نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.

ولقد عم العالم العربي والإسلامي موجة من السخط الشديد، والاستنكار الغاضب، وأعلن الحداد في بلاد الشام وغيرها، على هؤلاء الشهداء، ونكتفي بإيراد مقتطفات من كلمة الأستاذ الكبير علي الطنطاوي التي أذيعت من دمشق ونشرت في عدد من الصحف العربية والإسلامية حيث قال: "لو كان الأمر لي، لما جعلته يوم حداد، بل يوم بشر وابتهاج، ولما صيَّرته مأتماً بل عرساً، عرس الشهداء الأبرار على الحور العين، ولما قعدت مع الإخوان أتقبل التعزيات بل التهنئات، وهل يرجو المسلم إلا أن يموت شهيداً؟ وهل يسأل الله خيراً من حسن الخاتمة؟، إني لأتمنى ـ والله شاهد على ما أقول ـ أن يجعل منيتي على يد فاجر ظالم فأمضي شهيداً إلى الجنة، ويمضي قاتلي إلى النار، فتكون مكافأتي سعادتي به، ويكون عقابه شقاؤه بي. هذا هو العقاب لا عقابك يا جمال، عقاب الناصر لأوليائه، القاهر فوق أعدائه، الذي ستقف أمامه وحدك ليس معك جيشك ولا دباباتك ولا سلاحك، ولا عتادك، تساق إليه وحيداً فريداً، ليسألك الله عن هذه الدماء الزكية فيم أرقتها؟ وعن هذه الأرواح الطاهرة فيم أزهقتها؟ وعن هاتيك النساء القانتات الصابرات فيم رملتهن؟ وعن أولئك الأطفال البرآء، فيم يتمتهم؟ وعن هذه الجماعة الداعية إلى الله المجاهدة في سبيله، فيم شمَّت بها أعداء الله ورسوله؟ فإن كان عندك دفاع فأعده من الآن، لتدلي به أمام محكمة الجبار، التي لا تحكم بالموت شنقاً، بل بالحياة الدائمة في النار، التي يصغر الشنق ألف مرة من عذاب لحظة منها، يوم لا ينفع مال ولا بنون ولا حزب ولا أعوان ولا سيف ولا سلطان، يوم تتبدل الموازين وتتغير المقاييس ويكون الفضل للفاضل، والصدر للصالح، وتنزل ملوك وتعلو سوقة، يوم ينادي المنادي لمن الملك اليوم؟ للطغاة! للبكباشية! لسادة بكنجهام والبيت الأبيض والكرملين! كلا، إنه لله الواحد القهار. فهل تجد لك طريقاً لا يمر بك على المحشر؟ ولا يقف بك موقف الحساب؟ هل تعرف ملكاً تفر إليه؟ ولقد حكم مصر من قبلك فاروق ومن قبله المماليك ومن قبلهما فرعون وهامان فأين اليوم فرعون والمماليك وفاروق؟ أين من طغى وبغى وقال أنا ربكم الأعلى؟ لقد ساروا جميعاً في ركاب عزرائيل، تشيعهم دعوات المظلومين".

 

***

 

سوف نترك الآن الشهيد محمد فرغلي، لكننا نعرج قليلا إلى نمط من أنماط العذاب التي تعرض لها الشيخ محمد فرغلي، وزميله وصديقه يوسف طلعت.. وأيضا الشيخ سيد قطب.. كمجرد نموذج لما حدث مع اآخرين.. كل الآخرين..

نقرأ جزءا من ذلك التعذيب في سفر الشيطان.. نقرأ عما فعلته كلاب النار بالأستاذ يوسف طلعت الذي تعرَّض لتعذيب شديد القساوة والوحشية، حيث كسروا عموده الفقري وذراعه وجمجمته ولم يبق مكان في جسمه إلا وأصيب بكسر أو جرح أو رضّ، حتى إن الأستاذ المرشد حسن الهضيبي حين حاكمه جمال سالم تحدث الهضيبي عن التعذيب الذي أصاب الإخوان، ونفى جمال سالم، فردَّ عليه الأستاذ الهضيبي: اكشفوا على يوسف طلعت لتروا مقدار التعذيب الذي أصيب به وغيره من الإخوان في سجونكم.

كان جمال سالم  هوالوحش، هوالكلب المسعور والذئب العقور الذي تمكن من شيوخ المجاهدين..

وكان حسين الشافعي و أنور السادات عضوي اليمين والشمال..

أو على الأحري كان كليهما عضو شمال..

سنعود إلى ذلك مرارا بعد ذلك..

لكنني كما قلت لكم في بداية هذا المقال بل في عنوانه " ليست الغرابة في  ضراوة الصراع  بل في ضراوة الكذب والخسة والخداع.."

لم يكتفوا بإعدام الشهيد محمد فرغلي..

كان المقصود تدميرا كاملا.. تدمير الجسد والروح والسمعة.. تدمير القضية التي استشهد من أجلها الشهيد..

أخذت الثورة بالثأر الذي كان في عنق الشهيد لبريطانيا و إسرائيل..

يقول فضيلة الشيخ  محمد عبدالله الخطيب - أطال الله عمره - أنه بعد إعدام الشهيد بثلاثة أيام فوجئ بصحيفة الأهرام تنشر  في الصفحة الأولى صورة عمارة ضخمة جدًا وأمامها عربية مرسيدس مكتوب تحتها هذه عمارة فرغلي وقد بناها من تبرعات فلسطين وهذه سيارته.

يواصل الشيخ محمد عبد الله الخطيب: ولأننا لم نكن نظن أن الإجرام يصل إلى هذه الصورة حتى الناس لم تجف دماؤهم أخذت الأهرام وذهبت إلى البيت وكنت أسكن في الحلمية وأنا في غاية الألم، يسكن معي أحد الإخوة من أسيوط فقال لي هل تدري إن أخو الشيخ فرغلي إبراهيم سيزورنا بعد قليل لأنهم حضروا من البلد ليأخذوا وصية الشيخ ويستلموا هدومه، فانتظرت حتى جاءوا فأخذت إبراهيم وقلت له ممكن أشوف الوصية؟ قال: نعم فأعطاها لي فوجدت وصية:

"يا إبراهيم اذكر أن سجن المؤمن خلوة أن تغريبه سياحة وإن قتله شهادة.

يا إبراهيم أنا لم أترك لكم شيئًا فإذا أعوزتك الحاجة فاذهب إلى الشيخ الباقوري فإنه صديق يستطيع أن يقضي لك ما تريد".

ويواصل الشيخ محمد عبدالله الخطيب بحثه عما تركه البطل الشهيد محمد فرغلي لأبنائه..

كانت عمارة الأهرام فرية خسيسة قذرة..

أما ما تركه البطل الشهيد فعلا لأبنائه فقد كانت بيتا قديما في الإسماعيلية، بيتا قديما مؤجرا بمبلغ مائة وعشرين قرشا شهريا..

نعم..

120 قرشا شهريا..

أما من قارئ يطفئ بعضا من أوار النار المتأججة داخل قلبي ببعض دموع..

120 قرشا شهريا .. إلا أن الشهيد محمد فرغلي لم يكن يمتلك المنزل كله .. بل نصفه فقط.. وكان إيراده منه ستون قرشا شهريا.. وكانت هذه التركة الضخمة هي كل ما تركه البطل الشهيد لأهله..

أما الأهرام فقد أطلقت فريتها القذرة الخسيسة.. وما من أحد يحاسب أحدا..ووسط الرعب القائم كان الناس يقرءون فيصدقون و إلا حدث لهم نفس ما يحدث للشهداء.. ويمر اليوم وراء اليوم.. وتترسخ الأكاذيب.. وكل النظم.. كل النظم وكل الحكومات.. ما من واحدة منها على استعداد لإعادة التحقيق.. فالكل يدرك من سيكون المجرم والخائن واللص عندما يكتمل أي تحقيق حقيقي جاد.

من سيكون كل ذلك..

ومن الذي كانت المخابرات الأمريكية تحركه..

 

***

 

أقول لكم أن "عمارة صحيفة الأهرام والسارة المرسيدس"  كانت فرية خسيسة قذرة.. ربما لم يكن محمد حسنين هيكل مسئولا عنها بالذات .. لكنه كان مسئولا عن الآلاف مثلها بعد ذلك..

ألم أقل لكم أن أزمته أزمة ضمير شخصي لا أزمة فكر قومي..

أزمة كان يمكن أن يحل جزءا منها، أو على الأحرى يواريه، أن تنتصر ثورة 23 يوليو على إسرائيل..  أن تتحرر من الاستعمار..  أن تنشئ جيشا.. ونظاما.. وعدالة..

لكن كل ما وعدوا به حدث عكسه..

وكل ما حذر منه الإخوان المسلمون تحقق..لم تكن الوسائل إذن مبررة للغايات.. فقد كانت الغاية خرابا وكانت كل الوسائل جرائم..

ولقد حاول هيكل أن يرد بضراوة عمن حاول اتهامه بالإساءة لأي صحافي.. ونفى ذلك بضراوة وبإطلاق .. ولعله نسي - ولن نسئ الظن أكثر - أن سيد قطب كان رئيسا للتحرير قبل هيكل بعشرة أعوام على الأقل..

لم يكن هيكل كصلاح نصر وحمزة البسيوني ولا حتى كموسي صبري وابراهيم سعدة وابراهيم نافع..

لم يكن معدوم الضمير كليا..

لكنه في نفس الوقت لم يكن يملك منه مثل الحر بن يزيد كي ينتقل من جيش يزيد إلى جيش الحسين..

ليست لديه القدرة على الاعتراف والتوبة..

فياله من شقاء..

 

***

 

سوف نعود إلى ذلك أيضا.. لكن آن الأوان لكي أتقدم وجلا خاشعا خائفا دامعا إلي محراب بطل من أعظم أبطال التاريخ الإسلامي وشهيد على رأس شهدائه، وهو الشهيد سيد قطب..

 

***

 

ولكي تعلموا يا قراء أي رجل كان  فإنني أبدأ بثبت لمؤلفاته:

1 - مهمة الشاعر في الحياة، وشعر الجيل الحاضر. (نقد).

2 - الشاطئ المجهول (شعر)

3 - نقد كتاب مستقبل الثقافة في مصر (نقد).

4 - التصوير الفني في القرآن (نقد).

5 - الأطياف الأربعة (بالاشتراك مع إخوته)

6 - طفل من القرية. (صور وصفية)

7 - المدينة المسحورة (قصة)

8 - كتب وشخصيات (نقد)

9 - أشواك (قصة)

10 - مشاهد القيامة في القرآن (نقد.

11 - روضة الطفل (قصص للأطفال بالاشتراك)

12 - القصص الديني للأطفال. (بالاشتراك مع عبد الحميد جودة السحار).

3 - الجديد في اللغة العربية (أدب).

14 - الجديد في المحفوظات (أدب)

15 - النقد الأدبي: أصوله ومناهجه.. (نقد).

16 - العدالة الاجتماعية في الإسلام (فكر)

17 - معركة الإسلام والرأسمالية (فكر).

18 - السلام العالمي والإسلام (فكر).

19 - في ظلال القرآن (تفسير).

20 - دراسات إسلامية (فكر)

21 - هذا الدين (فكر).

22 - المستقبل لهذا الدين (فكر)

23 - خصائص التصور الإسلامي (فكر)

24 - الإسلام ومشكلات الحضارة (فكر)

25 - معالم في الطريق (فكر)

26 - مقومات التصور الإسلامي (فكر)

27 - أفراح الروح (خواطر).

28 - نحو مجتمع إسلامي (فكر).

29 - في التاريخ: فكرة ومنهاج (فكر).

30 - معركتنا مع اليهود (فكر)

31 - لحن الكفاح (شعر)

32 - أمريكا التي رأيت (فكر).

كانت هذه مؤلفات رجل سجنوه في أخصب أعوام عمره..

رجل كتب عنه أستاذه " الدكتور مهدي علام" في تقديمه لرسالة (مهمة الشاعر في الحياة) التي ألقاها سيد قطب كمحاضرة في دار العلوم يقول: (لو لم يكن لي تلميذ سواه لكفاني ذلك سرورا وقناعة، ويعجبني فيه جرأته الحازمة التي لم تسفه فتصبح تهورا، ولم تذل فتغدو جبنا، وتعجبني فيه عصبيته البصيرة، وإنني أعد سيد قطب مفخرة من مفاخر دار العلوم".

 

***

 

كانت العلاقة بين البطل الشهيد وبين ضباط 23 يوليو علاقة حميمة ، لكنه سرعان ما صارح بعض خلصائه فقال: لا أجد في تطورها ما يريح! فهؤلاء الأمريكان يحاولون احتواءها بدلا من الإنجليز...

يروي الأستاذ أحمد عبد الغفور عطار- الأديب الحجازي المعروف والصديق الأثير لسيد قطب- عن صلة سيد برجال الثورة بعد قيامها، فيقول: بلغ من احترام الثورة لسيد قطب، وعرفانها بجميله وفضلا، أن كل أعضاء مجلس قيادة الثورة كانوا ملتفين حوله، ويرجعون إليه في كثبر من الأمور، حتى إنه كان هو المدني الوحيد الذي يحضر جلسات المجلس أحيانا، وكانوا يترددون على منزله في حلوان..

ويتابع عطار كلامه كما ينقله لنا الدكتور صلاح الخالدي في كتابه " سيد قطب: الأديب الناقد، والداعية المجاهد، والمفكر المفسر الرائد"- دار القلم- دمشق..:

 "قرر مجلس  قيادة الثورة- ونشرت القرار مجلة آخر ساعة- أن يسند إلى سيد قطب منصب وزير المعارف ولكن سيد قطب اعتذر!!

ورجوه أن يتولى منصب المدير العام للإذاعة، فاعتذر!!

وأخيرا وافق على أن يكون السكرتير العام لهيئة التحرير..( وهي وظيفة تعني أنه تقريبا الرجل الثاني في الدولة.. نعم .. إنها الوظيفة التي يشغلها الآن : يوسف والي ميرزا..!! م. ع . ) ولبث فيه شهرا.

وبدأ الخلاف بين سيد قطب وبين عبد الناصر وزملائه، فاضطر سيد إلى الاستقالة من هيئة التحرير...

وسيد قطب نفسه يروي عن صلته برجال الثورة بعد قيامها فيقول: "استغرقت في العمل مع رجال ثورة 23 يوليو 52، حتى شهر فبراير 1953. عندما بدأ تفكيري وتفكيرهم يفترق حول هيئة التحرير، ومنهج تكوينها، وحول مسائل أخرى في ذلك الحين، لا داعي لتفصيلها..

ويقول. "كنت أعمل أكثر من اثنتي عشرة ساعة يوميا، قريبا من رجال الثورة... " ..

ويواصل الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي:

قادة الثورة يقيمون حفل تكريم  لسيد قطب:

ومن تقدير وتوقير رجال الثورة له أنهما أقاموا حفل تكريم له بعد شهر من قيام الثورة.. وكان أساس الحفل محاضرة لسيد قطب بعنوان "التحرر الروحي والفكري في الإسلام " دعي سيد لإلقائها في نادي الضباط في الزمالك في شهر أغسطس- آب- وذهب سيد لإلقاء المحاضرة في الموعد المحدد، وكان معه صديقه الأديب الحجازي أحمد عبد الغفور عطار.

          وبدل أن يلقي سيد محاضرته، حول قادة الثورة الحفل إلى كلمات وخطابات للإشادة بسيد وبيان مناقبه.

وندع الأستاذ عطار يصف ما جرى في الحفل:

"وفي الموعد المحدد حضرت معه، وكان النادي مزدحما بحدائقه وأبهائه الفسيحة، وحضرها جمع لا يحصى من الشعب، وحضر إلى النادي أبناء الأقطار العربية والإسلامية الموجودون في مصر، وكثير من رجال السلك السياسي، وكبار زعماء الأدب والفكر والقانون والشريعة، وأساتيذ من الجامعات والكليات والمعاهد.

وكان مقررا حضور محمد نجيب، وتوليه تقديم سيد قطب، إلا أن عذرا عارضا اضطر محمد نجيب للتخلف، وبعث برسالة تليت على الحضور، تلاها أحد الضباط،. وموجز كلمة محمد نجيب: أنه كان حريصا على أن يحضر المحاضرة، ويفيد من علم سيد قطب، ووصف سيد بأنه معلم الثورة ورائدها وراعيها.. وبعث نجيب برسالته مع أنور السادات، وأناب عنه جمال عبد الناصر.

وحول الضباط محاضرة سيد إلى مناسبة للاحتفال والاحتفاء به، وبيان مناقبه، وبدل أن يحاضر سيد فيهم، صار الخطباء يتكلمون عن سيد، ويثنون عليه، وهو جالس!

افتتح أحد الضباط الحفل، بآيات من القرآن. وقال أحد كبار الضباط: "كان مقررا أن يقوم الرئيس محمد نجيب، بتقديم أستاذنا العظيم، ورائد ثورتنا المباركة، مفكر الإسلام الأول في عصرنا الأستاذ سيد قطب، ولكن أمرا حال دون حضوره.. وأريد مني تقديم الأستاذ سيد قطب، وإن كان في غنى عن التقديم، وعن التعريف.

وكان حاضرا الحفل الدكتور طه حسين، فتقدم  وألقى كلمة رائعة قال فيها: "إن في سيد قطب خصلتين، هما: المثالية المثالية، والعناد، فهو ليس مثاليا فقط، ولكنه مثالي في المثالية".

وذكر سيد قطب وأثره" في الثورة ورجالها.. واختتم كلامه بالقول: إن سيد قطب انتهى في الأدب إلى القمة والقيادة، وكذلك في خدمة مصر والإسلام.

ثم وقف سيد قطب، وألقى كلمة مرتجلة، وسط تصفيق المصفقين، وهتاف الهاتفين له.

قال عن الثورة: "إن الثورة قد بدأت حقا، وليس لنا أن نثني عليها ، لأنها لم تفعل بعد شيئا يذكر، فخروج  الملك ليس غاية الثورة، بل الغاية منها العودة بالبلاد إلى الإسلام".

ثم قال  سيد قطب: لقد كنت  في عهد الملكية، مهيأ نفسيا للسجن في كل لحظة،  وما آمن على نفسي في هذا العهد أيضا، فأنا في هذا العهد، مهيأ  نفسيا للسجن، ولغير السجن، أكثر  من ذي قبل".

وهنا وقف جمال عبد الناصر، وقال بصوته الجهوري ما نصه: "أخي الكبير سيد. والله، لن يصلوا إليك إلا على أجسادنا، جثثا هامدة، ونعاهدك باسم الله، بل نجدد عهدنا لك، على أن نكون فداء ك حتى الموت!".

وصفق الناس  تصفيقا حادا متواصلا، مع الهتاف المتكرر بحياة سيد قطب.

ثم وقف  الضابط "محمود العزب " وتكلم عن دور سيد قطب في التمهيد للثورة، وعن حضوره لبيت سيد قبيل الثورة، وأنه وجد عنده عبد الناصر، وغيره من ضباط الثورة ! وبين نظرة رجال الثورة لسيد.

ثم وقف الأستاذ أحمد عطار، وعقب على كلام الدكتور طه حسين عن سيد، فقال عطار عن سيد: إن سيد عنيد في الحق " فهو إذا اعتقد شيئا أصر عليه، ولا يعتقد إلا الحق، وهو عنيد في كفاحه وجهاده...

وعندما انتهى الحفل كان البكباشي جمال عبد الناصر في وداع سيد قطب، وكان الضباط والجنود وجماهير الناس تهتف بحياة سيد" (1).

ويختتم الدكتور صلاح الخالدي شهادته في هذه الواقعة بقوله:

نكتفي بتقديم هذه المعلومات العجيبة عن سيد، كما رواها أحد الحضور، ونشير فقط إلى فراسة سيد الإيمانية النفاذة، حيث استشرف المستقبل، وتوقع السجن والموت، وسط مظاهر الإشادة والاحتفاء والثناء!

 

***

 

سوف نعود إلى ذلك كله.. لكن أفضل ما نورده الآن هو ما قاله العلامة الشهير محمد قطب  عن شقيقه الشهيد  الشيخ سيد قطب في شريط مسجل ( أعتذر مقدما عن أي خطأ في تفريغ الشريط المسجل واختصاره.. فقد قمت به بنفسي - م ع )..

يقول العلامة محمد قطب:

 ليس المهم قصة حياة سيد قطب بل المهم النقاط الواضحة في حياته. إن فكره هو الأولى أن يهتم به وليس وقائع حياته. حفظ القرآن في المدرسة ( قبل سن العاشرة). [ اختياريا وتحديا بعد أن تمرد على الكتاب].

بدأ حضور ندوات العقاد مع خاله وهو في المدرسة الثانوية، بدأ النشر في الصحف وعمره لا يتجاوز 18 عاما فكتب الشعر والمقال.

في العشرين كتب مقالا ضد رئيس الوزراء محمد محمود رئيس حزب الأحرار الدستوريين. محمد محمود ذي القبضة الحديدية استدعاه ليعرف من كتب ضده بهذه القوة.. وفوجئ بعمره ..  و قال له اكتب ما تشاء فإني معجب بك.

كان أول كتاب الرسالة وهي أهم مجلة ثقافية في العالم العربي.

مجلة الفكر الجديد( الفكر الجديد.. وليست الفجر الجديد.. والأخيرة مجلة شيوعية سيدعي الشيوعيون بعد ذلك في أكاذيبهم الفاجرة أن سيد قطب كان يكتب فيها مستغلين تقارب اسم المجلتين، ولكي يروجوا لأكذوبة أن الشهيد كان شيوعيا- سنتناول فيما بعد خطتهم في الكذب: إنهم يطلقون الكذبة، فإذا انطلت على الناس فبها ونعمت، و إذا كشفها الناس لا يعودون إليها بل يلجئون إلى غيرها-  م ع ).

كان صديقا لرئيس الحكومة الذي أرسله في بعثة لأمريكا لتجنب اعتقاله.

صدور كتاب العدالة الاجتماعية وهو في أمريكا.

أجريت له عملية اللوز في أمريكا ( وليس الزائدة كما تقول بعض المراجع ).

وفي  فبراير 49- قتل الإمام الشهيد حسن البنا. كان ما يزال في المستشفى.. وفوجئ بقيام الأمريكيين بالاحتفال بالاغتيال وكان لذلك  تأثير ضخم جدا عليه. كانت شماتة صليبية هائلة في مجال غريب عليها، فهنا أطباء وممرضات لا علاقة لهم بالسياسة، ليسوا صحافيين أو ساسة مثلا. مع هذه الشماتة قرر الالتحاق بالجماعة.

 لم يلتق أبدا بحسن البنا كما تدعي بعض الدراسات.

 لم يكن قد التحق بالإخوان حتى ذلك الوقت، حيث فعل ذلك في أوائل 1951 مع الأستاذ الهضيبي حيث شغل رئيس قسم نشر الدعوة منذ التحاقه بها.

ما بين 51-52 كانت مصر تغلى من شدة الفساد. كان يكتب ثلاث مقالات أسبوعيا، أشدها قوة في مجلة الأستاذ أحمد حسين: الاشتراكية . كان يحقق معه ثلاثة مرات أسبوعيا كل تحقيق يستغرق اليوم بطوله، ثم يفرج عنه، كان يكتب بصورة حادة لكنه كان يتحاشى مزالق النيابة.

بعد الثورة

في اليوم الثالث 25 يوليو اتصل محمد نجيب الرئيس الظاهري للحركة ، ( أُوحِي إلى محمد نجيب أن يرشح نفسه، و أوحي إلى الملك رفض ذلك ، ثم أوحي إلى الملك القبول فصار محمد نجيب  بطلا شعبيا)

قال محمد نجيب لسيد قطب : نحن تلاميذك، تتلمذنا على كتابك العدالة الاجتماعية في الإسلام، وعلى مقالاتك في مجلة الاشتراكية، ونريد أن تكون أنت مستشارنا في الأمور الداخلية، فذهب إليهم فاحتفوا به احتفاء شديدا في أول الأمر على أساس أنه أستاذهم الذي وجههم  بكتبه ومقالاته.

عاش معهم ستة  أشهر في الثلاثة الأولى منها كان ينزل في الصباح الباكر ليعود في الثالثة صباحا حيث توصله إحدى سيارات الجيش. عهدوا إليه أن يوجههم كي يتصرفون في المسائل الداخلية دون الخارجية. لم يعرف سيد قطب لماذا عهدوا إلية بالشئون الداخلية دون الخارجية، كانوا يتصرفون فيها بأنفسهم دون استشارته وفي إطار كامل من السرية. فتحوا أمامه كل الملفات الداخلية وطلبوا مشورته في كل الأمور، وخصصوا كمال الدين حسين ليجلس أمامه مجلس التلميذ أمام أستاذه ليستشيره في أمور التعليم.

تبين  لسيد قطب أن هناك تأثيرا أمريكيا قويا واقعا على الثورة، نبههم إلى ذلك فسارعوا بالنفي وقالوا له نحن نستعين بهم لطرد الإنجليز.

في الشهور الثلاثة الأولى وقعت صدامات بين العسكر والإخوان. حاول الشهيد  التوفيق بينهم ، وكانوا يستجيبون له حرصا على استمراره معهم، واعتذر محمد نجيب للإخوان عن كلمة قالها في حقهم.

عندما تبين لسيد مؤامرة للقضاء على الإخوان اعتزل العسكر. ثم اعتقل مع الإخوان، كان الاعتقال الأول هينا لينا دون تعذيب - يناير 54 ، وكان المقصود أن يبقوا إلى أن يموتوا أو أن يتم الصلح مع إسرائيل. فجأة بعد 3 شهور أخرجوا من المعتقل، وكان السبب أزمة عزل محمد نجيب وتمرد فرقة الفرسان وقيامها بحصار فرقة المدفعية ( فرقة جمال عبد الناصر) وفي الشارع كان الإخوان يسيطرون على الشارع، كان عبد الناصر محاصرا من الجيش والشارع، فلجأ إلى المناورة بصورة مسرحية حين أمر بالإفراج عنهم، وسبق المرشد إلى بيته ليكون في استقباله. وقبل يديه وقال له نحن أخطأنا فسامحونا فلن نخطئ مرة أخرى، وكان يدبر في نفسه غير ما يقول.

بين هذا الإفراج في مارس والاعتقال الثاني في أكتوبر ، في تلك الأثناء أخرج الإخوان مجلة الإخوان المسلمون، كان سيد قطب رئيس تحريرها وكان محمد قطب يترجم موضوعات أجنبية، وكانت آخر برقية جاءت للمجلة من رويتر ولم تنشر  لأن العدد الذي كان يجب أن تنشر فيه صودر ثم أغلقت المجلة. كانت البرقية هي: هناك صلح يجري إعداده بين مصر و إسرائيل.

 

***

 

 ( أحيل القارئ إلى كتابات أحمد حمروش عن هذه النقطة، و إلى لقاء أخير له مع الصحافي إبراهيم عيسى يوم الخميس الماضي على قناة دريم2، كان حمروش يؤكد أن عبد الناصر لم يفكر أبدا مجرد تفكير في القضاء على إسرائيل، وكان كل ما يتمناه قبل 67 هو عودة اللاجئين، وبعد 67 إزالة آثار العدوان، و أنه كان يقبل بوجود إسرائيل طول الوقت، ومستعدا للصلح معها، و أن اتصالات مباشرة تمت بين حمروش وناحوم جولدمان بأمر من عبد الناصر في وقت مبكر جدا،  كان حمروش يقول ذلك، وكان ابراهيم عيسي يقول في ذهول: سيُصعق الناصريون عندما يسمعون  أن عبد الناصر كان مستعدا للصلح مع إسرائيل.. وكان حمروش يؤكد: ولكنها الحقيقة)..

***

 في أكتوبر 54 اعتقل الإخوان بتهمة محاولة اغتيال عبد الناصر، وهذا غير صحيح مطلقا، وهي مسرحية مفتعلة للقضاء على الإخوان، و أعدم سبعة وكان في القائمة صفان آخران. أثناء التحقيق كان القاضي يسأل المتهم: اشتركت في حرب فلسطين؟ اشتركت في حرب القناة؟ كان من اشترك في الاثنين 25 سنة، ومن اشترك في الأولى دون الثانية 15 سنة وفي الثالثة دون الأولى عشر سنوات.

كان من المفروض أن يعدم في 54 المرشد وسيد قطب. لكن لظروف قدرها الله  كتب الله لهما مزيدا من العمر، أصيب الهضيبي بأزمة قلبية وكان أمل الثورة أن تقضي عليه، ولم يمت كما قدر عبد الناصر إلا بعد وفاة عبد الناصر.

لم ينفذ الحكم في سيد لأنه بسبب التعذيب أصيب بنزيف رئوي شديد مستمر فلم يكن يمكنه المثول أمام المحكمة، أجلوها ثلاثة أيام ثم أسبوع ثم أسبوعين ثم شهرين. وفي هذه الأثناء حدث رد عل عنيف جدا في العالم الإسلامي بسبب إعدام السبعة وقامت مظاهرات كبيرة في العواصم و أحرقت السفارات المصرية في الخرطوم و إسلام أباد، رأت الحكومة تهدئة لرد الفعل الإسلامي أن تصدر بيانا أنه لن تكون هناك إعدامات جديدة.  وكان هذا التصريح حائلا أمام المحكمة فحكموا عليه بالمؤبد ثم عدل إلى  خمسة عشر عاما قضى منها بالفعل عشر سنوات، وفي السجن  كتب : هذا الدين، والظلال، والإسلام ومشكلات الحضارة، والمعالم.

أتيحت له فرصة الكتابة ولكتاب الظلال أن يخرج.

من آثار التعذيب وضع في مستشفى السجن. وكان معه 2 من الإخوة. فترة السجن قضوها في المستشفى.

أصيب بالذبحة الصدرية مرتين في السجن.

كان قد كتب 18 جزءا من الظلال  خارج السجن والباقي في السجن ثم أعاد كتابة الأجزاء من  1-12 طبعة ثانية وكان يريد إكمال الباقي.

حدث تحول حاد في الطبعة الثانية التي كتبت داخل السجن من البقرة إلى الأنعام إلى الجزء الثاني عشر.

يقول أعداؤه أن التعذيب هو الذي جعله حادا.

السبب الحقيقي هو ما حدث من الجماهير بعد مذبحة 55 للإخوان.

سنة 56 عملت مسرحية تأميم القناة فصفقت الجماهير لعبد الناصر ويده تقطر دما من المسلمين. وسأل نفسه سؤالا و أجاب عليه: لو كانت هذه الجماهير تعرف حقيقة لا إله إلا الله ومقتضياتها هل كان يمكن أن تلتف حول السفاح هذا الالتفاف. اتضح لسيد تماما أن هذه الجماهير لا تعرف حقيقة لا إله إلا الله .... و أنها منفصلة عن معناها ومقتضياتها.

هذا هو التحول الحقيقي الذي حدث لسيد. الأجزاء المعادة داخل السجن فيها تركيز هائل على لا إله إلا الله.

كل بناء يبنى قبل أن تنجلي قضية لا إله هو بناء هش لابد أن يسقط. ما لم تتضح هذه القضية: مقتضياتها ونواقضها فإن حماسة الجماهير لن تصمد لكيد ولا ضغوط. التربية على لا إله إلا الله إذن هي الهدف الأول الذي ينبغي لأن يكرس فكره له. أفرج عنه عام 64 فجأة هو و أربعين من السجن.

كان عبد الناصر يريد وحدة مع العراق بعد فشل الوحدة مع الأردن 57 ( القضاء على انقلاب أبو نوار) ثم فشل الوحدة  مع سوريا. استضاف عبد السلام عارف لبحث الوحدة، ضغط علماء العراق على عبد السلام عارف للكلام مع عبد الناصر، فقال علماء العراق يطالبونني بالتوسط للإفراج عن سيد قطب والإخوان. لقد أفرجت عن الشيوعيين بطلب خروشوف، ألا تفرجون عن المسلمين من أجل خاطري. فاستجاب عبد الناصر وهو يدبر أمرا.

تم الإفراج مايو 64 والسجن مرة أخرى سبتمبر 65

عرض كتاب المعالم على المرشد فطلب منه نشره.

قدر الله العجيب في كل خطوة. هذا الكتاب صدر دون أن تقرأه الرقابة، أخذ الناشر أول نسختين إلى الرقابة فأجازوه دون قراءته.

كان عبد الناصر كلما ذهب إلى بلد إسلامي تواجهه المظاهرات : أنت تسمح للشيوعيين بالسيطرة على وسائل الإعلام وبالكتابة في الصحف وتحارب المسلمين والإسلام، وكان عبد الناصر ينفي ذلك، والدليل نشر الظلال، و أرادوا أن ينفوا عن الدولة وعبد الناصر محاربة الفكر الإسلامي.

هذا الكتاب حين قرأه الشيوعيون فزعوا منه فزعا شديدا جدا، وقلوا للمباحث كيف سمحتم بهذا الكتاب وهو أخطر كتاب صدر لمفكر  إسلامي. لا يجوز أن يتداول هذا الكتاب ولا يجوز لصاحبه أن يبقى حيا، ثم ضغطوا على سادتهم في موسكو لتأييد رأيهم، ولهذا أصدر جمال عبد الناصر أوامره بالقبض على الإخوان من موسكو!!.  خطورة الكتاب أنه يكشف خطة المؤامرة  على المسلمين ، لقد أراد أن يرد على المعالم.

هذا الكتاب الذي أزعج الشيوعيين أزعج المباحث عندما قرءوه واكتشفوا خطورته.  وخطورته كشف المخطط. مخطط إخراج المسلمين من الإسلام مع إيهامهم دائما  بأنهم ما زالوا مسلمين. لقد  نحّوا الشريعة الإسلامية عن الحكم وقالوا للناس لا بأس عليكم  مادمتم تصلون وتصومون فأنتم مسلمون، ثم سلطوا على الناس من يشغلهم عن الصيام والصلاة ثم قالوا للناس لا بأس عليكم حتى لو لم تحكموا بالشريعة ولم تصلوا ولم تصوموا ما دمتم تقولون لا إله إلا الله. وهذا هو الوضع الذي كانت الأمة قد انتهت إليه، مسلمون بشهادة لا إله إلا الله، كالمسلمين بشهادة الميلاد. كتاب المعالم كله مركز على هذه القضية، و هي أن الإنسان لا يكون مؤمنا بنطق لا إله إلا الله بل بالعمل  بمقتضاها . فإذا لم يعمل بمقتضاها لم تحسب له، فضلا عن أنها لن تأتي أبدا أكلها بنصر المسلمين عند من لا يعمل بمقتضاها. كان الأعداء يرون أن هذه الدعوة ستوقظ الإسلام و أن صحوة الإسلام ستوقظ الجهاد و أن بدء الجهاد سيؤدي إلى انتصار الإسلام و إلى إخراج الكفار من ديار المسلمين.

كان الكتاب يهدف لإعادة الأمة إلى حقيقة الإسلام.

وكان يقرر أن الواقع الموجود واقع غير إسلامي.

و أن النطق لا يغني عن العمل.

اتفقت المباحث والشيوعيين في مصر والشيوعية العالمية  مع موسكو على ضرورة القضاء على الكتاب وصاحبه فكان تدبير  قضية 65. وكانت الأحكام .

وتكفل شمس بدران بتلفيق القضايا ، كان آنذاك  مدير المخابرات العسكرية: (خلي دي على أنا يا ريس). و تكفل بالأمر كله.

القضية رسميا كانت محاولة اغتيال جمال عبد الناصر وقلب نظام الحكم. وقال سيد في الدفاع عن نفسه في المحكمة: هذا غير صحيح، ولو كنا نريد اغتيال جمال عبد الناصر لفعلنا عن طريق واحد من حرسه الخاص، إسماعيل الفيومي، عضو الإخوان، لكننا لم نفعل.

كانت الأحكام معدة سلفا. صدر الحكم بالإعدام على عشرة. صدق جمال على ثلاثة. حدد موعد التنفيذ بعد صدور الأحكام بأسبوع, حدث تحرك لا أدري من صاحبه. جاء حمزة البسيوني وهو المشرف على التعذيب. وكانت شقيقة سيد في السجن الحربي . جاءها مدير السجن وقال لها لقد صدر حكم على سيد بالإعدام وهذا عار وخسارة كبيرة لسيد والرئيس مستعد لأن يصدر عفوا عنه بل و أن يسقط القضية كلها بشرط أن يعتذر له، ولا أحد يستطيع إقناعه إلا أنت. و أتاح لها مقابلته لمدة ساعة. ذهبت إليه، وجلست معه الساعة الأخيرة، وقالت له مطلوب مني أن أبلغك أنك إذا اعتذرت إلى جمال عبد الناصر فسيفرج عنك وسينهي القضية، قال لها وما رأيك أنت؟ فقال لها وما رأيك أنت وهل أنت موافقة، قالت لا ولكن طلب مني ذلك فقال لها لو كنت مخطئا لاعتذرت، ولكني أدعو بلا إله إلا الله، ولم أرتكب خطأ بدعوتي، واليمين التي تشهد بلا إله إلا الله لا يمكن أن تعتذر عن لا إله إلا الله. فخرجت وقالت لحمزة أنه رفض فقال إذن سينفذ الحكم..

 وفي فجر اليوم التالي نفذ الحكم.

 

***

 

انتهى كلام العلامة محمد قطب..

ولا أجد خيرا من وصف الشيخ عبد الحميد كشك للنهاية الدامية..

و أذكركم مرة أخرى يا قراء أنني لا أعود إلى التاريخ انتصافا - وإن كان هذا واجبنا جميعا- و إنما أعود إليه لأقول لكم أن الكارثة التي تحيق بنا الآن هي النتيجة الطبيعية لما حدث.. ليس فيها ما يدهش ولا ما يصيب بالإحباط واليأس والانهيار..

لقد حدث ذلك فكان لابد أن يحدث هذا..

لكن ذلك كله موضوع مقالات قادمة..

***

والآن فلنعد إلى الشيخ عبد الحميد كشك: إذ يقول:

من تهمته لا إله إلا الله لا يخرج من السجن أبدا..

لا تنفعه شفاعة الشافعين.

الرجل الذي فسر القرآن الكريم كأنما تنزل عليه  من السماء مفسرا عليه.

طلب من القاضي شربة ماء فأبى.. الدجوي..

بئس القضاء وبئس القاضي..

طلب من القاضي أن يجلس قليلا لأنه متعب قال له الدجوي مثلك يحرم عليه الجلوس.

قيل لعبد الناصر إن القانون لا يسمح بإعدام من في الستين إذا كانت تهمته سياسية فأجاب عبد الناصر : إلا هذا..

اشتدت الضغوط على عبد الناصر لوقف تنفيذ الحكم فبدأت معه المساومة..

قال لأخته عندما أرسلوها إليه من السجن إلى السجن تحمل له مساومتهم على حياته: يا حميدة: في هذه الساعة دعوت الله أن يقبضني شهيدا، أعندما يستجيب أتراجع عن الدعاء.

وتدخل حكام باكستان والسعودية والمسلمون، فأمر عبد الناصر بتنفيذ الحكم قبل الفجر وقبل وصول أي وفد من وفود الوساطة.

قبل الفجر فتح باب زنزانة الشهيد  عقيد وقال له قم يا فلان لأن هناك تسكين جديد، وكلمة تسكين في السجون تعني تغيير الزنازين. فأجابه: نعم.. هناك تسكين ولكن ليس في السجن الحربي ولكنه تسكبن في الفردوس .. وسأله الرجل:جنات الفردوس

ما الذي أعلمك بهذا؟..

قال :

لقد كنت مع الرسول منذ لحظة في المنام، وكان الرسول  يركب فرسا أبيض فنزل عن فرسه ومد يده فصافحني وشد على يدي  وقال لي هنيئا لك الشهادة يا سيد.

 

***

 

كانت  مراسم الإعدام تقضي أن يكون أحد العلماء حاضرا  تنفيذ الإعدام ليلقن المحكوم عليه الشهادتين! فعندما كان سيد يمشي خطاه الأخيرة نحو حبل المشنقة اقترب منه الشيخ قائلا : (قل لا إله إلا الله) فقال سيد: حتى أنت جئت تكمل المسرحية.. نحن يا أخي نعدم بسبب لا إله إلا الله ، وأنت تأكل الخبز بلا إله إلا الله.

وجئ بالسجان  ليضع الحبال في يديه وقدميه فقال للسجان : دع عنك الحبال سأقيد نفسي. أتخشى أن أفر من جنات ربي. وصعد بنفسه على طبلية الإعدام ووضع الحبل بيديه حول عنقه وهو يقول رب إني مغلوب فانتصر.

وصعدت روحه

 

***

 

هل تحتملون المزيد يا قراء..

عن نفسي.. أشعر وكأنما صعدت روحي..

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

.. ولكن الله يهدي من يشاء..

مذبحة المنشية..

السعودية تكرر اليوم نفس المجزرة ضد أفضل علمائها..

بقلم د محمد عباس

أخاف أن أموت، قبل أن أصدع بحق أرانيه الله، وقبل أعترف بخطأ وقعت فيه، حين ظننت ذات يوم أن الصدام بين ثورة 23 يوليو والإخوان المسلمين كان صداما سياسيا دنيويا تبادل فيه الطرفان الأخطاء ثم انتصر أحدهما على الآخر..

أخاف أن أموت قبل أن أصدح بها عالية صريحة واضحة أن الخلاف لم يكن كذلك.. كان للإخوان أخطاؤهم  بلا شك.. لكنها الأخطاء البشرية مهما بلغ حجمها.. وما من أجل هذه الأخطاء حاكمتهم الثورة و روعتهم وسجنتهم وعذبتهم و أعدمتهم..

ليس من أجل الأخطاء.. بل من أجل التزامهم بالمنهج الإسلامي ودعوتهم إليه..

ولم يكن جمال عبد الناصر يطيق شريكا إلى جواره..

***

أخاف أن أموت قبل أن أقول، لا انتصارا لعهد حسني مبارك – الذي لم أبغض عهدا مثلما أبغضته- ولا إدانة لعهد عبد الناصر الذي لم أُخدع في عهد كما خدعت فيه..

لا هذا ولا ذاك..

وإنما كلمة حق تتضمن ضمن ما تتضمن أن كل مظاهر الإجرام في عهدنا الحالي إنما تنتمي إلى عهد جمال عبد الناصر..

امتهان القضاء .. بدأ يومها واكتمل الآن..

قيام الجيش على الحشاشين والسهرات الحمراء وتفريغه من الخبرات القتالية المؤمنة..

سيادة إجرام الدولة البوليسية..

تزوير الانتخابات..

التعذيب..

مجانية التعليم التي أسفرت عن وضع لا مجانية فيه ولا تعليم..

قتل روح الأمة.. الأمة التي كانت مظاهرات طلابها تسقط حكومات الخديوي والسلطان والملك.. وتهز عرش المندوب السامي.. هذه الأمة قد تم إخصاؤها.. ولو غزت إسرائيل القاهرة غدا لما تحرك أحد تحركا جادا.. ولو غزت المدينة المنورة بعد غد لوقفت قوات الأمن المركزي وضباط أمن الدولة للقبض على من يحتجون على ذلك..

***

أخاف أن أموت قبل أن أقول ذلك..

و أخاف أن أموت قبل أن أقول لكم أن ما حدث من ثورة 23 يوليو 1952 لم يكن مجرد إجرام.. وكيف يكون مجرد إجرام وهو يحتوي على بذور الكوارث التي حاقت بنا وتحيق..

كان إجراما.. كان إجراما حتى لو كانت القصة الرسمية لحادث المنشية صحيحة.. فحيث لم يقتل أحد تم إعدام ستة من أعظم أبطال مصر.. وتم قتل 280 شهيدا من التعذيب.. وتم تعذيب الآلاف وتشريد أسرهم.. وتم تشويه الإسلام ذاته والتشهير به بنفس الطريقة التي يتعامل بها الموساد والسي آى ايه مع الإسلام والمسلمين..

أصرخ فيكم يا ناس:

كان المخرج في الحالتين واحدا..

وكانت الأولى هي التمهيد للثانية.. تماما كما تتحرك مفارز استطلاع الجيش قبل تحرك الجيش نفسه..

كانت الحقيقة واضحة جدا لكننا كنا قد فقدنا المقياس و أضعنا المعيار..

كنا قد دخلنا في تيه لما نخرج منه..

***

أصرخ فيكم يا ناس لو أن الإخوان قد حاولوا قتل عبد الناصر عام 54 لما سوّغ هذا كل هذا التنكيل بالإسلام والمسلمين..

و أصرخ فيكم، بل لو قتلوه فعلا لم سوّغ لهم أيضا..

فما بالكم يا ناس إذا كانت القضية كلها عمل مخابرات..

***

يرعبني يا ناس أن البشر لم ينشئوا حقيقة ولم  يوجدوا  قانونا، و إنما يقتصر كل جهدهم على الاكتشاف.. ليس اكتشاف جديد بل اكتشاف ما هو موجود فعلا..

إن نيوتن لم يخلق الجاذبية  ولا أنشأ أينشتين النسبية ولا أجرى ابن النفيس الدورة الدموية.. لم يفعل أي منهم أيا من ذلك.. كانت الحقيقة كنزا مخفيا  موجودة مكنونة خفية فجلوها و أظهروها.. كانت موجودة منذ ذرأ الله الخلق وخلق الكون. وماثلة وفاعلة لكن لم يكتشفها الناس إلا حينما وحيثما و أينما شاء الله..

وذلك يرعبني يا ناس..

لأنه يعني أن الحقيقة تكون أمامك طول الوقت لكنك لا تراها ولا تهتدي إليها.. فإنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء..

نعم ..

تكون الحقيقة أمامك فلا تراها..

فالوصول لا يعني المثول..

والمثول لا يعني القبول..

والحقيقة أمامك.. لكنك لا تراها إلا حين يشاء الله..

***

هكذا كانت قضية مذبحة المنشية بالنسبة لي..

وكما قلت في مقالاتي السابقة فإنني لا أهدف إلى كتابة تاريخ ولا إلى سرد وقائع ولا إلى تغليب وجهة نظر على وجهة نظر أخرى.. و إنما ما أهدف إليه هو اقتناص ومضات كانت جديرة بأن تكشف لنا الحقيقة منذ البداية.. ومضات تمتزج فيها الروح بالعقل..

لقد اكتشفت على سبيل المثال يا قراء أن من أكثر ما أوقعنا في الخطأ هو أننا تعاملنا بحياد مع وجهات النظر المختلفة.. وتوهمنا أن هذا الحياد هو الموضوعية.. فكنا كمن يقف على الحياد بين السارق والمسروق منه.. بين القاتل والقتيل.. ونسينا أنه لا يوجد حياد بين الإيمان والكفر.. بين الخير والشر.. بين الصدق والكذب.

نعم.. لا يوجد حياد بين الصدق والكذب..

وقد كان مما أوقعنا في الخطأ في العلاقة بين الثورة والإخوان هو أننا غفلنا عن أن الحكم والفيصل بين الصدق والكذب عند الإخوان – وعند كل مسلم يعرف معنى إسلامه – هو الحلال والحرام.. أما عند الآخرين فالفيصل هو المنفعة.. فإذا كان الكذب نافعا فهو الصواب ولا صواب سواه.. وعلى هذا فلا الموضوعية ولا الحياد حقا يسمحان بالتعامل مع الطرفين على قدم المساواة..

إن هذا يشبه بشكل من الأشكال ما يحدث في انتخاباتنا المزيفة.. المغشوشة.. حين يفوز أحد الطرفين لأن الدولة وقفت وراءه بكل ما تملك من قدرة على الغش والإجرام وطمس آثار هذا الغش والإجرام.. فهل من حقنا حينذاك أن نقول أن صندوق الانتخاب كان هو الفيصل  وكان هو الحكم؟!.. وأن الموضوعية تلزمنا بمقياس وحيد هو صندوق الانتخابات و أن وضع أي اعتبارات أخري هو خروج عن النزاهة والموضوعية والحياد..

فهل هذا منطق؟!

***

لم أقع في غرام التاريخ إذن يا قراء – وليس هذا عيبا – ولكنني أرى نفس خيوط المؤامرة تستعمل المرة تلو المرة في البلد بعد البلد  لشنقنا.

وما حدث في مصر عام 1954 أراه يحدث الآن بعينه في كثير من بلادنا وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.. و أرى أمراءها يتحولون أميرا بعد أمير إلى جمال سالم و أنور السادات وحسين الشافعي .. والدجوي.. وشمس بدران.. أراهم بنفس الظلم والغباء والخسة يسلبون روح أمتهم.. فيقتلون أفضل من فيها أو يحاصرونهم.. بينما يتركون أو على الأحرى يشجعون ثلاثمائة من كلاب جهنم.. كل كلب منهم خطيئة وفضيحة و عورة ولم يكن ممكنا لأي واحد منهم أن يصل إلى ما وصل إليه إلا لأن في قمة السلطة من هو أكثر منهم جميعا شرا ونفاقا .. و أن من صالحه أن يوجد هؤلاء.. .. هؤلاء الذين تقدموا بما سموه بمذكرة الإصلاح.. ولقد ذكروني بأمثالهم.. كانوا أيضا ثلاثمائة كلب من كلاب جهنم ذهبوا في مصر إلى النائب العام مطالبين بالسماح بسب الله والرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن الكريم.. نعم .. ثلاثمائة كلب من كلاب جهنم تقدموا بما سموه مذكرة الإصلاح  وما يقصدون بها إلا مزيدا من الإفساد والكفر..

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ..

أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ ..

 وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمْ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ ( سورة البقرة) ..

***

لم أقع في غرام التاريخ إذن يا قراء – وليس في غرام التاريخ أي عيب- ولا أنا أقوم ببحث أكاديمي يغلب رأيا و ينتصف لفكرة..

المسألة أعقد من هذا و أهم و أخطر..

المسألة يا ناس في الحلال والحرام..

المسألة صراط في الدنيا نسير عليه فإن لم نتحر الصواب قدر ما نستطيع  وقعنا في الحرام فهوينا في النار يوم القيامة..

يا ناس..

أنا لا أدافع عن الشهيد العظيم سيد قطب طيب الله ثراه..

ولا أهاجم جمال عبد الناصر..

الأمر أخطر حتى من هذا..

أخطر من الحب أو الكراهية..

الأمر يتعلق في الدنيا بمصير الأمة.. وفي الآخرة بالجنة أو النار..

أي أحمق يكره عبد الناصر أو يدينه إن كان ذلك يدخله النار يوم القيامة..

و أي مأفون يؤيد الشهيد سيد قطب إذا استقر في يقينه أن ذلك سيودي به إلى الهلاك..

الأمر أخطر من هذا لأنه لا يتعلق لا بالشهيد ولا بجلاده.. و إنما يتعلق بالله الواحد القهار..

بالولاء والبراء..

يتعلق بـــ:

قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إليكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24) التوبة..

***

ولم تكن المشكلة يا قراء أنني كرهت جمال عبد الناصر، بل كانت المشكلة أنني ذات يوم أحببته: وبالتحديد ما بين خطاب التنحي وموته، بعد أن ذُبحنا الذبحة الكبرى في يونيو 67( رغم أننا ذبحنا بعد ذلك ذبحات أكبر) والتي ربطت بيننا بوشائج الألم الذي لا تنفصم،  ولم يكن هينا عليّ، أن أقتنع أن جمال عبد الناصر ، الذي أحببته وبكيته، وكان خطوة كبرى في النكبة الكبرى.. وكان كارثة..

***

عندما يتمزق اليوم قلبي، و أنا أري هذا البشير الذي ليس له من اسمه شئ في السودان يبيع البلاد فإنني أتذكر على الفور جمال عبد الناصر ومحمد نجيب..

كانت كل الحكومات قبل الثورة ترفض فصل السودان عن مصر.. وترفض أي استفتاء لتقرير المصير فهو لا يجوز إلا إذا جاز إجراء مثل هذا الاستفتاء لأهل أسيوط..

وكان الإخوان المسلمون ككل المصريين والسودانيين على هذا الرأي..

ممارسات الهمج الهامج الذين قاموا بثورة 23 يوليو روعت الشعب السوداني  ومكنت أعداء الأمة وعلى رأسهم الإنجليز من تحذير الشعب السوداني من أنه لو استمر في الوحدة مع مصر فسيعامله العسكر بالطريقة التي يعاملون بها الشعب المصري..

وكان هناك صمام أمان هو محمد نجيب..

كان لمحمد نجيب – بغض النظر عن جدارته – شعبية هائلة في السودان، وكانت أمه سودانية وكان قد عاش في السودان ردحا طويلا من عمره..

***

وافقت الثورة على استفتاء لتقرير المصير..

وعزلت محمد نجيب..

وذهب صلاح سالم يرقص عاريا في الجنوب فلم يفد رقصه..

وارتكب خطيئة كبرى عندما وزع الهبات والرشاوي على القبائل والعشائر.. ومع الخطايا السياسية والدينية الأخرى تصاعد الاتهام كل من ينادي بالوحدة مع مصر بأنه تلقى رشوة من صلاح سالم..

و أجري الاستفتاء..

وانفصلت السودان عن مصر..

وجاء البشير ليبيع البلاد لجارانج!!..

***

ألم يكن عبد الناصر يستطيع الانتظار عاما آخر حتى يخدع الشعب السوداني قبل استفتاء تقرير المصير..؟!..

هل كان تاج الشوك يستحق كل هذا الثمن؟!..

هل كان الانفراد بالسلطة يستحق كل هذا الخراب..

***

لعل بعض القراء يعيب عليّ حدّتي.. لكن أي وصف أصفه لأي واحد من ضباط يوليو إنما أرجع فيه إلى ضابط آخر من ضباط يوليو..

لن أستند الآن على ما قالته كل القوى السياسية الفاعلة في مصر بين عامي 52 و 54 من أن البصمات الأمريكية كانت واضحة على الثورة.. وكان الشهيد سيد قطب من أول من لاحظوا ذلك..

لن ألجأ إلى كل ذلك الآن لكني أستند على أقول الضباط بأنفسهم في أنفسهم..

كل واحد منهم اتهم الآخر بالعمالة لأمريكا وبالخيانة..

وثمة اتفاق على أن السادات كان كذلك.. وثمة شبهات حول عامر وشمس بدران وسامي شرف وزكريا محيي الدين وعلى صبري .. و..و..و..

أما محمد حسنين هيكل فقد قال لي في لقاء لم يتكرر – ونشرته ذلك قبل أعوام -  أن نوعا من إعجاز عبد الناصر أنه صنع ثورة 23 يوليو بمثل هؤلاء الذين كانوا معه.. حيث الضحالة والسطحية والقصور لا تكاد تصدق..

كان هذا هو حكم محمد حسنين هيكل على ضباط 23 يوليو..

وواصل هيكل يبرر انحيازه للسادات في 15 مايو أنه كان مخيرا في الانضمام إلى فئة من فئتين:

فئة يمثلها السادات .. والسادات جاهل..

وفئة يمثلها ما أطلق السادات عليهم بعد ذلك مراكز القوى، وهم عصابة مجرمين.. ( الوصف ساعتها كان لهيكل.. لكن جمال عبد الناصر كان قد سبقه إلى نفس الوصف عام 67 حين قال: " البلد كانت بتحكمها عصابة"..)..

وواصل هيكل مبررا انحيازه للسادات:

الجاهل بالخبرة قد يتعلم..

أما رئيس العصابة بالخبرة فسوف يشتد إجرامه ويزيد..

لست أنا إذن من يصف رجال يوليو بهذه الصفات..

***

هل تذكرون يا قراء يوم زيارة السادات للقدس.. وكيف حاول أن يدلس على الأمة ويخدعها بأن الفكرة قد هبطت عليه كالوحي وهو في الطائرة فوق جبال آرات حيث مهبط سيدنا آدم على الأرض..

اكتشفنا بعد ذلك بأعوام أن العملية كلها كانت عملية مخابرات تم الترتيب لها قبلها بأعوام..

فلماذا لم نكتشف في الوقت المناسب أن حادث المنشية كله كان عملية مخابرات..

***

المؤلم أنني احتجت إلى ربع قرن بل يزيد  كي أدرك هذا.. وكانت الحقيقة واضحة طول الوقت وماثلة..

لكن الإلمام  بالحقيقة لا يعني إدراك الحق..

والوصول لا يعني المثول..

والمثول لا يعني القبول..

***

كانت الحقيقة واضحة ..

وكان يمكننا أن نكتشف دون صعوبة كبيرة كم وكيف دبر حادث المنشية.. ليس للتخلص من الإخوان المسلمين بل للتخلص من المنهج الإسلامي كله..

كانت الحقيقة واضحة..

وكانت العيون مفتوحة..

ولكن ..

عميت البصيرة..

***

لكنني أستأذنكم يا قراء قبل أن أتحدث عن مذبحة المنشية ، أن أعرج على واقعة خاصة.. واقعة كانت الحقيقة فيها  بكل أطرافها ماثلة أمامي أسابيع وشهورا لكنني لم أرها إلا حين شاء سبحانه..

كان ذلك منذ خمسة عشر عاما.. وكان المرض قد اشتد بأبي.. أبي الذي لم أحب أحدا مثلما أحببته.. كنا في مستشفى المقاولين العرب ..

وكنت أسأل الطبيب الكبير الشهير :

- How is he?

و إذا به يجيب:

- How old is he?!

كان أبي أيامها في الثانية والسبعين من عمره، لم أدرك ذلك – رغم معرفتي اليقينية به – إلا عندما سألني الطبيب سؤاله ذاك وكأنه يريد أن يقول لقد عاش ما يكفي، ومزقت إجابته قلبي، وكأنما في غيبة الوعي ظننت أننا لسنا في الدنيا، بل  في الجنة حيث لا نشيخ ولا نهرم ولا نجوع ولا نعرى.. أو أن ما يسري على البشر جميعا لن يسري على أبي.. و أخذت أدعو الله أن يشفيه ويبقيه.. ألححت في الدعاء وألحفت في الرجاء.. ونمت.. فرأيت في المنام أنني في الروضة الشريفة.. ورأيت خالي – كان رحمه الله رجل علم – يخرج من الروضة مستاء ففهمت أنني أقلقتهم بإلحاحي في الدعاء لأبي، و إذا به يقول في مزيج من الغضب والحزن:

-  الرسول  صلى الله عليه وسلم يبلغك.. لا تقلق الآن.. تقلق في قابل.. في الشهر الخامس..

***

أصارح القارئ أنه برغم  إدراكي أن الرؤية الصادقة جزء من النبوة إلا أنني أتعامل معها بمنتهى الحرص والحذر لا شكا فيها و إنما شكا في نفسي ، لكنني في هذه الرؤيا بالذات كنت سعيدا كما لم أسعد أبدا.. فليفعل المرض ما شاء إذن وليقل الأطباء ما شاءوا فقد طمأنني الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه.. كنت أراجع الرؤيا لحظة لحظة وخلجة خلجة خيفة أن يكون قد ضاع مني ملمح أو أفلت مني حرف.. كنت مندهشا من بعض ألفاظها.. وبالتحديد من لفظ "قابل" فنحن في مصر لا نستعمل هذا اللفظ و إن كان يستعمل في المملكة العربية السعودية للدلالة على عام قادم.. قلت أطمئن نفسي : إذن لدي علام على الأقل أطمئن فيه، على الأقل، فاللفظ " قابل" جاء نكرة وليس معرفا وهذا يعني أنه ليس بالضرورة العالم القادم، و إنما أي عام قادم.. أخذت أعد الشهور بعد أن عدلت حساباتي من التاريخ الميلادي إلى التاريخ الهجري.. الشهر الخامس.. ليس مايو إذن  بل جمادى الأولى هو الشهر الذي ينبغي أن أقلق فيه و ألا أطمئن حتى يمر.. ومرت الأيام والأسابيع والشهور.. مرت على الرؤيا خمسة شهور و أنا مطمئن طول الوقت حتى عندما اشتد المرض وازدادت درجة الخطورة وتلميحات زملائي الأطباء باقتراب النهاية..  وكنت أخفي سري كمن يخفي كنزا.. قولوا كما شئتم لكن  الرسول  صلى الله عليه وسلم طمأنني.. وظللت على ذلك اليقين الواثق المطمئن حتى بدأت علامات الاحتضار فهزني الارتياع ورجني الالتياع  و أنا أتساءل في دهشة عن الرؤيا.. وفجأة.. كلمح البصر أو التماعة البرق أو ومضة شهاب في السماء انبلج معنى الرؤيا واضحا كفلق الصبح..

تقلق في قابل..

لم يقل عاما..

في الشهر الخامس..

وهذا هو الشهر الخامس..

المعنى واضح وجلي وموجود طول الوقت لكنني لم أفهمه إلا الآن..

وقد آن الأوان..

ورحت أسترجع:

إنا لله و إنا إليه راجعون..

بعدها بساعتين مات أبي..

***

أنا ضنين بأحداث حياتي يا قراء.. ولست حريصا بأي شكل من الأشكال أن أثقل عليكم بتفاصيلها.. لكنني في هذه السلسلة من المقالات لا أريد أن أنقل لكم ماذا عرفت وكيف عرفت.. بل أريد أن أقول لكم كيف ضللْتُ وكيف خُدعت. لأن ما ينطبق عليّ هو ما ينطبق على سواد هذه الأمة، و عذري يا قراء هو عذر لكم.

لقد كانت الرؤيا صريحة بموعد موت أبي طيلة الوقت لكنني لم أفهم إلا عندما حل الأجل..

لم يزد في الخلجات خلجة ولا في الكلمات كلمة..

ما اختلف هو طريقة تفكيري..

فانقلب الوضع كله..

***

لست حريصا يا قراء على أن أنقل لكم أكبر قدر من المعلومات، ففيما مضى كان الطريق إلى الأحكام الخاطئة هو قلة المعلومات.. الآن .. على العكس.. ما يضل هو الغرق في المعلومات.. وكمّ التفاصيل الهائلة التي لا تعرف ما هو الصواب فيها وما هو الخطأ.. على أن الأشد والأنكى .. هو الكمّ الهائل من المعلومات المغشوشة المصنوعة كي تزيف وعينا.

***

ما أريد التركيز عليه، هو أنه ليس من حق أي واحد منا أن يدعي فقدان وعيه، أو أنه لم يكن يعرف ما يحدث.

في تلك الأيام من عام 1954 كنت طفلا دون العاشرة، و ما زلت أذكر كيف كنت أجلس وسط الكبار مروّعا مذهولا و أحد المجندين يأتي في إجازته كل بضعة أسابيع يفخر بما يفعله في السجن الحربي من تعذيب للإخوان المسلمين.

كانت قاعة الدرس الديني تتحول من سماع الشيخ – وهو خالي الذي ورد في الرؤية فقد كان ما يزال حيا  -  إلى سماع الجندي  المجند في السجن الحربي..

كان ضميري يئن ويصرخ، وكان المنافقون أو الجبناء أو الأغبياء  يدّعون أنه من المستحيل أن يوافق عبد الناصر على هذا القدر الهمجي الوحشي من العذاب..

وغرقت في أحلام يقظة أعبر فيها الحجب و أخترق الجدران فأصل إلى عبد الناصر في خفية من الجميع لأنبهه كي يتدارك الكارثة.

وفي ذلك الوقت، كان الجو المحيط بي ما بين الرعب والخوف الذي أذل أعناق الرجال، وما بين الجهل والنفاق.

كان الوفديون يشعرون بشماتة هائلة في الإخوانيين الإرهابيين  ..

لم أكن قد أدركت ولا عرفت أن الوفد أول حزب علماني فصل الدين عن الدولة..

وما كنت عرفت ولا أدركت أن سعد زغلول مهما بلغت زعامته كان علمانيا من تلاميذ كرومر، و أن امرأته تسمت باسمه كي تهرب من اسم أبيها الخائن، وأن سعدا نفسه كان مقامرا ومجاهرا بعدم الصلاة وبالإفطار في رمضان .. و أنه هو الذي عضد وشجع ونشر فكر قاسم أمين وكتبه..  و أن ميدان التحرير قد سمي كذلك.. لا احتفالا بتحرير الوطن أو الأمة.. بل ذهبت صفية مصطفى فهمي الشهيرة بصفية زغلول مع صويحباتها لا لمهاجمة معسكر الإنجليز هناك في ثكنات قصر النيل.. بل ذهبن ليمزقن الحجاب ثم يدسنه بالأقدام ثم يحرقنه..

وكان الشيطان يزين لهم أن هذا هو التحرير..

ولهذا سمي الميدان ميدان التحرير..

***

نعود إلى السؤال: كيف خدعنا ولماذا خدعنا..

كان الناس كانوا قد تركوا مقياس الولاء والبراء، ولم يعد الإسلام مرجعية.

وكان بعض الصوفية من ناحية وبعض أصحاب البدع من ناحية أخرى  يرون أن ما يحدث للإخوان المسلمين هو القصاص الإلهي العادل وانتقام أهل البيت والأولياء منهم، فهم – كما يقولون - لا يحبون هؤلاء ولا أولئك.. بل إنهم يهاجمون الموالد والأضرحة.. وهم ينتسبون إلى الوهابيين الذين كانوا يريدون هدم ضريح الرسول صلى الله عليه وسلم!!..

لست أدري من كان يقول ذلك ولا من كان يروجه..

ولقد علّمت نفسي منذ زمان بعيد: عندما لا تدري: ابحث عن المخابرات..!!

يضاف إلى هذا وذاك، في الوسط المحيط بي آنذاك، أن المحيطين من الإخوان، وما أصابهم من فزع، لم يكونوا من النوع الجليل الشامخ الذي عرفته بعد ذلك، بل  كانوا عنصر تنفير لا تبشير.

كانت الصحف والمجلات والإذاعة تهاجمهم باستمرار ولم يكن هناك أحد أبدا يدافع عنهم. ولم يكن هناك  ما يدعوني لتكذيب كل أولئك، كنت أصدق ما يقال عنهم، وعلى الرغم من ذلك كنت أدين تعذيبهم بجماع قلبي، فهناك دين وهناك قانون، أما ما يحدث من تعذيب فهو الإجرام بذاته.

***

الغريب، الغريب حقا أنني أذكر تفاصيل كثيرة عن أحداث 54، بينما لا أكاد أذكر شيئا عن أحداث 65، وعدا الألم الفادح يوم نشر خبر إعدام الشهيد سيد قطب ورفاقه، لا أكاد أذكر شيئا، ولعلها حيلة دفاعية للنفس، فلو أن أحدا صب عليك رصاصا منصهرا فإنك سوف تصاب بالإغماء كوسيلة دفاعية لتقليل الإحساس بالألم الذي لا يمكن احتماله. ولعل النفس تفعل نفس الشيء، فعندما تواجه النفس بألم لا يمكنها احتماله، فإنها تواجهه بفقدان الذاكرة. كان الألم الفادح أنني لم أكن أستطيع تصور أن هؤلاء الشهداء عملاء للأمريكيين كما تقول الإذاعة والصحف، وفي نفس الوقت، لم أكن أستطيع أن أكذب شيوخ الأزهر، الذين راحوا يهاجمونهم بمنتهى العنف، متهمينهم بأنهم خوارج، و بأنهم مرقوا من الإسلام. ولم أكن أستطيع أن أتصور أن المفتيين عامي 54 وعام 65، قد أباحا دماءهم دون سند شرعي.

***

لا غفر الله لأولئك الشيوخ..

لا غفر الله لهم ..

لا غفر الله لهم..

***

كان الضمير ممزقا بين ما لا يمكن تصديقه وما لا يمكن تكذيبه..

وكان الوعي والوجدان ممزقين كذلك..

كان كل الكتاب – كل الكتاب – كالمفتي وكشيوخ الأزهر..

وكنت أفتقد المنهج و الأدوات والمعلومات لكنني بالحدس كنت أدرك أن هناك خطأ هائلا و أننا مقدمون على كارثة، فتنبأت بهزيمة 67..

واستدعاني الأمن وحذرني..

من الهزيمة إلى موت جمال عبد الناصر كانت هدنة بين إدانة سابقة و إدانة لاحقة.. كنا نعاني ذات الجرح وننزف نفس الدم..

عام 68 قضيت ليلة في وزارة الداخلية، كتبت تفاصيلها في مقال سابق.. وفي نهاية هذه الليلة كان نائب وزير الداخلية يصرخ في وجهي:

-         -       -       أنا أتعاطف معك لأنك تذكرني بشبابي، كنت  نظيفا مثلك، لكنني الآن  ملوث ومدان و أعرف أن جميع ما تقوله صواب و أننا على خطأ. وزير الداخلية مثلي، ملوث ومدان، وزير يعرف أنه على خطأ، رئيس الوزراء كذلك، جمال عبد الناصر أيضا ملوث ومدان  ويعرف الباطل والصواب، وهو على باطل ويعرف ذلك..

التزاما بالدقة فإنني قمت الآن بتهذيب العامية التي تحدثنا بها يومها، أما مكان كلمتي : " ملوث ومدان فقد كانت الكلمة التي قيلت هي كلمة: " وسخ" .. وعلى أي حال فالكلمة عربية صحيحة)

صرخت يومها:

البطولة والإبهار والمجد والزعامة و الإلهام والفكر والحكمة والقداسة والعصمة والصواب المطلق ونفي الآخر وادعاء أن الآخر كان شيطانا رجيما ... كل ذلك لم يكن كذلك..

لقد نجح  برنامج صناعة النجم على غير الحقيقة فألبس الحق ثوب الباطل والباطل ثوب الحق..

كل ذلك.. لم يكن كذلك ..

" الثورة .. ليست كذلك"..

"و هيكل.. ليس كذلك"..

وتلك الصورة المثالية الحالمة ليست كذلك..

الطهر كان عهرا..

والبطولة كانت خيانة..

والخونة حاكموا الأبطال..

***

بعد موت جمال عبد الناصر كان السادات بغيضا، وكان توجهه إلى أمريكا و إسرائيل مفزعا، وكان الكشف عن تفاصيل جرائم التعذيب مروعا، وكانت حجة الشيطان  التي أخرت اكتشافي لحقيقة ما حدث أنني قلت لنفسي: " كلمة حق يراد بها باطل"..

وكان ثروت أباظة هو الذي تصدى لنشر تفاصيل التعذيب في المجلة التي يرأس تحريرها..

وكنت أبغضه كثيرا..

***

في الثمانينيات كانت الأدلة تكتمل وثمار التجربة المرة تثمر..

وكنت أحاول التوفيق بين المتناقضات.. أو على الأحرى التلفيق لا التوفيق..

قلت لنفسي على سبيل المثال أن حادث المنشية حقيقي وليس مصطنعا.. و أنني عاتب على الإخوان  أن ينكروا ذلك، لقد كان من حقهم في ضوء المعلومات التي توفرت لي أن يقوموا بهذه المحاولة التي يشرفهم أنهم قاموا بها ولا يشرفهم إنكارها.. و أن قيامهم بالمحاولة يقدم اعتذارا جزئيا لعبد الناصر فيما فعله بهم بعد ذلك..

لم أكن قد أدركت أن الخلاف لم يكن خلافا سياسيا بل كان الأمر أبعد من ذلك بكثير..

***

تحت وهم الموضوعية قلت لنفسي أن كلا من الطرفين يبالغ في عيوب الطرف الآخر.. و أن علىّ ألا أصدق أيا منهما و أن أبحث عن طرف محايد..

ولم يكن ثمة طرف محايد!!..

***

هل تعرفون  يا ناس  الحديث النبوي الشريف عن خطاب " حاطب بن أبي بلتعة"  إلى أناس من المشركين من أهل مكة، يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكشف الله لرسوله أمره فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق، قال: (إنه قد شهد بدرا، وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم).

***

"لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم"..

***

هل تعرفون يا قراء لماذا ورد هذا الحديث النبوي الشريف بخاطري الآن؟!!

لقد ورد بمفهوم الضد..

إذ تخيلت قوة باطشة طاغية جبارة تقول لكل من أساء إلى الإسلام:

لعل أمريكا قد اطلعت على كل من أساءوا إلى الإسلام والمسلمين فقالت اعملوا ما شئتم فسوف أحميكم و أرفع شأنكم وذكركم..

***

لا تنسوا ذلك يا قراء..

كل من أساء إلى الإسلام يحمل معه حصانة قد تحميه ذات يوم ما لم يكفر بأمريكا كفرا بواحا يخرجه من ملتها.. وحتى لو اضطرت أمريكا إلى عقاب بعض من يحملون بطاقة الحصانة هذه .. فإن العقاب لا يكون شاملا..بل إنها  قد تقتلهم.. لكن أجهزة إعلامها تحافظ عليهم في ذاكرة أمتهم كأبطال..

التسفيه من نصيب المسلمين فقط..

الاتهام بالرجعية والغباء والسطحية والتفاهة والتناقض والإجرام والخلل العقلي من نصيب المسلمين فقط..

كان وما زال..

وما فعله جمال عبد الناصر بالإخوان المسلمين عام 54  هو بذاته ما تفعله أمريكا بالمسلمين اليوم.. وليس جورج بوش ولا  شارون هما أول من اتهم المسلمين بالإرهاب بل إبراهيم عبد الهادي وجمال عبد الناصر.

***

قلنا أنه حتى لو كان الإخوان المسلمون قد دبروا حادث المنشية ونجحوا في اغتيال جمال عبد الناصر فإن هذا لا يسوغ ما حدث.

فما بالكم إن كان الحادث كله مدبرا..

ولو أن أول احتكاك بين الإخوان والضباط الأحرار كان عام 54 لما سوّغ هذا للضباط أن يفعلوا ما فعلوه..

فما بالكم إذا كان الوضع مختلفا تماما..

لقد كان معظم الضباط الأحرار أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين..

وبالتحديد في التنظيم السري!!..

يقول العالم الجليل الأستاذ سيد سابق الداعية الجليل، صاحب كتاب فقه السنة الذي لا يكاد يخلو منه بيت طالب علم في العصر الحاضر:

أقول كلمة حق في ذلك، أولا جمال عبد الناصر كان من الإخوان المسلمين يقيناً، وقد بايع مع كمال الدين حسين في ليلة واحدة على المصحف والمسدس، وكان جمال تابعاً للخلايا السرية، وبقي كذلك حتى قامت الثورة، وكانت فكرة الخلايا السرية أساسا محاربة الإنجليز، فإذا استطاع الإنجليز القضاء على الهيكل الظاهري، فيكون وجود الخلايا السرية باقيا كقوة، وقد كان لي دوران في الهيكل التنظيمي للإخوان، في الجماعات السرية وكذلك الظاهرة، ولم يكن أتباع الظاهر يعلمون بأني مسؤول إحدى الجماعات السرية الباطنة، والتي يتبعها جمال عبد الناصر، وعندما قام جمال بالثورة مع الإخوان الذين يعرفونه، ونجحت ثورته بدأ الخلاف، وأساس الخلاف الدائر كان حول ‏"‏من الذي سيحكم‏"‏‏؟‏‏!‏ وعندما كبر بدأ يتنكر ويقول‏:‏ ‏"‏كنت بروح للشبان، وبروح للإخوان، وأروح لمصر الفتاة، وأروح للشيوعيين‏"‏ والجماعة المحيطة به تكتب مذكرات كاذبة، ومضى في طريقه المعروف‏.‏

***

ينقل سامي جوهر في  كتابه الصامتون يتكلمون ( ص 82 ) عن كمال الدين حسين : إن أهداف تنظيم الضباط الأحرار كانت العمل على تطبيق الإسلام ، ولا نعلم له هدفاً غير ذلك ، ويقول في خطابه الذي دونه لعبد الحكيم عامر : إن حركة الضباط الأحرار منذ دخولها سنة 1944م لا يعرف لها هدف سوى الحكم بكتاب الله ، وأنهم جميعاً : عبد الناصر  وعبد الحكيم عامر وعبد المنعم عبد الرؤوف قد بايعوا محمود لبيب والمرشد والسندي ، وأن الحركة قد انتكست عندما أضاف إليها عبد الناصر ضباطاً من غرز الحشيش والخمارات من سنة 1948م .

ويقول عبد المنعم عبد الرؤوف في مذكراته : وكان جمال عبد الناصر يتردد على مركز الإخوان المسلمين لسماع حديث الثلاثاء منذ عام 1942م .

***

شهادة خالد محيي الدين تحتاج إلى احتفال خاص، فالرجل من ناحية شيوعي، ومن ناحية أخري ظل ينكر أو يستنكر العلاقة بالإخوان ردحا طويلا من الزمن، لكنه يعترف في النهاية في حديثه إلى مجلة فلسطين الإسلامية:

بعد أن بدأنا منذ 1944 التفكير بشكل عملي لتحرير مصر من الفساد والتبعية للاحتلال تعرفت عن طريق زميلي عبد المنعم عبد الرؤوف بالصاغ محمود لبيب الذي كان يتناقش معنا بلهجة ذات نكهة إسلامية. ومن يومها بدأت علاقة من نوع غريب مع الإخوان. وتكونت بعدها مجموعة عسكرية تضم العديد من الضباط، ولم نعد نلتقي في أماكن عامة ولكن في اجتماعات منتظمة في البيوت وأذكر أننا التقينا في إحدى المرات بمنزل الضابط أحمد مظهر وهو نفس الفنان المعروف أحمد مظهر.

وكان الإخوان يحسون أنهم أمام كنز من الضباط المستعدين لعمل أي شئ لخدمة الوطن.وعندما بدأنا نسأل محمود لبيب عن برنامج الجماعة كان يجيب "الشريعة" فأقول له :نحن جميعا مسلمون ونؤمن بالشريعة، ولكن ماذا سنفعل بالتحديد؟ هل سنخوض كفاحا مسلحا أم نقبل بالتفاوض؟. وكان محمود لبيب يراوغ حتى انتهى الأمر بإحضار حسن البنا المرشد العام للإخوان. وبعد أن طرحت عليه أنا وعبد الناصر آراءنا قال لنا بهدوء وذكاء إن الجماعة تعاملنا معاملة خاصة ولا تتطلب منا نفس الولاء الذي تتطلبه من العضو العادي. وتتالت مقابلاتنا وظل عبد الناصر مستريبا في أن الجماعة تريد استخدامنا لتحقيق أهدافها الخاصة. ومع اتصالي بعثمان فوزي واستعارتي لكتبه بدأت أنحو منحى يساريا. و هكذا أصبحت عضوا شاذا في جماعة يفترض أنها تابعة للإخوان المسلمين. وحاول حسن البنا أن يشدنا للجماعة برباط وثيق، وقرر ضمي أنا وعبد الناصر للجهاز السري. وبالفعل قابلنا عبد الرحمن السندى قائد الجهاز السري في أحد المنازل القديمة بحي الدرب الأحمر. ودخلنا غرفة مظلمة تماما ووضعنا يدنا على مصحف ومسدس، ورددنا خلف صوت أحدهم يمين الطاعة للمرشد العام في المنشط والمكره (الخير والشر).وأعلنا بيعتنا التامة الكاملة والشاملة له على كتاب الله وسنة رسوله. وبدأنا عملنا وأخذونا للتدريب في منطقة قرب حلوان. وكان عبد الناصر يمتعض لأننا كنا أكثر فهما للسلاح ممن يقومون بتدريبنا.

***

للقارئ أن يلاحظ ركاكة اعتراف خالد محيي الدين..

ركاكة من يخفي أكثر مما يظهر..

ركاكة من يعرف أنه كان يكذب طول الوقت لكنه مضطر في النهاية للاعتراف بجزء من الحقيقة التي لا يمكن إنكارها..

ولاحظوا يا قراء الفقرة الأخيرة من اعترافه..

لو كانا – هو وعبد الناصر – طفلين لما حق له أن يتكلم بهذه الطريقة..

كما لو كانا صبيين معتوهين أخذوهما للبيعة وهما لا يدركان ما يفعلانه..

لكنه مشكور على كل حال.. إذ لم يشفع قوله بأنهم سقوه وجمال عبد الناصر سائلا أصفر فقدا بعده الإرادة .. فبايعا..

لاحظوا أيضا يا قراء الكذبة الأخيرة، وهي أيضا مفعمة بالإهانة لكليهما.. لخالد محيي الدين ولجمال عبد الناصر: " وأخذونا للتدريب في منطقة قرب حلوان. وكان عبد الناصر يمتعض لأننا كنا أكثر فهما للسلاح ممن يقومون بتدريبنا"..

شباب الإخوان.. الجوالة أو الكشافة أو حتى التنظيم شبه العسكري هو الذي يدرب ضباطا في الجيش..

هل ترون يا قراء كيف يكون الكذب وكيف يكون امتهان العقل..

والحقيقة على العكس تماما..

فقد كان جمال عبد الناصر وخالد محيي الدين هما اللذان يدربان الإخوان على استعمال السلاح..

أي قدرة خسيسة على ممارسة الكذب.. بل أي تدريب على قلب الحقائق بهذه الصورة..

إنني أرجو من القارئ ألا يمر مر الكرام على هذا النوع المدرب من الكذب..

فالهدف منه هو أن يبدو المسلم كشخص درويش أبله أحمق لا يفهم البديهيات بالإضافة إلى جهله.. إنه مضحك.. و آية ذلك كله أن هؤلاء البلهاء ظنوا أن خبرتهم في السلاح تتفوق على خبرة ضباط الجيش.. وانطلت أكاذيب الجهلة على الضباط الأبرياء فذهبوا بحسن نية و بإخلاص كي يتدربوا فإذا بهم يكتشفون جهل مدربيهم مما أفقدهم الثقة في نظامهم كله!!..

***

على أن خالد محيي الدين يكذب كذبة أخرى..

فلم يكن هو وعبد الناصر فقط من أقسما يمين المبايعة والولاء والطاعة..

كان معهم عبد الحكيم عامر و كمال الدين حسين و حسين الشافعي وحسن إبراهيم وصلاح سالم وعبد اللطيف البغدادي وفؤاد جاسر وجمال ربيع وحسين حمودة وصلاح خليفة وسعد توفيق . وكان هؤلاء جميعا يكونون أسرة الضابط عبد المنعم عبد الرؤوف والذي كان بدوره مرؤوسا للصاغ محمود لبيب وكيل جماعة الإخوان المسلمين العسكري..( راجع : حقيقة الخلاف بين الإخوان المسلمين وجمال عبد الناصر: يرويها محمد حامد أبو النصر- انترناشيونال بريس).

أما أنور السادات فقد بدأت علاقته بإخوان عندما ذهبت زوجته الأولى إلى الإمام الشهيد حسن البنا لترهن عنده مصاغها الذهبي مقابل سبعين جنيها، فأمر بإعطائها المبلغ واحتفاظها بمصاغها، كما قرر لأسرة السادات راتبا شهريا عشرة جنيهات حتى موته حل الجماعة ثم استشهاده عام 48.  ويقول الشيخ  عمر التلمساني في " ذكريات لا مذكرات" أن جميع ما رواه السادات عن الإخوان وعن الإمام الشهيد في كتابه البحث عن الذات كذب في كذب.

***

شهادة أخرى هامة نقرأها في صحيفة آفاق عربية - العدد  621  الخميس الموافق 23 من جمادى الآخرة 1424هـ - 21 من أغسطس 2003م  

والشاهد هو وحيد رمضان.. قائد تنظيم الشباب في العهد الناصري .. يقول:

.. لقد تعرفت في سنة 1945 في منزل عبد المنعم عبد الرءوف علي جمال عبد الناصر وكانت أول مرة ألقاه فيها كما تعرفت علي كمال الدين حسين في إحدى الأسر التي كان يحضرها الصاغ محمود لبيب وكان يشاركنا أيضًا خالد محيي الدين وكان لنا موعد دوري نلتقي فيه حتى بدأت حرب فلسطين.

وفي يوم 28 ديسمبر 1948م قام اليهود باحتلال (عراق المنشية) وهي الجناح الأيمن للفالوجا ووقتها سمعت إشارة من لاسلكي صلاح سالم وكانت استغاثة من جمال عبد الناصر للسيد طه نصها «جمال عبد الناصر يقول للسيد طه: إذا لم تصل النجدة فورًا فسأفقد السيطرة علي الموقف» فقلت لصلاح سالم: هل تترك جمال وحده?! وطلبت من السيد طه أن يعطيني حمالة جنود لأذهب لإنقاذه وتوكلنا علي اللّه وبالفعل ذهبت لعبد الناصر وبعد معركة مع الجنود اليهود وصلت إليه وكان واقفًا مع حارسه علي باب مخزن ومعه سلاحه وعندما رآني انشرحت أساريره لأنني أنقذته.(...).. لقد كان هناك تعاون كامل بين الإخوان المسلمين وجمال عبد الناصر وتمثل هذا التعاون في قيام مجموعات من الإخوان بحراسة بعض السفارات والمرافق المهمة, كما قاموا بحراسة الطريق المؤدي إلي السويس, وهو من أهم أدوار الثورة, لأن هذا الطريق هو الوحيد لدخول الإنجليز القاهرة وإعادة احتلالها مرة أخري ولذلك اعتمد عبد الناصر والضباط الأحرار علي شباب الإخوان لتأمين هذا الطريق لأنه يعرف أنهم سيقومون بمهمتهم أفضل ما يكون. كما كان لعبد المنعم عبد الرءوف دور مهم وحيوي حيث إنه كان قائد القوة التي حاصرت الملك فاروق بقصر رأس التين بالإسكندرية والتي علي أثرها وقّع فاروق وثيقة التنازل كما قام أبو المكارم عبد الحي بمحاصرة قصر عابدين, إضافة لمشاركة ضباط الإخوان في وحداتهم بالقيام بالأعمال الموكلة إليهم.

ويواصل وحيد رمضان حديثه عن حادث المنشية فيقول:

.. رغم أنني كنت في القاهرة وقتها لكني سمعت من القريبين جدًا من الأحداث أن محمود عبد اللطيف كان واقعًا تحت تأثير عبد الرحمن السندي الذي فصلته جماعة الإخوان وأنه وضع له الرصاص من الفشنك وكان الأمر بالتنسيق مع المباحث الجنائية والمخابرات العامة وكما قال حسن التهامي إن لديه الوثائق والمستندات التي تؤكد دور المخابرات الأمريكية في التكتيك لهذا الحادث حتى يصبح عبد الناصر شخصية شعبية تطغي علي شخصية محمد نجيب إضافة إلي قصة القميص الواقي.

وعلي جانب آخر فإن حادث المنشية كان المحرك والسبب في فتح السجن الحربي الذي امتلأ بالمعتقلين من الإخوان المسلمين وفي مقدمتهم الأستاذ حسن الهضبي ودارت طاحونة الدم من هذا اليوم وحدثت مأساة المحكمة التي رأسها جمال سالم وصدر حكم الإعدام علي 7 من زعماء الإخوان وخفف الحكم علي المستشار حسن الهضبي رحمه اللّه.

***

عام 67 كان قواد الهزيمة الكارثة يتآمرون على الدولة في حال الحرب وكان اغتيال عبد الناصر واردا..

ولم يحكم على أحد منهم بالإعدام.

عام 54 لم يكن الإخوان هم الخارجين على الشرعية.. كان الضباط الأحرار هم الخارجين عليها.. وكان الإخوان يدافعون عن هذه الشرعية في شخص رئيس الجمهورية.. محمد نجيب..

***

نلخص ما مضى: لقد كان معظم الصف الأول من الضباط الأحرار أعضاء في التنظيم السري للإخوان المسلمين، ومهما بلغت أهميتهم فإننا نستطيع تصور ضآلتهم إزاء الشخصيات التاريخية للإخوان.. ولكنهم عندما كبروا بدءوا يتنكرون كما وصفهم الشيخ سيد سابق.

***

بعد اغتيال الإمام الشهيد وحل جمعية الإخوان المسلمين بدأ عبد الناصر في التفكير في الاستقلال عن الإخوان ( راجع قول كمال الدين حسين: إن حركة الضباط الأحرار منذ دخولها سنة 1944م لا يعرف لها هدف سوى الحكم بكتاب الله ، وأنهم جميعاً : عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وعبد المنعم عبد الرؤوف قد بايعوا محمود لبيب والمرشد والسندي ، وأن الحركة قد انتكست عندما أضاف إليها عبد الناصر ضباطاً من غرز الحشيش والخمارات من سنة 1948م .

***

وهنا لابد أن نتناول إحدى الطرق لتزوير التاريخ دون كذب..

محمد حسنين هيكل عندما يتناول تلك الفترة يتناولها اعتبارا من 1949.. فيسقط تاريخ عضوية الضباط الأحرار في الإخوان المسلمين..

لاحظوا الذكاء..

1949 لم تكن هناك جمعية للإخوان بعد أن حلها النقراشي وبعد استشهاد الإمام حسن البنا على يد إبراهيم عبد الهادي..

أي معتوه إذن يفكر في أي علاقة بين الضباط والإخوان..

أرأيتم هذه الطريقة المبتكرة في التجمل..

هيكل لا يكذب أبدا..

لكنه يخفي دائما جزءا من الحقيقة..

وعادة يكفي هذا الجزء المخفي لقلب الصورة..

***

عاد الإخوان.. وعاد الارتباط بينهم وبين الضباط الأحرار.. وكان أوثق ما يكون.. وسيكون هذا موضوع مقالة تالية.. لكننا الآن نريد أن نصل إلى حادث المنشية.

***

لقد خان الضباط كل وعودهم من الإخوان.. كان الإخوان يؤيدون الشرعية ممثلة في محمد نجيب.. وكان الضباط لا يطيقون شريكا: راجع الأقوال المذهلة لحسين الشافعي في برنامج شاهد على العصر في قناة الجزيرة، وراجع أيضا مذكرات خالد محيي الدين، بالإضافة إلى عشرات الكتب التي كتبها الإخوان.

***

أواخر 53 حاول عبد الناصر تدبير مؤامرة ضد المرشد العام المستشار حسن الهضبي، كان الهضبي قد فصل السندي رئيس "النظام الخاص".. كان اسمه كذلك.. لكن المنافقين يسمونه النظام السري.. المهم.. فصل الهضبي السندي لأسباب متعددة منها مخالفة أوامره، ومنها اعتراض الهضبي على أي عمليات عنف ومنها إحساس السندي بأنه أولى بمنصب المرشد العام من الهضبي، وكان في ذلك مدعوما من عبد الناصر، ومن ناحية أخري فقد كان الهضبي بالإضافة إلى الأسباب السابقة جميعا يدرك أن جمال عبد الناصر نفسه واحد من أقدم أعضاء التنظيم الخاص, وأنه يعرف كل أسراره.  وفشلت المؤامرة، ويذكر الشهيد سيد قطب أن مصطفي أمين اتصل به ليخبره عما يحدث في منزل الهضبي وفي مركزهم العام، وهرع الشهيد سيد قطب إلى هناك لكنه لم يجد شيئا، ولكن الأحداث بدأت بعد ذلك بساعتين..

***

بعد ذلك بشهرين تم حل جمعية الإخوان المسلمين و اعتقال الإخوان واتهامهم بالاتصال بالإنجليز والتآمر معهم وبإخفاء أسلحة تكفي لنسف القاهرة عشر مرات.. كما ورد في مقالة سابقة..

***

وبعد ذلك بشهرين آخرين كان الضباط الأحرار يتراجعون عن كل قراراتهم ويسحبون كل اتهاماتهم وكان عبد الناصر في بيت الهضبي يعتذر له.

***

في الشهور الستة التالية كان جمال عبد الناصر كأستاذ بارع في التكتيك يعالج أسباب القصور التي اضطرته إلى إعادة نجيب والإخوان.. وكان حادث المنشية فرصته كي يضرب ضربته الكبرى..

كان قد تخلص من كل مناوئيه ولم يبق إلا الإخوان ومحمد نجيب.

***

ولنقف هنا مع الدكتور يوسف القرضاوي في تساؤلاته عن الحادث حيث يقول:

وقفة للتأمل.. من المسئول؟!!

1ـ من الواضح الجلي، ومن المؤكد المستيقن: أن قيادة الإخوان لا تتحمل وزر هذا الحادث، عند كل دارس أو مراقب عنده ذرة من عقل أو إنصاف.

فقد أكدت كل المصادر: أن المرشد العام الأستاذ حسن الهضبي كان ضد فكرة الاغتيالات بكل قوة ووضوح، وأعلن هذا بصريح العبارة لرئيس الجهاز السري: إنه برئ من دم أي شخص كان، وهذا ما شهد به الخاص والعام، وأن النظام الخاص أو الجهاز السري للجماعة، لم يكن هو المدبّر لها ولا المسؤول عنها. إنها في رقبة هنداوي دوير رحمه الله، الذي أراد أن يقوم عن الجماعة بتنفيذ ما فرطت فيه في نظره! ومن يدري ربما لو نجحت خطته لأصبح من الأبطال، وعدّ منقذا للدعوة.

وبقدر اندفاعه في التدبير والتنفيذ، كان اندفاعه وانهياره السريع عند فشل الخطة، ويظهر أنه أيقن أن كل شيء قد ضاع، ولم يبق إلا أن يقر ويعترف بكل شيء، فسارع إلى تسليم نفسه طوعا واختيارا، كما يبدو أنه ساومهم أو ساوموه على أن يكون (شاهد ملك) كما يقولون، وفي مقابل اعترافه يعفى من العقوبة أو تكون مع إيقاف التنفيذ أو نحو ذلك، ولكنهم لم يفوا له بما وعدوه، وربما كان هذا هو السبب في صياحه ساعة ساقوه إلى حبل المشنقة: ضحكوا عليَّ .. خدعوني.. ضحكوا عليّ، مش دا اتفاقنا...الخ.

وبعض الإخوان اتهموا هنداوي ـ أو كادوا ـ بأنه كان عميلا للثورة في ذلك الحادث، وأنا أستبعد هذا كل الاستبعاد على الرجل، وإن كان هناك علامات استفهام في القضية لم نجد لها حتى الآن جوابا مقنعا.

ولكن يبدو أن هنداوي ـ رحمه الله ـ كان ثرثارا، ولم يكن كتوما كما ينبغي، حتى ذكر الأستاذ فريد عبد الخالق: أنه قال في المركز العام أمام عدد من الناس: لازم نقتل جمال، وأن محمد الجزار، رجل البوليس السياسي في عهد الملكية سمعه، وربما أبلغ ذلك إلى الجهات المسؤولة.

كما أن هنداوي طلب من محمود الحواتكي رئيس الجهاز السري في محافظة الجيزة مسدسا لمحمود عبد اللطيف لينفذ به مهمة الاغتيال، فرفض إعطاءه، قائلا: إن المرشد يرفض فكرة الاغتيال مطلقا. وربما كان هذا أو غيره سبب تسرب الخبر، لا يستطيع أحد الجزم.

2ـ وهكذا يبدو من سير الحوادث: أن سر هذه المؤامرة لاغتيال عبد الناصر قد انكشف قبل أن تقع الواقعة، وأن عبد الناصر علم بها، وعلم من المكلف باغتياله، ولكنه لم يقبض على الشخص، ويودعه السجن، كما يتوقع في مثل هذه الحالات، بل أراد أن يستفيد من الحادثة بعد أن انكشف قناعها.

أما كيف انكشفت فعلم ذلك عند الله تعالى. ولكن سمعت من بعض الإخوان: أن أحد رجال الأمن ـ نسي اسمه ـ قال في مقابلة تليفزيونية في القاهرة: إن الأستاذ عبد العزيز كامل ـ وكان يسكن في إمبابة مع هنداوي دوير في بناية واحدة ـ علم بتدبيره عملية اغتيال عبد الناصر، فأفهمه خطورة هذا العمل، وسوء أثره على الجماعة، وحاول أن يثنيه عن عزمه، فلم ينثن، فلما رأى تصميمه على التنفيذ، أراد أن يبلغ قيادة الجماعة، لتمنع هنداوي من تصرفه المنفرد، ولما لم يستطع الوصول إلى قيادة الجماعة لاختفاء المرشد: اتصل بمن يعرف من رجال الأمن، وأبلغهم بنية هنداوي، ليبرئ ذمة الجماعة، وكان غرضه أن يقبضوا عليه وعلى محمود عبد اللطيف، قبل أن يحدث أي شيء. وأبلغ مسؤول الأمن عبد الناصر، ولكنه لم يقبض على المدبِّر، ولا على المكلف بالاغتيال، لأمر أراده، كما تدل على ذلك الشواهد التي نأخذها من تعليقات الأستاذ صالح أبو رقيِّق أكثر من اهتم بهذه القضية والتعليق عليها. من ذلك:

1ـ استبعاد أن يخفق مثل محمود عبد اللطيف في إصابة هدفه، وهو أمهر رام عرفه إخوانه في حرب فلسطين. والمسافة قريبة، وقد أطلق ـ كما قالوا ـ ثماني رصاصات. ولم تصب عبد الناصر ولا أحدا ممن كان في المنصة.

2ـ وقع الحادث في مساء 26 أكتوبر، وظهرت صحف الصباح ـ صباح 27 أكتوبر 1954 تحمل في صدر صفحاتها الأولى نبأ القبض على الجاني الأثيم بدون نشر صورته.. قالت جريدة الأهرام:

"لم يكد الجاني الأثيم يطلق رصاصاته الغادرة، حتى كان الجمهور قد هجم عليه، وعلى ثلاثة أشخاص يقفون على مقربة منه، ودخان الرصاص يتصاعد من حولهم، وكاد يفتك بهم، لولا أن بادر رجال البوليس والمخابرات بالقبض عليهم، وضبط السلاح في يد الجاني. (هكذا نشرت جميع الصحف، كما أنه لم ينشر شيء بعد ذلك عن الثلاثة الآخرين الذين قيل أنهم ضبطوا مع الجاني) وقد اقتيد الأربعة إلى نقطة بوليس شريف.. ويدعى الجاني محمود عبد اللطيف، ويعمل سباكا في شارع السلام بإمبابة".

 (وهنا سؤال: لماذا لم تنشر صورة الجاني في الحال؟).

3ـ وقد عثر في المكان الذي كان يقف فيه الجاني على أربعة أظرف فارغة من عيار 36 ملليمتر، وهي تختلف عن طلقات المسدس الذي ضبط مع المتهم، إذ إن المسدس الذي عثر عليه مع المتهم من نوع المشط الذي لا يلفظ الأظرف الفارغة"!!

وكان هذا ما نشرته جريدة الأهرام في عددها الصادر يوم 27 أكتوبر 1954. وأثار ذلك التساؤل عن سر اختلاف الأظرف الفارغة عن طلقات المسدس المضبوط في يد الجاني.. وبدأت همسات: هل هناك شخص آخر؟!

وفي نفس العدد نشرت الصحف أن الجاني ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين..

وتوالى في الأيام التالية نشر اعترافات محمود عبد اللطيف، وأنه من الجهاز السري للإخوان المسلمين.. وكان مكلفا باغتيال عبد الناصر، لتبدأ حركة اغتيالات لبقية أعضاء مجلس الثورة و160 ضابطا من الضباط الأحرار، والقيام بثورة، وأن الجهاز السري كان سيقف أمام أي تحركات مضادة.

ومع الاعترافات بدأ نشر أنباء اكتشاف مخازن أسلحة للجهاز السري، والقبض على أفراده، ومخازن في جميع محافظات الجمهورية.. ومتهمين من مختلف الفئات والمهن.. طلاب بالجامعات ومحامين ومدرسين وعمال وفلاحين وضباط بالجيش وضباط بوليس وتجار..أي من فئات الشعب جميعها: العمال والفلاحين والمثقفين والجنود والرأسمالية الوطنية.

4ـ وكان الناس في لهفة شديدة لمعرفة شكل الجاني الأثيم.. ومضت خمسة أيام كاملة دون أن تنشر له صورة واحدة.. وأخيرا نشرت صورته، وآثار التعذيب واضحة تماما على وجهه.. ونشر تحتها أنها صورة للجاني، ويبدو فيها آثار اعتداء المواطنين عليه وقت القبض عليه!!

ظلت أحاديث الناس تتناول في كل المجالات ما كان يعتزمه الإخوان المسلمون من خراب للبلاد.. كان الناس تستقي معلوماتها مما تنشره الصحف.. وكان بعض المفكرين يراودهم الشك في حقيقة الحادث من ضبط الجاني والمسدس في يده، والعثور على طلقات رصاص من عيار لا يطابق رصاص المسدس ولا يريدون أن يصدقوا أن الحادث من تدبير الإخوان.

5ـ وفجأة وبلا أي مقدمات ـ يوم 2 نوفمبر 1954 أي بعد الحادث بستة أيام نشرت جميع الصحف الصباحية صورة الرئيس السابق جمال عبد الناصر وأمامه عامل بناء ممسكا بمسدس. ومع الصورة حكاية مثيرة.. تقول الحكاية إن عامل البناء خديوي آدم.. وهذا اسمه.. كان يستقل الترام يوم الحادث عائدا إلى منزله.. عند ميدان المنشية شاهد جماهير من الناس مجتمعة وسأل عن سر تجمعهم، ولما علم أن عبد الناصر سيلقي خطابا نزل من الترام واندس وسط الجماهير.

وعندما دوى صوت طلقات الرصاص وساد الهرج الآلاف المجتمعة سقط فوق الأرض، وشعر بشيء يلسعه في ساقه.. وتحسسه فوجده مسدسا وكانت ماسورة المسدس لا تزال ساخنة.. وأيقن في الحال أنه المسدس الذي استخدمه الجاني في إطلاق الرصاص على زعيم البلاد!! ووضع المسدس في جيبه واعتزم بينه وبين نفسه ألا يسلم المسدس إلا لعبد الناصر شخصيا.

وتستطرد القصة في استكمال حبكة خيوطها، وحتى لا يتساءل القارئ عن السر في عدم تسليمه المسدس في نفس الليلة وانتظاره خمسة أيام.. فتقول القصة:

إن العامل خديوي آدم رجل فقير جدا يوميته 25 قرشا.. ولم يكن يملك ثمن تذكرة قطار أو أوتوبيس يحمله إلى القاهرة.. فسار على قدميه المسافة من الإسكندرية إلى القاهرة.. فوصلها يوم أول نوفمبر، وتوجه في الحال إلى مجلس قيادة الثورة، وطلب مقابلة جمال عبد الناصر.. وأعطاه المسدس فكافأه عبد الناصر بمائة جنيه!!

وهكذا ظهر سلاح جديد في الجريمة طلقاته من عيار 36 ملليمتر لتكون من نفس أظرف الطلقات التي عثر عليها.. واختفت تماما سيرة المسدس الذي ضبط في يد الجاني لحظة القبض عليه..

هكذا أراد الحاكم ورجال التحقيق...

وفي اليوم الثاني مباشرة نشرت الصحف أن الجاني تعرف على المسدس الذي عثر عليه خديوي آدم، وقرر أنه نفس المسدس الذي استخدمه لاغتيال عبد الناصر، وأنه تسلمه من رئيسه في الجهاز السري المحامي هنداوي دوير. وتعرف هنداوي هو الآخر على المسدس وقرر أنه نفس المسدس الذي أعطاه للجاني، وكان رئيسه في الجهاز السري المحامي إبراهيم الطيب أعطاه له ليسلمه للجاني!

هكذا تعرف الاثنان على سلاح الجريمة.. وهكذا اختفت تماما سيرة المسدس الأول الذي ضبط مع الجاني لحظة القبض عليه.. واحد فقط أنكر أن المسدس الذي عثر عليه خديوي آدم يتعلق بالجهاز السري.. هذا الشخص هو إبراهيم الطيب نفسه.. وجاء إنكاره أمام محكمة الشعب عندما عرض عليه رئيسها جمال سالم المسدس فقرر أنه ليس نفس المسدس الذي أعطاه لهنداوي.. إنما هو مسدس آخر.

6ـ ولم يحقق جمال سالم هذه النقطة الهامة.. أغفلها تماما.. كما أغفل أثناء المحاكمة تكليف الادعاء بتقديم شهود الإثبات الذين ضبطوا الجاني لحظة ارتكاب الجريمة.. وكانوا.. وبالمصادفة: من العاملين بمديرية التحرير التي أنشأها مجدي حسنين أقرب الضباط الأحرار إلى قلب جمال عبد الناصر، وهؤلاء الشهود معروفون بأسمائهم ووظائفهم.

ولعل الادعاء خشي أن يقدمهم، ويقدم خديوي آدم العامل الذي عثر على المسدس، حتى لا تتخبط أقوالهم، ويظهر شيء محظور كانوا يسعون لإخفائه..إن أي طالب بالسنة الأولى حقوق يعلم أن أول شهود يستمع إليهم هم شهود الإثبات الذين لهم صلة بضبط الجاني أو مشاهدة الجريمة أو اكتشاف سلاح الجريمة..

ولكن هؤلاء الأربعة لم يدلوا بشهادتهم عند محاكمة الجاني.

7ـ وذكر صالح أبو رقيق بعد ذلك ما حدث في أثناء المحاكمة برئاسة جمال سالم من مهازل ومآس، انتهت بصراخ هنداوي دوير: ضحكوا علينا.. خدعونا..

8ـ ثم ما ذكره حسن التهامي من قصة (القميص الواقي من الرصاص) الذي كان يعد لعبد الناصر تلك الليلة، وما حوله من وقائع وتفاصيل لا أذكرها الآن، ولكنها تزيد الأمر غموضا، وإن شئت قلت: تزيده وضوحا: أن تدبير دوير ومن معه قد كشف، وأن عبد اللطيف لم يطلق الرصاصات الثماني، وإنما أطلقها غيره.

وقال أبو رقيق: إن الشخص الذي كان بجوار محمود عبد اللطيف، والذي أطلق الرصاصات في الهواء، وترك دون أن يمسك به أحد، موجود على قيد الحياة، وكل مظاهره تدل على أنه تاب وأناب. وكان أبو رقيق يرجو أن يكمل توبته بإظهار الحقيقة التي ظلم بسببها أناس كثيرون، بل جماعة بأسرها.[6]

وذكر الأستاذ حسن العشماوي أنه فوجئ بالحادث، وفوجئ بإسناده إلى الإخوان، وقد سأل في ذلك يوسف طلعت رئيس الجهاز السري، فأكد: أنه لا يعرف شيئا عن ذلك، والمفروض أنه المسؤول عن الحركات السرية. ووضح يوسف طلعت: أن الخطة الموضوعة كانت تقتضي أن تجتمع الهيئة التأسيسية بعد غد، وأنه ستعقبها مظاهرة لإعلان قراراتها، كما أكد يوسف طلعت: أنه أيقن أن الأستاذ إبراهيم الطيب المسؤول عن الجهاز السري في القاهرة لم يكلف الأستاذ هنداوي دوير بأن يعمل لاغتيال جمال عبد الناصر، ويستنتج الأستاذ حسن عشماوي من ذلك كله: أن الحادث على هذا النحو فردي يحاسب عليه فاعله.

ثم يعود ليذكر: أنه يؤيد اتجاه الأستاذ يوسف طلعت، الذي كان إيمانه يصل إلى أن الحادث ملفق.. لأن المسافة بين مُطْلِق النار وموقف عبد الناصر 300 متر، وللميل الشديد في الاتجاه، إذ كان عبد الناصر يقف على منصة عالية، ثم لوقوف عبد الناصر وراء حاجز من البشر، وذهاب المتهم وحده دون شريك يسنده، واستعمال مسدس، وهو أداة ضعيفة في مثل هذه الحال، وعدم إصابة الهدف من شخص معروف جيدا بالمهارة الفائقة، ومعروف كذلك بأنه لا يطلق النار بغير تأكد من الإصابة… كل ذلك يوحي أن الحادث غير معقول.

ويوسف طلعت كان دائما يتساءل: أمن الممكن أن يرسل هنداوي دوير شخصا واحدا لهذا الحادث، مع أنه يستطيع أن يرسل عدة أشخاص؟ وهل يمكن أن يرسل مسدسا واحدا بدلا من عدة مسدسات وعدة قنابل؟

ويذكر الأستاذ حسن العشماوي أنه سمع من موظف عاين مكان الحادث رسميا أن الحائط المواجه لإطلاق النار ليس به أي أثر للرصاص، وأنه يعتقد أن المسدس الذي سُمعت طلقاته كان محشوا بالبارود فقط دون رصاص، وأن عبد الناصر كان يعلم سلفا لحظة الإطلاق.

***

يتفق مع شهادة الدكتور يوسف القرضاوي شهادة أخرى هامة سجلها الدكتور زكريا سليمان بيومي  رئيس قسم التاريخ بجامعة المنصورة في كتابه: الإخوان المسلمون من المنشية إلى المنصة – مكتبة وهبة حيث ينبه إلي ذكاء عبد الناصر في تمهيد الجماهير في الفترة السابقة لحادث المنشية للصدام المسلح بين الثورة والإخوان.

يقترب ريتشارد ميتشيل كثيرا من هذا الرأي في كتابه " الإخوان المسلمون" وهو كتاب قيم ومنصف لولا أن رفعت السعيد شوهاه بطريقتهم المدربة..

المؤرخ د. أحمد شلبي يتفق مع القرضاوي وزكريا فيما ذهبا إليه. مع العلم أنه كالدكتور زكريا ليسا من الإخوان المسلمين..

ينقل لنا الدكتور يوسف القرضاوي شهادة الدكتور أحمد شلبي أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بكلية (دار العلوم) حيث يقول في الجزء التاسع من (موسوعة التاريخ الإسلامي): رأيي الذي أدين به والذي كونته من دراسات وتفكير خلال ربع قرن منذ وقع الحادث حتى كتابة هذه السطور، هذا الرأي يتخذ دعامته من الأحداث والأقوال التالية:

أولا: الدقة الشاملة في إعداد السرادق وتنظيم الذين يحتلون مقاعده، وقد سبق أن اقتبسنا كلمات إبراهيم الطحاوي الذي يقرر أن هيئاتٍ ثلاثًا كانت مكلفة باحتلال مقاعد السرادق؛ هي هيئة التحرير، وعمال مديرية التحرير، والحرس الوطني. وهذا يوضح أنه لم يكن هناك مقعد يمكن أن يتسلل إليه مغامر ليعتدي على جمال عبد الناصر؛ فما كان الوصول إلى المقاعد أمرا ميسورا، ولم يترك للجماهير إلا المقاعد الخلفية النائية.

ثانيا: قضية الجنيهين اللذين تحدثت عنهما الصحف المصرية، وقالت: إنهما أُعطيا لمحمود عبد اللطيف لينفق منهما على أولاده وأسرته هي في تقديري أسطورة لم يُجَدْ حبكها؛ فالمبلغ الذي يقدم لمن هو فقير ويطلب منه أن يقدم على هذه المغامرة لا بد أن يكون مبلغا ضخما، يغري بالإقدام على هذا الجرم.

ثالثا: ثماني رصاصات تنطلق من مسدس يمسك به رجل مشهود له بالدقة في إصابة الهدف، ولا تنجح واحدة من هذه الرصاصات في إصابة الهدف أو إصابة أي شخص من الذين يحيطون بجمال عبد الناصر، أو إصابة أي إنسان على الإطلاق.. هذا في تقديري مستحيل!!

ثم إن المشرفين على السرادق سرعان ما طمأنوا الناس ودفعوهم للهدوء، ولو كانت هناك مؤامرة فعلا لانفض الحفل مخافة أن يكون هناك مزيد من الرصاص.

ومما يتصل بالإصابات نذكر أن الإصابات القليلة التي حدثت كانت من زجاج انكسر، ربما من الزحام والجموع التي تحركت عقب الحادث، ولم تكن هناك إصابات من المسدس على الإطلاق.

رابعا: كانت المسافة بين المكان الذي قيل: إن محمود عبد اللطيف أطلق منه النار وبين جمال عبد الناصر 300 متر ( هل كانت 300 متر أم 20 مترا؟.. م ع ) ، وكان عبد الناصر على منصة عالية، وهذه المسافة وارتفاع الهدف يجعلان من المستحيل نجاح الخطة وإصابة الهدف، وبالتالي لا يقدم على هذا العمل جماعة لهم خبرات بالتخطيط والأمور العسكرية.

خامسا: من المعروف أن الإخوان المسلمين كانت عندهم ذخائر ومدمرات هائلة، ولو اتجهوا للاغتيال لكان هناك وسائل أخرى لتحقيق هدفهم، ومن المستحيل أن يقدموا على هذا العمل بمسدس لا يستعمل عادة إلا عند المسافات التي لا تتجاوز أصابع اليدين من الأمتار، وقد تحدثت الصحف آنذاك عن أسلحة ومفرقعات ضبطت لدى بعض الإخوان بالإسكندرية كانت تكفي لنسف المدينة كلها.

سادسا: حكاية النوبي الذي حمل المسدس سيرا على الأقدام من الإسكندرية إلى القاهرة حكاية ساذجة ننقدها من النقاط التالية:

1ـ كيف اتُّهم محمود عبد اللطيف قبل العثور على المسدس؟ مع ملاحظة أن المسدس الذي قيل: إنه وجد معه لم يستعمل ذاك المساء.

2ـ كيف أفلت المسدس المستعمل من الذين قبضوا على محمود عبد اللطيف؟

3ـ لماذا لم يسلم النوبي المسدس لنيابة الإسكندرية؟

4ـ لماذا جاء هذا الرجل سيرا على الأقدام طيلة هذا المسافة التي لا تقطع عادة سيرا على الأقدام؟

سابعا: يروي صلاح الشاهد أنه كان يقود سيارته مساء يوم 16 وسمع جزءا من خطاب الرئيس من مذياع بالسيارة ثم سمع الطلقات، فأسرع نحو بيت الرئيس ليكون مع أولاده في هذه الأزمة، ولم يجد صلاح الشاهد بالبيت اضطرابا أو ذعرا وأخذ يداعب أولاد الرئيس الذين كانوا يلعبون، وهذا يوحي لي بأن أسرة الرئيس كانت تعلم سلفا بما سيجري، وقد شاهد هذا الاطمئنان قبل أن يتصل بهم عبد الناصر من الإسكندرية.

كل هذا يؤكد ما قلته، وأنا مطمئن تمام الاطمئنان: أن قيادة الإخوان -العلنية والسرية- ليس لها أدنى علاقة بهذا الحادث، وأن الذي فكر فيه ودبر خطته أولا هو هنداوي دوير، وأن خطته كشفت لعبد الناصر يقينا، وإن كنا لا نعلم كيف تم ذلك على وجه القطع. وأن عبد الناصر استغل هذا الأمر، وأخرجه -مع رجاله- على الطريقة التي تم بها، والتي تدل كل خطواتها ووقائعها على أن محمود عبد اللطيف ليس هو الذي أطلق الرصاص، وليس مسدسه الذي انطلق منه الرصاص.

***

لقد تعرضنا لشهادات كثيرة، لكن يبقى شهادات هامة لأنها من أعدى أعداء الإخوان المسلمين..

من الدكتورين: عبد العظيم رمضان وفؤاد زكريا..

***

ولنلاحظ هنا الطريقة الشيوعية في التزوير.. فنحن ننقل الشهادتين من كتاب الدكتور عبد العظيم رمضان :  الإخوان المسلمين والتنظيم السري - الهيئة المصرية العامة للكتاب..

ولقد علمنا من قبل أن اسمه التنظيم الخاص وليس السري!!

لكن هذا هو عنوان الكتاب..!!

***

يقول الدكتور عبد العظيم رمضان:

في تمام الساعة السابعة وخمس وخمسين دقيقة من مساء يوم الثلاثاء26 أكتوبر 1954، كان جمال عبد الناصر يقف خطيبا في حفل أقيم بميدان المنشية بالإسكندرية، بمناسبة توقيع اتفاقية الجلاء مع بريطانيا. ولم تكن قد مضت دقائق قليلة على بدء خطابه، وكان يتحدث عن ذكريات اشتراكه في العمل الوطني(...)  وفى هذه اللحظة بالذات دوت ثماني رصاصات متتالية أطلقها محمود عبد اللطيف، العضو في التنظيم السري لجماعة الإخوان المسلمين، على جمال عبد الناصر، لم تصبه، ولكنها أصابت جماعة الإخوان المسلمين بكارثة فظيعة لم يشهد لها تاريخ الحياة السياسية في مصر مثيلا.

***

فلنتجاوز يا قراء عن الجزء الوصفي السابق..

ولننتقل إلى الجزء التالي فهو خطير خطير..

***

يقول الدكتور عبد العظيم رمضان:

كان شعور جماهير الإسكندرية عند إلقاء عبد الناصر خطابه، معبأ ضد اتفاقية الجلاء مع بريطانيا، التي عارضتها كل القوى السياسية في مصر، وضد عبد الناصر الذي وقعها، وضد نظام الحكم الاستبدادي الذي أرساه. وعندما أقيم سرادق الاحتفال في ميدان المنشية، احتلته جماهير الإسكندرية، وأخذت هتافاتها تتعالى بالحرية وسقوط الظلم، مما اضطر السلطات إلى إخلاء السرادق من هذه الجماهير في الخامسة مساء، وإعادة ملئه من جديد بجماهير مأجورة تتكون من عشرة آلاف من عمال مديرية التحرير الموالية. وكانت هذه الجماهير هي التي تسرب محمود عبد اللطيف من بينها ليجلس في الصفوف الأمامية على بعد عشرين مترا من منصة الخطباء والضيوف، و أطلق منها الرصاص على جمال عبد الناصر.

***

هل لاحظتم يا قراء..

لقد أخلت الشرطة السرادق من الجماهير التي كانت تهتف ضد عبد الناصر..

ولقد أتت الشرطة بجماهير مأجورة – طبقا لتعبير الدكتور عبد العظيم رمضان – لتملأ السرادق..

وكان ممن دخلوا مع هذه الجماهير المأجورة محمود عبد اللطيف..!!..

***

والآن لننتقل إلى شهادة الدكتور فؤاد زكريا وهو واحد ممن وصلت خصومتهم مع الإسلام لدرجة الإسفاف.. ولكن الله ينطقه بالحق..

يتساءل الدكتور فؤاد زكريا في صحيفة الوطن في 2 مارس 1981 : هل كان حادث المنثسية كمينا؟

ويقول فؤاد زكريا:

عاصرت حادث محاولة  اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر في المنشية في أكتوبر عام 1954. وتابعت باهتمام شديد تلك المحاكمة التي أجراها أعجب وأظلم قاض في تاريخ مصر الحديث، المرحوم جمال سالم. وعلى الرغم من اختلافي الفكري الحاد مع الإخوان المسلمين. فقد كان الانطباع الذي تولد لدى من المتابعة الدقيقة لوقائع ذلك الحادث هو أن الإخوان قد وقعوا ضحية مكيدة من نوع ما (...) وهاأنذا أدلى بشهادتي عن هذا الموضوع الهام. مع تأكيدي للقارئ

أنني لدست "مؤرخا(...)  وأحسب أن الخصوم الفكريين للإخوان من أمثالي في حاجة إلي قدر كبير هن الموضوعية ونسيان الاعتبارات الشخصية لكي يدلوا بشهادة نزيهة، وهذا.. ما سأحاول أن أفعله.

أنني على خلاف الدكتور رمضان سأتقدم  بفرض لتفسير الحادث هو:-

1- كانت هناك بالفعل نية اللجوء إلي العنف لدى الجهاز السري للإخوان المسلمين بعد أن أدى القمع التام للديمقراطية إلى سد جميع مسالك العمل السلمي  أمام  كافة فئات المعارضة.

2- لم تكن هذه النية قد تبلورت تماما، وذلك لأن القيادات الإخوانية كانت في حالة انقسام وبلبلة فكرية.. وكان فيها اتجاه  قوى يعارض العنف.

3- طرحت عدة أفكار عن أساليب عنيفة يلجأ إليها الإخوان. منيها اغتيال أهم أعضاء مجلس  الثورة وعلى رأسهم جمال عبد الناصر. ولكن هذه الأفكار لم تتبلور بصورة نهائية. وإنما تمت بحض الاستعدادات لها من خلال تسليم أنواع معينة من  الأسلحة لبعض مسئولي المناطق من الإخوان.

4- كان المحامى هنداوي  دوير مسئول الجهاز السري في إمبابة هو مفتاح السر كله في هذه القضية، وقد فوتح في موضوع الاغتيال ولكن دون تكليف صريح له بالتنفيذ.

5- ولم يكن هنداوي دوير هذا مقتنعا تماما بالهدف وانهارت أعصابه  فأفشى السر لأجهزة الدولة قبل تنفيذ محاولة الاغتيال بأيام قلائل فكلفته هذه الأجهزة  بمتابعة التنفيذ من خلال تعليماتها الخاصة. وهناك  احتمالان في هذا الموضوع: أما أن هنداوي كان من عملاء المباحث منذ البداية واستطاع أن يصعد في التنظيم السري إلى مرتبة مسئول منطقة وإما أنه شعر بالرعب  قبل تنفيذ الخطة مباشرة فاتصل بأجهزة الأمن، وأنا أرجح الفرض الأخير، ومنذ هذه اللحظة أصبحت خطوات هنداوي تتم بالتنسيق مع أجهزة  الأمن، وهى التي أعطته  المسدس الذي سلمه لمحمود عبد اللطيف وحددت له موعد التنفيذ-

6- كان محمود عبد اللطيف نفسه منساقا  في تصرفاته بصورة تدعو إلي الشك في أن يكون قد حدث له نوع من أنواع " غسيل المخ، وكانت المسافة التي حاول أن يغتال منها عبد الناصر بعيدة إلي حد يدعو إلي الشك في سلامة تفكيره في هذه اللحظة. وفضلا عن ذلك فلابد أنه كان مراقبا طوال الوقت وكان المسدس  الذي تسلمه من نوعية خاص لا ضرر منها.

7- كان هنداوي دوير هو الوحيد الذي سلم نفسه للسلطات بعد يوم واحد من الحادث. وهو الذي تعاون معها في التحقيق  تعاونا تاما. وكانت اعترافاته هي بداية الخيط الذي اسقط الجهاز كله.

8- أما إعدام هنداوي  ضمن المحكوم عليهم  في النهاية فأمر يسهل تفسيره: فعلى الرغم من الوعود التي لابد أنها قدمت إليه لبكى يشي بجماعته، كان من الضروري التخلص منه لأنه يعرف اكثر مما ينبغي، ومثل هذه الأمور تتكرر كثيرا عندما تنجح أجهزة ا،من في تجنيد أحد خصومها فتتخذه طعما لاصطياد الآخرين وعندما تنتهي مهمته يكون أول ما تفكر فيه الأجهزة هو التخلص منه. وعلى أية حال فان المرء لا يشعر بأي أسف إزاء غدر الأجهزة بإنسان هو أصلا غادر.

***

ويواصل الدكتور فؤاد زكريا:

هذا هو تسلسل الأحداث وفقا للفرض الذي أتقدم به. ويمتاز هذا الفرض بأنه يجعل الأحداث أكثر اتساقا بكثير من العرض الذي قدمه الدكتور عبد العظيم  رمضان، ويلقي ضوءا على أمور كثيرة تبدو فر مفهومة.

ولأضرب لذلك مثلا واحدا: فقد قرأت بنفس في جريدة " الأهرام،

بمد حوالي أسبوع من الحادث، أن أحد العمال قد وصل من الإسكندرية إلي القاهرة ومعه المسدس الذي ارتكبت به الجريمة. وكان قد التقطه أثناء وجوده على مقربة من المتهم في ميدان المنشية، ولكي تغطى الصحيفة تلك الفترة الطويلة التي أستغرقها وصول المسدس إلي المسئولين، ذكرت أن هذا التعامل لم يكن يملك اجر القطار وحضر من الإسكندرية إلي القاهرة سيرا على الأقدام،  وهو يحمل المسدس المستخدم في الحادث فاستغرق ذلك منه أسبوعا(...) ويخيل إلي أن هذه الواقعة وحدها بما فيها من استغفال له تول الناس، تكفى وحدها لتشكك في العملية بأكملها.

فلنترك جانبا ما قاله الدكتور رمضان نفسه عن إهداء الأمريكيين قميصا لا يخترقه الرصاص لجمال عبد الناصر قبل الحادث بفترة وجيزة ة ولنترك جاذبا شهادة حسن التهامي، التي توحي بوجود  مؤامرة دبرتها الحكومة مع مصادر خارجية للإيقاع بالإخوان- لنترك هذا كله على أهميته الكبرى جانبا ولنتأمل نفس الوقائع التي أوردها الدكتور رمضان ، لكي نستخلص نتائجها الضرورية.(...)..

...  وهل يحق لنا أن نثق بأقوال شخص يسلم أداة الجريمة لإنسان ثم يقول بعد وقوعها بيوم واحد أن القتل غير إسلامي؟ وكيف فات هذا التناقض على الدكتور رمضان وظل يعتمد في الجزء الأكبر من دراسته على أقوال شخص كهذا .

إن الدكتور رمضان  يأسف لان هنداوي لم يفق إلا بعد الحادث، ولو كان قد أفاق قبله لأنقذ الإخوان من التهلكة. ولكن هذأ تحليل ضعيف إلي أبعد حد، أولا لان إفاقة هنداوي أو عدم إفاقته ما كانت لتغير شيئا في تسلسل الأحداث التي كان الإخوان سيتعرضون فيه حتما للتصفية بمد أن خلا الجو لرجال الثورة وتخلصوا من بقية الخصوم  وثانيا لان هنداوي (كما أرجح) قد أفاق فعلا قبل الحادث، ولكن طريقته في الإفاقة كانت هي التي ألقت بالإخوان في التهلكة  لأنه وشى بهم جميعا.

***

يستطرد الدكتور فؤاد زكريا في شهادة شد ما تدهشني.. فالرجل للمرة الأولى في حياته – في حدود ما أعلم -  يقول قولة حق.. وهو لم يتحول كما تحول رفعت السعيد وصلاح عيسى وجمال الغيطاني إلى نجوم لا تنشر أعمالهم على الشبكة إلا مواقع أقباط المهجر والمنصرين.. أقول استطرد الدكتور فؤاد في شهادته العجيبة ليقول:

 نسب هنداوي إلي حسن الهضبي الأمر بتنفيذ الاغتيال وهو ما اثبت الدكتور رمضان نفسه كذبه، كما كذبه الهضبي ويوسف طلعت بسدة، فإذا كان قد كذب إلي درجة توريط رئيس مسالم للجماعة، وتعريض حياته للخطر فهل نستبعد أن يكذب في بقية أقواله.(...) أما المواجهة التي دبرها جمال سالم بين إبراهيم الطيب وهنداوي، والتي وصفهما الدكتور بالمهارة تارة  وبالكفاءة والاقتدار تارة أخرى فإنها تكتسب معنى جديدا كل الجدة في ضوء الفرض القوى الذي نقول به وهو أن هنداوي  دوير اتصل بالسلطات وابلغها بالحادث قبل أيام قلائل (في الفترة التي توقف فيها التنفيذ مؤقتا) وأتاح لها بعد ذلك فرصة توجيه الأحداث بالطريقة التي ضمنت لها  أفضل النتائج. فعندئذ تصبح هذه المواجهة بين متهم حقيقي وبين عميل، وبالفعل نجد جمال سالم يستعين بهنداوي في تكذيب إبراهيم الطيب، لا العكس، بينما يقدم هنداوي إلي المحكمة كل ما تريده من "أدلة " تطيح برؤوس زملائه السابقين.

***

مازال الدكتور فؤاد زكريا يتحدث:

أن الثغرات في سرد الأحداث وفقا لتفسير الدكتور رمضان كثيرة. وهناك تناقضات لا حد لها تركت بلا أي تشكك أو استفسار. ولعل من أبرزها أن يعرض جهاز ضخم حسن التدريب والإعداد مستقبله كله للخطر مقابل أن يترك فردا واحدا، هو محمود عبد اللطيف لكي يعتمد في التنفيذ على مجهوده الشخصي، هل هذه خطة يقامر بها جهاز كهذا بحياته وحياة جماعته كلها.

(...) إن حادث المنشية بالضرورة التي تم بها كان حادثا استدرج فيه الإخوان.

وليس للقارئ أن يعجب من هذا التفسير لان أجهزة الأمن في بلادنا العربية قادرة على التغلغل في كافة التنظيمات وقادرة على تدبير الحوادث وخلق الشهود الذين يبررون لها ما قالت ويكفيني هنا أن أشير إلي مثال واحد، ففي أواخر الستينيات قيل أن المستشار كامل لطف الله قد انتحر بأن ألقى بنفسه من سطح بيته وتشاء " الصدف " أن يحدث انتحاره هذا قبل يوم واحد من الموعد المحدد لكي ينظر هو نفسه في قضية اختلاسات مديرية التحرير، التي وصلت إلي ملايين الجنيهات، وكان الرجل قد درس ملف القضية بأكمله دراسة متعمقة. واعجب ما في الأمر أنه، بعد وقوع الحادث بأربعة أو خمسة أيام تقدم للنيابة شخصان قالا، انهما من عمال  البناء. وكانا يشتغلان في بيت مجاور، وشاهدا القاضي وهو ينتحر. أما لماذا لم يبلغا عما شاهداه عند وقوع الحادث، فذلك- حسب رواية الصحف ذاتها- لأنهما لا يعرفان القراءة ولم يدركا أهمية الشخص المنتحر إلا عندما سمعا بالحادث بعد أيام ..

هناك أذن خفايا كثيرة تكمن تحت السطور. واحسب أن من واجب كل من يملك شهادة عن هذه الأحداث وغيرها أن يقول كلمته حتى يظهر تاريخ بلادنا في ضوئه الحقيقي، ولو سئلت عن رأيي لقلت أن الإخوان المسلمين. برغم اختلافي لأساسي معهم. كانوا في حادث المنثسية بالذات ضحية كمين اشتركت فيه بعض عناصرها مع أجهزة الدولة، ولكن يبقى على من شاركوا في الأحداث نفسها أن، يقولوا كلمتهم.

***

انتهت شهادة الدكتور فؤاد زكريا.. وتبقي شهادة قصيرة ضحكت بعدها في أسى..

يروي الشهادة الدكتور عبد الحليم قنديل في حوار له مع موقع محيط على الشبكة الإليكترونية فيقول:

"ولاشك أن نقطة الصدام الأساسية بين عبد الناصر والإخوان تجسدت في حادث المنشية الشهير، الذي مازال الإخوان حتى الآن ينكرونه ، بينما من يقرأ مذكرات السيد أحمد طعيمة الذي كان عضوا في الإخوان المسلمين ثم انضم إلى حركة الضباط الأحرار ومازال حتى الآن معروفا بمواقفه الإسلامية القريبة من الإخوان ، وكلف من قبل السادات بإجراء حوارات مع عمر التلمساني وغيره بهدف استقطاب الإخوان إلى جانب نظام السادات يجدها تحمل في كثير من جوانبها على النظام الناصري في الستينات إذ أنه كان ضد فكرة التأميم ومع فكرة التعاون وأقرب إلى فكرة القطاع الخاص ، ومن ثم فإن مذكراته خالية من فكرة التحيز الكامل ، لكنه رغم ذلك كان في مذكراته شديد الإيمان بشخصية عبد الناصر نزاهة وتجردا وهو يروي في مذكراته – وهذه شهادة لأنه كان مسئولا مع الطحاوي عن هيئة التحرير في الوقت الذي جرى فيه حادث المنشية – أن أي تشكيك في حادث المنشية كلام فارغ جدا ويؤكد أن اسم محمود عبد اللطيف المتهم في حادث الاغتيال كان ضمن عشرة أسماء قدمت لعبد الناصر قبل أن يذهب إلى الإسكندرية على أنها كلفت من التنظيم السري بتدبير اغتيال جمال عبد الناصر ، وأنه وضع قرارا على مكتب عبد الناصر يطلب فيه أحمد طعيمة وآخرون ينتمون للإخوان من عبد الناصر أن يفصل هؤلاء الناس من وظائفهم حتى ينشغلوا بأنفسهم عما يدبرونه له ، لكن عبد الناصر رفض توقيعه ، وحينما سألوه عن سبب عدم توقيعه رد قائلا :"أفضل أن يحاولوا اغتيالي على أن اقطع عيش أحد" .

***

انتهت شهادة عبد الحليم قنديل عن حادث المنشية، وقد اضطررت لقراءتها مرتين، فقد ظننته للوهلة الأولى يسخر..

لاحظوا يا قراء جملته الأخيرة: :"أفضل أن يحاولوا اغتيالي على أن اقطع عيش أحد" .

أما المرارة فكانت لأن عبد الناصر بعد شهرين فقط لم يقطع عيشهم بل قطع رقابهم..

ولست أدري : هل أشفق على قنديل أم أدينه..

***

الشهادة الأخيرة اليوم فهي على لساني أنا..

وهي شهادة رغم قصرها تحل المعضلة التي شغلت شيخنا القرضاوي و أربكت الدكتور زكريا والدكتور رمضان وكل من وضع افتراضا مؤكدا للعلاقة بين محمود عبد اللطيف والسلطة.. العلاقة التي تقطع بعلاقة جمال عبد الناصر بالأمر وتقطع بأنها كانت مكيدة لإخوان..

***

لقد ظللت في ريب من الأمر حتى  جلست مع الوزير أحمد طعيمة، وزير الأوقاف في العهد الناصري، وأحد الضباط الأحرار، وسألت الرجل عن حادث المنشية ( نشرت الواقعة كلها منذ أعوام، كما أن الدكتور طعيمة نشرها في مذكراته).. وراح الرجل يؤكد لي القصة الرسمية، والرجل شديد الإعجاب بجمال عبد الناصر، شديد التدين، وشديد الإدانة للإخوان المسلمين، وعلى الرغم من هذا كله فقد كانت روايته لي عن حادث المنشية، وتأكيده للرواية الرسمية، هي بداية يقيني من المكيدة المجرمة. باختصار شديد، كان أحمد طعيمة على علاقة شخصية حميمة بأحد التجار المشهورين ( صاحب محلات سعودي) ، وكان هذا التاجر عضوا في الإخوان المسلمين، وكان معجبا بعبد الناصر، فأبلغ الوزير طعيمة بأسماء عشرة أشخاص جرى الاقتراع بينهم لتنفيذ عملية الاغتيال، وهرع أحمد طعيمة - والرواية على لسانه والرجل ما يزال حيا - إلى جمال عبد الناصر و أبلغه بالأسماء العشرة، وطلب منه اعتقالهم على الفور، بعد أسبوع قابل صديقه التاجر مرة أخرى، فسأله مندهشا لماذا لم يتم القبض عليهم، و يقول أحمد طعيمة أنه هرع إلى جمال عبد الناصر مغاضبا ومتسائلا لماذا لم يتم القبض على المتآمرين، فأجابه جمال عبد الناصر بأنه لا يستطيع القبض على أناس لم يرتكبوا بعد أي جريمة.

كان الوزير أحمد طعيمة في غاية الانفعال وهو يسرد الواقعة مؤكدا لي أن جمال عبد الناصر قد تصرف مثل سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه عندما أبى حبس من توعده بالقتل.

وأضاف أنه بعد أن حدثت المحاولة في المنشية راجع أسماء المقبوض عليهم فوجدها هي الأسماء التي أبلغ بها عبد الناصر.

***

هذا هو حل اللغز إذن..

كانت تفاصيل الحكاية كلها أمام عبد الناصر والمباحث والمخابرات..

وكانت كل البدائل ممكنة ومحتملة..

وقد قلت عشرة أيام على الأقل لأن هناك احتمالا آخر في أن يكون الاختراق قد تم قبل ذلك بكثير.. و أن هذا الاختراق كان هو الذي دفع محمود عبد اللطيف وهنداوي دوير للتخطيط لمحاولة الاغتيال تمهيدا للقضاء على الإخوان المسلمين..

ليس كأفراد فقط..

بل كمنهج..

نفس المحاولة التي تحاولها إسرائيل في فلطين و أمريكا في العالم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم..

رحم الله الشهداء..

ولعن الخونة..

و إنا لله و إنا إليه راجعون..

***

***

***

 

برقيات عاجلة

 

إلى الرئيس مبارك

 

ثمة معروف واحد تستطيع أن تسديه إلى وطنك و أمتك.. خذ أهلك وارحل.

ملاحظة: هذا المعروف ليس لوطنك فقط، بل لك أيضا، ولأهلك..

***

إلى الصحاف

 

خسرت التعاطف قبل أن تبدأ حلقتك الأولي في فضائية أبي ظبي.. فالأمة تكره وتحتقر من يصبغ بالسواد شعره.

***

إلى محمد حسنين هيكل..

 

الكتابة ليست رفاهية ولا متعة ولا منصبا شرفيا  و إنما هي جهاد.. الفار منه كالفار من المعركة.. أقول لك ذلك رغم أن كتاباتك بالنسبة لنا – كمسلمين – كانت نيرانا صديقة قتلتنا..

مازال هناك ما تقدمه..

اكتب – بصراحة – ما أخفيته.

لقد كان دورك فارقا في نصر السادات في رواية مراكز القوى..

فاصدقنا القول.. ما هو دورك في رواية المنشية..

و أعود إلى عنوان أول مقال في هذه السلسلة عن أزمتك: هل هي أزمة فكر قومي.. أم أزمة ضمير شخصي؟!..

***

 

إلى صلاح عيسى

 

تزداد قيمة الإنسان – و أجره- بازدياد خبرته وتقدم عمره.. إلا في مهنتين: الداعرة.. والكاتب المأجور..

***

ملاحظة: يكرس صلاح عيسي صحيفته الملاكي لكل مارق وفاسق وكافر – بشهادة علماء الأزهر-. ومنذ شهرين وهو يعطي مساحة واسعة لكاتب مجهول أظنه  مختل عقليا – كما ظهر في القناة الثقافية – يزعم أن الإسراء والمعراج لم يكونا إلى المسجد الأقصى بل كانا إلى المدينة المنورة!!..

و أخذ المختل عقليا يحاول الدفاع بالباطل والكذب والتخريف عن فكرته، وهنا سأله مقدم البرنامج – جمال الشاعر- عن هدفه من بحثه فإذا به يخرج – جنونا – عن السيناريو الموضوع له ليكشف الفضيحة.. إذ قال: إذا كان الإسراء والمعراج إلى المدينة فليس لنا شئ في المسجد الأقصى.. فلنتركه لإسرائيل إذن ونتقدم إلى السلام معهم!!!..

هل يحتاج القارئ إلى تعليق؟..

ليس ثمة إلا الندم والخزي من كل لحظة تعاطفنا فيها مع  صلاح عيسى.

***

إلى إبراهيم سعدة

 

حكم لي القضاء ضدك وضد الغيطاني بتعويض  قدره 20000 جنيه، بسبب موقفكم المشين في قضية وليمة لأعشاب البحر واستنفدت كل درجات التقاضي حيث مارستم  فيها  وبعدها – لعرقلة التنفيذ- وسائل لم أتصور قط أن تصدر عن جهاز تابع لمؤسسة أخبار اليوم، مهما كان رأيي فيها وفيك شخصيا ومهما كان اختلاف وجهات النظر. وسائل لم أملك أثناءها إلا الضحك، فعندما يقوم مندوب مؤسسة كبيرة بتصرفات لا تليق ، وباستخدام وسائل لا يقترفها إلا (...) القوم  فإن الأمر يتجاوز المرارة، إلى ضحك أمر من البكاء.

آخر المطاف كان بالأمس.. فمندوبكم يطلب من محاميّ اقتسام مبلغ التعويض..!!!

رغم سوء ظني بك فلا أتخيل أن الأمور يمكن أن تصل إلى هذا الحد..

لقد تجنبت النشر عن هذه الممارسات السوقية المبتذلة فيما أكتب فيه من مطبوعات ووسائط – رغم حصار حكومتك المفروض عليّ وعلى كل شريف.. فلدي من الدلائل أن صحيفة الشعب التي أتشرف بالكتابة فيها على الإنترنت  مقروءة أكثر منكم-  أقول أتجنب النشر لأن ثمة اشتباه لا أظنه صحيحا في أن للموضوع جانبه الشخصي..

ولقد سبق مني العهد أن هذا المبلغ، وكل مبلغ مشابه سوف تنفق كلها في سبيل الله، وهي مجالات حيث لا يسركم أن تنفق،  ولست أقول هذا لاستمالتك.. بل لإغاظتك..!!

مهما بلغ اختلافنا إلا أن خلافنا يجب أن يلتزم بقدر من التعالي والترفع عن الصغائر..

 

***

***

 

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

إذا كان الإخوان إرهابيين فما بال الوفد وباقي الضباط

مذبحة المنشية2

محمد نجيب كان رمز الشرعية وكان الإخوان معه..

عبد الناصر خرج من البيعة مرتين: مرة للسندي ومرة لنجيب..

فكر القومية لم يحم العروبة.. لقد حمى فقط قصر العروبة!!

بقلم د محمد عباس

 

لا تصدقوا حرفا مما أكتب.. ولا تستمعوا لكلمة مما أقول..

نعم..

لا تصدقوني.. ولا تستمعوا إلي..

لكن :

اقرءوا أنتم.. واعرفوا..

من أي مصدر شئتم اقرءوا.. ولكن ضعوا في اعتباركم أن القراءة ليست لمكافحة سآمة أو للقضاء على ملالة.. بل هي بحث محاط بالشوك واللظى.. بحث عن سبيل يبتعد بنا عن خراب الدنيا وخزي الآخرة.. قراءة من يدرك  أنني دفعته إلى شفا جرف هار فيكاد ينهار به في نار جهنم.. وليحذر ..  فالله لا يهدي القوم الظالمين..

جرف لم يعد بعده  أي واحد منكم يملك رفاهية الاعتذار بالجهل..

لم تعد جاهلا..

فإما أن تثبت أن ما أقوله صواب فتتبع الحق أو أن تثبت أنه خطأ فتثبت على ما رأيته حقا..

لم تعد جاهلا .. فاقرأ..

نعم .. إنني أضع الاختيار أمامكم واضحا لا لبس فيه.. فالصراع الذي يحيطنا على مستوى العالم - ويكاد يلتهمنا- إنما هو صراع بين الإسلام والكفر.. وليس ثمة من سبيل غير الإسلام.. ففيه النجاة وبه النجاة..

صراعنا في فلسطين و العراق وأفغانستان والشيشان والفليبين .. بل وصراعنا في الأمة التي تمزقت إلى  أوطان هو الصراع بين الإسلام والكفر..و أن أي رايات زائفة تحمل أسماء كالديموقراطية أو تحرير المرأة أو الاشتراكية – سابقا – أو السلام – الذي لا يعني إلا الاستسلام.. كل هذه الرايات لن توصلنا إلى غاياتنا ولو كانت صادقة فما بالكم بها إن كانت مزيفة.

لقد سمعتم جميعا أن من ينادون بها هم أول  من يكذبها.. ولعلكم قرأتم ما كتبه د . مأمون فندي ( لاحظوا أن حرف الدال هو الأول من كلمة دكتور، وهو الحرف الأول أيضا من كلمات كداعر وديوث).. أقول لعلكم قرأتم تحذير"د." مأمون فندي  للغرب من تطبيق الديموقراطية في بلادنا و إلا اختار معظم الناس الإسلام.. ووقفوا موقفا معاديا لأمريكا..

د. مأمون فندي نصح الغرب بأننا نحتاج إلى فترة طويلة نتدرب فيها على الديموقراطية كي لا تؤدي ممارستها إلى ظهور أنظمة حكم معادية للغرب..

كشف "د ." فندي الأمر..

نفس الموقف تتخذه شخصيات كثيرة هزيلة على فضائياتنا..

الأمر كله ترويض كترويض العبيد وفتيات الرقيق الأبيض..

***

هذا الترويض يكشف لنا أن الخيانة لها ألف وجه وللنفاق ألف طريق..

ويظل ما يقوله سيد قطب حكما وعلامة وحكمة:

 "كل من يصرف هذه الأمة عن دينها وعن قرآنها فانما هو من عملاء يهود، سواء عرف ام لم يعرف، أراد ام لم يرد، وان اليهود سيظلون في مأمن من هذه الأمة ما دامت مصروفة عن الحقيقة الواحدة المفردة التي تستمد منها وجودها وقوتها وغلبتها… حقيقة العقيدة الايمانية والشريعة الايمانية، فهذا هو الطريق، وهذه هي معالم الطريق".

نعم..

حكما وعلامة وحكمة:

"كل من يصرف هذه الأمة عن دينها وعن قرآنها فانما هو من عملاء يهود، سواء عرف ام لم يعرف، أراد ام لم يرد، وان اليهود سيظلون في مأمن من هذه الأمة ما دامت مصروفة عن الحقيقة الواحدة المفردة التي تستمد منها وجودها وقوتها وغلبتها… حقيقة العقيدة الايمانية والشريعة الايمانية، فهذا هو الطريق، وهذه هي معالم الطريق".

ولولا  أن أشق عليكم أو أصيبكم بالملالة لأخذت أكرر الفقرة السابقة للشهيد العظيم حتي نهاية المقال ولما كتبت سواها..

كل من يصرف هذه الأمة عن دينها وعن قرآنها فإنما هو من عملاء يهود.. وهو موظف لذلك.. حتى لو بدا في الظاهر أبعد ما يكون..

الاشتراكية جزء من ذلك.. والرأسمالية جزء من ذلك والعلمانية والقومية وتطوير المناهج والحداثة و..و..و..

الفتن التي لا يكف صلاح عيسى عن إشعالها جزء من ذلك..

والفرعونية التي لا يكف جمال الغيطاني عن محاولة إحيائها جزء من ذلك..

والفلوكلور جزء من ذلك..

وفاروق حسني بمسرحه وعبثه وشذوذه جزء من ذلك..

والشعر النبطي والمناداة بالعامية جزء من ذلك..

***

اقرءوا يا ناس..

يقول "غوته" شاعر ألمانيا الأشهر، أن من لم يعرف تاريخ الثلاثة آلاف عام الأخيرة سيعيش في العتمة..

و أنا أيها القارئ لا أطلب منك أن تقرأ تاريخ ثلاثة آلاف عام.. ولا حتى ثلاثة أعوام..

ما أطلبه منك فيما نحن فيه .. هو أن تقرأ تاريخ عامين ونيف.. من يوليو 1952 إلى أكتوبر 1954.

اقرأ تاريخ هذين العامين فقط.. فبدون قراءته لن تفهم أبدا ما حدث وما يحدث وما يمكن أن يحدث.. وبدون قراءته نسقط في تمجيد الطواغيت بل وتأليههم.. نسقط في الحرام قبل أن نسقط في الخطأ.. ونسقط في الدنيا قبل أن نسقط في الآخرة.

***

اقرءوا يا ناس..

لكنني ألفت نظركم إلى تعديل هين في طريقة قراءتكم.. تعديل هين لكن أثره خطير خطير.. ولست أدعي أنني أعلمكم.. ولا أنني – حاشا الله – أعلم منكم .. لكنها أخطاء وقعت فيها و أشفق عليكم – بالحب – أن تقعوا فيها مثلي.. أخطاء يمنّ الله علي أن هداني إلى اكتشافها كي أستغفر عنها قبل أن أموت.. وجزء من استغفاري أن أقول لكم..

ولست بمدع أنني أملك ناصية الحقيقة.. إنما أتعلق بأهدابها راجيا الله أن يهديني إليها.. ومدركا طيلة الوقت أن أفكاري مهما كانت إنما هي أفكار بشر.. وأن كل ابن آدم خطاء.. و أن أول الناس دخولا للنار يوم القيامة عالم ومتصدق وشهيد.. لم يصدقوا الله فحبط عملهم..

نعم.. لست بمدع أنني أملك ناصية الحقيقة..

إن القارئ الذي يتابعني يعلم كم شغف قلبي محبة بالشهيد سيد قطب.. لكن هل أستطيع أن أزكيه على الله؟.. هل أستطيع أن أقسم أنه في الجنة؟؟.. ثم أن القارئ الذي يتابعني يعلم كيف تحولت مشاعري تجاه عبد الناصر من الحب إلى البغض.. كان الحب في الحالين لله.. وكان الكره في الحالة الأخيرة أيضا لله.. لكن.. هل أستطيع برغم كرهي أن أقسم أنه في النار؟..

لا أدعي أنني أملك ناصية الحقيقة إذن..

ولست أدعوكم – بطريقتي التي أنصحكم بها -  في القراءة أن تفعلوا مثل العلمانيين الأشرار والحداثيين الأقذار حين يكتبون النص المراوغ وهم يقصدون عكسه..

لا أقصد ذلك

إنما أقصد أننا شعب بلغ فرط تقديسه للكلمة المطبوعة أنه يتلقاها في معظم الأحيان تلقيا سلبيا.. ولا أقول أنه يفترض فيها الصواب المطلق.. لكن ما أزعمه هو أن القارئ إذ يقرأ لا يتخيل أن كاتبه المفضل يكذب عليه.. يكذب عامدا متعمدا..

ما أطلبه هو أبسط درجات التدقيق في المادة المقروءة.. أن يسأل القارئ نفسه: هل هذا الكاتب مؤهل للكتابة في هذا الموضوع؟ وهل هذا المنشور معقول؟ وهل هناك سند لما يقوله هذا الكاتب..و..و..

طبقوا هذه الطريقة يا قراء وستكتشفون كم أن النتيجة مذهلة.. وبعد قليل سوف أعطي بعض النماذج على كتاب من الصف الأول مثل محمد حسنين هيكل ومحمد عودة..

***

وتلك نقطة هامة جدا يا قراء..

فهناك من يكتب وهو يبحث عن الحقيقة.. أو يكتب ليوصل إلى الناس ما اكتشفه من حقيقة.. ومثل هؤلاء الناس تهون عليهم الدنيا وما فيها مقابل كلمة صدق..

لكن هناك في الجانب الآخر من يكتب ليخفي الحقيقة.. وهذا النوع بالغ الخطر.. لأن القارئ يأتمنه فلا يظن السم مدسوسا فيما يقدمه له..

والأمثلة كثيرة.. أكثر بكثير مما ينبغي ويجب.. أمثلة لا يعد ولا تحصى حتى لقد أصبحت هي القاعدة ودونها استثناء..

هذا النوع الأخير لا يأبه للحقيقة أبدا.. إنه يضع أمامه مهمة – يأخذ بالطبع ثمنها- ثم يحاول طول الوقت أن يزيف المنطق ويطمس الحقيقة حتى يزين الباطل الذي يدعو إليه.

إنه يشبه من تستأجره ليصبغ لك جدارا بلون معين.. فإذا صبغه باللون الذي تريده نقدته الثمن و إلا فلا ثمن..

أمثال هؤلاء يحدد لهم  الطاغوت أو ال CIA– مباشرة أو متخفية في صحف كالأهرام والشرق الأوسط.. يحدد لهم على سبيل المثال – أنهم يريدون أن يبدو فلانا هذا شخصية مهيبة مقدسة  لا يجرؤ أحد على الاعتراض على ما تقول : على سبيل المثال طه حسين الذي اعتذر بجهله عن كفر كتاباته.. و أحمد لطفي السيد القطري اللا إسلامي محدود الأفق صاحب فكرة الحرس الجامعي والذي لم ينجز أي إنجاز في حياته سوى أنه عمّر طويلا.. ثم يسمونه أستاذ الجيل.. فإذا سألت: أستاذه لماذا أو في ماذا  أو في أي فترة انهارت الفرية على الفور.. مثل تلك الأسئلة البسيطة هي ما أطلبه منكم يا إخوتي في الله.. لا تأخذوا الكلمة المكتوبة كبديهية أو مسلمة..

بنفس الطريقة يحدد صاحب العمل – على سبيل المثال- : نريد أن نجعل من سيد قطب شخصا إرهابيا يتبرأ الناس منه فإذا ما اضطروا للاعتراف بعبقرية عمل من أعماله فلابد أن يحاط ذلك بسباب وادعاءات لا أول لها ولا آخر تقوم بوظيفتها في التنفير والتحذير..

في هذا الإطار يسند إلى كاتب جنسي الكتابة عن عالم دين أو مجاهد..

وهذا يشبه أن آتي بملحد كي يقيم حركاتك في الصلاة.. إنه لا يفهم..

ولا يمكن أن يفهم..

هل يصلح أن يكلف وحيد حامد – علي سبيل المثال بكتابة تستعرض أفراح الروح ومباهجها  بدلا من مباذل الجسد وعوراته..

لا يستطيع ولا يفهم..

كاتب كعادل حمودة أيضا.. يستطيع الكتابة عن عبد الناصر ومحمد نجيب .. كما يستطيع الكتابة عن بنات العجمي.. لكنه لا يستطيع الكتابة عن سيد قطب.. فسيد قطب يتكلم لغة أخرى  و إن تشابهت حروفها مع لغة عادل حمودة!!..

نعم.. عادل حمودة – بالمفهوم الصحافي-  بارز وناجح.. لكنه لا يصلح للكتابة عن الشهيد.. على أننا في نفس الوقت لا نطالب بمنعه أو منع غيره من الكتابة.. لكننا نطالب المايسترو الشيطان الذي يكرس حالة الانهيار والابتذال في الأمة ألا ييسر كل السبل لمن يكتب في صالح الطاغوت الفاجر ويضع كل العراقيل لمن يكتب للحق.. وللحقيقة .. ولله..

هل لاحظتم – على سبيل المثال ذلك الفاجر الكافر بوش وهو يغمض عينية عن ترسانة إسرائيل النووية ويعتم وهو و أجهزة إعلامه عن أي خبر عنها.. وفي نفس الوقت تضخم الشائعات حول إيران..

نفس المنطق ..

والطاغوت في بلادنا يفعل نفس الشيء.. أحيانا بشكل فج مباشر.. و في أحيان أخري بأشكال خفية بالغة التعقيد..

ومن الطرق أيضا أن نأتي بشخصية بالغة الجدية فنتجاهل جدها كله ونحوّلها إلى مثار سخرية.. فالسخرية سوف تسقط هيبة الشخصية ومصداقية ما تقول.. والشيوعيون يملكون مهارة خاصة في هذا الصدد.. وهذه المهارة لا تحتاج إلى أي خبرة.. إنك تستطيع أن تأتي بحثالة المجتمع، وبأكثر من فيه سفالة ووقاحة، تستطيع أن تأتي بهم .. وتدعهم يقفون على مفترق الطرق.. يسخرون ويهينون أكثر الناس احتراما في المجتمع..

***

لقد ذكرت لكم في المقال الماضي كيف أن صلاح عيسى يستكتب الآن واحدا ينكر الإسراء والمعراج..

ومصائب صلاح عيسى كثيرة جدا.. أكثر مما يجب.. وهي لا تعد ولا تحصى..

واحدة منها كانت مؤلمة لي بشكل خاص.. فقد كانت متعلقة بعلامة شغفت به حبا هو العلامة الضخم الهائل محمود شاكر..

ولست أدعي أن محمود شاكر معصوم أو مبرأ من الخطأ.. و لكن.. إن جاز لمن ينسب إليه عيوبا فإن هذه العيوب كلها تأتي في إطار بالغ الجدية.. قد يقول من يقول أنه شديد الصعوبة.. و أنه شديد الاهتمام بالتراث.. أو أنه شديد الاعتداد بنفسه.. أو.. أو.. أو..

لا يرى صلاح عيسى هذا كله..

و إنما يؤلف واقعة سوقية مبتذلة في مقال له بعنوان: تفاحة اللواء حمزة البسيوني.. وهي مقالة تحتاج إلى مناهج التحليل النفسي لتحليل كمّ هائل من الفضلات تجمع داخل فضاءات صلاح عيسى حتى ملأها.. ولمن لا يتذكر محمود شاكر أقول أنه كان كعبة للمفكرين العرب.. ومزارا لكبار المثقفين الحقيقيين في مصر.. وأنه كان السبب في خروج الباقوري من الوزارة.. فقد كان يحضر ندوة في بيته.. وكان العلامة محمود شاكر يهاتف الكاتب يحيى حقي ويلعن عبد الناصر.. وكانت المباحث تسجل .. و أخذ على الباقوري أنه لم يرد.. فعُزل.. و أُمر أن يلزم بيته.. فسجن نفسه فيه.. خمسة أعوام.. والواقعة تتلخص في أن الشيخ محمد شاكر كان مع صلاح عيسي  في السجن الحربي.. وكان يحتفظ بحذائه معه بعد أن رفض تسليمه في الأمانات.. أما السبب فهو أنه يريد – عند الإفراج عنه – ألا يتعطل ولو ثوان يقضيها في ارتداء الحذاء..

لا شئ أكثر من ذلك عن الهائل الضخم محمود شاكر..

لا شئ سوى أن المايسترو الشيطان يريد أن يجعل محمود شاكر نموذجا للتنفير والتحذير..

ولعل القارئ لاحظ أنني كتبت أكذوبة صلاح عيسى حول محمد شاكر..

نعم.. قلت محمد وليس محمود.. فهكذا كتبها صلاح عيسي..وذلك يدل فيما يدل أن الرجل ينفذ أمرا لم يأبه حتى بدراسة تفاصيله فلم يعلم أن الذي سجن هو العلامة الأشهر محمود شاكر.. أما محمد شاكر فكان أبوه.. وكان شهيرا جدا.. وكان وكيلا للأزهر.. وكان الملك فؤاد قد استقبل طه حسين صبيحة يوم جمعة – بمناسبة سفر طه حسين إلى بعثة في باريس- وحانت صلاة الجمعة.. وأراد خطيب مسجد القصر الإشادة بالملك فقال: لقد جاءه الأعمى فما عبس وما تولي.. وأخذت مشاعر الشيخ محمد شاكر ( والد العلامة محمود والعلامة أحمد) .. وبعد أن أكمل الصلاة صرخ في المصلين: " أيها الناس: صلوا خلفي فصلاتكم باطلة" واضطر الملك لإعادة الصلاة مما يعتبر اعترافا ضمنيا بخطأ خطيب مسجده .. وكان من المقربين.. ثم نشبت أزمة سياسية كبرى استغرقت أكثر من عام حين أصر الشيخ محمد شاكر على استتابة خطيب مسجد القصر أو إقامة حد الكفر عليه..   وقد توفي الشيخ محمد شاكر منذ زمان طويل..

ذرية بعضها من بعض.. فابناه هما العلامة الشهير محمود شكر  و أحمد شاكر المحدث الأشهر..

كل ذلك لا يهم.. المهم فقط هو دس كلمة سخرية تنفر من الرجل..

***

هل تريدون يا قراء معرفة بعض من  أصل الوباء؟..

أصل الوباء هو سوقية وابتذال الضباط الأحرار..

أصل الوباء هو جنون و إجرام جمال سالم..

***

ولكن لنعد إلى صلاح عيسى..

فقد قلت لنفسي لولا هوان الدنيا على الله لما حمل رأس نبي هدية إلى بغي ولما كتب صلاح عيسى عن محمود شاكر بهذه السخرية..

***

في نفس المقال يتحدث صلاح عيسى بمشاعر مشبوبة عن اللواء حمزة البسيوني زاعما أنه يشبه أباه – وما أبعد الشبه – لكن أسلوب التحليل النفسي يكشف لنا أن صلاح عيسى ظل أحد عشر عاما يعمل في وظيفة متوسطة بقسم شرطة السيدة زينب.. وكان فيما يبدو يعاني كثيرا من امتهان الضباط له.. معاناة جعلته يتمنى – في العقل الباطن لو أن أباه لم يكن من البسطاء.. و إنما لواء.. حتى لو كان هذا اللواء حمزة البسيوني..

***

لا تأخذوا المكتوب على علاته إذن ولا تصدقوه  ولا تصدقوه.. فإن معظمه اليوم مسموم..!!

***

نعم.. لا تصدقوا حتى  ما أكتبه لكم.. ولا تسمعوا ما أقوله..

ودعوني أستعير فقرة تأتي في نهاية رائعة دستويفسكي : " الإخوة كرامازوف" حين يقف وكيل النيابة ايبوليت كيريلوفيتش يلقى مرافعته  متجاوزا  قضية كرامازوف كقضية قتل مروعة قتل فيها الابن أباه.. تجاوز ايبوليت كيريلوفيتش الجريمة في نطاق الأسرة رغم فظاعتها إلى الجريمة الأكبر في نطاق المجتمع فتلك هي التي تدمر الأمة.. وفي مرافعته تلك  قال:

" قد تقولون عنى أننى متشائم تشاؤما مرضيا، و أشهر بالناس تشهيرا خبيثا، وأغالى في وصف الشر الذي ألاحظه ملاحظة هاذية.. كم أتمنى يا رب السماء أن تكونوا محقين، إذن لكنت أول من يسعد، لكم ألا تصدقوني إذا شئتم، ولكم أن تعدوا قلقي هذا وخوفي هذا مرضا، ولكن تذكروا مع ذلك ما أقوله لكم اليوم:  إذا لم يكن في أقوالي إلا عشر أو عشر معشار من صدق، فذلك وحده رهيب.. "..

***

نعم يا قراء..

هبوا أن معظم ما أكتبه وما أقوله لكم غير صحيح..

هبوا أن عشره فقط هو الصحيح..

هبوا أن عشر معشاره هو الصحيح..

عشر معشاره..

1% منه..

فهذا الـ1% رهيب جدا وفظيع جدا..

لقد قلب الشيوعيون الدنيا بسبب قتيلين لهما ماتا من التعذيب..

قتلى المسلمين من التعذيب لا يقلون عن مائتين وخمسين في عهد جمال عبد الناصر وحده.. مائتين وخمسين حالة لا نحسب فيها من اغتيلوا ومن خطفوا ومن أخفيت أجسادهم ولا شهود على قتلهم..

مائتان وخمسون قتلوا داخل السجون.. و أخفيت أجسادهم.. ودفنت دون غسل – وهذا صحيح لأنهم شهداء – ودون صلاة عليهم..

وبلغت الفظاعة بالنظام أنه كان يبلغ أهل الشهيد أنه هرب.. وكان الهروب كارثة أخرى.. فهو يعني تجميد الميراث وعدم استحقاق المعاش وترك الزوجة كالمعلقة..

بلغت الفظاعة أنهم كانوا بعد إبلاغ أسرة الشهيد بهروبه، يأخذون بعض آله رهائن حتى يسلم نفسه..

***

وثمة سؤال لن نحرص الآن على الإجابة عليه..

هل كان هذا الإبداع الشيطاني المجرم صناعة محلية أم كان مستوردا..

نفس السؤال نسأله عن من تحكم المحاكم غير الشرعية بإعدامهم..

ففي عهد الطاغية مبارك وحده أعدم خمسة وسبعون بأحكام المحاكم العسكرية.. وهو عدد يفوق كل أحكام الإعدام في تاريخ مصر منذ بداية التاريخ المكتوب إلى عصر مبارك.

***

مائتان وخمسون قتلوا من التعذيب في عهد بطل القومية العربية..

مائتان وخمسون..

من الشيوعيين قتل اثنان..

وقلب الشيوعيون الدنيا فتداعى الشرق والغرب تعضيدا لهم وفضحا للنظام  حتى لقد توقف التعذيب تماما..

قلب الشيوعيون الدنيا أيضا لأسباب أقل من هذا بكثير ..

قلبوها ذات مرة – على سبيل المثال- لأن إدارة السجن القاسية ترغمهم على إنشاد نشيد الله أكبر..!!

اسماعيل صبري عبدالله .. واحد من أكثر الشيوعيين احتراما – و معذرة  للجمع المجازي بين الشيوعي والاحترام .. فهما لا يجتمعان – رأي أن الهتاف قهر لإرادتهم.. وعاضده زملاؤه وحدثت مشكلة في السجن فرفعوا الأمر إلى قيادة الحزب الشيوعي، فناقشت القيادة البدائل المختلفة:فأفتت  أن يهتف من في الصفوف الأمامية من المعتقلين ولا يهتف من في الصفوف الخلفية، وبديل آخر أن يحرك الجميع شفاههم دون صوت، وبديل ثالث أن يرضخوا.. وبديل رابع أن يترك الأمر لكل معتقل يتخذ فيه قراره على مسئوليته..

أنا لا أمزح أيها القارئ ومعك العذر إن ظننتني أمزح..

لكن الحكاية كلها وردت في كتاب أصدرته دار نشر حكومية..

والكتاب يفضح تعذيب المعتقلين..

ويذكر أسماء الجلادين المجرمين.. واحدا واحدا..  مجرما مجرما..

زكريا محيي الدين وشمس بدران وصلاح نصر وحسن عليش و أحمد صالح وحسن طلعت والفريق الدجوي والفريق هلال وحمزة البسيوني وحسن المصيلحي و إسماعيل همت وحسن منير وعبد اللطيف رشدي ومرجان إسحاق ويونس مرعي والسيد منصور والصول مطاوع وصفوت الروبي  وعبد السلام المتربس وعبد الصادق المجنون وعابد عبدالله و أبو الوفا دنجل ودومة  وعبد الحليم عوكل والأومباشي عبد اللطيف والأومباشي حسن عليوة..

و.. و.. و..

وكل هذا في كتاب نشرته دار نشر حكومية..

أنا لا أكذب أيها القارئ ومعك العذر إن ظننتني أكذب..

فكيف تنشر دار نشر حكومية كتابا عن التعذيب وتفضح فيه الجلادين..

و أين؟..

في مصر!!..

نعم.. قلت لك الحقيقة كلها و أخفيت عنصرا واحدا..

فالكتاب يتحدث عن المعتقلين الشيوعيين .. وعنوانه " مذكرات معتقل سياسي" " صفحات من تاريخ مصر""السيد يوسف""الهيئة العامة للكتاب..

***

تراجعت إدارة السجن عن إرغام الشيوعيين على الإنشاد  فانتهت المشكلة..

***

مع الإخوان المسلمين لم يكن هناك حل وسط أبدا..

وتحت جلد السياط وضرب الشوم والجهد المميت كان لابد أن يغنوا: " يا جمال يا مثال الوطنية............. بنجاتك يوم المنشية"..

وكانوا يلبسون المستشار الجليل حسن الهضيبي ملابس مميزة كي يكون المايسترو للإخوان الهاتفين..

ولم تصدر أي دار نشر حكومية أي كتاب عن تعذيب الإخوان وعن ضحاياهم الذين يفوقون ضحايا الشيوعيين مئات المرات..

ولا أي مؤسسة عالمية احتجت على ما يحدث لهم..

كانوا كسيد شهداء الجنة.. الحمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه وعنهم.. كانوا لا بواكي لهم..

في كتابه القيم  "ذكريات لا مذكرات" يقول عمر التلمساني

" قد لقى الإخوان أوقاتا عصيبة على يد أعوان فاروق وعبد الناصر والسادات بصور ما كان يتصور إنسان أنها تقع من آدمي في مشاعره وقلبه ذرة من يقين أو إيمان . لقد آذى هؤلاء الناس الإخوان إيذاء الذي يثأر لعرضه ممن انتهكه أو لأبيه أو أبنه أو أخيه ممن قتله حقا لقد كان إيذاء دونه شراسة الضباع ودموية النمور وفتك الذئاب والأسود في أشد الغابات ظلمة وحلوكة لماذا ؟ لا يمكن التعليل .أهم غير مسلمين ؟ لم نفهمهم بذلك أهم أوفياء لأسيادهم ؟ إن الوفاء والوحشية لا يلتقيان في قلب واحد !! أهم مأجورون من خصوم المسلمين ويزداد أجرهم كلما أفحشوا في تعذيبهم ؟؟ لم نرمهم بهذه الجريمة  المنحطة الخسيسة . إذن لماذا يفعلون ذلك ؟ علمه عند ربى وقد تكشف الأيام من الأسرار ما كان خافيا" .

ويواصل الشيخ الجليل:

"كانت المحكمة التي عقدت برئاسة جمال سالم وعضوية حسين الشافعي وأنور السادات أعجوبة الأعاجيب  في دنيا المحاكم لم تكن محاكمة لأن الأحكام كانت مقررة ومعروفة قبل صدورها . ولم تكن مناقشات واستيضاحات ولكن مساخر وإهانات فقد طلب من الأخ يوسف طلعت رحمه الله أن يقرأ الفاتحة بالمقلوب . بربك هل سمعت بمثل هذه ا لمساخر المضحكة المبكية . وكان أي متهم ينكر ما ذكر على لسانه لأنه صدر تحت إكراه التعذيب يرفع المرحوم جمال سالم الجلسة ويحيل المتهم إلى رجال السجن الحربي ليروا رأيهم فيه فيعودون به بعد قليل عادلا عن إنكاره معترفا بما جاء في أوراق التحقيق . ذلك لأن المتهم المسكين ظن أنه أمام محكمة حقيقية وأنه ليس أمام محكمة هزلية مأساوية فإذا به والمحكمة نفسها تعيده إلى الزبانية الذين يعودون به معترفا بكل ما لم تجترمه يداه . وكان جمال سالم يسأل عن بض الآيات في سورة " العمران " وهو يقصد " آل عمران " ظنا منه بأن " آل " هنا أداة تعريف !".

***

المستشار عبد الله عقيل يضيف إلى الصورة مذكرا بما لحق بالأستاذ يوسف طلعت من تعذيب: حيث كسروا عموده الفقري وذراعه وجمجمته ولم يبق مكان في جسمه إلا وأصيب بكسر أو جرح أو رضّ، حتى إن الأستاذ المرشد حسن الهضيبي حين حاكمه جمال سالم تحدث الهضيبي عن التعذيب الذي أصاب الإخوان، ونفي جمال سالم، فردَّ عليه الأستاذ الهضيبي: اكشفوا على يوسف طلعت لتروا مقدار التعذيب الذي أصيب به وغيره من الإخوان في سجونكم.

كان هو يوسف طلعت وإخوانه هم الذي قادوا قافلة الإمدادات للجيش المحاصر في "الفالوجة"، والذي اخترق خطوط اليهود بكل جرأة وشجاعة ، وكان جمال عبد الناصر وجماعته من المحاصرين في الفالوجا.

يقول الأستاذ كامل الشريف في كتابه القيِّم "المقاومة السرية في قناة السويس": "إن من أقوى تشكيلاتنا السرية لمقاومة الإنجليز كانت في منطقة الإسماعيلية التي يرأسها داعية مُحنّك، عظيم الخبرة هو الشيخ محمد فرغلي، كما يساعده مغامر جسور هو يوسف طلعت، وعدد من الشباب المسلم الواعي.  إن يوسف طلعت جندي بالفطرة، ومحارب بالسليقة، وعصامي بمعنى الكلمة، كان ذا عقلية مُبتكرة خلاقة لا تعجز عن إيجاد حلٍ لأي قضية، أذكر حين كنا في فلسطين أننا غنمنا بعض قنابل المورتر من العدو، ولم نكن نملك المدفع اللازم لها في ذلك الوقت المبكر من الحرب، فوقفنا عاجزين، ولكن يوسف طلعت طلب منا أن نُمهله، فتركناه ونحن لا ندري ماذا ينوي، وبعد أيام قدَّم لنا إسطوانة فولاذية مُثبتَّة على حامل أرضي، ولم تكن لامعة دقيقة الصنع كالمدفع الأصلي، ولكننا استخدمناها في ضرب مراكز اليهود القريبة بقنابل المورتر وأحدثت أثرها الفعال.

ومرة وقفنا عاجزين أمام مشكلة مستعصية هي: كيف نستطيع أن نُلقي المفرقعات على استحكامات اليهود من مكان بعيد؟ فكان يوسف طلعت هو أول من فكَّر في صنع "راجمة ألغام" مبتكرة ساعدتنا كثيراً على قذف ألغامنا دون أن نتعرض للإصابات.

وقف هذا البطل، هذا المجاهد، هذا الغضنفر والأسد الهصور أمام الجاهل المغامر البلطجي المجنون جمال سالم صاحب أشهر : "هأااااااو" في تاريخ مصر حيث قيلت للمرة الأولى في التاريخ على منصة قضائها الذي دنسه هذا المعتوه (سوف يبكي الدموع دما بعد أقل من عامين حين  لفظوه).. وكان عبد الشيطان يحاكم عبد الله..

كان البطل الشهيد يعلم أنه ماثل أمام المحاكمة الهزلية، التي عقدتها الحكومة العسكرية له لتحكم عليه بالإعدام، و قال له جمال سالم ـ رئيس المحكمة ـ: هل تعرف تقرأ الفاتحة بالمقلوب؟ قال يوسف طلعت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وأشار بيده إلى جمال سالم رئيس المحكمة عند قوله "الشيطان الرجيم"، ثم قرأ الفاتحة على الوجه الصحيح، فَكُبِتَ الرئيس.

وحين سأله المهرج المجنون : إنت بتشتغل إيه؟ وأجاب البطل الشهيد: نجار، فقال الرئيس: كيف تكون رئيس جهاز فيه أساتذة الجامعة وأنت نجار؟ فأجاب: لقد كان سيدنا نوح عليه السلام نجاراً وهو نبي، فكُبِتَ مرة أخرى وسكت، وحين سأله: لماذا لا تستطيع الوقوف؟ قال له يوسف: اسأل نفسك.

يقول المستشار العقيل:

"تأزَّم الموقف بين الإخوان والحكومة العسكرية في يناير، وتتابعت الأزمات، واشتدت في أكتوبر عام 1954م بعد افتعال حادث المنشية الذي دبَّره عبد الناصر بتخطيط المخابرات الأمريكية واقتراحها للتخلص من الإخوان، كما ذكر ذلك حسن التهامي في مذكراته، وهو من أعوان عبد الناصر ومسئولي المخابرات عنده، وسمع يوسف طلعت بالحادث من إخوانه فقال على الفور: "عملها عبد الناصر"، لأنه لو كان للإخوان صلة بالحادث، لكان يوسف طلعت أوَّل من يعرف به، باعتباره رئيس النظام الخاص في الجماعة".

 

***

في تلك الفترة أذهل الرعب الناس و عقل ألسنتهم..

" الناس صامتون..  وإذا تحدثوا كان حديثهم همسا أو أقرب إلى الهمس.. لا يجرؤ أحد أن يجهر بالقول إلا إذا كان تشنجا في مدح العهد ونظامه، بالخطب التي تلقى في هيئة التحرير وفروعها، أو بالمقالات التي تنشرها الصحف الخاضعة للرقابة الصارمة.. وهؤلاء الخطباء والكتاب، ليس لهم أى تأثير إلا في محيطهم الخاص.. هيئة المنتفعين بالثورة."

"انطوى الناس على أنفسهم وتقوقعوا في جحورهم، وكأنهم نمل دخلوا مساكنهم، حتى لا تسحقهم الثورة وجنودها. لقد نجحت محكمة الثورة في أداء رسالتها بما أصدرته من أحكام  في تخويف الناس و إلقاء الرعب في قلويهم.. ليس بسبب الأحكام التي أصدرتها ضد السياسيين القدامى، فقد كان واضحا أن محاكمة هؤلاء كانت محاكمة سياسية.. فقد كان قضاة المحكمة، ثلاثتهم، أعضاء بمجلس قيادة الثورة، والمجلس هو الذي يقدم المتهمين للمحاكمة، وممثلوه هم الذين يصدرون الأحكام، ثم يشتركون في التصديق عليها، ولهم أن يوقفوا تنفيذ الحكم ولو كان بالسجن خمسة عشر عاما ( وتلك مهزلة أخرى.. فالقانون لا يعرف سجن 15 سنة مع إيقاف التنفيذ.. فإيقاف التنفيذ يشمل أحكام الحبس وليس أحكام السجن!! م ع ) .. فالثورة هنا هى الخصم والحكم معا.. لقد كان ذلك إجراء وقائيا تحمى به الثورة نفسها من أية ثورة مضادة قد تجد من هؤلاء السياسيين العون المادي أو الأدبي أو كليهما. ولكن الذي أرهب الناس، هي الأحكام التي صدرت ضد بعض الصعاليك الذين اتهمتهم النيابة بالخيانة والتجسس، وصدور الحكم بإعدامهم شنقا.. والتصديق على هذه الأحكام فورا.. وتنفيذها في نفس اليوم."

لقد ظن بعض الناس وقتئذ أن هؤلاء الجواسيس كانوا ضحايا قدمتهم الثورة قريانا على مذبحها لإرهاب الناس حتى يعلموا أن الثورة قادرة على الاتهام والحكم والتنفيذ، وأن قولهم هو قول فصل، وما هو بالهزل.."

***

لعل القارئ قد لاحظ أن الفقرة السابقة كلها محاطة بعلامات التنصيص..

ولعله لاحظ أيضا أنني لم أذكر من القائل..

نعم..

هذه ليست أقوالي و إن بدت كذلك..

كما أنها ليست أقوال واحد من الإخوان المسلمين و إن تصورتم ذلك..

ليست هذا ولا ذاك..

إنها أقوال  الأستاذ إبراهيم طلعت .. الوفدي الشهير..

 وربما  لا يكون هناك  من هو أجدر منه بالكتابة عن العهدين.. فقد كان نجما في كليهما.. وكان صديقا حميما لجمال عبد الناصر.. وكان محل ثقته.. بنفس القدر الذي كان محلا لثقة مصطفي النحاس وأحمد أبو الفتح وفؤاد سراج الدين..(راجع مذكرات إبراهيم طلعت- أيام الوفد الأخيرة – مكتبة الأسرة.).

و إنني أورد أقواله هنا كي أنقل إلى القارئ الإحساس العام الذي كان يسري في الأمة كلها.. فلربما يوجد من ضعاف العقول والنفوس.. أو من ذوي الأرواح المعتمة .. من يستطيع أن يصر على مكابرته رغم كل ما أذكره من أسانيد وما أقدمه من حجج..

***

يتحدث  إبراهيم طلعت عن محاكم الشيطان:

" .. حوكم ثلاثة آخرون. ثلاثة من الصعاليك هم (الفريد عوض ميخائيل، محمد عزت راغب و بولس مكسيموس سويحة).. التهمة خيانة عظمي لأنهم في غضون شهر سبتمبر 1953 وما قبله قاموا بالتجسس لحساب دولة أجنبية بأن أمدوها بتقارير ومستندات رسمية.

نظرت قضية هؤلاء الصعاليك الثلاثة في جلسة علنية استغرقت عشرين دقيقة فقط، تلي فيها الادعاء الموجه إلي كل منهم وإجابتهم عليه بالإجابة التقليدية: (غير مذنب) ليس لأحد من المتهمين محام يترافع عنه إلا المتهم الثاني محمد عزت. يترافع الادعاء مرافعة قصيرة خلاصتها أن الخيانة تتمثل في التجسس لحساب دولة أجنبية  وإمداد هذه الدولة بالبيانات والتقارير والوثائق الرسمية . وثائق لها صفة السرية المطلقة، وأن اثنين من هؤلاء من الموظفين الذين ائتمنتهم الدولة على هذه الوثائق وكانت تحت أيديهم بحكم وظيفتهم، فخانوا الأمانة، وسلموا هذه المستندات، يوافق محامي المتهم الثاني على نظر القضية في جلسة سرية على أن تكون السرية نسبية يصرح له بالحضور فيها. ترفض المحكمة بطبيعة الحال، وتأمر بنظر الادعاءات المقامة علي المتهمين في جلسة سرية لا يحضرها أحد إلا المتهمون وسكرتارية الجلسة. وتنتهي المحاكمة السرية بأن يصدر الحكم غدا في جلسة علنية. وتنطق المحكمة بإعدام المتهمين الثلاثة شنقا في اليوم التالي، وتبدأ في نفس اليوم في محاكمة كريم ثابت.. المستشار الصحفي للملك فاروق.

في نفس اليوم الذي أصدرت فيه المحكمة الحكم على موكلي، تنفذ حكم الإعدام في المتهم الذي حوكم قبل موكلي بيومين، وكان قد صدر عليه الحكم بالإعدام قبل محاكمة موكلي بيوم واحد.. كما تنفذ حكم الإعدام علي هؤلاء الثلاثة الذين نظرت قضيتهم يوم النطق بالحكم على موكلي بعد يومين فقط من تاريخ الحكم عليهم.

وكانت الصحف تنشر صور هؤلاء المتهمين وهم يساقون إلي المشنقة في الغرفة السوداء (غرفة الإعدام بالسجن) لحظة تنفيذ الحكم.

***

و الآن..

لنترك إبراهيم طلعت والمحكمة المهزلة..

لنتركهم إلى محكمة مهزلة أخري..

ولندع صافيناز كاظم تروي لنا على صفحات مجلة الهلال – عدد يوليو 2002- بعضا مما جرى .. وصافيناز كاظم أيضا ليست من الإخوان المسلمين بل كانت أقرب ما يكون إلى الشيوعيين والصعاليك حتى أنها اقترنت في شبابها بالشاعر أحمد فؤاد نجم.. ثم هداها الله بعد ذلك..

وليدرك القارئ أنني أحاصر الثورة بجرائمها مع غير الإخوان المسلمين..

تصرخ صافيناز أن الثورة ضحكت على الذقون ولم تزح الملكية بالشكل الكامل، ورفعت   شعارات العدالة الاجتماعية ولم تحققها، ونادت بضرب الإقطاع وأعطته المبررات ليبدو مظلوما، وأصدرت القوانين الاشتراكية وخالفتها، ودعت إلى القومية العربية ونسفتها، وقامت أساسا لتحرير فلسطين ودحر الكيان الصهيوني، الذي لم يكن قد مر عليه سوى أربع سنوات حين قامت 23/ 7/ 1952، وتصحيح أخطاء وخيانات هزيمة العرب عام 1948، فلم تفعل شيئا سوى تدعيم ذلك الكيان بالانهزام أمامه في الحرب وفي اتفاقيات السلام معه، وضربت الهوية المصرية والعربية في مقتل حين سارت مع تيار العلمانية، فلم تبلغ بها شرقا ولا غربا، وإن خلخلت دعائم الروح الإيمانية وشجعت السفهاء على التقافز فوق أكتاف المؤمنين، والاهم أنها انتقدت تجاوزات " العسكري الأسود " و " البوليس السياسي"  في العهد الملكي وابتكرت آليات في القهر والتنكيل بالمواطنين بدا معها ذلك العسكري الأسود وذلك البوليس السياسي ملائكة من نفحات الجنان !!..

وتواصل صافيناز كاظم الصراخ فبعد أقل من ثلاثة أسابيع على قيام الثورة يكشر الوحش عن أنيابه.. كان الناس يظنونه ملاكا.. فإذا به الشيطان الرجيم ذاته..

تصرخ صافيناز:

مع التصعيد بزوال الغمة والبغي والقهر والفساد يقوم عمال مصانع كفر الدوار للغزل والنسيج بمظاهرات ضد الإدارة التابعة ل "العهد البائد " يوم الثلاثاء 13/8/1952 بظن تأييد "العهد الجديد، ورئيسه الطيب البشوش (...)  وتدق الفجيعة قلبي الصبي يوم عيد ميلادي 17/8/1952 بصدور أحكام بإعدام العاملين الشابين الفقيرين المعدمين، كحال معظم الشعب الحالم بالخلاص، القمرين خميس-18 سنة- والبقري 5، 19 سنة- وأبكى بانتحاب ولا  أصدق ما يقال عن "خيانتهما"ل"الثورة".

وتنعى صافيناز الثورة :

 التف حولها الشعب مسقطا عليها كل أحلامه الثورية التي تشوق إليها طويلا خاصة بعد مرارة الهزيمة في فلسطين عام 1948. وفي غمرة الحماس الشعبي الذي تبنى حركة الضباط ولقبها ب  "الثورة"- لأنه كان يريدها كذلك- لم يكن بوسع أحد أن يقف ليراقب بدقة  مواقف هذه الحركة الجديدة، بل على العكس وافق الحماس الشعبي على أن يقوم- بوعي منه أو بلا وعى- بدور "المبرر" لكل الأخطاء التي ارتكبتها هذه الحركة منذ الشهر الأول لإمساكها الزمام في مصر، هذه الأخطاء التي وصلت في حالات إلى درجة الخطأ الفادح وفي حالات أخرى إلى درجة الجريمة النكراء. لم يقف الشعب "الفرحان " ليناقش مفهومات ومدلولات شعار " الثورة البيضاء" الذي أطلقه الضباط على حركتهم ليتساءل ويقارن "بيضاء" على من و حمراء" على من و سوداء" على من فقد (...) تم رحيل الملك فاروق عن مصر في يخته المحروسة مودعا بكامل الاحترام والحقوق الملكية الواجبة له، ولم يمس كادر ملكي من أتباعه بشعرة أذى واحدة  (...)  وبعد أسبوعين فقط من تطبيق هذا السلوك المهذب "الحضاري" مع ملك مدان هو ونظامه بعديد من الجرائم ضد شعب مصر ومصالحه، قامت مظاهرات عمال مصانع كفر الدوار للغزل والنسيج- ضد الإدارة الرجعية التي لم يكن قد تم تغييرها بعد من قبل حركة الجيش. رفعت مظاهرات العمال شعارات " الحركة الجديدة" ضد الفساد والاستغلال، وهتف العمال بحياة القائد العام- محمد نجيب- وفتيته الثوار، وكان التصور أن هذا العهد الجديد" لابد وأن يتبنى مطالب العمال ويساندهم ضد الإدارة الرجعية، ولكن العجيب هو الذي حدث، إذ كشرت الحركة الجديدة صاحبة شعار  الثورة البيضاء  عن أنيابها وتحالفت مع الإدارة الرجعية وصدقت كل ادعاءاتها ضد العمال، وتم قمع المظاهرة- أو الهبة العمالية- من دون أي محاولة لتفهمها ودراسة بواعثها، وأقيمت فورا المحكمة العسكرية لمحاكمة العصاة، وتم تقديم ما يربو على 60 متهما للمحكمة وتم تحديد زعمائهم بشهود الزور والبهتان- باتهام العامل "محمد مصطفي خميس "- 18 سنة- والخفير محمد حسن البقرى- 3، 19 سنة (وهو يعول خمسة أطفال وأم معدمة تبيع الفجل وتكسب مليمين في اليوم)، وكان من بين المقدمين للمحاكمة أطفال في سن العاشرة والحادية عشرة "شاءت إنسانية المحكمة وعدالتها أن تحكم ببراءتهم رغم ثبوت جريمة سرقة بعض أثواب القماش عليهم "... (كما جاء في تقرير أحكام قضية عمال كفر الدوار الذي صدر عن إدارة القوات المسلحة 1952/8 برجاء الرجوع إليه لمن لا يصدقني لأنه وثيقة كاملة دامغة تساعدنا في فهم الطبيعة الفاشستية لهذه الحركة التي عبرت عن سياستها ضد الشعب المصري منذ الشهر ا لأول لقيامها). في أقل من أربعة أيام تمت محاكمة هذا العدد الكبير من المتهمين، (من صميم الشعب الفقير صاحب المصلحة الحقيقية لقيام الثورة كما زعمت الشعارات)، وصدرت الأحكام بإعدام خميس والبقري  والأشغال الشاقة المؤبدة وسنوات سجن أخرى على بقية المتهمين، وجُمع عمال المصنع كلهم في النادي الرياضي وأجلسوا حلقة كبيرة على الأرض حيث أذيعت فيهم الأحكام المرعبة من خلال مكبرات الصوت وسط طقس من الذهول الكامل تذكر فيه الوعي الوطني محاكمات دنشواى وشنق الفلاحين لصالح خاطر المحتل الإنجليزي وجنوده.

***

في الفترة نفسها حدث تمرد حقيقي بالصعيد معاد "للعهد الجديد" ومعاد لمصالح الشعب. قام بهذا التمرد "المسلح " إقطاعي اسمه عدلي لملوم، لم يكف هو وأمه عن كيل السباب أثناء محاكمته، ضد "الثورة" وضد الفلاحين، وحكمت عليه المحكمة بالمؤبد ثم خففته فيما بعد حتى تفسح له مكانا من رحمة شعارها "الثورة البيضاء"، ، (وتجدر الإشارة هنا إلى الإفراج الصحي الذي : حصل عليه عدلي لملوم بعد ذلك، كما تجدر ، الإشارة إلى أن محاكمته كانت حافلة بأقطاب المحامين، بينما كانت صرخات خميس والبقرى تذهب أدراج الرياح؟ هاتوا لنا محامى.. هاتوا لنا محامى.. يا ناس).  وهكذا لم نر شعار"الثورة البيضاء"يشمل أحدا سوى الملك وأسرته وشقيقاته، ولم يتسع سوى لكل الفاسدين والمفسدين من سفاحي الشعب المصري حقا، من وزراء ورجالات وإقطاعيي  العهد البائد  والذي  ظل يضيق ويعجز تماما عن رحمة كل أبناء مصر المخلصين من العمال والفلاحين والعلماء والقضاة وأصحاب الرأي. (أمثال الشهداء سيد قطب، عبد القادر عودة،(...) ..

***

وتواصل صافيناز كاظم:

هذه البداية لحركه 23 يوليو ننظر لها الآن ونستطيع أن نستشف فورا خلوها الكامل من أي فكر ووعى والتزام إيماني يعطى لها منطلقا ثوريا يحدد لخطواتها الطريق الذي تصعده متدرجة نحو غاية محددة آو رؤية تقدمية شرعية أو فلسفة  إنسانية تحسم لا المواقف وتحلل لها الظواهر بحيث بمكن لها آن تفهم الفوارق الواضحة بين تمرد إيجابي للعمال  وتمرد سلبي لإقطاعي متجبر، فلا تصل إلى قرارات تقتل بها أبناء الشعب المخلصين وتحافظ على حياة أعدائه..

***

وتصرخ صافيناز كاظم ويصرخ معها الكثيرون:

.. تستمر – الثورة-  في ذلك على الدوام... منذ هذا الخلط الأول- (خميس وبقرى/ عدلى لملوم)- الواضح في مبدئية حركة الضباط، استمرت تلك (الحركة" في اتخاذ سياسة ذبح كل الاحتمالات الواعدة التي كان يمكن أن تشرئب مرة بين صفوف الشعب المصري لتحاسبها أو تناقشها أو تفضحها وتقول لها مكانك لقد خدعنا فيك ولست آنت آمل مصر ولا صيغة  خلاصها ، حين بدأت الخلافات تقع بين أعضائها لم يكن بينهم، بطل أو شهيد، فالظاهر البادي أمامنا الآن أنهم  جميعا كانوا سواء. (...)  ولا أرى  نفسي تأسف على محمد نجيب أو تفرح بانتصار  جمال عبد الناصر عليه، فلا يوجد لدينا مبرر واحد  يؤكد لنا أنه لو انتصر محمد نجيب وحاز السلطة بين يديه لما فعل الأفعال الديكتاتورية التي كانت النهج الذي اختاره عبد الناصر وبلوره وأجاده منذ انفراده بالسلطة عام 1954 معتمدا معه سياسة سرابية تغذي الأحلام وتداعب المشاعر، دون أن يجد أي حلم سبيله للتحقق على أرض الواقع..

***

نفس الواقعة يتناولها جمال حماد في بحث مستفيض على الشبكة العنكبوتية بعنوان : ثورة 23 يوليو فيقول:

 تصرفت حركة الجيش إزاء هذا الموقف ( يقصد مظاهرات كفر الدوار ومحاكمة خميس والبقري)  برعونة شديدة، تحت وهم أن هذه المظاهرات هي بداية أعمال مضادة ضد الجيش، وتشكل مجلس عسكري، برئاسة عبد المنعم أمين، عضو مجلس القيادة، في ذلك الوقت، في موقع الحادث ( عبد المنعم أمين وثيق الصلة بالمخابرات الأمريكية . م ع ) . وقد تشكل من حسن إبراهيم، عضو المجلس. والبكباشي محمد عبد العظيم شحاتة، والبكباشي أحمد وحيد الدين حلمي، والصاغ محمد بدوي الخولي، واليوزباشي فتح الله رفعت، واليوزباشي جمال القاضي .

( إنني حريص على إيراد الأسماء كي يحلق العار فوق الرؤوس والوجوه.. شاهت الوجوه.. م ع ).. كانت المحاكمة سافرة العدوان على حقوق المتهمين، فلم تتح لهم فرصة الاعتماد على المحامين، إلى الدرجة التي دفعت عبد المنعم أمين إلى مطالبة الصحفي، موسى صبري، الذي كان يمثل جريدة الأخبار، للدفاع عن العامل محمد مصطفي خميس، باعتباره حاصلاً على شهادة الحقوق . ويقول عبدالمنعم أمين إن مصطفي خميس قد ترافع عن نفسه مرافعة عظيمة، لمدة نصف ساعة ولكنهم أصدروا، مع ذلك، الحكم عليه بالإعدام هو ومحمد حسن البقري. وصدرت أحكام بالسجن على بقية المتهمين، الذين كان، من بينهم، صبي في الثامنة عشرة من عمره .

يؤكد جمال حماد أن خميس والبقري لم يكونا أعضاء في التجمع الديموقراطي أو الحزب الشيوعي.. وقد أثبت التحقيق، كما أشارت جريدة "الأهرام"، أن البوليس قد أطلق النار، قبل الشغب، مما استفز العمال، وإنه بذلك ينهار ركن أساسي في الجريمة؛  ولكن  ذلك لم يغير من الأمر شيئاً. أمَّا صيحة مصطفي خميس، التي أطلقها، قبل إعدامه: "أنا برئ ومظلوم، أريد إعادة محاكمتي، إن محامي لم يطلب شهوداً وكان هناك اثنان شاهداني، وأنا ماشي". فقد ذهبت أدراج الرياح. وتؤكد هذه الصيحة قسوة المجلس العسكري، في معاملة المتهمين، وحرمانهم من حق أساسي، من حقوق الإنسان، هو توكيل المحامين.

***

عند مقارنة هذه الحادثة المجرمة بحادثة كفر الدوار بحادثة دنشواي نجد الفرق شاسعا: إن تلك الحادثة الثانية كانت بمناسبة مصرع جنود إنجليز، أما صاحبينا من الأبرياء فلم يمسوا أحدا بسوء، مهما بدر منهم خلال اعتصامهم. ومن جهة أخرى فإن حادثة دنشواي لم تمر مر الكرام، بل هزت الدنيا بأسرها على يد مصطفي كامل، حتى انتهى الأمر بإقالة اللورد كرومر الذي كان حاكما بأمره على البلاد. أما جريمة كفر الدوار فقد دفنت في مقبرة النسيان وراح دم الأبرياء هدرا.

***

أي كارثة دهياء كانت قد ألمت بالأمة فألجمتها بلجام من نار و أخرستها..

أي كارثة دهياء..

بعد ذلك بأعوام.. سوف يحاول كل مجرم اشترك في هذه الجريمة الشنعاء التنصل منها، الأمر الذي يؤكد بكل جلاء أنها كانت وصمة عار افتتحت بها الثورة المباركة مسيرتها. فقائد الثورة آنذاك، محمد نجيب، يقول في كتابه "شهادتي للتاريخ" إنه اضطر للتصديق على حكم الإعدام رغم اقتناعه ببراءتهما، بل وإعجابه بشجاعتهما، وذلك نزولا على الديموقراطية في مجلس قيادة الثورة، حيث إن البقية أجمعوا على إعدامهما. ونحن نقول من جهتنا أن لعنة الله على ديموقراطية تتسبب في إعدام الأبرياء.

محمد نجيب سيشرب بعد ذلك من نفس الكأس على يد من خضع لديموقراطيتهم كمصداق لقول الرسول الكريم: "من أعان ظالما سلطه الله عليه."

***

بعد  ما يقرب من خمسين عاما  نجد جريدة الأهالي تواصل نفس طريقة اليسار في تزوير الوقائع بطريقة تفترض أنها تخاطب قوما لا عقل لهم.. فتذكر في عددها الصادر في 12/4/ 2000 أن إعدام خميس والبقري كان ضد إرادة جمال عبد الناصر وأغلبية مجلس قيادة الثورة، خاصة يوسف صديق وخالد محيي الدين !!  ولم تكلف الصحيفة نفسها عناء  بيان من هم تلك الأقلية التي استطاعت أن تفرض إرادتها على الأغلبية، ومن بينهم جمال عبد الناصر رئيس الوزراء.. بل و أيضا محمد نجيب: رئيس الجمهورية، وكيف استطاعوا - وهم الأقلية - أن يفرضوا إرادتهم؟‍‍‍‍! .

***

لم يكن الأمر أمر الإخوان أو مذبحة المنشية ولا السجن الحربي ..

كان الأمر أمر وحش أسطوري ييتلع كل من يجده في طريقه يلتهم لحمه ويسحق عظامه..

وحش أسطوري جائع للسلطة لا يردعه رادع وليس هناك حد ولا سقف لما يمكن أن يفعله للوصول إليها..

وسبحان الله..

لقد سلط على أمته قوة باطشة أخرستها فإذا بالجبار المذل المنتقم يسلط عليه ظالما جبارا يسحقه..

لم يكن الأمر أمر الإخوان..

كان الوفد في البداية..

***

ولنتأمل ما كتبه محمد عودة عن الأزمة بين الوفد والثورة..

محمد عودة..

كاتب اشتهر بالاحترام.. بل إن الشيوعيين والقوميين يحاولن إحاطته بهالة من القداسة.. ولقد قرأت له أعمالا كثيرة.. لكنني لم أكن قد اكتشفت طريقة القراءة الحذرة التي حدثتكم عنها في بداية هذا المقال..

كنت أقرأ لمحمد عودة و أنا واثق في صدقه ( لماذا.. لست أدري..!!).. ثم توقفت عن القراءة له منذ فترة حتى فاجأني موضوعه المنشور في مجلة الهلال منذ عام ونيف.. وفوجئت أن الرجل يكذب كذبا بواحا و أنه بكل هالاته المقدسة لا يختلف أبدا عن الآخرين إلا اختلاف جندي يكذب عن لواء يكذب.. لكن الكذب واحد..

وهاهو ذا محمد عودة يحلل العلاقة بين الثورة والوفد في مجلة الهلال عدد يوليو  2002 قائلا :

" قرر قائد الثورة ( لم يصارحنا أي قائد: محمد نجيب أم جمال عبد الناصر) أن يحتفظ بالجيش سليما ونقيا للمهمة التاريخية وأن يسلم السلطة إلى أصحابها الشرعيين والذين أبعدوا ظلما، وذهب إلى سكرتير عام الوفد فؤاد سراج الدين وعرض عليه أن يسترد الوفد اعتباره وهيبته وأن يعود معززا مكرما إلى السلطة في حراسة الجيش الوطني وباسم الشعب الذي خرج عن بكرة أبيه يحتفل بالثورة التي حملت إليه الخلاص. سوف يعود حزب الأغلبية لينفذ كل برامجه التي أجهضها القصر والاحتلال وسوف لا يجرؤ أحد على إقالته أو عزله بخطاب من بضعة سطور.  وعزز قائد الثورة، عرضه بالشعار الذي رفعته ا الثورة وحفلت به جدران العاصمة نحن نحمى الدستور. ولم يشترط أي شئ سوى قبول الإصلاح الزراعي " المعتدل " والذي ترك للملاك ثلاثين ضعف الأرض التي تركها القانون المماثل الذي صدر يومئذ في اليابان وعقد الاثنان أربعة اجتماعات طويلة، ثم طلب سراج الدين عرض الأمر على سلطات الحزب وهيئاته العليا ثم عاد في النهاية  ليعلن اعتذاره عن قبول العرض وأن الحزب.."..

***

الحقيقة غير ذلك.. الحقيقة عكس ذلك.. فلماذا يكذب محمد عودة..

الكاتب الكبير الشهير لماذا يكذب؟..

هل هي  الطبيعة الشريرة الخائنة التي فقدت الإيمان بالمطلق ولم تعد تؤمن إلا بالنسبي..

وفي النسبي لا توجد حقيقة..

يوجد فقط ما يفيدك وينفعك مهما كان الكذب الخسيس..

والآن.. لنعد إلى الأستاذ إبراهيم طلعت لنعرف موقف الوفد الحقيقي..

وليسمح لي القراء باستشهاد طويل من الأستاذ إبراهيم طلعت.. ليس دفاعا عن الوفد.. و إنما كشفا لكاتب من أكبر الكتاب القوميين.. وكشفا للكذب.. فقد كان إبراهيم طلعت وفديا صميما وكان في نفس الوقت صديقا حميما لجمال عبد الناصر..

***

يقول إبراهيم طلعت:

اتصل بي جمال عبدا لناصر تليفونيا وطلب حضوري فورا إلى القاهرة لأمر هام فاضطررت للسفر يوم 10 أغسطس بعد الظهر وقابلت جمال عبد الناصر في منزله بالقبة وكان معه عبد الحكيم عامر وسألني عن البحثين اللذين طلبهما منى (تحديد ملكية الأراضي الزراعية، ومشروع استصلاح أراضى الواحات)، فقدمت له دراسة عن المشروع الأخير كنت قد حضرتها بمعاونة المرحوم المهندس الزراعي سيد عبد المنعم وهو صهر الأستاذ أحمد فؤاد فتناولها منى واطلع عليها بسرعة ثم قال لي: " المهم موضوع تحديد الملكية الزراعية" فقلت له إن هذا الموضوع ليس في حاجة إلى تحضير لأن جميع الذين نادوا به سواء بتقديم مشروعات بقوانين أو باقتراحات تضمنتها أبحاث أو كتب اقتصادية اتفقوا على الهيكل العام له وكل الاختلاف بينهم كان حول الحد الأدنى لما يمتلكه الفرد والأسرة وكيفية الاستيلاء على الزائد عن القدر المسموح به وهل يتم ذلك فور صدور القانون أو بعد مدة تحدد بنص في هذا القانون.

فأجابني.. المهم أنا عاوز القانون ده بكره (...) "..

ويسأل جمال عبد الناصر  إبراهيم طلعت – متشككا- عن موقف الوفد من القانون..

يقول إبراهيم طلعت:

 أجبته بحدة:

- سيبك من الكلام اللى بتسمعوه من المنافقين اللى بيجولكم كل يوم .. الناس بتوع كل عهد.. والوفد يمثل الأمة بكل طبقاتها! الفلاحين وأصحاب الأرض،. والعمال وأصحاب المصانع.. وإذا عارض الوفد في أي مشروع لصالح هذا الشعب فقد انتهى دوره السياسي وفقد نفوذه الروحي خصوصا بعد أن زالت السراي ونفوذها.. اضمن لي أنت على ماهر ومحمد نجيب وأنا أضمن لك موافقة الوفد!

وسألني بهدوء:

- طيب وفؤاد سراج الدين؟

وعندئذ انتفضت واقفا وقلت بحدة أكثر (كانت تسمح بها علاقتي بعبد الناصر قبل أن يعرفه الناس) .

-  اسمع يا جمال ، أنا مستعد أجيب لك موافقة فؤاد سراج الدين كتابة وأنا دلوقت بأتحدث باسم الوفد..

***

ويقوم الأستاذ إبراهيم طلعت و الاستاذ أحمد فؤاد ومعه الدكتور راشد البراوى بإعداد  مشروع قانون بتحديد ملكية الأراضى الزراعية (...) وفي هذه الأثناء وافانا أحمد أبو الفتح ولم يمكث إلا بضع دقائق استأذن بعدها للانصراف وسرت معه قليلا حتى استقل سيارته وقال لي:

- يا إبراهيم أنا خايف؟ وقلت له.. خايف من إيه؟

وأجابنى: ما أعرفش، إحساس عندى  كل (اللغوصة) اللى بتحصل في البلد دى!

وبعد الغروب بقليل كان مشروع القانون قد أعد بصورة نهائية، وأخذت صورة حرفية منه وتوجه أحمد فؤاد لتسليم الأصل إلى جمال عبد الناصر.

واتصلت تليفونيا بجريدة المصري وطلبت التحدث إلى أحد المسئولين، وحدثني الأستاذ مرسى الشافعي وكان مديرا للتحرير وقلت له:

" أوقف الطباعة"  وهو تعبير صحفي عن حجز الصفحة الأولى لأنباء هامة، ولما سألني عن السبب قلت له أنا قادم في الطريق ومعي أكبر سبق صحفي شهدته الصحافة في كل عهودها إ!

وبعد قليل كنت في جريدة المصري ومعي نص مشروع القانون.

واتصل مرسى الشافعي بأحمد أبو الفتح وأيقظه من النوم وطلب منه الحضور، وحضر واطلع على نص المشروع وسألني: هل وزعت نسخ أخرى على باقي الصحف؟ وأجبته:

- القانون من نسختين: الأصل عند جمال عبد الناصر، والصورة معك

وهنا أمسك أحمد أبو الفتح بالقلم وكتب العنوان:

(نص مشروع قانون تحديد الملكية الزراعية الذي قدمه مجلس الثورة للوزارة لإصداره).

وسار مشروع القانون إلى المطبعة، ومكثت بنفسي إلى ما بعد منتصف الليل أقوم بتصحيح البروفات، وسهرنا جميعا إلى الساعات الأولى من الصباح حتى صدرت جريدة المصري يوم 12 أغسطس منفردة بأهم سبق في تاريخ الصحافة..

وفي الساعة الخامسة صباحا انصرف المحررون إلى منازلهم وعدت إلى فندق الجراند أوتيل. ولم أنم إلا الساعة الثامنة صباحا بعد أن قرأت مشروع القانون كما نشر حرفيا.

وحوالي الساعة الحادية عشرة صباحا، فوجئت بأحمد أبو الفتح يحدثني، وعلمت أنه موجود ببهو الفندق وطلب منى النزول فورا.

وارتديت ملابسي ونزلت على عجل، لأرى أحمد أبو الفتح واقفا في انتظاري ولم ينتظر أن أسأله عن سبب حضوره بل قال :

- رحنا في داهية!!

- ليه؟

قال:

- محمد نجيب كان يضع حجر الأساس لمبنى الإذاعة الجديد، وكان قد سبقه إلى مكان الاحتفال على ماهر رئيس الحكومة وكان في حالة عصبية وانفعال وأخبر محمد نجيب أن جريدة المصري تحاول الدس بين الوزارة ومجلس القيادة، وتساءل هل قدم مجلس القيادة للحكومة مشروع القانون المنشور في جريدة المصري؟ وأجاب محمد نجيب بالنفي القاطع.

وقد صرح في الميكروفون للصحفيين الموجودين أن ما نشر بجريدة المصري صباح اليوم عن مشروع قانون بتحديد ملكية الأراضي الزراعية غير صحيح، وأنه من خيال هذه الجريدة وأن مجلس القيادة لم يقدم أى مشروع للوزارة بهذا الخصوص وطلب تكذيب الخبر رسميا.

واهتزت الدنيا..

واستطرد أحمد أبو الفتح قائلا:

- والمصيبة أن جريدة الزمان التي ستصدر بعد ساعتين ستنشر هذا التكذيب في الصفحة الأولى بعناوين مثيرة..

وشعرت بجسدي  كله ينتفض وتصبب منى العرق وكاد يغمى على من هول المفاجأة.

ولكن أحمد أبو الفتح سألني بهدوء:

 - أين جمال عبد الناصر؟

وحاولنا الاتصال به تليفونيا من الفندق بمجلس القيادة فلم نستطع واتصلت به في منزله فلم أجده بالمنزل، وعندئذ جذبني أحمد أبو الفتح من ذراعي وقال:

- الوقت ضيق ! فلنبحث عنه.

وتوجهنا إلى مقر إدارة الجيش.

ووجدناه في مكتبه.. وقابلنا بابتسامة هادئة!

وقبل أن نجلس اندفعت أحدثه بعصبية عما حدث وأن جريدة الزمان في طريقها للصدور وهى تحمل تكذيب الرئيس نجيب لمشروع القانون.

ولكنه قاطعني في هدوء وقال:

- جريدة الزمان سوف تصدر وعنوانها الرئيسي ما نشرته جريدة المصري وهو نص

المشروع الذي قدمه مجلس القيادة للحكومة لإصداره.

وعندما قلت له أن الزمان قد طبع فعلا وفي صفحته الأولى تكذيب محمد نجيب، علمنا

أنه طلب من الصاغ عبد المنعم النجار (السفير حاليا) أن يتوجه على رأس قوة من الجنود إلى جريدة الزمان ومصادرة ما طبع منها وبها تكذيب محمد نجيب، على أن يعاد طبعه وفي صفحته الأولى خبر رئيسي أن اللواء محمد نجيب قد صرح بأن مشروع قانون تحديد ملكية الأراضي الزراعية الذي نشر بجريدة المصري صباح اليوم هو نفس المشروع الذي قدمه مجلس القيادة للوزارة لإصداره بمرسوم وفي هذا اليوم صدرت جريدة الزمان في الساعة السابعة مساء تتضمن هذا الخبر فعلا، وعند انصرافنا من مقر إدارة الجيش، نظرت إلى أحمد أبو الفتح، وكان ساهما.. وقلت له:

 - أنا خايف..

- من إيه.

 قلت:

- اللى اتعمل في جريدة الزمان النهارده ممكن بكره يتعمل في جريدة المصري!..

وقد كان !(...)  وفي نفس اليوم الذي نشر فيه نص مشروع القانون حدثت اضطرابات ومظاهرات عنيفة في شركة مصر للغزل والنسيج الرفيع بكفر الدوار هاجم فيها العمال المصانع ووقعت خسائر مادية كبيرة، كما سقط بعض القتلى. وقيل إن ما حدث بكفر الدوار وهي أحد المراكز العمالية الرئيسية في مصر كان رد فعل لنشر القانون، لما تبادر في ذهن بعض القيادات العمالية من أن الفلاحين سوف يتملكون أراضى الملاك مطالبين بصدور قانون مشابه يتملك بموجبه العمال المصانع..

***

كان موقف الجميع خطأ .. وكان موقف معظم الإخوان هو الصواب.. إذ أن عددا كبيرا من الأعضاء  رأى  أن تحديد الملكية زراعية أو غير زراعية أمر مخالف للإسلام. وكان هذا يعني أن الثورة في حاجة ماسة إلى دعم الوفد وتأييده.. وطلب جمال عبد الناصر من إبراهيم طلعت عقد اجتماع مع فؤاد سراج الدين.. ونترك إبراهيم طلعت يكمل ما حدث:

***

..".. بعد أن انصرف جمال عبد الناصر قابلت في مساء نفس اليوم فؤاد سراج الدين وأطلعته على ما حدث ورحب على الفور بحضور هذا الاجتماع، والعجيب أن فؤاد سراج الدين- الذي لم يكن يعرف أنني ساهمت بطريقة أو بأخرى في وضع القانون أو نشره-

لم يكن مرحبا فقط بالقانون، بل كان متحمسا له، وذلك على خلاف اعتقاد الكثيرين،(...)  واتفقت مع أحمد أبو الفتح على السفر بالطائرة التي تغادر الإسكندرية في  منتصف  الساعة الرابعة بعد الظهر، والتقينا في مطار النزهة.(...) وتوجهنا إلى ضاحية الزيتون، ولما كنا لا نعرف عنوان منزل عيسى سراج الدين فقد استغرق البحث عنه لبعض الوقت ووصلنا في الساعة السادسة والربع مساء حيث وجدنا كلا من جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وصلاح سالم وأحمد شوقي من قادة الحركة، وكانوا قد وصلوا منذ دقائق  كما كان موجودا فؤاد سراج الدين الذي سبقهم في الذهاب ليكون في استقبالهم "

ولم يحضر هذا الاجتماع غير هؤلاء. ولا صحة لما نشره بعض من أرخوا للثورة من أن آخرين قد حضروه، أما عيسى سراج الدين وهو المضيف فلم يحضر الاجتماع الذي بدأ فور وصولنا.

كنا جميعا في غرفة الاستقبال، وكان المرحوم صلاح سالم يجلس على السجادة الوثيرة بعد أن خلع حذاءه بما يشعر أنه (واخد راحته). وكان هو الذي بدأ الحديث، بدأ صلاح سالم يتحدث في مسائل عامة ولكن حديثه لم يكن مركزا وبغير دراسة مسبوقة وكان يوجه حديثه إلى فؤاد سراج الدين فتحدث عن الإقطاع وموقف حركة الضباط منه واعتزامهم القضاء عليه.

وفجأة سأل فؤاد سراج الدين كيف امتلك عشرين ألف فدان ببلدته (كفر الجرايدة) وبدت من نبرات صوته وهو يوجه لفؤاد سراج الدين هذا السؤال لهجة التحدي،  وهنا خشيت أن يكفهر الجو وينفض الاجتماع دون أي مناقشة جادة فحاولت التدخل وقاطعت صلاح سالم،! ! أن فؤاد سراج الدين الذي كان يجلس بجانبي أمسك بيدي لإسكاتي ومحاولا الإجابة على تساؤلات صلاح سالم، ولكنى انتزعت يدي منه بحدة ونظرت إلى جمال عبد الناصر الذي كان رغم متابعته لحديث صلاح سالم يتشاغل بالتقاط بعض حبات العنب من فوق مائدة كان عليها عنب وبطيخ وقلت له:

- اسمع يا جمال بك.. المناقشة بطريقة الأخ صلاح غير مجدية وأرجو أن ترأس الاجتماع وتكون الأسئلة والإجابات بطريقة منظمة إذا كنتم جادين أن يثمر هذا الاجتماع وأنت الذي طلبت الاجتماع بفؤاد باشا، وأضفت إن حديث الأخ صلاح نافلة لأنه يستند إلى معلومات خاطئة، وهنا انتقل النقاش بيني وبين صلاح سالم الذي أكد لي أن معلوماته صح مائة في المائة!

ولم يسعني إلا أن أضحك بتهكم، وقلت:

- خلاص، إذا كانت معلوماتك أن فؤاد باشا عنده عشرين ألف فدان يبقى ما فيش داعي نكمل الاجتماع..

 وأردفت قائلا.

- يا أخي ده كلام يقال في المقاهى، ولا يجوز لمسئول يستطيع معرفة ملكية كل إنسان في مصر من الجهات الرسمية أن يقوله..

 وهنا اعتدل جمال عبد الناصر ونظر إلى صلاح سالم وطلب منا الهدوء،. وأشار إلى أحمد نشوقى وقال لي: (حضرة القائمقام يرأس الاجتماع) .. وأجبته على الفور:

- مع احترامى لحضرة القائمقام فأنا لم أتشرف بمعرفته إلا اليوم، وبصرف النظر عن الرتب العسكرية فأنا أرجو أن ترأس الاجتماع وأظن إخوانا العسكريين يوافقون على ذلك.

ووافق الجميع على أن يرأس جمال عبد الناصر الاجتماع، وقال جمال عبد الناصر. الأخ صلاح أثار موضوعين، الأول هو موقف الوفد من مشروع قانون تحديد الملكية الزراعية، والتاني مقدار ما يمتلك فؤاد باشا. ففؤاد باشا يتكرم أولا يجاوب على الموضوع الثاني علشان نخلص منه ولأنه مش مهم وهنا قال فؤاد باشا أنه يمتلك هو وأسرته حوالي 3000 فدان جزء منها يمتلكها بالميراث والجزء الآخر من الأراضي البور التي استصلحها وأضاف بأنه مستعد أن يتنازل للدولة عن أي قدر من الأراضي تزيد على ذلك وتستطيعون التأكد من ذلك من واقع الملفات الزراعية.

وهنا قال جمال عبد الناصر:

- أنا متأكد من ذلك ويعتبر هذا الموضوع منتهيا.، ونظر إلى صلاح سالم وقال ضاحكا: معلهش يا أبو صلاح.. إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا. !

ثم طرح موقف الوفد من مشروع قانون تحديد الملكية الزراعية، وخاطب فؤاد باشا وقال:

- إبراهيم طلعت يا باشا هو الذي وضع القانون فأرجو أن تكون المناقشة بينك وبينه وإحنا نسمع ونناقش عند اللزوم.

لم يكن سراج الدين يعلم أنني شاركت في وضع القانون، وكذلك لم يكن يعلم أنني أنا الذي انفردت بنشره في جريدة المصري، ولذلك أسرعت بالقول أنني أتشرف بأن أكون قد شاركت في وضع المشروع، وأعتز بأن أكون أول من طرحه على الرأي العام بنشره في جريدة المصري.

وابتسم فؤاد سراج الدين وقال:

- "شوفوا يا إخوانا.. أنا أولا بصفتي الشخصية وثانيا بصفتي سكرتير الوفد أوافق من ناحية المبدأ على هذا القانون .

 وهنا سأل صلاح سالم في حدة.

- يعنى إيه من ناحية المبدأ؟..

وأجاب فؤاد سراج الدين:

- كل قانون في الدنيا يطرح أولا للموافقة عليه من ناحية المبدأ فإذا كان المبدأ قد ووفق عليه تطرح التفاصيل للمناقشة، فقد يتدخل بعض المختصين لتعديل بعض فقراته بما يكون قد فات على واضعي القانون من المسائل الفنية أو التطبيقية . مثال ذلك بالنسبة لهذا القانون:

وأخذ فؤاد سراج الدين يضرب أمثلة كثيرة حول ما يجب دراسته موضوعيا عند صدور القانون وتطبيقه مثل القيمة التي تشترى بها الدولة الزائد من الأطيان المنزرعة واقترح أن يكون ثمن الفدان عشرة أمثال القيمة الإيجارية وليسر على أساس ثمن الفدان بسعر ما قبل الحرب الثانية حتى لا تبخس قيمة الأراضي الزراعية وهى أساس الثروة القومية. وقد أخذ القانون فعلا بهذا الرأي عند صدوره بعد ذلك ..

وقد أنصت الجميع لحديث فؤاد سراج الدين وهو يتحدث في التفاصيل، وقال:

- أنا أقسم أنني لم أعلم أن إبراهيم طلعت شارك في وضع المشروع إلا الآن، وقد قابلني عدة مرات صارحته خلالها بموافقتي على القانون بل وإعجابي به، وأنا أستشهد به ا لآن.. وأطرقت برأسي موافقا..

وضحك جمال عبد الناصر وقال:

- إحنا عارفين يا باشا وإبراهيم قال لي كده ولكن الحقيقة إحنا ما كناش مصدقين!

ورد فؤاد باشا قائلا:

- ليه يا آخى.. إذا كان من ناحية المصلحة الشخصية فإذا صدر القانون كما نشر بدون أي تعديل فأنا شخصيا وعائلتي لا نضار بصدوره، ومن الناحية العامة فإن 90% على الأقل من أعضاء الوفد لا يضارون به،. والحقيقة أن الأخ إبراهيم كان كريما في اقتراح الحد الأقصى بمائتي فدان !.

وأجبت ضاحكا. الحقيقة يا باشا أنا كان رأيي أن يكون الحد الأقصى خمسين فدانا فقط،. ولكن زملائي كانوا أكثر كرما منى.

وضحك الجميع.. وبدأ يسود جو من المرح والثقة على المجلس، حتى صلاح سالم لبس حذاءه وجلس بجوارنا على أحد المقاعد وأخذ يشاركنا في الضحك!! والاكثر من ذلك أنه قال ( عداك العيب يا باشا) ..

(...)..

قال عبد الناصر:

- وعلشان كده إحنا أملنا أن الوفد يتعاون معانا باعتباره أكبر تنظيم جماهيري ديمقراطي فيه المسلم والمسيحي والعامل والفلاح والغنى والفقير، يعنى فئات الشعب المختلفة، وطبعا احنا علشان نسلم الأمانة للوفد اذا حصل على الأغلبية في الانتخابات وده هو المنتظر لازم نكون مطمئنين إلى أن قيادته فوق مستوى الشبهات(...)  واستطرد جمال عبد الناصر مشكورا بإضافة بعض عبارات المديح لي ولأحمد أبو الفتح لا داع لذكره، ثم أنهى جمال عبد الناصر حديثه قائلا:

- أحب كمان أقول لحضرتكم إن فيه ناس كتير من الملتفين حولنا الآن بيقولوا لنا أنتم لو عملتم انتخابات الوفد حيرجع 100% طيب وماله لما يرجع الوفدي. لكن بأه دول يهمهم الحكم الديكتاتورى ودول خصوم الوفد اللى أنتم عارفينهم. (...) وأحب كمان أؤكد إننا جميعا في مجلس القيادة بنحب النحاس باشا وبنعتبره زعيم كبير ووالد للجميع،. كمان أحب أقول- مش لأن فؤاد باشا موجود- إن نزاهته ووطنيته فوق كل شبهة وان له فضلا كبيرا على حركة الكفاح ضد الانجليز بعد إلغاء المعاهدة. وأعتقد أنى قلت كل حاجة، ونحب نسمع رأى فؤاد باشا إيه.

وتكلم سراج الدين:

ورد فؤاد سراج الدين شاكرا لجمال عبد الناصر وإخوانه ثقتهم في النحاس وفيه وأردف بأن ما قاله جمال عبد الناصر هو كلام عظيم وتحليل دقيق للأمور وقال إنه يرجو أن يكون الوفد عند حسن ظن الشعب وعلى رأسه أعضاء مجلس القيادة وبقية الضباط الأحرار جميعا وأنه يرجو في ظل هذه الثقة أن يؤدى الوفد واجبه الوطنى نحو قضية البلاد وإرساء دعائم الديمقراطية السليمة خصوصا بعد خروج الملك وانتهاء نفوذ السراى التى كانت العائق الأكبر في الطريق الديمقراطي، وأكد فؤاد سراج الدين:

1- إن الوفد يوافق على مشروع قانون تحديد الملكية الزراعية ويرحب بصدور مثل هذا القانون وأنه من الآن يوافق على المبدأ وسوف يتقدم بما عسى أن يكون هناك من اقتراحات موضوعية تمس جوهر القانون حتى لا تنشأ صعوبات في التطبيق.

2- إنه سيتحدث مع النحاس باشا في إقصاء بعض أعضاء الوفد والهيئة الوفدية لأن النحاس باشا لما له من سلطة أبوية على الجميع فإنه هو القادر على إقناعهم بأن يقصوا أنفسهم بالاستقالة أو يأمر بإقالتهم.

3- أن يظل هناك تعاون كامل بين الوفد وبين رجال القيادة وتبادل وجهات النظر على أن يكون رائد الطرفين الصالح العام والصراحة الكاملة.

4- إن الوفد على استعداد لحضور أي اجتماع مع رجال القيادة لمناقشة أي أمر بناء على طلب أعضاء مجلس القيادة.

وانتقل الحديث بعد ذلك إلى شخصية من يتولى رياسة حكومة محايدة لإجراء الانتخابات بعد إخراج على ماهر وقال جمال عبد الناصر أن مجلس القيادة يرشح واحدا من اثنين: الدكتور عبد الرزاق السنهورى أو الدكتور وحيد رأفت.

وقال فؤاد سراج الدين أنه يفضل الدكتور وحيد رأفت بالرغم من ثقته في السنهوري لأنه بالرغم من خصومته التقليدية للوفد فقد كان قاضيا محايدا ومستقلا كلما كان في منصبه القضائي.

وكانت الساعة قد جاوزت الحادية عشرة مساء حينما انفض الاجتماع بعد أن دام خمس ساعات كاملة.

***

إنني أعتذر لكم يا قراء من هذا الاستشهاد الطويل لكنني رأيته ضروريا .. فهو يكشف الكثير.. كانت الحقيقة فيه كما رأيتم.. ولكن هذه الحقيقة لم تكن تناسب خطة جمال عبد الناصر في سحق كل القوي التي يمكن أن تشكل له منافسا ذات يوم..

***

وليسمح لي القارئ ببضع كلمات أخرى يكمل بها إبراهيم طلعت شهادته:

" من الغريب أن جمال عبد الناصر بعد ذلك بحوالي تسع سنوات خطب في المؤتمر الوطني سنة 1961 قائلا أن الوفد رفض الموافقة على قانون تحديد الملكية الزراعية كما رفضوا أن يعودوا إلى الحكم على أساس تحديد الملكية!..

***

ويظل السؤال :

لماذا يكذب محمد عودة..

ولماذا يواصل الكذب بعد خمسين عاما..

ربما لا يكفيه إبراهيم طلعت..

فلنستدع إذن شهادة جمال حماد:

***

يقول جمال حماد:

وكان الإعلان عن قانون الإصلاح الزراعي مفاجأة لأعضائه، الذين ينتسب عدد منهم إلى الطبقة الإقطاعية. فبدءوا يتلمسون الحوار مع رئيس الوزراء علي ماهر، ومع ضباط القيادة للتعرف على أبعاد القانون. كان فؤاد سراج الدين قد طلب تحديد موعد، مع محمد نجيب، عقب عودته من أوروبا. ولكن أحد أقاربه، اليوزباشي عيسى سراج الدين، (السفير فيما بعد) دعاه إلى منزله في الزيتون لمقابلة جمال عبد الناصر، وجمال سالم، وصلاح سالم. وحضر أحمد أبو الفتح جانباً من الاجتماع، الذي امتد من الخامسة مساءً، حتى الواحدة بعد منتصف الليل.

دار الحوار، في هذه الجلسة، حول تحديد الملكية. وحاول فؤاد سراج الدين إقناعهم بفكرة الضريبة التصاعدية. ولكن الاجتماع انفض، من دون الوصول إلى رأي موحد، وعلى أن يلتقوا مرة ثانية، بعد أسبوع. وفي اليوم المحدد للاجتماع الثاني، وبينما كان فؤاد سراج الدين في طريقه، من الإسكندرية إلى القاهرة، قرأ خبراً نشره مصطفي أمين، في ملحق (آخر لحظة)، التابع لمجلة (آخر ساعة)؛ وفيه يقول إن فؤاد سراج الدين صرَّح بأنه وضع ضباط القيادة في جيبه، وتوقَّع فؤاد، بعد قراءته للخبر، إلغاء الاجتماع وقد كان؛ فقد اتصل به أحمد أبو الفتح ليبلغه ذلك.

ولم يشأ الوفد أن يترك موقفه، من قانون الإصلاح الزراعي، غامضاً؛ فأدلى فؤاد سراج الدين بتصريح لجريدة المصري، يوم 6 سبتمبر 1952، قبل تولي نجيب الوزارة، وقبل اعتقاله بأيام، قال فيه بالتحديد: "إن الوفد وافق على مبدأ تحديد الملكية الزراعية، من حيث المبدأ، وله ملاحظات وتعديلات على المشروع، الذي نشر وقد سبق أن أبلغنا تلك الملاحظات إلى الجهات المسؤولة، في أسرع وقت. إننا نوافق على المبدأ، الذي هو صميم المشروع، أما ملاحظاتنا فهي مقصورة على التفاصيل فقط، دون الجوهر".

وتأكد موقف الوفد، بعد ذلك، عندما أصدر برنامجه الجديد، يوم 21 سبتمبر 1952، وفؤاد سراج الدين في المعتقل، يقول فيه: "الموافقة على مشروع تحديد الملكية باعتباره يهدف للعدالة الاجتماعية، ويقرِّب بين الطبقات".

هكذا كان موقف الوفد: موافقة على المبدأ، ومناقشة للتفصيلات، ثم قبولاً للمشروع، بعد صدوره.

***

الكفر ملة واحدة..

محمد عودة.. القديس.. يكذب..

إنه كذب مع سبق الإصرار والترصد..

كذب من يكذب وهو يعلم أنه يكذب..

لماذا يكذب القديس ولماذا يواصل الكذب..

ثم يتحدث القديس الجاهل عن الإخوان فيقول:

 انقسم الإخوان المسلمون إلى فريق يرأسه أخو المرشد العام الذي اغتاله الملك، (...) وفريق آخر برئاسة المرشد العام طالب بولاية  الفقيه وأن يكون له حق (الفيتو) على قرارات الثورة..

والقديس ليس كذابا فقط بل  وجاهل أيضا .. ولا يعرف حتى أساسيات الخلاف بين السنة -  والإخوان في قلبهم - وبين الشيعة التي تؤمن بولاية الفقيه.

هل كان الجهل هو السبب في الخطأ؟..

أم الرغبة الخسيسة المدمرة في صبغ الوقائع بما يشاء الهوى حتى يلبس الباطل ثوب الحق..

***

إنني أستشهد بالصف الأول من الكتاب.. فما بالكم بالباقين..

***

ما حدث يعز على التصديق..

واستمرارية الإصرار على الكذب مذهلة..

بعد خمسين عاما ستصدر الأهرام العربي عددا خاصا عن ثورة يوليو وسوف ينتقدها نجيب محفوظ مقررا أنه لولا إزاحة محمد نجيب لما انفصل السودان عن مصر..

وبرغم أن العلاقات بين النخبة في مصر أضحت شاذة ومريضة.. فالآخر إما معبود يعبد و إما شيطان يرجم.. وبالنسبة للعلمانيين يعتبرون نجيب محفوظ وثنا  معبودا.. وفي تاريخهم لم يهاجموه إلا عندما قال هذا.. وبعد الحدث بنصف قرن..

كان  ما قاله  محفوظ تعني نوعا من الانتقاد لعبد الناصر والتأييد لنجيب.. والتأييد لنجيب قد يحمل شبهة تأييد للإخوان لذا وجب رجم محمد نجيب..

وتذكروا يا قراء أن موقفا مماثلا حدث من عبدة هيكل إبان أزمة الوليمة.. فعندما أدان مجموعة المنتفعين والشواذ والمنافقين الذين أيدوا الوزير كانت هذه الإدانة تحوي معنى ضمنيا -لا يقصده بالتأكيد - بنصر الاتجاه الإسلامي..

ورجمه من يعبدونه..

***

لم تكن المشكلة مشكلة الإخوان إذن..

كان ثمة وحش أسطوري يلتهم كل من يأتي في طريقه..

وسوف يدفع الجميع الثمن في وقت قصير..

أما في النهاية.. فإن الوطن والأمة هما اللذان سيدفعان الثمن الفادح..

***

في المحكمة التي كان يرأسها جمال سالم حدثت واقعة تدل على مدى الانهيار والرعب الذي كبل الأمة..

بل مدى الهستيريا والجنون..

.. فقد سألت المحكمة محمود عبد اللطيف عن المحامى الذي يحب أن تنتدبه المحكمة فذكر أسماء ثلاثة محامين  طلب إلى رئيس المحكمة جمال سالم أن يدافع عنه واحد منهم وكانوا: محمود سليمان غنام وفتحي سلامة ومكرم عبيد وفجأة جمال سالم قائلا : وإذا رفضوا ؟  قال محمود عبد اللطيف تنتدب لي المحكمة أي محام ثان .

وبالفعل كما رسم جمال سالم فقد رفض المحامون الثلاثة الدفاع عن محمود عبد اللطيف ـ وكانت كل تهمته محاولة شروع في قتل ـ وقال أحدهم وهو محمود سليمان غنام لمندوب جريدة الأخبار “ لا أوافق إطلاقا على الدفاع عنه لآني أستنكر كل الاستنكار هذه ا لجريمة البشعة !! وقال المحامى الثاني وهو فتحي سلامة : أرفض الدفاع عن هذا المتهم لأني محام ولى شعور وطني ولأني أحتقر هذا لمجرم وقال مكرم عبيد لا أستطيع أن أدافع عن من يعتدي على جمال عبد الناصر .. مستحيل .. مستحيل ّ!!..

كانت الأمة كلها تمر بحالة من الهستيريا..

ولن يمر وقت طويل قبل أن يدفع الجميع الثمن..

***

حتى في هذا العهد.. عهد مبارك.. رغم كل جرائم السلطة – لم يصل الأمر إلى هذا الحد..

محامون يرعبهم أن يدافعوا عن متهم..

***

نعم.. سوف يدفع الجميع الثمن..

في أغسطس 1955 استقال صلاح سالم من مجلس القيادة بعد الانتقادات التي وجهت إلي سياسته في السودان التي زارها متحدثا باسم الثورة. ويري البعض أن السبب الحقيقي لدفعه إلي الاستقالة هو طموحه الذي أقلق عبد الناصر، إذ نما إلي علمه أن صلاح سالم كان يتعمد الإيحاء إلي محدثيه بأنه الرجل المهم في مجلس قيادة الثورة والعالم ببواطن الأمور، ربما أكثر من ناصر نفسه. كان صلاح سالم وزيرا للإرشاد القومي والمسؤول الأول عن الإذاعة والفنون.

ولم تكن بعيدة عن هذا المناخ استقالة أخيه جمال سالم الذي كان عضوا في محكمة الثورة، وصاحب أشهر 'هأوأو' في تاريخ مصر. وتلك عبارة قالها تعليقا علي كلام أحد المتهمين في المحكامة. وجمال سالم هو الذي تبني فكرة إقامة السد العالي، وكان أشد المتحمسين لفكرة الإصلاح الزراعي. ثم تقلص دوره بعد إجراءات الإصلاح، وأخرجه عبد الناصر من التشكيلة الوزارية . ولم تشفع له إنجازاته والمناصب التي تبوأها في ظل الثورة، فتعرض بعد استقالته لمضايقات مثل منع ابنه من الالتحاق بصفوف الجامعة الأمريكية بعد أن درس فيها ثلاث سنوات كاملة، ثم منع زوج ابنته من العودة إلي إنجلترا لإتمام دراسته بعد أن جاء في زيارة لمصر.

أما محمد نجيب فسوف يدفع الثمن مضاعفا..

تعلق  صحيفة أخبار الأدب  العدد 1423 عن المفارقة بين الملك فاروق الذي خرج معززا مكرما علي أية حال وبين نجيب الذي قضي ما تبقي من حياته منعزلا وحيدا وسجينا في منزله بالمرج. حتى أن ابنه عليا قتل في ألمانيا حيث كان يدرس الهندسة ويرأس رابطة الطلاب العرب وينسب بعضهم إلي المخابرات الإسرائيلية المسؤولية ) فلم يستطع أن يراه، ولم يسمح له بتقبل العزاء فيه. أما ابنه الأصغر يوسف فكان يعمل سائق تاكسي، إلي أن علم بذلك المهندس عثمان أحمد عثمان فعينه سائقا في شركة 'المقاولون العرب'.

لقد رفعته الثورة على الأعناق  سنتين، ثم قضت عليه بالعزلة والمهانة ثلاثين سنة، إلي أن مات سنة 1984. وكان يسمي الثورة في مذكراته "العورة"..

***

لماذا فعل جمال عبد الناصر ما فعله بمحمد نجيب..؟..

نعم..

فلنؤجل الآن سؤالنا الأساسي عن سيد قطب وعبد القادر عودة و إخوتهم الشهداء الأبرار بإذن الله..

ولنسأل لماذا فعل ذلك بمحمد نجيب..

ولماذا وافقه هيكل..

ولماذا بعد موت جمال عبد الناصر حين قيض لمحمد نجيب أن يتنفس مرة واحدة لم تكتمل  بعد صمت عشرين عاما فإذا بمانشيتات هيكل في الأهرام تتحدث عن الأشباح الخارجة من الكهوف ضد عجلة التاريخ..

ولم يكن الأمر مجرد تعمد إهانة..

بل كان ذعرا..

نعم ..

ذعرا..

لأن خروج الضحية أو حتى شبحها ولو من الكهف كان كفيلا ببيان الجريمة وفضح المجرم..

***

لم يكن محمد نجيب هملا..

ولم تكن المشكلة في الإخوان المسلمين..

***

لعل القارئ يسايرني في مشاعري..

يا قراء أنا لا أكتب بل أنزف..

ولكم كان ألمي حين اكتشفت أن جمال سالم كان يصلي..

لقد وددت لو أنه قابل الله ولم يركع له ركعة..

يا قراء أنا لا كتب بل أنزف..

منذ خمسة عشر عاما كنت ألتقي بالمفكر الكبير عادل حسين وكنت أحكي له عن تلك الفترة.. وكيف أن إدانة الثورة وجمال عبد الناصر كانت قاسية كالسلخ.. ذلك أنك و أنت تترك ما كنت تؤمن به وتثق فيه.. إنما يموت جزء من نفسك.. يموت ولا يدفن.. و إن جزءا من إدانتي لعبد الناصر .. هو إدانة لنفسي.. لعقلي الذي صدقه.. ولعيناي اللتين بكيتاه..

كنت أقول ذلك لعادل حسين فوافقني فيما أقول وتجاوبت أصداء آهات روحي مع أصداء آهات روحه..

يا قراء.. لو أن إجرام الثورة اقتصر على ما فعلوه بالإخوان المسلمين فلربما جاز لبعضكم  أن يلقوا باللائمة على الإخوان ..

***

محمد حسنين هيكل واحد ممن ينحون باللائمة على الإخوان فيقول:

ولو حدث صدام بين الإخوان و الثورة فقد نستطيع أن نحكم أن هناك خطأ متبادلا لكن قبل الثورة اصطدم الإخوان نع النظام الليبيرالي رغم أنه كان صديقاً لهم ،وحتى الآن هناك صدام بين الإخوان و العصور الثلاثة التالية مع اختلاف الاتجاهات ،أي أنه منذ 36 إلي الآن: أكثر من 60 سنة .معني هذا أن التنظيم تصادم مع كل نظام في مصر..

***

هيكل ليس جاهلا وليس غبيا..

بل على العكس تماما تماما..

أعترف أنه أسطورة وموسوعة..

لكنه لا يقول الحق..

إنه يلونه بما شاء له الهوى..

يتحدث  جمال حماد في كتابه - الحكومة الخفية في عهد عبد الناصر- الزهراء لإعلام العربي عن قيام عبد الناصر بتدمير كل الأعراف العسكرية بترقية عبد الحكيم عامر إلى رتبة اللواء( هذه الترقية التي سيترتب عليها بعد ذلك الهزيمة العسكرية عام 56 ثم الانفصال.. ثم إرهاب الأمة ثم الهزيمة الشاملة الماحقة في عام 1967..

يقول جمال حماد : .." وكان هذا يعنى ولاء القوات المسلحة لعبد الناصر وتدعيمها لمركزه هما يتيح له الفرصة للسيطرة التامة على الشئون السياسية في مصر دون زملائه من أعضاء مجلس قيادة الثورة تمهيدا لتنفيذ المخطط الذي رسمه في دقة ومهارة منذ بداية الثورة وهو التخلص من زملائه جميعا والانفراد وحده بالنفوذ والقوة والسلطان.

ونجح عبد الناصر في تنفيذ مخططه ببراعة تامة ففي خلال فترة الانتقال التي حددت بثلاث سنوات تمكن من تصفية كل منافسيه الأقوياء داخل مجلس قيادة الثورة ومن كل معارضيه المشاكسين بين صفوف الضباط الأحرار فقد أطاح بالعقيد رشاد مهنا الوصي على العرش وصاحب الشعبية الكبيرة في سلاح المدفعية في 14 أكتوبر 1952 كما تم له تنحية اللواء محمد نجيب عن رئاسة الجمهورية في 14 نوفمبر 1954 بعد صراع مرير على السلطة احتدم بينهما خلال شهري فبراير ومارس 1954. حتى كادت البلاد تتعرض لحرب أهلية مدمرة. ونظرا لأن مجموعتي ضباط المدفعية والفرسان كانتا أقوى مجموعات الضباط الأحرار وأكثرها عددا وأشدها صلابة وتكتلا لذلك تم ضرب مجموعة المدفعية وتشتيت ضباطها وإلقاء زعمائها في السجن في 15 يناير 1953 فيما عرف باسم قضية المدفعية كمال حاقت الضربة بمجموعة سلاح الفرسان في أعقاب أحداث فبراير ومارس 1954 التي أسفرت عن تراجع مجلس الثورة عن قراراته الديمقراطية التي أصدرها في 5 و 25 مارس 1954 وتقلص نفوذ محمد نجيب وانتهى الأمر بإلقاء طائفة من أبرز الضباط الأحرار بسلاح الفرسان في السجن ونقل طائفة أخرى منهم إلى وظائف مدنية وإبعاد الباقين عن سلاح الفرسان.

***

وعن مخطط جمال عبد الناصر للانفراد بالسلطة يقول عادل حمودة – وروايته عن الثورة تقبل.. كما تقبل رواية اعتماد خورشيد عن صلاح نصر.. وعبدالله إمام عنهم-  كان عبد المنعم أمين هو أول المبعدين لأن زوجته، سيدة المجتمع، كانت ترتاد النوادي وتكثر من الحديث في السياسة مما أضجر عبد الناصر فأرسله سفيرا إلي لندن. والبعض يري أن أمين كان المسؤول عن تذمر ضباط المدفعية في يناير 1953 وكان عبد المنعم أمين هو رئيس أول مجلس أعلي عسكري في عهد الثورة، المجلس الذي حاكم العمال المضربين في 'شركة مصر للغزل والنسيج 'في كفر الدوار.

وبسبب زوجته أيضا أبعد يوسف صديق. والزوجة، هذه المرة، شيوعية متطرفة. كان يوسف صديق كثير النقد لمجلس قيادة الثورة. لم يكن يكتفي بالكلام بل يقوم بنشاط حركي بين صفوف الضباط، ثم حددت إقامته وطلب منه أن يستقيل أو أن يقبل التعيين سفيرا، لكنه رفض وآثر أن يبتعد تماما.

وعلي الدرب نفسه سار خالد محيي الدين الذي كان خلافه مع مجلس قيادة الثورة منصبا علي قضية الديمقراطية وضرورة عودة الضباط إلي ثكناتهم وأن تتولي الحكم حكومة مدنية. ثم كانت المواجهة الوشيكة بين سلاح الفرسان وباقي أسلحة الجيش في مارس 1954، حيث قدم سلاح الفرسان مطالبه إلي جمال عبد الناصر، ومنها أن تتولى حكم البلاد حكومة مدنية، واقترحوا اسم خالد محيي الدين رئيسا لها. وقد استجاب مجلس قيادة الثورة لبعض مطالب الفرسان مع التغاضي عن مطلبهم تشكيل حكومة مدنية. واستقال خالد محيي الدين وابتعد عن مصر كلها.

في تلك الأثناء بدأ الخلاف مع محمد نجيب. أرسل عبد الناصر لطفي واكد إلي خاله، لطفي السيد، يطلب منه قبول ترشيحه كرئيس للجمهورية خلفا لمحمد نجيب، لكن لطفي السيد رفض، واقترح علي محدثيه أن يرشحوا عبد الناصر ليكون رئيسا للجمهورية. واختمرت الفكرة في عقل ناصر، وتمت تنحية نجيب ومحاكمته..(لاحظوا المناورة يا قراء..فعبد الناصر لم يكن ينوي تعيينه فعلا .. كما أن اختياره له كان يمثل اختيار صوت الإنجليز والعداء للإسلام)..

كان عبد الناصر هو الصانع الحقيقي للثورة وعقلها المدبر. وكان محمد نجيب هو الواجهة، فقدم إلي الناس كقائد للثورة وأول رئيس جمهورية لمصر.

***

في كتابه ثورة 23 يوليو يقول جمال حماد: 

حظي محمد نجيب، في بداية حركة الجيش، بما لم يحظ به أحد من قبله، من تركيز، واهتمام وسائل الإعلام، في مصر وخارجها. وأضيفت عليه من هالات البطولة، وصفات العظمة، ما لم تشهده مصر من قبل، إلى الحد الذي جعله يتحول، في نظر الشعب المصري، إلى شخصية أسطورية. وجعل الجماهير لا تتمالك نفسها، كلما رأته، من التصفيق الشديد، والهتاف المدوي باسمه، والتكالب، في شبه جنون، على سيارته. وافتتن رجال الثورة أنفسهم بالزعيم القائد، الذي صنعوه، فسايروا الشعب في حبه، والإعجاب ببطولته، إلى الحد، الذي جعلهم يخاطرون بحياتهم، ويحيطونه بأجسادهم، فوق رفارف سيارته، ليصدوا عنه طوفان الشعب الجارف، كي تتمكن سيارته من شق طريقها، بين مئات الألوف المحتشدة، من جماهير الشعب في حله ورحاله. وكانت خطبهم وأحاديثهم كلها، تمجيداً لعظمته، والإشادة بروعة قيادته، إلى الحد الذي جعل أحدهم، وهو أنور السادات، يضع اسم محمد نجيب على رأس أعظم عشرة رجال في العالم، في استفتاء أجرته مجلة المصور في العدد (491)، الصادر في 8 مايو 1953، أي أن محمد نجيب كان، في نظر السادات وقتئذ، هو أعظم رجل في العالم .

***

صناعة النجم..

وسوف يتكرر هذا على الفور .. لكن بالنسبة لجمال عبد الناصر..

لكن في هذه الأثناء لم يتخلف عبد الناصر نفسه عن إعلان تأييده، وإظهار إعجابه؛ ففي أثناء زيارة لمحمد نجيب لقرية بني مر، وقف عبد الناصر، وسط أبناء قريته، يعلن إيمانه بمحمد نجيب قائلاً: "باسم أبناء هذا الإقليم، أرحب بكم، من كل قلبي، وأعلن باسم الفلاحين، أننا آمنا بك؛ فقد حررتنا من الفزع والخوف، وآمنا بك مصلحاً لمصر، ونذيراً لأعدائها. سيدي القائد، باسم الفلاحين أقول: سر ونحن معك جنودك؛ فقد حفظنا أول درس، لقنتنا إياه، وهو إن تحرير مصر، وخروج قوات الاحتلال من بلادنا، واجب حيوي، وأصبحت أملاً في أن تحقق مصر حريتها على يديك. إن مصر كلها تناصرك للقضاء على قوات الاحتلال".

***

بايع الإخوان ونقض البيعة..

كان عضوا في التنظيم الخاص فاستغل عضويته تلك كي يقوض الجماعة كلها..

بايع سيد قطب على أن يفتديه فقتلة..

و أيضا.. بايع محمد نجيب..

***

يقول الأستاذ صلاح شادي  في كتابه " صفحات من التاريخ" : ولقد ظهر الخلاف بين عبد الناصر ومحمد نجيب لدى التنافس بينهما على زيارة قبر الإمام الشهيد حسنا لبنا في 12 فبراير سنة 1954 ففي هذا اليوم الذي ظهر فيه  هذا الخلاف بين محمد نجيب وعبد الناصر كان قرار حل الجماعة قائما ودار الإخوان مغلقة وكنا في السجن الحربي حينذاك مع المرشد نحو أربعمائة من الإخوان وذلك بخلاف المعتقلين بالسجون الأخرى ويبدو أن محمد نجيب عندما علم برغبة  عبد الناصر في هذه المجاملة ظن أن جمال أراد أن يكسب لنفسه شعبية لدى الإخوان المسلمين ينفرد بها دونه .

وفي 27  فبراير – كما يقول الأستاذ عمرا لتلمساني-  لقد زحفت الآلاف إلى ميدان عابدين وقتذاك تطالب السيد محمد نجيب بالإفراج عن المعتقلين وتنحية الباطش ومعاقبة الذين قتلوا المتظاهرين عند كوبري قصر النيل وتطبيق شرع رب العالمين وأدرك القائمون على الأمر خطورة الموقف وطلبوا من المتظاهرين الثائرين أن ينصرفوا ولكن بلا مجيب فاستعان محمد نجيب بالشهيد عبد القادر عودة على تهدئة الموقف متعهدا بإجابة الأمة إلى مطالبها ومن شرفة قصر عابدين وقف الشهيد يطلب من الجماهير الثائرة أن تنصرف في هدوء وقد وعد رئيس الجمهورية بإجابة مطالبها .. فإذا بهذا البحر الزاخر من البشر ينصرف في دقائق معدودة وبمنطق الحكم الديكتاتوري الذي كان يهيمن على البلد حينذاك كان لا بد أن يصدر قرار في شأن عبد القادر عودة فإذا كان الشهيد قد استطاع أن يصرف الجموع الحاشدة التي جاءت محتجة تطالب بإطلاق الحريات وإفساح المجال للحياة الدستورية السليمة الأصلية والوفاء بالوعود وتأدية الأمانات .. فهو يمثل خطورة على هذا الحكم الذي كان مفهومة لدى الحاكم أن يضغط على الأجراس فيلبى نداؤه وعلى الأزرار فتتحرك الأمة قياما وقعودا .

ومن هنا كانت مظاهرة عابدين هي أول وأخطر حيثيات الحكم على الشهيد عبد القادر عودة بعد ذلك بالإعدام ولذلك لم يكن غريبا أن أعتقل هو والكثيرون من أصحابه في مساء اليوم نفسه ووقفوا على أرجلهم في السجن الحربي من الرابعة صباحا حتى السابعة صباحا يضربهم ضباط السجن وعساكره في وحشية وقسوة .

يواصل الشيخ عمر التلمساني:

عندما سمعنا ونحن في السجن الحربى سنة 1954 بذهاب عبد الناصر إلى قبر الإمام الشهيد أدركت أن وراء ذهابه إلى القبر محاولة جديدة منه لتقسيم الإخوان إلى فريقين : فريق راض عنه وفريق آخر غاضب عليه لأنهم كما كان يقول عنهم دائما ـ عصاة ـ ويزعم أنه ليس معارضا للجماعة ذاتها وإنما هو يعارض أصحاب الأفكار المنحرفة فيها.

***

فلنعد إلى جمال حماد..

    سرعان ما تبدل الحال، مع مطلع عام 1954؛ فقد اشتعل الصراع، بين محمد نجيب ومجلس قيادة الثورة، وعلى رأسه عبدالناصر، ذلك الصراع، الذي بلغ ذروته في مارس 1954. وأخيراً اختتمت الرواية فصولها في 14 نوفمبر 1954، بتنحية محمد نجيب عن منصب رئيس الجمهورية، ووضعه رهين الاعتقال، في استراحة ريفية نائية، بضاحية المرج شمال القاهرة، (قصر زينب الوكيل زوجة النحاس باشا) حيث بقي بها ثمانية عشر عاماً.

    وسرعان ما حدث التحول الهائل في مقالات الكتاب، وأجهزة الإعلام، بل حتى في كتابات المؤرخين، واشتد التنافس بينهم، لا في تمجيد محمد نجيب، كما كان الحال عليه من قبل، ولكن في سلبه كل ما أُضفي عليه، في الماضي، من صفات العظمة، وآيات البطولة. وفي طمس معالم كل ما قام به من أعمال جليلة، سواء في خدمة جيشه، أو وطنه، ووصل الأمر، في الاستخفاف بشأنه، إلى حد تصوير دوره في قيادة الحركة، بأنه كان أشبه بخيال المآتة، وأنه كان في منزله لا يعلم شيئاً عما يدور حوله من أحداث، طوال شهر يوليه 1952. وقد صور السادات هذه الصورة في كتابه "قصة الثورة كاملة" فقال: "كان (نجيب) مثل أي رجل في مصر، وفي مثل سنه، كان موظفاً يجلس إلى مكتبه، من الصباح حتى الظهر، وليس في ذهنه أي شيء عن العدالة الاجتماعية، أو عن الاستغلال، والاستبداد، ومحنة الاستعمار.

***

تخيلوا يا قراء..

السادات .. ربيب كمال أدهم .. الجاهل كما وصفه هيكل يقول ذلك.. بينما يقول عماد مطاوع -إسلام أون لاين- تحت عنوان : محمد نجيب.. قائد الثورة التي أنكرته!  أن محمد نجيب قد حصل في عام 1927 على ليسانس الحقوق، بالإضافة لذلك كانت للرجل مكانة علمية مرموقة فهو مؤلف لعدة كتب قيمة، وكذلك حصل عام 1929 على دكتوراه في الاقتصاد.  كما كان علما عسكريا فقد حصل على نجمة فؤاد الأول مرتين لبسالته، كما حارب في فلسطين 1948 ونال شرف الإصابة فيها 3 مرات، وحصل على رتبة فريق.

***

يكمل لنا جمال حماد جزءا آخر من الصورة:

وفي يوم 18 يناير 1953 أعلن عن إلغاء الملكية التي عدت مدانة بأن كانت دوماً دعامة الامبريالية في البلاد وأعلنت الجمهورية. وفي 23 يونيو جرى احتفال عام ضخم أعلن فيه ممثلو مختلف الطوائف الدينية من مسلمين وأقباط ويهود مساندتهم للنظام المتماشي مع الشرائع الدينية. وطبقاً لعادة تعود إلى بداية الإسلام قام عبد الناصر بقراءة يمين المبايعة لرئيس الجمهورية الجديد، محمد نجيب:

"اللهم إنا نشهدك أنت السميع العليم على مبايعتنا اللواء محمد نجيب قائد الثورة بصفته رئيساً لجمهورية مصر. وأشهد اللهم أيضاً على أننا سننذر للوطن أرواحنا وأموالنا وعلى أن شعارنا سيكون دوماً (الاتحاد والنظام والعمل) والله على ما نقول شهيد والله أكبر. عاشت الجمهورية. والله أكبر والعزة لمصر!"

***

ثم يصف عادل حمودة  مشهدا من مشاهد النهاية الفاجعة: ثم حانت الساعة الفاصلة في نوفمبر 1954 عندما فوجئ الرئيس وهو يدخل قصر عابدين بضباط البوليس الحربي، وإذا بهم يقتادونه إلى فيلا قديمة في ضاحية المرج أقصى شرق القاهرة، على وعد بأن يعود بعد أيام، ولكنه ظل حبيس هذه الفيلا حتى عام 1982، إلى أن نقلوه إلى شقة أكثر ضعة لحين وفاته عام 1984.

***

لم يجد أول رئيس جمهورية مصري من سلوى إلا تربية القطط والكلاب.. طيلة 30 عاما هي فترة إقامته الجبرية في منزل بعيد بضاحية المرج، مُنع من مقابلة أحد حتى إنه ظل لسنوات عديدة يغسل ملابسه بنفسه، حتى سمح له جنوده "ضباط الثورة" بخادم عجوز يرعاه، ولم يقفوا معه عند هذا الحد بل تفننوا في إيلامه وتعذيبه، وانسحب ذلك على أسرته أيضًا وتلك مأساة أخرى، فابنه الأكبر "فاروق" اتهم بمعاداة النظام بعد أن افتعل معه أحد أفراد الشرطة مشاجرة وزج به في السجن ليتعرض لأقسى ألوان التعذيب النفسي والجسدي ثم يخرج ليموت كمدا وقهرا.

والابن الأوسط "علي" الذي كان يكمل دراسته بألمانيا، ويقوم بنشاط هام في الدفاع عن القضية العربية وعن مصر ضد من يهاجمونها، اتُّهم من قبل أصدقاء والده القدامى الذين لم يعجبهم أمره بأنه يريد أن يعيد صورة والده إلى الأضواء، وقُتل في بلاد الغربة وأحضروا جثته، ومُنع الأب رغم توسلاته من شهود دفن ابنه أو الصلاة عليه، ولم يتبق له من الدنيا سوى ابنه الأصغر يوسف الذي تعثر في دراسته، وحصل على شهادة متوسطة ثم التحق للعمل بالحكومة، وتم فصله بقرار رئاسي (!!) ولم يجد أمامه إلا أن يعمل سائقا للتاكسي.

***

انتهت شهادة عماد مطاوع.. والقلب يصرخ: ما سر كل هذه القسوة والدموية..

إن كان جمال عبد الناصر يريد الانفراد بالسلطة فلماذا تعذيب الرجل وقد نال ما يريد..

ولماذا كل هذا الازدراء من هيكل للرجل حين أراد أن يتكلم..

***

شهادة أخرى في مجلة آخر ساعة  العدد: 3490 ترويها ابنة المصور حسين الرملي:

"كان والدي من الأشخاص المعدودين من الزائرين لمحمد نجيب، رغم إجراءات الزيارة المعقدة من الحرس. وهذا غير أن نجيب نفسه كان يرفض مقابلة الناس، لأنه كان متعبا نفسيا، ولكنه كان يستريح عندما يشاهد والدي لدرجة أن والدي يكاد يبكي بعد كل زيارة لنجيب.. لأنه كان يحكي لوالدي عن أولاده التعبانين، وهو مش مهم.. ولكن المهم أولاده، وكان يشدد علي والدي قائلا: 'ودهم وكلمهم واتصل بيهم ياحسين..'..

ومن الأشياء التي كانت مؤثرة في نفس الرئيس 'محمد نجيب' في المعتقل.. هو تصرفات الحرس المستفزة ومراقبتهم الدائمة لتحركاته التي وصلت في بعض الأحيان، أنهم كانوا يراقبونه، وهو يدخل الحمام.."

***

يتحدث عادل حمودة في صحيفة البيان  6/7/2002 فيكشف لنا بعدا آخر للمأساة..

 اليوم الأول لاعتقاله  أحس محمد نجيب بأنه ألقى في الجحيم.. فقد سبقه أحمد أنور قائد البوليس الحربي الى الفيلا.. ووزع 20 نقطة حراسة قوية.. حول السور.. وفوق السطح.. وبين الحجرات.. وكان تسليح الجنود.. مدافع رشاشة.. وقنابل يدوية.. ومدافع صغيرة.. وراح أحمد أنور يتصرف في تلك اللحظة وكأنه قائد يدير معركة حربية شرسة.. وفي تلك اللحظة أيضا سارع الجنود بتجريد الحديقة من أشجارها وبتجريد الفيلا من أثاثها.. وبتجريد محمد نجيب من أوراقه وكتبه وتذكاراته.. وكل ما سمحوا له به هو وزوجته وأولاده: ثلاث حقائب بها ملابسهم الضرورية.  لا يملك سوي أن يحاول كتابة مذكراته.. لكن.. حتى هذه لا يمكن منها..

وفي يوم السبت 20 نوفمبر كتب: «أنا اليوم أفضل.. حاولت ممارسة رياضتي الصباحية لكن تعرضت لسخرية لم أحتملها من الضباط والجنود الذين يراقبونني»..

وفي اليوم التالي كتب: «تليفون من أنور أحمد سبني فيه بأفظع الألفاظ».. وفي يوم الثلاثاء 23 نوفمبر كتب: «فوجئت بمجموعة من الحرس يدخلون علينا الحجرة التي أجلس فيها أنا وزوجتي ويجلسون بيننا.. حاولت أن أثنيهم عن ذلك.. عملوا ودن من طين وودن من عجين»..

وفي اليوم التالي كتب: «لا أجد وسيلة أدافع بها عن أسرتي سوى أن أصلي وأقرأ القرآن وهذا ما جعلني لا أترك سجادة الصلاة ولا المصحف طوال هذا اليوم»..

وكتب يوم الجمعة 28 نوفمبر: «سبني صلاح سالم وقال عني إنني مصاب بالشذوذ.. إلى هذا الحد وصل مستوى هؤلاء الذين رفعتهم من رتبة الذل الى رتبة السلطة والنفوذ.. لو في البلد قانون محترم ما تجرأ أمثال صلاح سالم على أن يقول مثل هذا الكلام ولا حتى أقل منه.. لكني واثق أن الله سيريني فيهم يوما».

***

ينشر عادل حمودة أيضا على بعض هذه النسخ من خطابات نجيب التي أرسلها إلى جمال عبد الناصر يطلب فيها أن يشارك في حرب السويس عام 1956 على أن يعود بعدها إلي منفاه.. وخطاباته إلى عبد الحكيم عامر يشكو فيها مما يلقاه من معاملة الضباط الصغار.. وقد لخصها في تلغراف قال فيه: «السيد المشير عبد الحكيم عامر - النائب الأول لرئيس الجمهورية - القاهرة: أرجو من سيادتكم إرسال مندوب يرى بعينه ما نحن فيه من آلام واعتداءات - التوقيع اللواء محمد نجيب.. العنوان قصر المرج قسم المطرية.. التليفون: 86959 أو 8697575 والتاريخ: 11 أكتوبر عام 1965.

وفي مقال آخر بنفس الصحيفة يوم السبت  13 يوليو 2002  يكتب عادل حمودة أن محمد نجيب كان يرسل برقيات التهنئة إلى جمال عبد الناصر في كل المناسبات القومية والشخصية..

و يذكر أيضا أنه – أي محمد نجيب- ذهب إلى جمال سالم «واحد من مشاهير الضباط الأحرار» لتعزيته في وفاة شقيقه صلاح سالم «عضو مجلس قيادة الثورة اشتهر بتجاوز الحدود الإنسانية مع خصومه».. يقول محمد نجيب:  وقد فوجئ بحضوري وتساءل مندهشا: هل أنت الرئيس نجيب؟.. وهززت رأسي.. فاستطرد متأثرا: هل تعزيني في صلاح بعد كل ما فعلنا فيك؟.. فقلت له: الواجب واجب يا جمال.. وقبل ذلك زرت صلاح سالم وكان مريضا قريبا من الموت وعندما رآني أجهش بالبكاء وأمام أهله وحرسه قال: سامحني يا نجيب لقد حركنا الشيطان الرجيم ضدك.. ووجدت نفسي صامتا عاجزا عن حبس دموعي..

***

يقول عادل حمودة:

إن صلاح سالم الذي راح محمد نجيب يزوره مريضا ويقرأ الفاتحة عليه ميتا كان قد تخصص في التشهير به.. وادعى عليه ما لا تحتمله رجولة رجل.

***

كلمات محمد نجيب ورسائله تفتت الصخر..

لكن هناك قلوبا أشد من الصخر قسوة..

ولم يكن الإفراج عنه يمثل أي خطورة بعد أن قام الجهاز الإعلامي الجبار بغسيل مخ الناس..

***

يا محمد حسنين هيكل.. ألم يقع في يدك و أنت تجمع أوراق الثورة والوطن والتاريخ وجمال عبد الناصر.. ألم يقع في يدك خطاب محمد نجيب إليه عام 1956.. والرجل يتوسل.. ويتذلل  كي يفلت من الورطة التي أوقعته فيها بطولته وسلامة طويته واستراتيجية جمال عبد الناصر للانفراد بالسلطة.. وتأييدك لكل هذا يا محمد حسنين هيكل..

.. ألم يقع في يدك يا محمد حسنين هيكل خطاب أرسله له محمد نجيب من بلدة أطلق عليها اسم "س" في الصعيد كان قد خطف إليها أثناء حرب السويس بعد أن تردد أن بريطانيا ستنزل بالمظلات فوق بيته في المرج وتفرضه مرة أخرى رئيسا للبلاد بعد أن تتخلص من جمال عبد الناصر.. أما وصفه المكان ببلدة "س" فسببه أنه لم يكن يعرف إلى أين حملوه بالضبط؟.

يقول خطاب محمد نجيب:

شخصي وسري جدا وعاجل وهام.. بسم الله الرحمن الرحيم.. بلدة س.. في يوم الاثنين 2 ربيع الثاني 1376 الموافق 5 نوفمبر 1956. الى السيد الرئيس جمال عبدالناصر: السلام عليكم ورحمة الله ـ وبعد.. فلست هازلا أو محاولا الدعاية لنفسي أو أن أتخلص من الوضع الذي أنا فيه ولكني مؤمن بصدق ما أقول لما تعلمه عني من أخلاقي ومن ميزاتكم الفريدة القدرة على معرفة الرجال كما أن أي رجل شجاع أو وطني صميم يستطيع بسهولة أن يؤمن بصدق ما أسطره إليكم الآن.

أريد أن نضرب للمواطنين بل للعالم أجمع مثلا جديدا على إنكار المصريين لذواتهم وعلى تضحيتهم بكل شئ في سبيل الوطن.. أريد أن ننسى كل شئ ونقف رجلا واحدا ندافع عن شرف مصر في هذه الساعة الحرجة من تاريخنا.. أريد أن تأمر بتمكيني من أعز أمنية وهي المشاركة في أقدس واجب وأشرفه وهو الدفاع عن البلاد.. لا كقائد أو ضابط بل كجندي عادي في جبهة القتال وباسم مستعار وتحت أية رقابة تشاءون دون أن يعلم أحد بذلك إلا من تقضي الضرورة بعلمهم.

وإني تأكيدا لإخلاصي أقول أنه لو خامركم أدنى شك فيما ذكرت فإني مستعد للقيام بأي عمل انتحاري كقيادة طوربيد أو أن أسقط محاطا بالديناميت على أي هدف مهم من أهداف العدو على نمط ما يصنعه اليابانيون.. وإني أؤكد لك أني إذا بقيت حيا بعد القتال فسأعود وأسلم نفسي لإعادتي إلى الاعتقال وأعدكم بأثمن ما أملك وهو شرفي العسكري فإذا أجبتم رجائي هذا غسلتم كل ما لحقني من آلام.. والسلام عليكم ـ المخلص لواء أ.ح محمد نجيب «توقيع».

***

هل هو مهم الآن أن نروي قيام أحمد أنور بضربه بالحذاء وهو رئيس للجمهورية  ( ضرب  المجرم  أحمد أنور أيضا رموزا لمصر بحذائه منهم الشهيد عبد القادر عودة و أحمد حسين وعمر التلمساني)..

هل مهم الأن أن نعود إلى عام 56  حين فوجئ محمد نجيب  بحضور ضابطين من البوليس الحربي هما جمال القاضي ومحمد عبد الرحمن نصير ليطلقا عليه سيلا من الشتائم .. ويصف محمد نجيب ما حدث: حاولت وقفهما بصرخة احتجاج فإذا بضابط منهما يرفع يده إلى صدري ويلكزني فيه، ودارت بي الدنيا وهانت علي الحياة وهممت بالهجوم عليه لكن أيدي الجنود حالت بيني وبينه.

***

يتدهور الحال بالسيد الرئيس محمد نجيب .. الذي بايعه جمال عبد الناصر.. فيكتب استرحاما إلى المجرم أحمد أنور الذي ضربه بالحذاء وهو رئيس للجمهورية لصالح عبد الناصر..

***

عندما اختطفوه  إلى  الصعيد أثناء العدوان الثلاثي ذهبوا به إلى بيت شقيقة أحمد أنور..

وبقى هناك في غرفة رطبة 51 يوما تحت حراسة مشددة كانت تنام معه داخل الغرفة.. وكثيرا ما كان جنود الحراسة يقولون له إنه سيقتل الليلة وعليه أن يقرأ الفاتحة على روحه..

يقول محمد نجيب:  ولم أكن أشعر بالخوف من هذا الكلام بل على العكس كنت أتمنى الموت فعلا ولكني كنت أرفض الانتحار.

***

أيامها راجت نكتة حزينة دامية..

تقول النكتة:

وفي السجن التقى ثلاثة لا يعرفون بعضهم وبدءوا الحديث لتمضية الوقت فسأل أحدهم  الأول حول سبب سوقه إلي السجن فقال لأنه شتم محمد نجيب . وسأل هذا الشخص  السجين الثاني عن سبب وجوده في السجن فقال لأنه حيّا محمد نجيب ، وحينما سأل الاثنان الثالث عن سبب وجوده في السجن أيضا اخبرهم بأنه هو محمد نجيب .

***

لم يكن محمد نجيب من الإخوان المسلمين.. ولا هو يمثل الشخصية التي نندم بشدة عليها فقد كان عسكريا مثلهم.. وعندما علم أن أحمد حسين يخطب خطبا حماسية أمر بوقفه بأي طريقة لأن الشعب المصري " ما يمشيش إلا بالكرباج".

كان جمال عبد الناصر قد استخدم كل أنواع الحيل – بل والغدر – كي يصفي كل معارضيه في الجيش وليضمن ولاءه..

وحاول محمد نجيب – رئيس الجمهورية – أن يعادل قوة الوفد بقوة الإخوان..

***

كانت مصر قد فقدت عقلها وضميرها وقدرتها على الحكم والتمييز والمقاومة..

وكان الإخوان – ومعهم نجيب- قد أخطئوا خطأ العمر حين لم يستولوا تماما على الحكم في 27  فبراير 1954..

كانت الفرصة التي لا تلوح إلا مرة..

وقد ضاعت بسبب تردد محمد نجيب وسذاجته.. وبسبب سلامة نية الإخوان والتزامهم الديني الذي يمنعهم من الخيانة والغدر.. وكان الطرف الأخر يخون ويغدر ويخدع حتى سحقهم جميعا.. و اعتقلهم وسجنهم وحاكهم مجنونه جمال سالم و أعدمهم..

يصف  الأستاذ عمر التلمسانى أحوال السجون والمعتقلات في تلك الفترة فيقول: لقد كان الضباط في أجهزة الأمن والسجون يجمعون معلومات من هنا وهناك ثم يطلبون من الأخ المعتقل أن يكتبها بخط يده ويعترف بأنه ارتكب أفعالا معينة فمن رفض كان يعذب حتى الموت فقد مات كثيرون بل عشرات من الإخوان من التعذيب للأعتراف بمسائل لا يعلمون عنها شيئا ولا دراية لهم بها .. حقا لقد حصل تعذيب في الحصول على الاعترافات بالغ الشناعة والبشاعة فيما يختص بالاخوان البعض استجاب والبعض الآخر لا يدرى شيئا ولا يعلم شيئا فمات  من التعذيب " .

.. وامتد التخطيط المرسوم بدقة ليكمل الصورة ففي الجلسات الأولى للمحكمة الصورية ورد اسم ـ أو أريد لاسم محمد نجيب أن يرد ـ في خلال مناقشة المحكمة لأقوال هنداوى دوير المحامى وأن هناك اتفاقا تم بين محمد نجيب والإخوان أن يقوم محمد نجيب بمسايرة الإخوان بعد اغتيال الرئيس عبد الناصر وأعضاء مجلس قيادة الثورة وفي نفس اليوم وفي نفس اليوم أطاح عبد الناصر بآخر وجه كان ينافسه الشعبية الجماهيرية وصدر قرار مجلس قيادة الثورة بتنحية محمد نجيب من رئاسة الجمهورية وإبعاده من مجلس قيادة الثورة لينفرد عبد الناصر بحكم البلاد دون منافس أو معارض واحد !!

أما ما دار في " كواليس " هذه المهزلة  التي سميت محاكمة فهناك الكثير كانت أسئلة المحامين تستهدف إدانة المتهمين وليس الدفاع عنهم وإيجاد الثغرات  والظروف المخففة لهم..ووجه جمال سالم من ألفاظ السباب ما يعف اللسان عن  ذكره وكان يكره بعض المتهمين على الاعتراف بالتهديد ولم يكن يسمح لمتهم أن يلتقي بمتهم آخر وكان يسمح للجمهور الذي يحضر المحاكمات أن يشارك المحكمة في ممارسة السخرية والاستهزاء بالمتهمين .

أما صحافة تلك الفترة فكانت صحافة موجهة مزيفة للحقائق فقد أفاضت في ذكر الاتهامات وإلصاقها بقيادات وأعضاء الإخوان وتبارت فيما بينها في توجيه أفظع السباب والشتائم لجماعة الإخوان ولم تنشر سطرا واحدا من محاورات الدفاع وإنما كانت كل مساحتها مخصصة للإدعاء ـ والقول بأن محاولة اغتيال عبد الناصر كانت جزءا من مخطط شامل أومؤامرة كبرى للإطاحة بنظام الحكم والقضاء على " الثورة ".

كانت تلك الصحف هي الأم الشرعية لصحف الخيانة والكذب  الدعارة والمخدرات والشذوذ التي تنتشر بيننا الآن.. في القرن الحادي والعشرين..

***

سوف نوافق – جدلا على ما حدث للإخوان المسلمين..

فلماذا حدث للوفد ما حدث..

ولماذا حدث لمحمد نجيب ما حدث؟..

***

نحن أمام شهوة هائلة للانفراد بالسلطة..

شهوة عارمة لا تبقي ولا تذر..

شهوة قاسية باردة لا تتورع عن أي فعل..

شهوة عاقلة تحمل فكرا استراتيجيا مخططا بمهارة يعرف قبل أن يبدأ خطوته الأولى ماذا ستكون خطوته الأخيرة.. مهما كانت التفاصيل والعقبات والعوائق..

***

يقول جمال حماد: " وفي الوقت الذي تمت فيه تصفية العناصر المنافسة والمناوئة من العسكريين وخلا الجو تماما لعبد الناصر داخل القوات المسلحة بفضل مؤازرة صديقه الحميم عبد الحكيم عامر القائد العام كانت الخطة تنفذ بدقة ومهارة لإحكام السيطرة على الساحة السياسية في مصر عن طريق الإطاحة بكل القوى السياسية التي كانت موجودة على المسرح عند قيام الثورة في 23 يوليو 1952 ففي 10 ديسمبر 1952 صدر القرار بإلغاء دستور عام 1923 وفي 16 ينار 1953 صدر القرار بحل جميع الأحزاب السياسية ومصادرة جميع أموالها لصالح الشعب وقيام فترة انتقال مدتها ثلاث سنوات وفي 18 يناير1953  ولحماية حركة الجيش من رقابة القضاء صدر مرسوم بقانون باعتبار التدابير التي اتخذها رئيس حركة الجيش لحماية الحركة ونظامها من أعمال السيادة، العليا أي لا تخضع لرقابة القضاء وفي 15 فبراير 1953 صدر الإعلان الدستوري بإعلان الدستور المؤقت الذي تقرر أن تحكم مصر بموجبه خلال فترة الانتقال.

وفي مطلع عام 1954 لم يكن باقيا في الساحة السياسية في مصر سوى جماعة الإخوان المسلمين التي أسهمت بدور بارز في مؤازرة حركة الجيش قبل قيامها وكذا بعد قيامها مما دعا قيادة الحركة إلى عدم تطبيق قرار مجلس الثورة الذي  صدر في 16 يناير 1953 بحل الأحزاب على جماعة الإخوان المسلمين. ولكن الخلافات العميقة التي نشبت بين مجلس الثورة وجماعة الإخوان المسلمين أدت إلى صدور قرار المجلس في 14 يناير 1954 باعتبار الجماعة حزبا سياسيا ورضوخها بالتالي لقرار حل الأحزاب الذي صدر منذ عام سابق وترتب على ذلك القرار حل جماعة الإخوان المسلمين ومصادرة أموالها وممتلكاتها والزج بقادتها في أعماق السجون. وعندما اشتد الصراع بين عبد الناصر ومحمد نجيب وأعلن مجلس الثورة قبوله لاستقالة محمد نجيب يوم 25 فبراير 1954 لعب الإخوان المسلمون رغم حل جماعتهم دورا بارزا في إعادة محمد  نجيب إلى السلطة مساء27 فبراير عن طريق المظاهرات الشعبية الضخمة التي نجحوا طوال اليوم في حشدها وفي تولى قيادتها في شوارع القاهرة وميادينها خاصة ميدان عابدين.

وقد اضطر مجلس الثورة تحت الضغط الشعبي وتحت ضغط الرأي العام في الجيش خاصة في سلاح الفرسان إلى إصدار قرارات 5 و 25 مارس الديمقراطية التي تقرر فيها عودة الحريات والأحزاب والحياة. الدستورية إلى البلاد. ولكن عبد الناصر مع طائفة من زملائه كانوا يأتمرون للنكوص عن هذه القرارات والاستمرار في الحكم العسكري وكان  خوفهم الوحيد "أن تتكرر المظاهرات الشعبية الضخمة التي ملأت شوارع القاهرة يوم 27 فبراير والتي تزعمها بعض قادة الإخوان المسلمين للمطالبة بعودة محمد نجيب وعودة الحياة الديمقراطية مما كان كفيلا بإفشال المخطط الذي دبروه وهو قيام مظاهرات مأجورة تجوب شوارع العاصمة للهتاف ضد الديمقراطية والحريات والمطالبة بتراجع مجلس الثورة عن قراراته. ونظرا لأن الإخوان المسلمين كانوا هم القوة الوحيدة المنظمة و التي كان عبد الناصر يخشى من تواجدها في الشارع لذلك قام بلعبة بارعة لكي يضمن سكوت الإخوان المسلمين وابتعادهم مؤقتا عن حلبة الصراع فقد تم الإفراج عن زعمائهم المعتقلين وهرع عبد الناصر إلى زيارة المرشد العام حسن الهضيبى عقب الإفراج عنه في منزله بعد منتصف الليل ومضى في سياسة التهادن مع الإخوان المسلمين بمنحهم الوعود عن قرب استئنافهم لنشاطهم السياسي ريثما تم إلغاء قرارات 5 و 25 مارس الديمقراطية والتخلص من الجبهة المعارضة للدكتاتورية العسكرية داخل الجيش والمتمثلة في ضباط سلاح الفرسان ثم تحجيم زعامة ودور محمد نجيب بإرغامه على الاكتفاء بتولي منصب رئيس الجمهورية بدون سلطات حتى  تم  في النهاية تنحيته عن منصبه بعد بضعة أشهر. وسرعان ما ظهرت  نوايا عبد الناصر الحقيقية تجاه الإخوان المسلمين بعد أشهر ثلاث  فقط من سياسة الملاينة والمهادنة التي اتبعها معهم فلم يكد يا حادث محاولة الاعتداء على حياته في مساء26 أكتوبر 1954 خلال الاحتفال الكبير الذي أقيم في ميدان المنشية بالإسكندرية بمناسبة توقيع اتفاقية الجلاء بين مصر وبريطانيا والذي اتضح أن الذي قام به عامل يدعى محمود عبد اللطيف ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين حتى كشف عبد الناصر عن خبيئة نواياه وتعرضت الجماعة لمحنة دامية لم يسبق لها مثيل فقد قامت علم أثر الحادث حملة اعتقالات واسعة النطاق شملت عدة آلاف من الإخوان المسلمين وتشكلت محكمة عسكرية سميت بمحكمة الشعب برئاسة جمال سالم وعضوية أنور السادات وحسين الشافعي وأصدرت المحكمة حكمها بالإعدام شنقا على سبعة أفراد هم المرشد العام حسن الهضيبى ومحمود عبد اللطيف وعبا القادر عودة ويوسف طلعت وإبراهيم الطيب وهنداوى دوير ومحمد فرغلى وقد خفف الحكم على حسن الهضيبى إلى السجن المؤبد لكبر سنه ومرضه بينما نفذ حكم الإعدام في الستة الآخرين . وكانت ثلاث دوائر عسكرية فرعية من محكمة الشعب قد تشكلت في نفس الوقت ومثل أمامها في قفص الاتهام آلاف من الإخوان المسلمين وبلغ عدد الذين حكمت عليهم محاكم الشعب من الإخوان 867 شخصا سواء بالحكم بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤكدة." وهذا العدد لا يشمل الأحكام العسكرية.. كما لا يشمل أحكام البراءة التي لم تنفذ فظل الأبرياء في السجن.. يسخرون من حالهم فيقولون أنهم قد حصلوا على حكم : "بالبراءة مع وقف التنفيذ"!!..

***

التسلسل عبقري وسواء كان حادث المنشية مدبرا أو مصطنعا .. وسواء دبره محمود عبد اللطيف  أو جمال عبد الناصر نفسه أم خبير في المخابرات الأمريكية.. وحتى لو لم يحدث قط.. لم اختلف التسلسل في أي شيء.

***

راقبوا يا قراء ولاحظوا..

أنتم لا تتعاملون مع أفعال وردود أفعال بل تتعاملون مع خطط سابقة التجهيز تتلمس لها الذرائع فإن لم توجد اختلقت.. و إلا فهل كان الحمار المالطي سبب احتلال مصر أكثر من سبعين عاما؟؟..

هل كانت أسلحة الدمار الشامل سبب غزو العراق؟..

هل كان جرح الدبلوماسي الإسرائيلي في لندن عام 82 سبب غزو لبنان؟..

***

لدينا شاهدان من الضباط الأحرار يؤيدان ما نقول ويتفقا معا من أن سحق الإخوان كان لا مفر منه..

في برنامج  قناة الجزيرة الشهير: " شاهد على العصر"  يسأل المذيع والصحافي أحمد منصور السيد حسين الشافعي نائب رئيس الجمهورية الأرسبق عن سبب اشتراكه في الحكم بالإعدام على الشهيد عبد القادر عودة رغم أنه لم يكن ثمة شبهة عليه في حادث المنشية.. ويجيب حسين الشافعي:

"تعلم أن الذي يضع نفسه في موضع شبهة في ظروف ثورية،لابد أن يكون مستعدًّا أن يلقى شيئًا يتجاوز حدود الذي قام به،لأنه أن يقف في الشرفة إلى جانب(محمد نجيب)في المرحلة التي كانت فيها الأزمة،ويرفع عصًا عليها منديل مخضبٌ بالدماء في(عابدين)في استقبال المظاهرة التي كانت موجودة،هذا في حد ذاته عمل كبير جدًّا،يضع نفسه موضع شبهة،قد يكون الجزاء فيها استشعارًا لخطر هذا المظهر بالنسبة لردود فعله".

وهذا اعتراف كامل من حسين الشافعي بأن الشهيد عبد القادر عودة قد أُعدم بسبب شعبيته الطاغية وسيطرته على الجماهير..

هذا اعتراف كامل من عضو محكمة خارجة على الشرعية تحاكم وتعدم رجلا لأنه ساعد رئيس الجمهورية محمد نجيب..

هذا إرهاب و إجرام..

وهذه عصابة..

لكنه ليس إرهاب الإخوان المسلمين بل إرهاب الضباط الأحرار الذين انقلبوا على الشرعية وعلى رئيس الجمهورية..

وسينتظر جمال عبد الناصر ثلاثة عشر عاما حتى يقولها بنفسه: "البلد كانت بتحكمها عصابة" وكان يقصد مجموعة المشير وصلاح نصر..

لكن هؤلاء لم يكونوا سوى جزء من العصابة..

***

نعود إلى حسين الشافعي.. يسأله أحمد منصور:

-  بعد 45 عامًا من المحاكمة،أنت ترى أن(عبد القادر عودة)حُوكم-في هذه المحكمة-على موقفه الذي وقفه من قبل؟

حسين الشافعي:

على كل حال،المرء يقول أنه في الثورات يمكن أن تحدث أمور فيها تجاوزات(...)..

أحمد منصور:

- .. هناك شخصيتان ممن حُكم عليهم بالإعدام،كانا مطلوبين من البريطانيين بسبب بطولاتهم في حرب(فلسطين)،وفي المقاومة المسلحة في عام 1950 ..

ولا يحير الشافعي جوابا .. فيدافع عن نفسه بكلمات عامة.. لكن هذه الكلمات العامة كانت كارثة أخرى.. فهو يشبه الثورة بالشمس.. لها فلكها ومدارها.. وما دامت قد بزغت فليس مسموحا لأي كوكب آخر أن يظهر معها و إلا كان ككوكب يخاطر بالاصطدام مع الشمس وعليه أن يتحمل نتائج مخاطرته..

الحوار يوجز الأمر:

حسين الشافعي(مقاطعًا):

- على أن الناس تعرف أن هناك فلك واحد لابد أن تمشي فيه..

أحمد منصور(مقاطعًا):

- والذي لا يريد أن يسير في إطار هذا الفلك؟

حسين الشافعي:

- إذن يعمل فلكًا جديدًا،ويصطدم،وإذا اصطدم لابد أن يتحمل مسئولية اصطدامه.

أحمد منصور:

- الآن-سعادتك-تستند للأسانيد الإيمانية في هذا الأمر،وهناك-أيضًا-بعض المراقبين أو المحللين-ربما يكونون من المستقلين-الذين يقولون أنه لم تحدث عملية قتل أصلاً،فكيف يُقْتَل ستة أفراد دون أن يكون هناك دم بدم،أو نفس بنفس؟

حسين الشافعي:

هذا رأيك،فأنت وما ترى.

أحمد منصور:

- لا،أنا أسأل سعادتك،وليس رأيي أنا،أيْ-الآن-النفس بالنفس،و(عبد الناصر)لم يُقْتَل،وحكم بالإعدام على ستة،وأعدموا بالفعل في ظل مقياس النفس بالنفس،أنا نفسي أسمع شهادتك للتاريخ بنفس الوضوح الذي تتحدث به سعادتك،أنا أعرف أن هذا أمر قاسٍ،لكنْ أنا أكرر شكري لك على أنك قبلت أن تتحدث فيه،وفي نفس الوقت آمل أن تقول شهادتك فيه التي ستُسأل عنها أمام الله-سبحانه وتعالى؟

حسين الشافعي:

والله،نحن سنحاسب لا بواسطة(قناة الجزيرة)،إنما هو الله،هو الذي سيحاسبنا،وما حدث لظروف واعتبارات تضع مصلحة الوطن والبلد في الاعتبار الأول،و"اللي يشيل قربة مقطوعة،تخرّ على دماغه".

***

يا إلهي..

اللهم إني أستغفرك و أتوب إليك من أي كلمة تقريظ كتبتها في حسين الشافعي بسبب موقفه من السادات ومن مبارك..

أستغفرك و أتوب إليك..

***

خالد محيي الدين كان أكثر اختصارا ووضوحا :

" تصفية الجماعة كانت أمرا لازما لأن الثورة بقيادتها وحكمها لا يمكن أن تقبل أبدا بوجود قوة أخرى معها خصوصا وأن تلك القوى مسلحة. وأي حاكم كان يجب أن يفعل ذلك. الإخوان لا يريدون أن يفهموا ذلك ولا يريدون أن يفهموا وضعهم الآن  . " حديث منشور في مجلة فلسطين.

***

بقي أن نستمع إلى شهادة أخري للأستاذ أحمد حسين ( نشرتها صحيفة الشعب في مذكراته عام 1982) .. يقول أحمد حسين:

     نحن الآن في عام 1955 أفرج عنى وتنازلت عن القضية ولكنني ظللت مجروحا فلم يحدث في كل تاريخي النضالي أن أهنت كما أهنت واعتدى على كما اعتدى على في ظل الثورة ووقعت الواقعة: أطلق الرصاص في ميدان المنشية على جمال عبد الناصر وكان الضارب يدعى محمود عبد اللطيف من الإخوان المسلمون وعلى الرغم من أن عبد الناصر نجا فقد ظن أنه أصيب في مقتل وراح يثرثر بكلام فارغ يكشف عما في عقله الباطن 000 فراح يخاطب الشعب بقوله : غرست فيكم العزة والكرامة 0 واستغل هذا الحادث للبطش بالإخوان المسلمون وتألفت محكمة خاصة لمحاكمتهم وقضت على زعمائهم بعقوبات قاسية وعلى الرغم من أن واحدا منهم وهو عبد القادر عودة .. كان مسجونا قبل وقوع الحادث فلم ينج من عقوبة الإعدام وفزعت من هول المحاكمة .. ومن فظاعة أحكامها وأدركت أننا أصبحنا نعيش في ظل عهد جديد. حيث لا قانون ولا حدود وإنما إرادة الحاكم ومطلق مشيئته. فقررت أن أهاجر من مصر .. وإذا كان الوقت هو موسم العمرة، فقد قررت أن أسافر إلى السعودية طلبا للعمرة.. ومن السعودية أختار البلد الذي أتوجه إليه، وإمعانا في التمويه والتعمية طلبت مقابلة عبد الناصر لأستأذنه في السفر. وبالرغم من أننى كنت مقررا أن لا أتحدث في غير التحيات والسلامات والمجاملات العادية. فقد كان هو الذي دفعني للكلام. حيث لم أتمالك نفسي عن نقده سألني وما رأيك في الإخوان المسلمون قلت : إنك تعرف رأيي – أقصد الموقف الأخير . ووجدتني أندفع بلا وعى أندد بإعدام عبد القادر عودة. قلت : لقد كان باستطاعتك أن توفر 50% من النقد الذي وجه إليك لو وفرت حياة إنسان واحد وأسرع يقول : تقصد عبد القادر عودة؟ قلت نعم فإن عبد القادر عودة برئ من الحادث الذي وقع عليك، كما أنه برئ من أعمال العنف ومضيت أترافع في حماسة! هناك ثلاثة أدلة يكفي كل واحد منها لتبرئة عبد القادر عودة. وقد ثبتت كلها أمام المحكمة :

الأول : أنه كان سجينا قبل وقوع الحادث بعدة أسابيع .

الثانى : أنه اقترح من بعض الأعضاء القيام بمظاهرة مسلحة، فاستنكر عبد القادر عودة هذا الاقتراح بشدة .

الثالث : أن البعض اقترح بمظاهرة سلمية فرفض عبد القادر عودة القيام بأية مظاهرة .

     وأصغى جمال عبد الناصر لمرافعتي ثم قال :

     - والله يا أحمد نحن لم ننظر للأمر من الناحية القانونية – بل نظرنا إليه من الناحية السياسية .

     غادرت مصر إلى السعودية، وأنا لا أكاد أصدق أنني هربت من الجحيم الذي أصبح الأبرياء فيه – يعدمون لأسباب سياسية .. وبعد أن أديت مناسك العمرة وجاء وقت الرحيل رحلت ولكن لا إلى مصر – بل إلى سوريا..

***

إنني أحترم المجاهد أحمد حسين كثيرا لكنني لا أوافقه فيما ذهب إليه..

لقد كان قتل الشهيد عبد القادر عودة جريمة.. وكذلك قتل الآخرين جميعا.. ومن قتل نفسا منهم فكأنما قتل الناس جميعا..

***

إعدام عبد القادر عودة إذن كان لسبب سياسي..

حياة إنسان تنهى لسبب سياسي..

قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق تهدر لسبب سياسي..

والسؤال هو..

لا..

ليس سؤالا..

إنها إجابة..

لقد دبر حادث المنشية كله لهدف سياسي..

***

 يقول الأستاذ  الأستاذ عباس السيسي   في كتابه :"حكايات  عن الإخوان"..

" وهم الذين رسموا له خطة تصفية الإخوان المسلمين من خلال حادث إطلاق الرصاص عليه في ميدان المنشية بالإسكندرية قبل نهاية 1954، أو المسرحية المرسومة دون إتقان للقبض على عشرات الآلاف من أبناء الإخوان المسلمين، وأنا أكتب هذا الكلام دون أن يكون إلى أدنى ارتباط بهم. ولكن ما حدث بعد إطلاق الرصاص أثار الشعب بأكمله، فالمفروض أن يتم القبض على مدبري الحادث والمحرضين عليه.. خمسة، عشرة، خمسين رجلاً، وليس الإخوان المسلمين بأكملهم00 ومن هنا قال الشعب المصري والمراقبون اليقظون: " ليس هذا بتصرف غاضب بل تخطيط للتصفية!" تماماً كما فعل "هتلر"  حين أمر أعوانه بحرق البرلمان الألمانى0"

***

نعم..

تخطيط للتصفية..

تخطيط استراتيجي عبقري كانت آخر خطوة فيه محسومة قبل الشروع في الخطوة الأولى..

هل كان جمال عبد الناصر يجرؤ على كل هذا العبث بالدستور لولا حادث المنشية..

هل كان جمال عبد الناصر يجرؤ على أول استفتاء في التاريخ ينجح فيه الحاكم بنسبة 99و99%  لولا حادث المنشية..

وهل كان ممكنا أن تنشر الأهرام موضوعاتها الداعرة في تمجيد ذلك كله لولا حادث المنشية..

***

سوف نعود إلى جمال حماد ليحكي لنا عن المصائب التي جرت:

".. وفيما يتعلق بالدستور كانت لجنة خاصة قد شكلت بقرار من مجلس الثورة في 13 يناير 1953 لوضع مشروع دستور جديد بعد إلغاء دستور عام 1923 وقد روعي في تشكيل اللجنة التي ضمت 50 عضوا أن يمثل أعضاؤها مختلف الأحزاب والطوائف والهيئات علاوة على أن يكون من بينهم طائفة من جهابذة رجال القانون في مصر. واستمرت هذه اللجنة التي كان يرأسها على ماهر هي ولجانها الفرعية تعمل عملا دائبا لمدة عامين كاملين حتى انتهت من إعداد مشروع دستور جديد يتمشى مع أحدث وأفضل الدساتير في العالم وأقرته اللجنة الفرعية للصياغة وأحيل في 17 يناير 1955 إلى رئيس مجلس الوزراء وقتئذ جمال عبد الناصر لاستطلاع رأيه قبل عرضه على اللجنة العامة تمهيدا لإصداره. ولكن عبد الناصر تجاهل هذا الدستور الذي أنفقت لجنة الدستور عامين كاملين في إعداده والتي استرشدت في صياغته بأبرز وأهم النظم الدستورية في العالم واكتفي بأن عهد إلى مستشاره القانوني الخاص محمد فهمي السيد (قريب السيدة قرينته) بوضع دستور آخر بمعاونة المكتب القانوني برئاسة مجلس الوزراء الذي كان يتولى رئاسته. وبعد دراسة استغرقت بضعة أشهر تم إعداد مشروع الدستور الجديد الذي عرض على مجلس الثورة وعلى مجلس الوزراء في أيام 10 و 11 و 13 يناير وبعد التصديق عليه صدر الدستور الجديد في 16 يناير عام 1956 أي في نهاية السنوات الثلاث التي حددت من قبل كفترة انتقال لإقامة حكم ديمقراطي سليم. ودعى الشعب إلى استفتاء عام في 25 يونيو 1956 على الدستور الجديد وعلى رئاسة الجمهورية وقد حصل عبد الناصر في الاستفتاء على رئاسة الجمهورية على 99.9% وهى نسبة لم يسبق لها مثيل من قبل في تاريخ الاستفتاءات في العالم كما كانت نتيجة الاستفتاء على الدستور هي 99.8% في صف الموافقين عليه."

***

حتى جمال حماد.. وهو ليس من الإخوان المسلمين ولا من الوفد ولا من مصر الفتاة.. بل إنه زميل جمال عبد الناصر..من الضباط الأحرار ..  حتى هو لا يحتمل فيصرخ:

" ولعل خير ما نستدل به على مدى النفاق السياسي الذي كان سائدا في تلك الفترة أن نطلع على ذلك المقال الذي نشر بجريدة الأهرام العدد الصادر في 26 يونيو 1956 الذي نشرت فيه نتائج الاستفتاء بالعناوين الضخمة في صدر الصفحة الأولى وهو بالطبع صورة تكاد تكون طبق الأصل مما نشر في الصحف الأخرى  وقد ورد في هذا المقال ما يلي بالحرف:

(فاز الرئيس جمال عبد الناصر برئاسة الجمهورية بنسبة عددية قدرها 555. 5.494 وبنسبة مئوية قدرها 99.9%، فوز إجماعي ساحق بل وفوز تاريخي لم يحصل عليه مرشح في أي انتخاب ولم يتح مثله لرئيس أو زعيم. وفي هذه الأرقام  الدليل القاطع والبرهان الدامغ على مبايعة الشعب الإجماعية للسيد  الرئيس وتقدير جهده وجهاده من أجل مواطنيه وبلاده لاسيما إذا وضعنا في الحساب ما امتازت به هذه الانتخابات من حرية ونزاهة  وسرية وهدوء لم تشهدها البلاد في سلسلة حياتها النيابية. وإذا قورنت هذه النسبة الإجماعية التي فاز بها السيد الرئيس عبد الناصر بما ناله رئيس جمهورية أمريكا أو ألمانيا الغربية أو رئيس وزراء بريطانيا لكانت ضئيلة أمام النسبة التي نالها الرئيس  جمال عبد الناصر. فقد فاز " ايزنهاور " رئيس جمهورية الولايات  المتحدة في الانتخابات الأخيرة بنسبة لا تتجاوز 33.86%  وفاز " اديناور " رئيس جمهورية ألمانيا الغربية في انتخابات 1953 بنسبة لا تزيد على 86.2% وفاز حزب المحافظين بالحكم في إنجلترا بنسبة بلغت 38.26%. ونال الدستور كذلك  موافقة إجماعية بنسبة عددية قدرها 5.488.225 وبنسبة ه قدرها 99.8% وهى نسبة تبلغ حد الكمال وتدل أرقامها يقظة الوعي القومي وتقديره) انتهى مقال الأهرام.

وبتولي عبد الناصر رئاسة الجمهورية وتصديق  الشعب على الدستور الجديد أصبح مجلس قيادة الثورة منحلا وأصبح " الناصر هو صاحب السلطة الشرعية في البلاد .

***

ألا يحدث أبدا أيها القارئ  أن تري شخصا لم تقع عليه عينك قبل ذلك أبدا لتصرخ: أنت أخو فلان أو ابن فلان أو قريب فلان أو من عائلة فلان..؟! وتكون مصيبا..

ألم تفكر أيها القارئ أن مذبحة المنشية تمت بصلة القرابة إلى مذبحة المماليك..  و أن مذبحة مؤامرة المشير و مذبحة 15 مايو من نفس العائلة غير الكريمة.. و أن كل هذا ينبع من نفس ينبوع الغدر والخيانة..

***

ألا يحدث أحيانا أيها القارئ أنك تشهد موقفا فيذكرك بأخر.. وشتان ما بين الموقفين..

هل تذكرون فتاة العتبة التي اغتصبت جهارا أمام المئات.. وأربعمائة ديوث لم يحرك منهم ديوث ساكنا ولم ينتفض منهم لصون العرض أحد..

ألم يذكركم هذا الموقف أيام حدث بموقف الأمة العربية والإسلامية تجاه العراق وفلسطين..

هذه الآلية النفسية التي تقوم مقام الأمثلة في الرياضة والرمز في الأدب والنبوءة في الأسطورة..

ألم تجعلكم هذه الآلية نفسها تربطون ما بين  اعتزال هيكل وتنحي عبد الناصر

نفس الآليات النفسية..

نفس الانهيار ونفس الفشل..

نفس الهزيمة ونفس النكسة..

المشروع العسكري العلماني التحديثي..

والمشروع الفكري..

المشروع الفكري الذي ظل هيكل يكرسه نصف قرن ليحيط به بلاد العرب بسياج العروبة.. هذا المشروع أقصى ما وصل إليه هو تأمين قصر العروبة..

نعم ..

تأمين قصر العروبة لشاغليه و أنجاله..

هذا هو الجزء الباقي من الناصرية ومن الضباط الأحرار شئنا أم أبينا..

وفي أحاديث هيكل الأخيرة المفعمة بالأسى واليأس لم يفصح هيكل عن سبب ذلك.. بل الأقرب أن كل ما قاله إنما كان ليخفيه..

لقد كان هيكل شريكا في كل شئ.. في الحرب والسلام والفن.. و أيضا في نصب المشانق والتعذيب.. وكان أسوأ ما فعله أن قدم لنا صورة خيالية تجعلنا الآن نصرخ:

" الثورة .. لم تكن كذلك"..

"و هيكل.. ليس كذلك"..

وتلك الصورة المثالية الحالمة ليست كذلك..

والبطولة والإبهار والمجد والزعامة و الإلهام والفكر والحكمة والقداسة والعصمة والصواب المطلق ونفي الآخر وادعاء أن الآخر كان شيطانا رجيما ... كل ذلك لم يكن كذلك..

نعم.. برنامج صناعة النجم غير الحقيقة وألبس الحق ثوب الباطل والباطل ثوب الحق..

كل ذلك.. لم يكن كذلك ..

لذلك فإن هذا الألم الفاجع الذي فاض من محمد حسنين هيكل على قرائه هو أكبر من أن يكون ألم فقد. إنه ألم آخر. ألم ضمير طالما برر الوسيلة بالغاية فلما ضاعت الغاية تبدت بشاعة  الوسائل.

ألم ضمير يعرف ما لا نعرف ولا يستطيع الكشف عنه..

ألم خدعة هائلة.. اقتلوا الإخوان المسلمين ولكم ما شئتم..

فلما قتلوهم انقلبوا عليهم..

***

لكم كرهت كتاب مايلز كوبلاند ولكم كرهت الاتهامات التي يكيلها لهيكل ثم لعبد الناصر..

ولكم كذبته..

لكنني أفاجأ بالدكتور مصطفي خليل وهو صنيعة هيكل وربيبه وتلميذه يقول في حوار أخير مع قناة الجزيرة أن معظم ما قاله مايلز كزبلاند كان صحيحا..

يا للألم..

كنت قد اقتنعت بما قاله هيكل عنه من أنه نصاب ومهرج..

فإذا به واحد من أهم رجال المخابرات الأمريكية..

***

و هيكل ليس جاهلا وليس غبيا..

بل على العكس تماما تماما..

أعترف أنه أسطورة وموسوعة..

لكنه لا يقول الحق..

إنه يلونه بما شاء له الهوى..

ولقد اصطدم الإخوان فعلا – كما يقول هيكل لصحيفة العالم اليوم -  بالأنظمة الأربعة في ستين عام.. لكن الذي لم يذكره هيكل  أن كل نظام منها كان أشد فسوقا و إجراما من سابقه..

هذه واحدة..

أما الأشد والأنكى فهي أن كل هذه النظم هي التي بادرت الإخوان بالعداء وبالخيانة والغدر و أن ذلك تم دائما – نعم : دائما – بإيعاز من، ولصالح جهات وأجهزة أجنبية..

سوف نتناول هذا فيما بعد.. لكننا الآن نكرر:

هيكل لا يقول الحق..

إنه يلونه بما شاء له الهوى..

***

كان، من الحقائق التي استقرت في أذهاننا، أن هيكل كاتب موضوعي عفيف..

ها قد اكتشفنا أنه ليس موضوعيا.. فهل كان عفيفا؟..

فلنقرأ له ( والاستشهادات مأخوذة من مقالاته في الكتب وجهات نظر):

“دخلت الأم ( يقصد الملكة نازلي) إلى الجناح الخاص بابنها والدموع في عينيها وفوجئ “فاروق” بها تنزل راكعة تحت قدميه تعترف له، ومؤدى اعترافها أنها أحبت “أحمد حسنين” وأنه أول رجل دخل حياتها وهي تريد من ابنها أن يسامحها بفهمه، وهو أول من يعرف أن علاقتها بأبيه لم تكن مرضية لا له ولا لها (وأفاضت في الشكوى)، ثم أقسمت إنه لولا “فاروق” وحرصها عليه لكانت تجرأت على طلب الطلاق رغم يقينها أن الملك “فؤاد” لن يمنحها هذه الفرصة أو لأقدمت على الانتحار، ولكن الأم كتمت أحزانها في قلبها وعاشت من أجل ابنها. ثم راحت الأم تروي لابنها ما أصابها في القصر من ذل بسبب جبروت الملك “فؤاد”، وضمن ما روته أنها ذهبت إلى عيادة الأسنان في القصر وفيها طبيب ألماني اسمه “شفارتز”، وأن الطبيب بعد أن نظر في فمها، اكتشف اهتراء لثتها، وقال لها إن تلك “لا بد أن تكون عدوى” من “صاحب الجلالة” لأنه مصاب “بالبيوريا” (ولم تكن المضادات الحيوية قد ظهرت بعد لعلاجه)، ورغم علم الملك “فؤاد” بما أصابها، فقد تأكد لها من تصرفه أنه يتعمد نقل مرضه إليها، وحدث حين ترددت أمامه مرة، أن أمر بحبسها في غرفة نومها أسبوعا كاملا عقابا لها أن تأففت من طلب له(...) ثم قالت الملكة الأم وهي في “حالة صعبة” إنها “لم تفعل شيئا في الحرام” وما فعلته أنها تزوجت من “أحمد حسنين” على سنة الله ورسوله، حفاظا على شرف ابنها، واحتفظت بالزواج سرا حتى تنتهز فرصة مناسبة وتحكي له، وانتهت الملكة بأن قالت لابنها، إنها اعترفت بكل الحقيقة متوسلة إليه أن لا يؤذي “أحمد حسنين” بسببها، وهي تقسم له إن “أحمد حسنين” مخلص له ولعرشه، وإنه تردد في قبول الزواج ولكنها تعهدت له بأنها واثقة من أن ابنها وهو الأقرب إليها من كل الناس سوف يفهمها ويسامحها، وهي الآن أمامه راكعة على ركبتيها وإذا عفا عنها وعن “حسنين” بقيت عمرها تحت قدميه، وإذا أبى العفو فإنها سوف تشعل النار في نفسها وتنهي حياتها مثل أي بنت بلد “وقعت في الغلط”. وفي ما بعد وعقب وفاة “أحمد حسنين” (باشا) في حادثة سيارة على كوبري قصر النيل سنة 1946 هرع الملك إلى بيت “حسنين” في الدقي، يسبق كل الناس ليأخذ من غرفة نومه أي ورقة تكشف عن علاقته بالملكة الوالدة. وترامت وقتها شائعات بأن الملك أخذ بعض المقتنيات الذهبية والماسية (بالذات الأوسمة مما كان في بيت أحمد حسنين)، ولم يكن ذلك منصفا.

***

هل قرأت أيها القارئ..؟؟..

كأنه هيكل آخر غير الذي نعرفه..

أسلوب.. نعم.. بلاغة.. حاضر.. جزالة..  موافق.. معلومات.. لا بأس ..

لكن..

هل يوجد جملة واحدة يمكن توثيقها أو إسنادها.. خاصة أن كل ما حدث كان سرا بين الملك وبين أمه.. فكيف عرف هيكل كل هذه التفاصيل..

دعنا من التفاصيل المثيرة للاشمئزاز والغثيان.. ( كيف استطاع هيكل على سبيل المثال أن يتوصل إلى أن الملك فؤاد كان يتعمد نقل البيوريا إلى الملكة نازلي)..

يا للاشمئزاز والقرف

يا لامتهان عقول الناس..

لكن..

هذا هو اللون الذي يجب أن يصبغ به هيكل الملك و أبيه و أمه وزوج أمه..

هذا هو اللون الذي يسلب به ضحاياه إنسانيتهم ليتحولوا إلى حشرات مقززة يرحب الناس جميعا بدهسها بالأحذية..

هذا هو اللون الذي يجعلك لا تتساءل بعد ذلك عن شرعية أي إجراء اتخذ مع هذا الملك وعائلته القذرة!!..

***

وكان لابد لنفس اللون أن يصبغ مصطفي النحاس أيضا..

لقد ظلمت الثورة النحاس.. وأساءت إليه .. وافترت عليه.. وغدرت به.. وخدعته.. وكانت معه بمنتهى الخسة..

هذا هو الواقع..

لا بد إذن من صبغ صورة مصطفي النحاس بما يجعله يستحق كل ما فعلته الثورة فيه..

لابد إذن من تشويهه والتشهير به.. وبنفس الطريقة.. لا توجد واقعة يمكن إثباتها أو إسنادها .. يوجد فقط القدرة المذهلة للخيال البشري على تصور ما يشاء.. ثم سرده كما لو كان واقعا..

فلنقرأ إذن مصطفي النحاس مصبوغا بهوى هيكل:

..  كانت للنحاس (باشا) حياة خاصة حرص على صيانتها، لكنه تعرض سنة 1932 لواقعة أخرجت حياته الخاصة رغما عنه من الصون الذي حرص عليه. ففي تلك السنة التقى “النحاس” (باشا) بصحفية إيطالية يظهر أنها كانت على شيء من الجمال اسمها “فيرا” (ولم أجد في السجلات اسمها كاملا). وطبقا للروايات (وهي موثقة) أن لقاءات “النحاس” (باشا) بالصحفية الإيطالية تكررت، وفي بعض الشهادات أن “فيرا” كانت مدسوسة على “النحاس” (باشا) بتدبير من “إسماعيل صدقي” (باشا) رئيس الوزراء في ذلك الوقت، وكان قصده الإيقاع بزعيم الوفد بموافقة من الملك "فؤاد"، والوسيلة كشف المقابلات المتكررة بين زعيم الوفد وبين الصحفية الإيطالية.

وكان “النحاس” (باشا) يقابل “فيرا” في عوامة على النيل عند شاطئ العجوزة المقابل لنادي الجزيرة، ورتب “صدقي” (باشا) لمداهمة يقوم بها البوليس للعوامة ومفاجأة من فيها بما لا يتوقعون.

وكان ذلك بعد ظهر يوم أحد، وتصادف وجود “أحمد ماهر” (باشا) في سباق الخيل في نادي الجزيرة، وحدث أنه تقابل مع “أحمد عبود” (باشا)، وإذا هو يفهم منه أن رئيس الوفد على وشك أن يقع في الفخ. وأدرك “أحمد ماهر” خطورة الموقف وهرع مسرعا إلى موقع العوامة، وكان يعرفه، واقتحم طريقه إلى داخلها، والنتيجة أنه عندما وصل البوليس كان رئيس الوفد جالسا في صالون العوامة يتحدث مع واحد من أكبر معاونيه في قيادة الوفد وهو “أحمد ماهر” (باشا).

وفشلت خطة الإيقاع بالنحاس (باشا) .

***

إنني أنبه القارئ إلى الرواية كما رواها هيكل تستوجب لإقامة حد القذف عليه.. وليس فيها جملة واحدة يمكن إثباتها أو إسنادها..

***

يمكن للقارئ أن يتخيل، إذا كان هيكل قد كتب هذا عن الملك و أمه و أبيه، وعن مصطفي النحاس، فماذا يمكن أن يكتب عن الإمام الشهيد حسن البنا، وكيف اضطر للسفر هربا من إلحاح الإمام الشهيد وهو يطارده كي يعمل صحفيا معه..

في ذلك الوقت كان هيكل في الثالثة والعشرين من عمره، وكان يعمل في صحيفة الإجيبشيان جازيت وثيقة الصلة بالسفارة الأمريكية.. وفي نفس هذا الوقت كان الإمام حسن البنا يقابل في الدول العربية مقابلة الملوك..

***

لا ينسى هيكل أيضا أن يقدم صك غفران جماعي و بأثر رجعي لكل الجرائم التي ارتكبت في حق الأمة ممثلة في الإخوان المسلمين..

لا ينسى..

وهو ليس جاهلا وليس غبيا..

بل على العكس تماما تماما..

أعترف أنه أسطورة وموسوعة..

لكنه لا يقول الحق..

إنه يلونه بما شاء له الهوى..

ولنقرأ صك الغفران الذي يمنحه للعهود جميعا كما يرويه عادل حمودة في صحيفة البيان الإماراتية:

وفي السجن وجد هيكل في زنزانته من التيار الديني ممن شملتهم اعتقالات سبتمبر 1981. . ومنهم شاب اسمه "أكمل". . لقيته قافل. . على حد تعبير هيكل. . سألته عن دوره في تعبد ربنا بالصلاة والعمل والاتصالات مع المجتمع. . بدأ يقول "وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون" قال له هيكل : "طيب يا رجل. . أنا باعتقد أن ربنا خلق الإنسان في الأرض ليعمل مهمة أكبر من كده. . ليعمر الأرض. . ليطور الحياة . . لأن في الإنسان جزءاً من نور الله. . لكنه لم يفهم. . ثم دخل المحامي الوفدي إبراهيم طلعت مناقشة سياسية معه. . لكنه تركهم ونام. . وحاول هيكل أن يشده إلى الحديث.. فكان أن قال : "هذه أمور الدنيا لا أناقشها". . والغريب أنه كان طالباً في كلية الهندسة.

***

إذن.. هذا الـ"قافل" ليس بشرا.. إنه وباء.. وهو خطر على الإنسانية والحضارة.. وهو غبي رغم أنه طالب هندسة.. وهو لا يفهم لا في العلم ولا في الدين.. وهو جلف عديم الذوق أيضا إذ يترك اثنين من أساطين المجتمع ( هيكل و إبراهيم طلعت ) لينام..

هذا نموذج لا يمكن أن تتعاطف معه..

وهو نموذج سوف تضطر للموافقة على ذبحه لإنقاذ الأمة من خطره..

هذه إذن شهادة براءة لكل الجلادين وما فعلوه بالإسلاميين.. بل إنهم لم يكونوا جلادين.. بل مواطنين شرفاء اضطرتهم مناصبهم لمواجهة هذا الخطر الداهم.

...

...

...

الكارثة..

الكارثة..

الكارثة.. أن هذا المنطق بحذافيره هو الذي تتبعه  أمريكا اليوم وهي تسحق دول العالم الإسلامي..

كنا نحن المشتل الذي استنبتت فيه البذور الشيطانية منذ خمسين عاما.. فهنيئا لك يا محمد حسنين هيكل..

مبروك .. ومبارك..

هل تريد نجاحا أعظم من هذا.. ما فعلتموه منذ خمسين عاما هو الذي يفعله العالم اليوم..

والأكاذيب التي روجتموها عن الإخوان المسلمين منذ خمسين عاما هي التي يرددها الصليبيون واليهود اليوم..

وخداع الأمة بأن الإخوان يعاقبون بسبب إجرامهم و إرهابهم لا بسبب إسلامهم هو ذات ما تفعله أمريكا اليوم .. حين تسحق  المسلمين وتدمر بلاد المسلمين وتغزوها ليس لأنهم مسلمون بل لأنهم إرهابيون..

مرحي لخطتكما الفذة.. خطتك أنت وجمال عبد الناصر..

أنتم أيضا ادعيتم أنم لا تحاربون الإسلام..

وما حاربتم غيره..

ما حاربتم غيره..

ما حاربتم غيره..

ألم تفكر ياسيد القرطاس و القلم أن القصاص الإلهي كان عاجلا..

وبعد مذبحة المنشية كانت الهزيمة العسكرية في 56 والسماح لإسرائيل بالمرور في خليج العقبة..

ألم تلاحظ أن محنة الإخوان الصاعقة في 1965 أعقبتها الهزيمة الصاعقة  في 1967..

أقدر يأسك و أفهمه..

فأنت مسئول..

وأنت ذكي جدا.. ومن المؤكد أنك تفهم لكنك محاصر بين ماض لا تستطيع الهروب منه ومستقبل لا تستطيع الولوج فيه  وكلمات الشهيد العظيم سيد قطب تطاردك:

"كل من يصرف هذه الأمة عن دينها وعن قرآنها فانما هو من عملاء يهود، سواء عرف ام لم يعرف، أراد ام لم يرد، وان اليهود سيظلون في مأمن من هذه الأمة ما دامت مصروفة عن الحقيقة الواحدة المفردة التي تستمد منها وجودها وقوتها وغلبتها… حقيقة العقيدة الايمانية والشريعة الايمانية، فهذا هو الطريق، وهذه هي معالم الطريق".

***

لماذا لم تتوسط لسيد قطب يا محمد حسنين هيكل..

لقد شاهدك الصحافي جابر رزق في السجن الحربي حين ذهبت تنقذ أحد أصحابك من بين براثن الجلادين..

لماذا لم تجنب جمال عبد الناصر هذا العار..

حتى نابليون وكرومر لم يحكما بالإعدام على الكتاب والعلماء والمفكرين..

***

كان هيكل هو المسئول عن مراجعة خبر إعدام الشهيد سيد قطب..

ليس في الأهرام فقط..

بل في كل الصحف ..

كان مطلوبا منه أن يصبغ الخبر بالتقليل من شأن البطل الشهيد..

***

زهير مارديني.. كاتب .. ليس مصريا.. لا يحب الإخوان.. حاول مرتين أن يستمع إلى الإمام الشهيد حسن البنا لكنه لم يستطع الصبر أكثر من خمس دقائق..

لكنه بالرغم من ذلك كان يملك من الحيدة والنزاهة والضمير والوجدان والعقل  ما دفعه للقول – في كتابه الشهير: اللدودان: الوفد والإخوان- دار إقرأ- بيروت:

"ولكن الصحيح  أيضا  أن  لي  بينهم  أصدقاء  كنت  أعتز  بصداقتهم  في  طليعتهم  شهيد  الدعوة  وشهيد العلم  والعلماء  سيد  قطب... إنه  أحقهم  بلقب  الشهادة ، ذلك  أنه  لم  يقتل  أحدا  ولم  يحرض  على  قتل أحد،  ومع  ذلك  فقد  أعدم  وقتل  مظلوما، فكان  سيد شهداء الإخوان  وقطبهم  الذي لا  يدانيه  قطب!."

***

 ثم  يضيف زهير مارديني جملة كارثة..

نعم..

جملة كارثة ..

هل تذكرون يا قراء ما سماه هيكل – وكان صادقا – بالجملة الكارثة في خطاب السادات إلى كيسنجر صباح يوم 7 أكتوبر 1973، حيث يخطره بأن الجيش المصري لا ينوي تطوير الهجوم.. وكانت هذه الجملة أشبه بتصريح مجاني للجيش الإسرائيلي لكي  يتفرغ للجبهة السورية حتى يقضي عليها ثم يتحول بعد ذلك إلى الجبهة المصرية..

لقد صدق هيكل.. ومعه حق في أن يرفع مستوي التورط فيها إلى جريمة الخيانة العظمى..

نعود إلى الجملة الكارثة لزهير مارديني حيث يقول:

وهنا أذكر حديثا خاصا جرى بيني وبين الأستاذ " مرتضى المراغي" مدير الأمن العام في تلك الأيام، والرجل الذي حقق في مقتل الشيخ حسن البنا ، سألته عن الانطباع الذي  كونه عن الشيح البنا فقال لي:

" زارني الشيخ حسن البنا   في  مكتبي  شاكيا  تصرفات  رجالي  حيال الإخوان، وكانت أول مقابلة خاصة بيني وبين الرجل الذي تربطه بوالدي شيخ الأزهر مصطفي المراغي صلات ودية، فقلت له: إن أنصارك يدعون أن يكون القرآن هو الدستور والقانون ومصدر التشريع والحكم، وأنت تعلم أن الدول الأجنبية وافقت على إلغاء الامتيازات شرط أن يكون التشريع وفق المبادئ الحديثة "..

***

نعم..

جملة كارثة..

جملة كارثة تحكم بما هو أكثر من الخيانة العظمى على كل النظم السابقة واللاحقة..

***

"الدول الأجنبية وافقت على إلغاء الامتيازات شرط أن يكون التشريع وفق المبادئ الحديثة "..

***

أي: نوافق على أن تحكموا.. لكن بغير دين الإسلام..

هذه هي المقايضة..

***

في البداية كان بيع الدين مقابل استقلال الأمة والدولة..

ثم أصبح بيع الدين ثمنا لاستمرار الدولة..

ثم تقلص الثمن إلى الاستمرار في الحكم..

***

هل تذكرون يا قراء سؤالي لهيكل: هل هي أزمة فكر قومي أم أزمة ضمير شخصي..

***

أظن أن هذا هو السبب..

لقد اكتشف هيكل أن الأمة دفعت ثمنا هائلا ظلت تدفعه ستين عاما أو يزيد.. وقد تقلص مقابل هذا الثمن في النهاية إلى شئ واحد هو استمرار حكم مبارك..

لقد اكتشف هيكل أنه لم يخطئ في الحساب فقط.. بل لقد ساهم في تمرير الصفقة مهما التمس من أعذار بأنه لم يكن يتخيل أن يحدث ما حدث..

نعم..

بدأت الصفقة مقابل القومية العربية ووحدة أساسها العروبة..

وانتهت إلى ضمان أمن قصر العروبة..

وكان الثمن فادحا والخديعة أفدح..

***

وكانت كارثة الشريف حسين تتكرر..

لم تكن في الأولى مأساة وفي الثانية مهزلة..

بل كانت في المرتين مهزلة..

***

***

***

حاشية 1

الرئيس مبارك

 

بالصدفة البحتة سمعت جزءا من خطبته بالأمس.. كان ذلك رغما عني فقد حدث الموقف فجأة قبل أن أتمكن من تحويل القناة التلفازية..

وكان يقول:

نحن لا نكره اليهود ولا المسيحيين..

وتصورت أنه سيواصل ليقول:

نحن نكره المسلمين فقط..

لكنه لم يقلها..

فحمدت الله لأنه لم يجاهر بها..

وسارعت بتحويل القناة.

لكنني قرأت في الأخبار أنه كان يخطب في مكان ما – لعلها وحدة عسكرية- مبررا الخراب الاقتصادي الذب انتهى إليه عهده..

كان يحسب الميزانية وفيم تنفق..

ولم يعترف أبدا بأنه تولى الحكم منذ ما يقرب من ربع قرن قد ثيت الصادرات عند ثلاثة مليارات دولار..

في نفس الفترة ارتفعت صادرات سنغافورة من ثلاثة مليارات دولار إلى تسعين مليارا..

على أن الوجه الاقتصادي هو أهون الكوارث التي لحقت بالأمة في عهد الرئيس مبارك.

***

حاشية 2

 

أكداس من بريد القراء أؤجل الرد عليها.. لكن رسالة منها كانت حادة الألم.. كان القارئ يصرخ مما نشر في صحيفة قومية حزبية على لسان أحد قيادات الإخوان..

لقد نشرت الصحيفة على لسانه أنه قال أن الإخوان – لو تولوا الحكم – فلن يقفوا ضد الإلحاد كما أنه لا مانع عندهم من أن يكون رئيس الجمهورية مسيحيا..

للوهلة الأولي صرخت:

- أخزاه الله..

ثم استغفرت ودعوت له ولنفسي بالمغفرة والهداية.. وقلت لنفسي أن هذه المناورات لن تفيد قياديّ الإخوان كثيرا.. و أن القرآن قد رسم له الطريق إلى قلوبهم.. وهو أن يتبع ملتهم..

كثير من المتحدثين باسم الإخوان يمزقون قلبي.. لقد أثرت الجراح البالغة في كفاءتهم.. فأصبحوا معوقين  لا يصلحون..

***

لم يحزني كثيرا موقف الصحيفة التي وضعت عنوان الإلحاد مانشيتا في عدد ثم عنوان الرئيس المسيحي في العدد التالي..

كنت أدرك أن هذه الصحيفة ليس لديها مانع من أن يكون الرئيس ملحدا أو مسيحيا أو حتى يهوديا..

المانع الوحيد هو أن يكون مسلما..

***

لكم كانت أروى صالح مصيبة حين قالت كلمتها الأخيرة..

فضحت اليساريين والقوميين جميعا..

وحين أدركت حجم الخطيئة التي وقعت فيها لم تجد أمامها سوي الانتحار..

كانت قد أدركت في كتابها " المبتسرون " أن النهاية الطبيعية للفكر القومي.. هو الجلوس في حجر إسرائيل..

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

حادث المنشية "3"

ناصية كاذبة خاطئة..

بريد القراء

1.      بقلم د محمد عباس

 

يتمزق قلبي مع بريد القراء..

وهذه رسالة طويلة جدا ودامية جدا من الابن العزيز أحمد صبحي.. ومثلها كثير..

وهي رسالة مزقت قلبي.. ولكم أشفقت عليك يا بني العزيز وعلى جيلك.. ذلك أن الصدمة التي استغرقت أنا ربع قرن كي أستوعبها تسحقكم أنتم في يوم أو بعض يوم.. فإذا الحلم الرائع كابوس.. وإذا المرجو هو طريق الهلاك.. و إذا الشرف عار والفخار شنار..

يا إخوتي في الله.. أنتم لا تتخيلون مدى رعبي إذ أمحص واقعة تاريخية لأنشرها أو لأهملها.. أفعل ذلك برعب.. مدركا أن خطئي قد يودي بي إلى النار.. ولكي أقرب الأمر لكم يا أيها الجيل الحبيب البائس المعذب المسكين.. فإنني أذكركم بذلك الفيلم السينمائي المسمى: " الطريق إلى إيلات" لقد نسيت أسماء أبطاله لكنني أذكر تلك الواقعة التي كان الضابط يعدل المفجر ويطرق عليه كي يتواءم مع فتحته في الطوربيد.. وكانت كل حركة تحمل الخطر الهائل للانفجار المميت الذي يمكن أن يقضي على الضابط الفدائي في لحظة واحدة..

يا قراء: أنا أحس بنفس الإحساس و أنا أتناول أي واقعة تاريخية.. أخشى أن أخطئ الحساب.. أن أسئ فهما فأسئ قولا.. أن ينفجر فيّ لغم التفسير الخاطئ للمعلومة التاريخية.. أو أن يضلني الهوى.. فلا أظفر حتى بتمزق جسدي إلى أشلاء وبموت يريحني.. و إنما هي النار.. فكلما تمزقت أشلاء تجمعت – بقدرة الله – كي أتمزق من جديد.. يكاد يجمدني الرعب من أن أخطئ أو ينزلق بي الهوى فأكون من الذين يصليهم الله نارا وكلما نضجت جلودهم بدلهم الله جلودا غيرها ليذوقوا العذاب..

يا قراء : ليس لي من الأمر شيء .. بيد أني رأيت باطلا مصدقا وحقا مكذبا فخشيت أن أقابل الله ولم أكشف للناس ذلك..

ووالله الذي لا إله إلا هو.. إنني لأتمني أن يأتيني أحد القراء ببينة تبرئ جمال عبد الناصر ومحمد حسنين هيكل و أصحابهما.. لأنني حين أدينهما إنما أدين في نفس الوقت بعض نفسي.. وحين أحكم عليهما الحكم القاسي الذي أحكمه الآن عليهم.. إنما أبتر بعض نفسي وبعض تاريخي.. و إن أنس لا أنسى تلك المرات والمرات والمرات التي كنت ألجأ فيها إلى شريط تسجيل خطاب عبد الناصر في المنشية.. كي أثبت لمن حولي أن الحادث حقيقي.. كان انفعاله يلهب مشاعري.. وكانت شجاعته تخلب لبي..

نفس الشريط عندما أسمعه الآن أدرك كم الرجل بارعا في التمثيل وكم كان كاذبا..

نفس الدليل وعكس النتيجة.. فكيف لا أخشى مكر ربي..

كان المطلوب تماما أن أقع في الخديعة وقد وقعت..

وكان المطلوب يا أمة أن تقعوا جميعا في ذات الخديعة .. ولقد وقعتم..

نفس الدليل..

فعندما أسمع الشريط أن أدرك أن جمال عبد الناصر.. الضابط المقاتل المحترف ذا الخبرة الطويلة في ميادين القتال – وهي خبرة لم تحظ للأسى بنصر واحد -.. هذا الضابط سيكون رد فعله الطبيعي والتلقائي والبديهي والفطري هو أن ينبطح على الأرض فور سماعه صوت إطلاق الرصاص.. خبرة حياته كلها تدفعه لذلك التصرف.. رد فعل انعكاسي لا ينتظر تدخل العقل.. تماما كما تضغط مكابح السيارة بعنف عندما تكاد تدهم طفلا.. أنت ساعتها لا تفكر.. بل إن قدمك تنتفض على الفور لتقوم بالضغط على المكبح كما تتحرك يديك على المقود لتبعد الكارثة..

كل هذا يتم دون تفكير..

وهو المنطقي.. نعم هو المنطقي الوحيد..

الأمر ليس أمر شجاعة ولا رباطة جأش.. الأمر أمر رجل دولة.. مسئول عن دولة وعن أمة وعن مصائر .. والأمر ليس مجرد مؤامرة لاغتيال رجل الدولة.. بل قد يتهدد الخطر الدولة كلها.. واستقلالها ومصيرها.. والمفروض أنه لا يعرف من وراء تلك المؤامرة.. ولا حجمها.. ولا حجمها ولا تشعبها ولا امتدادها.. فقد يكون مع هذا الذي يطلق الرصاص مائة شريك وقد يكون هناك آلاف يعاونونه في الخارج.. مسئولية رجل الدولة الحقيقي تدفعه للانبطاح على الفور.. ثم لمغادرة المكان بأقصى سرعة.. فما يدريه أن المكان ملغم و أن إطلاق الرصاص هو الإشارة الأولى و أن المكان كله سينسف بعد ذلك نسفا.. ومسئولية رجل الدولة تدفعه للتوجه بأقصى سرعة إلى أقرب مقر لقيادة عسكرية أو سياسية يستطيع فيها التحكم فيما يحدث والسيطرة عليه.. ألا يمكن أن يكون الأمر مقدمة لغزو؟.. من أين تسنى لجمال عبد الناصر أن يدرك أن المكلف باغتياله شخص واحد؟.. لماذا لم يفترض أنهم عشرات فإذا فشل أحدهم كرر الآخر المحاولة..

لم يكن الأمر أمر شجاعة إذن..

بل كان أمر واحد يدرك.. ويثق.. ويعلم علم اليقين أن هناك شخص واحد تحت السيطرة هو الذي سيطلق الرصاص " الفشنك".. و أنه لا خطورة البتة.. وأن المطلوب هو استجلاب مشاعر التعاطف والحب من الجماهير بخطبة حماسية طويلة..

و أثناء ذلك كسر القلم الحبر في جيب عبد الناصر..

والجيب على اليسار..

ثم أن الصدفة العجيبة اقتضت أن يكون لون الحبر في القلم : أحمر!!..

يا عجائب الصدف..

كانت هذه " الفشرة – وعذرا لاستعمال الكلمة التي لم أجد ما يعبر عن المعنى أكثر منها" أوسع بكثير من قدرة أي تفكير نصف عاقل على تصديقها..

لكننا.. وهذا هو الأعجب حقا فهو أننا كأمة حمقاء قد صدقنا..

***

تمخضت قرون التدهور والانحلال والتيه لتسفر الأمة عن أخس ما فيها..

وتكونت عصابة.. نعم عصابة من العسكر وبعض الشيوخ وجل الصحافيين وبعض الكتاب والمفكرين كل منها راح يزين الباطل ويدعو له..

وبدأ تأليه الحاكم.. حين تتحول رؤاه إلى عقيدة غير قابلة للنقاش..

في الدنيا نحاول دائما فرز الأحداث إلى حق لا شك فيه.. و إلى شك لا يقين فيه.. و إلى كذب لا حقيقة فيه..

فأما الحق الذي لا شك فيه فإنه بعد أن يمحصه العقل و يبلغ ذروته فإنه يتحول إلى عقيدة..

والعقيدة هي أمر انعقد القلب عليه فلم يعد يحتاج إلى مزيد من تفكير أو بحث أو نقاش.. انعقد ولن ينفك.. وذلك موجود على مستوى الدين.. وموجود بصورة أدنى على مستوي الحقائق اليقينية.. إن خمسة مضروبة في خمسة تساوي خمسة وعشرين.. وهي تساوي ذلك بدون أي تفكير جديد وبدون أن تستعيد أدلتك المنطقية وعلومك الرياضية .. ذلك أنك غير مستعد من البداية للدخول في نقاش سفسطائي مع من ينكر ذلك..

بعد ذلك تأتي درجات من المتشابهات تحتمل النقاش والبحث والحوار والأدلة.. وعن طريق ذلك فقط قد تقترب هذه الوقائع من الحقيقة والصواب أو من الكذب والضلال..

كان حادث المنشية بافتراض أقصى درجات حسن الظن من ذلك النوع الأخير..

لكن ذلك لم يحدث..

فقد أراده الطاغوت عقيدة .. يكفر من لا يؤمن بها ويعاقب العقاب الشديد..

تماما كما فعل اليهود بالهولوكوست..

فلو أنهم على يقين من أنهم على صواب لما اهتموا كل هذا الاهتمام بسن كل هذه القوانين لاعتبار من ينكر الهولوكوست مجرما يستحق العقاب..

نفس الوضع حتى الآن – بعد أكثر من خمسين عاما – من حادث المنشية.. فالأمر ليس مطروحا للنقاش.. إما أن تؤمن فتستحق المدح والتقريظ و إما أن تكفر فتنطلق عليك الكلاب المسعورة..

والإيمان والكفر هنا ليسا بالله و إنما بحادث المنشية..

لقد كانت هذه الواقعة وحدها - تحويل الحادثة إلى عقيدة – كفيلة بإثارة الشك كله في الأمر كله منذ البداية..

***

لقد آن الأوان لكي نسمع رأيا آخر في حادث المنشية..

رأي شيوعي.. ينقله إلينا طارق المهدوي في كتابه: الإخوان المسلمون على مذبح المناورة..

والقارئ يعلم رأيي في الشيوعيين..

لكنني في نفس الوقت أحتفل بهذا الشهادة كثيرا لأسباب عديدة.. فأكثر كذب الشيوعيين في التفسير والتحليل لا في الوقائع.. كما أن الشيوعيين منذ عهد عبد الناصر حتى الآن هم المسيطرون على وسائل الإعلام القريبون من كواليس اتخاذ القرار ومخازن الأسرار..

ثم أن ضرب الإخوان كان قضية من أهم قضاياهم وفي جزء منها كانت لصالحهم لذلك من الطبيعي أن نجد أخبارها عندهم..

ثم أن هناك سبب أخير..

ذلك أنني عندما أريد أن أقيم الحجة على داعرة لن أبحث عن شاهد في رحاب مسجد.. بل سأبحث عن قواد يكشف سرها..

***

والآن لنبدأ مطالعة شهادة إسماعيل المهداوي:

 ... ".. كان مجلسه قيادة الثورة قد استشار أحد خبراء الدعاية الأمريكيين في كيفية تحويل جمال عبد الناصر إلى زعيم قومي محبوب فاقترح عليهم هذا الخبير أن يدبروا محاولة فاشلة لاغتيال عبد الناصر على أن يظهر بصورة قوية أثناء تنفيذ هذه المحاولة الوهمية هذا لأن الشعب المصري عاطفي بطبعه وبالتالي فإن هذا الحادث سوف يدفع الجماهير إلى الشعور بأن رئيسهم يتعرض لخطر شديد وبأنه قد واجه الخطر بشجاعة وصلابة مما يدفعهم إلى الإعجاب به ويؤهله للحكم العاطفي ويزيد من شعبيته، واشتركت المخابرات المركزية الأمريكية في الترتيب لهذه العملية عن طريق فؤاد جلال وكيل جمعية الفلاح فأرسلت لعبد الناصر قميصا واقيا من الرصاص استلمه مدير مكتبه آنذاك عبد الرحمن مخيون. كما كان جمال عبد الناصر قد نجح في احتواء بعض العناصر المؤثرة داخل جماعة الإخوان المسلمين مثل أحمد حسن الباقوري وصالح عشماوي وعبد الرحمن السندي وأتباعهم ورغم أن قيادة الجماعة قامت بفصلهم من صفوفها عندما أدركت ارتباطهم بعبد الناصر إلا أنه قد ظل لكل منهم رجال وأتباع داخل صفوف الجماعة يدينون له بالولاء الشخصي و من بين هؤلاء الرجال كان المحامي هنداوي دوير أحد أتباع عبد الرحمن السندي يتولى رئاسة منطقة إمبابة في الجهاز العسكري الخاص حتى أن هذه العلاقة الخاصة بين دوير والسندي قد تسببت في تعامل قيادات الجهاز العسكري الخاص مع دوير بدرجة عالية من الحذر وصلت إلى أن رئيسه المباشر في الجهاز " إبراهيم الطيب " كان يرفض إخطاره بالأماكن التي يقيم فيها رغم أهمية ذلك في الاتصالات التنظيمية وقد قام عبد الرحمن السندي بتسليم هنداوي دوير إلى أحد ضباط البوليس وهو صلاح دسوقي ليقوم بتوجيهه حسب تعليمات السلطة العسكرية وفي يوم 25/ 10/ 1954 قام دسوقي باصطحاب هنداوي دوير في زيارة سرية إلى منزل جمال عبد الناصر حيث دبروا معا عملية الاغتيال الوهمية واستلم دوير مسدسا وخمس عشرة طلقة مزيفة (فشنك) لتنفيذ العملية حيث قام بدوره بتسليمها إلى مرؤوسه في الجهاز العسكري الخاص محمود عبد اللطيف الذي كان من أمهر رماة المسدس في جماعة الإخوان المسلمين على اعتبار أنها طلقات حقيقية وأمره بأن يقوم باغتيال جمال عبد الناصر أثناء إلقائه خطابا سياسيا بمناسبة إتمام توقيع اتفاقية الجلاء مع بريطانيا في ميدان المنشية بالإسكندرية يوم 26/ 1954/10 مستغلا في ذلك ضعف شخصية محمود عبد اللطيف وطاعته العمياء لأوامر رؤسائه، ورغم وجود مئات الإخوان في الجهاز العسكري الخاص بالإسكندرية إلا أن محمود عبد اللطيف قد سافر من إمبابة بالقاهرة لاغتيال عبد الناصر في منشية الإسكندرية!!

وفي اليوم المحدد لإلقاء الخطاب وهو يوم 26/ 1954/10 قام رجال الأمن بطرد الجماهير التي كانت تنتظر عبد الناصر وبإخلاء السرادق المعد للخطاب تماما ثم أعادوا حشوه من جديد بعشرة آلاف مواطن تم جلبهم خصيصا من مديرية التحرير في سيارات نقل كبيرة لتمرير المسرحية ورغم عدم السماح لجماهير الإسكندرية بدخول السرادق الممتلئ برجال مديرية التحرير إلا - أن سلطات الأمن قد سمحت لمحمود عبد اللطيف بالدخول بل وبالجلوس على " مقعد متقدم في مواجهة رئيس مجلس قيادة الثورة!! ومن الجهة المقابلة فقد قام عبد الرحمن مخيون بإلباس جمال عبد الناصر القميص الواقي من الرصاص الذي كان قد تلقاه من المخابرات الأمريكية وقد ألبسه إياه في مبنى البورصة بالإسكندرية. وأثناء قيام عبد الناصر بإلقاء خطابه أطلق محمود عبد اللطيف تسع طلقات في صدره إلا أن عبد الناصر لم يصب بأية إصابة ولو سطحية وفي نفس ، الوقت قام صلاح دسوقي بإطلاق عدة رصاصات دقيقة التصويب على ميرغني حمزة وأحمد بدر وعلى جوانب المنصة وجدران السرادق حتى يبدو للجماهير أن الذي أطلق على قائد الثورة هو رصاص حقيقي لأن هناك إصابات حقيقية وخدوشا وآثار إطلاق حقيقية، وبمجرد أن بدأ عبد اللطيف يطلق رصاصه الزائف حتى رفع عبد الناصر هامته مواجها الرصاص بصدره وهو يقول " أيها الأخوة... إخواني المواطنين فليبق كل منكم في مكانه... إنني حي ولم أمت وإذا مت فإن كلأ منكم هو جمال عبد الناصر... لقد زرعت فيكم القوة " والكرامة ولن تسقط الراية أبدا)). وبعد أن أفرغ محمود عبد اللطيف مسدسه ألقى به على الأرض كما ألقى دسوقي بمسدسه أيضا على الأرض، وضبط المواطنون مسدس عبد اللطيف! وسلموه إلى السلطات كما ضبط أحدهم وهو نوبي يدعي آدم مسدس دسوقي " وسلمه بدوره إلى السلطات وإزاء إعلان التحليل المعملي في الطب الشرعي بأن ! مسدس عبد اللطيف كان محشوا بالرصاص الزائف فقد اضطرت سلطات الأمن إلى الكشف عن مسدس دسوقي بدعوى أنه المسدس الذي استخدمه عبد اللطيف وبررت سبب هذا التضارب وهذا التأخير في الإعلان عن أداة الجريمة بأن المواطن الذي عثر على المسدس قد أبى إلا أن يقوم بتسليمه شخصيا إلى جمال عبد الناصر ولما كان لا يملك قيمة السفر من الإسكندرية حيث وقع الحادث للقاهرة حيث يقيم عبد الناصر فقد أضطر إلى السفر مشيا على الأقدام حتى سلمه يدا بيد إلى قائد الثورة مما تسبب تأخير الكشف عن أداة الجريمة الحقيقية!!! وقد تسلق عبد الناصر أكتاف هذا الحادث المسرحي ليس فقط ليكسب ود وعطف الجماهير ولكن أيضا للإطاحة بالجميع بدءا بالإخوان المسلمين ومرورا بمحمد نجيب وانتهاء ببقايا المؤسسات والهيئات الديمقراطية فبعد هذا الحادث مباشرة أعلن على صفحات جريدة الجمهورية في 30/10/ 1954حتمية استمرار الثورة إلى الأمام وحتمية المضي قدما في إجراءاتها وأنه كان بوده أن تستمر في سيرها الأبيض إلا أنه مضطر لأن يجعلها تسير في اتجاه دموي أحمر!! واستلهمت سلطات الأمن وهيئة التحرير هذا الإعلان فانقضت على مقار ومؤسسات ومنازل الإخوان المسلمين تحرق وتهدم وتدمر وتعتقل (...) وهكذا فقد تعرض الإخوان المسلمون لأوسع حملات الاعتقال والتعذيب والتنكيل حيث أودع عشرات الألوف منهم ومن أقاربهم وأصدقائهم في السجون والمعتقلات وكان على رأسهم حسن الهضيبي ومكتب الإرشاد، أما هنداوي دوير الذي يعتبر الحلقة الرئيسية في مسرحية المنشية فقد سلم نفسه في اليوم التالي على الحادث مباشرة وذلك كما قال هو ذاته عند محاكمته بغرض إعانة السلطات على ضبط المتهمين والأسلحة دون أن يطلب أي ثمن مقابل ذلك!! وأودع دوير السجن مع بقية إخوانه الذين أكدوا جميعا على أن إدارة السجن ومصلحة السجون كانت تعامله معاملة خاصة وممتازة في الوقت الذي كان إخوانه فيه معلقين كالذبائح في عنابر التعذيب!! وفي 2/11/1954 تم تشكيل محكمة الشعب العسكرية للنظر في القضية رقم 1 لعام 1954 المتهم فيها محمود عبد اللطيف بمحاولة اغتيال رئيس مجلس قيادة الثورة جمال عبد الناصر وكانت هيئة المحكمة تتكون من جمال سالم رئيسا وأنور السادات وحسين الشافعي عضوين كما كانت هيئة الإدعاء والنيابة العسكرية تتكون من زكريا محي الدين رئيسا ومحمد التابعي وإبراهيم سامي وسيد جاد وعبد الرحمن صالح ومصطفى الهلباوي وعلي نور الدين أعضاء ولم تكن محكمة الشعب تحاكم الإخوان المسلمين بقدر ما كانت تحكم عليهم فهي الخصم والحكم وهي الإدعاء والدفاع وهي الشهود والجمهور بل وهي القانون والدستور لا يردعها أي رادع عن انتزاع الإدانة ضد الإخوان بأية صورة من الصور، واعتمدت هذه المحكمة بشكل رئيسي على عنصرين اثنين هما الانهيار العضوي الذي أصاب الإخوان بسبب التعذيب الوحشي والانهيار النفسي الذي أصابهم بسبب خيانة دوير للعهد وللإخوة التي هي من وحي السماء!! وكما كان هنداوي دوير مدللا من قبل سلطات الأمن والداخلية فقد كان مدللا أيضا من قبل سلطات الإدعاء والمحكمة وذلك في مقابل خدماته الجليلة التي قدمها للعدالة أو بالأدق للمؤامرة حيث استمر يسرد عشرات التفصيلات الدقيقة والوهمية عن الجهاز العسكري الخاص وجماعة الإخوان المسلمين بل وعن رئيس الجمهورية محمد نجيب أيضا!! وفي أكاذيبه المكشوفة ورط هنداوي دوير مرؤوسه محمود عبد اللطيف حيت اتهمه بأنه كان متحمسا بشكل شخصي لارتكاب الحادث وأنه هو الذي اقترح أن يقوم بتنفيذه في الإسكندرية رغم محاولات دوير لصرفه عن ذلك واعتمدت المحكمة كلامه رغم قوة الحجة التي أوردها ببساطة " سباك " إمبابة محمود عبد اللطيف في تكذيبه للمحامي دوير عندما قال بأن مثل هذه الأمور لا تخضع للاعتبارات الشخصية وإنما هي أوامر واضحة من رئيس إلى مرؤوسه لم يكن أمام عبد اللطيف سوى أن يطيعها أو يعرض نفسه للفصل من الجماعة بما يحمله ذلك من احتمالات!! كما ورط دوير رئيسيه في الجهاز العسكري الخاص إبراهيم الطيب المسؤول عن الجهاز في القاهرة ويوسف طلعت المشرف العام على الجهاز وذلك بادعائه أن إبراهيم الطيب هو الذي أخطره نقلا عن يوسف طلعت بأن الجهاز قد قرر الاتجاه نحو الإرهاب وأن عليهم أن يوجهوا ضربتهم باغتيال جمال عبد الناصر ثم التخلص بعد ذلك من كل أعضاء مجلس قيادة الثورة ورغم أن دوير قد رفض هذا الاتجاه إلا أن الطيب أمره بتنفيذ التكليف ومنحه المسدس المستخدم في الحادث وطلب منه أن يوفد محمود عبد اللطيف للقيام بهذه المهمة واعتمدت المحكمة أيضا كلامه رغم تكذيب الطيب وطلعت معا هذه الادعاءات في الوقت الذي لم يبخلا فيه على المحكمة بالمعلومات التفصيلية التي لديهما عن تنظيم الجماعة والجهاز الخاص ولم يكتف دوير بتوريط هؤلاء الثلاثة بل ورط المرشد العام حسن الهضيبي أيضا عندما ادعى أن قرار الجهاز العسكري الخاص باغتيال عبد الناصر كان قد صدر بعلم وموافقة ومباركة حسن الهضيبي ورغم تكذيب الهضيبي و طلعت والطيب لهذا الإدعاء إلا أن المحكمة اعتمدت عليه في سير القضية والتي تحولت من قضية شروع في قتل المتهم فيها هو محمود عبد اللطيف بشخصه إلى قضية قلب نظام الحكم بالقوة والمتهم قيهما هي جماعة الإخوان المسلمين وبالتالي فقد أصبح حسن الهضيبي هو المتهم الأول بصفته رئيس الجماعة كما ضمت قائمة الاتهام كل قادة وكوادر الجماعة. ولما كان مجلس قيادة الثورة يريد أن يحقق أكبر مكاسب ممكنة من وراء هذا الحادث ولما كان قد ضمن إحكام قبضته على جماعة الإخوان المسلمين فقد دفع بهنداوي دوير إلى توريط اللواء محمد نجيب رئيس الجمهورية قي هذه القضية الأمر الذي لم يتأخر عنه دوير حيث ادعى أن محمد نجيب كان على اتصال بحسن الهضيبي وأن الطرفين قد وضعا معا خطة لقلب نظام الحكم تبدأ بقيام الإخوان بعدة عمليات إرهابية وباغتيال عبد الناصر وأعضاء مجلس الثورة وبإثارة الاضطرابات والقلاقل الجماهيرية ثم يقوم محمد نجيب بتهدئة الجماهير بإعلان تصفية مجلس قيادة الثورة وتشكيل حكومة جديدة ثم يعلن الإخوان مبايعتهم لمحمد نجيب رئيسا للجمهورية ومبايعتهم لحكومته ويبدأ نجيب في الاتجاه بالبلاد نحو الوجهة الإسلامية التي يريدها الإخوان وأكد دوير أنه قد حضر بنفسه أحد الاتصالات التليفونية التي كانت تتم بين نجيب والهضيبي! ورغم زيف هذا الإدعاء ورغم عدم مواجهة نجيب به أمام المحكمة إلا أن مجلس قيادة الثورة تلقفه على الفور وأعلن بموجبه عزل محمد نجيب من رئاسة الجمهورية وإعادة اعتقاله في المرج حيث ظل هناك حتى وفاته عام 1984. وفي 1954/12/4 أعلنت محكمة الشعب حكمها الأول بحق قيادات الإخوان المسلمين وقد تضمن إعدام حسن الهضيبي وعبد القادر عودة ومحمد فرغلي ويوسف طلعت وإبراهيم الطيب ومحمود عبد اللطيف، وتضمن أيضا إعدام العميل هنداوي دوير لإسدال الستار نهائيا على مسرحية المنشية كما تضمن هذا الحكم الأشغال الشاقة المؤبدة بحق خميس حميدة وكمال خليفة وعبد العزيز عطية وحسين كمال الدين وصالح أبو رقيق ومنير الدلة وحامد أبو النصر والأشغال الشاقة خمسة عشر عاما بحق عمر التلمساني وسيد قطب وأحمد شريت وحسن دوح..، وتوالت الأحكام بحق 1125 وبينها خمسون حكما بالإعدام والمئات بالأشغال الشاقة المؤبدة والباقية بالأشغال الشاقة المحددة المدة وأودع ألوف الإخوان في المعتقلات بدون أحكام أو محاكمات أو حتى تهم محددة. وبعد النطق بالأحكام رفض عبد الناصر تصديق أحكام الإعدام وطلب تخفيفها إلى الأشغال الشاقة المؤبدة لأن كل أغراضهم من وراء هذه القضية (المسرحية) كانت قد تحققت ولن يغير في الأمر شيئا أن ينفذ الإعدام في قيادات الإخوان أو يلغى ولكن جمال سالم اعترض على ذلك بشدة وصلت إلى حد إشهار مسدسه في وجه عبد الناصر بدعوى أنه أصدر أحكام الإعدام بمعرفة مجلس قيادة الثورة وأن اعتراض عبد الناصر عليها سوف يظهر جمال سالم وكأنه أصدر هذه الأحكام من تلقاء نفسه وبالتالي سوف يجعله عرضة للاغتيال فتراجع عبد الناصر وأقر تنفيذ أحكام الإعدام باستثناء حسن الهضيبي الذي استبدل الحكم بإعدامه بالأشغال الشاقة المؤبدة، وذلك حتى لا يتحول بنظر الجماهير إلى شهيد فتتعاطف مع قضيته كما حدث بعد اغتيال حسن البنا. وفي 9/12/54 تم تنفيذ أحكام الإعدام .. ولما جاء دور هنداوي دوير صاح بأعلى صوته أن الاتفاق لم ينص على هذه النهاية وأنه يريد أن يقول كل شيء إذ لا يمكن أن تأتي هذه التمثيلية على رأسه، ولكن أحدا لم يسمعه ومن سمعه لم يستجب لأنه كما كان متوقعا فإن السلطة لا يمكن أن تفي بعهدها مع من خان عهد إخوانه و وضع رقابهم في حبل المشنقة وبعد إسدال الستار بإعدام هنداوي دوير شرع شركاؤه في تحصيل مكاسبهم على النحو التالي:

عبد الرحمن السندي تولى وظيفة كبيرة في شركة شل للبترول ومنحه جمال عبد الناصر فيلا فخمة مزودة بكل وسائل الراحة في مدينة الإسماعيلية السياحية.

- أحمد حسن الباقوري استمر وزيرا للأوقاف حتى عام 1959 ثم أصبح رئيسا لجامعة الأزهر حتى عام 1969 وتحول من حامل مبدأ إلى حامل حقيبة يد تحوي صكوك غفران إسلامية لكافة ممارسات عبد الناصر ومن بعده السادات ثم مبارك واستمر يتنقل بين أروقة وردهات الحكم المختلفة كرئيس لمعهد الدراسات الإسلامية ولجمعية الشبان المسامين وكعضو في مجمع البحوث الإسلامية وفي مجمع اللغة العربية وفي مجلس الشورى وفي المجلس الأعلى للصحافة وغيرها.

- صلاح دسوقي ما لبث أن أصبح نائب وزير الداخلية ثم محافظ القاهرة ثم سفيرا وبعد ذلك تفرغ لإدارة عدة مشروعات اقتصادية كبرى في مقدمتها قيامه بملكية ورئاسة مجلس إدارة شركة سيناء للفنادق.

- أما جمال عبد الناصر فقد كان المستفيد الأكبر من حادث المنشية حيث أزاح من طريقه الإخوان المسلمين وأطاح بمحمد نجيب ووجه الضربة القاضية للديمقراطية كما تغيرت مشاعر الجماهير نحوه تغييرا جذريا بعد هذا الحادث وحظي بتعاطف وتأييد شعبي جارف استطاع بموجبه أن ينفرد بحكم البلاد حتى سبتمبر 1970.

***

انتهت الشهادة الشيوعية..

وبعد قراءاتي المستفيضة فإنني أظنها أقرب الشهادات لما حدث فعلا..

أقرب للصواب حتى من شهادات قادة الإخوان المسلمين ومنها شهادة الشيخ يوسف القرضاوي..

والأمر لا يعود إلى قصور في شهادات الإخوان.. بل في سمة لا يملكون التحول عنها.. لأنها جزء من العقيدة.. فهم لا يستطيعون إلقاء التهم جزافا ولا الاتهام بالشبهة ولا الإدانة دون بينة.. وكل هذه الصفات تأتي بثمرتها القصوى في مجتمع إسلامي.. ومن هذا المنطلق سنفاجأ بالدكتور القرضاوي يدافع عن هنداوي دوير كأخ مسلم ليس لديه بينة على إدانته فمن واجبه إذن الدفاع عنه..

في بيت الدعارة تكون شهادة القواد هي المعتبرة..

وفي تجنيد الفنانات تكون شهادة صفوت الشريف هي ما يؤخذ به..

وفي الدفاع عن حقوق الشواذ لا يوجد من نسمع له أفضل من فاروق حسني..

وعلى هذا المنوال.. وبذات الاستدلال تأتي أهمية شهادة الشيوعيين على حادث المنشية..

***

سوف أقرأ معكم في فصل تال – وقلبي يبكي – استجوابا قام به الجلاد صلاح الدسوقي للشهيد سيد قطب.. ورأي الشهيد بنور الله كيف أن الحادث مدبر وملفق.. واستشاط الجلاد غضبا وراح يوبخ الشهيد ويؤنبه لأنه يظن أن الحادث مفتعل للإيقاع بالإخوان..

***

أريد أن أنقل لكم بعضا من رسائل القراء التي أدمت قلبي.. خاصة رسالة القارئ أحمد صبحي.. لكنني قبلها أنقل لكم شهادة للكاتب جلال أحمد أمين.. وهو كاتب علماني إلا أنه منصف وموضوعي وذكي حتى أنني أقول لأصحابي ساخرا " لا ينقصه إلا نطق الشهادتين كي يصبح كاتبا مسلما"..

فإلي شهادته التي نشرتها مجلة أخبار الأدب العدد 1423

وهي شهادة تبدأ بصرخة:

جلال أمين في اتحاد الكتاب: ثورة يوليو صناعة أمريكية!!: هذه الأعوام سواء في تاريخ مصر أو العالم تمثل بحق ما أسميه بالعصر الأمريكي، هذا العصر قسمته إلي مرحلتين، لكن يبدو أنني مضطر للقول أننا قد نكون مقبلين علي مرحلة ثالثة وسوف أتحدث عن المغزي التاريخي لثورة يوليو، باختصار موقع أحداث الثورة في سياق التاريخ المصري والعالمي أو ما أسميه بالعصر الأمريكي'!

بعد ذلك واصل جلال أمين قائلا:

خلال الأربع أو الخمس سنوات السابقة علي الثورة كان المصريون يشعرون بأن شيئا ما سيحدث.. كل شيء كان يشير إلي ذلك.. ملك فاسد.. أخبار عن قصصه مع النساء وموائد قمار، هزيمة 48، حكومات تتغير بلا سبب مقنع.. كل منها أكثر فسادا من الأخري. تفاوت في الدخل. تزايد سكاني. احتكار شريحة معينة من هؤلاء السكان لجميع الامتيازات.

هذا يفسر الفرح العظيم بالثورة. نعم اعتبرناها أمرا طبيعيا ونتاجا للصورة السابقة،الذي كان غريبا فقط بالنسبة لنا هو أن من قام بالثورة ضباط. قلنا: وماذا يضير في ذلك. هم أبناؤنا في النهاية ويملكون مشاعرنا ذاتها ثم من كان سيتجرأ ويفعل ما قاموا به؟! وعلي هذا قبلنا المبادئ الستة التي قررتها الثورة. وهنا لابد أن ألفت النظر إلي أن كل مبدأ كان يمكن أن يفسر وقتها عدة تفسيرات..

في السياسة الداخلية كان السؤال: الجيش قام بالثورة.. تري هل سيعود إلي ثكناته أم سيظل في الحكم؟ في السياسة الخارجية: تخلصنا من الاستعمار لكن هل هذا معناه أننا سنصبح دولة حرة أم تابعين لأمريكا أم لروسيا؟

في موقفنا من إسرائيل: هل نعقد صلحا معها أم نحارب علي الفور أم نبني جيشا ونحارب؟

في التنمية: هل سنركز علي الزراعة أم الصناعة؟ هل نعتمد علي النفس أم الغير؟ هل ستكون الصناعة خفيفة أم ثقيلة؟!

بعد ذلك طرح جلال أمين هذا التساؤل: ما الذي حدد الاختيار في كل ما سبق؟

أجاب علي سؤاله بنفسه: الذي حدده في رأيي ظرف العالم.. لم يكن الاختيار بيد الجيش، نعم كانت دائرة الاختيار أضيق بكثير.. العالم وقتها كان يشهد مولد العصر الأمريكي وكل الذي فعلته الثورة يتمشي مع متطلبات هذا العصر.

قصة مذهلة!

قبل أن يبدي الحاضرون نوعا من الدهشة أو التساؤل قال جلال أمين:

­ سأضرب أمثلة لأدلل علي ما أقول.

أكمل: هناك قصة ثابتة ومعروفة وحينما سمعتها للمرة الأولي أذهلتني وأربكتني، وهي أنه لم يتم الإعلان عن سقوط الملك إلا بعد توقيع السفير الأمريكي علي البيان الذي أعده الضباط!

القصة الأخرى أن رجال الثورة حينما وجدوا رئيس الوزراء علي ماهر يتلكأ في تنفيذ خطوات الإصلاح الزراعي قرروا إقالته، يصف أحمد حمروش مجلسا لهم كانوا يتناقشون فيه عن أهمية وجود رئيس وزارة جديد كالتالي: سليمان حافظ نائب رئيس مجلس الدولة يقول لهم. أقترح أن يكون رئيس الوزراء الجديد السنهوري، فإذا بعلي صبري­ حلقة الوصل بين الثورة وأمريكا وقتها­ يهمس في أذن جمال سالم بشيء ما(!) وبناء علي هذا الهمس يعتدل جمال سالم في جلسته ويقول: السنهوري علي العين والرأس لكن نخشي من عدم موافقة الأمريكيين عليه، 'بلاش' أحسن لأنهم يتهمونه بأنه يساري!

وواصل الدكتور جلال سرده لعدد من الأمثلة التي يوضح بها إلي أي حد لم يكن الاختيار واردا وإنما كان كل شيء يتم وفقا لما تريده أمريكا:

حتي التغيير عن طريق انقلاب عسكري شكل أمريكي، الإصلاح الزراعي الذي تبنته الثورة كان السبيل المفضل لأمريكا لأنها تظن أنه السبيل الوحيد لمنع انتشار الشيوعية!

أتساءل الآن أيضا: مساعدة مصر لثورة الجزائر هل كان اختيارا مصريا؟! تبنيها للقومية العربية هل كان اختيارا بالفعل؟!

ايزنهاور أشار إلي فراغ موجود في الشرق الأوسط فرد عليه عبد الناصر بأننا سنسده بالقومية العربية..

يحق لي أن أتساءل هنا: هل هذا كان يناسب المصلحة الأمريكية لصد انتشار النفوذ الشيوعي؟!

أسارع بالقول أن التساؤل ليس معناه أن ما قامت به مصر من تبن للقومية العربية خاطئ، لكن علينا أن نعترف لأنفسنا أن ذلك كان يصب في مصلحة أمريكا!

اعتمدنا دائما في الإصلاح الاقتصادي علي المعونة الأمريكية مع أن الشعب المصري بالحماس الذي كان موجودا كان يمكن أن يتخلي عن ذلك!

حتي مفهوم التنمية ربطناه بمتوسط الدخل وهو مفهوم أمريكي تماما فضفاض لا يتعارض مع شراء أسلحة.

المفهوم الصحيح للتنمية: إشباع الحاجات الأساسية للناس.. هذا المفهوم لا يسمح بالرفاهية التي يسمح بها الأول!! هل يتصور أحد أنه بعد خمسين عاما وصلت الأمية إلي خمسين بالمائة مع الإشارة إلي أن كوبا قد محت الأمية تماما خلال عامين. وكلها أمور كما أقول تتمشي مع العصر الأمريكي!

مرحلتان

فصٌّل جلال أمين بعد ذلك التغيرات العالمية التي حدثت خلال مرحلتي العصر الأمريكي.. وهي تغيرات فرضت نفسها علي الحالة السياسية المصرية..

1.  1.  في الخمسينيات والستينيات (المرحلة الأولي) لم تكن أمريكا قد تسلمت ميراث العالم بشكل حقيقي وابتداء من السبعينيات (المرحلة الثانية) كان هذا قد تم.

2.  2.  في (المرحلة الأولي) كان نمو الاقتصاد الغربي والأمريكي نموا غير مسبوق في تاريخ البشرية.. وابتداء من المرحلة الثانية تباطأ هذا النمو بشكل ملحوظ.

3.  3.  في الأولي كانت اليابان وأوروبا تعيد بناء اقتصادها، وفي الثانية بدأت تغزو الاقتصاد الأمريكي في عقر داره.

4.  4.    في الأولي انتشر نفوذ الاتحاد السوفيتي وفي الثانية لم يعد يشكل خطرا من أي نوع.

5.  5.  في الأولي كانت إسرائيل توطد أقدامها في فلسطين والثانية كانت تسعي بكل الطرق إلي توسيع كيانها.. أريد أن أخلص إلي أن أمريكا في المرحلة الثانية كانت تريد اقتصادا أكثر انفتاحا علي الغرب حيث لم تعد أسواقها كافية لاستيعاب منتجاتها.. وفتح الاقتصاد كان يتطلب طرد روسيا من المنطقة، نظاما أكثر سهولة في التعامل مع إسرائيل، القضاء علي القومية العربية، تفكيكا لسلطة الدولة.. باختصار كانت أمريكا تريد دولة رخوة!

تحدث جلال أمين بعد ذلك عما أسماه بالمرحلة الثالثة. أكد أنها بدأت مع سقوط الاتحاد السوفيتي. ثم بدأ في تقريب أبعاد هذه الرحلة إلي الأذهان:

العدو القديم 'الاتحاد السوفيتي' و'الاشتراكية' انتهي وكان علي أمريكا البحث عن عدو جديد! لماذا؟ حتي يستمر انتاجها للأسلحة، وحتي تروض الرأي العام الأمريكي، إنها تريد دائما أن تضعه في حالة خوف دائم، يقولون له: هناك من يتربص بك، من يحسدك، هذا هو السبب في تقبل الشعب الأمريكي للقهر المفروض دائما عليه من سلطته.

ما حدث في العالم أيضا خلال هذه المرحلة أن قوة إسرائيل قد نمت بينما أصاب العرب نوع من الإرهاق الشديد.. كذلك تنامي التهديد الاقتصادي لأمريكا خاصة بعد صعود قوي جديدة في الشرق الأقصي وقيام الاتحاد الأوروبي ولهذا كان علي أمريكا أن تتعامل مع المنافس الجديد..

هذه الأحداث كانت تتطلب تغييرات في العالم العربي والإسلامي أكثر من أي منطقة أخري لأنه ليس أنسب لأمريكا وإسرائيل من تسمية العدو الجديد بـ'الإرهاب الإسلامي' الأمر الذي يعطي مبررا لإسرائيل أن تفعل ما تريد والعرب في حالة­ كما ذكرت­ من الإرهاق والتعب. الغرب يتهمهم بأنهم مجرمون فيكون ردهم:

والله جايز.. والله محتمل!!

علق ساخرا: 'وصلنا إلي حد أن نقبل أي إهانة يمكن توجيهها إلينا'.

واصل: كانت نتيجة هذا أن الضربات التي تلقاها العرب خلال عشر سنوات لم يكن لها مثيل!

***

لقد نشر جلال أمين مقالا مشابها يؤكد فيه السيطرة الأمريكية على ثورة يوليو في عدد مجلة الهلال التذكاري بمناسبة مرور نصف قرن على ثورة يوليو..

***

لكنني أتساءل : هل لاحظ القارئ حديث جلال أمين عن قانون الإصلاح الزراعي.. و أنه كان طريقة أمريكية..

***

لقد ظللت أعواما لا أريد أن أصدق جلال كشك في انتقاداته العنيفة واتهاماته الأعنف لمحمد حسنين هيكل.. وكان أحد هذه الاتهامات هو الاختلافات بين نصوص كتبه ما بين الطبعة العربية والطبعة الإنجليزية.. كنت دائما أدافع عن هيكل.. وكنت أقول لنفسي أن خصائص كل لغة تستلزم نوعا من الاختلاف في الأسلوب.. لكن واقعة محددة طعنت قلبي..

واقعة واضحة صريحة مريرة فاجعة تنال مباشرة من مصداقية هيكل الذي كنت أظن أنني فهمته فهو لا يكذب أبدا كما أنه لا يقول الحقيقة كاملة أبدا.. كنت مقتنعا بذلك.. وكنت أظن أنه مفيد على أي حال كمصدر للمعلومات وكمحلل بارع.. ولم أكن قد أمسكت به متلبسا بالتزوير .. وحتى عندما دبج جلال كشك آلاف الصفحات.. وحتي بعد كتابات مايلز كوبلاند ومصطفى أمين ظل رأيي في هيكل كما هو..

كنت دائما أنصف هيكل على حساب جلال كشك.. بل كنت أتهم مصداقية جلال كشك عندما يكتب عن الطبعات الأجنبية لمؤلفات محمد حسنين هيكل..

لكن الميزان بدأ يميل لصالح جلال كشك.. وفي واقعة محددة ولنقرأ في كتابه: ثورة يوليو الأمريكية – الطبعة الثالثة- المكتبة الثقافية ص 95 و 96:

.. ونمضي في المقارنة بين ما قيل للغربيين المتنورين، وما أعدته مؤسسة تزييف التاريخ لقرائها بالعربية.. فنقارن بين صفحتي 49 الطبعة العربية و صفحة 8 من الطبعة الإنجليزية ( من كتاب ملفات السويس) فنفاجأ بأن الأستاذ قد أتحفنا بنص رسالة الوزير الأمريكي المفوض في مصر عن اللقاء بين فاروق وروزفلت، وترجمها مشكورا هو أو مكتب سكرتيرته السابقة، المتآمرة على " الزعيم " بواقع التسجيلات.. ومنح الخطاب رقم 11 في قائمة الوثائق التي ازدان بها الكتاب العربي وطرب لها الأميون-. ومن أجل استرداد المصداقية التي ضاعت! إلا أننا نكتشف أنه حتى في الوثائق، فإن الأخ الأكبر لا يتورع عن تنقيح التاريخ، بما لا يخدش حياء قرائه القاصرين.. ففي الوثيقة العربية سقط عمدا أهم ما قاله الرئيس الأمريكي للملك فاروق. الأمر الذي لم يكن بوسعه حذفه من الطبعة الإنجليزية.. أو من يدري لعله فعل وأضافه الناشر الإنجليزي لتعزيز المصداقية إياها!.. والنص المخفي هو:

 واقترح الرئيس الأمريكي على ملك غير متجاوب، اقترح روزفلت تقسيم الملكيات الكبيرة في (مصر وتسليمها للفلاحين لزراعتها ) (وقد بلغ الحرص على دقة النص أن كلمة : فلاحين! كتبت هكذا: fellahin .. لتحديد الطبقة المقصودة بالتوزيع .. لماذا ضن " هيكل على البؤساء من قرائه العرب بهذا النص البالغ الخطورة؟!.. رغم التطويل المتعمد في الطبعة العربية والاختصار في الإنجليزية.. لماذا؟

الجواب معروف: لأنه يعزز حجة القائلين بأن الإصلاح الزراعي هو أصلا، مطلب أمريكي قديم منذ 13 فبراير 1945) أي قبل الثورة بسبع سنين. وها نحن في أول لقاء بين رئيس أمريكي وملك مصر، لا يجد الرئيسي الأمريكي ما يقترحه على " ملك غير متجاوب " بل مهتم أكثر بالشكوى من معاملة الإنجليز، لا يجد الأمريكي ما يطلبه إلا الإصلاح الزراعي.. ولكن لأن هذه الحقيقة تعزز حجج خصوم الناصرية فقد استحقت أن تنسخ وفي أول ملزمة.. ولكن هيهات فقد بقي حكمها! بل ونصها الأفرنجي!

وعندما يكتب التاريخ بهدف إخفاء تهمة، فهو لا يكون تاريخا، بل شعوذة وتزويرا في مستندات رسمية..

***

هرعت إلى نسخة ملفات السويس عندي ولم أجد الجملة ..

وظل الميزان يميل لصالح جلال كشك أعواما و أعواما.. ولكن ظلت هذه الواقعة تضيع في زحام مشاغلي وعدم تيسر طبعة إنجليزية.. حتى لجأت أخيرا إلى صديقي الأستاذ محمد طاهر وهو يقيم بالخارج فتفضل بإرسال صورة لصفحة 8 بالنص الإنجليزي..

وشعرت بطعنة الخيانة..

هيكل إذن درج على إخفاء ما يتعلق بعلاقة ثورة 23 يوليو بالمخابرات الأمريكية..

وكان نص الصفحة كالآتي:

 

Cutting the Lions Tail

 populous and potentially the most powerful of the emerging Arab nations And Ethiopia, together with the British at their base in Aden, controlled the strategically vital straits between the Red Sea and the Indian Ocean.

At noon on 13 February 1945, Roosevelt received Farouk on board USS Quincy, anchored in the Great Bitter Lake. To an unresponsive monarch, more interested in complaining about the iniquities of Killearn, he suggested that it might be a good idea to break up the large landed estates in his country and hand them over for cultivation by the fellahin .

At noon the following day he received the King of Saudi Arabia. They considred the question of homeless Jews in Europe, the King insisting on the impossibility of cooperation between Arabs and jews, in Palestine or anywhere else, and the President promising that he would do nothing to assist the Jews against the Arabs and that he would make no move hostile to the Arab people.

 The two leaders then went on to discuss the British and the French. `We like the English, said the President, `but we also know the English and how they insist on doing good themselves. You and I want freedom and prosperity for our people and their neighbours after the war The English also work and sacrifice to bring freedom and prosperity to the world, but on the condition that it be brought by them and marked "made in Britain".' lbn Saud smiled, and nodded assent.

 Later the King said that he had never heard the English so accurately described. `The contrast between, the President and Mr Churchill is `very great,' he told the American Minister in Jeddah `Mr Churchill speaks deviously, evades understanding, changes the stabject to avoid commitment. C.ordng me repeatedly to bring him back to the point. The President seeks understanding in conversation; his effort is to make two minds meet; to dispel darkness and shed light on the issue.' On his return Roosevelt told Congress that he had `learned more about the whole problem, the Moslem problem, the Jewish problem, by talking with ibn Saud for five minutes than could have learned in the exchange of two or three dozen letters.' An era of postwar harmony between America and the Arabs seemed to be about to open.

Two months later Roosevelt was dead.

 

***

عندما قرأت كتاب لعبة الأمم لمؤلفه مايلز كوبلاند في بداية السبعينيات سخرت منه كثيرا.. كان يوحي أنه الرجل الذي صنع الملوك والرؤساء،و أعاد شاه إيران إلى العرش، وجاء بحسني الزعيم، والحناوي، والشيشكلي، وجمال عبد الناصر إلى السلطة.

كنت أقرأ كتاب الرجل كما أقرأ كتابات كتابنا المهرجين..

كان الرجل يقص كيف بدأت علاقة الثورة بالمخابرات الأمريكية قبل قيامها بشهور.. وكيف استمرت بعد قيامها حيث فضل قادتها العلاقة مع المخابرات عن العلاقة الطبيعية عن طريق السلك الدبلوماسي.. ويقلب الرجل كثيرا من الحقائق المستقرة في أذهاننا.. وكيف اتفقت مصلحة عبد الناصر معهم في ضرب التيار الإسلامي..

حديث كوبلاند عن هيكل أسوأ بكثير من ذلك..

ولقد تجاهلت ذلك كله..

لكنني فوجئت بالدكتور مصطفى خليل في حوار له في برنامج شاهد على العصر – قناة الجزيرة – بتاريخ 8/9/1421هـ الموافق 4/12/2000م.

يسأله أحمد منصور:

- هل تعتقد إن اللي ذكره كوبلاند -وأنت كنت وزيراً ونائباً لرئيس الوزراء في عهد عبد الناصر- إن ما ذكره كوبلاند صحيح كله؟

ويجيب د. مصطفى خليل:

أعتقد إنه قال: الحقيقة في جزء كبير من الكتاب بتاعه..

يا إلهي..

قال الحقيقة في جزء كبير..

لو أن عشر ما قاله صحيح لكانت الكارثة كاملة.. والخيانة كذلك..

***

قبيل هجمة التتار الجدد علينا أفتى الأستاذ محمد حسنين هيكل بأن أمريكا ليس لديها غرض معين من مجيئها إلى هذه المنطقة سوى إستعراض قوتها فحسب ، وأن اختيار المنطقة نفسه مجرد صدفة..

 لكن نيلسون مانديلا هاجمها بضراوة مقررا أنها إنما جاءت لتستخدم قوتها فى إرهاب العالم وإخافته بغرض الاستحواذ على ثروات المنطقة .

***

تقول مجلة فلسطين في عددها بتاريخ السبت 27 أيلول 2003

ومما لا شك فيه أن تاريخ المخابرات الأمريكية في مصر قديم.. قدم يقظة هذا الشعب.. ولكن النشاط المكثف للمخابرات الأمريكية بدأ منذ فجر ثورة يوليو 1952م .. وسجل المخابرات الأمريكية في مصر طويل.. ومرير مليء بالأحداث والأرقام بدءا من «كيرميت روزفلت» ومرورا بـ«ويليام ليكلاند» المسؤول السياسي في السفارة الأمريكية آنذاك ثم «ستيفن مد» أحد البارزين من المسؤولين عن عمليات المنطقة العربية والذي سبق له في عام 1949 أن كلف بمهمة الإعداد لانقلاب حسني الزعيم في سوريا.. ومن بعده أسماء أخرى كثيرة مثل «الجنرال كابل» و«جيمس انجلبر جر» و«باول لينيا رجر» وقد كان الأول متخصصا في الأنظمة العسكرية للدول النامية واحد رجال العلوم السياسية في وزارة الخارجية الأمريكية، واستطاع أن يعقد علاقات طيبة مع عدد من كبار الصحفيين المصريين من بينهم محمد حسنين هيكل ومصطفى أمين.

آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه..

آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه..

" الثورة .. ليست كذلك"..

"و هيكل.. ليس كذلك"..

وتلك الصورة المثالية الحالمة ليست كذلك..

والبطولة والإبهار والمجد والزعامة و الإلهام والفكر والحكمة والقداسة والعصمة والصواب المطلق ونفي الآخر وادعاء أن الآخر كان شيطانا رجيما ... كل ذلك لم يكن كذلك..

نعم.. برنامج صناعة النجم غير الحقيقة وألبس الحق ثوب الباطل والباطل ثوب الحق..

كل ذلك.. لم يكن كذلك ..

والصدق كان غائبا..

والكذب كان سائدا..

وقهروا الأمة على أن يكون الكذب عقيدة لا تحتمل سؤالا واحدا..

نعم..

لم يكن الأمر سوء حظ ولا سوء تقدير ولا اختلافات رؤى..

بل كانت – من البداية - ناصية كاذبة..

كان مشايخ من الأزهر يفتون بعبادة الشيطان..

وكان حمدي قنديل – لن ينسي الأمريكان ولا الشيطان هذا الصنيع له أبدا – يذهب إلى السجن الحربي ليسجل مبايعة الإخوان لعبد الناصر.. كانوا تحت وطأة التعذيب يعدون أنهم سيبايعون.. لكنهم كانوا يتراجعون أمام الميكروفون فيرفضوا التسجيل.. وكان المذيع الكبير الشهير الإنسان القومي المهذب "الشيك" ينادي الزبانية قائلا: " شيلوا القرف ده " وهو يقصد أن يأخذوهم ليعطوهم جرعة أخرى من التعذيب تقنعهم بالتسجيل معه

لا بطولة ولا رومانسية ولا إبهار ولا حتي مأساة..

إنما إجرام..

وناصية كاذبة خاطئة..

كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى {6} أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى {7} إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى {8} أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى {9} عَبْدًا إِذَا صَلَّى {10} أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَى {11} أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى {12} أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى {13} أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى {14} كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ {15} نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ ( العلق).

***

ولكن.. فلنؤجل ذلك الآن.. ولندخل في جحيم مستعر – آخر – من الألم..

إلى رسائل القراء..

***

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

هل فعلا حكم مصرنا إبليس 18 عاما

هل كان جمال كذلك حقا

فلماذا يحبه الناس-و أنا منهم- أذن حتى الآن

مش قادر اصدق

جمال ليس كذلك

الثورة ليست كذلك

كانت هذه ردود فعلى بعد قراءة كتاب "قال الناس و لم اقل عن حكم جمال عبد الناصر" للاستاذ عمر التلمسانى

لكن للأسف-أكدت مقالات سيادتك هذا الكلام

لا حول ولا قوة إلا بالله

لعلك يا سيدى تعلم أن جيل الشباب فى بلادنا تربى و نشأ على الأوصاف الأسطورية لعبد الناصر-بطل العروبة -عدو إسرائيل و أمريكا رقم 1

القائد الذى لم يسالم و لم يهادن

ماذا افعل الآن تجاه ذلك الشخص

لم تكن أخطاءه أذن كما علمونا سوء تقدير-بل كانت جزءا عظيما من المؤامرة على الإسلام فى بلادنا

الآن فقط أدركت انه من اكبر أعداء الإسلام فى القرن العشرين

أتدرى يا سيدى ماذا كان رد فعل أهلي و أصدقائى و زملائي عندما أخبرتهم بذلك

هل تصدق أن منهم من نعتنى بالجنون ومنهم من ظن بى العمالة لإسرائيل

!!!!!!!!!!!

يوم 5 أكتوبر الماضى ضربت إسرائيل سوريا كما تعلم- فصاح أحد زملائي لو كان جمال حيا ما أقدمت على ذلك

(و كنت أنا قبل ذلك ممن يردد تلك الأقاويل للأسف)

ماذا افعل

ماذا افعل

ماذا افعل

أي قدره للكذب و الخداع كان يملكها هذا الرجل كى يستمر تأثيره حتى اليوم

يبايع الإخوان و فى نفس الوقت يتصل بالشيوعيين

يعلن قيام أحزاب ثم يصنع مظاهرات مناهضه لذلك

يصنع مسرحية المنشية ثم يقول بعد نجاته المزعومة

 

2.      خطاب يوم المنشية

أيها المواطنون:

يا أهل الإسكندرية الأمجاد.. أحب أن أقول لكم ونحن نحتفل اليوم بعيد الجلاء.. بعيد الحرية.. بعيد الاستقلال، أحب أن أقول لكم - أيها الإخوان - أحب أن أتكلم معكم عن الماضى وعن كفاح الماضى.. أحب أن أعود إلى الماضى البعيد.

أيها المواطنون:

أحب أن أتكلم معكم كلاماً هادئاً، (ثم يوجه كلامه بحدة إلى الذين يهتفون قائلاً باستنكار) كفانا هتافاً - أيها الإخوان - فقد هتفنا فى الماضى فماذا كانت النتيجة؟ هل سنعود إلى التراقص مرة أخرى وإلى التهليل؟! هل سنعود إلى التهريج؟! إنى لا أريد منكم أن تقرنوا اسم جمال بهذه الطريقة، إننا إذا كنا نتكلم معكم اليوم فإنما نتكلم لنسير إلى الأمام بجد وبعزم، لا بتهريج ولا بهتاف، ولا يريد جمال مطلقاً أن تهتفوا باسمه، إننا نريد أن نعمل لنبنى هذا الوطن بناءً حراً سليماً أبياً، ولم يبن هذا الوطن فى الماضى بالهتاف، وإن الهتاف لجمال لن يبنى هذا الوطن، ولكنا - يا إخوانى- سنتقدم وسنعمل.. سنعمل للمبادئ.. وسنعمل للمبادئ، وسنعمل للمثل العليا؛ بهذا سنبنى هذا الوطن، وأرجوكم أن تصغوا إلى.

وأنا إذا كنت أتكلم معكم اليوم فى الاحتفال بهذه الاتفاقية، وفى الاحتفال بهذا الجلاء، وفى الاحتفال بهذه الحرية؛ فإنما أريد أن أذكركم بالماضى وبكفاح الماضى.. بكفاحكم أنتم وبكفاح آبائكم وبكفاح أجدادكم، أريد أن أقول لكم لقد بدأت كفاحى وأنا شاب صغير، من هذا الميدان، ففى سنة 30.. فى سنة 1930 خرجت وأنا شاب صغير بين أبناء الإسكندرية أنادى بالحرية وأنادى بالكرامة لأول مرة فى حياتى، وكان هذا - يا إخوانى - أول ما بدأت الكفاح من هذا الميدان.

وأنا إذ أتواجد بينكم اليوم لا أستطيع أن أعبر عن سعادتى، ولا أستطيع أن أعبر عن شكرى لله حينما أتواجد فى هذا الميدان وأحتفل معكم أنتم يا أبناء الإسكندرية، يا من كافحتم فى الماضى، ويا من كافح آباؤكم، ويا من كافح أجدادكم، ويا من استشهد إخوان لكم فى الماضى، ويا من استشهد آباؤكم. أحتفل معكم اليوم بعيد الجلاء وبعيد الحرية، بعيد العزة وبعيد الكرامة.

 (سُمع صوت تصفيق من الجماهير، ثم دوت ثمانى رصاصات متتالية تجاه الرئيس، وبعد فترة من الفوضى يجئ صوت الرئيس: يوجه خطابه للجماهير قائلاً:)

فليبق كل فى مكانه..

أيها الرجال:

فليبق كل فى مكانه..

أيها الرجال:

فليبق كل فى مكانه..

أيها الرجال:

فليبق كل فى مكانه..

أيها الرجال:

فليبق كل فى مكانه:

أيها الرجال:

فليبق كل فى مكانه..

أيها الرجال:

فليبق كل فى مكانه..

أيها الرجال:

فليبق كل فى مكانه..

أيها الأحرار:

فليبق كل فى مكانه..

دمى فداء لكم.. حياتى فداء لكم..

دمى فداء مصر.. حياتى فداء مصر.

أيها الرجال.. أيها الأحرار.. أيها الرجال.. أيها الأحرار:

دمى فداء لكم.. حياتى فداء مصر..

هذا جمال عبد الناصر يتكلم إليكم - بعون الله - بعد أن حاول المغرضون أن يعتدوا عليه وعلى حياته.. حياتى فداء لكم، ودمى فداء لكم.

أيها الرجال.. أيها الأحرار:

إن جمال عبد الناصر ملك لكم، وإن حياة جمال عبد الناصر ملك لكم.

أيها الناس.. أيها الرجال:

ها هو جمال عبد الناصر.. ها هو جمال عبد الناصر بينكم، أنا لست جباناً.. أنا قمت من أجلكم، ومن أجل حريتكم، ومن أجل عزتكم، ومن أجل كرامتكم.

أيها الناس.. أيها الرجال.. أيها الأحرار.. أيها الأحرار:

أنا جمال عبد الناصر.. منكم ولكم.. دمى منكم ودمى لكم، وسأعيش حتى أموت مكافحاً فى سبيلكم وعاملاً من أجلكم.. من أجل حريتكم.. ومن أجل كرامتكم.. ومن أجل عزتكم.

أيها الأحرار.. أيها الرجال.. أيها الأحرار:

 ( يوجه كلمة "أوعى" لأحد زملائه الذين يحاولون منعه من الاستمرار فى الحديث حرصاً عليه ثم يواصل:)

أيها الرجال .. أيها الأحرار:

 ( ثم يقول لزملائه "سيبونى").

أيها الرجال:

فليقتلونى.. فليقتلونى.. فقد وضعت فيكم العزة.. فليقتلونى.. فقد وضعت فيكم الكرامة.. فليقتلونى.. فقد أنبت فى هذا الوطن الحرية والعزة والكرامة من أجل مصر ومن أجل حرية مصر؛ من أجلكم ومن أجل أبنائكم ومن أجل أحفادكم.

والسلام عليكم ورحمة الله.

 (ثم يستكمل الرئيس كلامه فى قمة الانفعال).

السلام عليكم.. كافحوا.. واحملوا الرسالة.. واحملوا الأمانة.. من أجل عزتكم، ومن أجل كرامتكم، ومن أجل حريتكم.

يا أهل مصر.. يا أبناء مصر قمت من أجلكم .. وسأموت فى سبيلكم .. فى سبيل حريتكم، وفى سبيل عزتكم، وفى سبيل كرامتكم.

يا أهل مصر.. أيها الأعزاء.. أيها الكرماء:

أنا فداء لكم، وسأموت من أجلكم.. سأموت من أجلكم.. سأموت من أجلكم.

 والسلام عليكم.

 

( يسمع صخيب هادر.. الجماهير تريد أن تطمئن على الرئيس فيخرج إليها ويستكمل حديثه إليهم قائلاً:)

أيها المواطنون:

إذا مات جمال عبد الناصر فأنا الآن أموت وأنا مطمئن؛ فكلكم جمال عبد الناصر.. كلكم جمال عبد الناصر.. كلكم جمال عبد الناصر؛ تدافعون عن العزة، وتدافعون عن الحرية، وتدافعون عن الكرامة.

أيها الرجال:

سيروا على بركة الله.. والله يحمى مصر وأبناء مصر ورجال مصر. سيروا.. تمسكوا بالمبادئ، وتمسكوا بالمثل العليا ، لا تخافوا الموت ، فالدنيا فانية.

وإننا نعمل لنموت.. نعمل لنموت من أجلكم ومن أجل مصائركم ومن أجل حريتكم ومن أجل عزتكم.

أيها المصريون.. أيها الرجال.. أيها الرجال.. الأعزاء.. الكرماء:

سيروا على بركة الله.. والله معكم.. لن يخذلكم.. لن يخذلكم.

فلن تكون حياة مصر معلقة بحياة جمال عبد الناصر، ولكنها معلقة بكم أنتم وبشجاعتكم وبكفاحكم، فكافحوا، وإذا مات جمال عبد الناصر فليكن كل منكم جمال عبد الناصر.. فليكن كل منكم جمال عبد الناصر متمسكاً بالمبادئ ومتمسكاً بالمثل العليا.

أيها الرجال:

سيروا فإن مصر اليوم قد حصلت على عزتها وحصلت على كرامتها وحصلت على حريتها، فإذا مات جمال عبد الناصر أو قتل جمال عبد الناصر فسيروا على بركة الله نحو المجد.. نحو العزة.. نحو الحرية.. نحو الكرامة.

 والسلام عليكم ورحمة الله.

 (ثم يأتى وصف المذيع وتطالب الجماهير بخروج الرئيس إليها، ثم يسمع صوت الرئيس يقول: "سيبونى.. سيبونى.. سيبونى.." فيلبى الرئيس نداء الأمة التى تهتف: الله معك يا جمال).

أيها المواطنون:

كنت أتكلم معكم عن كفاحى سنة 30، وفى سنة 30 - يا إخوانى - فى هذا الميدان.. فى هذا الميدان، وكنت أبلغ من العمر اثنى عشر عاماً.. جئت إلى هذا الميدان وكنت طالب فى مدرسة رأس التين، جئت إلى هذا الميدان أهتف بالحرية وأهتف بالكرامة، وحاول الاستعمار وأعوان الاستعمار أن يعتدوا علينا وأن يقتلونا، فقتل من قتل واستشهد من استشهد ومات من مات، ونجا جمال عبد الناصر ليحقق لكم العزة وليحقق لكم الكرامة وليحقق لكم الحرية.

أيها المواطنون.. أيها المواطنون:

إذا كان جمال عبد الناصر لم يمت فى سنة 30، وكتب له أن يموت اليوم، فإنه يموت مطمئن البال.. مطمئن الضمير؛ لأنه خلق فيكم العزة، وخلق فيكم الكرامة، وخلق فيكم الحرية.

أيها المواطنون:

إننى اليوم.. اليوم بعد 24 عاماً.. لقد اعتدوا على مع إخوان لى ولكم فى هذا الميدان، فى سنة 30 اعتدى الاستعمار واعتدى أعوان الاستعمار، ونجوت بعون الله؛ لأحقق لكم العزة وأحقق لكم الكرامة.

واعتدوا على اليوم، اعتدت الخيانة؛ الخيانة التى ترجو وتطلب أن تكبلكم وتستبد بكم وتستبد بمصائركم.

فإذا كنت قد نجوت اليوم فبعون الله لأزيدكم حرية، ولأزيدكم عزة، ولأزيدكم كرامة.

فليعلم الخونة وليعلم المضللون أن جمال عبد الناصر ليس فرداً فى هذا الوطن؛ فكلكم جمال عبد الناصر بعد أن شعرتم بالعزة، وبعد أن شعرتم بالحرية، وبعد أن شعرتم بالكرامة.

إذا مات جمال عبد الناصر اليوم، أو إذا مات جمال عبد الناصر باكر، فأنا أموت مطمئن.

لقد كنت منكم وأنا منكم، لقد كنت أتظاهر معكم فى هذا الميدان، وأنا اليوم أتكلم إليكم كرئيس لكم، ولكن - يا إخوانى - دمى من دمكم، وروحى من روحكم، وقلبى من قلبكم، ومشاعرى من مشاعركم.

أيها المواطنون.. أيها المواطنون:

إذا قتلوا جمال عبد الناصر، وإذا قضوا على روح جمال عبد الناصر، وإذا أنهكوا دماء جمال عبد الناصر فإنهم لن يقدروا على أرواحكم أنتم، ولا على قلوبكم أنتم، ولا على نفوسكم الأبية أنتم، ولا على دمائكم الطاهرة أنتم أيها الأحرار.

أيها الرجال.. أيها الرجال:

لقد استشهد الخلفاء الراشدون.. لقد استشهدوا جميعاً فى سبيل الله، وإذا كان جمال عبد الناصر يقتل أو يستشهد أنا مستعد لذلك والله فى سبيلكم وفى سبيل الله وفى سبيل مصر.

والسلام عليكم ورحمة الله.

 

يقول " فقد وضعت فيكم العزة.. فليقتلونى.. فقد وضعت فيكم الكرامه.. " فيصفق الشعب هل كان المصريين من قبله أولاد كلب-مع أن التاريخ يذكر أن فترة حكمه من أسوء فترات كرامة الشعب المصرى

 

يغدر هو بالاخوان الذي ساعدوه على قيام الثورة ويدبر المكائد لمحمد نجيب ثم يقول :

كلمة الرئيس جمال عبد الناصر فى دار هيئة التحرير فى ميدان الجمهورية بمناسبة نجاته من حادث المنشية

 إخوانى العمال:

أحييكم وأشكركم على هذا الاجتماع.. الاجتماع القوى الذى إن دل على شئ فإنما يدل على أنكم أنتم يا سواعد مصر.. يا عمال مصر، قد آمنتم بحريتكم، وآمنتم بعزتكم، وآمنتم بكرامتكم. وأنا بهذا أؤمن - يا إخوانى - أن عزة مصر، وكرامة مصر وحرية مصر ستبقى عالية على مر الزمن مهما كانت الأحداث، ومهما كانت العوامل، ومهما كانت المصاعب التى ستقف فى طريقنا نحو بنائها، نحو مجدها، ونحو عزتها.

إننا نفهم - يا إخوانى - الآن معنى العزة لأننا ذقنا العزة، ونفهم معنى الكرامة لأننا أحسسنا بالكرامة ونفهم معنى الحرية، لإننا جربنا الحرية نفهم هذه المعانى كلها؛ لإننا ذقناها وشعرنا بها؛ ولهذا - يا إخوانى - فأنا أشعر وأنا أؤمن أنكم أنتم - يا عمال مصر - ستدافعون دائماً عن العزة، وستدافعون دائماً عن الكرامة، وستدافعون دائماً عن الحرية.

وأنا حينما قلت بعد توقيع الاتفاقية: لقد انتهى الجهاد الأصغر وبدأ الجهاد الأكبر، كنت أعنى بهذا - يا إخوانى - أنكم أنتم - يا شعب مصر - ستدافعون عن عزتكم، وستدافعون عن حريتكم، وستدافعون عن كرامتكم.

هذا هو الجهاد الأكبر.. الجهاد الأكبر - يا إخوانى - الذى قلت عنه بعد توقيع الاتفاقية، والذى قلت أنه بدأ. هذا هو الجهاد الأكبر وهذا هو الكفاح الأعظم الذى ستكافحون أنتم من أجله؛ كفاح النفس، كفاح الضلال، وكفاح الخداع. وأنا قلت بعد ما قامت الثورة: إن هذه الثورة لها أهداف كبرى، وأن أول هدف من أهداف هذه الثورة هو القضاء على الاستعمار وأعوانه من الخونة. وقلت بعد أن وقعت اتفاقية الجلاء: إننا بتوقيع هذه الاتفاقية لم نحقق إلا هدفاً من أهداف هذه الثورة؛ لإن الهدف الأعظم والهدف الأكبر لهذه الثورة هو بناء مصر، وإقامة حياة اجتماعية بين أبنائها، هذا هو الهدف الأكبر وهذا هو الهدف الأعظم.

وحينما قلت: إن اليوم قد انتهى الجهاد الأصغر وبدأ الجهاد الأكبر كنت أعنى ما أقول؛ لأننى كنت أنظر دائماً إلى الماضى، وأنظر دائماً إلى ما حدث فى الماضى، وكنت أرى - يا إخوانى - أن بعض أبناء هذا الوطن كانوا يقومون دائماً ليستغلوا الأحداث وليستغلوا الظروف؛ وبهذا وقف كفاح هذا الوطن دائماً فى منتصف الطريق. وحينما قلت: بدأ الكفاح الأكبر كنت أقصد أن أنبهكم إلى الخطر، وأن أنبهكم إلى المصير الذى ستسير إليه البلاد إذا استمعنا إلى الضلال وإذا استمعنا إلى الخداع، وكنت أقصد أن أنبهكم إلى أن أهداف الثورة لم تتحقق؛ لأن أهداف الثورة تمس كل فرد منكم وتمس كل عائلة منكم.. تمس هذا الوطن جميعه، ولأن أهداف الثورة لن تنتهى فى عام أو عامين ولكنها ستسير على مر الزمن؛ حتى تبنى مصر بناءً قوياً شامخاً، وحتى تتحقق لأبناء مصر عزة وحرية وكرامة وعدالة اجتماعية حقيقية.

قلت هذا - يا إخوانى - وقلت أيضاً هذه يدى وهاتوا أيديكم، وجهت هذا الكلام للجميع.. لجميع المواطنين، وقلت أيضاً إننا اليوم نبدأ عهداً جديداً من التعاون يجب أن ترفرف عليه المحبة والتآلف والتآخى، ويجب أن نتخلص من الأحقاد والضغائن والبغضاء؛ لأننا لا نبغى إلا سعادة هذا الوطن، ولا نبغى إلا عزة أبناء هذا الوطن، مددنا أيدينا لأبناء هذا الوطن أجمعين. وأنا أحب أن أقول لكم - يا إخوانى - إننى حينما قلت هذا كنت أعلم.. كنت أعلم ماذا يبيته المضللون وماذا يبيته المخادعون، ولكنى كنت حريص - كما كان إخوانى حريصين - على أن تستمر هذه الثورة ثورة بيضاء يتآلف فيها الجميع، ويعمل فيها الجميع من أجل عزة الجميع، ومن أجل كرامة الجميع، ومن أجل حرية الجميع.

حينما قلت هذا كنت أعلم أن الهضيبى قد اختفى، وأن الهضيبى فى مخبئه أعلن الجهاد.. أعلن الجهاد ضد من؟ لا ضد اليهود، لا ضد الإنجليز؛ ولكن ضد الثورة وضد رجال الثورة. وكنت أعلم أن الهضيبى يتآمر ضد من.. ضد هؤلاء الناس الذين قاموا فى 23 يوليو، يشعرون بمشاعركم، ويطالبون بأهدافكم، وينادون بما تطالبون به.. يطالبون بمطالبكم؛ لإنهم كانوا يحسون بإحساسكم، ولأنهم كانوا يشعرون بمشاعركم.

اختفى الهضيبى، وأعلن الجهاد ضد الثورة وضد رجال الثورة، وكنت أعلم هذا منذ زمن طويل، ولكنى بعد أن وقعت الاتفاقية قلت وأعلنت على الملأ: إن يدنا ممدودة، هذه يدى وهاتوا أيديكم، ولنتعاون جميعاً فى سبيل هذا الوطن من أجل أبنائه، ومن أجل المستقبل، ومن أجل الأجيال القادمة.

قلت هذا - يا إخوانى - وأنا كنت أعلم ماذا يدبره الهضيبى وماذا يدبره أعوان الهضيبى. ولو كنتم ترجعون قليلاً إلى الماضى؛ فى الأيام اللى قبل الاتفاقية، لوجدتم إن أنا ماكنتش باحضر اجتماعات عامة لسبب بسيط؛ كنت أعلم أن الهضيبى يبيت أمراً ضد جمال عبد الناصر وضد إخوان جمال عبد الناصر. وأنا فى عدم حضورى هذه الاجتماعات لم أكن حريصاً على حياة جمال عبد الناصر، إخوانى لم يكونوا بهذا حريصين على حياتهم؛ ولكنا كنا حريصين على أن تتم هذه الاتفاقية التى تحقق للوطن جلاءً كاملاً ناجزاً، والتى تخلص الوطن لأول مرة منذ أكثر من سبعين عاماً من الاستعمار ومن الاحتلال. قررنا ان احنا مانحضرش اجتماعات عامة؛ لأن إحنا كنا نعرف إن فيه ناس متربصين - بأوامر من الهضيبى وبأوامر من أعوان الهضيبى - علشان يقوموا بأعمال فردية أو يقوموا باغتيالات.

وبعد أن وقعت الاتفاقية، وبعد أن أطمئن إخوانى وأنا إلى أن الإنجليز قد اعترفوا واتفقوا مع مصر على الجلاء عن أرض مصر جلاءً كاملاً ناجزاً فى مدة لا تزيد عن عشرين شهراً، بعد هذا - يا إخوانى - قررنا أن نخرج ونحضر الاجتماعات العامة وليكن ما يكون.

إذا أراد الهضيبى أن يأخذ منا الحياة اغتصاباً؛ فإننا قد أعطيناكم هذه الحياة طوعاً فى 23 يوليو وقبل 23 يوليو. نسى الهضيبى إنه حينما كان يترامى على أعتاب فاروق، وحينما كان يوقع فى دفتر التشريفات لولى النعم ولولى الأمر؛ كان جمال عبد الناصر وإخوان جمال عبد الناصر وضباط الجيش جميعاً يا إخوانى.. كانوا وهبوا حياتهم طواعية لهذا الشعب ولأبناء هذا الشعب؛ لإن هؤلاء الناس اللى كانوا بيجتمعوا، وبيدبروا، وبيضعوا الخطط لتخليص هذا الشعب من الذل ومن الاستعباد، وليقيموا فيه حرية وعزة وكرامة، كانوا يعلمون إنهم بهذا يقدمون أرواحهم، وإنهم بهذا يقدمون نفوسهم، ولكنهم كانوا يعتقدون إن أرواحهم ونفوسهم رخيصة فى سبيل حرية هذا الشعب. وفى سبيل كرامة هذا الشعب، وفى سبيل عزة هذا الشعب. فإن كان الهضيبى يعتقد ويشعر إنه يستطيع أن يأخذ منا الحياة اغتصاباً؛ فأنا أقول له الآن أمامكم لقد أعطينا حياتنا وأعطينا أرواحنا لهذا الشعب طواعية منذ 23 يوليو، بل قبل 23 يوليو بسنوات.

وقلنا - يا إخوانى - إن هذه الحياة ليست ملكاً لنا، وقررنا أن نخرج مادمنا قد اطمأننا على موافقة الإنجليز، ومادام الإنجليز قد اعترفوا ووقعوا بأنهم سيخرجون من هذا الوطن فى مدة لا تزيد عن عشرين عام، وخرجنا بعد أن قلنا: هذه يدي وهاتوا أيديكم، وبعد أن قلنا: فلنبدأ عهداً جديداً من التسامح والتعاون والمحبة. ماذا كانت النتيجة؟

لقد انتصر الحقد، وانتصرت الضغينة، وانتصرت البغضاء فى الوقت - يا إخوانى - اللى إحنا كنا بنحارب فيه الفقر، وبنقول: إن إحنا حنبنى بلد عزيزة، بلد كريمة يتمتع فيها المواطنين جميعاً بالعدالة الاجتماعية، والفرص المتكافئة والمساواة.

فى هذا الوقت اللى كنا بنجند فيه جميع القوى وجميع الجهود لمحاربة الفقر وإقامة البناء؛ كان الهضيبى وأعوانه يستغلون الفقر نحو بث الضغينة والأحقاد والبغضاء، محمود عبد اللطيف الراجل الفقير، اللى إحنا بنعمل من أجله، وبنضيع وقتنا كله من أجله ومن أجل أولاده، ومن أجل مستقبله ومن أجل مستقبل أولاده، بنعمل جميعاً علشان نزيح عنه الفقر، وعلشان نوفر له حياة اجتماعية يشعر فيها بالسعادة ويشعر فيها بالراحة، علشان نوفر لأولاده التعليم والصحة، ومستوى معيشة أحسن من اللى إحنا ماقدرناش نتمتع به. كان الهضيبى - باسم الدين وباسم الإسلام - يبث فى نفسه الحقد، ويبث فى نفسه الضغينة، ويبث فى نفسه البغضاء.

إحنا كنا بنحارب الفقر والهضيبى وأعوانه كانوا بيستغلوا الفقر، إحنا كنا بنحارب الفقر لنقيم مجتمع نظيف، مجتمع قوى، مجتمع سليم نتمتع فيه جميعاً بالعزة، وبالسيادة، وبالحرية، وبالمساواة، وبالكرامة؛ ولكن الهضيبى كان يستغل الفقر لينشر البغضاء وينشر الضغينة ليهدم ويعم الدمار ويعم الخراب بين أرجاء هذا الوطن.

فى الوقت اللى احنا كنا بنقول فيه عايزين نتعاون وعايزين نبنى.. تعالوا جميعاً نتعاون، تعالوا جميعاً نبنى، تعالوا جميعاً نشيد هذا الوطن بالعمل وبالعرق وبالجهد، كان الهضيبى بيقول باسم الدين وباسم الإسلام: تعالوا كل واحد يشيل طبنجة، نطلع نقتل، نطلع نخرب، لازم ننشر الدين. الدين محبة يا إخوانى.. الدين مش كراهية.. الدين مش بغضاء، الدين مش ضغينة.. الدين محبة.. الدين تعاون.. الدين تآلف.. الدين تسامح.. الدين عمره ما كان بغضاء.. الدين عمره ما كان كراهية.

أنا مش فاهم تحت أى اسم من الأسماء وتحت أى معنى من المعانى، وفى أى سبيل يسير بنا الهضيبى؛ يدى كل واحد طبنجة.. يدى كل واحد مسدس ويقوله: تعالى نقيم صرح الدين! دين إيه اللى حيتقام بالكراهية؟! دين إيه اللى حيقام بالبغضاء؟! دين إيه اللى حيقام بالحسد والضغينة؟! دين إيه اللى حيقام بالتقتيل؟! مش تقتيل الأفراد.. مش تقتيل الأشخاص، ولكن تقتيل الرسالات، تقتيل المبادئ، تقتيل المثل العليا.

مين جمال عبد الناصر أما يقتلوه؟! فيه إيه بينهم وبين جمال عبد الناصر؟ جمال عبد الناصر ما هو كان موجود فى البلد دى 36 سنة ما قتلهوش ليه؟! ما مموتوهوش ليه؟! لكن النهارده بيقتلوا جمال عبد الناصر علشان بينادى بمبادئكم، وبينادى بأهدافكم، وبينادى بعزتكم، وبينادى بكرامتكم، وبينادى بحريتكم.

يا إخوانى:

هؤلاء المضللون نسوا أن من قبل23 يوليو.. من قبل23 يوليو قاموا ناس، قام الجيش وكان يشعر أن عزته من عزة هذا الشعب، وان عزة الشعب من عزة الجيش. قام الجيش ووهب حياته؛ وهب حياته للوطن، قام الجيش وكل واحد من رجاله كان يعتقد انه قد تفشل هذه الثورة، وانه قد يشنق، وانه قد يضرب بالرصاص، وانه قد يوصم بالخيانة، ولكنهم مع هذا - يا إخوانى - قاموا من أجلكم أنتم، ووهبوا حياتهم لكم أنتم، ولأبنائكم، ولأحفادكم.. ووهبوا حياتهم لمصر ولأهل مصر؛ لأنهم كانوا يشعرون أن عزة الجيش من عزة مصر، وإن كرامة الجيش من كرامة مصر، وإن حرية الجيش من حرية مصر. قام هؤلاء الناس جميعاً ووهبوا حياتهم لمصر، وفى يوم 23 يوليو قمتم أنتم وقام شعب مصر - قبل أن يخرج فاروق - وأيد الثورة، وكانوا بهذا يهبوا أرواحهم لمصر ولحرية مصر ولعزة مصر. هذا الوطن بأجمعه وهذا الوطن بأبنائه جميعاً وهب حياته فى 23 يوليو من أجل مصر، ومن أجل عزة مصر، ومن أجل كرامة مصر.

إذا كان الهضيبى يعتقد انه إذا قتل جمال عبد الناصر، فإنه حيقتل العزة وحيقتل الكرامة وحيقتل الحرية، ويقيم مكانها الحسد والبغضاء والضغينة باسم الدين وباسم الإسلام؛ فالهضيبى واهم.. الهضيبى نايم.. نايم فى جحره.. نايم فى مخبئه.. الهضيبى نسى ان العزة وجدت وان الحرية وجدت وان الكرامة وجدت وإن السيادة وجدت، وإن جمال عبد الناصر إذا مات فيه 22 مليون النهارده يشعرون بالعزة ويشعروا بالكرامة ويشعروا بالحرية، 22مليون حيدافعوا عن عزتهم.. حيدافعوا عن كرامتهم.. حيدافعوا عن شرفهم.. حيدافعوا عن حريتهم.. حيدافعوا عن مصير أبناؤهم.. حيدافعوا عن مصير أحفادهم.. حيدافعوا عن شرف بلدهم.. حيدافعوا عن شرف مصر.. شرف مصر اللى استعدناه بعد جهاد طويل.. شرف مصر اللى استعدناه بعد ما استشهد إخواننا وبعد ما استشهد آباءنا وبعد ما استشهد أجدادنا. شرف مصر - يا إخوانى - مش معلق بحياة جمال عبد الناصر ولا بإخوان جمال عبد الناصر، ولكنه معلق بكم أنتم، ونسى الهضيبى إنكم ستدافعون عن هذا الشرف لأخر قطرة من دمائكم، ولأخر نفس من أرواحكم.

نسى الهضيبى هذا - يا إخوانى - واعتمد على اننا نقول: إن هذه الثورة ثورة بيضاء، واننا نتسامح واننا نتعاون واننا نتحاب واننا نتآلف. والله إن الهضيبى فى مخبئه قد غره هذا، وقد اعتقد أن هذا ضعفاً، لم يعتقد أن هذا تسامحاً، وأن هذا التعاون كان من أجل بناء الوطن، ومن أجل عزة الوطن. ولكنى أقول اليوم أمامكم أيها الرجال يا بناة مصر: إذا كان هذا التسامح وإذا كان هذا التآلف، وإذا كنا نمد أيدينا ونجد إن النتيجة هى الخيانة والغدر، إذا كانت هذه هى النتيجة فإن التسامح وإن التآلف، وإن الثورة البيضاء لن تكون أبداً فى مصلحة مصر، وإنها ستكون ضد مصر، وإننى إذا خيرت - يا إخوانى - بين الثورة العرجاء، وبين الثورة الحمراء، فلن أقبل أبداً ثورة عرجاء؛ ولتكن ثورة حمراء.

يا إخوانى:

لقد مددنا أيدينا وقلنا دائماً: إننا نريد لهذا الوطن حرية حقيقية، وإننا نريد لهذا الوطن ديمقراطية حقيقية، وقلت لكم فى هذا المكان لن تقوم حرية ولن تقوم ديمقراطية وفى هذا الوطن جماعة من الجماعات تعتمد على جهاز سرى، وتعتمد على الإرهاب، وتعتمد على التخويف وتعتمد على التهديد. قلت لكم هذا الكلام منذ شهر أو شهرين، وأقول اليوم مرة أخرى: إننا لن نسمح مطلقاً بأن تبقى فى هذا الوطن جماعة من الجماعات تعتمد على جهاز سرى، ولن نسمح مطلقاً أن تقوم هناك دولة داخل الدولة أو تكون هناك حكومة داخل حكومة تعتمد على الخداع، وتعتمد على التضليل، وتعتمد على الإرغام، وتعتمد على الرصاص، وتعتمد على التقتيل، وتعتمد على الإرهاب. لن تقوم هناك ديمقراطية ولن تكون هناك حرية طالما كان هناك إرهاب، وطالما كان هناك غدر، وطالما كان هناك تهديد، وطالما كان هناك تخويف.

وإننى - يا إخوانى - أعاهدكم من هذا المكان إننى وإخوانى سنعمل جميعاً حتى ننهى من هذا الوطن الإرهاب والتخويف والتهديد والتقتيل والرصاص، وننشىء فى هذا الوطن ديمقراطية حقيقية؛ شعارها المساواة وشعارها حرية الرأى، الرأى بالرأى والحجة بالحجة، لا تخويف ولا إرهاب، ولا غدر ولا خيانة، ولا تعذيب.

هذه - يا إخوانى - هى الوسائل التى يتبعها اليوم الإخوان.. هذه - يا إخوانى - هى الوسيلة التى يعتمد عليها الهضيبى الآن فى جحره وفى مخبئه.. هذه - يا إخوانى - هى الوسيلة التى يعتمد عليها الحشرات فى مخبئهم. هذه - يا إخوانى - هى الوسيلة التى تسوق مصر إلى الدمار، هذه - يا إخوانى - هى الطريقة التى تسوق هذا الوطن إلى الرجعية.. الرجعية الحقيقية التى يتسلط فيها الإرهاب، والتى يتسلط فيها الاستبداد، والتى يتسلط فيها الاستعباد.

ولن نسمح مطلقاً ولن تسمحوا لنا أن نسمح بأن يبقى فى هذا الوطن إرهاب ولا رصاص ولا خداع ولا ضلال، ولكنا سنوفى بالوعد الذى وعدناه لكم فى أول هذه الثورة، إننا سنقيم فى هذا الوطن حرية حقيقية، سنقيم فى هذا الوطن ديمقراطية حقيقية، ولن يتم هذا إلا بالقضاء على الإرهاب، وإلا بالقضاء على الغدر، وإلا بالقضاء على الخيانة، وإلا بالقضاء على التنظيمات السرية البغيضة التى يعتمد عليها الهضيبى، والتى تعتمد عليها الرجعية، والتى تعتمد عليها الخيانة، والتى يعتمد عليها المضللون المخادعون.

إننى أعلن هذا.. أعلن هذا لكم: سنقضى على الإرهاب، وسنقضى على الغدر، وسنقضى على هذه الوسائل البغيضة التى لا تسمح بوجود الديمقراطية. وعند هذا - يا إخوانى - سنقيم فى هذا الوطن - كما وعدناكم - ديمقراطية حقيقية.. ديمقراطية سليمة. أنا لا أفهم مطلقاً أن تقوم فى هذا الوطن ديمقراطية وفيها إرهاب وفيها تنظيمات سرية وفيها رصاص يوجه إلى المواطنين باسم الدين وباسم الإسلام، باسم الخداع وباسم التضليل.

يجب أن نقضى أولاً على الخداع وعلى التضليل وعلى الإرهاب وعلى التنظيمات السرية؛ وحين ذاك يشعر كل فرد منكم بالحرية، ويشعر كل فرد منكم بالديمقراطية، يشعر كل فرد منكم إنه فى وطن لا تسيطر عليه جمعيات سرية، يشعر كل فرد منكم إنه لا يهدد فى حياته بالرصاص وبالمسدسات وبالخداع وبالتضليل. ولهذا - يا إخوانى - فأنا أعاهدكم اليوم.. أعاهدكم إننا سنقضى على هذا قضاءً كاملاً؛ لأنه بدون القضاء على هذا الإرهاب وبدون القضاء على الجمعيات السرية لن يمكن أن نوفى لكم بالوعد، ولن يمكن أن نوفى لكم العهد، ولن يمكن أن نقيم فى هذا البلد ديمقراطية أو حرية أو عزة أو مساواة. إننى أعدكم بهذا ولو استدعى الأمر أن نقلبها ثورة حمراء؛ فإن الثورة العرجاء إذا استمرت إنها ستؤثر عليكم أنتم، ستؤثر على مصائركم، ستؤثر على أهداف الثورة.

لقد أردنا - يا إخوانى - أن تكون هذه الثورة ثورة بيضاء، أردنا هذا من كل قلوبنا، ومددنا أيدينا وطلبنا التعاون من الجميع، وسايرنا الجميع، وسايرناهم جميعاً، واتبعنا جميع الوسائل، واتبعنا جميع الطرق لنلم الشمل ونلم الجمع، ونسير جميعاً نحو البناء ونحو العمل من أجل بناء مصر، ولكنا إذا تركنا الخيانة لتهدم، وإذا تركنا الحقد ليهدم باسم الدين وباسم الإسلام؛ نكون قد قصرنا فى حق الأمانة، ونكون قد قصرنا فى حق الرسالة، ونكون قد قصرنا فى حق الثورة وفى حق الأهداف التى قامت من أجلها هذه الثورة.

إننا نريد أن نبنى.. إننا نريد أن نبنى ونريدكم جميعاً أن تبنوا معنا، إننا نريد أن نبنى مصر بناءً قوياً شامخاً، ولكنا إذا تركنا الفرصة للمخادعين والمضللين أن يهدموا باسم الإسلام وباسم الدين؛ نكون قد تخلينا عن الرسالة، وتخلينا عن الأمانة. وأنا - يا إخوانى - أقول لكم إننا لن نتخلى عن الرسالة، ولن نتخلى عن الأمانة؛ هذه الرسالة، هذه الأمانة التى قمنا من أجلها فى 23 يوليو، والتى وهبناها أرواحنا فى 23 يوليو من أجلكم أنتم، ومن أجل أهدافكم أنتم، ومن أجل عزتكم أنتم، ومن أجل كرامتكم أنتم، من أجل مصر، ومن أجل بناء مصر وعزة مصر، من أجل مستقبل أولادكم، ومن أجل مستقبل أحفادكم. يجب أن نقضى على الإرهاب، ويجب أن نقضى على الجمعيات السرية، يجب أن نقضى على الضغينة، ويجب أن نقضى على الحقد، ولو كان باسم الإسلام ولو كان باسم المسلمين؛ فإن الإسلام منه براء.

يا إخوانى:

إننى لا أقول لكم هذا الكلام لإنهم حاولوا أن يعتدوا على جمال عبد الناصر، فإن جمال عبد الناصر لا يساوى شيئاً، ولكنى أقول لكم هذا لأنهم يعتدون عليكم أنتم، يعتدون على أهدافكم أنتم، وعلى عزتكم أنتم، وعلى حريتكم أنتم. إنهم بهذا يعتدون على الثورة، وليست الثورة ثورة جمال عبد الناصر، إنهم بهذا.. بهذا الإرهاب وبهذا الرصاص لا يصيبون جمال عبد الناصر. وأنا كما قلت إن كل فرد منكم يمثل أهداف جمال عبد الناصر؛ لأن جمال عبد الناصر لم يمثل إلا أهدافكم أنتم ولم يمثل إلا آمالكم أنتم.

إننى لا أقول هذا لإنهم حاولوا أن يعتدوا على جمال عبد الناصر، مطلقاً.. أبداً.. والله يا إخوانى. وأنا لم أحمل لمحمود عبد اللطيف هذا حقداً ولا ضغينة.. مطلقاً، وأقسم لكم بالله إنى حتى الآن لم أحمل له أى حقد، ولم أحمل له أى ضغينة لأنى أعتقد أنه مضلل وأنه مخدوع. ولكنى - يا إخوانى - أوجه الاتهام لهؤلاء المخادعين المضللين الذين أرادوا أن يضللوا أبناء مصر وبعضاً من أبناء مصر؛ يضللوهم من أجل تحقيق أغراض.. أغراض حقيرة أغراض هزيلة، أغراض شخصية أغراض نفعية، واستغلوا فى هذا - يا إخوانى - الإسلام، واستغلوا فى هذا - يا إخوانى - الدين واسم الدين.

إننى لهذا - يا إخوانى - أقول إن وجودهم ليس خطراً على جمال عبد الناصر، فإن جمال عبد الناصر إذا لم يكن قد مات بالأمس؛ فإنه سيموت غداً، وإذا لم يكن سيموت غداً؛ فإنه سيموت بعد غد أو فى أى يوم، ولكن أهدافكم أنتم يجب أن تبقى، ويجب أن تعيش أهدافكم أنتم، ثورتكم أنتم، آمالكم أنتم، عزتكم، كرامتكم، حريتكم، هذه جميعاً يجب أن تعيش. هذه العزة التى حصلنا عليها بعد جهاد طويل، هذه الكرامة التى حصلنا عليها بعد كفاح طويل وبعد استشهاد، هذه الحرية التى حصلنا عليها بعد جهاد طويل يجب أن تعيش، ولن يمكن لهذه الكرامة ولا لهذه العزة ولا لهذه الحرية أن تعيش طالما كان هناك خداع، وطالما كان هناك تضليل، وطالما كان هناك رصاص، وطالما كانت هناك جمعيات سرية.

ولهذا - يا إخوانى - أقول يجب أن يزول الإرهاب، ويجب أن تزول الجمعيات السرية، ويجب أن يزول الخداع، ويجب أن يزول الضلال ولو كان تحت اسم الإسلام وتحت اسم الدين وتحت اسم المسلمين؛ من أجلكم أنتم لا من أجل جمال عبد الناصر، ومن أجل مصر لا من أجل جمال عبد الناصر، ومن أجل عزة مصر، ومن أجل حرية مصر، ومن أجل كرامة مصر، ومن أجل المستقبل، ومن أجل البناء، ومن أجل العدالة الاجتماعية التى وعدناكم بها والتى قلنا لكم إننا سنعمل لتحقيقها. من أجل كل هذا - يا إخوانى - يجب أن نسير فى طريقنا محطمين الرجعية ومحطمين الإرهاب، يجب أن نسير فى طريقنا، ويجب أن تسير الثورة، وإذا لم تستطع الثورة أن تصير ثورة بيضاء؛ فإنها تصير ثورة حمراء، ولا تصير مطلقاً ثورة عرجاء.

والسلام عليكم ورحمة الله.

***

 ا نظر يا سيدى انه يقلب الحقيقه 180 درجه- يتكلم كما لو كان الاخوان هم من غدروا به وليس العكس- -واعتقد يا سيدى ان كلمه الارهاب سمعها الناس اول ما سمعها كانت فى هذا الخطاب-

يقول ان الاخوان قبل الثوره كانوا من اتباع الملك- فمن قتل حسن البنا اذن-فى الوقت الذى كان هو يحضر للثوره-اغفل انه كان عضوا فى الاخوان-و يلمح بين حين و اخر ان الثورة ستصبح حمراء-

وكالعادة يصفق الشعب و يصبح جمال بين يوم و ليله شخصيه طاغيه واكثر جماهيريه من محمد نجيب

لا حول ولا قوة إلا بالله

ما هذا هل تحول المصرى فعلا إلى مهرج كما قال عمر التلمسانى

لا حول ولا قوة إلا بالله

لا حول ولا قوة إلا بالله

شعب امتلأت أذنيه و قلبه بالشعارات الجوفاء كيف سيحرر هذا فلسطين

لا حول ولا قوة إلا بالله

وأخيرا يا سيدى هناك شئ ما يحيرنى فى فترة حكمه و أرجو أن توضحه لى

 فقد قرأت فى كتاب عمر التلمسانى إن مصر أصبحت شيوعيه فى عصره و كان يحارب فى اليمن و الكونغو من اجل نشرها فلماذا أذن كان يعذب الشيوعيين كما ذكرت

أرجو من سيادتك الرد

 أرجو من سيادتك الرد ولو بشكل شخصى

و جزاك الله خيرا

والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته

اخوة احمد

 

*** لكم أثرت شجوني و ألمي يا أحمد.. ولعل فيما كتبت اليوم ردا على رسالتك.. بل لقد أضفت الكثير بالنصوص التي أوردتها والتي تشير إلى الحقيقة.. أما عن الموقف من الشيوعية .. فسأكتفي مؤقتا بأن أقول لك أن المخابرات الأمريكية كانت تمول العديد من الأنشطة الشيوعية!!..

كان النموذج الغربي – الصليبي- غير مناسب لمواجهة الإسلام فقد كان الحذر منه كاملا.. مع الشيوعية كان الأمر يختلف.. فالمطلوب منها أن تهزم الدين كي تتقدم الصليبية بعد ذلك.. وكانت الشيوعية منذ البداية تحت السيطرة ومحكوم عليها بالفشل..

***

3.      بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد .... أما بعد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يعلم الله سبحانه وتعالى كم من الود والاحترام أكنه لك يا أستاذنا الفاضل ....

فوالله أني قد أعجبت وتأثرت أشد ما يكون التأثر من كتاباتك الرائعة والتي تلامس شغاف القلوب فتعمل فيها بسحر كلامك الصادق ...كلامك التي خرجت من داخل قلب صادق لتدخل إلا قلوب وأفئدة قلوب مكلومة معذبة بواقع مرير مؤلم , تدخل على هذه القلوب كلماتك الحانية لتضمد جراحها النازفة , وتطبب حروقها المؤلمة , وتأبى رقة كلماتك أن تقف عند هذا الحد بل تواصل تنير لها الطريق وتنقية من الأشواك لتصل أرواحنا المؤمنة إلى ما نصبوا إلية من خير الدنيا والآخرة بأذن الله سبحانه ....

ولقد وجدت في موقعك إيه الغالي على الإنترنت جمعاً من مقالاتك الجميلة ...

ولقد أعجبتني والله وأردت أن أرد قليلاً من الواجب تجاه هذا الثروة الفكرية , وأساهم في ترقيع ثقوب وعي القارئ الكريم من زوار الموقع , وذلك بمحاولة المساهمة بقدر الاستطاعة في تطوير الموقع بالشكل الذي يؤدي إلى الاستفادة الكبرى منه , وكل هدفي والله تعالى يعلم في أن أشاركك قليلاً من الأجر و كلي آمل أن تساعدني على ذلك , فتجعل لي شرف تنظيم هذه المقالات في موقع يكون بأذن الله أكثر تنظيماً , و أجمل شكلاً أن وفقني الله تعالى إلى ذلك .

و كما قلت لك فإني كلي آمل أن تتيح لي هذه الفرصة الكريمة في بذل القليل من الجهد في سبيل نصرة الإسلام.

والله من وراء القصد ...

محبك في الله أحمد

 

*** أخي الفاضل أحمد .. حدثت مفارقة طريفة.. وجزاك الله خيرا.. أو على الأحرى جزاكما خيرا..وصلتني رسالتك.. وتأخرت قليلا في الرد فجاءتني رسالة أخري.. فرددت.. ثم رحنا نتبادل الرسائل إلى أن اكتمل إعداد الموقع الجديد أو كاد ( عما قريب تراه إن شاء الله ويمكنك أن تبدي رأيك في مكانه المؤقت: http://page.to/abbas ).. وهنا طلبت رقم الهاتف لأشكر من جدد لي موقعي احتسابا لوجه الله سبحانه وتعالى.. و أرسل إليّ أحمد رقم الهاتف فإذا به رقم من القاهرة.. ولما كنت أتذكر أنك من الجزيرة العربية فقد راجعته في الأمر.. وهنا اكتشفنا أن نيتكما الطيبة ورسائلكما بدأت في نفس الوقت.. لكنني لم أفطن لذلك وراسلتكما على أنكما شخصا واحدا..

جزاكما الله خيرا..

***

 

سؤال من ابن لأبيه

4.      بسم الله الرحمن الرحيم

والدي دكتور محمد لماذا تتأخر علينا في كتاباتك أنا انتظر من الجمعة إلى الجمعة على جمر من النار أرجوك كن معنا ولاتكن علينا لا تتركنا إلى الجهلة

ثانيا وهذا موضوع خاص ولي سؤال خاص بي بصراحة أنا لا أسألك مساعدة ولكني أريد أن افهم ماذا افعل إن لم اكن أصلا قادرا على العمل لأني لا أجد عملا أنا شاب والمفروض أنى سوف اعمل ولكني ارفض أعمالا لأنها تدخل في بنود الحرام كالعمل في السياحة أو الأعمال المتعلقة بالبنوك ولكن هل أظل هكذا أم أقبل العمل أصدقائي يقولون انه العمل الموجود ولكن هل أذهب لأعمل في دهب في مقابل 200 جنيه واصبح خادما لليهود في مقابل أن اخذ شهادة خبرة لأعمل بعد ذلك بار مان في أي فندق آخر

والله أنا آسف ولكني أعاني من عدم العمل وهذا هو السبب في رغبتي في الحديث إليك أنا اعلم أنى اثقل عليك غيري مثل رائد محاصرون لا يجدون الطعام ولكنهم على الأقل أمامهم هدف يستطيعون الموت من اجله ولكن ما هدفي هل هو الجلوس على القهوة أم محاولة البحث عن العمل

صدقني أنا أسف ولكن أنا اعتقد أن الحياة قد نستطيع تشبيهها بالآلة وأنا اعتقد أن كل تروسنا قد أصيبت بالصدأ وتحطمت وان هذه الدولة لا تتحرك إلا ببركة الله سبحانه عز وجل أبى هل اطلب منك أن توصل سلامي إلى الأستاذ منصور حلب

 وشكرا للغاية

 

*** لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.. عند الله نحتسب فساد علمائنا وحكامنا الذين دفعونا إلى هذا الوضع..

***

 ليسوا هم فقط !!

د محمد عباس : السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

 أتابع بإعجاب ما تكتبه هذه الأيام عن مجموعة السفاحين الذين حكموا مصر في الخمسينات و الستينات و لكنى يا ليت تكون لك الجرأة بأن تنتقد من هم على شاكلتهم ممن يختبئون بين المسلمين و لا هم لهم سوى سب المجاهدين و تسفيههم ؟ بالله عليك و أستحلفك بالله ما رأيك من يقول عن آيات القرآن الكريم أنها ( تسد النفس ) حسب لهجتكم المصرية ؟!!!! هل تعرف من هو ؟

 أقسم بالله أنى سمعته بأذني على شاشة الفضائية المصرية يقول هذا الكلام . إنه محمد عمارة .... هذا الكلب الذي قدمت له إعتذارا بالبونت العريض في أحد مقالاتك .. يا ليتك سمعته تلك الليلة و هو يتسفه على آيات النار و جهنم في القرآن ؟ هل من الأدب أن نقول عن كلام الله أنه ( يسد النفس ) !!!!

بل هل من الإسلام ؟!!!!

هل يستطيع هذا (... كلمة سباب م ع) أن يقول عن خطابات حسني مبارك و عاطف عبيد أنها تسد النفس ؟

 كما أتمنى أن تصل إليه كلماتي هذه بل حذف و أنا أقول له إن وجهك هو الذي يسد النفس و ليس آيات العذاب في القرآن

 فهذه الآيات تدلنا على عظيم بطش الله بالظالمين ..... من لم يخش الله و عذاب الله فليس من المتقين

أقول لك أيها (... كلمة سباب م ع) ( و أنا أصر عليها ) عمارة لعنة الله عليك و على أمثالك ..

لعنة الله عليكم فقد وصلت بكم الجرأة بحجة الوسطية على الخطوط الحمراء و كأنكم زنادقة يرتدون لباس الدين ليقتلوه

 لعنة الله عليكم و الله أنى أصرخ بها من كل قلبى

أقول لك يا عمارة إن وجهك هو اللي يسد النفس و ليس قرآن ربنا (... كلمة سباب م ع) و على أمثالك و الله لو علمت أن لك بريد إلكتروني لأرسلت لك عباراتي هذه .

1.      علاء- سوريا

*** يا علاء.. اتق الله.. اتق الله.. اتق الله.. هل حكّمت الشرع في قولك؟.. لقد أسأت سمعا فأسأت قولا.. لم أسمع ما سمعت.. بل و أجزم أن الأمر التبس عليك.. فاستغفر الله..

إنني أختلف كثيرا مع الدكتور عمارة لكن هذا لا يمنعني من إدراك أنه عالم جليل يخطئ ويصيب فينال أجرا أو أجرين.

***

5.      بسم الله الرحمن الرحيم

الأب الفاضل : محمد عباس

كنت قد أرسلت لك رسالة أعلمك فيها برغبتي في اللقاء معك على أحد برامج المحادثة للحديث معك.

*** الحقيقة يا بني العزيز أنني أعتذر عن جميع برامج المحادثة لأسباب كثيرة منها ضيق الوقت..

 

***

1.              شـــــكــــر و دعــــوة

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أستاذي و سيدي الفاضل الدكتور محمد عباس

تحية محملة بعبير الورود والرياحيين احملها إليك

 فكم يشرفني أن أراسل أستاذا ومفكرا وكاتبا جليلا مثلك يحمل ما تحمله من تربية إسلامية سليمة ، و فكر راقي ، وثقافة واسعة ، وقلم جرئ ، وأخلاق عالية ، وشجاعة نادرة ، وهدف نبيل ، والأهم يحمل ما تحمله من قلب حنون عطوف ، وحس مرهف ، ومشاعر جياشة ، يشعر بمآسي من حوله وينزف من أجلهم .... إنسان مثلك يا سيدي يندر وجوده في هذا الزمن الرديء المظلم ، ولحسن حظي وجدت فى هذا الظلام الدامس بالصدفة نبراسا يمكن أن ينير طريق من ضلوا الطريق وتاهوا فى الزحام

لن أكذب عليك سيدى وأدعي أنى كنت أعرفك أو أقرأ لك منذ زمن طويل ، أنا حديثة العهد بكتاباتك وعرفتك عن طريق الصدفة من رابط وضعه أحد الأعضاء لكتاباتك فى أحد المنتديات الانترنتية .... ولكن منذ أن قرأت لك أول مقال وأنا مشدودة لكل كتاباتك مبهورة بها ، ورغم أنى قارئة لا بأس بها إلا إني شعرت بجهل تام إزاء بعض المواضيع والمعلومات الخاصة بالإخوان المسلمين والسلطة الحاكمة . كقارئة مسلمة كنت أشعر واستشف الخطوط العريضة للعلاقة بينهما أما هذه التفاصيل المروعة ... فكيف لي أو لغيرى أن يعلمها إلا من خلال كاتب جرئ مقدام مثلك عرف الكثير فأخبرنا بالحقائق دون أن يخاف على نفسه من بطش السلطة و ظلمها ، فقد أبى عليك ضميرك إلا وأن تخبرنا ما عرفته من حقائق تفوق الخيال فى خستها ونذالتها وتجردها من كل إنسانية والأهم أنها تكشف لنا عن معادن ناس باعوا الآخرة من أجل الدنيا بثمن بخس ... وأين هم الآن ؟!!! فى التراب الذى منه خُلقوا فتجبروا وتكبروا وعاثوا فى الأرض فسادا ، فأفسدوا على كثير ممن أضلوهم دينهم و دنياهم

مقالاتك يا سيدى تكشف لنا نوايا العلمانيين والحداثيين و المستغربين ودعاة التنوير المارقين وخططهم فى القضاء على الإسلام وهدم الأمة الإسلامية وتضليل شبابها ، للأسف يا سيدي هؤلاء نجحوا إلى حد بعيد فيما كانوا يصبون إليه ، فقد خسرنا أرضنا وكرامتنا وأنفسنا ولم يتبقى إلا القليل مما يمكن إنقاذه ، فبنظرة واحدة منك على معظم الشباب الموجود على الشبكة العنكبوتية ستجد أن معظم الشباب تائه حائر ضال مخرب فكريا يحتاج لمن يعيد بناءه من جديد ... من اجل هذا أكتب إليك يا سيدي الفاضل

أنا وجدتك بالصدفة المحضة وتعلمت منك الكثير... غيرى كثيرون لا يعرفوك وقد لا يلتقوا بك أبدا وقد يجدوك ولكن لا يعجبهم ما تدعوا إليه لأنهم مُخربين فكريا وهؤلاء هم أخطر من يمكن أن تواجههم على شبكة الإنترنت ، شباب يحملون ثقافة غربية علمانية يظنون إنها رمز التقدم والرقي تركوا الإسلام متهمينه بالرجعية والتخلف و بأنه هو سبب ما نحن فيه من تأخر و ذل وخنوع ، هم لا يستطيعوا أن يدركوا انهم هم بعلمانيتهم الزائفة سبب ما نحن فيه وليس الإسلام ، و هم مقتنعون بما وصلوا إليه من ثقافة وعلم متهمين الإسلاميين بالجهل والتخلف . بمثل هؤلاء الشباب العربي أريدك أن تلتقي سيدي الفاضل ... أريدك أن تتحاور معهم فان لم تستطيع إقناعهم بالدين الحق ، والمنهج السليم ، و الطريق القويم فعلى الأقل تزرع في عقولهم بذرة الشك تجاه المنهج الضال الذى اتخذوه دينا لهم وأسلوبا لحياتهم يحاولوا أن يضللوا به كثيرين غيرهم

إذا كان لديك بعض الوقت أستاذي ورغبت فى أن تناقش و تتحاور مع مثل هؤلاء الشباب ربما تكون سببا فى هدايتهم أو وضع أقدامهم على بداية طريق النور فهناك طريقتان ، إما أن تسجل فى المنتدى الذي سأضع لك رابطه فهو يعج بمثل هؤلاء الشباب و التعامل معهم صعب للغاية فعليك أن تتحمل و تسجل كعضو يمكنك أن تطرح المواضيع و ترد عليهم فيما يطرحونه

و إذا كان وقتك محدودا فيمكنني أن أتفق مع إدارة المنتدى ( العلمانية ) أن أدبر لك معهم لقاء لفترة زمنية محدودة نحدد مدتها حسب رغبتك ، سأعرفهم بك وبكتاباتك وهم بدورهم سيطرحون عليك أسئلة وأنت تجاوب على أسئلتهم فى هذه الفترة متى ما أتيحت لك فرصة الدخول على النت ستجد أسئلتهم جاهزة مسبقا .... لقد سبق وان استضاف المنتدى أحد الشعراء العلمانيين ( موسى حوامدة ) ورغم تأييد 90% من أعضاء المنتدى لكتابته إلا انه فر هاربا قبل المدة المحددة منزعجا من أسئلة الإسلاميين ولم يجيب على باقى الأسئلة ... مع إن عدد المسلمين فى هذا المنتدى أقل بكثير من عدد الملحدين واللادريانيين ، ولكن قوة الحق تغلب الكثرة

هذا هو رابط المنتدى لتأخذ فكرة عنه وعن أعضاءه

أثقلت عليك ، أعتذر لك على طول رسالتى ولكني اعتمد على سعة صدرك و كرمك

أسأل الله أن يوفقك و يرعاك و يجعلني وإياك من الهادين المهتدين

اتركك فى رعاية الله وحفظه

*** جزاك الله خيرا..

***

..السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

حفظكم الله ذخرا للحق والتاريخ

بالنسبة للمنصة التى كان يقف عليها الطاغية فى المنشية على ما اذكر إنها كانت شرفه الطابق الثانى لمبنى البورصة القديمة التى احتلتها هيئة التحرير المزعومة مما يجعل الوصول إلى الطاغية من اصعب الوسائل حتى بالمدافع الرشاشة.

:كذلك اذكر صرخاته اللعينة بعد إطلاق الرصاصات المزعومة ويهذى ويقول" أنا اللى خلقت فيكم العزة -أنا اللى خلقت فيكم الكرامة . وها نحن الآن ندفع ثمن تهوره وطغيانه . ثمن الهزيمة المنكرة التى أضاع علينا بها القدس وما تلاها من خراب على ديار المسلمين جميعا والذلة المهانة التى يعيشها المسلمون الآن. ألا لعنه الله على الظالمين

احمد عثمان

***

وبدأ تنفيذ المؤامرة

6.      بسم الله الرحمن الرحيم

سيدي وأستاذي الكريم

أحيطكم علما ببدء تنفيذ المؤامرة الخبيثة على مناهج التربية الإسلامية في السعودية

ففي منهج الصف الأول الثانوي في مادة : التوحيد ( العقيدة ) غير المنهج وحذف منه ما يلي :

 ( باب الولاء والبراء )

وهو الباب الخامس وهذا الباب يضتمن مايلي :

(1)   (1)   الولاء والبراء .

(2)   (2)   الاحتفال بأعياد الكفار ومشاركتهم في أفراحهم وأتراحهم .

(3)   (3)   حكم الاستعانة بالكفار والعمل معهم والإقامة بينهم .

(4)   (4)   تقليد الكفار _ أقسامه وآثاره .

كما حذف أيضا باب من الأول يتضمن العقيدة وأهميتها وآثار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب .

سيدي آمل أن تكتب عن هذا الأمر وبارك الله فيكم ولكم جزيل الشكر.

ب-ص ( مدرس تربية إسلامية ) .

*** لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم..

يا أبناء الجزيرة.. حكومتكم تفعل بكم الآن ما فعلوه بمصر عام 54.. فدافعوا.. ليس عن أنفسكم .. بل عن الإسلام والمسلمين..

***

الأخ العزيز/محمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا قرأت مثل هذه المعلومات من قبل مثلا فى كتاب الأخوان وعبد الناصر

ولكن بعض الزملاء يقولون كيف نتأكد من صحة هذه المعلومات

ونحن مطالبون بذلك كمسلمين

1.              أرجو الإفادة وجزاك الله خيرا

مذبحة المنشية..

السعودية تكرر اليوم نفس المجزرة ضد أفضل علمائها..

***

 

Dear Dr. Abbas,

I really don't know what to say, but I just has to email you. What you write and say in your articles, is really dangerous. Do you know something, I myself, with no evidence and with very limited knowledge that I gathered just from reading limited resources about the 1952 military coup, have realized that those people are not exactly angeles. I know that they had no right to govern this country from the start. I know that they have pushed us into so many trouble and that this so called pan arabism has brought us nothing but trouble. However, and I have to be honest with you. What you say is really dangerous, and really knew, I never pictured that someone in Egypt will say things like that someday. I know that I am not really getting into a point with this eamil, but I am a young man who doesn't know what to do or where to go. My strategic plan now is all around getting a foreign passport, another citizinship, and leaving Egypt to lead a free life somewher, or the alternative is to become one of them - you know who - the people who govern Egypt, because an NDP offecial, move around with Gamal and make money, but today, I was in the Friday prayer, and the man giving the speach was talking about a Muslim boy, who was engaged in Jihaad with the Prophit (peace be upon him ) in Khaibar I recall, and this boy was killed by an arrow, and when people said, oh, he is in Heaven, the prophet (peace be upon him ) said, he had taken something that is not rightfully his ( something like a scarf) and that this scarfe is burning on him now in hell. Imagine me dreaming of becoming an NDP offecial, beiong beside Gamal Mubarak, and making bad money all over the place, where would that get me. You know something, I don't know what to do or where to go, why should I be responsible for what happened to ISlam for the last few centuries, why couldn't I have been born when Islam was the super power. The West is everything, even this meduim, email, that I am using now, the west made it for us, what have we made, where is oyr contribution, and don't tell me please that the muslim scientests made this and that back in the 12 centurey, I want to know what did they make now. Believe me, I wanna do the right thing, however, where is the Civilization that Islam built, it isn ot where to be found, I know islam is the right thing, but it is there no more, I apologize for any spelling or grammer mistakes that I might have committed in this email, the reason is that I am not me right now, I need someone to talk to, if I weren't afraid that the state security - amn el dawla - might get to monitor me, I would have visited you in your office, however, I dont wanna get caught and I don't want them to know me. my probelm is that I raed, I have read alot, alot, and even more lot, of books, and from all this, I just can't get to define why did the west beat us, why did they advance and we have fallen back. Maybe it started in the 14th centure, maybe before, maybe after, however, I am not exactly sure. I know that Islam is the right thing, but now we are out to destory the west, why can't we build a civilizationt hat is greater than his, why do we have to destory, why can't we be stronger, and let the west big us and things should be the other way around. I dont' know, I think I have said alot, and you might not have the time to read all this. Please be well.

Sincerely

I can't sign with my own name, I am afraid.

 

خطأ لزم التنويه إليه - ورأي في أحد مقالاتك

الفاضل الدكتور محمد عباس

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أولاً أود أن أحييك على مواقفك العظيمة وكتاباتك التي أقرأها كلها ، طبعاً لا أقبلها كلها ولكن أحترم شجاعتك وقوة أسلوبك الأدبي الذي بهرني منذ قرأت لك رسالة من مواطن مصري إلى الرئيس أيام ضرب العراق الأول في عام 1990م

الدكتور الفاضل / يوجد نقاش في الموقع التالي حول أحد مقالاتك والخاص بإعتذارك للدكتور محمد عمارة ، والذي رأى فيه كثير من الأخوة أنها سقطة كبيرة لا تحسب لك وإنما عليك

ولقد شاركت في هذا النقاش تحت اسم ( علي69 ) وهي مشاركة قد تكون قاسية بعض الشيء ، ولكنها للأسف الحقيقة كما أراها من خلال اطلاعي الواسع ، وقراءتي للمعطيات المتوفرة على الساحة

أرجو منك على ضيق وقتك أن تقرأها وتسامحني إن كنت أخطأت وتصحح لي أخطائي ، وما دفعني إلى ذلك هو حبي الشديد لك ولتاريخك ، فأرجو المعذرة فالنقد هو الذي يبني وليس المدح

شكراً لك

***

7.      بسم الله الرحمن الرحيم

سلام من الله عليكم ورحمته وبركاته

لدي أستاذي الفاضل موضوعاً هاماً نتائجه خطرة لا نزال نكتوى بنارها

ألا وهو الخيانة أتمنى عليك أن تكتب عنه أنت وكبار مثقفينا وعلماءنا أرجو أن تقول لمن خان وهان كيف ترضون لأنفسكم الخيانة كيف ترضون أن تكونوا من حزب الخونة الكفار ؟؟؟ وهل ترضون ذلك لأبناءكم ؟ هل ترضون ؟؟؟؟؟؟

يقول تعالى : إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ

قل لهم ذلك ... بمناسبة تكرار الخيانات في مجتمعاتنا المُستهدفة من الغرب و لست أتكلم عن القيادات فتلك باعت نفسها للغرب منذ أمد بعيد ولكن أتحدث عمن يبلغ الإسرائيليين عن قادة المقاومة والمجاهدين الفلسطينيين !!! ؟؟؟... و من تعاون مع الأجنبي لتسليم بلده إلى العدو كما في العراق !!! ؟؟؟ ...و من سلم أخيه المجاهد إلى الأمريكان كما حدث في مصر !!!؟؟؟.... والسودان التي سلمت المناضل كارلوس إلى فرنسا ذاك الرجل الذي تبنى القضية الفلسطينية وأعلن إسلامه .!!!!؟؟

وذاك الحقير الذي وشى بمكان ابني صدام حسين ومن ابلغ وسلم طه ياسين رمضان إلى الكفار ... وفي مقابل ماذا؟؟ مقابل حفنة من دولارات بئيسة تعيسة في دنيا لا تعدل عند الله جناح بعوضه !!! خسر بسببها أخرته وسمعته وشرفه !!! خسر دينه وأصبح خواناً كفورا

خرج من أخلاقه العربية الأصيلة فالعربي لا يغدر ولا يخون

هل نسينا إسلامنا !!!!! ؟؟؟؟؟؟ هل ضاعت مروءتنا العربية ونخوتنا !!!!!؟؟؟؟؟؟؟

كيف يخون مسلم بلده.....؟؟؟؟؟

كيف يغدر عربي بوطنه ؟؟؟؟؟

ذكرهم أرجوك بقصة السموأل والمنذر بن ماء السماء الذي أرسل إلى السموأل جيشاً بقيادة الحارث بن ظالم للاستيلاء على دروع خصمه امريء القيس التي تركها أمانة عنده عندما هرب . وحاصر الجيش السموأل الذي تحصن بقلعة له لكن ابن السموأل الذي كان في رحلة صيد عاد

فقبض عليه الحارث بن ظالم وهدد بقتله إن لم يُسلم إليه الدروع .. فرد عليه السموأل قائلاً

شأنك به فلست أخفر ذمتي ولا أسلم مال جاري فضرب قائد الجند وسط الغلام فقطعه نصفين وانصرف الجيش خائباً بدون أن يحصل على مراده

وهنا قال الشاعر أبياته : وفيت بأدرع الكندي إني *** إذا ما خان أقوام وفيت

وجاء الإسلام ليؤكد على تلك القيم العربية الأصيلة ويعززها .. ذكرهم : بقول رسول الله عليه الصلاة والسلام ( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسلمه ) فكيف بمن يسلمه لأعداء الدين والأمة

قال تعالى :

(وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً)

وفي الحديث الشريف عن أنس قال :( ما خطبنا النبي عليه الصلاة والسلام إلا قال : لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له )

وفي الصحيح عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان

***

رسالة من جاهل

8.      بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الدكتور محمد عباس...تحية طيبة وبعد

لا أنكر أن معرفتى بكم ليست من فترة بعيدة بل منذ فترة يسيرة لكنى لا أنكر أن إعجابى بمقالاتكم كان كبيرا لانه يندر فى الوقت الحالى أن تجد من يقف أمام المخاطر لإعلاء كلمة الحق ودحض الباطل .وبدون الدخول فى تفاصيل حول الوضع السياسى المخزى الحالى أريد أن تساعدنى على محو أميتى فى معرفة التاريخ العربى الإسلامي حيث أن الواحد منا كان يظن أن له باعا كبيرا فى معرفة التاريخ العربى الإسلامي لكن بعد أن أطلعت على مقالاتكم رأيت أن أغلب المعلومات التى أعرفها عن تاريخنا أصبحت مغلوطة وبعد أن كان فى أذهاننا أشخاص نعتبرهم رموز وقدوة إتضح لنا أنهم رؤسا جهالا ولا أريد أن أطيل عليك فى وصفهم عليهم من الله ما يستحقوا..... أطلب منكم

1ـ أسماء تتحدث عن التاريخ العربى الإسلامي

2ـأسماء كتب تتحدث عن تاريخ مصر الحديث الحقيقى لا المزيف التى تمتلئ به كتبنا التاريخية.

3ـ لا مانع من ذكر مواقع تتحدث عن نفس الموضوع .

 وشكرا

*** أدميت قلبي يا بني.. فماذا نفعل إن كانت جيوشنا وشرطتنا وأجهزة إعلامنا وتعليمنا وثقافتنا كلها تحاربنا.. تقف في صف الصليبيين واليهود وتحاربنا.. برعاية حكامنا أخزاهم الله.. أما عن الأسماء فهناك أسماء كثيرة أذكر لك منها كبداية كتب الأستاذ محمد قطب والدكتور جمال عبد الهادي.

***

السلام عليكم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كيف حالك اخي العزيز

وددت استشارتك في موضوع هو:هل تنصحني بأخذ الفتاوي من الشيخ القرضاوي خاصة بعد الذي سمعناه عنه من فتاوى ما انزل الله بها من سلطان.ثم أليس بعمله هذا يشوه سمعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها سؤال ثاني لو سمحت: كيف ترد على الذين يتهمون سيد قطب وحسن البنا بأنهم يشتمون معاوية بن أبى سفيان وبعض الصحابة الكرام

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

*** الشق الأول: نعم.. فالرجل ليس معصوما لكنه عالم كبير..

والشق الثاني نفي مطلق وهناك مواقع كثيرة على الشبكة تتحدث عن ذلك.

***

إلى أستاذي الدكتور محمد عباس حفظه الله ورعاه

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سيدي أكتب إليك هذه الرسالة راجيا من المولى عز وجل أن يرزقك الصحة والعافية لتواصل السير في طريقك الصعب الذي لا يقوى على السير فيه إلا من اجتباه ربي زادا وقوه للسير في طريق كله أشواك وتحوطه الذئاب من كل جانب. سيدي ثقتنا في الله كبيرة أنك لن تبخل علينا ولن تألو جهدا في مواصلة الكتابة والنصح لنا معشر الشباب. واستحلفك بالله العلي القدير أن لا تتوقف عنها ولو لأسبوع واحد ولقد كنت كاليتيم الذي يبحث عن أباه منذ أسبوع مضى عندما لم أجد مقالتك الجديدة في موقع جريدة الشعب. أكتب سيدي أخرج ما بداخلك ، عرفنّا الصواب من الخطأ. أنت على علم سيدي أننا مستهدفون منذ زمن بعيد ، وتعلم أيضا أن تلامذة كرومر يتحكمون في كل شيء ، وتعلم أننا محاصرون ونبحث عن نبراس يضيء لنا الطريق. سيدي أعذرني فأنا أحملك المسئولية أمام ربي إذا تركتنا في هذا الطريق الوعر دون مساعدة. أكتب عن كل شيء ، علق على السموم التي تُبث لنا صباح مساء ولا نجد من يميز لنا الخبيث من الطيب.

سيدي أرجوك لا تنسانا ، وجزاك الله عنا خير الجزاء

ابنكم

صابر

*** جزاك الله خيرا يا بني..

***

السلام عليكم

9.      بسم الله الرحمن الرحيم

أستاذي العزيز:

أنا من قراء مقالاتك ومعجب جدا بشخصك الكريم .

وابعث لك بتحية خاصة من ارض فلسطين التي لم تغفل عنها لا أقلامك ولا أنفاسك . فكم نحن بحاجة إلى أمثالك .

وخاصة ونحن نداس من أحقر أمة على الأرض ... وأمة الإسلام عنا غافلة آو بالأحرى مغيبة ..

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

السلام عليكم

 

10.  بسم الله الرحمن الرحيم

*** أخي الكبير/الدكتور محمد عباس

 تحية طيبة و بعد

فى البداية احب ان أحيى سيادتكم على مو قفكم المشرف تجاه القضايا الإسلامية  و خاصة إنصافكم للشيخ المجاهد الأسامة -رضى الله عنه-و أمير المؤمنين-رضى الله عنه-وكل الجاهدين معهم :- سيدى  دعنى أشيد بجماعة الإخوان المتمثلة فى شخصكم و الأخ المجاهد / مجدى أحمد حسين

ولكن سيدى أتوسل إليك بحق حبك للإسلام أن تكف بعض المنتسبين زوراْ إلى تلك الجماعة عن تشويه صورتها بإدعائتهم الكاذبة أن الجماعة تنادى بالحرية و الديمقراطية و كل رموز العلمانية هذه إلى الحد الذى وصل بأحدهم أن يقول أننا نقبل بتعيين أحد أهل الذمة رئيساْ لمصر إذا أختاره الشعب و بالطبع ليس خافياْ على سيادتكم كيف أستغل أعداء الأمة هذا الكلام الوقح فى الترويج لشعاراتهم العلمانية الباطلة

وفقكم الله إلى ما يحبه و يرضاه و رزقنا و إياكم متعة النظر إلى و جهه الكريم وحشرنا و إياكم فى زمرة حبيبه و صفيه و نبيه -محمد" صلى الله عليه و سلم "- والسلام عليكم و رحمة الله وبركاته

أبنكم/ " عاطف طلعت " المسلم

***

عدم النشر

إن كلامي لم يتهم أحداً من علماءنا بالخيانة

السيد والشيخ الفاضل/ د. محمد عباس حفظه الله ورعاه

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أشكر لك النصيحة الغالية والتي نصحتني إياها بشأن ما ذكرت لك بشأن علماءنا ، ولكن يجب علي توضيح الآتي حتى لا يكون كلامي مجرد أنني أسمع من هذا أو ذاك أو أن أعداء الأمة يثيرون فينا الشكوك فيهم :

إن كلامي لم يتهم أحداً من علماءنا بالخيانة ( لا قدر الله ) ولكن كلامي كان يتضمن القول بأنهم متثاقلون إلى الأرض .

لم يكن كلامي السابق كله بناء على اتهامات ولكنه بناء على حقائق وتصريحات يمكنني أن أذكر الآلاف منها وأن أوثقها توثيقا علميا .

مع صباح كل يوم جديد تخرج من علماءنا الأفاضل تصريحات تشيب لها الرؤوس ولسنا بذاك الجهل بأن لا نقوم بالمتابعة والتحقيق والتحليل .

ما زلت لا أستطيع التوفيق بين مناصرتك في آن واحد بن لادن ومنهاجه ثم الدفاع عمن يذمونه من العلماء ومن يتهمونه بالخروج ( عن من ، لا أدري ) والتطرف والسفاهة وجلبه الوبال على الأمة ..الخ ( علماً بأنه لو وجد في حلول هؤلاء العقيمة ومنذ ما يزيد عن السبعين عاماً لما سار في هذا الاتجاه ) .

فهل هناك فعلاً تناقض بين تأييدك لبن لادن وسكوتك عن علماء الأمة الذين يتناقضون في فكرهم بين تأييد بعض الأحزاب الجهادية لأنها محسوبة على بعض الجهات ( كحماس في فلسطين مثلا مع بالغ تقديرنا لها ) ، بينما من رأى أن عدو الأمة الأكبر هو أمريكا ( التي بنت إسرائيل وحرستها ودعمت الصغار من أبناء جلدتنا ليكونوا حرسا شديدا لها في نظرهم عبارة عن شواذ في الفكر مدمرين للأمة .. وهل كانت الأمة قائمة أصلا حتى تدمر ؟! ) فأين الإنصاف في ذلك ؟! .

لقد كان لكتيب الشهيد عبد القادر عودة ، الإسلام بين عجز علماءه وجهل أبناءه ( وكان هذا قبل ثلاثين عاما ونيف ) تبياناً للضعف والعجز في الفئتين اللتين ذكرهما الكاتب ( رحمه الله ) . ولا أظن أن الوضع قد تحسن أو أن علماءنا قد ساهموا في تحسينه ، بل على العكس أظن أن الفترة التي كتب بها ذلك الكتاب كانت زاخرة بالعلماء الربانيين أمثال صاحب المعالم رحمه الله ( الذي ركز على موضوع الحاكمية لله أيما تركيز ، الأمر المهمل حالياً ) . ولا أكتمك سراً أن الناس أصبحوا يفرحون بالحضور التلفزيوني لعبد الباري عطوان وغيره أكثر من حضور معظم العلماء وذلك حينما وجد المواطن المسحوق إن من يدافع عن حقوقه ويبين زيف وخيانة حكامه هم أمثال عبد الباري بعدما غاب من لا يخاف في الحق لومة لائم عن قول الحق .. أو من اصبح يقول أطيعوهم ما أقاموا فيكم الصلاة ( حسب الحديث الشريف ) ونسوا الشرط الآخر في الحديث وهو الجهاد في سبيل الله ..

نتفرج على ما يحدث في فلسطين والعراق وغيرها من بلاد الإسلام ثم نعلق عليها في أجهزة الإعلام المختلفة وكأننا نعلق ونحلل مباراة كرة قدم ، منا من هو مع العمليات الجهادية ومنا من هو ضدها . والخطر هنا هو الاختلاف الواضح بين اللونين الأسود والأبيض في الفكر ، فلو كان الاختلاف في درجة لونية واحدة لما ضاعت الأمة ، ولكن أن يكون الاختلاف إلى هذه الدرجة بين الفكر ومرادفه ، فلا مجال لنا حينئذ إلا أن نقول – يجب علينا أن نسير يمينا أو يسارا - فلن تصلح مثلا دعوات من ذكرت سابقا من علماء ودون تخصيصهم بالاسم ومن التف حول فكرهم ... بالتحام الأمة حكاما!!! ومحكومين ، مسلمين ومسيحيين إسلاميين وشيوعين وعلمانيين لمواجهة عدونا، لأنه قد ثبت(لعامتنا وخاصتنا) خيانة حكامنا واتباعهم لله ورسوله ولا رجاء في قيادتهم لنا إلا أن يوصلونا للهاوية . فكيف ينصر الله من خانه ؟! وثبت أيضا تبعية الآخرين من علمانيين وغيرهم - إلا من رحم الله - لعدونا بضرورة فصل الدين عن الدولة والواقعية الفكرية ... وخلافه . أما علماءنا ( ممن يرتجى منهم خيراً ) فلقد بقوا على اللون الرمادي في وقت الأمة بحاجة ماسة إليهم ولكوة يرون منها النور. وليس أن يحافظوا على الظلام لتبقى الأمة في غفوتها ( حرصاً منهم على راحتها ) !!

وستبقى الأمة تتفرج ( مهزومة مدحورة ) ما لم تقر بأن الحكم لله وليس لغيره ، فلا مجال هنا لحلول وسط ، وهذا سر عملية التغيير( حسب ما أوضحه سيد قطب رحمه الله في معالم على الطريق ) والذي لو فهم مقصودة العلماء والعامة لما حصل بنا ما حصل . فالأمة كانت تنتصر عبر تاريخها كله بكلمة التوحيد ( فهما، وليس بالقول فقط ). عندها يفتح الله عليها بقائد تقي رباني عادل ملهم، يلتف حوله العلماء والمخلصين... قتالهم في سبيل الله لا غيره . ولم نسمع بأن الأمة انتصرت بقائد عميل باع جيشه وبلده بثمن بخس قبل أن يخوض المعركة ولو باركه أو سكت عنه كل العلماء وهذا هو سبيل حكامنا بلا استثناء ولا أقصد هنا ان أعين أحداً بالإسم فلا أحد مبرأ من هذا ( وهنا يظهر جليا أهمية رأي العلماء في حكامهم وواقعهم وأهميته ، الأمر الذي كنت آمل وأرجو منك التعرض له في معرض حديثك عن تطلعات الأمة).

ولكن على أي حال ، اختلافنا في الرأي لا يذهب للود قضية ورأيي صواب يحتمل الخطأ وأنا بكل الأحوال اكن احتراما وإعجابا لكل ما تكتب وإن اختلفت معك في بعض التفاصيل. وأنا على يقين بأنني سأغير فوراً وبسعادة وفرحة غامرة ذلك الرأي ( والذي ما زلت به محتفظاً ) حين أرى أن هناك بوادر تغير في منهاج العلماء وطريقة تعاملهم مع الواقع المذل الذي نعيشه بدون تميع ولا تناقض وبالطريقة التي علمنا إياها ربنا ووفق منهاج رسولنا الكريم .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ابنك المخلص

*** يا بني الغالي.. حديثك مهم .. وبرغم تحبيذك عدم نشره فقد رأيت فيه كثيرا من الفائدة.. وها أنذا أنشره و أحجب اسمك .. فلعلك تسامحني إن لم تسمح لي..

***

السلام عليك

يا أستاذ , من فضلك.. قل لي من شيخك أقل لك من أنت؟ إن الكتبة قد تشابهوا علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون؟

هل حقا (القرضاوي) شيخك كما ذكرت في مقالك الأخير؟؟

أرجو الإهتمام بالرد

و السلام عليكم

عبد الرحيم عمر

*** غفر الله لك..

***

السلام عليكم

الأستاذ العزيز محمد عباس

قرأت مقالاتك الأخيرة بعد طول انتطار ولهفة لانقطاعك بعد سقوط بغداد واشهد أن لديك مكانة عالية لدى الكثيرين وأتمنى على الله أن تظل كما هى ترفرف فى سماء الحق ولا تسقط كما سقط الكثيرين فى وقت المحن الأمريكية وإذا سمحت لى أن أذكر سعادتك أن مقالاتك الجديدة قد يساء فهمها ويظن البعض انك تحاول أن تدافع عن رموز اختارت بنفسها ما وصلت إليه من انهيار مصداقيتها لمواقفها المتعارضة مع مصالح الأمة وأذكرك بقول الله :

( هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)

أمثال محمد عمارة الحريص على أن يظهر فى الفضائيات ليدافع عن اللعين بوش وقد رأيته بعينى 3 مرات ومثل الشيخ القرضاوى الذى أباح المسلمين للجندى الأمريكي المسلم والذى لا يعارض الانضمام لمجلس الحكم الضال بالعراق وربما أكون أسأت فهم عباراتك وانك لم تقصد الدفاع عن تلك الرموز التى فضحت نفسها بأيديها فتقبل أعذاري

وأدمكم الله على الحق الذى عهدناكم عليه

***

الموضوع : السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

11.  بسم الله الرحمن الرحيم

أخي فى الله /محمد عباس

يا آخي أنى احبك فى الله.وأرجو منك أن لا تنسانى من صالح دعائك.وأرجو من الله أن يديم علينا و عليك نعمه الإيمان ويرزقنا شهادة يرضاها.واعظم الشهادات

اجرا كلمه حق عند سلطان جائر.

لن أطيل عليك بل سوف ادخل مباشرة فى صلب الموضوع.ولكن .......اعذرنى ألا تعرف فيم كنت انتوى أن أكلمك؟. فلقد نسيت الموضوع الذى كنت انتوى أن أحدثك عنه ....... يـــــــــــا ه ما أسرع تبدل الأحوال فى هذه الأيام تفجعنى كإرثه تلم بالمسلمين وما أن الملم جراحاتى وأتناسى آلامي وقبل أن أبدأ الحديث تصدمنى كارثة أخري. كان الله فى عونى وعونك وعون كل من يحس ويتألم ولا عزاء للجبناء والله لقد بكيت وأنا أخاطب أحد الاخوة الفلسطينيين بكيت وهو يقول إني اسمع مكبرات الصوت فى وسط القصف تنادى مطلوب دماء للمصابين وممنوع الخروج قتلوا فى داخلنا الاحساس ماتت الضمائر. اصبح ما يجرى فى العروق لا يمت بصله ما إلى الدم .

يا لسوء حظنا نحن المسلمون أليس فى هذا العالم غيرنا ليتلقى قليل من اللطمات التى تنهال علينا وعلينا فقط. أحاول أن أقلل من كلماتى ولكنها تنسال من بين ثنايا عقلى وتتفجر أفكارا قاتمة كاحله السواد هل أنا متشائم ؟ أم أعمى لا أرى النور؟ أم أرى الواقع وأحاول توصيفه ؟ لست أدرى كل ما أدريه أنني لا أسيطر على كلماتى لا أتحكم فى مشاعرى لا اوجه أفكاري بل انساب معها فى منحنى حلزونى ارتطم هنا وهناك ومع كل لطمه تتفجر جروحى أفكارا وتندلع نيران الألم فى عقلى ويمزق الأسى قلبى لا اعلم لماذا اكتب كل هذا هل أنا أبكى أم أن هذه الدموع الحمراء النازفة من كل خلايا جسدى المنهك هى عرقى المنساب من فكرة مذعورة تمزق كل بقايا العقل أين نحن من الله حتى ندعوه

لا أدرى. إذا التقى الجيشان فالنصر للأتقى فان لم يكن هناك اتقى فالنصر للأقوى أليس كذلك

لن أتكلم مرة أخري عن ألمي ....... صفحات جرائد كل العالم لن تكفى.

 قرأت كثيرا حتى اعرف دينى أحاول أن أتعلم

قرأت وسمعت وعلمت ورأيت سالت واستفتيت

يا شيخ فلان هل فائدة البنوك حلال أم حرام ؟

يا أخي هناك رأيان.......كذا وكذا والله اعلم

تهنا مع الشيخ الجليل محرف التنزيل

ما رأيك يا شيخنا فى طالبان وهى تهدم تماثيل الإله بوذا؟

متخلفون إنها تراث الحضارة

ألم تعلم أيها الشيخ أن هناك من يعبد هذه الأصنام حتى يومنا هذا؟

يا شيخنا ما رأيك بشهداء فلسطين؟

انهم إنتحاريون والمنتحر من أهل النار

يا شيخنا انهم يدافعون عن الأرض والعرض

يا أبنائي الأرض ارض الله والعرض فى زمن العولمه معروض والسوق عرض وطلب فمن يدفع اكثر هو الفائز بأذن الله

يا شيخنا انهم يذودون عن الدين

الدين منهم براء وما أدراهم بالدين نحن أهل العلم والدين ونحن نقول انهم

كفار لتعاطيهم وسائل الانتحار ثم انهم يقتلون المدنين وهذا لا يجوز

ألا لعنه الله على الكاذبين وعلى المنافقين وعلى المتاجرين بالدين

سئل أحد مشايخنا الكبار جدا فى أثناء رحلته لأمريكا

هل فى كتابكم نص يكفر المسيحيون فأجاب هذا الشيخ أجابه دبلوماسية ( وأنا اعلم انه دبلوماسي بارع وسياسى بارع واقتصادي فظيع)  كلا لا يوجد مثل هذا النص.......هكذا وبكل غلاسه آسف وبكل سلاسة إنما هم اقرب مودة للذين آمنوا... هكذا ببساطه تنكر نصا فى القرآن .يفتون بالإسلام الأمريكي

شيخ الأزهر الأمريكي ومفتى الديار الأمريكي .و...و......و......

وأكاد اجزم أن هذا الشيخ لو سألوه عن الوحى هل انقطع بعد النبى صلوات الله عليه وسلامه لأجاب كلا وحاشا إن الوحى يتنزل على مستر بوش الصغير وكل من يقطن الحرم الجميل الملقب بالبيت الأبيض هذا إن لم ينسب له العصمة وربما الألوهية استغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم

وسامحنى أن استعير هذا التعبير لك ( الكفر ملة واحدة)

أخي محمد عباس

ألا تحس انى أهذي محموم

مثقل بكم هائل من الهموم

تاهت منى السبل وتفرقت بى الدروب أريد أن أتوب  ...أريد أن أتوب

أريد أن أتوب  من انتمائاتى السياسية.... وولاءاتى الوطنية... وقناعاتى القومية

أريد أن أتوب  من كل احترامي للساسة العرب وتقديرى للحكومات العربية

أريد أن أتوب  من كونى مصرى أو سعودى أو عراقى أو فلسطينى أو سورى

أو.......................................... أريد أن أتوب 

سدت كل السبل وتاهت فى غيامات الزيف والنفاق كل الحقا ئق

غرقت أحلامي فى شهوات المال والسلطة

ضاعت من قلمى الحروف وتحجرت فى عيونى الدموع وماتت الكلمات على شفتى

بركان يحتوينى واحتويه أصبو لشهادة تخرجنى من نار الدنيا

أريد أن أتوب  قبل طلوع الشمس من المغرب

ابرأ من كل دجاجله الأرض وأريد أن أتوب  قبل خروج زعيمهم الدجال الأكبر

وأخيرا و كما قال ارشميدس وجدتها.... وجدتها

انزاحت الغمامة وعرفت راس الأفعى. رأيت السم يخرج من بين الأنياب

وفهمت كل علوم العالم ووجدت الحل......... لن أسال شيخنا مرة أخري

عرفت الحلال والحرام ...تبت وللتوبه عبق يسحرنى أتريد أن تعرف كيف عرفت؟

الحل بسيط كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (استفت قلبك ) ولكن لابد للمفتى أن يكون عالما خاشعا صادقا نقيا فإذا توافرت هذه الصفات فى قلبك فاستفته وأنت المسئول فانك إن استفتيت قلبك ها هنا تكون إما تقيا أو منافقا عتيا.

إنها حرب سافرة بين أولياء الرحمن وأنصار الشيطان .إنها حرب الكفر ضد التوحيد. لا اله إلا الله .إنها واضحة فعلام العمى. مدوية فعلام الصمم.

كل ما تريده أمريكا حرام وكل ما تكرهه حلال كل من تمدحه منافق وكل من تعاديه فهو على صواب.وكما قال الثعلب للأسد حينما سأله من علمك الحكمة قال رأس الذئب الطائر. هكذا حال حكامنا قادتنا زعمائنا رؤسائنا ملوكنا أمرائنا وكل النهيبه الآخرين مع الاعتذار عن كل منافق سقط من حسابى

 وأمريكا إنها راس الأفعى والباقى أذناب...أذناب..أذناب

عفوك ورضاك يـــــــــارب

أخوك فى الله

محمد عبد الصمد

مسلم من مصر

***

>صديقي و أخي في الله الدكتور محمد عباس...

>صديقي و أخي الأستاذ مجدي حسين ...

>هذا الخطاب أبعثه لكليكما بصفتكما من القلائل الذين حملوا راية الدفاع عن هذه الأمة و رضوا بتحمل المشاق في سبيل الحكم بما أنزل الله ...و قد حاولت إرسال نسخة إلى الدكتور محمد عباس و لكني لم أتمكن من إرسالها ... فأرجو من الأستاذ مجدي أن يطلع الدكتور محمد عباس عليها ....

>لست أدري من أين أبدأ .. أأبدأ بالتاريخ أم بالحاضر ؟.. أأبدأ بالشعوب المغلوبة على أمرها ؟ .. أم أبدأ برأس الأفعى التي تحكمنا ؟ ...أم بالطغمة التي تلتف حوله ؟ ... و ماذا سأضيف إن بدأت بأي من هؤلاء ؟ .. ألم نشبعهم لوماً و نقدا.. و سخرية و زجرا .. و قبل ذلك إرشاداً و نصحا .. فماذا بقي في الكيل ؟.. و هل إستجابوا لأي من هذا ؟ ... لا لم يفعلوا و لن يفعلوا ... فلماذا إذاً لا نعيد حساباتنا ؟ .. لماذا لا نقف للحظة و نفكر.. فربما هناك خطأ ما .. فربما نحن نصوب طلقاتنا على الهدف الخطأ .. و بدلاً من أن نستمر في إطلاق الرصاص على الهدف الخطأ .. فلنبحث حولنا ربما هناك هدف آخر لا نراه .. وهو الأجدى بأن نصوب نحوه طلقات الإصلاح ..

>و هنا دعني أبدأ بالتاريخ .. و التاريخ يقول لنا .. أن أعداء الأمة كانوا أذكى منا .. فقد عرفوا الهدف الصحيح فصوبوا عليه أول طلقة .. فهم لم يشغلوا أنفسهم بالتصويب على الأطراف و الأحشاء .. بل صوبوا على الرأس مباشرة .. فأصابوا الأمة في مقتل .. و غاب الجسد عن الوعي .. إلى غيبوبة .. يظن الناظر إليه أنه جسد حي و ما هو بحي ... فالأعضاء تعمل و الأطراف تتحرك تلقائياً .. و لكن الدماغ لا يعمل ؟

>فما هو هذا الهدف الذي أصابه أعداء الأمة فينا فغيبونا إلى هذه الدرجة؟ ... لقد كان الهدف هو ورثة الأنبياء .. كان الهدف هو حملة الرسالة من بعد أن لا نبي يُبعث في هذه الأمة ... إن الشعوب و الأفراد في عمومها جاهل .. لا يعي و لا يفكر .. هكذا قال القرآن :

( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ )

> ... لذلك أرسل الله الأنبياء .. حتى إن ذهب كل نبي .. حمل عبأ القيادة من بعده العلماء العالمون .. حتى إذا ما إنقطع خيط النبوة .. ورث العلماء و الفقهاء القيادة .. هكذا إقتضت مشيئة الله .. و قد كانت لعنة بني إسرائيل من علمائهم .. الذين حرفوا التوراة و حللوا ما حرم الله .. و المتتبع للتاريخ يجد أن أول ما يسقط من الأمم .. هم العلماء .. و يتبعهم الباقون في حركة تشبه قطع الدومينو ...

>و القول بأن العلماء هم ورثة الأنبياء .. ليس تشريفاً .. بقدر ما هو تحميل مسؤولية جسيمة لهم .. فإن لم يحملوا هذه الرسالة .. رسالة قيادة الأمة .. فقد خانوا الله و رسوله .. و لا شرف لهم و لا حرمة .. و هذا هو حالنا الآن و حال علماء الدين .. لقد هجر علماؤنا مواقعهم .. و تراجعوا عن القيادة إلى الصفوف الخلفية .. يهرجون و يلعبون مع اللاعبين .. و شغلوا أنفسهم بالتافه من الأمور يتكلمون فيها و يفتون .. و تركوا أهم شيء .. الذي لو صلح صلح كل شيء في الأمة .. و إن فسد فسد كل شيء فيها .. ألا و هو العمل على الحكم بما أنزل الله ...

>نعم لقد خان العلماء رسول الله صلى الله عليه و سلم .. و بعثروا تركته .. فباعوا الثمين منها بثمن بخس و قبضوا الثمن .. راحةً و رغًد في العيش, و مالاً و بنين شهودا .. و ما هكذا كانت حياة الذي ورثوه .. لقد كانت حياته صلى الله عليه و سلم حياة جهاد و كفاح و شظف في العيش و عمل على نشر الدين ليل نهار , حتى بلغنا الدين .. و شهدنا بأنه بلغ ... إذاً فهم لم يرثوا رسول الله .. لقد ضحكوا علينا و قالوا أنهم هم الورثة الشرعيين لرسول الله .. بينما هم من بدد ثروته التي تركها لنا و التي ذروة سنامها الجهاد .. و جهاد العلماء هو في قيادة الأمة العمل على الحكم بما أنزل الله .. فإن لم يعملوا .. و ما عملوا .. فهم لم يجاهدوا .. و لا يستحقون لقب علماء... و لا ورثة ..

>أحزن كثيراً عندما أجد أن النشطين من الشواذ و السحاقيات في الغرب .. يتظاهرون , و يتحملون المشاق, و يعقدون الإجتماعات , ويواجهون الإعتقال , بل و الضرب.. و لا يعبئون بأن تسيل دماؤهم النجسة في سبيل الوصول إلى أهدافهم ..التي يؤمنون بها .. و لنيل حقوق يزعمونها .. حتى لقد قنن لهم الزواج .. و في الطريق ستكون لهم مدارسهم الخاصة ..و صارت لهم كلمة في إختيار من يحكم .. بينما أجد علماء الدين قد إكتفوا من كل ما يدور حولنا بدور المتفرج , و في بعض الأحيان بدور المصفق .. و أكتفوا بأن يجلسوا في مكاتبهم , في المعاهد و الجامعات .. لقد أصبحوا أكاديميين يا صديقي .. و ما كان رسول الله أكاديمياً يوماً .. لقد صاروا يدرسون نظريات عن الدين لا يطبقونها على أرض الواقع .. لقد حولوا الدين إلى رسالات ماجستير و دكتوراه , ما أغنتنا و ما أصلحت من أحوالنا , و صار لقب وريث الأنبياء دكتوراً , بدلاً من أن يكون لقبه المجاهد ...

>يا حسرة على الورثة .. لقد قالوا ما لم يفعلوا .. وقد كبر ذلك مقتاً عند الله .. لقد علموا و ما عملوا بما علموا .. لقد ركنوا إلى الدنيا و لم ينفعهم ما تعلموه من سيرة رسول الله صلى الله عليه و سلم ... و صار الطفل في فلسطين يزن عشرة علماء مجتمعين .. و صارت المرأة في فلسطين تخرج إلى الدنيا المجاهدين .. بينما علماؤنا يخرجون إلى الدنيا أشباه متعلمين و حملة الدكتوراه , ليقودونا إلى الهلاك ...

>لقد بلغ السبات و النوم بعلمائنا مبلغاً .. جعلني أعول على راقصة أو فنانة أو حتى ماجنة أو عاهرة .. لكي تشعل الثورة في نفوس الناس , و لا أعول على علمائنا .... إن الشيوعيين الملاحدة و العلمانيين الكفرة و الليبراليين المنافقين ينتقدون الحكومة و يعتقلون و يزج بهم في السجون .. بينما لا يجروء علماء الدين عندنا على إنتقاد السلطة ... بل إن مقدمات البرامج من النساء أصبحن لديهن الشجاعة لينتقدن الأوضاع المزرية التي وصل إليها حالنا .. بينما علماء الدين مستحين في خدرهم ...

>عذراً على هذه المقدمة الطويلة .. و لكنها كانت لازمة حتى نضع يدنا على موطن الداء .. فنشخص الدواء فربما نصل إلى علاج .. و بدلاً من أن نهدر الطاقات في علاج الأعراض .. لنتجه مباشرة إلى علاج المرض نفسه .. و المرض قد أصاب علماءنا و لا شك .. و من ينكر ذلك فهو يتعامى عن الحقيقة .. و لكنه مرض قابل للعلاج .. كل ما نريده هو أن نصحي العملاق النائم .. نهزه لكي يفيق و يتحرك , و يبدأ يمارس دوره المنوط به لإحياء هذه الأمة .. نريد من علمائنا أن يصبحوا قدوة لنا .. نريد منهم أن يقودونا في التظاهرات .. نريدهم أن يكونوا في الصف الأول دفاعاً عن حيض هذه الأمة .. نريدهم أن يملئوا المعتقلات .. نريدهم أن يضحوا .. لأنه بغير تضحية لن ننال نصر .. و لن نرى عدل ... ..نريد أن نراهم في الشوارع بيننا .. لا على شاشات التلفزيون .. نريدهم أن يملئوا المساجد لا قاعات المحاضرات .. نريدهم أن يكتبوا المقالات في الصحف يوعوا الناس و يلهبوا حماسهم .. نريدهم أن يوعوا الناس بحقوقهم .. لا أن يكتفوا بأن يوعوهم بكيفية دخول بيت الخلاء ..

>يا علماء الأمة .. أفيقوا .. قوموا من سباتكم .. شكلوا الهيئات , و إعقدوا الإجتماعات حتى و لو في سراديب , و إصدروا البيانات , إرفعوا أصواتكم .. نريد أن نسمعكم .. لا أن نسمع صوت الراقصات .. كيف خنتم الأمانة التي تركها لكم رسول الله؟ .. كيف تركتم الساحة فارغة منكم ليملؤها الممثلين و لاعبي الكرة و المغنين .. هل يرضيكم أن يرث هؤلاء تركة رسول الله .. هل يرضيكم أن يحمل راية الجهاد عنكم الشواذ و الساقطات .. هل يرضيكم أن يتلقى أبناؤنا الفضيلة من فم الغانيات .. هل يرضيكم أن يفتي في دين الله من لا يحسن قراءة الفاتحة .. هل يرضيكم تسيروا في ركب السلطان كالأذناب .. هل يرضيكم أن يحرككم العلمانيين كالدمى .. هل يرضيكم أن تتلقوا التعليمات من الأعداء ...؟

>فإن رضيتم بكل هذا .. فلا أمل لنا في شفاء .. و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ....

>أخي الدكتور محمد ..

>أنا لا أملك مقدرتك على الصياغة بأسلوب مؤثر .. و لذلك أرجو منك و من الأستاذ مجدي أن تقوما بحملة هدفها إستنهاض علماء الأمة ليقوموا من سباتهم ..و يحتلوا دورهم الذي وصاهم به رسول الله ... لعل أن تقوم باقي الأمة من سباتها إذا ما أفاق علماؤها ....

>و السلام عليكم و رحمة الله ....

***

:اعتذار للدكتور محمد عمارة

12.  بسم الله الرحمن الرحيم

السيد الفاضل / د. محمد عباس حفظه الله لنا ورعاه

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لقد قرأت مقالك الأخير عبر جريدة الشعب الموقرة ، وأنا حريص دائما على قراءة مقالاتك وكتبك وأعتز بوجود مفكرين في هذه الأمة أمثالك فجزاك الله عنا خيرا. وليست هذه المرة الأولي التي أراسلك فيها فهي الثانية أو الثالثة .

عندما قرأت عنوان مقالتك الأخيرة اعتذار للدكتور محمد عمارة ، بدأت فورا قرأتها وبنهم علني أجد إجابات عن تساؤلات كنت قد طرحتها في مخيلتي منذ زمن ولم أجد لها إجابة .

إنني ولظروف خاصة ولعامين متتاليين ومنذ الحادي عشر من الشهر إياه وأنا لا أكاد اترك مقال في صحيفة أو برنامج أخباري أو خبر أو تحليل إلا وقرأته ، لأن الأحداث المتتالية والرهيبة كانت جديرة بذلك .فلقد أرّخت لخمسين سنة من التيه ...

ومن نجوم الفضائيات من العلماء الدكتور محمد عمارة وغيره من المفكرين المتنورين والذين من علامة فكرهم أن وسائل إعلام القمع والترف والانحدار الفكري لا تتورع عن استضافتهم و أكاد أجزم أن كل من يظهر على تلك الشاشات يفيد أهداف حكوماتها ولا يضرهم . وهذا دليل واضح على عدم خطورتهم على العناكب المستبدة والجاثمة على صدورنا، الكاتمة على أنفاسنا .. وأني قد بدأت طرح التساؤلات عندما بدأ الدكتور يظهر بكثرة عبر كل الفضائيات الحكومية وشبه الحكومية فبدأت حينها أتسائل " أهذا هو الإسلام أم أن القوم قد شطحت بهم الأفكار فاصبح الدين عندهم فلسفة وسفسطائية ؟! " ، وكيف أوصلهم الفكر الإسلامي لتلك النتائج ؟! فكانت هناك حلقة مفقودة حصلت عليها أخيرا من مقالك الأخير عندما قلت أن الدكتور قد بدأ حياته ماركسياً . ولتوضيح الأمر استدل ببعض عباراته عبر الحوارات التي أراد بها استرضاء كل إنسان غير غيور على دينه وإغضاب كل طامح باستئناف الحكم بما انزل الله . ومن تلك العبارات التي لا زلت اذكر بعضها وتقرع أذاني قرعا " الجهاد في فلسطين جهاد وما عداه إرهاب وإسراف في القتل بغير حق ... مفهوم الخلافة يمكن أن يكون بأشكال متعددة مثل منظمة المؤتمر الإسلامي – البالية – مع تعديل بسيط ، ولا مانع برأيه في بقاء أصحاب السيادة والسعادة والفخامة على كراسيهم ...الإسلام لا يتعارض مع الديموقراطية ويمكن أن تشارك الأحزاب اليسارية والعلمانية ... الخ إذا لم تتعرض بالسوء لديننا الحنيف – ولا اعلم كيف ركب هذه المعادلة هو والدكتور أبو العلا ماضي في إحدى برامج قناة اقرأ ودافعوا عنها دفاع المستميت فمثلا يمكن أن يكون الشيوعي مؤمن أو العلماني طاوس عبادة في آن واحد!!! - .

أما بشان الكتاب المذكور بخصوص عفلق فأنا أتعجب هل كان لدى العلماء وقت في زمن الانكسار والتبعية والانهزام لهذا الترف الفكري . فعفلق وإن أسلم وحسن إسلامه وغيره من رواد الفكر القومجي هم سبب كل كوارث الأمة في عصرنا الحديث . وما رد القومية العربية – الثورة العربية الكبرى - على الطورانية التركية إلا القاسمة التي قصمت ظهر الأمة حتى يومنا هذا. فبدلا من خطاب وحدوي يخاطب الأمة التي تجمعها كلمة لا إله إلا الله ولا يميز بينها إلا بالتقوى ، اتبعنا ما أوحي به الشيطان إلى أولياءه – العصبية والجاهلية والقومية – حتى إننا أصبحنا لا نجد تبريرا للأكراد والبربر وغيرهم في الانفصال واختيار نظام حياتهم بأنفسهم !!

ان عفلق أو صدام حسن أو غيرهم ، إن تابوا فتبقى توبتهم بينهم وبين بارئهم إن شاء تاب عليهم وإن شاء عاقبهم ، ولكن علينا ألا نغفل مدى الدمار الذي جلبه الفكر القومي والبعثي على الأمة . وليس ميشيل عفلق وأمثاله بالأشخاص الذين نعتز بتصريحاتهم تجاه الإسلام بعد أن هدموا أركانه وعطلوا تطبيقه لفترات طويلة من الزمن . وعليهم أن يتحملوا وزر كل من اتبع أفكارهم . فمن يتابع برنامج أحمد منصور – شاهد على العصر – بضيفه البعثي السوري يعرف تماما ماهية البعث وعفلق وغير عفلق .

*******

واسمح لي والدي الحبيب أن اختلف معك هذه المرة في الرأي وذلك في تشخيص وضع الأمة بزعمي إن داء الأمة ليس من حكامها ، فهم نتيجة ومحصلة لابتعاد الربانيين عن مواقعهم الصحيحة . لقد قرأنا مثلا في تاريخنا أن ابن تيمة كان عالما سياسيا مجاهدا ومحرضاً على الجهاد ، ولم اذكر أن أحدا من الأئمة المشهود لهم في تاريخ الأمة كان بعيدا عن واجبه كوارث للنبوة ، بل انهم قد لاقوا التنكيل والتعذيب والمحن ما ذاقوا متشبهين بسيدهم وسيدنا رسول الله وإخوانه من الأنبياء ، ولهذا بقي في الأمة خير واستطاعت أن ترد البلاء في أزمان قياسية . أما في وقتنا الحاضر فلقد اصبح العلماء وللأسف نجوم شاشات ولا يتورعون عن الذهاب يمينا أو شمالا حينما يطلب منهم بل وأصبح الكثير منهم ندماء للحكام يشكرونهم ويحمدونهم على اقل عمل رياء يقومون به . لقد تاهت الأمة بسببهم فأصبحت لا تدري من على حق ومن على باطل ، بل أن الكثير مثلي اصبحوا عندما يبدأ برنامج ديني – كشريعة وحياة الجزيرة وغيرها – يغيرون البرنامج خوفا من سماع - ما يرفع الضغط - وذلك منذ أن ناصروا الأفغان في إحدى خطب الجمعة ثم دعوا عليهم في الخطبة التي تليها ، ومنذ أن وصفوا لنا المجاهدين بالخوارج – ساووا بين حكامنا وبين علي بن آبي طالب رضي الله عنه - . ومنذ أن اصبح حكامنا أولياء أمور واجبي الطاعة حتى ولو سلمت الأوطان كلها لأمريكا والكيان الصهيوني الحقير . لم اسمع هذه العبارات وغيرها كثير كثير عبر وسيط بل سمعتها بأذني وكان لها اثر كبير في وقوعي في حيرة ولبس – ولست بغير المطلع – فما بالك بأمة تقرأ وتسمع وتشاهد علماء صمتوا كصمت القبور عندما دمر العراق ، بل أن كثير منهم قد برروا تدميره واحتلاله من الكفرة الفجرة ووصفوه بالفتح المبين ، وأصبح صدام حسين – مع اختلافي الشديد جداً معه – علكة في أفواههم ، وكأن الرجل لا مثيل له بين بقية الأقذار وكأن الباقين من حكامنا قديسين وليسوا أخس وأقذر منه بكثير !! . فهذا شيخنا الكبيسي يدعوا له ويؤيده بالعلن قبل الحرب على قناته المفضلة ثم يصفه بالدكتاتور المسلط بعد الحرب ويدعوا لبقاء الأمريكان حتى يبنوا له العراق ليصبح مثل مكان إقامته في الإمارات !! هل رأيت ماذا فعل على إحدى القنوات حينما نصحته امرأة فقال لها : قاتلك الله أنت تنعمين وتأكلين الهريس في بريطانيا ونحن نموت هنا... لربما كان يموت هو الآخر ولكن في مدح بني مكتوم .... آه . وهذا القرضاوي يتهزأ في أول ظهور له على شاشته المفضلة أيضا بعد أن شفاه الله إثر إحدى العمليات في برنامجه إياه ليقول: سألتهم في المستشفى – الله هي بغداد سقطت – باستهزاء - ؟! بدلا من البكاء دما على ذلك - ، ثم تفاخر بأنه لم يزر بغداد أبدا ، وكأن الإقامة بالدوحة بالقرب من السفارة الصهيونية وقاعدة العديد وفي ظل من أزاح أباه إرضاء لأمريكا والشيخة موزة أئمن. وهؤلاء هم الذين كانت الأمة بانتظار أن يفعلوا مثلما فعل بطرس الرسول في العصور الوسطى حين جاب ممالك أوروبا محرضا على الحروب الصليبية وما كل ولا مل حتى كان له ما أراد . ولكن ماذا نفعل حينما أصبحت السيارات الفارهة والقصور تعمي العيون والأبصار ... فإذا كان هذا هو حال علماءنا فلماذا لا ينعم حكامنا في قصورهم الفارهة في بلادهم وعبر العالم ويتحكمون ويتجبرون بالرعية طالما أن هناك من الشيوخ والعلماء من يبرر . أما شيخ الأزهر فلا يستحق الذكر أصلا لان الأزهر قد فقد مكانته منذ زمن بوجود أمثال فضيلته .

ويحق لي هنا أن اسأل لما للشيعة مراجع تُحترم وتقدر بينما مليار ونيف من السنة لا يجدون مراجع تعتبر أو تحترم . فللشيعة رأي شبه موحد بينما نحن نسب انفسنا ونجلدها صباح مساء . ألا يجدر بالأزهر مثلا أن يأخذ تلك المكانة ويبدأ بالعمل على توحيد العلماء ، ولكن ما العمل إذا كان حاميها حراميها !!

هل رأيت سيدي الفاضل الأماكن التي يجلس بها أئمة الشيعة – أماكن بسيطة ومتواضعة ، لا أبهة ولا بهرجة – وهم يعملون ضمن ولاية فقيههم بما يضمن مصالحهم أينما كانوا، أما علماءنا نحن السنة فكأنهم في مباراة أيهم سينتصر على الآخرين ولا داعي للكلام أكثر فالسكوت افضل ، وإذا كان المقاس هو كم المعرفة فجميعا يقر ويعترف بالعلم الزاخر لهم ولكن ما الفائدة إذا اصبح كمبيوترنا المعرفي يستخدم كآلة كاتبة وطابعة .

وأشد ما آلمني أيضاً مواقف الحركات الإسلامية الكبرى السلبي جدا من الأحداث الأخيرة ، فحتى المظاهرات لم تكن بالشكل المطلوب ولم تشكل ضغطا يذكر على حكام كان من المفروض أن تزل أقدامهم بعد ثبوتها في تلك المناسبة .

فها هم الأخوان المسلمون مثلا كأكبر حركة – يرتجى منها الصلاح – في العالم الإسلامي ، يقودون الاحتجاجات والمظاهرات في مصر والأردن وغيرها بينما كانوا على النقيض في كوت الشؤم – الكويت – ، وها هم أنفسهم يشاركون في مجلس اراجوزات العراق بمبرر انهم لن يسمحوا للآخرين تنفيذ مخططاتهم ؟! وكأنهم لا يحققون الأهداف الصهيو-أمريكية في اشتراكهم بالمجلس الآثم وأين هي القيادة العالمية لتنظيم كهذا لتمنع مهازل كهذه . ولكن من اصبح يدعوا للتعددية صباح مساء اصبح عاجز عن الوقوف بحزم أمام – إخواننا العلمانيين واليساريين في برلمان الأردن- حينما طلب منهم إلغاء الإضافة التي أضافوها في قسم الطاعة – بالسمع والطاعة إلا في مخالفة الله ورسوله - فاضطروا للقسم مرة أخرى بدون تلك الإضافة حتى لا يتعدوا على الدستور ، وأسروها في أنفسهم أسرارا... وها هم لم يقوموا بمظاهرة احتجاج واحدة على زيارة مجلس الأقزام لبلادهم ، فكيف يحتجون على مجلس غير شرعي وكل حكوماتهم غير شرعية ولكنهم اعموا أبصارهم وأصموا آذانهم . هل هذه هي الديموقراطية التي يروج لها أمثال الدكتور عمارة وعصام العريان وغيرهم من نجوم الشاشات ؟! أهؤلاء هم المعتدلين الجدد ؟! أهذه هي الديموقراطية نفسها التي تفانى من اجلها أخوان الجزائر ولو حتى على حساب إخوانهم المظلومين من الجبهة الإسلامية للإنقاذ .

سيدي الدكتور .. إن هذا كان نقطة في محيط غيظ . واشهد الله انه ليس انتصارا للذات ولكن للمظلومين من امتنا وخصوصا الفئة الصامتة منها... فأنا من العامة ولست من جماعة هذا أو ذاك . ولقد أردت أن أبين هنا إن الأزمة هي أزمة نخب إسلامية فقدت الخطاب القويم والقدوة والمحفز والمحرض ، وبدا في خطابها مغازلة للأقلية من الأديان الأخرى في بلادنا – لكسب الرضا من هبل العالم أمريكا – وحتى يقال : وسطي ، إمام الوسطية ، العالم ، العلامة ، واقعي ، معتدل ... فيسهل أمر التنقل والتجوال والحصول على الفيز والجوازات والمنح والعطايا ولتوكل لهم مهامات جديدة تزيد من أرصدتهم العلمية والمالية الشخصية.

لقد كتب أحد علماء الجزيرة العربية نقدا لفتاويه العلنية – التي كانت على شاشات التلفاز بالشجب والاستنكار من.... وأن الإسلام من هؤلاء .... براء .... الخ ، وذلك في أحد المنتديات دون أن يذكر اسمه ، حتى يبرأ إلى الله مما قال سابقا خوفا على عائلته وليبين إن الدعاوى التي أقيمت على من وصفهم بأقذع الأوصاف في التلفاز جاءت من مصادر الاستخبارات الغير موثوقة والغير شريفة وليس عليها أي دليل أو بينه ، وأن ما أجبره وغيره على التجرء بالإفتاء هو الخوف . فهامت بسببه وبسبب غيره الأمة على وجهها ولم تعد تدري مع من الحق ومن هو العدو ومن هو الصديق وهل حكامنا وأذنابهم حقا مظلومين.

هل قرأت سيدي ما تناقلته المنتديات من تحميل العديد ممن قتلوا وعذبوا بالجزيرة ظلما وبهتانا حملوا علماء الجزيرة ما وقع بهم من ضيم لأنهم اصطفوا مع الشيطان ضدهم دون بينة أو دليل فشوهوا سمعتهم وانتهكوا حرمتهم .

ولهذا كله ... ومع هذه الإطالة – التي اعتذر عنها ، وان كانت تزعجك فلن أكررها – أسألك الله وأنت أهل لذلك – لا أزكيك فالله حسبك وحسيبك – أن تكتب في هذا الشأن مقالات ، وإن أردت ألا تنشر هذه الرسالة في بريد قراءك حرصا على ألا تخدش أحدا فأنت أدرى مني بما ينفع . ولأني أظن أن هذه المسالة في غاية الأهمية ، والأجدر بنا كإسلاميين أن نصلح بيتنا الخرب على الأقل بالتوازي مع نقد الآخرين – الذين هم بالتأكيد وإن كانوا من بني جلدتنا إلا انهم اشد وطأة من أعداء الأمة من أمريكان وصهاينة ومن تبعهم - .

وارجوا من الله أن لا يكون إحجامك عن التكلم في هذا الموضوع الخطير أن فلان أو علان من أصدقائك فتخاف أن يجافيك ، فلقد علمتك لا تخاف في الله لومة لائم .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ابنك

عامر محمد خالد

*** جزاك الله خيرا يا بني..

أختلف معك في الكثير مما قلت.. أختلف اختلافا حقيقيا.. لكنني أقدر ألمك.. كما أنني مقتنع أيضا بأن أنشر رأيك كاملا.. رغم اختلافنا..

***

متعنا الله بك

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

إن من لطف الله بنا أن نكون في كنف رجل مثلك .

الحمد لله الذي قدر لنا بمثلك في مثل هذا الوقت العصيب .

فالحمد لله الذي قدر و لطف و علم بضعفنا فرحم و تجاوز.

قدر لنا برجل يمسك بأيدينا ليعبر بنا فوق سواد من خراب الفكر وقذارة الخديعة و تشويه للحقيقة و تزييف يخجل منه شياطين الجن و لسان حالهم يقول ألا تستحون؟؟؟ غطاه الكذابون بالورود و نشروا فوقه الرياحين ليخدعونا فإذا بالله يأبى إلا أن يتم نوره فيرسل لنا فارس ليس على جواد و لا يحمل سيفا بل يحمل ما هو أهم الآن يحمل في صدره إيمان صادق و في عقله فكر منسق و في يده قلم هو ما أعده ممتثلا لأمر الله "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله و عدوكم" نعم لقد أعدت أنت قوة في قلمك من الممكن أن يأتي نتاجها ألف فارس يحملون السيف يعلمون من هو العدو ومن هو الحبيب يعلمون من يقاتلون و من يصافحون يعلمون المنافقين و المردفين يميزون بين الحق والباطل نعم هذا ما نحتاج و هذا ما تحتاج الأمة.. أكتب ولا تظن للحظة أن العمر ضاع أو أنه لا مخرج و إياك و الاستعجال فإن الله لا يعجل بعجلة أحد و علم أن ما هدم في سنين و سنين لا يبنى في غمضة عين - وأوصي نفسي بها أيضا- .

أكتب إليك لأن من حقك أن تعلم أن كل سطر تخطه أناملك ينقش في صدورنا كتابا جديدا فلا تبخل علينا بعلم قد يدخلنا الله به الجنة .

متعنا الله بك وسدد خطاك على درب الحق المليء بالأشواك.

 القارئ لكتاباتك

 محمد

*** جزاك الله خيرا.. لكنك قصمت ظهري..

***

أرجو المساعدة

***

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

السيد الأستاذ الدكتور محمد عباس

تحية طيبة و بعد

لقد قرأت مقالك بشأن الحث على الجهاد و أستفدت منه كثيراً , جزاك الله خيرا و زادك من فضله دائما و حقيقة إنى أرغب فى الجهاد مع أخواننا المجاهدين فى الشيشان لكنى لا أعرف كيف أذهب هناك فهل هناك تأشيرات سياحة مثلا للشيشان أم كيف يمكننى الحصول على تأشيرة دخول للشيشان ؟

أرجو التوضيح و جزاك الله عنا خيراً

و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

الفقير إلى رحمة الله

البلد : مصر المحروسة

*** سوف تسبق أجهزة أمننا أجهزة أعداء الله إليك.. حماك الله يا بني.. ولا تسل علي الشبكة في أمر كهذا..!!

***

الموضوع : ألف تحية إكبار وحماك الله

13.  بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليك يا أخي في الله الدكتور محمد عباس

أما بعد،

لا أخفيك بأنني كلما قرأت مقالاً من مقالاتك الخارجة من مأساة ومرارة الحقيقة التي نعيشها كل يوم مرغمين، ازددت تلهفاً لمتابعة باقي المقالات التي تفيض حنقاً وغضباً على استسلامنا اللامشروع أمام تكتل قوى الظلم والطغيان بوجه الحق عز وجل، الذي هو الغني عن نصرتنا ولكن ليبلونا أينا أحسن عملا ...

لكنني واثق ثقتي بالله جلّ وعلا وهو القادر على كل شيء أن وراء الصحوة التي بدأت تعم العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه والتي يساهم قلمكم الجريء في تعميمها ما هو خير للمسلمين وللبشرية جمعاء، ولا تحزن يا أخي الدكتور كثيراً على ما جرى أو سيجري، وكلنا على مثالك، لأن كل شيء، كما تعلم، يجري في هذا العالم بإذنه ليبين الخبيث من الطيب وهو أعلم بكليهما، كما أنه عز وجلّ أعلم بداية بأننا تَرَكنا... فتُرِكنا...

فهذه إرادة رب العالمين أولاً وآخراً الذي يرينا في أنفسنا وفي الآفاق كيف كانت عاقبة الظالمين، وكيف ستكون عاقبة المتقين جعلنا الله وإياكم من عباده المتقين الناصرين لدينه الصادحين بالحق مهما كانت النتائج والعواقب سألينه النصرة لنا ولإخواننا الصادقين الثابتين المهديين في كل مكان...

فحبذا ألا تحرمنا من مقالاتك التي تنبض نوراً وحكمة في ظلمة هذا الليل البهيم الذي صنعناه جزءاً منه بأيدينا ...

وأخيراً لا أملك سوى الدعاء لكم بأن يحفظكم الله سبحانه وتعالى من كل مكروه وأن يسدد خطانا وإياكم إلى صراطه المستقيم ونهجه القويم اللهم آمين

أخوكم في الله

عمر

*** جزاك الله خيرا من أخ كريم .. ولعلك معي في الاكتفاء باسمك الأول فقط..

***

السلام عليكم يا أستاذي الكريم جزاكم الله خيرا على مقالكم الطيب بخصوص الشهيد سيد قطب كما نشكركم على إيضاح الحقائق التى لم نتعلم منها شيء في مراحل الدراسة المختلفة و نتمنى المزيد ليعرف إخواننا المسلمين حقيقة هذا الجيل الذي ضحى من جل لا إله إلا الله نرجو ن تعلمونا المزيد عن كفاح هؤلاء المناضلين العظام

***

العدل في القول

14.  بسم لله الرحمن الرحيم

الأستاذ/ محمد عباس

نقرأ الشعب ونتابع كل ما يكتب ونؤيد الكثير مما يقال ولكنني أقول لك العدل في القول عندما تكتب عن عبد الناصر وما كتبته عن هيكل عندما تريد أن تكتب عن ناصر أكتب كل الأخطاء ولكن أذكر الحسنات ولا تكن خصم فقط بحكم توجهك

العدل أن تكون مراعياً قول الحق حتى نستمر في القراءة لك لأننا لو شعرنا أنك غير عادل فلا داعي لتضييع الوقت مع ما تكتب

و الحق واضح بعد أن مات الرجل من 30 عام وواضح كل شئ للجميع

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

***

الموضوع : أستاذي المحترم..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

أستاذي كنت قد علمت عن موقعك بل عنك نفسك قريبا وأعجبتني أطروحاتك التي لا أجد وصفا لها سوى انها صافية من شوائب التخدير وخالية من لبس الدغاليس المميته..

عزيزي أستاذي:

أريد أن أسألك فقط ما هو الأساس الذي يستند عليه من يدعي أن المقاومة للأحتلال ليست متاحة في الوقت الراهن بل يجب التريث ((للأعداد)) وبالتالي يتوفر وقت مستقبلا افضل للمقاومة تكون فرص النيل اكبر مما هي عليه..

*** الأساس هو فقه الأئمة الأربعة: بوش وشارون وبلير.. وحاكم عربي..

***

إعادة التاريخ

الدكتور الفاضل محمد عباس

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

دائما وعلى فترات متباعدة أو متقاربة يشدنى الحديث للكتابة إليك وعندها اكتب إليك أتابع منذ فترة مقالات سيادتك عن ثورة يوليو والضباط الأحرار وعلاقة تلك الفترة بغيرها من التنظيمات ولعلك بدات هذه السلسلة منذ فترة طويلة أيضا قد تكون منذ تلك المقالة" هل كانت ثورة يوليو ممكنة " ويبدو أن وجهة نظرك صحيحة بالفعل ولذلك أود أن أخبرك بشيء كنت أتمنى طرحة إليك

محمد عباس أو عادل حمودة أو مصطفى بكرى هذه النماذج رغم تنافرها الفكرى إلا إنكم بلا شك جيل خاص بذاته فى عالم الصحافة حتى لو كنت طبيبا فلهجتكم كما تصف يمثلها الحدة ويغلب عليها الانفعال ولكن شتان فسيادتكم انفعال من واقع شرعى اقصد حتى لا يكون التعبير مجازيا خطا غضبتك لله وفية, والله اعلم بنوايهم هم هم يسمون أنفسهم قوميون أو ليبراليون سيان لا فرق كنت رأيت كلمة لسيادتك بان بعض القراء يعيبون عليك الحدة !!وكنت ارغب أن أخبرك بالا تلتفت لمثل هذه الآراء المتهافتة  فأبى بكر لم يرتدى ثوب ابن الخطاب وابن الخطاب لم يرتدى ثوب أبى بكر وكان التاريخ لو رجع للخلف لتأكد لنا لابد لعمر بن الخطاب من نهجة الحاد وكان لأبى بكر من نهجة الهادئ وكما يتخذ عادل حمودة نهجه الحاد فى زجر أعداءه ويفعلها بكرى وهو خصومة سياسيون فما بالك أنت خصومتك من اجل الله لذلك سر كما أنت بل أدعوك أن ترجع لنفس القوة الانفعالية التى كتبت بها ملف الوليمة أما الناحية الأخرى اقترح عليك كتابة كتاب كامل فى موضوع الثورة وعلاقتها ولكن هذه المرة بإلغاء كافة المصادر الأساسية التى ثبت بالفعل غشها وعلى رأسهم محمد حسين هيكل

أخوك

أ هارون

*** جزاك الله خيرا يا أخي الكريم..

***

AsSalamu Alikom Br. Mohamed. May Allah (SWT) accept all your good deeds in this holly month and please remember us (The Ummah) in your prayers.

***

I have been reading your article at Ashaab on line and I have some comments and suggestion.

I suggest you stop and think a bit about "Al Manshyah" series:

How about molding the article to include frame by frame the birth of "Al Thourah" using several sources, testimonies and historical facts to ease up the reader's (specially the younger generation) understanding of what the options were at that time in history. I mean options for the occupier as well as options for the many movements active in Misr at that time. What the stage looked like then?

I want the articles to be conclusive and a seed for a reference of very well collected and documented sources.

Each article should carry a title leading the reader to the era that is being discussed.

Each article in addition to the documentary is also a flash light exposing the traitors of writers, journalists and media authorities. This way you will educate the current readers about the corrupt ones alive among us now.

It would be nice if you can afford a small team of assistants who would do the research work for you based on very little guidance as this would speed the process and give you time to sew together their flood of information.

Please use a lot of Quran and Sunnah facts to enrich your findings to show the contrast of the way of Allah as oppose to all other ways (democracy, nationalism, Communism, ..) this will lead the reader to believe that any other ideology is taking him/her to hell eventually.

Include Hyperlink to your sources if they happen to be on line.

Reflect on actions taking by the "sahaba" in similar political and battle situations as appose to similar actions taking by our "new leaders" you can imagine how powerful that will be on the reader specially if action's results are compared.

I have some more suggestions on this subject and on the site itself but I would like to hear back from you so I can add more.

I could be an excellent source for creating a new entity to the site that is suitable for the role it plays, again let me hear from you and I will elaborate.

WasSalam,

I can NOT get it out of my mind that China has been speciously quite lately!??? meanwhile I know from a very solid source that USA has allowed China to buy wafer making machines that is used to make technology chips of all kinds ??!!

China has used this already in its space program and it will use it without a doubt in making sophisticated weapon.

China is taking advantage of the idiot GWB busy spending his national reserve on a lost war(s) and preparing for something BIG.

These speculations needs many evidences which I have none but some of what we all hear and see.

Could someone of experience about China and its policies shed some light on the policies in the make?

--Adam

 

 

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

هل المطلوب حقا أن ننبذ سيد قطب وعمر عبد الرحمن ومحمد عبد الوهاب.. أم أن المطلوب أن نترك القرآن والرسول e والإسلام..

من مذبحة المنشية التي حدثت إلى مذبحة الرياض التي بدأت..!!

توبة الشيوخ على شاشات الفضائيات فضيحة وهي توبة للشيطان الرجيم لا لله الرحمن الرحيم..

ليست المشكلة في الإرهابيين بل في الحكام المرتدين..

بقلم د محمد عباس

 

 

لكم أحزنني أن قليلا من القراء هم الذين أدركوا  بذكائهم وحساسيتهم خطورة المقالات التي بدأت في كتابتها منذ عدة أسابيع عن حادث  المنشية.. لقد كنت في الواقع  أكتب عن خمسين عاما قادمة لا عن خمسين عام ماضية!!.. أو على الأحرى كنت أكتب عن زمان يمتد للوراء قرنين على الأقل ويمتد في المستقبل إلى ما شاء الله له أن يمتد..

ولم أكن حتى أقصد مصر..

كنت كالطبيب الذي يحصل من جسد المريض على عينة كي يشخص مرضا ألمّ بالجسد كله..

***

أسوأ ما يمكن.. أفظع ما يمكن.. أخطر ما يمكن أن نتناول جسد الأمة الإسلامية كأشلاء نقيم كل شلو منها بمعزل عن الشلو الآخر.. فلا ندرك أن احتقان الكبد قد لا يعود إلى مرض في الكبد نفسه بل لعجز القلب عن تصريف الدماء منه.. و أن فشل الكلية قد لا يعود لمرض فيها بل إلى قصور في الدورة الدموية فلا يصل إليها الدم الكافي..

الطبيب الذي لا يفطن  لذلك يقتل مريضه..

والسياسي الذي يتصرف على نفس المنوال يقتل أمته..

أسوأ ما كان.. أفظع ما كان.. أخطر ما كان.. أن الخونة والحمقى قد مزقوا الأمة وراحوا يدرسون ما حدث لكل مزقة بمعزل عن الأخرى فلم يدركوا أن الهجوم على الجسد الإسلامي يحمل نفس الآليات والسمات.. فلو أننا كنا قد  درسنا وفهمنا كيف تم ترويض تركيا  لأمكننا إنقاذ مصر.. ولو فهمنا كيف أُسرت وروضت واستعبدت مصر لأمكننا إنقاذ الجزيرة العربية..

وهكذا دواليك..

***

تعمد الحكام الخونة.. وخلفهم طابور هائل من فقهاء السلطان والكتاب والخصيان أن ندرس كل جزء من عالمنا الإسلامي بمعزل عن بقية الأجزاء..

والكارثة أن جامعاتنا ومعاهدنا وصحافتنا و أجهزة إعلامنا وجيوشنا وشرطتنا  تكرس ذلك..

ما يجمع هذه الأمة هو الإسلام.. ولو جاء الإسلام بعدله وبعقله وتقديسه لحرمات الإنسان تقديسا يرفع حرمة دم المسلم فوق حرمة الكعبة.. لو جاء الإسلام لأطاح بهؤلاء جميعا .. بالحكام.. والطابور والفقهاء والكتاب والخصيان  والجامعات والمعاهد والصحافة و أجهزة الإعلام  والجيوش والشرط .. لو جاء الإسلام لأطاح بهم جميعا ولانتصر على أعدائه ولساد الدنيا..

كل أولئك إذن ليسوا مجرد عملاء لأعداء الإسلام.. بل هم أعداء أصليون.. يدركون أن الإسلام حين ينتصر - وهو حتما بإذن الله سينتصر - سيفعل بهم ما سيفعله بالأعداء سواء بسواء.

أجل..

يجب أن ندرك ذلك..

هؤلاء جميعا.. ليسوا مغلوبين على أمرهم.. ولا هم مخطئين في اجتهادهم.. ولا هم يناورون.. ولا على أبصارهم غشاوة..

إنهم أعداء أصليون..

فلا فرق بين مبارك وبوش..

ولا فرق بين عبد الحكيم عامر وموشى ديان..

ولا بين ولى العهد عبد الله وشارون..

ولا فرق بين رامسيفيلد وشمس بدران وفؤاد علام.. والأمير نايف..

كلهم سواء بسواء..

كلهم أعداء

مصالحهم في ذات الجانب..

ومصالح أمة لا إله إلا الله محمد رسول الله في الجانب الآخر...

يجب أن نملك الجرأة والشجاعة والشمول كي نقول ذلك..

ويجب أن نملك أيضا من قوة الإيمان وصفاء العقيدة ما يجعلنا نقيّم إيمانهم..

فمن يطعن الإسلام لا حق له أن يحتمي به بل ويتاجر فيه..

نعم..

نحن ضعفاء جدا.. وهم أقوياء جدا جدا ..

لكن ذلك لا ينبغي أن يمنعنا من قول الحق.. أما السبيل للتغيير فأمر آخر.

و إن كانوا في غدرهم بنا قد دمروا الصور وشوهوها  فلا ينبغي لنا أن نسمح لهم بتدمير القالب الذي نسخت منه الصور جميعا..  أقصد أن ما حدث طوال الفترات الماضية كان يشبه مجرما استولى على نسخ كتاب مطبوع فراح يشوه فيها ويزيد وينقص..

الكارثة الآن أن هذا المجرم بعد أن شوه وزور ما شاء له الشيطان قد طور هجومه.. ذهب إلى المطبعة حيث القالب الرئيسي .. القالب الذي نطبع منه نسخ الكتاب كلما أردنا نسخا منها..ذهب إلى هذا القالب ليشوهه..

مهما شوه ذلك المجرم كل النسخ المطروحة على الناس فإن وجود القالب سليما ضمان و أمان أننا مهما حُرِّفت النسخ نستطيع الوصول إلى الأصل لنعدل ونصحح التحريف..

أما إن وصل إلى الأصل ليحرفه فإن كل النسخ التي سنطبعها بعد ذلك ستكون محرفة..

إنني أضرب هذا المثل رمزا على ما حدث للعالم الإسلامي من تشويه للإسلام والمسلمين..

 كان ما حدث تحريفا للنسخ..

خطورة ما يحدث الآن في الجزيرة العربية أنه محاولة لتحريف القالب.. وهو ما ينجم عنه أن تكون كل النسخ المطبوعة بعد ذلك من القالب محرفة ومشوهة..

و أريد أن أنبه القراء أنه ليس لدي أي أوهام عن نظم الحكم في الجزيرة العربية .. و أدرك تماما أنها لا يقل علمانية عن معظم أنظمة الحكم العربية والإسلامية الأخرى. لكن الشعب.. الأمة.. العلماء والناس في البيوت والشوارع  .. في مكة والمدينة.. ونجْد و الرياض وجيزان و الأحساء  .. كل أولئك.. أو جل أولئك.. أو حتى بعض أولئك.. كانوا وما يزالون ملتزمين بالمرجعية الإسلامية  وكانوا بهذا يمثلون لأمتنا الأمل و لأعداء أمتنا الخطر.. كانوا يمثلون القالب الذي كنا نتحدث للتو عنه.. القالب الذي يمثل الأمل في استنساخ النسخ الصحيحة منه عندما تحرف النسخ الأخرى..هذا القالب هو الذي يستهدف الآن..  هذا الاستهداف المكثف للسعودية.. ليس للقضاء على المتطرفين كما يزعم الخونة.. ولا للقضاء على الوهابية ( لا يوجد ما يسمى بالوهابية ولكنني أستعمل المصطلحات الشائعة).. إنما المطلوب هو القضاء على الإسلام ذاته.. نعم أي ساذج يدرك أن هدفهم ليس أسامة بن لادن ولا سيد قطب أو عمر عبد الرحمن  أو محمد بن عبد الوهاب.. ذلك أن هدفهم الحقيقي هو القرآن والرسول (صلى الله عليه وسلم ) والإسلام..حتى السذج يدركون ذلك فلا ينكره إلا حاكم خان أو مثقف كفر.

ليست المشكلة مشكلة إرهابيين بل المشكلة مشكلة حكام مرتدين..

***

منذ عدة أعوام  كنت أناقش عالما من الجزيرة فقال لي: لا تخف علينا الآن.. فما زال للإسلام والمسلمين قوة ومناعة وحصانة.. من حقك أن تخاف علينا بعد عشرين أو ثلاثين عاما.. عندما يتولى جيل الشباب والأطفال الذين جففوا منابع دينهم أمر البلاد..

***

بعد أحداث سبتمبر بهرتني عبقرية الشيخ أسامة بن لادن رضي الله عنه..

لقد أدرك الخطة الخبيثة.. ولم يكن هناك أي سبيل لإفشال هذه الخطة إلا بتعجيل المواجهة قبل أن يتمكن الغرب من إنشاء جيل مشوه ممسوخ في الجزيرة العربية.. جيل مشوه ممسوخ لا دين له كما حدث لقطاعات عديدة في تركيا وفي مصر ثم في الأمة الإسلامية كلها دون استثناء وحيد إلا استثناء جزئي وحيد في أرض الجزيرة لم يكن للسلطة الحاكمة أي دور فيه.. لكن حكم طبيعة الأشياء بوجود الحرمين الشريفين وما فيهما وحولهما من علماء شكلت سياجا واقيا منع المرض من أن يستفحل في شعب الجزيرة العربية كما استفحل في سواها.. ولقد كان ذلك كارثة.. وفي حالة الجزيرة العربية تكون الكارثة أشد..

وكان ما فعله المجاهد الكبير أسامة بن لادن رضي الله عنه أن عجل المواجهة لكي يفضح عملية تحريف القالب..

ولقد كان العالم الإسلامي كله على استعداد للسكوت عن الفساد في الجزيرة العربية لا لأنها تمثل الإسلام بل لوجود الذكرى والبذرة والرمز.. ولتجنب الفتنة.. ولأنه لم يظهر من حكامها كفرا بواحا.. أو مجاهرة بالفحشاء..وليس هذا يعني نفي كليهما..!!

ولقد فجرت تفجيرات الشيخ أسامة بن لادن هذا كله..

فهتكت الأستار..

وظهرت العورات..

***

إحدى تلك العورات هي ذلك المشهد الخسيس المروع لتوبة الشيوخ عن دينهم و عن طاعتهم لا عن ذنوبهم وخطاياهم..

والمشهد كله لا يعني إلا انهيارا مريعا لإنسان.. انهيار تسبب فيه الرعب من وحش مسعور..

هذا الوحش المسعور هو الذي يتحكم ويحكم.. وهو الذي أمر بعرض هذه المسخرة على شاشة التلفاز..

لست أدري في أي مكان آخر في العالم - غير مصر - قد حدثت تلك الـ.. الـ.. الـ.. الـ:"مسخرة"..!!

ومن يريد أن يقرأ نموذجا عمليا على ذلك فليقرأ كتاب اللواء الوحش " فؤاد علام " وليقرأ مصعوقا طريقة حديثه عن الشهيد سيد قطب.. أو عن الشهيد كمال السنانيري الذي استشهد مخنوقا في السجن.. ويقال أن ذلك الوحش المسعور هو الذي خنقه..

دائما.. الإنسان يعرف أن الحيوان حيوان..

لكن الحيوان لا يعرف أبدا أن الإنسان إنسان..

ومن هذا المنطلق فإن رعاة فقه المراجعات في مصر.. ودعاة التوبة أمام مباحث أمن الدولة.. هم كأقرانهم في المملكة العربية السعودية.. وهم ليسوا سوى تلاميذ في مدارس الموساد والسي آى إيه.. علموا أو جهلوا.. وليسوا سوى عبدة للشيطان نيط بهم القضاء على الإسلام.

***

كلما شاهدت على شاشة التلفاز توبة واحد من أولئك أمام الشيطان تداعت إلى ذاكرتي على الفور أنماط التعذيب التي يمكن أن تكون قد مورست عليه.. أنماط التعذيب التي أثبتتها الوثائق الرسمية وتقارير الطب الشرعي وحيثيات أحكام المحاكم.. وسوف أسرد عليكم يا قراء بعضا منها على الفور.. ولكن بعد أن أقرر أن الإجرام في السعودية أشد منه في مصر.. ليس لطبيعة الجلادين فالكفر ملة واحدة.. لكن لأننا في مصر نملك أحيانا حق الفضح والصراخ وكشف ما يحدث للمعتقلين.. بينما لا يوجد في السعودية أي شئ من هذا..

ولننتقل على الفور لنموذج من نماذج التعذيب:

قبل التعذيب توضع الغمامة على عيون الضحايا، ثم يجبرون على الجري بالضرب بالعصا فيسقطون على السلالم عدة مرات، وقبل دخول الغرفة المخصصة للتحقيق يجري ما يسمي ( تسخين الضحية ) للتعذيب بالضرب على القفا والوجه والإلية بالعصا وتستهدف أسئلة المحقق الحصول على المعلومات مع اللجوء إلى السب والتوبيخ والتهديد بهدف تحطيم المعنويات ثم يبدأ التعذيب بعد نزع ملابس الضحية، وتستخدم الأساليب التقليدية المعروفة في التعذيب من الضرب بالسياط والكابلات الكهربائية والتعليق في أوضاع مركبة من المعصمين لأعلى مع رفع القدمين قليلا عن الأرض، أو في وضع ( الشبح ) أو ( الذبيحة ) أو (الخروف المشوي) واستخدام الصدمات الكهربائية في أجزاء حساسة من الجسد كالخصية والأعضاء التناسلية واللسان وحلمتي الثدي وشحمة الأذنين ومقدمة الإصبع، فضلا عن نتف اللحية وشعر العانة، وغالبا ما يجري عقب جولات التعذيب أو ما بينها صب مياه ساخنة على جسد الضحية ثم إجباره على الوقوف عاريا أمام مروحة أو تيار هوائي..

 تستخدم أيضا كهربة المياه كوسيلة في التعذيب وذلك بوضع الضحية عاريا في حجرة مغطاة بالمياه بارتفاع حوالي خمسة سنتيمترات بحيث تغمر أقدامه، ثم توصل المياه بالكهرباء، فتسري الكهرباء في جسد الضحية المبتل، فيقفز لأعلي ليسحب قدميه من المياه لكنه سرعان ما يهبط، ليصعق مرة أخرى، وهكذا دواليك حتى يفقد اتزانه بفعل الكهرباء والإرهاق فيسقط بجسده كاملا في المياه فيصاب برعشات متتالية فيقطعون الكهرباء، ثم يجبرون الضحية على الوقوف مرة أخرى، لتتكرر دورة التعذيب..

ولكي لا يتعرف الضحية على المكان الذي يعذب فيه فيما بعد يعمدون أحيانا إلى إيهامه بعلامات مختلفة في الطريق بعد تعصيب عينيه، فيوهمونه أن أمامه سلك شائك يجب عليه أن يحني رأسه ليتفاداه، ثم يجبر على المرور في بركة مياه، ثم يستقل عربة تجوب به داخل المعسكر نحو نصف ساعة لتضليله وإيهامه بأنه خارج المعسكر..

من الوسائل الشائعة أيضا في التعذيب: ( المرتبة الكهربائية ) وهي عبارة عن مرتبة من الإسفنج مبللة بالماء يربط بها الضحية ثم توصل بها الكهرباء فتسري في جسده..

كما تستخدم المياه المثلجة في التعذيب خاصة في الشتاء القارس حيث تصب على جسد الضحية ورأسه بعد تعرضه لجرعات مطولة من التعذيب لفترة قد تصل إلى 8 ساعات وعقب التعذيب يودع الضحية في زنازين الحبس الانفرادي بعيدا عن بقية المعتقلين لإدخال الرعب على الضحية الذي يكون بمعزل عن الجميع، ومن ناحية أخرى فإن طول غيابه يزيد من مخاوف زملائه المعتقلين الذين يجهلون مصيره ..

ومن وسائل التعذيب التي استخدمت في بعض المعسكرات تجريد الرهائن من زوجات الهاربين من ملابسهن، ووضعهن عراة مع متهمين عراة داخل حجرة مغلقة..

***

فهل أدركتم يا قراء الآن لماذا وكيف يتوب الشيوخ والعلماء..

هل أدركتم كم مرة تعرض التائب للشيطان لمثل هذا العذاب..

هل أدركتم لماذا سموا الجهاد إرهابا وتبرءوا منه.. ولماذا سموا الإرهاب شرعا وقانونا يستحق من يخالفه العقاب الشديد..

هل أدركتم لماذا اتهم هذا العالم المؤمنين بالكفر وأسبغ صفات الإيمان على الكافرين..

وهل أدركتم كيف أن إمام المسجد الحرام لم يدع على الأمريكان أبدا طيلة رمضان..

ولقد جعلني هذا والله لأتمزق ألما فأدعو باللعنة على من أمر بالمنكر ونهى عن المعروف و على كل من استجاب له.

هل أدركتم..

هل أدركتم..

هل أدركتم..

***

المزعج.. المرعب.. المخيف أن من يتابع هذه الظاهرة ( ظاهرة التوبة عن الطاعات) و أمثالها في المملكة العربية السعودية لا يقارنها بمثيلاتها في مصر وتونس وتركيا وسوريا و.. و.. و.. ولو أنه فعل لأدرك على الفور أن المنبع كله واحد.. منبع نجس كافر يهدف إلى تقويض الإسلام بالتقسيط بعد أن فرضوا على أمته التجزئة..

***

يجلس الكاتب العلماني  الاستراتيجي يتيه علينا فخارا باستراتيجيته ليقول لنا جملا من نوع:

" وهكذا نلاحظ أن إسرائيل تشن علينا حربا كل عشرة أعوام تقريبا......"..

يقولها اللبناني.. يقولها السوري.. يقولها الأردني.. يقولها المصري وابن الجزيرة.. وكل واحد منهم يقصد وطنه فقط دون نظرة إلى أن الهجوم ليس على هذا ولا على ذاك بل على الإسلام نفسه.

أما كاتبنا الاستراتيجي نفسه فهو واحد من أفراد العصابة.. ولم يكونوا ليسمحوا له أن يكون كاتبا لولا أنه نحي الإسلام كمرجعية..

***

وبدون الإسلام ليست لنا أية قضية..

نعم..

بدون الإسلام ليست لنا أية قضية..

***

بالإسلام سندرك أن الأمر لا يتعلق بحرب كل عشرة أعوام بل بحرب لم تتوقف أبدا..

بالإسلام سندرك أن ما حدث مع على بك الكبير بتأييد موسكو.. هو ما حدث مع محمد على بتأييد فرنسا هو ما حدث مع كمال أتاتورك والشريف حسين والملك عبد العزيز آل سعود .. وجمال عبد الناصر..

كلها فصول في نفس القصة..

أما من يتناول فصلا في القصة ويعتبره الحكاية كلها فلن يفهم أبدا..

والكارثة..

الكارثة..

أن عدم الفهم هذا غالبا ما يكون جريمة متعمدة مع سبق الإصرار والترصد..

جريمة مدفوعة الثمن..

***

من هذا المنطلق إذن كانت كتاباتي في الحلقات الماضية..

وكان المفروض أن يأتي  هذا المقال  بعد أسابيع أخرى أكمل فيها ما حدث بعد مذبحة المنشية في مصر لكي يكون هو الأخير في الدراسة - والكتاب - ..

لكن إحساسي بالكارثة المحدقة الوشيكة كان يطاردني..

كنت أكتب عن مذبحة المنشية وهمّ المستقبل في وجداني.. وكان النذير داخل قلبي يصرخ:

- أسرع.. قبل القارعة..

وحاولت الإسراع ما استطعت وربما من أجل ذلك كانت مساحة المقال الواحد تتجاوز ثلاثة أو أربعة أضعاف مساحات مقالاتي العادية.. بل حاولت - فوق ذلك- أن أسبق سياق الأحداث  فكتبت بتاريخ 17 من جمادى الآخرة 15 أغسطس مقالا بعنوان : "دين حكامنا" قلت فيه:

هذا نداء عاجل أوجهه إلى شعبنا العربي في الجزيرة العربية.. اصبروا وواجهوا  رحمكم الله فأنتم البقية الباقية التي تحمل ميراث النبوة..اصبروا واصمدوا وواجهوا رحمكم الله فأنتم اليوم في وضع الإمام أحمد بن حنبل.. لا يباح لكم رخصة في المواجهة ولا تقية فأنتم بالنسبة لأمة لا إله إلا الله محمد رسول الله بمثابة العالِم الذي يزلّ بزلّته عالَم..

يا أهلنا في جزيرة العرب : دعونا نسمي الأشياء بمسمياتها :

ليس ثمة تثريب علينا في ممارسة الإرهاب بمعناه الإسلامي لكي نرهب به أعداء الله..

وليس هناك في الإسلام متطرفون و إنما هناك مستمسكون بالعروة الوثقى ولا ينفي هذا أن كل ابن آدم خطاء..

ليس هناك متطرفون بل هناك حكام مرتدون يريدون أن يضيعوا الإسلام وأهله مرضاة لسادتهم.. وتثبيتا لدعائم ملك لم تعد تمسك بأطرافه المتهاوية إلا الردة والعمالة للكفار..

يا أهلنا في الجزيرة..

إنكم تمرون الآن بما مر به إخوتكم في مصر منذ خمسين عاما.. حين تعرضت مرجعية الإسلام للاغتيال.. فغُمّ على الأمة .. ترددت نخبتها.. وخان بعض علمائها مالئوا الطواغيت تماما كما يحدث عندكم الآن .. فخاف الأغلبون أن يقتلوا - شهداء - بالرصاص.. وكانت النتيجة عندنا - وستكون عندكم -  أن ماتوا ويموتون حتى الآن بالسياط والاعتقالات  وقد نحي الإسلام عن المرجعية تماما تماما..

رفضوا الموت مأجورين فماتوا مأزورين..

رفضوا ميتة العز والفخار فماتوا ميتة الخزي والعار..

يا علماءنا في الجزيرة: إن الأرض عطشانة إلى دماء عالم شهيد يقف للسلطان الجائر

يا علماءنا في الجزيرة  إن : "افضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر" (رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة)..

 و يا علماءنا في الجزيرة : عن أنس بن مالك قال: قيل: يا رسول اللّه متى يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال: "إذا ظهر فيكم ما ظهر في الأمم قبلكم" قلنا يا رسول اللّه وما ظهر في الأمم قبلنا؟ قال: "الملك في صغاركم، والفاحشة في كباركم، والعلم في رذالكم"..

يا أهلنا وعلماءنا في الجزيرة إنكم الآن من الأمة بمثابة الإمام أحمد بن حنبل في المحنة فإذا ثبتم أنقذتم الأمة و إذا استسلمتم هلكت الأمة .. وما أقول لكم إلا ما قاله الأعرابي للإمام أحمد: يا هذا إنك وافد الناس فلا تكن شؤما عليهم وإنك رأس الناس اليوم فإياك أن تجيبهم إلى ما يدعونك إليه فيجيبوا فتحمل أوزارهم يوم القيامة وان كنت تحب الله فاصبر على ما أنت فيه فانه ما بينك وبين الجنة إلا  أن تقتل وإنك إن لم تقتل تمت وان عشت عشت حميدا..

يا أهلنا في الجزيرة فلتطلبوا من طواغيتكم أن يأتوكم بآية من كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تجيبوهم  إليها.

و يا علماءنا في الجزيرة : لقد سئل الشهيد سيد قطب  لماذا كنت صريحا  كل الصراحة في المحكمة التي تملك عنقك? فقال: لأن التورية  لا تجوز في العقيدة، ولأنه ليس للقائد أن يأخذ بالرخص .

واجهوا الطاغوت..

والطاغوت الآن لا يهدف إلا ترويضكم ترويض النخاس للعبيد.. وحتى إذا كانت ثمة أخطاء من بعضكم فما يرفع طواغيتكم إلا كلمة حق براد بها باطل.. إن كانت كلمة حق..

***

وكان هذا الاستطراد الطويل كله خروجا عن سياق المقال عن حادث المنشية في مصر عام 1954 .. وكان مكانه أيضا - فيما تصورت وقتها -  هو في الفصل الأخير من الكتاب التي تشكل هذه المقالات بعض فصوله.

ولكنني كنت أسابق الكارثة.. وكان  قلب ينبئني  أن ما حيك لمصر وللإسلام في مصر عام 1954 يحاك الآن لأهل الجزيرة العربية .. بعد خمسين عاما..

***

وواصل النذير صراخه:

- أسرع.. قبل القارعة..

فكتبت بتاريخ 7 شعبان - 3أكتوبر مقالا بعنوان " مذبحة المنشية" ولكنني أقحمت عنوانا ثانيا و أنا أسابق الكارثة.. وكان العنوان الثاني يقول: " السعودية تكرر نفس المجزرة ضد أفضل علمائها".. وفي هذا المقال قكتبت:

" أخاف أن أموت، قبل أن أصدع بحق أرانيه الله، وقبل أعترف بخطأ وقعت فيه، حين ظننت ذات يوم أن الصدام بين ثورة 23 يوليو والإخوان المسلمين كان صداما سياسيا دنيويا تبادل فيه الطرفان الأخطاء ثم انتصر أحدهما على الآخر..

أخاف أن أموت قبل أن أصدح بها عالية صريحة واضحة أن الخلاف لم يكن كذلك.. كان للإخوان أخطاؤهم  بلا شك.. لكنها الأخطاء البشرية مهما بلغ حجمها.. وما من أجل هذه الأخطاء حاكمتهم الثورة و روعتهم وسجنتهم وعذبتهم و أعدمتهم..

ليس من أجل الأخطاء.. بل من أجل التزامهم بالمنهج الإسلامي ودعوتهم إليه..(...).. لم أقع في غرام التاريخ إذن يا قراء - وليس هذا عيبا - ولكنني أرى نفس خيوط المؤامرة تستعمل المرة تلو المرة في البلد بعد البلد  لشنقنا. وما حدث في مصر عام 1954 أراه يحدث الآن بعينه في كثير من بلادنا وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.. و أرى أمراءها يتحولون أميرا بعد أمير إلى جمال سالم و أنور السادات وحسين الشافعي .. والدجوي.. وشمس بدران.. أراهم بنفس الظلم والغباء والخسة يسلبون روح أمتهم.. فيقتلون أفضل من فيها أو يحاصرونهم(...)

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ..

أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ ..

 وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمْ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ ( سورة البقرة) ..

***

ثم عدت إلى سياق المقال عن حادث المنشية  حين اكتشفت أن الأمر لم يكن أمر إرهاب ولا خروج على القانون.. بل كانت مؤامرة أمريكية تنفذها أصابع مصرية ضد الدين وضد الأمة..

وكنت أصف مشاعري حين انطمست كل الهالات وانطفأ بريق الأضواء الزائفة.. وسقط كل ما كان يستر العورات .. وكتبت:

صرخت يومها:

البطولة والإبهار والمجد والزعامة و الإلهام والفكر والحكمة والقداسة والعصمة والصواب المطلق ونفي الآخر وادعاء أن الآخر كان شيطانا رجيما ... كل ذلك لم يكن كذلك..

لقد نجح  برنامج صناعة النجم على غير الحقيقة فألبس الحق ثوب الباطل والباطل ثوب الحق..

كل ذلك.. لم يكن كذلك ..

" الثورة .. ليست كذلك"..

"و هيكل.. ليس كذلك"..

وتلك الصورة المثالية الحالمة ليست كذلك..

الطهر كان عهرا..

والبطولة كانت خيانة..

والخونة حاكموا الأبطال..

***

الآن أستطيع أن أكرر نفس الكلمات عن المملكة العربية السعودية..

أصرخ:

الطهر عهر..

والبطولة خيانة..

والخونة يحاكمون الأبطال..

***

إن الجزيرة العربية وطني كما أن مصر وطني.. فالإسلام هو الوطن..

وأنا لست من فصيلة بعض شيوخنا .. الموظفين.. الذين يعبدون الحاكم لا الله.. الشيوخ الذين اعتبروا أن  حدود سايكس بيكو تحدد صلاحية فتاواهم.. فما يصلح لمصر لا يصلح  للعراق.. وهؤلاء الشيوخ أنفسهم.. يطلقون فتاوى عابرة للقارات إذا ما طلب منهم سفير أمريكي أو حتى حاخام إسرائيلي ذلك..

***

نعم.. الجزيرة العربية وطني.. ومن هذا المنطلق أتكلم .. بل أصرخ..  لو كانت الحقيقة هي ما تقوله البيانات الرسمية فإن المعتقلين والمطاردين إرهابيون.. لكننا تعودنا في  عالمنا الإسلامي كله.. تعودنا على كذب خسيس مجرم يغطي على خيانات مجرمة.. تعودنا في عالمنا الإسلامي  على خائن.. نعم.. خائن يلبس الحق ثوب الباطل والباطل ثوب الحق.. وهذا الخائن لا يفعل ذلك عن اختلاف في الفكر أو حتى خطأ في الرأي.. بل يفعله.. ببساطة.. وبمباشرة .. وبكلمة واحدة: لأنه خائن..!!

لا تسألوني عن تفاصيل هذه الخيانة ولا عن أسبابها ولا حتى ثمنها.. لأن التفاصيل والعدد تضاهي عدد المسئولين..!!

لكنني أتكلم الآن عن خائن ينفذ دون أن يسأل عن السبب أوامر سادته ويحصل على الثمن.. وفي أغلب الأحوال يكون هذا الثمن تسترا على فضائحه و إخفاء لسرقاته وجرائمه..

نعم.. لو كان سيد قطب خطط لنسف القاهرة و إحراق المواصلات و إغراق الدلتا لاستحق ما حدث له..

ولو كان أسامة بن لادن لا يستهدف إلا قتل النساء والأطفال الأبرياء (!!) لكان ما يقولونه صحيحا..

ولو كانت الجماعات الاستشهادية في السعودية قد فعلت ما اتهمتها به أجهزة الإعلام  لكان حقا أن توصم بما وصمت به..

لكننا نعرف أن كل هذا تخرص وباطل وكذب..

ندركه ولدينا به خبرة أكثر من أي شعب آخر في الدنيا..

حين تنطلق تلك الحملات الهستيرية المجنونة الصارخة التي لا تسمح لصوت العقل أبدا أن يتدخل.. بل إن أي تساؤل - مجرد تساؤل- لا يعني إلا التورط مع الإرهابيين  المجرمين واستحقاق العقاب مثلهم.. في هذه الحملات الهستيرية المجنونة لا تتم فقط الإدانة دون محاكمة.. ولا يكتفون بسحب الجنسية حين يسحبونها.. بل إنهم يسحبون الصفات البشرية نفسها.. إنهم مجرمون أشرار.. خوارج كفرة.. وهم ليسوا بشرا..

نعم..

هم ليسوا بشرا..

فذلك وحده هو الذي يجعل المجتمع يتقبل قتلهم وتشويههم والتمثيل بهم.. لأنهم ليسوا بشرا..

هكذا فعل محمد على بالمماليك..

هكذا فعل الفرنسيون مع سليمان الحلبي....

وهكذا فعل أتاتورك بالخلافة

وهكذا فعلت الثورة  في مصر مع شهداء الإخوان.. و

وهكذا تفعل السعودية مع أفضل مجاهديها وعلمائها..

وفي كل هذه الأحوال كان المتَّهم هو البطل..

وكان المتِّهم هو الخائن..

ألا تشمون يا قراء تلك الرائحة النتنة التي تنبعث من توجيه كل هذه الاتهامات لكل من يحاول أن يوقف خيانة الحكام..

ألا تذكركم هذه الرائحة برائحة أخرى مثلها.. رائحة الصليبية والصهيونية وما فعلوه وما يفعلونه بشعوب العالم الإسلامي..

فشعوب العالم الإسلامي ليسوا بشرا.. إنهم إرهابيون متخلفون و أي كلمة للدفاع عنهم لا تعني إلا أنك تستحق العقاب مثلهم..

نفس المنهج..

نفس المنبع..

نفس الشيطان..

نفس الكفر..

نفس الخيانة..

فهل تدركون الآن يا قراء لماذا كتبت عن حادث المنشية الآن؟!!

البيانات التي كان يطلقها وزير الداخلية المصرية أيام حادث المنشية كانت أشد من البيانات التي يصدرها وزير الداخلية السعودي الآن..

واللهجة كانت أحد..

والتفاصيل كانت مروعة ورهيبة.. وكان الإخوان المسلمون ينوون حرق البلاد و إغراقها.. وكان لديهم من المتفجرات ما يكفي لنسف القاهرة عشر مرات و..و.. و..

وكان كل هذا كذبا..

وكانت كل الاعترافات وليدة التعذيب الهمجي الوحشي المجنون بأحدث أجهزة التعذيب الأمريكية..

و برغم كل الاعترافات وكل الصحف وكل المجلات وكل الإذاعات فقد كان كل ما روجته الآلة الإعلامية الجبارة   كاذبا .. وكان على رأس المروجين  عميل حقير نجس ينفذ بوعي أو بدون وعي.. بعلم أو بجهل مخططا صليبيا صهيونيا للقضاء على الإسلام..

وكان عبدا للشيطان..

وحوّل الأجهزة التي يرأسها ويحركها إلى أجهزة لسحق أمن الأمة وروحها بدلا من أن تكون أجهزة لحماية الأمة..

وشيئا فشيئا تم تحويل كل القوى التي يجب عليها حماية الأمة إلى قوى ضد الأمة.. فالحاكم ما بين أحمق  ومغفل وجاهل تم خداعه وقد حالف أعداء أمته  مقابل بقائه على العرش.. وجهاز الأمن الغبي فقد عقله وتحول إلى حيوانات ووحوش مسعورة.. والنيابة أضحت تضاهي الشرطة في خستها أما القضاء فلم يعد سوى ألعوبة وقلم يكتب ما يملى عليه.. وكلما ازدادت درجة التفريط في الضمير كلما ارتفعت درجة المنصب الذي سيسند إليه بعد خيانته.. وكذلك الصحافة وكل أجهزة الإعلام..

وكان المجرمون يحاكمون الأبطال..

وما يزالون..

كان الكافر يطلب من المؤمن أن يتوب..

وكان الخائن يدين البطل ويحكم عليه..

ولم يعد الأمر أمر أنظمة حكم.. بل أمر عصابات مجرمة لا تتورع عن قتل أي شرطي يحاول مقاومتها أو كشفها..

***

نعم.. منطق العصابات لا منطق الحكومات..

لذلك.. فكون وزير هنا أو هناك يطلق مثل هذه الاتهامات لا يعني صحة كلامه.. ولا نقول لمثله إلا أن من يصفهم بالإرهابيين هم إرهابيون فعلا .. لكن.. لو صدق معاليه.. و أن الأمة كلها لا تظنه صادقا..بل تلحقه بكل سابقيه من عبدة الشيطان.. ذلك لأن القواد حين يمتدح فتاة فذلك لا يعنى سوى أنها - ككتاب السلطة - مجرد داعرة.. أما عندما يشهر بأخرى فهذا لا يعني سوى طهارتها وعفتها..

***

معاليه أو سموه أو سعادته أو حتى فخامته وجلالته في أغلب الأحوال خائن باع أمته وبلاده.

***

أحسب يا أمة .. ويا إخواننا في الجزيرة  أن حكايات كحكايات حسن عشماوي ومحمد فرغلي ويوسف طلعت ومحمد الصوابي وسيد قطب التي كتبت لكم عنها في الأسابيع الماضية  تتكرر الآن  في الجزيرة العربية بحذافيرها..

أحسب يا أمة .. ويا إخواننا في الجزيرة أن كلابا للنار كجمال سالم وشمس بدران والدجوي وفؤاد علام هي التي تطارد الآن أبناءنا وإخوتنا وعلماءنا في الجزيرة وتروج عنهم الأباطيل..

***

أحسب يا أمة.. ويا إخواننا في الجزيرة  أن الخيانة - وهي بالتأكيد موجودة.. لكنها بالتأكيد من نصيب الطرف الآخر.. من نصيب واحد أو مجموعة في مؤسسة الحكم...

أحسب يا أمة.. ويا إخواننا في الجزيرة  أن كل الذي يحدث إنما هو مخطط..

مخطط ومنشور ومعروف للدنيا كلها إلا لشعوبنا التي تسلط على إعلامها القوادون وعلى ثقافتها الشواذ..

نعم ..

معروف ومنشور..

كانت هناك داخل الإدارة الأمريكية  ثلاثة تصورات للتعامل مع المملكة العربية السعودية بعد غزو العراق..

كان التصور الأول هو امتداد الغزو الكامل للمملكة..

وكان التصور الثاني هو إغراق العالم ببترول العراق حتى ينخفض السعر انخفاضا حادا يجعل الحكام السعوديون يركعون أمام الإدارة الأمريكية ( لست أدري كيف يطلب من الساجد الركوع!!)..

أما التصور الثالث فكان هو ما يحدث حاليا.. وهو ما يطلق عليه عمليات إرهابية.. والتي يرى كثير من المحللين أن المخابرات الأمريكية وراءها..

***

عني أنا .. ليس لدي شك أن ما يحدث كله بتدبير أمريكي صهيوني.. و أنه يحدث باختراق كامل - واشتراك -  للأجهزة السعودية..  كما أن الجماعات الإسلامية الجهادية غير محصنة ضد الاختراق.. على الأقل في التضليل بمعلومات خاطئة..

كانت البيانات كاذبة.. وكان كذبها معروفا على الأقل للخاصة ومنهم العلماء.. لكن الجبن أذل أعناقهم.. فتصنعوا أنهم يصدقون الطاغوت فأفتوا لصالحه.. ولقد سمعنا من علمائنا في مصر عام 54 نفس ما نسمعه الآن من بعض علماء السلطة في الجزيرة العربية ضد من تسميهم البيانات الرسمية بالإرهابيين.

أخزاكم الله يا علماء السوء ورفقاء الشيطان وفقهاء السلطان..

***

هذا التصور - و أحسبه حقيقة - يفضح موقف العلماء في الجزيرة..

في مصر.. في عام 54  خرج علينا شيخ للأزهر.. وشيوخ فيه.. ومفت للديار.. وعلماء وكتاب .. يدينون من سموهم بالإخوان المجرمين.. وكان أول من أطلق على الإخوان المسلمين  هذا الاسم هم الصهاينة عام 48.. ثم الجهاز الإعلامي للثورة عام 1954.. ثم المخابرات الأمريكية بعد ذلك..  ولو أن بيانات جمال سالم وصلاح سالم وزكريا محيي الدين وجمال عبد الناصر أيامها كانت صحيحة لكان موقف العلماء صحيحا.. ولكان الإخوان المسلمون كما وصفوهم.. ولكن الأمر كان على العكس تماما.. كان كيرميت روزفيلت ومايلز كوبلاند من المخابرات الأمريكية يحركان كل شئ.. بل كان الأخير مستشارا لوزير الداخلية المصري عام 1954..

ترى..

ترى..

ترى.. من هو مستشار وزير الداخلية السعودي الآن؟!

***

سوف نقطع التواصل لبرهة قصيرة نعرض فيها لما نشرته مجلة أمريكية منذ أكثر من 24 عاما حسبما تنقل لنا صحيفة القدس العربي في عددها الصادر  بتاريخ: 29-10-2002.. تقول الصحيفة:

كانت إحدى ألعاب وخطط الحرب التي تنبأت، بشكل مُحدّد، بغزو عراقي محتمل للكويت وقد وضعت مسودتها في البنتاغون. كما أن مقالات قد نشرت في المجلات الأمريكية تتحدث عن احتمالية من هذا القبيل. فقد نشرت مجلة فورتشن في عددها الصادر يوم 7/5/1979، أي قبل 12 سنة من حرب عاصفة الصحراء، سيناريو لعبة حرب تضمنت تفصيلا لكيفية رد الفعل الأمريكي العسكري والخطط التي ستطبقها الولايات المتحدة في حالة غزو عراقي للكويت قائم علي نزاع الحدود أو حول أمور أخري. وقالت المجلة في الصفحة 158 تحت عنوان إذا غزا العراق الكويت : قد تقوم القوات العراقية المسلحة بصورة رئيسية بمعدات روسية باجتياح الكويت بسرعة. وإذا طلب منا تقديم المساعدة فسوف تشتمل ضربات جوية تكتيكية ضد العراق ومعداته الأرضية وإسناده الجوي. وربما تكون هناك تهديدات بتدمير المنشآت النفطية العراقية والتسهيلات التابعة لها. وقد يتطلب الأمر، من أجل طرد القوات العراقية البرية، استعمال قطع بحرية من الأسطولين السادس والسابع وجنود مشاة من الفرقتين الثانية والثمانين، والواحدة بعد المائة. وتصورت الخطة جيشا في الهواء لنقل القوات واستعمال الجسر الجوي الاستراتيجي لقوات الدفاع الجوي الأمريكي، والذي يضم سبعين طائرة عملاقة من طراز سي-5ايه C5-A ومائتين وثلاثين طائرة من نوع C141 المخصصة للنقل فضلا عن سبعمائة طائرة تموين وقود في الجو من طراز KC-135 للتزود بالوقود جوا .

***

كان ما حدث مخططا ومعروفا إذن..

وكان منشورا..

ولم يكن يحتاج إلى أي جهد من مخابراتنا لمعرفته..

ولما كان الأمر هكذا.. فإن كل من وافق على استدعاء أمريكا إلى المنطقة عميل ويجب - لو توفرت القدرة - محاكمته بتهمة الخيانة العظمى.. ملكا كان أم رئيسا أم أميرا..

تهمة الخيانة العظمى ثابتة إذن..

و أظن أن تهمة التآمر على الدين كله ثابتة في حقهم أيضا لو وجد علماء على استعداد للاستشهاد..

وهذه المطاردات والمحاكمات والهجمات الهستيرية الجارية الآن إنما تتم ضد من يقف ضد الخيانة..

و إن المسئولية الأولى تقع على عاتق علماء الجزيرة الذين أصرخ فيهم:

الأرض عطشى إلى دمائكم ففروا إلى الله.

لست أطالب منكم مقاومة مسلحة بل أطلب منكم الوقوف على ثغر الدين..

آخر ثغر نملكه..

فلا تفرطوا فيه..

ولا تسمحوا باختراقه..

***

الآن سوف أقفز على التفاصيل..

سأتجنب السباب والإدانة.. ليس لأنهما غير واجبين.. ولكن لأن كل الإدانة لا تكفي وكل السباب لا يشفي..

سوف أتجنب ذلك لكي أتناول بقدر ما أستطيع من إيجاز كتابا واحدا في طبعات مختلفة.. أو قصة واحدة في حلقات متعددة.. والمأساة أن هذه الحلقات تمتد عبر قرنين.. وقد تحالف حكامنا مع كتابنا الخونة ومثقفونا المستغربين على أن يضعوا على أبصارنا غشاوة حتى لا نري تلك الحقيقة..

نعم..

القصة منذ البداية واحدة..

مغزاها القضاء على الإسلام.. خطوة خطوة.. ببطيء شديد حتى لا يتنبه المسلمون ويستيقظوا.

***

نعم ..

ما يحدث حلقات متعددة في مسلسل واحد كان اسم إحدى حلقاته الأولى محمد على.. وكان اسم حلقة أخرى  كمال أتاتورك.. وفي الجزيرة العربية كانت حلقة الشريف حسين التي تلتها حلقة عبد العزيز آل سعود.. وفي مصر كانت حلقة جمال عبد الناصر..

حلقات في مسلسل واحد  لأنظمة متعددة صنعها أعداء الإسلام ونصبوها كي تهدم الإسلام.. ولا يهم هنا هل كانت هذه الأنظمة تعرف أم لا تعرف..

لقد كان محمد علي صنيعة فرنسا ومخلبها للتغريب و إضعاف الخلافة الإسلامية  العثمانية.. وكان كمال أتاتورك صنيعة الحلفاء للقضاء على الخلافة.. علاقة بريطانيا بالثورة العربية الكبرى ثم بالملك عبد العزيز آل سعود لا تحتاج إلى تعليق.. ثم آل الميراث بعد ذلك إلى أمريكا التي تولت أمر الثورة في مصر أيضا.

كل نظام من هذه الأنظمة قام على كاهل شخص لم تكن مواهبه الشخصية ولا وضعه السياسي يؤهله للزعامة فادعي أنه قام لينصر الإسلام وانضم إلى جماعة من جماعاتهم  فأيدوه فاستولى على الحكم بتخطيط أعداء الإسلام ثم انقلب على المسلمين الذين ساعدوه ثم أطلق أجهزة إعلامه لتشويههم ثم أعد لهم مذبحة كبرى..

كل واحد منهم كان وسيلة في يد أعداء الدين والأمة سواء علم أو جهل..

وكل واحد منهم كان حلقة يمهد للحلقة التي تليه.. فلم يكن من الممكن - على سبيل المثال - أن تشن هذه الحملة المسعورة على الجزيرة العربية في أوائل القرن العشرين.. أو منتصفه.. كان لا بد أولا من التغريب و إضعاف الخلافة الذي قام به محمد على.. ثم القضاء على الخلافة وتهوين أمر الخروج من الإسلام كما فعل الكافر كمال أتاتورك.. ثم القضاء على شمولية المرجعية الإسلامية وكان هذا دور القوميين وعلى رأسهم عبد الناصر ومن تولوا أمر الثقافة والإعلام في عهده..

كثيرا ما أسأل نفسي: أي الجريمتين - من جرائم الناصرية - أشد: قتل كاتب الظلال أم تولية الشيوعيين الملحدين أمر الثقافة والإعلام في مصر ( أليس غريبا تسللهم ليقودوا الثقافة والإعلام حتى في الدول التي كانت تناصب عبد الناصر العداء.. ومنها السعودية .. لكن هذا موضوع آخر)..

كان الإغراء هو سبيل الغواية لمحمد علي..

ثم كان السحق العسكري لتركيا..

ثم كان السحق الفكري لمصر.. ثم الهزيمة العسكرية بعد ذلك.. وطوال الوقت كان الحكم في السعودية يقوم بدور خطير.. دور إيهام العالم الإسلامي أن القالب الرئيسي محفوظ فيه و أنه أمين عليه.. وأنه إن ناور وداور إلا أن الإسلام خط أحمر لن يسمح بتجاوزه..وبغض النظر عن صدق الادعاء أو زيفه إلا أنه أعطى نتائجه.. وكان من أخطر هذه النتائج أن العالم الإسلامي لم يتنبه في الوقت المناسب إلى مدى الحقد الصليبي الذي تحمله أمريكا للعالم الإسلامي.. وبسبب هذا الموقف المخاتل للمملكة لم يتنبه العالم الإسلامي إلا و أمريكا  تبدأ الحرب المباشرة السافرة عليه.. وهو في أسوأ حالاته و أضعف حالاته..

كان الإخوان المسلمون من أسبق الفئات إدراكا لخطورة أمريكا و إسرائيل ومن يقرأ مقالات حسن البنا في ثلاثينيات القرن الماضي أو مقالات سيد قطب في أوائل خمسينياته  سوف يذهل  من مدى صفاء البصيرة وبعد النظر الذي تناولوا به هذه الأمور .. حتى أن واحدا من أفضل من كتب عن الإخوان من خارجهم  كتب مندهشا: ماذا يريدون؟.. لقد وقفوا ضد عبد الناصر حين تحالف مع روسيا ثم وقفوا ضد السادات عندما تحالف مع أمريكا.. ولم يدرك المسكين مع من هم..!!.

أما خالد محيي الدين فيكتب في مذكراته أن منشورات الضباط الأحرار كانت تهاجم دائما الاستعمار الأنجلو أمريكي حتى مارس 1952 حين طلب جمال عبد الناصر الاقتصار على الوقت استعمار البريطاني فقط..

الكاتب محمد جلال كشك يقول أن هذا هو الوقت الذ ى وصل فيه كيرمت روزفيلت - أحد أهم الأشخاص في المخابرات الأمريكية إلى القاهرة- والذى كان مسئولا قبل ذلك عن انقلاب الشيشيكلى في سوريا ثم بعد ذلك في الانقلاب على مصدق في إيران.

ولقد كان الإخوان أول من اكتشف علاقة الثورة بالإخوان وهو الاكتشاف الذي شاركتهم فيه بعد ذلك كل القوى السياسية في مصر بعد ذلك..  ولولا السحق الذي قام به عبد الناصر للإخوان  لكانت وجهة نظرهم  هي التي سادت.. لكنه نجح في تشويه صورتهم وسحقهم - كأفراد لا كفكرة - .. ولم يكن صدفة أن ما فعله عبد الناصر منذ خمسين عاما.. هو بنفسه ما تصدت أمريكا للقيام به مباشرة - بعد أن عجز الوسطاء- منذ عدة أعوام.. وهو بنفسه ما تقوم به الحكومة السعودية الآن..

ولم يكن المقصود حسن البنا أو سيد قطب أو الإخوان المسلمين.. بل الإسلام والقرآن ومحمد صلى الله عليه وسلم..

والآن  في السعودية فإن المستهدف ليس الإرهابيين بل المجاهدين.. وليس الإرهاب بل الجهاد.. وليس فكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب بل دين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم..

***

يا أمة.. إنني أرى نذر مذابح هائلة في الجزيرة العربية..

وتذكروا يا قراء مذبحة المماليك.. ومذابح كمال أتاتورك.. ومذابح الثورة المصرية ضد الإخوان المسلمين.. وتذكروا أيضا مذابح الملك عبد العزيز ضد الإخوان ( وهم غير الإخوان المسلمين)..

وتذكروا أيضا أنه في كل مذبحة من هذه المذابح كان الأكثر كذبا وخسة ونفاقا وخداعا هو الذي ينتصر في النهاية بعد أن  يخدع كل من حوله فيستغلهم في القيام بالمذبحة ليتخلص منهم بعد ذلك..

لا أريد أن أغوص في التاريخ كثيرا.. لكنني أثبت هنا أنني أرى مؤامرة خطيرة:

ثمة مؤامرة على الجزيرة العربية.. مؤامرة ضد الدين والدولة.. وهناك شق في الحكام ضالع في المؤامرة.. شق لا يتورع عن أي درجة من العهر والعري والخيانة والكفر كي يتمكن من الوصول إلى الحكم أو الاستمرار فيه.. هذا الشق - أغلب الظن - بعيد عن الصورة الآن.. إنه يحرك الأمور من بعيد بكفر وفجر وخسة.. ينتظر سقوط الثمرة ( لم يدرك الغبى جمال سالم أن عبد الناصر كلفه بالقضاء على الإخوان لا لثقته فيه بل  لكي يفقده كل شعبيته، ولكي يكون مكروها حتى يسهل القضاء عليه هو نفسه بعد ذلك.. وهو ما تم فعلا.. وتم معه القضاء على رئيس الجمهورية.. محمد نجيب..)..

إنني أحذر و أنذر .. أن هذا الخائن المتآمر الذي يحرك الأمور من بعيد.. سينقض على السلطة في الوقت المناسب.. ولمصلحة أمريكا.. وستتكرر نفس المأساة التي حدثت في مصر عام 54..

نعم .. أحذر و أنذر.. من أن هذا الخائن المتآمر سيفعل بالإسلام ما فعله به كمال أتاتورك في تركيا وبورقيبة في تونس وجمال عبد الناصر في مصر.. ولكي يصل إلى مأربه فسوف يسحق عشرات الآلاف من العلماء والمفكرين والكتاب بل والناس العاديين الذين يحافظون على دينهم.. وسوف يتحول الإسلام إلى تهمة لا حق لمن توجه إليه هذه التهمة في أي حق من حقوق البشر .. وسوف تنتهي أية شرعية للأسرة الحاكمة التي بنت وجودها - ولو بالزور - على حماية الإسلام  عندما تقوم هي نفسها بهدمه.. سوف تنتهي شرعية الأسرة الحاكمة لتبدأ شرعية أمريكية إسرائيلية لواحد أغلب الظن أنه من الأسرة  لكنه يتمتع بصفات غير طبيعية من خسة وغدر وكفر.. وهي الصفات التي ستشكل وثائق اعتماده وتعيينه.

نعم سيُذبح علماء وساسة وكتاب ومسئولون ومواطنون..

وستهدر كرامة أمتنا في الجزيرة كلها.. لا ليوم أو يومين.. ولا لعام أو عامين بل إلى أن يشاء الله..

وسوف تغمض أمريكا ومنظمات حقوق الإنسان أعينها حتى تتم المذبحة..

ولكنني  أحذر و أنذر  من أن مذبحة هذا الخائن المتآمر ستطال الأسرة الحاكمة نفسها فسوف تكون أمامه ثلاث قوى داخل الأسرة المالكة لابد أن يتخلص منها:

قوة من هم أكبر أو أقوى أو أسبق منه فمنهم من يمكنه إفشال المؤامرة ومنعها من ناحية  أو إنجاحها لحسابه من ناحية أخرى..

ثم قوة من يمكن أن ينافسوه في خيانته ليقطفوا ثمرتها بدلا منه .. أو من يتوسم فيهم أنهم أكثر خسة وكفرا منه مما يمكنهم أن يقدموا لأعداء الإسلام أكثر مما يمكنه هو تقديمه..

ثم قوة من ما يزالون يقبضون على دينهم أو حتى وطنيتهم  من الأمراء لأنهم سوف يقاومون خيانته ..

كل هؤلاء سيذبحون..

فيا أهلنا في الجزيرة: لقد أعذر من أنذر..

ويا حكامنا هناك:

إن لم تكن تهمكم الآخرة.. فاحرصوا على الدنيا!!..

***

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

رسالة شوق إلى أسامة بن لادن..

الطواغيت يضحون بالمجاهدين

قرابين بشرية إلى المجرم بوش..

السعودية تروع المجاهدين كي تمنعهم من الجهاد في العراق..

 

1.              بقلم د محمد عباس

 

أوحشتني يا شيخ أسامة..

أوحشتني يا شيخي..

نعم.. أنت شيخي .. و أبي.. ومعلمي.. وقائدي..

فبرغم أنني أسن منك إلا أنك أكبر مني.. ومن كل شيوخي.. أكبر من كل شيوخنا.. ولا أضع في إطار المقارنة حكامنا.. فمجرد وضعهم في معادلة أنت الطرف فيها خدش للدين وجرح للروح وإهدار للمنطق..

أوحشتني..

وعندما قرأت أن أخا أردنيا في الله قد أدي العمرة عنك هذا العام .. بكيت..

تمنيت لو أنني كنت السابق إليها.. فعضضت بنان الندم..

إلا أن ذلك يجعلني أحاول تدارك ما قصرت فيه.. لأوجه النداء إلى إخوتنا في الجزيرة العربية ممن أدوا فريضة الحج.. أن يهبوا حجهم هذا العام إلى البطل أسامة بن لادن و أصحابه الأبرار..

***

أوحشتني يا شيخي..

أوحشني وجهك.. وتلك الهالة من النور حوله.. نور الإيمان والجهاد  والتصميم والعزم والمضاء.. وهي هالة لم نعد نراها على وجه أحد سواك.. إلا وجوه إخوانك وجنودك..

أوحشنى أن أراك تمتطي صهوة جواد ينهب بك الأرض فكأنه لا يطوي المسافات فقط بل يوغل في الزمان أيضا .. وكأنك - يا شيخي ويا حبيبي - قادم إلينا من عصورنا الأولي.. عصورنا الباهرة المشرقة حيث النور والطهر والأمل والعزة.. عصور الصحابة والتابعين.. وعصر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم..

تلك يا شيخي كانت عصورنا المشرقة.. وكانت في نفس الوقت بالنسبة للغرب عصورا مظلمة حالكة كان يتمرغ طيلتها في وحل الجهل والوحشية والهمجية والتخلف..

 لكن عبيد الغرب فينا - بل عبيد الشيطان - يسمون أعظم عصورنا بالعصور المظلمة أو الوسطي..!!

هل أظلمهم يا شيخي حين أقول لك أن كل من يقول ذلك منهم إما كافر أو منافق أو جاهل؟..

نعم يا شيخي..

لكأنك قادم إلينا من عصور النور تلك تحمل لنا زادا من النور.. وتوصل لنا البذور النقية - من منبعها الأصيل الذي لم تتشوه فيه- التي علينا أن نغرسها حتى نجني الثمر..

***

أوحشني وجهك النبيل الحزين  يبتسم..

لكن كيف تعود الابتسامة إليك وقد تداعت الأمم على أمتك كما تتداعى الأكلة على قصعتها..

على أمتك..

أمة لا إله إلا الله محمد رسول الله..

خير أمة أخرجت للناس.. لولا أنها كفت عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. بل راحت تنهى عن المعروف وتأمر بالمنكر وتحرم الجهاد..

 وكما سموا أعظم عصورنا بالعصور المظلمة فقد سموا الإسلام إرهابا.. وراحوا - أعداء الله - قتلهم الله يحاربونه..

فكيف لك أن تبتسم ..

أعرف - يا حبيبي - كم تكأكأت الهموم  وتكالبت الخطوب عليك..

أعرف فداك نفسي..

تكالبت الخطوب وكان أمرها و أقساها خيانة الأقربين.. خاصة من كانوا مسلمين..

انقلبوا عليك يا شيخي..

وعزاؤك أنهم قبل أن ينقلبوا عليك كانوا قد انقلبوا على الإسلام.. وقبل أن يخونوك كانوا قد خانوا الله..

وليس ذلك فقط..

لقد خانوا العقل والمنطق والمصلحة المباشرة.

خانوا القومية التي طالما أغوونا بها.. والوطن الذي طالما تغنوا به..

بل خانوا حتى تقاليد القبيلة..

إن أبا طالب المشرك لم يتبرأ من الرسول صلى الله عليه وسلم ولا سحب منه جنسية قريش.. وحتى أبو جهل و أبو لهب عندما طالبوا به ليحاكموه أو ليقتلوه هم..  لا ليسلموه إلى قيصر..

***

والله الذي لا إله إلا هو يا شيخي إني لأظن مشركي قريش أعلى مرتبة من حكامنا وكتابنا.. ولولا محاذير ذكر المعيّن - وهي محاذير أتمنى من الفقهاء مراجعتها- لذكرتهم ملكا ملكا وولى عهد ولى عهد ورئيسا رئيسا و أميرا أميرا.. وكاتبا كاتبا..

نعم يا شيخي.. كان للمشركين كرامة وليس لهم.. وكان عندهم نخوة وليس عندهم.. وكان فيهم فضائل ليست فيهم .. وكانوا يتعصبون للبلد والعرق أما حكامنا وكتابنا فيتعصبون للصهاينة والصليبيين.. وكان عند المشركين فضيلة الاعتراف بفواحشهم أما نخبنا الحالية فما نرى منهم إلا أفعال الشياطين وما نسمع منهم إلا أقوال القديسين..

***

إنهم - يا شيخي - ملوك  فسقة ورؤساء فجرة وأمراء خونة لا يزن الواحد منهم  عشر بعوضة يوم القيامة..  يضيعون الصلوات ويتبعون الشهوات.. وعندهم يصدق الكاذب، ويكذب الصادق، ويؤتمن الخائن، ويخون الأمين.. وهم جثاؤهم جثاء الناس وقلوبهم قلوب الشياطين لا يرحمون صغيرا ولا يوقرون كبيرا..

لقد أضلوا الأمة يا شيخي..

لم تقتصر مخازيهم على الفساد الشخصي الذي من علاماته نهب الأموال وشرب الخمور والتبذل والتعهر.. بل كان لابد أن يخلقوا حولهم دوائر فساد في الأمة .. وراحت هذه الدوائر تتسع كما تتسع الدوائر حول حجر أُلقِيَ في الماء.. أفسدوا الأمة.. وضيعوا الدين حتى جاءت أيام يصبح الكاتب - والعالم -  فيها مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا، و يبيع أقوام دينهم بعرض من الدنيا‏.‏ وقل الفقهاء - إلا فقهاء المراجعات-  وقبض العلم وراح المشرك يجادل المؤمن بالله في مثل ما يقول‏.‏ وعم  سوء الجوار وقطيعة الأرحام وعُطّل  الجهاد وان الدنيا بالدين وساد كل قبيلة منافقوها‏ وكل سوق الفجار، وارتفعت أصوات الفساق في المساجد، حتى وجدنا من رؤساء شيوخ المسلمين من يعين حكام الفرنجة والصليبيين على المسلمين في بلادهم .. ( انظر ما حدث في قضية الحجاب)..قادونا من أمة كانت خير أمة أخرجت للناس إلى أمة  لا يُتبع فيها العليم ولا يستحيا من الحليم.. 

هؤلاء هم حكامنا الآن يا شيخي..

قلوبهم قلوب الأعاجم وألسنتهم ألسنة العرب.. أضاعوا الأمانة واستحلوا الكذب واستخفوا بالدماء وباعوا الدين بالدنيا

هؤلاء هم حكامنا الآن يا شيخي..  وقد صار الحكم ضعفا والكذب صدقا وظهرت الشهادة بالزور ومقالات الزور وفتاوى الزور وصحف الزور وفضائيات الزور وكتمان شهادة الحق..فاض اللئام فيضا، وغاض الكرام غيضا، وكان الأمراء والوزراء كَذَبة والأمناء خونة والعرفاء ظلمة والقراء فسقة قلوبهم أنتن من الجيف وأمر من الصبر يغشيهم الله تعالى فتنة يتهاركون  فيها تهارك اليهود الظلمة ، وتكثر الخطايا ويقل الأمن، خربت القلوب وشربت الخمور وعطلت الحدود، وولدت الأمة ربتها، وترى الحفاة العراة قد صاروا ملوكا،  واتخذ الظلم فخرا وبيع الحكم، وكثرت الشرط، يجتمع الناس ويصلون في المساجد وليس فيهم مؤمن. وظهر القول وخزن العمل وارتفع الأشرار ووضع الأخيار وصار العلم جهلا والجهل علما.

***

هؤلاء هم حكامنا الآن يا شيخي..

يقول سيدي ومولاي  وحبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يكون قبل خروج الدجال ينيف على سبعين دجالا".

وما من حاكم من حكامنا يا شيخي إلا و أراه دجالا من هؤلاء الذين أخبرنا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ..

خربوا بلادنا يا شيخنا.. ينكر الحق تسعة أعشارهم، يضيعون الإسلام  فلا يبقى إلا اسمه، وينسون القرآن فلا يبقى إلا رسمه. المؤمن - يا شيخي - فيهم أذل من العبد  يذوب قلبه في جوفه كما  يذوب الملح في الماء مما يرى من المنكر فلا يستطيع أن يغيره.

***

نعم..

هذه هي أوصافهم يا سيدي ويا شيخي وقد جاءت كلها في الأثر.. وقد تحققت كلها.. ومع كل تحقق كان سعارهم ضد القرآن والسنة يزداد.. فالرجوع إلى القرآن يكشفهم ويفضحهم ويقصيهم بل ويقيم الحدود عليهم.. وبالسنة نكتشف تفاصيل أوصافهم.. لذلك.. كرهوا القرآن - أخزاهم الله ونبذوا السنة - و إن ادعوا العكس - وحاربوا أي كلمة حرة ومنعوا كل تعبير يشهد بالحق..

وكانت كل هذه الوسائل ضرورية كيلا تكشف الأمة خياناتهم حين خانوا..

كان الصليبيين والصهاينة قد تسللوا إليهم من خلال غبائهم وشهواتهم حتى سيطروا عليهم ووضعوهم في مكان صعب.. إما خيانة الأمة و إما الهلاك.. إما خيانة الدين و إلا نهاية ذليلة - مهما كان اصطناعها وتزييفها - كنهاية صدام حسين..

وكان مفهوما أن يفعلوا كل ذلك.. ولكن غير المفهوم أن تقبله الأمة أو أن تسمح به..

ورغم الهجوم العاتي الذي يستهدف دك آخر معاقل الإسلام وحصونه.. والذي يستخدم في ذلك آليات عديدة منها منع التكفير مطلقا متجاهلين  أنه باب من أبواب الفقه..أقول رغم ذلك فإن نتيجة التطبيق كانت أسوأ حتى من المقدمات النظرية.. فقد أسفر التطبيق عن منع وصف الصليبيين والصهاينة بالكفار ( مرسوم رسمي في الإمارات) .. بينما تساهل هذا التطبيق تماما مع وصف المجاهدين بالكفار..

نعم..

حتى شيخنا الجليل و أتباعه الأبرار  لم يسلموا من ألسنة الشياطين فاتهمهم أحد كبار الأمراء بكفر لست أشك أن الأمير الحقير باء به..

حتى فقهاء الوسطية حكموا بكفر الحاكم الذي ينكر الحكم بما أنزل الله .. راجع على سبيل المثال فتاوى الدكتور يوسف القرضاوي و كذلك الشيخ بن باز الذي يقول في رد على سؤال:" ما قولك في حاكم لا يحكم بما أنزل الله، وهو يعتقد بأنه مخطئ، آثم في عمله هذا‏؟‏".. ويرد الخ بن باز: " من يفعل هذا يكون عاصياً ، وقد أتى كبيرة، عظيمة إذا كان لا يستحله، ولكنه إن تابع الناس لمقاصد سياسية أو لمقاصد دنيوية، يكون عاصيا وكافراً دون كفر، وظالما دون ظلم، فإذا استحله، أو قال بأن القانون أفضل أو مساويا يكون كافراً عند جميع المسلمين‏.‏"

***

لماذا لم يحرس العلماء الأمة من انحراف الحكام حين انحرفوا وحين خانوا..

وهنا لابد أن أقول أن الكارثة الآخذة بخناق الأمة إنما ترجع أول ما ترجع إلى نكوص العلماء عن القيام بدورهم.. وما تلك التراجعات المهينة المخزية إلا دليلا على ذلك..

أدرك محاذير التكفير.. لكنني في نفس الوقت أدرك الخطورة الهائلة الكامنة في جمود الفقهاء عن مواجهة الخطر.. خاصة خطر الحكام المارقين الخونة الذين اتفقوا مع أعداء الله والدين والأمة..

إننا نواجه ظرفا استثنائيا خاصا... يلزمه فقه خاص يواكبه..

ودعوني أضرب لكم مثلا..

إن للمرأة أن تبدي من زينتها أمام محارمها..

هذا حلال وصحيح ومباح ولا إثم فيه .. ولا أحد يجرؤ على تخطئته..

لكن..

إذا كان هناك من محارم هذه المرأة من حاول اغتصابها أو زنى بها.. هل يظل الحكم الشرعي العام كما هو؟.. أم أن الفقه يواجه هذه الحالة الاستثنائية بفقه استثنائي..

ألا ينطبق - بالقياس مثل هذا على الحكام..

ألم يغتصبوا شعوبهم..

ألم يزنوا بالأمة؟..

ألا يستحق هؤلاء الطواغيت الطغاة أحكاما فقهية خاصة توازي خطورة جرائمهم..

لماذا نكص فقهاؤنا.. ولماذا تراجع من كان قد نطق بكلمة الحق..

إن مثل هؤلاء الفقهاء وعلى رأسهم  فقهاء المراجعات يشبهون - فيما ضربناه من مثل-  شيخا معتوها  اكتفي بشهادة ميلاد مزورة.. أو بشاهدين غير عدلين لكي يفتي باستمرار  الخلوة بين المحارم متغاضيا عن خصوص الواقعة وعما تم وعما يمكن أن يتم من شذوذ واستثناء..

إن الشيخ من هؤلاء شيخ ديوث.. بل أسوأ من الديوث.. فالديوث من لا يغار على عرض امرأته ينتهك .. وهذا لا يغار على عرض أمته بأسرها.. وقد عرّفه السوط لا الشرع من هو ولي الأمر.. وما هو الخطأ من الصواب..!!..

ولقد بلغ الأمر بفاسق من هؤلاء - من شيوخ التراجعات في مصر - أن كال المديح لحسني مبارك  ليدين بمنتهى العنف الإخوان المسلمين..

لم يكن شيخا .. بل لسانا للشيطان..

و أحسست أنني لا أسمعه بل أسمع فؤاد علام..

***

آن الأوان لأن نعترف..

فالواضح الآن أن الأمة لا تريد الاعتراف حتى لا تتحمل مسئولية هذه المعرفة.. وضرورة اتخاذ قرار بعد العلم..

وهناك فرق بين تقوى الله  - تمنع من حكم متعجل دون بينة - و بين اصطناع عمًى وصمم  في سبيل النكوص عن تحمل المسئولية..

نعم.. الدين يفرض علينا محاذير في غاية الخطورة عندما نتناول الناس  ومنهم الحكام.. وهذا حق..

لكن .. في الجانب الآخر يفرض علينا نفس الدين جهادا ولو ببذل الروح في حالات معينة..

وعلى سبيل المثال.. أنا واحد من الناس - وقد أكون على خطأ- أميل إلى الرأي الفقهي الذي يرى احتمال الحاكم مهما كان ظلمه ما لم يظهر منه كفر بواح.. وما لم يكن في استمراره خطر على الأمة..

أرى أن ذلك صواب يحتمل الخطأ..

ولكن..

إذا اكتشفنا أن الحاكم جاسوس زرعه الأعداء فينا..

جاسوس لن يبوح أبدا بكفره..

فهل أتركه يهلك بيضة المسلمين ويستأصل شأفتهم.. ؟..

إن العالم الإسلامي يواجه وضعا لم يواجهه في تاريخه أبدا.. فقد كان الحاكم يفسق ويظلم ويكفر وحتى يرتد عن دينه.. لكن قوة الإسلام في الأمة و أولى الأمر كانت تجعلهم قادرين على مواجهة ذلك بالحلول المناسبة..

الآن يجب أن نعترف أن كل حكام العرب  وجل حكام المسلمين علموا أم لم يعلموا ( ومعظمهم يعلمون ) أرادوا أم لم يُرٍدُوا ( ومعظمهم أراد) كانوا عملاء للغرب وجواسيس له و أدوات لقهر أمة استعصت على قهر الغاصب الأجنبي فأوكلوا قهرها إلى أناس من أبنا جلدتهم..

ويجب أن نعترف و ألا نتجاهل ما وصل إليه العديد من علمائنا وكتابنا من أن مجتمع النخبة والحكام والمستغربين والعلمانيين قد فقدوا إيمانهم بالله منذ زمان طويل.. لكنهم يخشون الاعتراف بذلك أمام أمة قد تذبحهم لو أدركت دخيلتهم.. قر قرارهم على عدم الاعتراف أبدا.. وقر قرارهم في ذات الوقت أن يكرسوا جهدهم للقضاء على الخرافات والأساطير التي يؤمن بها الناس ويسمونها دينا..

تواطئوا على العمل في صمت ودون إعلام.. والمحزن أنهم ينجحون كثيرا..

إن هذا الاعتراف يضع العلماء أمام مسئوليتهم.. كما أنه يسلبهم الحجة المريضة غير الواقعية التي منعتهم من الحكم على العملاء والمرتدين  والجواسيس..

تلك هي نقطة البداية ولا بداية سواها..

كل أنظمة الحكم في عالمنا العربي وضعت لها برامج حكمها في كواليس مخابرات الغرب..

كلها بلا استثناء..

وكل الحكام موظفون كعملاء للغرب ضد أممهم.. و أنا لا أتكلم عن جيل بل عن أجيال.. ولا عن عقد بل عن قرنين على الأقل تعلم الغرب فيها كيف يروض حكامنا كما يروض حيوانات السيرك.. وكانت النتيجة مبهرة.. فهاهم أولئك حكام لا يقلون عن حيوانات السيرك طاعة وخضوعا..

وقد كان هناك من يعترض أحيانا.. وكان يتم التنكيل به قبل قتله كي يكون عبرة..

***

إنني أنبه القراء أنني لا أقصد السباب.. كما لا أقصد تفريغ شحنة غضب.. و إنما أوصف واقعا.. كمن يدرس التشريح كي يعمل بعد ذلك طبيبا جراحا.. أوصف الواقع لنحدد العلاج.. ولا نتطرق الآن بالتفصيل للأسباب لكننا بإجمال نقول أنها فقدان مرجعية الإسلام ومنهجه.. هذا هو القاسم المشترك الأعظم  يضاف  إليه أو لا يضاف أسباب أخري كالجهل أو الغفلة أو عدم الفهم أو الخيانة أو المال أو الخوف أو خسة الطبع أو شهوة الملك..

المهم الذي لن أمل من تكراره والتركيز عليه  أنه منذ مائة عام على الأقل لم يوجد حاكم عربي واحد خارج نطاق السيطرة مهما بلغ الأمر أحيانا غير ذلك..

ولعل الاكتشافات المخابراتية الأخيرة من أن المخابرات الأمريكية كانت تنفق على المؤتمرات الشيوعية تلقي الضوء على جزء من الصورة.

مثل هؤلاء الحكام وضعوا الأمة في الوضع الرهيب الذي تجد نفسها فيه الآن.. حيث العنق على المقصلة.. وحيث المصائب خنجر مغروس في القلب إن نزعته جرح و إن دفعته جرح.. إن حركته في أي اتجاه جرح..

ولقد كشفتهم أنت يا شيخي..

كان يمكن للوقت أن يمر حتى تهوي المقصلة وينتهي الأمر..

لكنك كشفتهم..

وهاهم أولئك ينضمون إلى أعداء الله  عليك..

سيوفهم وقلوبهم عليك..

وقد سلطوا وسائل إعلامهم عليك في محاولة لطمس بريق الهالة النورانية التي تحيط بك والتي جمعت على حبك أكثر من مليار مسلم.. وسائل الإعلام تلك راحت  تلومك يا شيخي وتدينك مُعْــزٍيـةً كل ما تفعله أمريكا إلى غزوتك لهم في الحادي عشر من سبتمبر عام واحد وألفين..  وليس ذلك أول إفكهم.. بل إنهم منذ قرنين على الأقل لا يكفون عن العواء:

- لو لم تفعلوا كذا لما حدث كذا وكذا..

وكأن إجرام الغرب كله بصهيونيته وصليبيته واستعماره قد اقتصر على رد الفعل.. وكنا نحن دائما السبب في كل ما حدث لنا..

وليس سوى الكفر أو الخيانة أو الجهل ما يفسر ذلك التجاهل للمخطط الشيطاني الذي لم يكف أعداء الله على تدبيره  والمضي فيه بغض النظر عن أي مواقف من المسلمين .. اللم إلا اصطناع أو اقتناص مواقف كذرائع.. وسواء حدثت أم لم تحدث فلم يكن ذلك سيغير من مخطط الغرب شيئا.. ولو نفذنا كل ما يطلبه الغرب منا لما اختلف الأمر.. لقد أطعناه - أو على الأحرى أطاعه ولي أمر كافر خائن عميل جاسوس  هو كمال أتاتورك- .. فقضى على الخلافة.... فهل اختلف الأمر.. هل أوفوا بوعودهم له.. أو  للشريف حسين - وما هو بشريف ولا هو بحسين - بشأن الدولة العربية؟.. أم ابتلعت بريطانيا وفرنسا كل وعودهما وفرضا اتفاقية سايكس بيكو.. ورضخنا للأمر الواقع فهل اكتفوا بتنكيلهم بنا أم اختلف الأمر.. ولو ظللنا ألف عام نطيعهم وننفذ كل أوامرهم فهل يتوقفون عن التنكيل بنا؟؟   وهل يحدث إلا أن نزداد تفتتا وفقرا  وضعفا .. وابتعادا عن الإسلام..

وذلك هو المخطط الحقيقي للغرب..

أن نزداد ضعفا وتفتتا وفرقة..

أن تتفتت الأمة إلى قوميات ثم تتفتت القوميات إلى دول ثم تتفتت الدول إلى طوائف ثم تتفتت الطوائف إلى قبائل..

قوميونا المغفلون الحمقى  تجاهلوا أن الدعوة إلى القومية دعوة صليبية صهيونية.. وقد عجزوا عن فهم أن الدعوة القومية كانت دعوة تجمّع اليهود وتلمّهم من أصقاع الأرض ليكونوا أمة واحدة.. ولكنها كانت في نفس الوقت تشتت المسلمين وتقضى على دولتهم وتضعف أمتهم.. نعم.. ما كان يجمع  اليهود ويصلح لهم كان يفرق المسلمين ويقضي عليهم لكن القرد القومي المولع بالتقليد لم يفطن لذلك..

***

هل تسمح لي يا شيخي أن أحكي لك حكاية من تراثنا عن ذلك.. إذ يُروى أن حمارا كان صاحبه يثقله كل يوم بحمل من الملح يحمله على ظهره لينقله من مكان إلى آخر .. و أنه في خلال ذلك يمر بجدول ماء.. كان الحمل ثقيلا على الحمار ولم يكن يملك أي حيلة في الخلاص منه.. وظل الأمر يسير على هذا المنوال حتى تعثر الحمار ذات يوم وهو يعبر الجدول.. فلما انغمس حمله في الماء ذاب معظم الملح وخف الحمل.. وفهمها الحمار فراح يتعمد أن يتعثر كل يوم  عند مروره بالجدول.. و أدرك صاحبه سر ما يفعل فأراد أن يعطيه درسا لا ينساه أبدا.. فحمله في اليوم التالي حملا من الصوف بنفس وزن الملح..

وللقارئ أن يتصور ماذا حدث بعد أن تشرب الصوف الماء..

بالنسبة لليهود كانت القومية ماء مذيبا للملح: أذابت العقبات..

أما حمير القومية فقد رزحوا تحت ثقل الصوف حتى هلكوا أو كادوا..

وحتى الآن .. فهم لا يفهمون أن الدعوة القومية كانت تنشئ دولة اليهود إنشاء وتقضي على دولة المسلمين قضاء مبرما..!!

( انظروا إلى انفجار دعوات قوميات الأكراد والبربر والجنوب السوداني كمجرد أمثلة على ما جره الفكر القومي علينا)..

***

يقول المرجفون أن الشيخ أسامة فجّر الوضع .. وينكر المنافقون أنه بتفجير الوضع قد حمي الأمة من قتلها خنقا ونبهها لكي تقاوم..

ولم يتطرق من المرجفين مرجف ولا من المنافقين منافق كي يسأل نفسه: أين تدور الحرب: في بلادنا أم في بلادهم..؟؟.. فلما نال منهم البطل المغوار أسامة بن لادن والذين معه مرة واحدة بعد مائتي عام ينشرون فيها في بلادنا الخراب انبري أولئك المرجفون والمنافقون يدينون أسامة بن لادن ويتهمونه:

-         لو لم يفعل  لما فعلوا..

يالها من خيانة ومن خسة.. نعم .. خيانة وخسة..

خيانة تعمي عما يحدث منذ مائتي عام وتتعامى عن تفاصيله و أسبابه..

خيانة تتعامى عن تدهور قوي الأمة وازدياد تفتتها منذ مائتي عام حتى اليوم.. ولولا أن تتدراكنا رحمة ربنا فنحن إلى التلاشي والفناء أقرب..

***

كما لو أننا كنا على وشك اكتشاف أسرار الذرة والتسلح بالقنبلة النووية والنهوض من كبوتنا لمواجهة أعدائنا فجاء أسامة بن لادن ليجهض هذا كله في اللحظة الأخيرة قبل اكتماله..

المرجفون والمنافقون يتكلمون كما لو أن هذا هو الذي حدث..

ويتعامون عن أن حالنا اليوم أسوأ من حالنا منذ عام.. وحالنا منذ عام كان أسوأ من حالنا منذ عشرة أعوام.. وحالنا منذ عشرة أعوام كان أسوأ من حالنا منذ خمسين عاما .. ومنذ خمسين عاما أسوأ من مائة عام.. وهكذا..نعم.. الحال يسوء والحصار يضيق والاختيارات المتاحة تقل..  والقدرة على الفعل تكاد تنعدم..  وهذا وحده دليل على دور مدمر بالغ الخطورة للحكام في انهيارنا.. دور الخائن والعميل والجاسوس..  فأولئك الذين خدعونا العمر كله بأنهم يستعدون للمعركة .. كلما طالت فترة استعدادهم كلما ازددنا ضعفا و ازدادت هزائمنا وتدهور حالنا... ولم يكن هذا سوء حظ ولا سوء طالع ولا مفاجأة غير سارة و إنما كان معظمهم على وعي كامل بما يفعل.. وعلى إدراك كامل لدوره.. دور العميل والجاسوس.. وكانت المقايضة بسيطة جدا.. لك الحكم مقابل القضاء على روح الأمة وتشويه دينا..

في مصر والعراق وسوريا وتركيا والمغرب وتونس والجزيرة و..و..و..  كانت المعادلة دائما واحدة..

***

نعم.. آن الأوان لنعترف.. ما من نظام حكم عربي و إسلامي أيضا إلا وكان عميلا لأعداء الله و أعداء الأمة..

مهما اختلفت التفاصيل وردود الأفعال..

جمال عبد الناصر مثلا.. بدأ معهم بالاتفاق على: إطلاق يده في الحكم مقابل القضاء على صحوة الإسلام وسحق الإخوان المسلمين.. وظن أن هذا الثمن سيكفيهم.. و أنه قد دفع واستلم وانتهت الصفقة.. لم يدرك أنه لابد أن يدفع كل حين و آخر.. ظن أنه ند.. وأرادوا معاملته كعميل فلما رفض كسروه.. وحطموه..

الملك حسين.. جميعكم تعرفون القصة..

في الجزيرة العربية.. استُعمل نظام الحكم لخداع العالم الإسلامي بوجود دولة تمثل الإسلام والمسلمين..

كان الأمر مجرد خداع..

والمطلوب اليوم من الملك عبد الله ( أمير أو ملك .. لا يهم)  لكي يستمر في الحكم أن يفعل ما فعله جمال عبد الناصر في مصر عام 1954.. الإسلام مقابل الحكم.. القضاء على رموز الصحوة وسحق المجاهدين مقابل الإبقاء على الملك وعدم سحق الأسرة الحاكمة.. القضاء على العلماء مقابل عدم فضح الموبقات التي يقترفها أعضاء الأسرة الحاكمة..

المطلوب منه أن يقدم المجاهدين كقرابين بشرية إلى الصنم الأمريكي .. تماما كما قدم جمال عبد الناصر الإخوان المسلمين قرابين بشرية كي يرضى الغرب عنه .. ( دعكم مما تقوله الإذاعات وتنشره الصحف وما تروجه الفضائيات في عالم جل عملته الكذب..)..

الفاجع حتى الموت أن استجابة علماء الجزيرة أشد سوءا بما لا يقاس من استجابة العلماء في مصر..

لقد احتاج فقهاء المراجعات في مصر إلى عشرين عاما من غسيل المخ قبل انهيارهم لكن بعض علمائنا في الجزيرة لم يحتمل سوى عام أو بضعة من عام كي يكتمل انهيارهم..

ثم أن هناك فئات في مصر، معظمها من الإخوان المسلمين ظلت تتعرض للتنكيل منذ أكثر من نصف قرن.. حكم على بعضهم بالإعدام..وقضى عدد كبير منهم في السجون أكثر من عشرين عاما وتعرضوا لتعذيب لا يوصف ومع ذلك صبروا وصابروا وثبتوا على الحق .. أعترف بأن البعض منهم قد انهار والبعض انسحب والبعض تغير ( إزاء ضراوة التعذيب كفر البعض و أعلن كفره فترك الصلاة وأفطر في رمضان وتحول إلى شاذ يأتيه الجنائيون في السجن.. على رأس هؤلاء الجاسوس الذي خان الشهيد سيد قطب واتفق مع أجهزة الأمن أن يقول كل ما يملى عليه كي يخففوا عنه العذاب .. وبعضهم طلب رسميا أن يتنصر كي يفلت من التعذيب) لكن الكتلة الرئيسية  برغم ذلك ثبتت وصبرت وصابرت..

لماذا لم يكن بعض علمائنا في الجزيرة رجالا ولماذا لم يثبتوا..

هل سينقذهم ذلك؟

فليقرءوا التاريخ..

ولينظروا إلى مصير العلماء الذين خانوا الله في مطلع ثورة يوليو.. فقد خسروا الدنيا و أظنهم خسروا الآخرة..

***

لا يكف المرجفون والمنافقون عن نشر سمومهم بعد أن اكتشفوا تراجع العلماء..

أتذكر غزوة أحد عندما أمّـــر سيدي ومولاي رسول الله صلى الله عليه وسلم  على الرماة عبد اللّه بن جبير بن النعمان الأوسي البدري. وكان الرماة خمسين رجلا فأقامهم النبي صلى اللّه عليه وسلم على جبل وقال لهم احموا ظهورنا حتى لا يأتونا من خلفنا وارشقوهم بالنبل فإن الخيل لا تقدم على النبل وأمرهم أن لا يبرحوا مكانهم، ولما انشغل المسلمون بالغنائم استقبلهم العدو بالسهام فعادوا منهزمين لا يلوى أحد على أحد وانكشفت خيل بني سليم مولية وكانت مع النبي صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه فتبعهم أهل مكة والناس فانهزموا.

أقرأ لكنني أبدل الكلمات فأضع العلماء - خاصة فقهاء المراجعات - مكان الرماة فيستقيم المعني..

ولست أعني بأي شكل من الأشكال مقارنة الفقهاء الخاطئين بالصحابة الكرام رضوان الله عليهم حتى لو كانوا خالفوا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم .. لكنني أريد أن أقول أننا هزمنا حين هزمنا بسبب مواقف علمائنا.. علمائنا الذين انسحبوا في الوقت الخطر فكشفونا أمام الأعداء وعملاء الأعداء..

لولا انسحاب علمائنا ما كان لحكامنا أن يخونوا ولا لنخبة كتابنا أن يمارسوا الكفر والقيادة في نفس الوقت..

نعم.. لا يكف المرجفون والمنافقون عن نشر سمومهم بعد أن اكتشفوا تراجع العلماء..

" لو لم يفعل لما فعلوا"..

مع أنك لو قلت هذا لواحد من القوميين الخادعين أو المخدوعين عن تأميم القناة سنة 1956  و أنه لو لم يؤممها عبد الناصر لما نشبت معركة 1956 والتي كانت هزيمتنا العسكرية فيها هي أساس  الهزيمة الساحقة عام 1967.. تلك الهزيمة التي وصفها المحللون العسكريون والسياسيون حينها أنها ستظل مهيمنة لمدة قرن على الأقل.. وقد صدقوا.. بل ليتهم يصدقون فيقتصر الأمر على قرن واحد..

أشعر بإهانة ذابحة كلما تذكرت تهليلنا وهتافنا لخطتنا العبقرية الفذة في خداع طيران العدو حين أقمنا هياكل خشبية لطائراتنا وتركنا العدو الأثيم يتخيل أنه حطم سلاحنا الجوي كله بينما أنقذناه كله..

كانت كذبة أخري من أكاذيب نظام انبنى كله على الكذب..

كان سلاحنا الجوي كله قد تم تدميره على مدارج المطارات.. ذُبح كسرب من الأوز على سطح بحيرة ساكنة.. وكانت حكاية الهياكل الخشبية كذبة خسيسة فاجرة روجها نظام خسيس ولم يسوِّقها إلا لشعبه.. أما أغرب الغرائب.. ( أو قل أنه مكر خير الماكرين)  فهو أنهم صدقوا الكذبة التي أطلقوها.. ليقعوا في نفس الخطأ و لتتكرر المأساة الفاجعة المذلة المهينة بعد أحد عشر عاما.. ويُسحق سلاحنا الجوي كله على مدارجه..

وكانت 56 قد تركت لنا لغما آخر لم نعرفه إلا عام 67 لأن معرفته كانت ستشككنا في ادعاء انتصارنا عام 56.. كان هذا اللغم هو ترتيبات شرم الشيخ والتي كانت السبب الظاهري للحرب عام 67.. و أقول السبب الظاهري.. لأنه بها أو بدونها كانت الحرب ستنشب.. و إن احتاجت إلى ذريعة أخرى..

***

وكان لابد - في كل مرة -  أن ننهزم..

كان - وما يزال -  وزراء دفاعنا يقودون الإعلام لتدمير وعي الأمة وكان وزراء إعلامنا يقودون الجيوش في المعارك فلا ينتصرون إلا في نشرات الأخبار وعلى صفحات الصحف..

وكان لابد أن ننهزم..

كانت معارك  جيوشنا قد اقتصرت على هزيمة شعوبنا.. وأصبح الجيش هو الذي يخوض المعارك السياسية .. بينما كان المزورون المسطحون الجهلة الذين يمتهنون السياسة هم الذين يقودون المعارك العسكرية..

وكان الفشل في الحالين مهينا...

***

نعود إلى ما كنا فيه ..

لو أنك قلت لأي قومي مغفل : " كان تأميم القناة هو السبب في حرب 56" .. لاتهمك على الفور بالجهل وقصور التفكير وعدم الإلمام بالتخطيط الاستراتيجي للعدو الغاصب...و...و...و...و... وكل ما نقوله الآن عن 11 سبتمبر.. إلا أنه في حالتنا صدق كله لا يشوبه وهم ولا كذب..

***

نعم.. عند الغرب خطة محددة.. كان سينفذها سواء حدثت أحداث 11 سبتمبر أم لم تحدث.. كان سينفذها بالحيلة والدهاء والتدريج لكي يصل إلى نفس الغاية.. أمة إسلامية مهزومة ممزقة..

كان الغرب يذبح أمة نائمة لا تشعر ولا تري.. وجاء أسامة بن لادن رضي الله عنه ليجعلها تشعر وترى..

***

ذلك هو المخطط الذي اكتشفه أسامة بن لادن - رضى الله عنه - بعبقرية فذة.. حين اكتشف أن المشكلة لم تكن أبدا أننا مارسنا الإرهاب..

بل كانت المشكلة أننا لم نمارسه ولم نعدّ من القوة ما نرهب به أعداء الله وأعدائنا..

لقد تحدثت عن مصطلح الإرهاب قبل أعوام .. وقلت أن الكلمة قد ترجمت خطأ.. و أن الترجمة الصحيحة لها هي:" الترويع".. لكن أعداء الله قد اختاروا هذه الترجمة كي تتصادم مع معنى في القرآن الكريم.. فالقرآن يأمرنا أن نرهب أعداء الله.. وبوش يأمرنا أن ننبذ القرآن ونطيعه..

و أطاعوا بوش .. كل بوش.. ونبذوا القرآن وهجروه..

نحن أمة مهزومة تفرقت شذر مذر خانها ملوكها ورؤساؤها  و أمراؤها وانضم قوادها إلى الأعداء ضدها.. حتى استسلمت الأمة أو كادت إلا من فلول و جزر ما زالت تقاوم الغزو..

فهل تعد مقاومة الغزو عنفا أو إرهابا؟!.. فماذا يسمى إذن ما يفعله الغازي..

***

كنت سأفهم فقهاء المراجعات - و أولئك المتراجعون منذ البداية دون الحاجة لأي تراجع- لو أنهم قالوا أن إرهاب العدو فرض.. و أن العنف ضروري لكن بعد أن تكتمل شروطه.. لأنه إن لم تكتمل له شروطه قد يعود علينا بضرر أكبر من نفعه..

كنت سأفهم ذلك و أقدره..

لكن أن يدينوا العنف والإرهاب والجهاد والمجاهدين.. فليخزهم الله وليعاقبهم بعكس ما قصدوا إليه ليخسروا الدنيا والآخرة..

إنهم يدينون مقاومة المغزو ولا يدينون عنف الغازي.. كما لا يبحثون في موقف الشرع منه..

كما أن بعضهم - قبحهم الله - يتناول بالرأي جهاد شيخنا الجليل أسامة بن لادن ويحاول بالدين أن يدينه..

منتهى الخسة والصفاقة.. ولا أقول الجهل.. بل أقول باعوا للشيطان أنفسهم ودينهم..

منتهى الخسة والصفاقة أن ينقلبوا من تقييد المجاهدين وحصارهم إلى تقييد الفقه وحصاره..

ومن البداية فإن أغلب الشيوخ والفقهاء- فقهاء الدين لا فقهاء السلطان-  يؤيدون شيخنا الجليل أسامة بن لادن رضي الله عنه..

وفي النهاية فإن ما يحدث الآن ليس له في تاريخ المسلمين ما يقاس عليه.. والفقه هنا اجتهاد.. والاجتهاد يحمل إمكانية الاختلاف في وجهات النظر والرؤى.. والقاعدة الفقهية تقول أنه لا خلاف فيما عليه اختلاف.. لكن فقهاء السلطان يملكون ثقة لا يملكها الشيطان ذاته.. ويملكون جرأة هائلة على الحق وعلى الله.. ليدينوا من أحسبه - ولا أزكيه على الله - خير أهل الأرض في زماننا..

***

أنظر - بأسى لا حدود له -  إلى ما حدث في مصر عام 54.. فأراه يتكرر بحذافيره في الجزيرة العربية الآن..

كان المسلمون بعد أدائهم البطولى في فلسطين عام 48 قد أعلنوا عن أنفسهم كأخطر قوة مقاومة للمشروع الغربي.. وقد تتسبب في فشله كله.. فهو برغم ضراوته فاشل لأنه ضد الجغرافيا والتاريخ وضد السنن الإلهية..

هل لاحظتم يا قراء أن قرار حل جماعة الإخوان المسلمين كان عام 1948.. عام النكبة.. وقد كشفت الوثائق المفرج عنها أخيرا أن هذا الحل كان طلبا غربيا ملحا..

كانوا يشكلون رأس الحربة الموجهة إلى اليهود والصخرة الصلبة التي ترفض  تجزئة مصر والسودان..

لذلك..

لذلك كان لابد من سحق الحركة الإسلامية في مصر.. وكان لابد أن تتجمع عليها كل قوى البغي في الداخل والخارج كي يسحقوها ويشوهوا صورتها..

نفس هذا يحدث الآن في الجزيرة العربية..

***

يحاول حكام الجزيرة تسويق الأمر إعلاميا على أن الشيوخ المنحرفين قد ضللوا شبابا بلا علم فعاث هذا الشباب  في الأرض فسادا.. ( هناك نقطة مهمة في السيناريو ناقصة.. ففي الحكاية المصرية كان الدافع وراء الإرهابيين المصريين هو ما يحصلون عليه من الرجعيين السعوديين من مال وذهب.. الآن لا مال ولا ذهب.. لكن الذي لا يقتنع بالسيناريو الذي تقدمه الحكومة سيسجن أو يقتل).. لم يكن الأمر كذلك على الإطلاق.. ودعكم من حكايات الاعترافات السخيفة على شاشات التلفاز .. فقد حكيت لكم في حلقة ماضية عما كان يفعله المذيع القومي الشهير حمدي قنديل في السجن الحربي عام 65.. كان يذهب للحصول على اعتراف من الإخوان تدينهم وتسئ إلى قيادتهم وتمتدح جمال عبد الناصر.. كان الضحية يجلد ويظل يجلد حتى يصرخ أنه سيقول كل ما يريدونه أن يقوله.. وكانوا عندئذ يذهبون به إلى الميكروفون فإذا به يرفض الحديث فيصرخ حمدي قنديل : " تعالوا شيلوا القرف ده " وهو يقصد أن يأتوا ليأخذوه ويواصلوا تعذيبه حتى يقول ما يريدون..

هذا هو نوع الاعترافات الذي نشاهدها على شاشة التلفاز السعودي وهي لا تعني إلا وجود جهاز شرطة باطش جبار مجرم.. وجهازا قضائيا يباريه في كل ذلك..

و أخشى أن يتجاوز الأمر حد البطش والجبروت والإجرام..

فأجهزة التعذيب التي يستعملها هذا الجهاز مصنوعة في أمريكا ومستوردة منها.. وتدريب ضباط الشرطة على استعمالها تم في أمريكا.. و أجهزة التعذيب تلك ليست صماء.. إن التدريب عليها ليس كالتدريب على لعبة كرة القدم.. بل لابد أن يتضمن هذا التدريب ويشحن بالموقف الصليبي الصهيوني من الإسلام.. بل بالموقف التلمودي المجرم من اعتبار دم الأغيار وشرفهم و كل ما يملكون مباحا..

إن أمريكا التي تصدر السلاح للسعودية تشترط بمنتهى الحسم والحزم ألا يستعمل ضد إسرائيل..

ورغم أنها لم تنص على غير ذلك إلا أن ضوابط التحريم حددت مناطق الإباحة..

فالسلاح المحرم استعماله ضد إسرائيل يمكن استعماله ضد العراق أو مصر أو اليمن..

بل لا مجال آخر لاستعماله..

وبهذا يكون هذا السلاح قد هزمنا مرتين.. مرة لأنه لم يستعمل حيث كان يجب أن يستعمل.. والأخرى لأنه استعمل حيث كان لا يجب أن يُستعمل أبدا..

نفس الأمر ينطبق على أجهزة التعذيب..

 إن من صنع هذه الأجهزة ومن صدرها ومن استوردها ومن درب عليها ومن تدرب عليها كلهم جميعا حلقة شيطانية واحدة.. ولست أدري لماذا عجز الفقهاء عن مواجهة تلك البلوي .. لماذا لم يحكموا على كل من مارس التعذيب ضد مسلم لإخراجه من الملة بالمروق من الملة خروجا يوجب لامرأته الطلاق ويفرض على أبنائه الفراق..

لماذا عجز الفقهاء..

لماذا..

لماذا وهم الذين لم يضنوا بالتكفير على المجاهدين ليشبهوهم بالخوارج فكانوا كجند يزيد بن معاوية لعن الله أولهما ورضي عن الثاني الذين قتلوا سبط الرسول صلى الله عليه وسلم  وهم يرفعون آية من القرآن:

( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ...) سورة المائدة. الآيتان: 33 - 34..

اللهم إن أشهد أن أبناءنا و إخوتنا من المجاهدين  في الجزيرة على صواب..

فإن كانوا قد أخطئوا فهم قوم طلبوا الحق فأخطئوه..

واللهم إني أشهد أن السلطة قوم طلبوا الباطل فأصابوه..

و أري في أعين المسئولين هناك أعين جمال عبد الناصر وجمال سالم وحمزة البسيوني..

ولا تغرنكم مشاهد الاعترافات على شاشات التلفاز فإنني أؤكد لكم أن أي قارئ منكم يقع بين أيدي الزبانية أولئك سيعترف بعد ساعة أو بعض ساعة بكل ما يراد منه..

***

في عالمنا العربي والإسلامي ليس الخلاف بين الحكومة والمعارضة.. ولا الأمر اجتهادات يؤجر فيها المصيب والمخطئ.. إنما الأمر فئة قليلة على الحق اكتشفت خيانة ولي الأمر وعمالته لأعداء الله والدين والوطن فتحاول بقواها المحدودة أن تقاوم.. والأمة المغيبة تخذلها كما أن التاريخ الفقهي لا يمدها بمصادر للقياس..

***

نعود إلى أهلنا في الجزيرة..

فالمجتمع في الجزيرة العربية يموج بصحوة غاضبة لأن الدولة تتجه للعلمانية يوما بعد يوم.. وتسلم مقاليد الإعلام للعلمانيين الذين يريدون هدم الإسلام ركنا ركنا.. الحكام نفسهم علمانيون براجماتيون و إن صلوا وصاموا وزعموا أنهم مسلمون.. بقية الأمة في الجزيرة كانت تستشعر الخطر.. فالإسلام مهدد و أعداؤه يكتسبون أرضا جديدة كل يوم.. وكانوا هم  هناك على مقربة من مباذل الحكام ويدركون أكثر منا مدي ابتعادهم عن جوهر الإسلام و إن حافظوا على مظهره.. كان التوتر يتصاعد باستمرار.. وحدث الانشقاق العظيم عندما قامت الحكومات في الجزيرة العربية باستدعاء قوات كافرة والاستعانة بها على بلد مسلم..

كان ذلك في عام 1990..

تبلورت الرؤى .. وتحددت المواقف .. وحدثت المفاصلة.. وانكشف دور الحكام..

***

بعد أن خربت الغزوة الأمريكية عامي 90-91 بلادنا  ومهدت مياديننا لمزيد من الغزو.. تم غزو العراق..

وكان نكوص العرب جميعا وعلى رأسهم مصر والجزيرة العربية عن عون العراق طيلة فترة حصاره وصمة عار ظنها الأغبياء ثمن ثباتهم في كرسي الحكم..

كان هذا الموقف المخزي استمرارا لموقفهم تجاه الفلسطينيين..

وسيثبت التاريخ أن هذين الموقفين هما السبب في اكتمال الصحوة الإسلامية بعد أن اكتشفت الأمة مدى خيانة حكامها.. وهذه الصحوة هي التي ستقضي على كل رئيس خائن أو ملك عميل أو أمير ضليل..

***

وتم غزو العراق..

كانت الشعوب الخطرة في المنطقة قد تم ترويضها وترويعها وغسيل مخها: وأقصد  شعوب مصر والشام وتركيا التي يمثل كمال أتاتورك فيها الأب الروحي لكل حكامنا..  و إيران التي يقوم فيها خاتمي بدور جورباتشوف .. لكن للقضاء على الإسلام..

بقي جزء من شعب الجزيرة هو الذي لم يتلوث ولم يتشوه..

وهذا الجزء كان بالغ الخطورة و أثبت كفاءة مذهلة في الشيشان والبوسنة كما كان قد أثبتها في أفغانستان قبل ذلك..

وتماما تماما كما فعل الأمريكيون في كل مكان من نزع قوة خصمهم بالترويع قبل الهجوم للقضاء النهائي عليه ( انظر على سبيل المثال العراق و أسلحة الدمار الشامل) .. كان لابد من القضاء على هذه النخبة من الشباب المؤمن وعلى قياداتهم من العلماء.. فأولئك هم الذين سيتصدون للغزوة الأمريكية للسعودية.. وهي غزوة آتية لا ريب فيها.. وأولئك هم الذين يمكن أن يتسببوا للقوات الأمريكية في خسائر فادحة.. لذلك فإن الأمثل هو توكيل حكام السعودية للقضاء عليهم..

لم تكن أمريكا تريد التورط في ثأر مع هؤلاء.. وكانت في نفس الوقت تخشى من تدخلهم بالجهاد والعون في العراق ليكسروا هيبتها ويمرغوا كرامتها في الدماء والأشلاء كما فعل إخوة لهم بالروس في الشيشان..

لم تكن تريد التورط..

وكان البديل جاهزا..

أن تقوم الحكومة السعودية نفسها بهذا الأمر..

و أن يكون السيناريو تكرارا للسيناريو الذي اتبع في مصر عام 54..

بل بلغ الابتذال والتسفل أن اتهموا خيرة المجاهدين هؤلاء بأنهم يتآمرون لقتل المعتمرين والحجاج..

***

منتهى الخسة..

خسة تذكرنا بخسة العسكريين مع المسلمين في مصر..

وكلتا الخستين صناعة أمريكية و أوكل التنفيذ للكومبارس..

***

أحب أن أنبه القراء هنا أن الشباب المجاهد يكون شديد الحساسية والحذر من ارتكاب معصية أي معصية لأنه يدرك أنه قد يستشهد في أية لحظة.. وهو يتحرى أقصى درجات الدقة كي يعصم نفسه من كبيرة سفك دم لا يحل له سفكه..

تصوروا يا قراء كيف يكون الواحد منكم حريصا على عدم الوقوع في الصغائر إذا ما شعر بدنو الأجل أو هاجس الموت..

أنتم العاديون تشعرون بذلك..

فكيف يشعرون هم..

***

ولم تكن الحكومة السعودية تملك أن تعترف بالحقيقة أمام الناس .. لم تكن تستطيع الاعتراف بأنها تقتل خيرة أبنائها كي لا يذهبوا للجهاد في العراق..

وكان لابد من سيناريو تمرس الغرب فيه طويلا وكان لابد من اتهامهم بالعنف والإرهاب..

أما الاعترافات فما أيسر الحصول عليها من أجهزة همجية وحشية وبوليس هو من جند الشيطان وقضاة مثله و أجهزة تعذيب أمريكية وعقاقير تلغي إرادة الأسير وتشوش عقله.. ومن المؤكد أنهم سيجدون هناك " على عشماوي" أو يهوذا آخر يحصلون منه على ما يشاءون..

وليست الاعترافات فقط هي ما يمكن الحصول عليه.. بل وتلفيق الأحداث أيضا.. والقيام بعمليات تنسب زورا للمجاهدين.. أو اختراقهم ومدهم بمعلومات خاطئة في الاتجاه الخطأ.. وتلك كلها وسائل بدائية في سلسلة جهنمية لا نرى منها إلا قمة جبل الثلج..

***

نعم..

لم يكن الأمر أمر إرهاب ولا عنف ولا مؤامرات لقتل المعتمرين والحجاج..!!.. بل كان جهادا في سبيل الله .. وكان على السلطة التي تجاهد في سبيل بوش أن تمنعه..!! وكان عليها أن تشوه أفضل بنيها قبل قتلهم حتى لا تنتفض الأمة غضبا من أجلهم..

كان الشيطان الأمريكي يدرك أن الشباب العربي الذي أدي جهاده إلى انهيار الإمبراطورية السوفيتية ربما يقدر إن استطاع الوصول إلى العراق أن يهدم الإمبراطورية الأمريكية أيضا..

بل إن الجهاد في العراق هو دفاع عن أرض الجزيرة العربية ومقدساتها..

نعم ..

فالمقاومة في العراق لا تدافع عن حاضر الإسلام فقط.. بل عن بعض ماضيه وكل مستقبله.. جزى الله المجاهدين هناك خير الجزاء..

ويا رب قوهم.. ومكنهم من قتل الأمريكيين أينما وجدوا.. لأن كل يوم يمر على العالم الإسلامي دون أمريكي يسقط قصاصا هو يوم حزين على العالم الإسلامي..

يارب..

ألهمهم الصبر والحق والقوة..

و أحص الأمريكيين والصهاينة عددا ومزقهم بددا..

***

كان الشيطان الأمريكي يخطط ويدبر.. ويزيد من ضغطه على الحكومة التي كانت تدرك هي الأخرى أنه لن يوقف ضغطه عليها  إلا تقديم قربان إليه بقتل المجاهدين.. ولن يروي سعار عطشه إلا دماءهم..

وكان القرار بتقديمهم قرابين بشرية إلى صنمهم في واشنطن..

قرابين إلى وثن..

***

نفس ما حدث في مصر.. وما تنبأ به الشهيد سيد قطب منذ خمسين عاما حين تحدث عن تخطيط أمريكا لشن الحرب على المسلمين, والاستعداد لغزونا, وذلك في فصل ختم به كتابه "السلام العالمي والإسلام" الذي أصدره في مطلع عام 1951  .

تنبأ الشهيد سيد قطب بحدوث عدة حوادث خطيرة في منطقتنا وفي العالم, وقد وقعت تلك الأحداث التي تنبأ بوقوعها, ونحن في هذه الأيام كما ينقل لنا الدكتور صلاح الخالدي نعيشها بألم ومرارة, مما يدل على عمق نظرته, ودقة تحليله, وصدق فراسته و تحليله الصادق للعقلية الأمريكية العدوانية الباغية يدل على تمكن البغي والعدوان من كيان الأمريكان, وسيطرة شهوة الحرب عليهم, كما يدل على كذبهم في مزاعمهم من أنهم أرادوا إنهاء حكم صدام حسين في العراق لتهديده السلام العالمي, فها هم يخططون لحرب منطقتنا واستعمارها قبل قيام حكم صدام حسين, وها هو سيد قطب يبين المؤامرة الأمريكية على المنطقة قبل أكثر من خمسين عاماً!!!

كتب الشهيد أيضا منذ خمسين عاما عن الحرب الأمريكية المتوقعة..

لقد تحدث سيد قطب قبل أكثر من خمسين عاماً عن الحرب الشاملة التي تخطط لها أمريكا، وتجعل منابع النفط وما حولها في بلاد المسلمين السابقة، في حربها الرابعة التي قطعت أشواطاً ومراحل منها، ولم يبق إلا قصف الطائرات وإطلاق الصواريخ، الذي قد يكون في أي لحظة!!

***

رأى الشهيد العظيم ذلك منذ خمسين عاما ورسم خطوط الحل.. ولم يكن سوي الرجوع إلى المرجعية الإسلامية والجهاد المتواصل تحت النار.. وكان واثقا من هزيمة الطاغوت الأكبر وانهياره أمام الإسلام..

وكانت خطورة البطل المجاهد أسامة بن لادن أنه راح يحول الفكر إلى عمل.. والبرنامج إلى حدث..

***

أوحشتني يا أسامة بن لادن.. يا أمة في رجل ويا رجلا بأمة..

أوحشتني يا من رأى حين عمي الناس وسمع حين صموا..

أوحشتني ذلك الاستيحاش الموجع الذي يجعلني أخاف عليك من الكتابة إليك.. فأقول لنفسي : لعل أحدا يلخص له أخبار العالم يخبره بمقالتي تلك في دقيقة أو بعض دقيقة تكفي لكي يحدد الشيطان موقعه..

أخاف أن أطلب منك أي شئ..

أخاف أن أقول لك كم أوحشتنا .. فقد يدفعك هذا إلى الخروج على مقتضيات أمنك.. يا أمل أمة ورمز دين وتاريخ..

أخاف أن أشكو إليك فأحمّلك ما لا تطيق.. و أنت الذي أديت كل ما عليك.. بل أضعاف ما كان يجب أن تؤديه..

أخاف أن أقول لك أن الأمة في حاجة لأن تفعل كذا فأثقل به عليك.. أو أؤثر به على قرار قد يكون الرأي الأول فيه هو الأصوب.. ولنفس السبب أخاف أن أقول لا تفعل كذا..

ثم كيف لنا ونحن القواعد أن ننصح للمجاهدين الأبرار..

أخاف عليك يا شيخي ويا حبيبي..

لكنني أخبرك أنهم بكل إعلامهم الجبار وكذبهم الأشد جبروتا .. والشيطان ظهيرهم .. كل ذلك لم ينل من صورتك عند الأمة التي لو خيرت في أربعة أركان الأرض لاختارت أن تجاهد تحت رايتك..

ولو حدث - بحق جلال الله - لانسحبت أمريكا فرارا ولولت رعبا.. ربما بدون قتال.. لأنها تعرف كيف يمكن للمسلم أن يقاتل حين يقاتل كمسلم..

أخاف ..

أخاف أن أقول لك كم هو مؤلم أن يتحكم الكافر في المؤمن..

و أخاف أن أقول لك أن من نكد الدنيا أن يكون حكامنا حكامنا..

لا أعترض على مشيئة الله وقدره و أحسب أنني سأراك بإذن الله - بعد النصر -  شهيدا لكن يشلني الرعب ووساوس الشيطان من أن أراك أسيرا..

أخاف عليك يا حبيبي.. يا فلذة الكبد وسويداء القلب وسمو الروح وطهارة النفس ونقاء الضمير..

يا عزة متجسدة في رجل..

يا شموخا مرسومة على جبهة..

يا وداعة مصورة  في وجه..

يا كرامة تعزينا عن ملوك وحكام فقدوا كرامتهم حين قدموها لأعداء الله قربانا علهم يرضون عنهم..

أخاف عليك..

أخاف عليك من النسيم أن يحمل عبقك فيعرفوا مكانك..

أخاف عليك من الشمس أن يكشف ضوءها سترك..

أخاف عليك من أن أقول لك أني أخاف عليك..

أعرف يا حبيب القلب ردك.. وأعرف أنك إن لم تقتل تموت..

لكنني أرجوك ..

أرجوك..

أرجوك..

 أن تدعو لي ..

 أن يحشرني الله معك..

 

 

 

2.              بريد القراء

-           هل لها من كاشفة

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

من قلب تحرقه الأوجاع والأسقام من قلب اشتعل وتفحم وللعجب مازال مشتعل حتى انه تورم لا تعجب يا والدي أنا امرأة في الثلاثين من عمري موجوعة مكلومة لا أقول مذبوحة أي عبارة تعبر عن ما في نفسي لا تريحني لم أجد بعد الكلمات التي تعبر عن مدي آلمي وحزني ولكن أقول

((َ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ)) لعل الله يخفف عنا بعض ما نحن فيه .

أنا أيها الفاضل التهم الكتب و أولع بالقراءة ومنذ زمن وأنا اقر لك ولكن انقطعت عن ذلك يمكن من قبل رمضان ثم تذكرت أمس فأول شيء فعلته هو أنني أسرعت وفتحت موقعك ثم قرأت بعض  العناوين وبدأت أقرا من العصر إلى ما بعد العشاء لم يقطع قراءتي إلا الصلاة ولكن ختمت مقالتك بقراءة مقالك عن الشهيد البطل المجاهد سيد قطب رحمه الله وبكيت وبكيت لا ادري هل من المرارة التي أحس بها علي حالنا كلما جاء أحد يخرجنا من الظلومات إلى النور قطعوا عنا الهواء حتى لا يصل صوته إلينا وكتموا أنفاسه حتى يخرسوه ولكن الله غالب علي أمره ولو كره الكافرون وجدني أولادي (أكبرهم في الصف الرابع) ابكي بحرقة اجتمعوا علي ليه بتبكي وازداد البكاء اكثر لم أجد مفر من أن احكي لهم ما حدث وما يحدث انفعلوا معي وقالوا هم مش مسلمين إلا بيعذبوا المجاهدين قلتلهم كم من مسلم علي الورق ولا يعرف من الإسلام إلا اسمه  منذ زمن ليس قيل وأنا أود  أن اعلم من هو سيد قطب ومن هو حسن البنا  ومن هو مأمون الهضيبي ولكني معك عرفت اكثر أدخلتني معك الزنازين واريتني كيف يعذبون رفقاء الدرب حتى إن الحشرات كانت ترتع في الجروح آه يكفي هذا لا احب أن أزيد فكأني معهم والله أنى أكاد أن ابكي دم والعالم حولي يكاد يصبني الجنون فم خاملون هامدون مدمنون يرتعون في  الرذيلة بالنظر تارة والقول تارة  وقد تزيد الوقاحة بان يمارسوه وهم فخرون

 

اااااااااااااااااااااااااااااااااااااااهـ من الأعماق أريد أن تصل إلى الآفاق

كان والدي رحمه الله وأنا صغيرة يردد عبارة إن جمال خلي الدم في مصر للركب

وكان يخفض صوته وهو ينطق بها ولكني الآن أقولها يا أبى رحمك الله بل كان الدم إلى الرؤوس  ما هذا الذي يحدث في بلدي كبدي والله أنا غير مقيمة في مصر ولكن لا أكاد اصدق أن ابتعد عنها أو أن اكرهها ولكن بدأت اكتشف إننا شعب سامحوني يا قراء ولا تلومو علي ( حقير يبيع أخرته بدنياه أين كان الناس عندما علق علي أعواد المشانق العلماء ألم تكن أمي وخالتي يتباهون بلبس الميني والمكرو جيب  لم يكونا يذهبونا إلى دور السينما التي بنيت علي أيدي اليهود  ااااااااااااااهـ يا أستاذي  أكاد اجن من هذا الشعب فيه بلاه أم غباوة مجرد أن يعتلي أي مجرم العرش يسبحوا بحمده دون الله والله أن منا لعجب فهل تذكر تاريخ محمد علي طبعا الذي درسنا في المدارس انه باني مصر الحديثة ولكن ما استطعت معرفته بعد كل ما قرأت انه هو هادم الإسلام  فالرجل صعد علي أكتاف المصرين ووصل إلى الحكم وكما حفظنا أول مرة منذ الفراعنة نختار حاكم بحريتنا ولا أكد اجزم فالرجل أو ما فعل انه تخلص من الإرهابيين اقصد علماء الأزهر نفي داخلي وابعاد عن مراكز القوة وهم الذين قد أقعده مقعده ثم تلاه بعد ذلك بالزعامة الشعبية والمماليك الذين نعني بأنه مهما حكمنا المملوكي فهو هو ونحن نحن هذا هو محمد علي لم يقوم بنفس الدور الذي قام به إلا جمال لا جمله الله لم أتتخيل أبدا أن تصل الخسة والنذالة إلى هذه الدرجة  صداقة وضرب من الظهر إن الذي يجب أن نسلم به إننا ننقاد مثل الأعمى الذي ما بيصدق يلاقي حد يمسك يده بس للأسف دايما الأ بيمسك أيدينا خائن وبياع هوي نترك هذه الحقبة أيام البوسنة والهرسك كنت في الثانوية العامية هكذا يجب ان تكتب ولكن لم اكن أفكر في المذاكرة بل كنت أفكر انهم لو وصلوا إلينا ماذا سأفعل ولكن كنت اقنع نفسي بان هذا لن يحدث أبدا لأننا بعيد بس الآن هم علي الأبواب ولم يعد البعيد بعيد ولكنه قريب ومحتاج لبعض الوقت واه كل تفكير الآن هل سيحدث لنا مثل ما حدث للشيشانية أم للبوسنية

ااااااااااااااااااااااه

خذلناهم كما هي عادتنا جمعنا التبرعات التي دائما لا يعلم أين تذهب إلا الله ثم اكتفينا فويل لنا سيدي ألا ترى معي إن شعبنا إذا أردنا نجعله مثل الخراف يفرح و لو حبينا نرقيه بشوية مزاج يبقي مدمن في يوم أو اقل ألم يبع البانجو الآن في الطريق اكثر من الخبز المصنوع من علف البهايم وكمان لو عاوزينه ينسي همه  ويترك ما في نفسه من وجد نخرج عليه مذيعة شبه عارية او ممثلة ما بيسترها غير ورقة توت وللعجب فهو متقبل لكل شيء حتى عندما خرج عمرو خالد تعلقنا وبه ولما اخرج ودعناه ألا ترى لهذه الغمة كاشفة والله لولا الله لقلت أنها سوداء مظلمة ولكن عافية الله أوسع

ولي عتاب في بيت شعر قرنت فيه الخراء بالصلاة ارجوا مراجعة هذا البيت

 

ولك مني وافر الشكر فقد نفست عن شيء اعتم ل في صدري وأنا اعرف أن أسلوبي رقيق ولكن تحملني

أميرة أسيرة الهموم  

***

السلام عليكم

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة على رسول الله  .

إلى أبي وسيدي وحبيبي الدكتور محمد عباس حفظه الله, سلام عليكم من ابنكم ص مصطفى  بكندا.

لي عندكم ثلاثة نقط:

أولا: في أحد المقالات دعوتم الشيخ القرضاوي أن ينادي للمسلمين على خليفة, وأنا أخبركم أن الخليفة موجود فبايع رحمك الله, إنه أمير المؤمنين الملا عمر رضي الله عنه, فقد بايعه شيخ المجاهدين أسامة بن لادن رضي الله عنه , أفلا تبايع خلف أسامة؟

ثانيا: في أحد المقالات , كتبتم (الشيخ عبد الحميد كشك), هكذا دون إضافة,  وأنتم تعلمون أكثر مني أن الشيخ عبد الحميد كشك عليه رضوان الله, ولي من أولياء الله الصالحين, فكان من الأحسن أن تكتبوا بعد اسمه قدس الله روحه,عبارة( رضوان الله عليه) أو ما يقابلها.

ثالثا: في مقالكم الأخير تساءلتم من هو مستشار وزير الداخلية السعودي وهذا هو الجواب على سؤالكم.في المقال الذي نشرته القدس العربي بتاريخ الاثنين 1-12-2003.

الناصرة ـ القدس العربي ـ من زهير اندراوس:

كشف النائب في الكنيست من حزب الليكود الحاكم مجلي وهبة النقاب أمس عن وجود تنسيق كامل بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل في ما يتعلق بمـــا اسماه مكافحة الإرهاب . أضاف وهبة، وهو عضو لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست انه زار السعودية عدة مرات بعد حوادث التفجير التي شهدتها المملكة، بناء علي دعوة رسمية من المسؤولين السعوديين، وذلك بهدف اطلاعهم علي الخبرة الإسرائيلية في مجال مكافحة الإرهاب علي حد قوله.

يشار إلى أن النائب وهبة من أبناء الطائفة الدرزية في إسرائيل، وهو ضابط رفيع في جيش الاحتياط الإسرائيلي. وجاءت أقوال النائب وهبة عن العلاقات الإسرائيلية ـ السعودية في نشرة أخبار اليوم التي تبثها شركة الكوابل في إسرائيل.

وقال وهبة ردا علي سؤال أن السعوديين يتلقون فعلا مساعدات ومشورة من إسرائيل في مكافحة الإرهاب ، مشيرا إلى أن الزيارات الأخيرة التي قام بها إلى السعودية لبحث هذه الأمور شملت دولا عربية أخرى رفض الكشف عنها.

وكان شارون عين وهبة قبل عدة سنوات مبعوثه الشخصي إلى الدول العربية والإسلامية التي لا تقيم علاقات ديبلوماسية مع إسرائيل. وقد لعب وهبة دورا هاما في الاتصالات مع العاهل الأردني الراحل الملك حسين بعد المحاولة الفاشلة التي قام بها عناصر من الموساد لاغتيال خالد مشعل المسؤول السياسي لحركة حماس.

 

***

Al-salmu aliquem wa rahmat Allah wa Barakatu,

Dear sir

First of all happy EID, may Allah  will return it with a victory for all Musliums in the universe.

I am a big fan of yours and I read all your articles. I am considering you on of my teachers, so I want to ask you about what happened in Saudi arabia, was that a Jihad to attack muslims and the kids? I am confused

I am an arab muslim and I study here in USA, so far I did not have anybody to treat me differently because of my religion, of course I am sure there are muslims who suffer from mistreatment in usa because of their race or religion, but the people who I know here are nice. American are ignorant about islam, they need somebody to teach them.  Anyway, I am trying to keep up my Islam wherever I would be, so what do you advice me to do? especially if you know that I have no other muslims or arabs in my little town here

May God reward you for your efforts

Ahmed

 

*** سيظل هذا الالتباس يا أحمد ما دمنا نصدق بيانات الحكومات..

لو صدق الشيطان بوش لكان إجرامه مبررا.. ولكنه كذاب مجرم وخسيس.. إنه يضع الهدف أولا نصب عينيه ثم  يرسم الطريقة التي توصله إلى هذا الهدف.. ثم يخدع العالم بإخراج قصة محبوكة تؤيد وجهة نظره..

لو صدق كمال أتاتورك في ادعائه  أن الإسلام هو سبب تأخر تركيا لكان انقلابه على الخلافة مبررا - ولا أقول مقبولا- ولكنه كان كافرا ووغدا وجاسوسا للإنجليز تآمر معهم للقضاء على الخلافة..

ولو صدق جمال عبد الناصر في تبرير انقلابه على الإخوان المسلمين بسبب علاقتهم بالأمريكان والإنجليز لكان فعله صحيحا ولوافقناه عليه.. لكنه كان هو الذي يرتب مع الأمريكان ويتفق معهم - تذكر أن أمريكا كانت تمنح مصر معونات كبيرة حتى عام 65 ولم يكن هذا خوفا من عبد الناصر بالطبع بل كان ثمن خدمات محددة في ثلاثة اتجاهات:

·       ·        إضعاف الإسلام وتشويه رجاله والقضاء على دعاته.

·       ·        محاربة الشيوعية.

·       ·        عرقلة الجهاد - الإسلامي - ضد إسرائيل.

وقد أدي جمال عبد الناصر ما أسند إليه باقتدار..

عام 65 اختلفوا مع جمال عبد الناصر ليس لأنه لم يعد طيعا ما فيه الكفاية و إنما لأن علاقة من هذا النوع هي كالإدمان.. فجرعة الخضوع التي تكفي أمريكا اليوم لا تكفيها غدا..

ويكفي أن تنظر إلى المآلات لتفهم البدايات.. ما هو وضع النظام الذي يستند في شرعيته إلى ثورة 23 يوليو الآن.. وما هي درجة خضوعه لأمريكا..

وما هو وضع الإخوان المسلمين ودرجة عدائهم لأمريكا..

ولا تقل لي أن السادات كان انقلابا على عبد الناصر أو أن مبارك يختلف عن السادات..

وضع الأنظمة الثلاثة لأمريكا هو وضع العبد.. ولو طال عمر كل واحد منهم لفعل ما فعله تابعه.. كما أنهم جميعا يلخصهم لقذافي..

فهل تحتاج يا أخي إلى إجابة عن سؤالك عما يحدث في السعودية أم أن الإجابات السابقة تكفي؟!!

د محمد عباس

***

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أبى العزيز الغالي :

أرجو من الله أن تكون في أتم الصحة واحسن حال أبى أريد أن أقول لك شيئا ولكن اخشي أن يحزنك كلامي ولكن سامحني . أتعلم ماذا أخاف منه منذ فترة " أن يأتي يوم ولا تكون موجود بيننا وسيظل النفس مكتوما بداخلي ومرارة الإحساس بغيابك تدمر مشاعري وتصبح الحياة فارغة من كتاباتك وألوم نفسي كثيرا علي  العمر الذي مضي بي ولم ابحث فيه عنك ولماذا تكاسلت عن الكتابة لك فلا اعرف لماذا دائما يساورني الإحساس أنني وصلت إليك متأخرة أرجو يا أبى لا تحزن من كلامي ..

ت ح

***

سيدي الدكتور محمد عباس

بعد التحية

حمدا لله غافر الذنب 00000وقابل التوب0000علام الغيوب وستار العيوب . أما بعد

قرأت جميع مقالاتكم على موقعكم المميز بالشبكة . ولست هنا بصدد الإطراء والمديح والتعبير عن مدى الإعجاب بجرأتكم ونظرتكم الثاقبة في قراءة التاريخ وتحليل الحاضر والنظر بعين المؤمن الواثق من نصر الله إلى المستقبل . لا لشئ سوى إعظاما لكم وضني بأن يكون لشخص مثلي- لوثته ذنوب الدنيا بآثام ينوء الظهر بحملها-مجرد رأي في شخصكم الكريم المجاهد في سبيل الله . تقبل الله منك حسن صنيعك وجعلك مع النبيين والصديقين والشهداء يوم العرض .

والحق يا سيدي أنه تنتابني هواجس شتى وحيرة لأنني أشعر برغبة عارمة في الكتابة إليكم ولكن وجه الحيرة هو من أين أبدأ الكتابة ومن أين أمسك طرف الحديث ؟. أمن ماضينا الإسلامي المضيء عنوان الفخر في تاريخ البشرية والذي يعلمه الجميع من حولنا الا نحن ؟ وهل حقدهم وتكالبهم علينا إلا نتاج معرفة جيدة بتاريخنا ودراستهم لمكمن القوة والضعف فينا ؟ أم أبدأ حديثي من أوضاعنا الآن وذلك الضعف والهوان الذي نتنفسه كل لحظة ؟ . أم أبدأه من عند أراذل الشياطين الذين يحيطون بنا من كل جانب ؟

والحق أقول لك يا سيدي أن الصراع بيننا وبين هؤلاء القردة والخنازير أمر لا غرابة فيه . ولكن وجه الغرابة والعجب هو فينا نحن الذين استكنا لمخططهم الشيطاني ونساق إليه مسلوبي الإرادة كما تساق الخراف لذبحهم . بل أننا أحط من الخراف شأنا لأنها لا تمد رقابها للقصاب عند الذبح بينما نحن نفعل ذلك . وما أشد غرابة من كل ما سبق هم أولي الأمر والنهي فينا . بني جلدتنا وديننا . فما بالهم والجنة تتفتح لهم على مصراعيها وهم يحجمون ؟ وما بالهم والأحداث تناديهم ليكونوا في أروع صفحة من صفحات المجد والفخر وهم يأبون إلا الدون والخسة من القول والفعل؟

سيدي إن الصراع بيننا وبين الغرب لهو من اللوازم الضرورية ولا محيد عنه لإدارة عجلة التاريخ ولتبزغ أمم ولتأفل أخرى. إذن هو ضرورة من ضروريات الحياة وينبغي أن يكون . فمتى كنا سنسمع عن أبطالنا في العراق لولا الغزو لها  وهي تلطخ كل لحظة جبينها -وهي القوة العظمى كما يقولون - بالخوف والفزع من كوكبة لا تملك إلا الجود بروحها في سبيل الله ؟ ولولا الخنزير شارون ورفاقه السابقين ما رأينا الطفل الفلسطيني ذو الثلاث سنوات يجابه الآلة العسكرية الجبارة بحجر عير عابئ بها أو وجل لأنه قتل الخوف والجبن داخله . وأين كنا سنسمع بالمجاهدين في الشيشان وأفغانستان ؟ وأين ومتى كنا سنسمع عن أسامة بن لادن الذي نزع ورقة التوت عن أمرائنا وحكامنا وأثريائنا بتركه حياة الدعة والسهر والبذخ واللهو والرفاهية والجنس والقمار وكل الموبقات في مونت كارلو ولاس فيجاس وجميعها كانت ملك يمينه إلى حياة الجد والكد والعمل والشظف في الكهوف والجبال في سبيل الله .

إذن يا سيدي نستطيع القول أن بالهجمة الغربية علينا بعض الخير ولا أبالغ إذا قلت خيرا كثيرا . لأنه من رحم الألم يولد المجد . فمرحبا بتلك الهجمة التي توقظ الأمة لم يحاك لها شريطة أن تشمر الأمة عن ساعديها . وهذا هو بيت القصيد لأننا لا ينبغي لنا أن نلوم الغرب بل نلوم أنفسنا نحن 0000نحن أمة الجد في موطن الهزل وأمة الهزل في موطن الجد . إسلامنا مباح وأرضنا تدنس وإعلامنا بدلا من أن يوقظ الأمة من سباتها يحتفي بالراقصات والعاهرات والمرتزقة بمنتهى الهمة والنشاط . فتخرج علينا إحداهن بمنتهى الجدية تتحدث عن كفاحها المرير والمشرف للوصول لقمة المجد والشهرة ومعاناتها الشديدة مع الريجيم للحفاظ على قوامها الممشوق لإمتاعنا برقصها الشرقي الأصيل مع إتصالات كثيرة على الهواء للإشادة بفنها الرفيع . ثم يليها المؤتمر الموسع والذي يضم النخبة من المثقفين لمناقشة الفروق الجوهرية بين الأغنية في الماضي والأغنية في الحاضر مع كيفية وضع الضوابط الصارمة للتمييز بين الأغنية الشبابية والأغنية اللي مش شبابية . بمنتهى الجدية والحزم وكأن الخلط بينهما سيؤدي إلى إختلال منظومة الكون . أليست هذه نماذج للجد في موطن الهزل ؟ ثم تليها البرامج المسطحة الركيكة لمناقشة أزمات الأمة وكيفية الخروج منها مع نخبة من المرتزقة والمتسولين ثم ينتهي البرنامج بتعميق ثقافة الاستسلام لأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان . أليس هذا نموذج للهزل في موطن الجد .؟

سيدي رغم كل الألم والمهانة 00000وأحقاد الحاقدين إلا أنني ألمح الفجر قريبا بإذن الله . لأنه ما زال بالأمة عروقا تنبض وألسنة تلهج بالدعاء وأقلام حرة مثل قلمك تأبى الخنوع والاستسلام .  فلتشدد الهجمة فهي توقظ ولا تميت فالتاريخ يكتبه شهداؤنا بدمائهم . فليغيروا المناهج التعليمية وليحذفوا غزوات الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وليفعلوا ما شاء لهم فهذا دليل الجبن والخواء سنعلم أبنائنا بأنفسنا وسنحفظهم القران ونلقنهم أخلاق الإسلام وسيرة الرسول وإيمان أبي بكر وعدل عمر ومروءة عثمان وفروسية علي وشجاعة خالد وأمانة أبي عبيدة . كل هؤلاء وغيرهم ممن تصلح سيرة أحدهم لبناء أمة .   ولقد سئل موشى ديان ذات مرة متى تخشى على دولة إسرائيل ؟ فأجاب إذا امتلأت مساجد المسلمين في صلاة الفجر .

سيدي لا أمل من الكتابة إليك ولكن أحسب أني أطلت عليك . تقبل اعتذاري . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

مهندس / ح  يسري

 

***

عناية الدكتور/ محمد عباس وفقه الله ورعاه

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،، وبعد

فأسأل الله لي ولكم السداد والتوفيق وأسأله سبحانه أن يبارك جهودكم الطيبة في خدمة هذا الدين العظيم، وأن يعينكم في تحمل الأذى والمشقة في سبيل ذلك إنه سميع مجيب، أستاذي الكريم: قرأت مقالتكم الرائعة بعنوان ( في الذكرى الثانية للوليمة ) وآلمني أشد الألم ما ذكرتموه فيها من إلحاد الملحدين - خذلهم الله -، وقد وجدت خطأ في نص الآية القرآنية من سورة التوبة رقم ( 65 ) التي وردت في فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - السعودية - حيث سقطت كلمة ( ورسوله )، والنص الصحيح للآية هو ( قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)، فأرجو من سعادتكم التأكد من النصوص القرآنية - بالذات - قبل كتابتها، حتى لا يتربص بنا المتربصون.

مرة أخرى وفقكم الله وسدد خطاكم، والله من وراء القصد

كل عام أنتم بخير، وتقبل الله منا ومنكم الصوم والصلاة والقيام، وجعلنا من عتقائه من النار، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أبنكم المحب في الله

أبو يحيى

الرياض 

 

*** استغفر الله العلي العظيم و أتوب إليه..

لكنني أرجوك يا أخي أن تراجع الأصل فقد يكون الخطأ فيه، عسى أن تكمل صنيعك، إنني أحاول قدر ما أستطيع أن لا أخطئ في نقل آية، و أحرص دائما على عدم كتابتها بل أخذها من نص المصحف على الكمبيوتر بطريقة القص واللصق..وفي حالتنا هذه لم أفعل ذلك باعتبار أن النص مراجع من اللجنة الدائمة للإفتاء واحتمالات خطئها قليلة جدا.. لكنني غفلت عن احتمال آخر  هو أن يكون الخطأ جاء من الوسيط الذي نقل الفتوى..

جزاك الله خيرا..

و.. استغفر الله العلي العظيم و أتوب إليه..

د محمد عباس

***

1.              بسم الله الرحمن الرحيم

سيدي الفاضل الدكتور محمد عباس

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أعرفك يا سيدي منذ رسالتك إلى الرئيس ومتابعا لكل حرف سطرته ولكم يضيق صدري عندما اقرأ لكم ليس من كلماتكم ولكن من الخديعة التي تربينا عليها فكلما أقرأ لكم اشعر انه قد تم النصب على منذ أن تفتحت عيني على الدنيا واسمح لي أن استعير عنوان مقال لك على ما تشعر به نفسي  ألا وهو " ليست الغرابة في ضراوة الصراع ولكن الغرابة في الكذب والخسة والخداع" فها نحن نكتشف أن حياتنا لم تكن إلا كذبا وخسة وخداعا بدءا من ظهر الكراسات التي كانت تسلم لنا بالمدارس وعليها مبادئ ثورة الكاذبين والخاسئين والمخادعين ونهاية بالفاسدين والمنافقين.

أمدك الله بالصحة والعافية وبارك لك فى ذريتك

مواطن مصرى

محتجز من قبل مواطن عربى فى بلد عربى بغير حكم قضائى

والقنصل المصرى عنده تعليمات مايعملش مشاكل

وولادى لايجدون قوت إفطارهم بعد صيام

وحسبنا الله ونعم الوكيل

***

السلام عليكم ورحمة الله 

أيها الأخ الكريم

لك التحية

هناك امور اود معرفتها

أراك من المخلصين ولا أزكى على الله أحدا

أود ان يتسع لك صدري

أولا

أود أن اعرف حكم الإسلام فى عمليات المقاومة الإسلامية (الانتحارية)

وراودنى الشك بحرمتها وذلك لأننا لسنا في حاله حرب منتظم

ولو كان ذلك لجاز لنا سرقه بنوك وخطف نساء مثلا باعتبارهم غنيمه

ثانيا ما حكم الإسلام فى اللحية

وكيف ترى علماء ووعاظ ودعاة بغيرها (كعمرو خالد) مثلا

وما سر لحيتك ؟ ولماذا هى محاربة في مصر وان كانت كذلك فهو محارب بها أو من غيرها طالما انا مسلمون على حد نظريات المؤامرة فلما نحلقها إذن طالما آذننا محاربون بها أو من غيرها

ثالثا : بالنسبة لعبد الناصر أرى انك تظلمه والله اعلم( وهذا الظلم نسبى)  فأنى أحس في خطابه بعد 67 (الاستقالة) أحس الصدق وأحس خبايا الإنسان وتعقيداته وأشياء أخري كثيرة لا أستطيع وصفها بل تنساب الدموع متكلمه بعد عجز اللسان والعقل

 

 أرجو ألا أكون أثقلت عليك

وشكرا لك

والسلام عليكم ورحمة الله

أخوك احمد جامعه الأزهر

 

***

 

أخي الكريم:لقد هممت أن اكتب إليكم بعد مشاهدتي للمهزلة عبر الشاشات التي آلمتني أيما إيلام وأزعجتني لدرجة أنها شوشت فكري في وقت أنا بحاجة ماسة إليه في الليالي الأخيرة من هذا الشهر المبارك ولكم اطمأنت نفسي وأنا اقرأ مقالكم بالشعب فجزاكم الله خيرا ويعلم الله كم نحن بشوق للقائكم وكم إن الأمة بحاجة لمن يصدحون بالحق وسط خضم التيه .

-                  أخوكم عباس _ليبيا

 

 

***

لغاية امتة يا سيدي الفاضل 

 

1.              بسم الله الرحمن الرحيم

 

آسف لك سيدي الفاضل عن سؤالي الجاف في بداية خطابي لك

لكن اعذرني معذرة الأب لولده الطائش التي تتملكه ثورة شاب يريد تعديل كل ما هو مال في بلدة و فسد من جراء بضع أشخاص خلت من قلوبهم الإيمان بالله و دينة و النزاهة و العدل , سيدي الفاضل أريد أن اذكرك و اذكر نفسي بأنك و الله اعلم باني أعزك و احترمك و أجلك بسبب آرائك التي و الله تؤثر في شخصيا و اتخذها منهاجا لحياتي , ولكن الآن أريد آن أسألك سؤالا واحدا وهوة لغاية امتة سوف نرضى بانقلاب حالنا من سيئ إلى أسوء و اقصد بطبع أوضاعنا كمسلمين مصريين و غير مصريين ولكنني أريد فقط الإجابة عن تساؤلاتي عن المصريين الآن فقط لكي لا اتهم باني سوف اصلح الكون و أنت أدرى مني بأن في أيامنا دي  التهمة زي دي بتودي في داهية نسيت أيضا في خضم حديثي أن أعرفك بنفسي انا اسمي (....)  السنة النهائية  فرع الإسكندرية و الحمد لله اعرف الله و أخشاه و احترم تعاليمه في فترة من الدنيا اصبح هذا الأمر في شريحة الشباب مشيخة و بيقولوا علية مزودها حبتين و كمان يمكن اتهامي من قبلهم بعدم الواقعية  ومش هقولك إن دقني مربيها أو أي حاجة بس أنا الحمد لله بصلي و بصوم و بفكر كويس في خلقة

سيدي الفاضل لا أريد ان أطيل عليك بس بجد أنا مش عارف يمكن الواحد يتصرف ازاي في تغيير واقع مفروض على الكل لان المسلمين في الوقت الحالي يتلقون ضربات من جميع النواحي و الجهات من الداخل و الخارج  و شكرا لإصغائك و وقتك الثمين في قراءة رسالتي 

(...)

***

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ..... أستاذي الفاضل محمد عباس

لقد دأبنا على أن نسأل أنفسنا هذا السؤال التقليدي .. من أين يبدأ الإصلاح .. من الشعب أم من الحكومة ؟ ...

و لا أدري لماذا حصرنا الإختيار في هذين العنصرين .. الذين ما برحا أن يدخلانا في دوامة البيضة أولاً أم الدجاجة .. و رغم أن معظم حركات الإصلاح على مر التاريخ و في أمم مختلفة لم تبدأ من أيً منهما .. بل قاد عملية الإصلاح غالباً أناس متميزون في كل أمة .. بدءوا الإصلاح بأفكار قد تكون فلسفية النشأة في عقول هؤلاء المتميزين من الشعب .. ثم تبلورت هذه الأفكار و تُرجمت إلى عمل و تحَرُك على مستوى الخاصة و العامة من الشعب , قادة كانوا أو محكومين ..

إذاً فعملية الإصلاح لا بد لها من قادة .. و ليسوا أي قادة .. بل يجب أن يكونوا قادة فكر يُترجَم إلى عمل .. أو يُصدقَه العمل .. قادة ميادين لا قادة مكاتب و صحف و إجتماعات .. قادة يمشون في الأسواق .. و يأكلون مما نأكل من طعام ...يجالسونا و نجالسهم .. فليست القراءة كالإستماع كالمشاهدة كالمعايشة ...

و لا أدري لم غفلنا , عن عمد أو عن جهل , عن النموذج الأعظم من حركات الإصلاح على طول خط البشرية .. و هو " نموذج الأنبياء في الإصلاح " .. و خير هذه النماذج .. هو نموذج النبي محمد الأمين .. و الذي عده الغرب .. على رأس المؤثرين من العظماء .. لا أدري لماذا غفلنا عنه .. و هو أقرب النماذج إلينا .. و أنسبهم لظروفنا و معتقداتنا ...

فلا شك أننا الآن نعيش في عصر ما قبل البعثة .. إن جاز لنا أن نتمثل بحقبة معينة من التاريخ لنقيس عليها .. و أننا لم نصل بعد إلى أعتاب الفترة المكية من البعثة ..

و إذا إفترضنا أن تلك المقايسة صحيحة .. إذاً فعملية الإصلاح لن تبدأ من الشعب ..ولا من الحكومة .. لأنها في هذا النموذج النبوي لم تبدأ بأيً منهما ...

فلم يحدث أن قام العامة من المكيين في ذلك الوقت منادين بالإصلاح أو الثورة على الأوضاع المتردية للأفراد, سواء الأحرار منهم أو العبيد .. و لا معترضين على فقر قبائل العرب و إختصاص السادة منهم فقط بمعظم الثروة .. و لا رافضين للجهل و الفساد الأخلاقي الذي يعيشون فيه .. و لا متأففين من حروبهم المتواصلة مع بعضهم البعض , و تبعيتهم للإمبراطوريتين السائدتين في ذلك الزمان .. و تقديم سادتهم الولاء لاتباع الإمبراطورييتن كل حين ..

كما أنه لم يحدث في المقابل أن قام سادة قريش و حكامها بالمناداة بالإصلاح الإجتماعي , و رفع الظلم عن العبيد .. و التوزيع العادل للثروات .. و محاربة البغاء ووأد البنات .. لم يحدث .. اللهم إلا حلف الفضول .. و الذي كان قبيل البعثة .. و قال عنه الرسول الكريم " لو دعيت لمثله الآن لأجبت " .. و لكن حتى هذا الحلف على سمو أهدافه .. إلا أنه لم يكن له تأثير عظيم لأنه لم تكن تغلفه عقيدة .. بل عرف و عادات لا تسمو لقوة المعتقد ..

لكن من الذي بدأ الإصلاح في هذا المجتمع المكي ؟ ... الذي بدأ الإصلاح كان الرسول الأمين .. و أنا أزعم بأن هذا الإصلاح الذي بدأه رسولنا محمد صلى الله عليه و سلم .. هو بمقاييس الوقت الحاضر يعتبر إصلاح سياسي .. و إن جاء في صورة إصلاح ديني .. و لكن قبل أن نتطرق إلى هذا الإصلاح لا بد لنا من أن نقتنع أولاً بأننا بالفعل نعيش في فترة ما قبل البعثة ..

تلك الفترة التي تميزت بالظلم و الفوضى و التخبط و العربدة و الحروب و المشاحنات و التبعية للقوى العظمى في ذلك الوقت .. يهيم فيه الناس بين اللهو و الشعر و الغناء و الرقص .. و لا يخفى علينا أن ذلك هو حالنا الآن .. ظلم و جور للشعوب .. و حروب بين الدول الإسلامية ... و مشاحنات بين الأفراد .. و عربدة و فسوق و إمتهان للمرأة و إستخدامها كسلعة رائجة في الإعلانات و الأغاني .. و تبعية و إذلال للقوة الوحيدة السائدة في العالم الآن ... و شعوب معظمها هائم بين الغناء و الرقص و لعب الكرة .. بينما القتل و التدمير لا يتوقف في بقية الأمة ....

و لإن كان المكيين يطوفون حول البيت الحرام عرايا في تناقض رهيب يجمع بين الفحش و العبادة .. فهذا لا يختلف في عصرنا عن الراقصة التي تتكلم بإسم الدين .. و تحمد الله على أنه مَنّ عليها بهذه الموهبة و هذا القوام الرشيق .. أو الممثل الذي يحرص على قراءة سورة يس قبل العرض الأول لمسرحيته التي لا تخلو من مجون .. و لا يختلف عمن يسهر في رمضان بعد الإفطار في خيام للغناء و الرقص و التدخين .. أو يقضي الليل حتى ساعات الصباح الأولى لا تهجداً .. بل ليشاهد الممثلات و الممثلين .. أو من يجمع في فرحه بين شيخ معمم يعقد القران ويقرأ بعده فاتحة الكتاب .. لتدخل بعده راقصة تتمايل وسط زفة لتحيي الفرح .. الذي مات و قرأ عليه الشيخ الفاتحة منذ قليل ...

و الناس لا ترى في أيً من ذلك اي تناقض بل .. أصبح التناقض أن لا يكون هناك تناقض .. و نجد من يلوم صاحب الفرح لأنه لم يكن فيه مغنً مشهور .. و نسمع من يقول أنه لم يشعر برمضان هذا العام .. لأنه يفتقد قعدة الفيشاوي حتى السحور .. و أكل الكنافة و القطائف بعد الفطور ... و صوت الشيخ رفعت قبل الآذان .. و كأن هذا هو رمضان و ما نرجوه من رمضان ... و هكذا يختلط الجد باللعب .. و الفجر بالمعتقد .. و العرف و العادات بالدين .. كما كان يحدث في سوق عكاظ ...

لكن فوق كل ذلك .. و هذا هو أخطر ما في هذه المقايسة .. هو .. أننا لم نعد نعرف ماذا تعني كلمة لا إله إلا الله .. تلك الكلمة التي أصبحنا نقولها بألسنتنا و لكن لا تصدقها جوارحنا و لا أقوالنا .. و من معانى هذه الكلمة .. كلمة " لا إله إلا الله " و التي لا يتم المعنى إلا بها .. ذلك المعنى الذي أفزع سادة قريش .. هو أن .. يثبت في قلبك أن الله هو الذي يسير كل شيء و أنه هو الواحد المشرع الذي لا معقب لحكمه و لا راد لقضائه .. و من كانت هذه هي صفاته .. تَوَجَّبَ أن لا يُخشى أحد سواه و أن لا تُطلَب النصرة إلا منه ..

و قد فهم سادة قريش هذا المعنى جيداً .. و عرفوا أن " لا إله إلا الله " تعني إنفلات الأمور منهم .. و ثورة العبيد عليهم .. و زوال سلطانهم الذي كانوا يستمدونه من آلهتهم ... و ذهاب أسواقهم و لعبهم و ميسرهم .. و كما أن المكيين في ذلك الزمان قد عبدوا آلهة بعدد أيام السنة .. فنحن الآن و للأسف لا نقل عنهم بل و قد نزيد .. فبعضنا قد إتخذ من الديموقراطية إلهاً و معبوداً يحلم بها ليل نهار .. و يكاد يسبح بها بعد صلاته .. و يختم بها مقالاته .. و يتقرب بها إلى الله تقرباً .. كما كان القرشيين يتقربون باللات و العزى إلى الله زلفا .. كيف لا و قد وقر في قلوبنا أن لا نصرة لنا إلا إذا إتخذنا من الديموقراطية سياسة لنا .. و لاحظ معي أن من معاني لا إله إلا الله .. أن لا تتخذ نصيراً سواه .. و أن لا ترجو و لا يكون لك أمل إلا في الله ..

و منا من إتخذ الإشتراكية إلهاً له و هذا بعثي و هذا قومي و آخر وطني و ذاك فرعوني .. ألخ .. و منا من أتخذ من الدول و ليس من الأنظمة آلهة .. فهذا روسي القبلة و هذا أمريكاني النزعة و ذاك صيني التوجه .. و آخر كوري شمالي المبتغى .. و خامس ماليزي الأنموذج .. و هناك من عبد الفلاسفة .. فهذا زرادتشي .. و ذاك مغند ( من غاندي ) .. و آخر مفلطن .. و هؤلاء مرسطنون أو مسقرطون .. و هكذا .. و لولا أن أصيبكم بالملل لعددت لكم أسماء أنظمة و دول و أشخاص بعدد أيام السنة ..

و قد يقال .. و لكننا لا نعبدهم .. نحن فقط نتخذهم نموذجاً للإصلاح .. و هذا في رأيي تبرير أسوأ من لو أننا قلنا أننا نعبدهم بالفعل صراحة .. قولاً و عملاً .. تصريحاً لا تلميحاً .. ذلك أنه لو أننا أقررنا بعبادتهم لأنتبه العوام إلى خطورة هذه المناهج التي أتُخذت آلهة من دون الله .. فمن ذا الذي يقبل بالشرك البواح ؟ .. و لكن كوننا أخفينا هذه العبادة و جعلناها مغلفة بتبريرات كالإصلاح و التغيير .. جعل من السهل إنقياد العامة وراء هذه الدعاوي .. فمن يكره الإصلاح أو التغيير ؟ .. خاصةً و هو يرى الفساد يحيط به في كل مجال ..

بل وتمادى البعض و منهم للأسف العلماء .. فقال إنهم يسعون عن طريق تطبيق الديموقراطية إلى تطبيق شرع الله .. و كأن شرع الله محتاج إلى وسطاء و أعوان و مناهج وضعية لكي يُطبق .. و كأن الله لم يقل "وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ " .. " وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ " .. لقد تركنا منهج الله .. و بحثنا عن مناهج من الشرق و الغرب .. ثم نفينا عن ربنا القدرة على ترسيخ منهجه .. و قلنا أن مناهج البشر هي التي ستعين نهج الله على الرسوخ .. فأي شرك ..و أي خداع من الشيطان ..

لقد رأى رسول الله في يد عمر بن الخطاب قصاصة من التوراة ... فغضب غضباً شديداً .. و قال له لو كان موسى حياً بيننا ما وسعه إلا أن يتبعني .. لم يسأله إن كانت هذه القصاصة محرفة أم أصيلة .. لم يعنيه ما بها .. بل إفترض أنها صحيحة ..و لكنه أنكر عليه أن يقتاد بما فيها .. موسى كليم الله .. لم يكن بوسعه إلا أن يتبع نهج الرسول محمد .. و نحن بحثنا عن فلاسفة الشرق و الغرب .. و إتخذنا منهم شبه آلهة .. تُرى ماذا كان سيكون رد فعله صلى الله عليه وسلم .. لو رآنا و نحن نتصارع بين الديمقراطية و الإشتراكية و تركنا منهجه ؟ ..

لذلك كله فيقيني أن حركة الإصلاح التي بدأها رسولنا محمد (ص ) .. كانت حركة سياسية و إن كانت مرجعيتها إلهية صرفة .. و السياسة لا تتناقض مع المرجعية الإلهية على أي حال .. فلقد أسس رسولنا الأمين .. حزب " لا إله إلا الله" .. لأول مرة في مكة .. و إنطلق يدعو لهذا الحزب بشعار أطلقه كما تطلقه الأحزاب السياسية الآن .. شعار " قولوا لا إله إلا الله تفلحوا" .. و قد كان حزب بالمعنى المتعارف عليه للأحزاب في أيامنا هذه .. و له أتباعه و ناصريه , و من ينفقون عليه .. و له أمينه و كتابه و المروجون لأفكاره .. و إجتماعاته التي كانت تدار في الخفاء .. في دار إبن الأرقم ..

أقول أنه كان حزب سياسي .. لأنه لو لم يكن كذلك ما حورب من سادة قريش .. لو بدأ الرسول دعوته بالصلاة و الصيام و الحج و العمرة و لم يتطرق إلى " لا إله إلا الله ".. لتركه سادة قريش هو و أتباعه في سلام .. يفعل ما يشاء .. و يصلي وقتما يريد .. تماماً كما تغض حكوماتنا الطرف عن جماعة التبليغ و الدعوة .. و مع إحترامنا و تقديرنا لمجهود هذه الجماعات .. إلا أنه ليس هذا هو وقت دعوة الناس إلى الصلاة و الصيام .. بينما لم يرسخ بعدُ في أذهانهم معنى "لا إله إلا الله "..

إن إيصال هذا المعنى إلى الناس قد تطلب من رسول الله ثلاثة عشر عاماً من الجهد .. بعضهم أقتنع بها من أول يوم .. و آخرون لم يقتنعوا بها إلا بعد سنين و سنين من الدعوة ... و لا أحسب أننا نعيها جيداً الآن .. لقد إتخذناها شعاراً .. لكنه شعار لم يصدقه العمل .. فأصبح شعاراً أجوفاً لا يحرك شيئاً فينا .. و لا يملي علينا سلوكياتنا و لا ولآءتنا ..

إذاً .. فالإصلاح قد بدأه نبينا محمد .. و نحن نعرف , دون أدنى شك , أن لا نبي بعده .. ولذلك فقد أعطانا الرسول الكريم .. الإشارة .. التي ستنقذنا وقت الأزمات .. يوم أن لا يكون هناك نبي ..و ليس هناك وحي يتنزل .. و لا صلة مباشرة بيننا و بين السماء .. و قت أن تعم الفتن و تختلط الأمور على الناس فلا يعودوا يعرفوا كيف و من أين يبدأ الإصلاح .. و تزوغ أعينهم شرقاً و غرباً .. فأعطانا الأمين على أمته هذه الإشارة حين قال .. أن العلماء ورثة الأنبياء ..

و لكن من هم هؤلاء العلماء .. و من هم الورثة .. و ماذا ورثوا ؟

هل هم أئمة المساجد ؟ .. هل هم خطباء الجمعة على المنابر ؟ .. هل هم الأساتذة في الكليات الدينية أو المدنية أو العسكرية ؟ .. هل هم أمراء جماعات التبليغ و الدعوة .. هل هم من يعطوا دروساً و محاضرات في الراديو و الفضائيات و الإنترنت ؟ ..أم هم المجاهدون في الجبال و الكهوف و الوديان .. أم ترى .. هل هم الفلاسفة ذوو التوجه الإسلامي ؟

الإجابة .. قد يكونوا أي من هؤلاء .. لكن أهم من التساؤل .. من هم ؟ .. أن نسأل .. ماذا يقولون للناس .. و ما هو منهج دعوتهم .. فالمسألة ليست مسألة شهادات .. و لا مناصب ..و لا عمم .. ولا رتب و لا شارات ...

و لكي نعرف إجابة السؤال السابق لا بد لنا من أن نعود مرة اخرى ..و أكرر .. مرة اخرى .. إلى قدوتنا في الإصلاح .. رسول الله .. و نحاول أن نقتبس من حياته لنعرف كيف كان منهجه في الدعوة و الإصلاح ؟ ... لأنه لا بد لهؤلاء الورثة إن أرادوا أن يرثوه و إن أرادوا الإصلاح .. لا بد لهم أن يحملوا نفس منهجه في الدعوة حتى يتحقق الإصلاح .. فالأنبياء لم يورثوا ديناراً و لا درهماً .. و إنما ورثوا العلم و الدعوة و الجهاد .. و كل ما يقتضي ذلك من سلوكيات ...

و منهج الرسول في الدعوة قد تركز في بدايته و تمحور حول .. " لا إله إلا الله " .. لا كونها كلمة تقال أو شعار رنان يتردد على الألسنة دون وعي .. و لكن كمنهج حياة بأكملها ... بكل ما تعنيه هذه الكلمة .. و أهم معانيها هو أن لا ترتضي بغيره حكماً و لا ناصحاً و لا شفيعاً و لا سنداً و لا ناصراً و لا وليّاً و لا معينا و لا صاحبا ..

و لو أحسن العلماء في إيصال هذا المعنى إلى الناس .. لو احسنوا .. لهزوا بهم و بها الأرض و ما فوقها من الجبال هزا .. و لأنتفضت كل قوى الأرض خوفا ..

ثم إنه لم يجلس في بيته و لا في مسجده .. منتظراً الناس أن يأتوا إليه لكي يبلغهم بتلك الدعوة .. بل إنه ذهب إليهم في دورهم و في أسواقهم .. بل وفي أماكن لهوهم و هم يشربون الخمر و يلعبون القمار .. يقول لهم " قولوا لا إله إلا الله تفلحوا " .. لم يقل لهم نادوا بالديموقراطية تفلحوا .. أو دعوا المكيين يحددوا من يكونوا السادة فينا .. و لم يقل لهم كونوا ليبراليين تسودوا .. ولم يقل لهم إتبعوا نهج فلان تسعدوا .. لا بل هي كلمة .. لا إله إلا الله ..

إذاً فالعالم ليس بالضرورة أن يكون حاملاً لشهادة أزهرية .. و لا أن يكون أستاذاً في كلية .. و لا يشترط أن يكون فيلسوفاً .. الرسول لم يكن أيِ من هؤلاء .. نحن لا نحتاج إلى فقهاء أو فلاسفة بقدر حاجتنا إلى علماء يعملون بما عملوا به .. نحتاج إلى علماء ينخرطون مع العامة من الناس .. يأكلون و يشربون معهم .. يسقوهم العلم و الإيمان سُقيا .. علماء يعملون أول ما يعملوا على أن يثبتوا في قلوب الناس و في وجدانهم أن " لا إله إلا الله " في كل ما يقولوه .. و متى ثبت هذا المعنى و وقر في الوجدان .. فلا بد أن تصدقه الجوارح و الأفعال .. و لكن قبل أن ينقلوا هذا المعنى .. لابد للعلماء أن يعوه هم أنفسهم .. لا بد أن يكون المعنى قد وصل في وجدانهم إلى درجة اليقين .. درجة حق اليقين .. لأنه بدون ذلك .. ففاقد الشيء لا يعطيه ..

إن هذه الكلمة ..كلمة لا آله إلا الله .. هي التي جعلت المكيين الذين غلف حياتهم الفساد و اللهو و العربدة .. جعلتهم يهجروا كل هذا و يتركوا أموالهم بل و أولادهم و عشيرتهم .. و يهاجروا إلى الحبشة ثم إلى المدينة .. لا من أجل حياة أفضل و لا من أجل تجارة و لا من أجل عقد عمل أو التوفير لشراء شقة .. و إنما من أجل أن يقولوا و يدعوا إلى لا إله إلا الله .. لقد كانت هذه الكلمة هي كل شيئ في حياتهم .. هي المأكل و المشرب و المأوى و حتى الملهى .. لقد كانوا يلهون عن لا إله إلا الله بلا إله إلا الله ...

هذه الكلمة هي التي جعلتهم يتحملون أقصى و أقسى صنوف العذاب .. و لا يثنيهم ذلك عن التوحيد .. و لم يفتهم أحد ..كما يفتينا من يطلق عليهم علماء الآن .. بأن يوالوا المشركين من أجل أن يتفادوا العذاب الأليم .. أو أن يخونوا دينهم و إخوانهم حتى لا يطلق عليهم طابور خامس في المكان الذي يعيشون فيه ...

و هذه الكلمة هي التي جعلت العبيد أنداداً لأسيادهم .. يتحدوهم و لا يسمعون كلامهم لو تعارض مع " لا إله إلا الله " .. فصار السيد عبد لعبده .. يكاد يرجوه أن يترك لا إله إلا الله .. حتى و إن كلفه ذلك أن يعتقه .. إنها كلمة لا يصل إلى معناها الحقيقي و مدلولاتها .. إلا من ضحى في سبيلها .. إلا من عذب لتحقيقها .. هذا هو من يعرف بحق ماذا تعني لا إله إلا الله ..فهذه الكلمة متى فهمت معناها .. عبرت بك حدود الدنيا .. و رفعتك لأعلى حتى لتكاد تنظر إلى الدنيا من فوق سبع سماوات .. و من رأى الدنيا من هذا المنظور ساد و علا ..

أما نحن .. فلم يكن لنا نصيب من هذه الكلمة .. سوى المعنى السطحي الظاهر لها .. و الذي يشير إلى أن الله واحد لا شريك له .. ثم توقفنا عند هذا الحد و لم نتجاوزه ... في حين أن كل معاني و مدلولات " لا إله إلا الله " .. تأتي بعد هذا المعنى السطحي الظاهر الذي توقفنا عنده ..

إذ لا معنى لأن أقول أن " لا إله إلا الله " .. ثم أوالي من يكفر به .. و لا معنى لأن أقول " لا إله إلا الله " .. ثم أطلب النصرة من غيره .. و لا معنى لأن اقول " لا إله إلا الله " .. ثم أترك شرعه و حكمه .. و لا معنى لأن أقول " لا إله إلا الله " .. ثم أشك في نهجه و أعول على نهج غيره ممن لا يؤمن به إلهاً فضلاً عن كونه لا إله غيره ..

معنى ذلك أننا لم نعرف ماذا تعني كلمة إله .. ناهيك عن معنى كلمة " الله " ...

إن العلماء هم مفتاح الإصلاح .. لو أردنا أن نتخذ من النموذج النبوي في الإصلاح نبراساً .. العلماء العاملون بعلمهم .. الذين يعيشون من أجل الدين في كل لحظة .. العلماء الذين لا ينتظرون أجراً لكي يوصلوا علمهم .. لأنه ينالوا أجورهم وقت ان يصل علمهم إلى الناس .. هذا هو ثوابهم في الدنيا .. و عند الله ثواب الآخرة ...

***

 

السلام عليكم 

أخى فى الله المجاهد فى سبيل الحق د- محمد عباس

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد

أحب أولا أن أحييك أشد من عضدك على محاولاتك لمحو أمية جيل مغيب

وأحب أن أعلمك كذلك أنى أنتمى فكريا إلى الإخوان المسلمين

ولكن الإخوان العظام من أمثال البنا وسيد ومحمد قطب وعبد القادر عودة وغيرهم

أما أمثال د- عصام العريان ود-عماره ود- القرضاوى ود-عبد المنعم أبو الفتوح

فأنصحك بأن تراجع نفسك فى مواقفك منهم وسأرسل لك مقالات متواضعه عنهم

ولك منى خالص الحب والتقدير

والسلام عليكم ورحمة الله

مواطن مصرى

***

-- al salam alykoum wa rahmet allah, i would like to ask where i can buy

your books from cairo, please you can reply me as soon, because i admire

your style for writing too much.

                                         best wishes

                                           A othman

 

*** أخي في الله : معظم كتبي موجودة على الشبكة العنكبوتية، وعلى موقعي على الشبكة( يمكن الوصول إليه من صفحة الشعب الرئيسية).. أما عن المكتبات فسوف تجد في كل كتاب من كتبي على الشبكة  دار النشر التي توزعه والمكتبة التي تبيعه.

 م ع

***

2.              بسم الله الرحمن الرحيم

سيدي الفاضل

لماذا تصمت.. لماذا توقفت عن الكتابة..

إننا بحاجه إلى من يضع حجر الأساس ثم يمضي , من غير ما يحسب هو كسب أبه و خسر أبه

و إيه النتيجة  وهل نجح و لا لاء , يضعه و يمضي فقط

إحنا محتاجين الناس دي

كل الدعوات في بدايتها كانت محتاجه الناس دي

اللي تحملوا مشاق  البداية

الناس دي اتسجنت

و اترفدت من شغلها

و بعدت عن أسرها

و بعد كل هذا ربما تحطمت دعوتهم و فشل مشروعهم كله

و ماله

و السابقون السابقون

أولئك المقربون

يكفي انهم سبقوا عند الله

احنا محتاجين الناس دي

الناس اللي متحطش في دماغها انها تشوف النصر

كل همهم ان يضعوا حجر الاساس

ان مجرد الرغبه في الانتصار و النجاح هوي

لا يجب ان يكون سعينا لهوي في نفوسنا

حتي لو كان هذا الهوي هو انتصار الاسلام

سيدي الفاضل

افرض إن كل الأحاديث النبوية  التي بين أيدينا تؤكد أن الإسلام سينهزم و لن تقومله قائمه أبدا

و أن كل من سيتمسك به سيذبح

هب هذا

هل معني هذا أن ندع العمل

و هل سعينا كان لرؤية الانتصار والنجاح

و قطف ثمار هذا السعي

هيه نضال كان عندها امل تشوف الانتصار

اذا كان انا اللي عندي 23 سنه ماعنديش الأمل ده

ما عنديش امل ان اعيش لحد ما اشوف اليوم ده

ما عنديش امل ان النصر ده هيتحقق بعد اربعين سنه كمان

يبقي نضال كان عندها الامل ده؟

هل تعلم قصة نضال؟

اخبرها ابنها انه ينوي ان يقوم بعمليه استشهاديه

كوت له القميص

و عطرته

و حطت بايدها المتفجرات حوالين وسطه

و باي باي يا حبيبي

بايباي يا ماما

بس

واحد من الاستشهاديين حدث معه خطأ في تركيب المتفجرات

فانفجرت فيه قبل ان يصل الي هدفه الذي حدده

و لم يسفر الانفجار الي عن مقتله هو فقط

لم يقتل و لا يهودي

الراجل ده راح فطيس؟

هو فشل في مهمته

لم يقتل و لا يهودي واحد

و لكن الله سيجازيه لانه لا يجازي تبعا لنتيجة ما حققناه

الفلاح الذي يزرع ليأكل أو لياكل غيره مما زرعه لن يضع الفسيله اذا قامت الساعة

اما الفلاح الذي يزرع لأنه أمر بهذا و انه يريد ان يأجر علي قيامه بأوامر الله

هو وحده الذي سيضع الفسيله اذا قامت الساعه

انها العقيده

لماذا اقوم بأي عمل في حياتي؟

لكي أؤجر عليه من الله و الله أمرني بهذا

ماذا سيفعل الله بهذا العمل ...لا شأن لي

و مش هيفرق معايا لأني اخذت اجري

و هذا هو هدف سعيي

انا لما بشوف واحده مش محجبه او يعني مظهرها و سلوكها مش اد كده

و اجي انصحها

مبدئيا كده

ايه اللي ممكن اتوقعه

انها تقفز من الفرحه

و تعانقني

و تقول لي شكرا

يالا بقي نروح نصلي ركعتين شكر لله

لأ طبعا

دي لو بنت ناس و اهلها عرفوا يربوها

هتقولي و انت مالك

دي لو بنت ناس

غير كده هتتديني علي دماغي

يعني اقبل ما انصحها متوقعه ان نتيجة عملي في احسن الاحوال هتكون ...و انت مالك

مش مشكله

لاني باعمل كده لأجازي علي اني امرت بالمعروف

فقط

فقط

هي تعمل اللي هيه عوزاه

مش هيأثر علي أجري

ان مشكلتك الأن يا أستاذي  ليست حالة الاحباط العام الذي نعيشه

لا

انها مشكلة النيه التي اختلطت بالهوي

يجب ان تجدد نيتك

و ان تكون النيه فقطططططط لكي تأجر

و ان تتخلص من الهوي  الذي خالط هذه النيه

ساعتها فقط

ستغرس الفسيله عند قيام الساعه

قبل حتي ان تفكر ان تصلي اخر صلاه في حياتك

او تدعوا

او تستغفر

ستغرسها فقط كما امر رسول الله -ص-

أستاذي الفاضل

أسفه للاثقال عليك  في عزلتك هذه

و لكني اريد ان أذكرك بشئ

" وذكر فان الذكري تنفع المؤمنين"

ان مثلنا كمثل نجار احضرته لاصلاح باب مثلا , و بمجرد قيامه بعمله يأخذ أجره

هل يضيره ان تقوم انت بتكسير الباب  بعد ان يتم اصلاحه

لا

الرجل اخذ اجره

و انت حر  مع ما تملك

نحن نؤدي عملا عرض الله عليه اجرا

ادينا العمل

اخذنا اجره

ماذا يضيرنا ان يقوم الله بهده لبنة لبنه بعد ذلك

لم نفعله الا لنؤجر

و قد اجرنا

هكذا بكل بساطه

كجندي يطيع قيادته في معركه

القياده تأمره

فينفذ

دون ان يناقشهم او يستفسر عن جدوي ذلك

لا شأن له

في بيعة العقبه سأل الصحابة رسول الله و ماذا  لنا ان فعلنا ماقلت

قال الجنه

الجنه فول ستوب

لم يقل التمكين و لا النصر و لا اي شئ أخر

رغم ان كل هذا تحقق

و لكنه و ضع لهم و لنا الهدف الذي نعمل من اجله

ليس النصر و لا التمكين

الهدف الجنه

هذا هو الهدف الذي نسعي من اجله و نسعي له

ماشي

المؤمن المعتكف في بيتهم في الجنه

و المؤمن اللي طلعت عينه علشان يعرف الناس دينهم و يوقظهم

برضه في الجنه

و لكن هل هذا مثل هذا

في اقوام في الجنه يترائون كما تترائي النجوم

مكانتهم كمكانة النجوم

التفاوت كبير

هيا يا سيدي جدد نيتك

ووجهها الي هدف واحد فقط

الدرجات العلا من الجنه

الا ان سلعة الله غاليه

الأجر الذي يعرضه الله علي من يريد أجرا

خلص نيتك يا سيدي  من كل ااشوائب  لتي علقت بها

الهوي الذي غلب عليها

العمل من اجل رؤية النصر هوي

ان لم يلح النصر تقاعسنا عن العمل

بل ان كانت الهزيمه مؤكده بحديث رسول الله نتقاعس عن العمل ؟

و هل كان عملنا لرؤية نصر ؟ و تحقيق نجاح؟

يا سيدي اخرج من عزلتك وواصل العمل

العمل لأن الله امرنا به

طمعا في الاجر الذي وعد به

فقطططططططططططط 

***

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته  :-

وبعد

اعتقلت القوات الأمريكية الرئيس صدام حسين  

وظهرت ردود الأفعال فى العالم الرسمية والغير رسمية 

منها المهين مثل موقف مصر ودول اخرى  ومنها الايجابى بعض الشىء مثل اليمن والاردن

الآن وبعد أن وقع مجاهد فى ايدى الكافرين يجب ان نتحرك لفك أسره وسمعت ان نقابة المحامين فى الاردن بدأت تطلب تشكل  محامين عرب للدفاع عن الرئيس صدام

لم أجد فى مصر شخص خرج ليناصر صدام حسين مع العلم ان العراق شاركت معانا فى حرب 73 وانا الكثير من المصريين  كانوا فى العراق وخير العراق لسه مازال فى مصر ؟

يا ترى ما هو السبب ؟ هل خوف ولا ايه ؟

وبعدين الاردن مش احسن مننا احنا لازم نعمل حاجة ندافع بيها عنه لانه مهما غلط فهو مسلم ومجاهد ووقع فى ايد كفار لا يرحموا المسلمين

وطبعا ايد لوحدها لا تفعل شىء

ياريت نعمل حاجة لاخ مسلم زينا فى محنة بعد ان كان عزيز قوم وياريت بسرعة قبل فوات الاوان واحنا معاكم  مادامت المصلحة واحدة  . وهى اعلاء وعزة كلمة الله ودين الله  وشكرا

والسلام عليكم

مواطن مسلم مصرى

***

الدين النصيحة 

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

إعلم رحمك الله أني أكتب هذه الرسالة إبتغاء وجه الله

أراك غير منضبطا بمنهج السلف مائلا عن الحق الي الخلف

أين طلبت العلم الشرعي؟

ما علمك بعقيدة أهل السنة و الجماعة ؟

ما علمك بمنهجهم في الإستنباط للأدلة الشرعية الذي تخالفهم فيه مائلا الي منهج الخوارج و المعتزلة

هل  تعمل بالكتاب و السنة علي فهم السلف الصالح أم ك سيد قطب الذي يفسر كلام رب العالمين بهواه و كثيرا ما تنقل عنه دون علم به ولا بعقيدته و توافقه في منهجه التكفيري؟

هل تدري ما هو منهج السلف في التعامل مع ولاة الأمور؟

ن كنت تعلم فهذا الذي تفعله مخالف لهم

و إن كنت لا تعلم فهذه طامة أن تتصدر و لم تتأهل

فلا يغرنك التشهير و يسول لك الشيطان بأن هذا من الجهاد بل هو من التثبيط

 

 *** للوهلة الأولى فكرت في عدم الرد عليك.. فقد وقر بخاطري أنك رجل أمن.. و إلا فكيف يمكن لشخص لا يعرف أن المضاف إليه مجرور  ولا يعرف قواعد الإملاء التي تدرس في التعليم الابتدائي  أن يتحدث عن الشهيد سيد قطب.. و أن ينتقده..

قلت لنفسي هذه سمات رجل أمن جاهل..

لكنني قلت لنفسي فلترد.. لا ردا عليه و إنما إفادة للقراء..

ولن يكون الرد ردي و إنما رد شيوخ أجلاء:

إذ يقول الشيخ  أبو محمد المقدسي حين سئل عن  سيد قطب رحمه الله ، وكان السؤال يقول: ( وفي الحقيقة حاولت جاهداً أن أجد لك رأياً في سيد قطب ، فلم أجد ، ولعلك ذكرت شيئاً عن هذا الأمر ، لكني لم أجد ذلك ... ومن المعروف أن أدعياء السلفية بشكل خاص ، يشنون هجوماً شديداً على هذا الرجل ، وأكثر ما في هجومهم باطل ، وتلفيق ، وإدعاء ، وتحميل الكلام ما لا يحتمل ، أو تفسيره بسوء نية ... ولا شك أن سيد قطب بشر يخطئ ويصيب ، وكثير مما كتبه وسطره بحكم أسلوب كتابته الأدبي ، قد يشكل سبباً في فهم البعض الخاطئ له ، أو تحميل كلامه ما لم يقصده ... وسؤالي ، هو أريد رأيك في هذا الرجل ، فإني أثق بك ، وجزاك الله خيراً ... وأرجو من الإخوة القائمين على الموقع إرسال الإجابة على بريدي ، بارك الله فيهم ...)

 

وكان من الجـواب

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

بالنسبة للشيخ المجاهد والكاتب الفاضل أستاذنا الكبير سيد قطب رحمه الله تعالى فإن من عجائب هذا الزمان الذي لا تنقضي عجائبه أن يسأل عن سيد أمثالي ويتكلم فيه جرحا أو تعديلا ، وهو الذي فارق هذه الدار مستعليا على زخرفها وحطامها وفتاتها الذي تهالك عليه وأخلد إليه أكثر الخلق ، ويبذله الطواغيت لأهلها المنقادين الخاضعين لهم ، وأبى هو رحمه الله أن يخط ببنانه الذي سطر به ظلال القرآن والتوحيد ؛ كلمات تعتق رقبته من الموت ، يلبس بها الحق بالباطل أو يقر بها حكم الطاغوت ؛ في الوقت الذي يسود فيه كثير من أهل زمانها وجوههم وصحائفهم ، ومنهم كثير من أولئك الطاعنين الذين أطالوا ألسنتهم فيه ؛ ما هو أحط من تلك الكلمات التي ترفع عنها رحمه الله ، ويطوعون دينهم ليل نهار للطواغيت ويبيعونه بثمن بخس دون أن يكرهوا أو يهددوا بالموت والإعدام ، بل يسارعون في ذلك كأنهم إلى نصب يوفضون ، فينحرون على عتباتهم التوحيد ، ويبذلون لهم دينهم قربانا وكبش فداء لحطام دنياهم الفاني .

***

ثم أضيف ردا آخر للشيخ الدكتور كمال المصري:

الأخ الكريم

حياك الله وبارك فيك..

نشكر لك طرحك هذا الموضوع الهام الذي اكتنفه كثير من اللبس والجدل، والذي نرى أنه من الصعب سبر غوره في إجابة استشارة، أو الاكتفاء بعرض رؤية واحدة والزعم أنها قد تكون وافية في معالجته، وذلك نظرا لطبيعة الموضوع ذاته.

ولذلك فإننا قد فتحنا الباب فيه للمناقشة والحوار، وسنعرض لمجموعة من آراء العلماء والمفكرين، عسى أن نستطيع أن نقدم شيئا في تجلية اللبس في هذه القضية، وتقديم شيء في محاولة فهم فكر صاحب الظلال رحمه الله، ونبدأ بمستشارنا الفاضل الدكتور كمال المصري، والذي أوردت جزءًا من كلامه في سؤالك.

 

يقول الدكتور كمال المصري:

أخي الكريم محمود؛

أشكرك جدًّا على طرحك لهذا الموضوع الجيد الذي أرى أنه يحتاج إلى توضيحٍ وإجلاءٍ شديدين.

والواقع هو أنني أنا من كتبت تلكم الكلمات التي نقلتها يا أخي محمود عن الأستاذ "سيد"، وما زلت أراها تتضح أكثر وأكثر ويزداد اقتناعي بها كلما ازددت قراءةً في ما كتب الأستاذ "سيد"، ولذلك سأكتب بعض التعليقات على مقولة تكفير الأستاذ "سيد" للمجتمع هذه، والتي أثارها عديدٌ من الناس بعضهم بحسن نية وبعضٌ آخر بسوء نية، ولكنني قبل أن أضع هذه التعليقات يجب أن أقرر بوضوحٍ شديدٍ ثلاث مسائل:

المسألة الأولى: أن الأستاذ "سيدًا" لا يعدو عن كونه بشرًا يصيب ويخطئ، ويُؤخَذ من كلامه ويُردُّ، وأنه لا معصوم إلا الحبيب صلى الله عليه وسلم، لذا ليس يعيبه أن يخطئ، بل يكفي المرء شرفًا أن تُعَد معايبه لقلتها وندرتها.

لذا عندما أضع تعليقاتي على مقولة التكفير هذه أنا لا أدافع عن الأستاذ "سيدٍ" لمجرد أنه لا يخطئ، بل لأنني أرى أنه لم يقل بهذا الرأي ولم يكن يعنيه بحال حتى عند حديثه عن الجاهلية والردة وغير ذلك، وهذا لا يعني أنه لا يخطئ، بل أرى أنه رحمه الله تعالى جانبه الصواب في مسائل أخرى كمسألة التجديد، وفهمه لمعنى الجهاد، وغير ذلك، وهي مسائل فقهية مرتبطة بالواقع الذي يعيش فيه المرء، والخلاف حولها قديمٌ بين العلماء.

كما أن ما سأستدل به لا يعفي من فهم من كتاباته التكفير من المسئولية عليه هو شخصيًّا لا على من قال كلامًا قد يُفهَم منه ذلك.

 

المسألة الثانية: أن نعرف ونفهم وندرك بوضوحٍ وجلاءٍ أن الأستاذ "سيدًا" رحمه الله تعالى "أديبٌ" وليس "بفقيهٍ ولا أصوليٍّ"، وما هو مطلوبٌ من "الأديب" ليس هو ذاته المطلوب من "الفقيه أو الأصوليّ"، وحين يكتب "الأديب" لا يكون محدَّدًا ودقيقًا وجازمًا في كلامه، ولا مطلوبٌ منه ذلك، بينما حينما يكتب "الفقيه أو الأصوليُّ" فلا مجال للبس في ما يكتب أو يستدل، بل يجب أن يكون واضحًا دقيقًا ومحدَّدًا، حتى لا يلتبس الفهم على أحد.

إننا إن فهمنا هذه الخلفية واستوعبناها جيِّدًا ندرك أن ما كتبه الأستاذ "سيد" كان كتابة أديبٍ يحمل في طيات كلماته المجاز والبلاغة وجمال العبارة وعدم المباشرة حتى وهو يكتب في "ظلال" القرآن الكريم وآياته، وحتى وهو يتطرق لمفاهيم ومصطلحات إسلامية.

وإن فهمنا هذه الخلفية واستوعبناها جيِّدًا كذلك نعرف أن نظرتنا لكتاباته على أنها آراء وأقوال صدرت من فقيهٍ أو أصوليٍّ، وتحميل هذه الأقوال بما تعارف عليه الفقهاء والأصوليون من محدداتٍ واصطلاحات كان خطأً كبيرًا أدى بنا إلى هذا الفهم الذي ما كان ليصلنا لو تعاملنا مع كتاباته تعاملاً سليمًا من البداية.

 

المسألة الثالثة: أن قضية اختلاف الرأي، ووجود الرأي والرأي الآخر، مسألةٌ أصيلةٌ علينا أن نقبلها ونتقبلها بصدرٍ رحبٍ، فليس معنى دفاعي عن وجهة نظري في كتابات الأستاذ "سيد"، ليس معنى هذا تجريحي أو طعني أو اتهامي لمن خالفني الرأي، وإنما هو وجهات نظرٍ، واختلافٌ في الرأي، من حقِّ كلِّ أحدٍ أن يرى ويكتب ما يقتنع به، مع حفظ الودِّ والاحترام بين جميع الأطراف، مع التأكيد على عدم رفض كلِّ ما يأتي من هذا الطرف أو ذاك لمجرد أنه من فلانٍ الذي خالفته في مسألةٍ ما، ويبقى لكلٍّ فضله ومكانته ومنزلته.

إن مساحة سعة الصدر عند الاختلاف يجب أن تتأكد وتتضح، ويبقى الودُّ هو الأصل والأساس.

 

وجب التنويه إلى هذه المسائل الثلاث كي تتوضح الرؤى، وحتى لا يساء فهم ما أكتب، أو يساء استخدامه.

 

أما تعليقاتي على مقولة تكفير الأستاذ "سيد" للمجتمع، فأرى أنها خاطئة نتجت عن سوء فهمٍ لما كتب، وعن عدم إدراك "أدبيته" لا "فقهيته"، وعن اجتزائها من سياق كتابات الأستاذ "سيد"، وعدم ربطها بأفعاله، فهو لم يكن يومًا مكفِّرًا للمجتمع بالصورة التي فهمها من فهمها هكذا، ودلائلي على ذلك متعددة ومتنوعة المشارب، وهي:

1- "الظلال" و"المعالم" بين "القارئين" و"المكفِّرين":

لقد قرأ "الظلال" و"المعالم" الملايين، ولكن كم منهم فهم منهج التكفير من هذه الكتب وتبنى هذا المنهج؟؟

"القطبيون" المكفِّرون الذين ظهروا متأثرين بهذا الفكر ظهروا نتيجةً لظروف التعذيب والإذلال التي رأوها في السجون، فوجدت أفهامهم في كلمات الأستاذ "سيد" ملاذًا لهم وحجةً لتعويض إحساسهم بالقهر الذين يرونه ليل نهار، وأفهامهم هذه كانت ستصل إلى نفس النقطة حتى ولم تكن كتابات الأستاذ "سيد" موجودة، لأنهم يريدون هذا، فليست المشكلة في كتابات الأستاذ "سيد"، وإنما المشكلة في الظروف التي أوصلتهم لما وصلوا إليه، ولو لم يجدوا كتابات الأستاذ "سيد" لبحثوا لهم عن كتابات وحججٍ أخرى.

أعود لتساؤلي السابق: لقد قرأ العالَمون "الظلال" و"المعالم"، فلِمَ لم يظهر منهج التكفير إلا من هذه الفئة القليلة؟؟؟

إن المشكلة في الظروف المحيطة وفي أفهام هؤلاء، وليست في ما كتب الأستاذ "سيد".

 

2- المكفِّرون وعدم اعتماده عندهم كمرجع:

بالمشاهدة والقراءة والمعرفة، تأكد لي أن الكيانات "التكفيرية" التي قامت في أوساط المسلمين لم يقم أيٌّ منها بالاستشهاد أو الاستدلال بكتابات الأستاذ "سيد"، بل إن عددًا من هذه الكيانات قد كفَّرته وأخرجته من ملة الإسلام، ولو كانت كلماته تعطيهم الحجة لما وصلت إليه أفهامهم من تكفير المسلمين، لما كانوا تراجعوا لحظةً عن الاستدلال والاستشهاد بها بدل تكفيره.

وحتى ادعاء عديدٌ من الكتَّاب أن شكري مصطفى قائد جماعة "التكفير والهجرة" -أو "جماعة المسلمين" كما كانت تسمي نفسها- كان منبع فهمه وفهم جماعته كتابات الأستاذ "سيد"، حتى هذا الادعاء هو ادعاءٌ باطلٌ، ولا أدلَّ على ذلك من نقلي لهذه الكلمات التي وردت في كتابٍ طرحته الجماعة الإسلامية في مصر ضمن إصداراتها لعام 1997م، تردُّ فيه على الشيخ الألباني وتؤكد فيه ما أقول، وهذا نصٌّ من هذا الكتاب:

"ثالثًا: وبعد بيان خطأ الكاتب فيما نسبه للجماعة الإسلامية، نحب أن نؤكد له ولغيره أن الجماعة الإسلامية تقدر الأستاذ سيد قطب رحمه الله أعظم التقدير، وله في قلوب أبنائها مكانة خاصة، بيد أن الجماعة لم تنسب منهجها إلى الظلال أو المعالم ولم تقل إنها أخذت فكرها منهما وإن كانت كثيراً ما تستشهد بأقواله رحمه الله باعتباره واحداً من دعاة الإسلام ورجاله المعدودين في هذا العصر .

إننا نؤكد أن الجماعة الإسلامية لم تكن يومًا من هؤلاء الذين نسبوا إلى الأستاذ سيد رحمه الله ما لم يقله وادعوا زورًا أنه في المعالم أو الظلال .

رابعًا: وإن الإنصاف ليقتضي هنا أن أبرئ ساحة الجماعة التي تسمي نفسها جماعة المسلمين من جزء مما نسبه إليها الكاتب، فإنه وإن كان شكري قد قال بكثير مما نسبه الكاتب إليه إلا أن المعروف أن شكري لم ينسب ذلك إلى الأستاذ سيد رحمه الله، وقد قرأ كاتب هذه السطور بعضًا من مخطوطات شكري -غفر الله له- وقابل الكثيرين من أتباعه وناقشهم، ويمكنني من خلال ذلك كله أن أقول إن شكري لم يكن يعتد بأقوال أحد من العلماء المتقدمين ولا المتأخرين، وكان يرى الحجة في القرآن والسنة وحدهما، وكان يرى أن معجمًا لغويًّا يكفي لفهم القرآن والسنة مع الاستعانة بأدلة الفطرة أو الأدلة العقلية، وما سيد قطب عند شكري إلا كغيره من الناس لا يعتد به ولا ينسب فهمه إليه، وقد يكون تأثر به في بداية سجنه، ولكن الحديث هنا ليس عن روافد شكري الفكرية، وإنما هو عن الأسس التي أقام عليها جماعته" انتهى من كتاب "وقفات مع الشيخ الألباني حول شريط (من منهج الخوارج)"- الطبعة الأولى- 1418هـ1997م- من إصدارات الجماعة الإسلامية بمصر.

 

ومع تذكيري بما أشار إليه هذا الكتاب من عدم اعتماد الجماعة الإسلامية أو شكري مصطفى كتابات الأستاذ "سيد" كمستندٍ لاعتقاداتهم، إلا أنني أحب التأكيد على عبارةٍ مهمةٍ وردت في هذا الكتاب، وهي قولهم: "إننا نؤكد أن الجماعة الإسلامية لم تكن يومًا من هؤلاء الذين نسبوا إلى الأستاذ سيد رحمه الله ما لم يقله وادعوا زورًا أنه في المعالم أو الظلال" فهنا نجد أن الجماعة الإسلامية نفسها وصفت من ادعى أن الأستاذ "سيدًا" كان يقول بتكفير المسلمين، وصفت ذلك بأنه زورٌ لم يقله الأستاذ "سيد"، ولم تحمل كتبه هذا الفهم، وأظن أن هذا من أهم وأدق الأدلة على ما نقول.

 

3- مقتطفات من "الظلال":

سأنقل هنا بعض مقتطفاتٍ من "في ظلال القرآن"، وهي على صنفين:

الأول: نقولات استدل بها القائلون بتكفيره للناس، وسأضعها في سياقها لإدراك معنى هذه الكتابات في سياقها وليس عبر اجتزائها.

الثاني: نقولات توضح نظرته للناس وللمجتمع، لتوضيح نظرته للناس، وضرورة الجمع بين مقولاته لفهم أفكاره وآرائه.

 

نقولات النوع الأول:

- "إنه ليس على وجه الأرض اليوم دولةٌ مسلمةٌ ولا مجتمعٌ مسلمٌ قاعدة التعامل فيه هي شريعة الله والفقه الإسلامي" (ظلال مقدمة سورة الحجر).

فنفيه الإسلام عن الدولة والمجتمع لم يكن نفيًا مطلقًا أو عامًّا، وإنما كان يتحدث عن معنى مقيَّدٍ واضحٍ هو عدم وجود دولةٍ أو مجتمعٍ يعتمد الشريعة كاملةً كمنهج حياةٍ والفقه الإسلاميَّ كمبدأ تحاكمٍ وقضاء.

 

- "إن هذا الكون بجملته لا يستقيم أمره ولا يصلح حاله، إلا أن يكون هناك إلهٌ واحدٌ، يدبِّر أمره و ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا).. وأظهر خصائص الألوهية بالقياس إلى البشرية تعبّد العبيد، والتشريع لهم في حياتهم، وإقامة الموازين لهم، فمن ادعى لنفسه شيئًا من هذا فقد ادعى لنفسه أظهر خصائص الألوهية، وأقام نفسه للناس إلهًا من دون الله.

وما يقع الفساد في الأرض كما يقع عندما تتعدد الآلهة في الأرض على هذا النحو، عندما يتعبد الناس الناس، عندما يدعي عبدٌ من العبيد أن له على الناس حق الطاعة لذاته، وأن له فيهم حق التشريع لذاته، وأن له كذلك حق إقامة القيم والموازين لذاته، فهذا هو ادعاء الألوهية ولو لم يقل كما قال فرعون: ( أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى)" (سورة آل عمران- ظلال الآيات 58- 64).

فحديثه هنا واضحٌ في مسألة اتخاذ الأرباب من دون الله تعالى، والتأله، والقيام بحق التشريع للبشرية، وهذه كلها لله تعالى وحده، وكلامه كله هنا عن هذا الذي قام بتعبيد الناس له، ولم يتحدث حرفًا واحدًا عن الناس الذين استعبدوا، ولم يتطرق لتكفيرهم.

 

نقولات النوع الثاني:

- "وقد بهتت صورة الزكاة في حسنا وحس الأجيال التعيسة من الأمة الإسلامية التي لم تشهد نظام الإسلام مطبقا في عالم الواقع؛ ولم تشهد هذا النظام يقوم على أساس التصور الإيماني والتربية الإيمانية والأخلاق الإيمانية فيصوغ النفس البشرية صياغة خاصة ثم يقيم لها النظام الذي تتنفس فيه تصوراتها الصحيحة وأخلاقها النظيفة وفضائلها العالية ويجعل الزكاة قاعدة هذا النظام في مقابل نظام الجاهلية الذي يقوم على القاعدة الربوية، ويجعل الحياة تنمو والاقتصاد يرتقي عن طريق الجهد الفردي أو التعاون البريء من الربا".

ثم يقول: "إن الله سبحانه يعد الذين يقيمون حياتهم على الإيمان والصلاح والعبادة والتعاون أن يحتفظ لهم بأجرهم عنده، ويعدهم بالأمن فلا يخافون، وبالسعادة فلا يحزنون، لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون، في الوقت الذي يوعد أكلة الربا والمجتمع الربوي بالمحق والسحق وبالتخبط والضلال وبالقلق والخوف.

وشهدت البشرية ذلك واقعًا في المجتمع المسلم؛ وتشهد اليوم هذا واقعًا كذلك في المجتمع الربوي، ولو كنا نملك أن نمسك بكل قلب غافلٍ فنهزه هزًّا عنيفا حتى يستيقظ لهذه الحقيقة الماثلة، ونمسك بكل عينٍ مغمضة فنفتح جفنيها على هذا الواقع، لو كنا نملك لفعلنا، ولكننا لا نملك إلا أن نشير إلى هذه الحقيقة، لعل الله أن يهدي البشرية المنكودة الطالع إليها والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن والهدى هدى الله" (سورة البقرة- ظلال الآية 177).

فالأستاذ "سيد" وصف الأمة اليوم بالأمة الإسلامية رغم أنه يراها أمةً تعيسة، غير أنه لم ينفِ عنها إسلامها، ثم ذكر بعد ذلك حرصه وحرقة قلبه وروحه على إيقاظها من غفلتها، ولو كان برى فيها كفرًا أكان يحترق قلبه عليها؟؟

 

- "وكانوا يدركون -أي العرب قبل الإسلام- أن الإسلام والإسلام وحده هو الذي جعل لهم رسالة يقدمونها للعالم، ونظرية للحياة البشرية، ومذهبًا مميزًا للحياة الإنسانية، والأمة لا توجد في الحقل الإنساني الكبير إلا برسالة ونظرية ومذهب تقدمه للبشرية لتدفع بالبشرية إلى الإمام، وقد كان الإسلام وتصوره للوجود ورأيه في الحياة وشريعته للمجتمع وتنظيمه للحياة البشرية ومنهجه المثالي الواقعي الإيجابي لإقامة نظام يسعد في ظله الإنسان، كان الإسلام بخصائصه هذه هو بطاقة الشخصية التي تقدم بها العرب للعالم فعرفهم واحترمهم وسلمهم القيادة، وهم اليوم وغدا لا يحملون إلا هذه البطاقة ليست لهم رسالة غيرها يتعرفون بها إلى العالم وهم إما أن يحملوها فتعرفهم البشرية وتكرمهم ; وإما أن ينبذوها فيعودوا هملا كما كانوا لا يعرفهم أحد ولا يعترف بهم أحد"

ثم قال: "إن الأرض تعج بالفلسفات والمذاهب والمناهج الأرضية وتشقى بها جميعا غاية الشقاء، ماذا إذن يقدمون للبشرية لتعرفهم به وتعترف لهم بالسبق والتفوق والامتياز؟ لا شيء إلا هذه الرسالة الكبيرة، لا شيء إلا هذا المنهج الفريد، لا شيء إلا هذه المنة التي اختارهم الله لها وأكرمهم بها وأنقذ بها البشرية كلها على أيديهم ذات يوم، والبشرية اليوم أحوج ما تكون إليها وهي تتردى في هاوية الشقاء والحيرة والقلق والإفلاس، إنها وحدها بطاقة الشخصية التي تقدموا بها قديما للبشرية فأحنت لها هامتها، والتي يمكن أن يقدموها لها اليوم فيكون فيها الخلاص والإنقاذ.

إن لكل أمة من الأمم الكبيرة رسالة، وأكبر أمة هي التي تحمل أكبر رسالة، وهي التي تقدم أكبر منهج، وهي التي تتفرد في الأرض بأرفع مذهب للحياة، والعرب يملكون هذه الرسالة وهم فيها أصلاء، وغيرهم من الشعوب هم شركاء فأي شيطان يا ترى يصرفهم عن هذا الرصيد الضخم؟ أي شيطان؟ لقد كانت المنة الإلهية على هذه الأمة بهذا الرسول وبهذه الرسالة عظيمة عظيمة، وما يمكن أن يصرفها عن هذه المنة إلا شيطان وهي مكلفة من ربها بمطاردة الشيطان" (سورة آل عمران- ظلال الآيات 159- 164).

فلو كان الأستاذ "سيد" يرى تكفير الأمة، أكان يجعلها مكلفةً من ربها بمطاردة الشيطان؟؟ أيكلف الله تعالى الكفار بمطاردة الشيطان؟؟؟!!!

 

هذا ما عنيته بالجمع بين كتاباته، فما وجدته يحمل معنى في مكان ستجد تفسير هذا المعنى في مكان آخر، فتحمل هذا على ذاك، وتفهم النصوص في سياقاتها الطبيعية.

 

4- مقتطفات من "أفراح الروح":

هذا الكتاب عبارة عن رسالة أرسلها الأستاذ "سيد" لأخته، ونشرت هذه الرسالة في كتابٍ عُنوِن بـ"أفراح الروح"، وهو رغم صغره وعدم شهرته إلا أنه يحمل في طياته فكرًا محبًّا للعالم والناس، يجعل من الصعوبة بمكانٍ أن يكون كاتب هذه الكلمات مكفِّرًا للناس والمجتمعات.

وهذه نبذة مما احتوته هذه الرسالة:

- "إننا نعيش لأنفسنا حياة مضاعفة' حينما نعيش للآخرين، وبقدر ما نضاعف إحساسنا بالآخرين، نضاعف إحساسنا بحياتنا، ونضاعف هذه الحياة ذاتها في النهاية!".

- "عندما نلمس الجانب الطيب في نفوس الناس، نجد أن هناك خيرا كثيرا قد لا تراه العيون أول وهلة!…

لقد جربت ذلك. جربته مع الكثيرين… حتى الذين يبدو في أول الأمر أنهم شريرون أو فقراء الشعور".

- "كم نمنح أنفسنا من الطمأنينة والراحة والسعادة، حين نمنح الآخرين عطفنا وحبنا وثقتنا، يوم تنمو في نفوسنا بذرة الحب والعطف والخير!".

- "حين نعتزل الناس لأننا نحس أننا أطهر منهم روحا، أو أطيب منهم قلبا، أو أرحب منهم نفسا، أو أذكى منهم عقلا، لا نكون قد صنعنا شيئا كبيرا… لقد اخترنا لأنفسنا أيسر السبيل وأقلها مؤونة!.

إن العظمة الحقيقية: أن نخالط هؤلاء الناس مشبعين بروح السماحة والعطف على ضعفهم ونقصهم وخطئهم وروح الرغبة الحقيقية في تطهيرهم وتثقيفهم ورفعهم إلى مستوانا بقدر ما نستطيع!".

- "بالتجربة عرفت أنه لا شيء في هذه الحياة يعدل ذلك الفرح الروحي الشفيف الذي نجده عندما نستطيع أن ندخل العزاء أو الرضا، الثقة أو الأمل أو الفرح إلى نفوس الآخرين!.

إنها لذة سماوية عجيبة ليست في شيء من هذه الأرض، إنها تجاوب العنصر السماوي الخالص في طبيعتنا، إنها لا تطلب لها جزاءً خارجيا، لأن جزاءها كاملا فيها!".

 

5- لماذا أعدموني؟

هذا الكتاب هو عبارة عن تجميعٍ لإفادات الأستاذ "سيد" عند التحقيق معه قبل الحكم لإعدامه، وهو من الأهمية بمكانٍ لأنه يُعتبَر آخر ما وصل إليه الأستاذ "سيد" من مفاهيم وآراء، وفي هذا الكتاب كلامٌ كثيرٌ عن منهجية التغيير عند سيد، وكيف رد مجموعة من الانقلابيين عن فكرهم الانقلابي.

وهذان نصَّان أنقلهما من هذا الكتاب:

- "ولابد إذن أن تبدأ الحركات الإسلامية من القاعدة: وهي إحياء مدلول العقيدة الإسلامية في القلوب والعقول، وتربية من يقبل هذه الدعوة وهذه المفهومات الصحيحة، تربية إسلامية صحيحة، وعدم إضاعة الوقت في الأحداث السياسية الجارية، وعدم محاولات فرض النظام الإسلامي عن طريق الاستيلاء على الحكم قبل أن تكون القاعدة المسلمة في المجتمعات هي التي تطلب النظام الإسلامي لأنها عرفته على حقيقته وتريد أن تحكم به".

فلو كان يرى كفر المجتمع لما كانت لديه مشكلة في أن تتم عملية التغيير بأي شكلٍّ وبأي خسائرٍّ من هؤلاء "الكفار" من أفراد المجتمع.

 

- "ويجب أن أقرر أن الإسلام شيءٌ أكبر من هذا كله.. إنه نظام حياة كاملة، وإنه لا يقوم إلا بتربية وتكوين للأفراد، وإلا بتحكيم شريعة الله في حياة الناس بعد تربيتهم تربية إسلامية، وإنه ليس مجرد أفكارٍ تُنشَر أو تذاع بدون الأخذ في تطبيقها عمليًّا في التربية أولاً، وفي نظام الحياة والحكم أخيراً".

فالمقصود هنا هو أن الإسلام نظام شامل وليس مجرد صلاة وصيام وحج، وما من مسلم بله أن يكون عالمًا إلا ويقول بذلك، وكل حديث الأستاذ "سيد" كان عن ضرورة أخذ الإسلام كله، وهذه هي عبارة النص عنده "كما يقول الأصوليون في طرق دلالة النصوص"، ولم يكن معنيًّا هنا الحديث عن تكفير الناس، وإنما فَهِمه الناس ضمنًا عبر مفهوم المخالفة، وهو فهمٌ لا يستقيم حين نبحث عن دلالة نصه وعن مقصده من ورائه.

أما من فهم ما فهم فهذا يرجع له ويُحمَل عليه، وليس على قائل الكلام، وقد أشرت سابقًا أن من فهم هذا الفهم إنما فهمه لظروف الحالة التي كان عليها، والتعذيب الذي كان يعيشه ليل نهار، فاتجه فكره لتكفير هؤلاء الظلمة المعذِّبين وللمجتمع الساكت عليهم، ويبقى فهمهم هذا لهم أو عليهم، ولا يحمَّل على قائله بحال.

 

6- نقولات من أقوال العلماء والشيوخ:

- الدكتور يوسف القرضاوي:

"الأستاذ سيد رحمه الله قال بجاهلية المجتمعات، ويعني بالمجتمعات الأنظمة الحاكمة التي لا تلتزم بشريعة الإسلام، وعدم الالتزام بشريعة الإسلام يمكن أن يفسر بترك الاحتكام أو بترك الالتزام، ترك الالتزام يعني الرفض، وهذا لا يُشكُّ في كفر من فعل هذا، ولذلك العلمانية الصريحة التي تقبل الإسلام عقيدةً وترفضه شريعةً هذا لا يُشكُّ في كفر من فعل ذلك وهذا الذي ينطبق عليه: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) فينطبق على من رفض الشريعة أساسًا" حلقة من برنامج "الشريعة والحياة" بتاريخ 21/1/2001.

فالشيخ القرضاوي هنا نفى تهمة تكفير المجتمع عن الأستاذ "سيد"، وذكر أن تكفيره كان للأنظمة الحاكمة، ثم أيَّد هذا التكفير بشكلٍ من الأشكال، ولا يعنينا هنا الحديث عن تكفير الحكام سواءً رفضنا هذا الرأي أو قبلناه، وإنما يعنينا محل الخلاف في المسألة وهو "تكفير المجتمع والناس".

وتأكيدًا لهذا المعنى، ولخوف الشيخ القرضاوي من أن يخطئ الناس الفهم، -لاحظوا أن يخطئ الناسُ الفهم لا أن يقول الأستاذ "سيد" بالتكفير- لخوف الشيخ القرضاوي حذر في نفس الحلقة من قراءة كتب الأستاذ "سيد" إلا للشباب المتمكنين الراسخين، فقال: "أنا لا أنصح إلا الشاب المتمكن الراسخ الذي يستطيع أن يقرأ لأي كاتب ولكنه لا يكون أسيرًا له، أنا أنصح الشباب إذا قرؤوا كتابًا لمؤلفٍ ما مهما كان قدره، سيد قطب على أعيننا ورؤوسنا، ونقول عنه الشهيد سيد قطب لأنه مهما كان قُتل مظلومًا، ولكن أقول إذا قرأ الإنسان لسيد قطب، وقرأ لغيره، لابد أن يقرأ وعنده أصولٌ راسخةٌ يرجع إليها، ويُأَوِّل بعض كلامه الذي يمكن أن يُأَوَّل، وإذا لم يستطع أن يُأَوِّل يرفضه، لأنه سيد قطب ليس معصومًا، سيد قطب بشر".

وهذا عين ما نعنيه هنا، غير أنني أرى إمكانية التأويل، وأظن أن نقولاتي واستدلالاتي السابقة تؤيد ذلك وتؤكده.

 

- الشيخ سلمان العودة:

"وبنى بعض هؤلاء على هذه القراءة الحرفية الضيقة تكفير الناس كافة، أو التوقف بشأنهم أو الهجرة من ديارهم... إلى أين؟ لا أدري!

وبنى آخرون عليها فكرة الانفصال عن المجتمعات وترك العمل فيها واعتزالها، وفهمت كلمة سيد -رحمه الله- عن (العزلة الشعورية) بتكثيفٍ قويٍّ، وترميزٍ شديدٍ، جعلها بؤرة العمل والانطلاق.

والحق أن القراءة الحرفية الظاهرية لتراث كاتبٍ ما، ليست أمرًا خاصًّا وقع مع سيد قطب رحمه الله وحده، لكنها مشكلة تراثية يعاد إنتاجها الآن مع عدد كبير من رموز العلم والفقه والدعوة والاجتهاد، من المتقدمين والمعاصرين".

واستشهد فضيلته بأمثلةٍ ثم قال: "وكلما كان العالِم أوسع انتشارًا، وأكثر أتباعًا، وأوغل في الرمزية -لأي سببٍ- كان الأمر بالنسبة له أشد، وكانت المشكلة أظهر، لكنها تخف تدريجيًّا بتقدم الزمن، ولو من بعض الوجوه.

هذه ليست مشكلة العالِم أو المفكر، بقدر ما هي مشكلة القارئ أو المتلقي؛ وأيًّا ما كانت فهي مما يحتاج إلى بحثٍ ودراسة، وقديمًا كان علي رضي الله عنه يقول قولته المشهورة: "يهلك فيَّ رجلان: غالٍ وجافٍ".

والخلاصة: أن سيد قطب وغيره من أهل العلم يؤخذ من قولهم ويترك، ويصيبون ويخطئون، ويُردُّون ويُردُّ عليهم، وهم إن شاء الله بين أجرٍ وأجرين، ولئن حُرِموا أجر المصيب في عشر مسائل، أو مائة مسألة فلعلهم -بإذن الله- ألا يحرموا أجر المجتهد" انتهى من مقالةٍ بعنوان "رأيي في سيد قطب" للشيخ سلمان العودة.

 

ما أود التنبيه إليه هنا هو مسألة القراءة الحرفية الظاهرية للكلام التي أشار إليها الشيخ سلمان العودة، والتي أظن أنها السبب الرئيسي لما التبس من فهم لكتابات الأستاذ "سيد" في أذهان الناس.

وختامًا.. يهمني أن أذكر أنه قد حدثني من أثق أنه سمع ممن عايش الأستاذ "سيدًا" أنه سئل هل يرى تكفير المجتمع، فكانت إجابته بالنفي القاطع لذلك واستغرابه ممن قال بذلك أو فهم هذا من كتاباته.. ولعلها شهادةٌ تنهي الخلاف في هذه القضية.

أخيرًا..

هذا ما أراه.. وهذا ما أدين به نحو هذا الرجل "الأستاذ سيد".. ليس تقديسًا له ولا عصمًا من الخطأ، ولكن لأنني عشت في ظلال كلماته طويلاً، فوجدت أن من واجبي أن أقول فيه كلمةً رأيت من وجهة نظري أنها الصواب، مع اعتقادي الكامل بحرية اختلاف الآراء، وتعدد وجهات النظر، ولكلِّ إنسانٍ ما يراه.

اللهم ارزقنا الإخلاص والفهم.. واغفر لنا ولعلمائنا ولمعلِّمينا.. واحفظ أمتنا من الزلل والخطأ.. آمين.

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

-           الأمة على شفا حرب أهلية

-           سلطة غاصبة فاجرة .. ونخبة داعرة  كافرة.. وأمة ضائعة  حائرة..

1.              بقلم د محمد عباس

12/11/2003

هل ضاع منك عقلك يا أمة..

أم هان عليكم دينكم يا ناس..

كيف انتظرتم .. وكيف صمتّم حتى وصل بنا الحال إلى هذا المآل..

كيف انتظرتم  إلى الحال التي وصفها لنا الشيخ سيد قطب سيد شهداء زماننا – ولا أزكيه على الله.. إنما أحسبه كذلك-  في كتابه معالم في الطريق حيث كتب يقول: تقف البشرية اليوم على حافة الهاوية .. لا بسبب التهديد بالفناء المعلق على رأسها .. فهذا عَرَضٌ للمرض وليس هو المرض .. ولكن سبب إفلاسها في عالم " القيم " التي يمكن أن تنمو الحياة الإنسانية في ظلالها نموًا سليمًا وتترقى ترقيًا صحيحًا . وهذا واضح كل الوضوح في العالم الغربي ، الذي لم يعد لديه ما يعطيه للبشرية من " القيم " ، بل الذي لم يعد لديه ما يُقنع ضميره باستحقاقه للوجود.

***

كيف انتظرتم يا ناس  .. وكيف صمتّ يا أمة حتى وصل بنا الحال إلى هذا المآل..

كان قليلا من المقاومة للهجمة الشرسة كفيلا بالقضاء عليها في البداية..

الآن وقد تداخلت الصفوف وعلا الغبار كيف نميز وكيف ندافع..

الآن يبدو وقد تكاثرت قطعان الخونة فينا أن الأمر لن يحسمه إلا حرب أهلية..

فلماذا تركت الحال يا أمة حتى نصل إلى هذا المآل؟!..

المآل الذي وصلت إليه مصر منذ بضعة آلاف عام مع غزو الهكسوس.. وكلنا الآن يعرف اسم وتاريخ المعارك التي نشبت لطردهم من بلادنا.. لكن لا أحد يعرف اسم المعركة التي انتصروا فيها علينا.. ذلك أنه لم تكن هناك معركة.. و إنما أخذوا يتسربون إلى بلادنا يوما بعد يوم وعاما بعد عام.. في ظل حكم عاجز خائن مهترئ من نوع ما نحكم به الآن.. أخذوا يتسللون إلينا عبر عشرات العقود.. حتى اقترب عددهم في النهاية من عدد الشعب المصري ويقال أنه فاقه( بعض المصادر تذكر أن عددهم وصل إلى ثلاثة ملايين).. ولم يكونوا يحتاجون إلى حرب للاستيلاء على الوطن.. لقد أصبح الصباح فإذا هم قد وثبوا على عرش مصر دون قتال.. وقد استولوا على كل مقدراتها.. تماما كما يحدث الآن..

***

يرى الكثير من المؤرخين أن الهكسوس هم أبناء عمومة بني إسرائيل.. ويرى بعضهم أنهم هم بأنفسهم بنو إسرائيل..

***

الآن أرى أن الهكسوس الجدد هم أعداء الأمة الخارجون على دينها من بقايا شيوعيين وحثالة يساريين ونفايات قوميين ونجس مستغربين..

***

جيش الخائن الذي اعتبره لويس عوض وفاروق حسني وجابر عصفور رائد التنوير الأول ..  جيش الخائن المعلم يعقوب..  تناسل وتكاثر حتى أعطى لنا بعد قرنين جيشا عرمرما من الخونة يوشك أن يسيطر على الأمة..

وكتيبة  العاهرات التي استدعاها نابليون تحت ستار الفن ما زالت تمارس الدعارة والتحرير تحت نفس الستار.. ورائدات تحرير المرأة المشهورات الأربع كلهن كن فاشلات ثم مطلقات و داعرات وثلاث منهن انتهين منتحرات .. والرابعة يشتبه فيها.. وهذا هو المثل الأعلى للمرأة عندهم..

أما المماليك الذين أمر بهم نابليون أن يبعثوا إلى فرنسا كي ينبهروا بها فما يزالون منبهرين.. وما يزالون مماليك ..

***

فكيف سكتنا على كل ذلك..

هل ضاع منك عقلك يا أمة..

أم هان عليكم دينكم يا ناس..

كيف انتظرتم .. وكيف صمتّم حتى وصل بنا الحال إلى هذا المآل..

الحال الذي لم يعد الأمر فيه أمر خائن نقتله فيعتدل الأمر.. ولا مجموعة من الجواسيس – تولوا أعلى مناصب الدولة – نلقي القبض عليهم ونحاكمهم ونعدمهم بالرصاص أو المشانق أو الخازوق لتنتهي المأساة..

كيف انتهى بنا الحال إلى مآل لا يمكن حله إلا بحرب بيننا وبين أقوام من جلدتنا كيف انتظرتم .. وكيف صمتّم حتى وصل بنا الحال إلى هذا المآل..

عن ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال:

"إن اللّه تعالى قال: لقد خلقت خلقا ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم أمر من الصبر، فبي حلفت لأتيحنهم فتنة تدع الحليم منهم حيرانا، فبي يغترون أم علي يجترئون". ‏سنن الترمذي..

***

كيف انتظرنا إلى أن وصلنا للحال التي تجعل مسخا بشريا من القيادات الكردية في العراق يقول:  «متى نعيد لمحمد أوراقه الصفراء التي أتى بها على جمل أجرب» .. ( السبيل الأردنية 6-1-2004)

الخنزير الأجرب الذي قال ذلك هو طالباني الأكراد في العراق..

قال ذلك فلم يقتص منه أحد ( أيليق ذلك يا أحفاد صلاح الدين)..

فإذا أردنا أن نصمه بالكفر وهو حكم فقهي صحيح – حتى دون استتابة- خرجت علينا كلاب العلمانية واليسار والتغريب تنبح..

فقاعدتهم الفكرية الآن تقضي بجواز تكفير كل مسلم ومنع تكفير كل كافر..!!..

قاعدتهم الفقهية تقضي بذلك على مذاهبهم الأربعة: بوش وبلير وشارون وماركس!!..

فكيف سكتت الأمة إلى أن وصل بها الحال إلى هذا الحال..

وليس ما قاله هذا الخنزير الأجرب غريبا ولا جديدا..

سلمان رشدي وتسليمة نسرين أيضا يقولان مثله..

خليل عبد الكريم وسيد القمني يقول أسوأ و إن كان بشيء من الدهاء..

نصر حامد أبو زيد يقول ذلك بكثير من الجهل..

وعشرات ومئات و ألوف..

والأمة صامتة وعقيدتها تستباح..

***

كان الكفر في البداية يتمثل في آحاد يمكن حصرهم و حصارهم..

الآن حاصرونا..

وفي الوقت الذي يعود فيه كلاب النار في الغرب إلى تدين شيطاني محرف فنرى كبيرهم بوش يتحدث عن الخلاص المسيحي والحرب الصليبية ضد المسلمين لا نرى حاكما عربيا واحدا يجرؤ على مواجهة الحملة الصليبية على الإسلام.

والحرب واضحة بينة جلية..

نضع رؤوسنا في الرمال كيلا نراها..

فتلك الحثالات البشرية تري - بمنتهى الوضوح والصراحة – أن القرآن  ( أستغفر الله العظيم ) مجرد كتاب بدوي متخلف ادعاه من ادعى النبوة.. أما الحقيقة فهي أنه لا قرآن ولا حديث ولا نبي و لا إله..

ينظرون إلينا كما ننظر نحن إلى عبدة البقر في الهند..

وفي مؤتمر للأديان  عقد مؤخرا – لست أدري والله لماذا – كتب الشيخ يوسف القرضاوي في مشروع البيان  يتحدث عن الأديان السماوية الثلاثة.. فإذا بالكار يواجهونه أن الأديان السماوية دينان فقط.. أما دين الإسلام فيلحق بأشباهه: البوذية والكونفشيوسية والسيخ..

وقد يكون هذا متوقعا من الغرب.. فهم منذ البداية لا يؤمنون بديننا ولا بأنه دين سماوي .. لكن الذي تغمض الأمة عينها عنه هو أن هذه الفكرة كاملة قد أصبحت عقيدة النخبة الكافرة الفاسقة المتحكمة في بلادنا.. النخبة التي لم تكن تصل إلى ما وصلت إليه من سيطرة على مقدرات الأمة إلا بتدخل مباشر من الأجنبي الكافر.

***

في صفحة الفكر القومي بصحيفة  السفير اللبنانية وبتاريخ  3-8-2003 م يكشف  المفكر الشيوعي المصري: محمد سيد أحمد  ( وهو واحد من أقل الشيوعيين المصريين خيانة وسوءا- أعني أنه من أفضلهم)  يكشف الكثير من النقاط الموحية.. في مقال من ثلاث حلقات بعنوان "الشيوعيون المصريون وثورة يوليو ".. وفيه يقول:

"ما أعلمه أن جميع الشيوعيين قد أفرج عنهم من السجون والمعتقلات، ودونما نظر إلى الأحكام التي صدرت في حقهم، قبيل وصول خروتشوف بالباخرة إلى الإسكندرية لافتتاح السد العالي في أغسطس 1964...(...)  ثم أعلن أن أغلب القيادات الشيوعية قد ضُمت إلى التنظيم الطليعي ، وهو التنظيم السري الذي أنشأه عبد الناصر في قلب الاتحاد الاشتراكي. وهذا كله ينمُّ عن أن حل الحزب قد أنجز نتيجة اتفاق جرى بين قيادة الجانبين السوفياتي والمصري على أعلى مستوى. (...) إن هذا هو الذي يدعوني إلى الجزم بأن حل الحزب كان يقتضي اتفاقا كان خروتشوف شخصيا طرفا فيه. (...)  وبالفعل تحسنت العلاقات بين النظام الناصري والماركسيين المصريين بشكل ملموس بعد حل الحزب. وأصبحت مجلة الطليعة  لسان حال هذه المصالحة. وأصبح الشيوعيون يستعان بهم في الإعلام، وفي الاتصالات الدولية، وفي الصحافة والإذاعة، وفي مواقع كثيرة .."

ويصل محمد سيد أحمد إلى أهم نقطة في مقاله .. وبالطبع هو لا يعنيها بل لا يدرك أنه يكشف عفن خيانة قد طالت.. إذ أنه يكشف في الفقرات التالية كيف أن الشيوعيين المصريين قد بدءوا حياتهم صبيانا لليهود وعملاء لهم.. و أنهم ينهونها الآن كذلك .. وأن الأمر لم يقتصر كما حذرنا دائما على خيانة الله بل تعداه إلى خيانة الوطن أيضا..

يقول محمد سيد أحمد:

"إن البعض ممن كرسوا حياتهم للتجربة ( الشيوعية) قد يتجه حنينهم وأكاد أقول ولاؤهم إلى المرحلة الأولى في تاريخ الحركة الشيوعية، المرحلة التي كان للقيادات اليهودية فيها دور بارز، ليكون لهم تفهم لمتطلبات عملية السلام مع إسرائيل .."..

لاحظوا يا قراء أن الذي يقول هذا هو محمد سيد احمد .. الشيوعي..!!

و أضيفوا عليه يا قراء ما اكتشف الآن بعد فتح – أو فضح .. فالمعني واحد – صفحات وثائق المخابرات الأمريكية والتي أظهرت لنا على سبيل المثال أن الكاتب الشيوعي  الشهير آرنست هيمنجواي كان عميلا حقيرا للمخابرات الأمريكية فقد كان يجند العملاء لها مقابل ثلاثين جنيها للعميل.. كما فضحت الوثائق أيضا أن المخابرات الأمريكية كانت ممولا رئيسيا للحركات الشيوعية في العالم العربي.. أما الأمر الآن فهو أكثر افتضاحا من أن يحتاج إلى أي دليل.. وانظروا إلى المنظمات المفضوحة – وليس المشبوهة – للمجتمع المدني ( وهو الاسم البديل للعلمانية بعد أن افتضح معناها).. وانظروا إلى عصابة الأربعة من الشيوعيين الأقحاح الذين استلوا واستغلوا ( بفتح التاء وضمها ) وكان الثمن ملايين نقلتهم من المعدمين إلى مليونيرات..  وكان الثمن هو الحرب على الإسلام .. فهم عملاء أي نظام وأي جهة مادام هذا النظام أو هذه الجهة عدوة للإسلام..!!..

انظروا أيضا إلى زعيم الشيوعيين في مصر والذي نشرت الأهرام ذات يوم خبر عمالته للمخابرات الروسية.. انظروا تكالبه الآن على أمريكا وتقريب السلطة له..

وانظروا أيضا إلى الشيوعيين في العراق.. فهم هناك كما هم في كل مكان آخر.. أقذر العملاء و أشدهم خسة.. و أشدهم اقترابا إلى أمريكا و إسرائيل.. لذلك تسلط السلطة في بلادنا الأضواء عليهم.. لا لأنهم يشكلون أي وزن.. بل لأنهم يجسدون كثيرا من الخسة والكفر والخيانة .. وهي صفات مطلوبة للقضاء على الأمة..

***

كانت المؤامرة هائلة ومديدة .. و أنت صامتة يا أمة..

وكانت الحثالات المجرمة تتكاثر كالذباب وتحاصرك يا أمة..

هجرت الإسلام وتركته و أنكرته وراحت تطالب بفصله عن الدنيا.. وما كانت تفعل ذلك حيادا بين الدين والدنيا ( وهو معني لا يصح في الإسلام أبدا إلا إذا صح سؤال غبي يقول: ما هو الذي يروي العطش في الماء: الأكسيجين أم الهيدروجين؟!) ولم تكن تفعل ذلك عداء لعموم الدين.. بل كان العداء للإسلام وحده.. لقد تربوا على الفكر الغربي 0 وما الشيوعية والماركسية إلا أجزاء منه.. فنشأ قلبهم مسيحيا وعقلهم ملحدا و ثقافتهم وثنية..

***

لماذا سكت يا أمة وهذه الكلاب المسعورة والخنازير المأجورة تحاصرك يوما بعد يوم.. وتخدع أهلك يوما بعد يوم وتضللهم.. وتقودهم بعد التضليل إلى هلاكهم.. كقطيع يندفع إلى المجزرة وهو فرح بها نشوان..

***

ربما بعد هذا الاستطراد كنت أستطيع أن أشرح لبعض أبنائي كثيرا من المواقف التي صدمتهم.. ولو فهموا كيف سارت الأمور لما صُدموا..

نعم..

لو فهموها لما صدموا – على سبيل المثال - في مواقف كموقف أسامة أنور عكاشة الأخير من تأييده لبقاء الأمريكيين في العراق والاستفادة وتعلم الديموقراطية منهم وهجومه على الإرهابيين الذين ينظمون المقاومة فهم جيش الظلاميين والمتخلفين من أمثال عدي وبن لادن ( صحيفة الوفد 7 فبراير).

من الناحية الفكرية فإن أسامة أنور عكاشة صعلوك لا يؤبه له.. وربما يجيد كتابة بعض المسلسلات التليفزيونية لكننا لا نستطيع التمييز بين الجزء غير المغشوش من موهبته والجزء المغشوش.. الجزء المغشوش الذي يستخدم في تصنيعه وتسويقه كنجم.. الجزء المغشوش الذي لا يقتصر عليه.. بل أصبح سمة عامة غالبة لكل من يعادي الإسلام.. فبعضهم – كنصر حامد أبو زيد – كان يجب أن يفصل من الجامعة لجهله لا لكفره.. والبعض الآخر كان يجب تحويله إلى الجهات الرقابية ومصلحة كشف التزييف لفحص شهادات الدكتوراه التي حصلوا عليها كغالي شكري وسيد القمني..

نعود إلى مسلسلات عكاشة.. وسوف نجد أن الخط الرئيسي فيها هو العداء للإسلام وجعله دائما قرينا للظلامية والجهل والتخلف ( نفس الموقف السفيه للممثل المبتذل عادل إمام).

هذا الموقف من الدين وليس أي شئ آخر هو السبب في تلميع عكاشة وتقديمه كنجم.. ولو كان أعظم مؤلف في العالم لكنه مسلم لطمسوه أو قتلوه .. ولو كان أعظم مؤلف في العالم.. وكان غير مسلم .. لكنه لا يشارك في الحملة على الإسلام لتجاهلوه و أنكروه..

***

المضحك أن عكاشة في مقاله ذاك في صحيفة الوفد يزدهي بجرأته وشجاعته في المجاهرة برأيه..

والرجل لم يجاهر برأي ولكن بخيانة وفاحشة..

وبدلا من أن يقول للمقاومة العراقية البطلة : اقتلوا الأمريكان في بلادكم حيث ثقفتموهم.. اقتلوهم في قتلهم حياة للأمة.. اقتلوهم فأنتم لا تدافعون عن العراق وحده بل عن المسلمين جميعا .. والمسلمون في أربعة أركان العالم تخفق قلوبهم بالدعاء لكم.. ويظل كل يوم عنهم مكفهرا وكئيبا حتي يعلموا بقتل خنزير أمريكي.. مدركين أن كل خنزير يتم الإعلان عن قتله يعني مقتل عشرة خنازير في الواقع..

بدلا من أن يحييهم وهو مجلل بعار السلبية وخزي العجز إذا به ينتقدهم ويهاجمهم..

ولست أدري لم احتاج إلى الجرأة كي يجاهر برأي تمول المخابرات الأمريكية من يبديه.. وتكرمه مؤسسات الغرب وتفيض عليه جوائزها.. ويعضده الاتحاد الأوروبي .. ثم أن هذا الموقف لا يواجه أي معارضة رسمية في الداخل .. بل هو يلقي التأييد الكامل من السلطة.. تأييدا  كتأييد القواد للداعرة.. فهما شركاء في ذات المصلحة ونفس الصفقة.. صفقة بيع الدين والشرف..

وليس لمثل هذه المواقف من أعداء سوي عدو واحد: الإسلام..!!

والإسلام في بلادنا إما محاصر و إما سجين..

***

نفس الموقف وادعاء الجرأة اتخذته صحيفة قومية تعطيها الحكومة – العميلة لأمريكا -  أوسع  مساحة ممكنة للمعارضة المصنوعة كي تكون بديلا عن الإسلام.. هذه الصحيفة راحت تفخر بأنها الصحيفة الوحيدة في العالم العربي التي تتحدى وتنشر حوارا مع نصر حامد أبو زيد..

تتحدى من؟..

تتحدى الله؟!..

ليس هناك سوى الله  من تتحداه لأن الآخرين جميعا من أول الــ CIA  وحتى الموساد وجميع ما بينهم من كفار و أشرار وخونة وحثالة وسفلة و مأجورين  ومخدوعين  يرحبون بنصر حامد أبو زيد.. الكافر المرتد بحكم محكمة النقض التي تستمد  قوانينها من قانون نابليون!!.. وبرغم أن الحكم قد صدر من أعلى محكمة مصرية فقد رفضت السلطة تنفيذه..

ليس هناك سوى الله من تتحداه تلك الصحيفة .. أما الآخرون جميعا فسوف يجزلون لها العطاء وكوبونات النفط الذي تسرقه أمريكا من العراق..

***

تبدأ الصحيفة أخزاها الله فضيحتها بالقول:

" قد يقول قائل إن الفكر الحر والنقدي محكوم عليه أن يبقي نخبوياً،. لكن المصيبة الكبرى أن عناصر التخلف والتقليد الأعمي واللاعقلانية صارت اليوم ثقافة تليفزيونية جامعة يروج لها في أوساط الملايين أشخاص من أمثال الداعية عمرو خالد، ومن قبله الشيخ محمد متولي الشعراوي؛ هذا في الوقت الذي تغلق فيه أبواب المؤسسات الأكاديمية العربية، وعلي رأسها الجامعة المصرية، في وجه آخر ممثلي تيار النهضة العربية .الذي بدأ بالشيخ محمد عبده وطه حسين، ولا يجب أن ينتهي مع نصر حامد أبو زيد. لكن هذا الأخير لم يحرم فقط من بلده وأهله ومنصبه الأكاديمي، لكنه حرم أيضا من طلابه ومنع، زوراً وبهتاناً، من أن يزرع في عقول الأجيال الجديدة الفكر النقدي العقلاني الذي أخذه عمن سبقوه وطوره، والذي بدونه لا قيامة للعرب وللمسلمين من سباتهم الطويل."..

لعنهم الله جميعا..

لعنهم الله..

***

أذكر القراء فقط.. بأن واحدا من هذا القطيع الذي رفع قبل ذلك لواء القومية  وهو أحمد عبد المعطى حجازي قد وقف في معرض الكتاب يطالب بوقف جميع برامج ومقالات الدكتور زغلول النجار لأنها كفيلة بتدمير جهد ثلاث وزارات للثقافة لا وزارة واحدة..

ولو استطعنا أن نفهم ولو بمنطق الشيطان الموقف من الشيخ شعراوي والأستاذ عمرو خالد فكيف نستطيع أن نفهم موقف هذا الرويبضة يطالب بمنع العلم؟.. علم عميق وصعب لا يتحدث إلا بالدليل والبرهان..

ألم أقل لكم..

حكومات فاجرة .. ونخبة كافرة..

نعود إلى الصحيفة..

***

لم تتطرق هذه الصحيفة.. ولا أي كلب من كلاب النار تطرق إلى الأسباب الحقيقية الكاملة لقضية الكافر المرتد نصر حامد أبو زيد ..

وموجز ما يقوله أبو زيد هو أن القرآن الكريم ليس وحيا من عند الله ولا هو في اللوح المحفوظ  ولا هو في علم الله الأزلي و أنه من إفرازات الثقافة العربية لبيئة الرسول صلى الله عليه وسلم  فلا وحي ولا قداسة.. إنه يريد التخلص من سلطان الله – سبحانه وتعالى- ويدعو إلى التمرد على هذه السلطة. إن الشرع الشريف – كتابا وسنة  - غير صالح لوضع الحلول لكل القضايا. ثم أن الإسلام دين عربي وليس عالميا ولا شاملا.

و أريد أن أقول للقراء أنني حرصا على الحقيقة -ولو من نفسي -  نقلت الجمل السابقة حرفيا فيما عدا الروابط بين الجمل  من تقرير علمي  أعدته نخبة من أساتذة الأزهر منهم: ا. د محمد مزروعه عميد كلية أصول الدين سابقا و ا.د عبد الوهاب حواس أستاذ الفقه المقارن .

فضلا عن ذلك فإن أمامي عشرات التقارير لعلماء يكفي تقرير واحد منها لفضح الأمر كله و إدانة الدولة كلها.. لأنها سمحت بهذا.. فلما حدث لم تواجهه.. فلما واجهته المحكمة  رفضت الدولة تنفيذ الحكم وسلطت كلابا كي تؤيد الكافر المرتد الذي تلقفته مؤسسات التبشير في أوروبا كي تعينه في وظيفة مرتبها المعلن أربعون ألف جنيه شهريا!!

أما الأساتذة الذين أصدروا تقارير إضافية عن كتابات الكافر فمنهم  ا. د عبد الصبور شاهين و ا. د محمد البلتاجي مصطفى الشكعة والشيخ محمد الغزالي و الأستاذ جلال كشك والدكتور محمود حماية رحمهم الله.

***

الكارثة أنني أعتقد حقا – والله-  لا هزلا.. وجدا لا سخرية أن هذا الكافر المرتد – بحكم محكمة – لو تقدم ببحثه ذلك إلى جامعة إسرائيلية أو أمريكية لرفضته.. فتلك الجامعات رغم كل ما يمكننا أن نقوله عنها ما زالت تحتفظ للعلم بدرجة من الجدية تسمو به عن الدعارة الفكرية التي تمارسها نخبنا الكافرة.. وما أقول رأيي ذلك إلا بسبب الأخطاء الفادحة – من الناحية العلمية لا العقدية – التي وردت في كتابات الكاتب المرتد.

ويكفينا في هذا الصدد أنه في أهم كتبه التي تقدم بها للترقية وهي عن الإمام الشافعي كتب عنه أنه كان متعصبا للدولة الأموية والتي كانت بدورها متعصبة للعرب.. ولأنه كان عروبيا متعصبا فقد جاملته الدولة الأموية وعينته واليا على نجران.. ولم يفطن الغبي الجاهل إلى أن  الشافعي رضي الله عنه  ولد عام 150 هــ وأن الدولة الأموية سقطت عام 132 هــ!!!!!

يقول الأستاذ ممدوح الشيخ ( في مقال منشور بصحيفة الشعب) :  خطورة هذا الخطأ تتجاوز كونه مجرد خطا في إثبات واقعة فالكتاب كله مؤسس على هذه الأكذوبة وبسقوطها يسقط كله . أولا لأن الخلافة التي عاصرها الشافعي كانت عباسية ولم يكن وفاؤها للعنصر العربي على الإطلاق ، (...) وهو لا يكتفي بذلك بل يبالغ في التبجح والتزييف ليقول إن الشافعي اتخذ موقفا سلبيا من الخليفة العباسي المأمون لأنه انحاز إلى المعتزلة بينما حقيقة الأمر أن المأمون قرر ذلك بعد وفاة الإمام الشافعي بأربعة عشر عاما !! .

ويستطرد ممدوح الشيخ ليكشف لنا من بعض هذا الزيف مستندا إلى ما نشرته جريدة " أخبار الأدب " في عدد 28 / 12 / 2003 والتي تكشف بصراحة مذهلة آليات تدمير الإسلام  حيث جاء فيها على لسان  الدكتور حسن حنفي :

       " نحن مجموعة من الأفراد لو اصطادونا لتم تصفيتنا واحدا واحدا ، ولذلك أرى أن أفضل وسيلة للمواجهة هي استخدام أسلوب حرب العصابات . اضرب واجري . ازرع قنابل موقوتة في أماكن متعددة تنفجر وقتما تنفجر ليس المهم هو الوقت . المهم أن تغير الواقع والفكر . ولذلك يسمونني ( المفكر الزئبقي ) . لا أحد يستطيع أن يمسك علي شيئا . الجماعات الإسلامية تراني ماركسي . الشيوعيون يرون أني أصولي . الحكومة تتعامل على أنني شيوعي إخواني . أي أن حسن حنفي يراهن هنا على الزمن الذي سيحد في تقديره ما الذي سيبقى وما الذي سيأفل . ولذلك فهو يفضل ألا نتجه إلى عامة الناس لأنهم ليسوا معنا بل إلى الخاصة سواء في الجامعة أو في المعهد السويدي. "

***

لاحظوا يا قراء أن أسامة أنور عكاشة يستعمل نفس الحجة عندما يهاجمه حسنين كروم  - في صحيفة القدس العربي – عن موقفه المستهجن من الأمة.. ورد عكاشة بأنهم غوغاء يجب تدريبهم على الديموقراطية أولا..!!

***

كل الغواية كانت باسم الديموقراطية.. وبعد أن ركعت الأمة المستذلة لغير الله وراحت تطالبهم بما وعدوا به فإذا هم بمنتهى الصفاقة يتنصلون.

***

يقول  خليل عبد الكريم في  مجلة القاهرة :

" إن معركة الاستنارة طويلة وممضة وتحتاج إلى نفس طويل وصبر جميل وستكون سجالا أي هزائم وانتصارات ، وأهم أسلحتها الإيمان بالقضية التي يناضل من أجلها وعدم اليأس مهما حدث لأن الخصم شرس وعنيد وإمكانياته بالغة الضخامة ، وأن رأينا أن نشهر في وجهه السلاح ذاته الذي يدعي أنه يمسك به وهو الثقافة الإسلامية "

ويعلق  ممدوح الشيخ :  دخلت في حوار مع خليل عبد الكريم الذي قال إننا لا نستطيع أن نبشر بما نريد من خلال روسو أو مونتسيكيو وإلا حوصرنا فيجب أن نبشر به من داخل منظومة الثقافة الإسلامية ، وعندما سألته عن حق الناس في الاختيار سياسيا قال ينبغي تربية الناس تنويريا أولا قبل منحهم حق الاختيار !!! والترجمة الصريحة لهذا الكلام الزئبقي هو أن الوصاية إما أن تكون دينية أو علمانية لكنها في كل الأحوال موجودة ، وليس للناس أن يختاروا إلا ضمن بدائل . !!!!

***

وقبل أن نترك – مؤقتا موضوع المرتد نصر حامد أبو زيد فلنقرأ بعضا مما  كتبه للأستاذ جلال كشك عن حكايته .. بل عن فضيحته:

" فضيحة المعلم أبو زيد أكدت لنا أننا نواجه مافيا لا تعرف شرفا للكلمة ولا تؤمن بقضية إلا حربها المسعورة المأجورة على دين البلد وتاريخه وثقافته، بل وأمله في مستقبل أشرف.. فنحن أمام دكتور في الجامعة يؤلف بحثا يتهم فيه شخصية تاريخية بأنها تعصبت للسنة وعروبة القرآن من تعصبها للعرب، والدليل القاطع الذي قدمه على ذلك أن هذه الشخصية كانت الوحيدة التي قبلت التعاون مع دولة بنى أمية.. بل وسعت سعيا ليكون لها شرف خدمة هذه الدولة، وعملت لحسابها واليا في اليمن..

وتبين أن هذه الشخصية لم تكن قد ولدت عندما انتهت الدولة الأموية.. وهو لإثبات  نظريته زيف نصا لأبى زهرة وزيف نصوص هذه الشخصية التاريخية.. وبدلا من أن يناقش المجتمع الثقافي والجامعة هذا الخروج من أبسط متطلبات الانتساب لجامعة القاهرة.. إذا بعشرات المقالات والأحاديث تنشر لهذا الدكتور لا يرد فيها- ولو من باب السهو-  عن سؤال واحد عن هذه الفضيحة التي تشكل جوهر القضية ! موقف غريب، واتفاق مريب يجعلنا نتساءل عن: من المؤسسة أو القوة التي توجه الجميع في اتجاه واحد وتحرص على تغطية الفضيحة وتمنع الجميع حتى من ذكرها.. ما هي القوة أو المستمسكات التي لدى هذا التنظيم أو الجهة لكي يخرس الجميع ويمنعهم حتى ولو عن الهمس(...) أنا شخصيا لن أسكت.. لقد دعوت الدكتور والسيدة الفاضلة حرمه لأخذى للقضاء لأني أتهم الدكتور نصر حامد أبو زيد بالجهل وتزييف النصوص.. وهى تهمة- إن صحت- تستوجب تحقيره بين أهله وعشيرته وتجريده من شهادته الجامعية (المفروض) مما يتيح له إن ثبت كذبي أن يحصل على ما شاء من حريتي ومالي.. ولكنه بالطبع لن يفعل (...) ولذلك قررت أن آخذه أنا للمحكمة، سأرفع قضية ضد جامعة القاهرة بوصفي من خريجيها، ويلحقني عار، ويلحق شهادتي نقص معيب باستمرار هذا الدكتور بين هيئة تدريسها، واعتراف الجامعة بمؤهلاته وسكوتها عن هذا الإخلال البشع بالشروط الأكاديمية، وسأغطى من مالي كافة النفقات، فلم أخرج من الدنيا إلا بهذا البكالوريوس من جامعة القاهرة، ولا أقبل أن أتركه لأولادي مطعونا في مصداقيته العلمية.. فإذا لم تغير الجامعة على سمعتها حميناها نحن بالقضاء.

***

بعد هذا كله نجد تلك الصحيفة القومية المعارضة –  معارضة لله سبحانه وتعالى!!- تفخر بجرأتها على نشر حوار مع الكافر المرتد تدعيما للحرب على الظلاميين والإرهابيين..

وقبل ذلك كان هناك أستاذ جامعي شهير يكتب في صحيفة الأهرام :

إن‏ ‏الفصل‏ ‏بين‏ ‏قضية‏ ‏ترقية‏ ‏د‏.‏نصر‏ ‏حامد‏ ‏أبو‏ ‏زيد‏، ‏وقضية‏ ‏تقرير‏ ‏عبد‏ ‏الصبور‏ ‏شاهين‏  الذي ‏يكفر‏ ‏الباحث‏ ‏بجهل‏ ‏لا‏ ‏يخجل‏، ‏ممثلا‏ في ‏ذلك‏  ‏قطاعا‏ ‏عجيبا‏ ‏يحتل‏ ‏مساحة‏ ‏غريبة‏ ‏وغير‏ ‏مفهومة‏ في ‏وعى ‏فئة‏ ‏من‏ ‏العامة‏ ‏لا‏ ‏تقدر‏ ‏على ‏مقاومة‏ ‏إغارة‏ ‏المنابر‏ ‏الـمحتمية‏ ‏بمنصة‏ ‏خطاب‏ ‏يتمحك‏ في ‏قشور‏ ‏الدين‏، ‏نقول‏ ‏إن‏ ‏الفصل‏ ‏بين‏ ‏القضيتين‏ ‏دقيق‏ وضروري ..

***

يا إلهي..

كل هذه الصفاقة والجرأة على الحق..

كل هذا التحالف بين سلطة غاصبة فاجرة .. ونخبة عاهرة كافرة..  ومستعمر باغ باطش جبار .. وأمة خانها حكامها وضللها مثقفوها .. فهي ضائعة  حائرة..

***

سوف نترك نصر حامد أبو زيد مؤقتا .. لكننا قبل أن نتركه نؤكد أن الآخرين على نفس درجته من الجهل والغباء مهما حاولت  الجوقة الإعلامية المدعومة – أو على الأحرى الموجهة من الغرب – أن تصنع منهم نجوما ..

نعم..

كل الأسماء اللامعة – فيما عدا استثناءات نادرة.. كلها مثل  نصر حامد أبو زيد..

كلها لولا الصحف السافلة.. والسلطة الخائنة والنخبة الكافرة والجبروت  الباطش لكانت جديرة بالضحك والسخرية..

فلنتجاهل ذلك إذن..

و..

و..

و.. هيا بنا نضحك..!!

***

-                  هيا بنا نضحك "1"..

دعوني يا قراء أهرب من دوامة الأعاصير وجحيم البراكين وانهيارات الزلازل وذل الواقع وخزي الهزائم وعار الاستسلام  وذهول فقدان المنطق .. دعوني أهرب من كل ذلك .. بل دعوني لا أكتفي بذلك بل أصحبكم لنضحك..

نعم نضحك.. ودعكم من التشبيه السخيف للطير الذي يضحك .. أو يرقص – لا فرق – مذبوحا من الألم..

***

يحكى أن جحا وصف موقفا أمام السلطان ذات مرة بأنه عذر أقبح من ذنب.. فعارضه السلطان قائلا أن الذنب لا يمكن أن يكون أقبح من الذنب.. وتوعده  بالقتل إن لم يأته قبل صباح الغد بمثال مبين.. وفي الليل كمن جحا في الظلام حتى اقترب السلطان فانقض عليه منهالا بالعناق والقبلات.. وصرخ السلطان من الدهشة والمفاجأة وجاء الحرس و أمسكوا بالمجرم -الإرهابي- جحا.. وانعقدت محكمة فورية للمجرم الأثيم وسأله السلطان:

-        -       جحا.. لماذا فعلت ما فعلت..

و أجابه جحا في خضوع وذل:

-        -       عفوا يا مولاي.. فقد ظننتك مولاتي السلطانة..

وهنا صرخ السلطان صرخة هائلة وهو يجرد سيفه:

-        -       الويل لك.. إنه عذر أقبح من ذنب..

***

تذكرت هذه الطرفة بعد مشاهدتي لحوار تلفازي مع المفكر محمد أركون.. و أخري مع على حرب وثالثة مع جلال صادق العظم..و..و..و..

***

الطرفة الأخرى كنت أنا أحد شهودها منذ نصف قرن.. وهي واقعة حقيقية.. كانت الثورة – أو العورة كما يسميها قائدها : اللواء محمد نجيب- قد قامت بإلغاء ورقة عملة المائة جنيه..  قيل أيامها أن ذلك كان لمنع تهريب ثروات الذين صودرت أموالهم إلى الخارج.. وكان أحد أقاربي قد جمد ثروته كلها في أوراق العملة تلك.. ولم يستجب أبدا لمحاولات إقناعه بتبديل ثروته من أحد البنوك في المهلة المحددة.. كان المسكين واثقا أن قيمة العملة مكنونة فيها و أنه لا يمكن لأي قوة أن تجردها منها.. وكان يسائلنا في دهشة وهو لا يستطيع مقاومة ضحكه منا لأننا على هذا الغباء الذي يجعلنا لا نفهم هذا الأمر البديهي:

-        -       هل تستطيع الحكومة أن تصدر قرارا  للذهب أن يكون حديدا فيكون.. فهذه مثل تلك..

وظل الرجل مصرا على موقفه.. وضاعت ثروته كلها.. ولا أذكر الآن إذا كان التاث أم مات كمدا و.. " عدم فهم"..

***

كان الدكتور محمود أمين العالم هو الذي استدعي هذه الطرفة إلى تخوم الذاكرة..

الدكتور العالم حصل على شهادة الدكتوراه منذ ستين عاما على ما أظن.. أيامها كانت العبقرية مركزة في الشيوعيين.. وكانت أعداد غفيرة منهم تحصل على تلك الشهادة.. انقلب الوضع الآن.. إذ يكفيك أن تحارب الإرهاب أو تؤيد منظمات المجتمع المدني كي تحصل على الدكتوراه.. أنا شخصيا أعرف نماذج حصلت على الدكتوراه في عامين.. بل إن نموذجا معاصرا منها – وعضو مجلس تشريعي – حصل عليها في شهرين..

نعود إلى الدكتور العالم في مناظرة فضائية وهو يتحدث بازدراء عن الفكر الإسلامي الذي لم يعرف الفلسفة أبدا.. بل كان مسطحا وساذجا.. تنبهت إلى أسانيد د.العالم.. فلقد تجاهل أن الفكر الإسلامي يقدم أكمل و أشمل تصور كلى عن غائية الوجود كله.. وليست الفلسفة سوى ذلك.. لكن المفكر الكبير كان يري أن عدم استشهاد الصحابة – رضوان الله عليهم – بسقراط و أرسطو و أفلاطون دليلا لا يدحض على سطحية الفكر الإسلامي وسذاجته.

كان د. العالم يري أن الفلسفة قيمة ذاتية مكنونة في الإغريق لا تتعداهم إلى خارجهم أبدا.. تماما كما تكمن قيمة المائة جنيه داخل الورقة.. وفي المناظرة كان د. العالم لا يستطيع مقاومة الضحك في دهشة من غباء مناظريه الذين لا يفهمون هذه البديهيات..

نفس الضحكة التي ضحكها قريبي منذ نصف قرن..

***

مازال في جعبتي الكثير.. ولكنني أؤجل ذلك كي أتحفكم بطرفة:

إذ يقال أن بوش وبلير عقدا مؤتمر قمة خرجا بعده لمؤتمر صحافي أعلنا فيه أنهما قد وصلا إلى حل سحري للقضاء على الإرهاب قضاء مبرما.. وتعالت أصوات الصحافيين متسائلين  عن ذلك الحل السحري.. وهنا أجاب بلير في بساطة:

-        -       قررنا قتل خمسين مليون مسلم ثم قتل طبيب أسنان أمريكي واحد..

وهنا تعالت تساؤلات الصحافيين مرة أخرى:

-        -       طبيب أسنان أمريكي؟.. لكن لماذا تقتلونه.. بغير ما دخله بالأمر؟..

وهنا همس بوش في أذن بلير:

-  ألم أقل لك.. لن يهتم أحد بالخمسين مليون مسلم..

***

ناشدتك الله أيا القارئ: عندما قرأت الطرفة الأخيرة.. هل اهتممت بالخمسين مليون مسلم.. أم بطبيب الأسنان؟!..

***

تعجبني أيضا تلك الطرفة التي سأرويها لكم على الفور، ليس لأنها قيلت في السادات الذي كنت أنظر إليه بعيني فتحي رضوان: أسوأ من حكم مصر في خمسة آلاف عام فإذا به الآن -بالمقارنة مع ما يحدث– ليس كذلك بل لعله أفضل من الموجودين الآن..

تقول الطرفة أن كارتر وهو يستقبل السادات عاتبه لتردي الأمور في مصر و مرجحا أن السبب هو اختيار السادات معاونين أغبياء. ثم قال له أنه سيضرب له مثلا فوريا على ذكاء من حوله.. ونادى على هنري كيسنجر ليسأله:

-        -       كيسنجر: من هو الشخص ابن أمك و أبيك وليس بأختك ولا أخيك؟!..

و أجاب كيسنجر على الفور:

- أنا نفسي يا سيادة الرئيس..

وهنا نظر كارتر إلى السادات مزهوا ومنتشيا بذكاء تابعه..

و أسرها السادات في نفسه.. وبمجرد هبوط الطائرة به في مطار القاهرة أخذ يسأل صف المستقبلين فعجزوا عن الإجابة جميعا وغضب الرئيس يتصاعد و هو يدرك أن كارتر على حق في اتهامه..

و أخيرا جاءوا له برئيس المخابرات على عجل.. وكان قد علم بما حدث في أمريكا فأجاب على الفور:

- أنا نفسي يا ريس..

وهنا استشاط السادات غضبا وهو يوبخه:

-        -       غلط يا غبي.. بل هو هنري كيسنجر.. 

***

قيمة الطرفة وعمقها أنها تتحدث عن أولئك الذين يبحثون عن حل أجنبي لمشكلة محلية.. فهذا الحل قد يصلح حيث نشأت المشكلة.. لكنه لا يصلح في أي مكان آخر..

***

تذكرت جحا.. والقريب الذي سلبته الثورة ثروته.. وضحكة محمود أمين العالم..  تذكرت ذلك و أنا أتابع الدكتور محمد أركون في مناظرة على فضائية..

ولقد ظللت ردحا من عمري مخدوعا بهذا النمط من الناس.. ورغم أنني لم أفهم أبدا ما يقولونه إلا أنني كنت أقنع نفسي بأنني لا أفهم إما لنقص في ثقافتي وذكائي و إما لعبقرية ترفعهم هم فوق مستوى البشر.

والأمر لا يشبه طبيبا خدعت في درجة مهارته فظننته حاذقا لتكتشف بعد ذلك أنه غير حاذق أو ليست لديه الخبرة الكافية.. لا .. ليس الأمر كذلك على الإطلاق.. فالرجل – في المثال-  ليس طبيبا على الإطلاق.. ولا حتى إنسانا عاديا.. إنه محتال خطير.. عضو في عصابة لتجارة الأعضاء.. وما اقترب منك ليعرفك إلا لينصب شباكه حولك.. لكي يقتلك ويبيعك جزءا جزءا..

***

الفضائح والأخطاء الذي يرتكبها هذا النوع من المجرمين نادرة – لحرصهم المتناهي-  لكنها عندما تحدث تكون  فادحة.. تماما كأخطاء الجواسيس..

***

نعود إلى الدكتور محمد أركون.. و إلى انفجاري في ضحك أمر منه البكاء منذ عشرة أعوام وأنا أرقب المفارقه: رجل يؤلّف لنا بالفرنسية –نعم.. بالفرنسية !!- مناهج لتأويل وقراءة قرآننا الذي أنزل بلسان عربي مبين!.. رجل اكتمل اغترابه خارج وطنه بعد أن عجز عن العيش فيه يحاول أن يعالج اغترابي داخل وطني الذي لا أطيق أن أعيش إلا فيه..

***

هناك قطاع عريض من النخبة تعلم من تجارب بدايات القرن العشرين ونهاياته أن الأمة تعض على دينها بالنواجذ   وأنها تدين بكل قوة وعنف أي محاولة للخروج عليه.. لكنه تعلم أيضا أن هذه الأمة يمكن أن تخدع.. و أنه ما لم يكن الاجتراء على الدين والإيمان مباشرا والكفر بواحا فإن الأمة ملزمة بأن تلتمس له سبعين عذرا.. وبعد ذلك فإن على من عجز أن يحمل المعنى على الإيمان أن يتهم نفسه لا خصمه..

الواحد من هذه النخبة يقول ما يشاء دون أن ينطق بالمعني المباشر..

إنه يتجنب صراحة – أو وقاحة – أدونيس ثم يقول ما يشاء..

***

تذكرت ذلك كله و أنا أتابع مناظرة تلفازية .. كانت الابتسامة التي تعلو شفتي أركون تشبه ابتسامة قريبي صاحب المائة جنيه وابتسامة محمود أمين العالم.

كان أركون يقول: "العلمانية ليست وما كانت ضد الأديان، العلمانية لا تَنفِي الأديان"

لكنه يواصل.. نعم يواصل في نفس الفقرة وربما بنفس الشهيق:

" العلمانية إنَّما هي مرجعيِّة تنافس المرجعية الدينية"..

"ولكن يجب أن نفهم أن العلمانية لا يُمكن أن نفصلها من.. من ما نسميه الحداثة.."

***

و أضحك..

( اعذروني يا قراء.. فأنا أستعمل كلمة الضحك هنا على سبيل المجاز لا على سبيل الحقيقة.. ووالله .. ما أذكر أنني ضحكت حقا منذ عام 67 على الأقل.. ربما ضحكت عام 56.. لا لأننا انتصرنا.. ولكن لأنني لم أكتشف حينها تفاصيل هزيمتنا.. هزيمة عسكرية ساحقة نتج عنها تدمير العتاد كله وعلى رأس سلاح الطيران وعزل كل القادة العسكريين لبور سعيد.. أما القيادات الأخرى التي لم تُعزل هي التي قادتنا لكارثة 67)..

فلنعد إلى ما كنا فيه..

أضحك و أتساءل:

كيف يطيق هؤلاء الناس أنفسهم.. وكيف ينطقون بالشيء وضده في نفس اللحظة..

فهل تكون المرجعية المنافسة إلا بديلا..

فإذا آمنا بالإسلام ألا يعني هذا الكفر بالعلمانية.. والعكس صحيح؟!..

و إن كان هناك شك فيما يتعلق بادعاءات البعض عن علمانية لا تعادي الدين فهل هناك أي شك في الحداثة التي تعني أول خطوة فيها القطيعة المعرفية مع الماضي كله.. و أول ما فيه هو الدين..

***

هذا هو الحق الصراح.. ودعونا من محاولات بعض الحداثيين الخسيسة لخداع الأمة بالخلط بين الحداثة والتحديث..

***

في واحدة من تلك المناظرات على القنوات الفضائية كان الدكتور فيصل القاسم يحاور الدكتور محمد أركون.. ود.فيصل ينطبق عليه الوصف العامي المصري : "شبطة".. حتى أننى أقول لأصدقائي أحيانا من موقع المداعبة والإعجاب  والمديح وليس بدافع الإهانة والانتقاص والتجريح  أنه يشبه ما تعرضه السينما الأجنبية من أفلام رعب عن مصاص الدماء الذي لا يترك ضحيته إلا بعد أن يمتص دمها حتى الثمالة..  وهو عندما يسأل سؤالا لا يترك ضيفه مهما حاول أن يتملص إلا إذا أجابه عن هذا السؤال.. ورغم أن فيصل نفسه قومي وعلماني إلا أن صفة الإلحاح على الإجابة  فيه هي أعدي أعداء العلمانيين والقوميين الذين تعودوا على الإجابة في كل الحوارات الحية ( والميتة!)  بطريقة بالغة التميز أنبهكم يا قراء إليها .. فهم في جزء مهم من الحوار يناورون ويخادعون ولا يقولون ما يعتقدون.. فإذا ضيق الحصار عليهم كذبوا.. أو أجابوا على موضوع آخر تماما لم يطرح أصلا وكلما كرر السائل سؤاله كلما أجابوا عن سؤال آخر حتى يخجل السائل فيصمت أو ينتقل إلى سؤال آخر..  والأمر بالنسبة لهم ليس قضية صدق وضمير و إيمان يموتون في سبيل إعلاء شأنه بل "فهلوة وشطارة" ينتصرون بها في الجدال ولو بالاستشهادات الكاذبة وبالحيل الماكرة والخدع القذرة.. ومخالفات كتلك التي ترتكب في برامج المصارعة الحرة..!! لا يهم مداها ما دام الحَكَمَ لم يرها أو ما داموا قد دفعوا له ثمن تغاضيه.. وهم إذ يفعلون ذلك لا يشعرون بأنهم يرتكبون إثما أو يقترفون رذيلة.. إن الأمر متعلق بقضية فلسفية ألا وهي عدم إيمانهم بالمطلق ( أي بالله).. وبنسبية الأشياء.. ومنها الصدق والكذب.. وهذا موضوع طويل ليس الآن مجاله..

***

ولقد سأل فيصل  الدكتور أركون سؤالا مباشرا:

-    -       يا دكتور أنت من اللجنة التي قَدمت لشيراك التوصية بمنع الحجاب لماذا تتهرب من الموضوع؟..

كان أركون في رعب طائر أحاط به الصياد  يتوسل إليه بنظراته أن يتغاضى عن هذا السؤال لكن فيصل وقد أنشب مخالبه فيه كصقر جارح لم يفلته أبدا..

وحاول محمد أركون أن  ينفي وينكر ويصر على الإنكار  ويهرب لكنه لم يجد في النهاية مفرا من الاعتراف..

***

ذهلت..

فالأمر هنا يتجاوز رذيلة الكذب...

***

في موقع آخر كان فيصل القاسم – هداه الله-  يقول:

-        -       وفي العربية نجح (الديماغوجيون) بِرَبطها بالكُفر والإلحاد وهذا يَصُب في مصلحتك..

***

ولنلاحظ أن المقصود بوصف الديماجوجية هنا هم المسلمون .. ولا أحد آخر.. (دعنا الآن أن كل من استعمل هذه الصفة قد انتهى حيث تنبأت الراحلة "أروى صالح".. في حجر إسرائيل..)..

لكن محمد أركون ما يلبث حتى يقول:

-    -   هناك فرنسيون لا يُوافِقون بالعلمانية المُتَحَجِّرة بالعلمانية التي ترفُض الأديان ولا تريد أن تسمع عن الأديان أي شيء..

ومفهوم الكلام أن الفرنسيين – وليس المسلمين الديماجوجيين – يمارسون العلمانية المتحجرة التي ترفض الأديان..

لكن بعض الفرنسيين لا يوافقون على ذلك..

بعضهم فقط..

لكن ذلك لا يكفي لرفع الاتهام بالديماجوجية عن المسلمين..

عن مليار ونصف مليار مسلم..

ربما يكون كافيا لرفع الاتهام عن طبيب أسنان أمريكي..

***

يعلق  حسن السرات  على ما حدث فيقول في مجلة التجديد  العدد 818 .. يقول  عن أركون: ( الذي يوصف بأنه مفكر إسلامي حداثي، والحق أنه ليس سوى مقاول ثقافي أوكلت إليه مهمة صناعة إسلام  ''هادئ هين لين'' قابل للتحريف والتزييف، إسلام لا فريضة فيه لا قيم ولا ثوابت ولا احتجاج. وهو التحريف الذي تعرضت له بعض الديانات السماوية ويراد تطبيقه على الدين الإسلامي دون جدوى.

***

دعنا الآن من أن هذه الصفات لا تنطبق على محمد أركون وحده.. بل هي تنطبق على الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر بنفس الدرجة..!!..

***

لم تكن لدينا أي حيلة في تجنب ذكر شيخ الأزهر .. والحق أنني فكرت في حل قد يزيل الحساسية المزمنة عند المتغربين قبل الغربيين.. وعند علمانيينا قبل علمانييي الغرب.. وعند مستر محمد ومسيو محمود والهر إبراهيم قبل جورج ودافيد وصمويل..

هذا الحل يتلخص في سؤال:

-    -   فيم كان إصرارنا دائما على أن يكون شيخ الأزهر مسلما.. و لو أنه كان يهوديا أو نصرانيا.. هل كانت ستختلف قراراته.. خاصة في العقد الأخير؟!..

***

محمد أركون كأدونيس كنصر حامد أبو زيد كالجابري كفرج  فودة كالقمني كحسن حنفي كمراد وهبة  كطه حسين كلويس عوض كغالي شكري كأحمد لطفي السيد كرفاعة الطهطاوي كعبد الله القصيمي  كجابر عصفور كخليل عبد الكريم كتسليمة نسرين كسلمان رشدي..  كقاسم أمين كتركي الحمد كجابر عصفور كصلاح عيسى كجمال الغيطاني..ك.. ك.. ك.. ك..

كل أولئك على نفس المنهاج والشاكلة.. وهم يسببون لنا مشكلة كبرى لأنهم يمارسون التقية فيما يعرضون من فكر.. نحن لا نعاني من المجاهرين بالكفر  كما نعاني من أعرابنا.. فالمشكلة أن تأتي هذه المراوغة ممن يدعون الإسلام من الأمة, فليس ثمة خطر من المجاهر الذي يصرح بحقيقة موقفه, فلا يخلط الأوراق  ممارسا الغش الفكري والثقافي..

المجاهر.. يصرح منذ البداية: أنا لا أعترف بالإسلام.. ولا أعترف بنبوة محمد (صلى الله عليه وسلم ) ولا أعترف بأن القرآن منزل من السماء..

لكن.. عندما يأتيك غير المجاهر – مواطنا أو أجنبيا-   ويزيحك أنت من مكانك.. ليحتكر هو تفسير القرآن ( يسمونه النص) والحديث الشريف ( يسمونه التراث).... بينما هم كما يقول الدكتور البوطي يحلمون  :" بأن يجعلوا من هذه التجربة وسيلةً خفيّة للعبث بحقائق ثابتة في دين الله، وكتابه، عن طريق العبث بقواعد فقه اللغة"..

ولقد بلغ المدى بواحد منهم - حسن حنفي -  أن اقترح علينا أن نستبدل مفاهيم من منظومتنا «التراثية»، فبدلا من أن نقول  الله (عز وجل)، يجب أن نستخدم تعبير «الإنسان الكامل»، وأن  نترك كلمة «الدين» لنستخدم بدلا منها  «الأيديولوجيا»، والإسلام لنستعمل «السلام» وذلك حتى تستقيم منظومة الدين وتتوافق مع مصطلح الحداثة..!

الفرق بين المجاهر ومن يستتر بالتقية كالفرق بين متعهد ملهى ، قواد ( واعذروني لكننا نحتاج إلى أن يكون المثال في غاية الوضوح )  يذهب إلى فتاة ليساومها على عرضها مباشرة.. أما الآخر.. فيشبه المحتال الذي يعرض العرض وهو غير واثق من رد فعل الفتاة.. إنها يمكن أن تقبل.. لكنها يمكن أيضا أن ترفض ثم لا تكتفي بالرفض بل تفضحه على العالمين.. لذلك لا يطرح عرضه مباشرة.. بل يستعمل كلمات مراوغة تحتمل أكثر من معنى ليستطيع التنصل من أي معنى يدينه طبقا لرد الفعل.

من أنماط هذا الحديث المراوغ التحدث عن  تاريخية النص .. وهو يعني أن القرآن نزل في فترة زمنية معينة لا يصلح لسواها و أن النصوص المقدسة أصبحت في (المتحف) فمعانيها لم تعد حقيقية وإنما أصبحت مجازا, ويذكر الدكتور محمد عمارة أن د. نصر أبو زيد يتبنى هذه النظرة المادية والوضعية ويطبقها على القرآن, ويقول في أحد كتبه بالنص: (القرآن خطاب ونص بشري, وليس في القرآن معنى واحدا ثابتا ومطلقا).. ويستطرد الدكتور عمارة أنه واجهه بالقول: أنا أسألك: قل هو الله أحد كيف لا يكون هذا المعنى ثابتا, كيف يكون تاريخيا يعني الله كان واحدا قبل قرون والآن الأمر تغير؟!!

***

المطلوب منا إذن إلغاء الفقه كله والشريعة كلها والإبقاء على عقيدة محرفة.. بل إن نص القرآن نفسه غير ثابت ولا محفوظ.. لقد كان ثابتا طالما كان إلهيا وفي اللوح المحفوظ فما أن أنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم فقد أصبح بشريا..ولم يعد كلام الله بل كلام البشر..!!..

إنه استيراد حل مأزق قضية اللاهوت والناسوت لمن لا يعانون على الإطلاق من المشكلة..

***

كل شئ نسبي .. والقطيعة المعرفية هي المطلق الباقي.. والنظرة للأمة مليئة بالازدراء المصطنع والتعالي الأجوف.. الازدراء هو النظرة الدائمة للإسلام والمسلمين.. تماما كما تعاملنا الصليبية الصهيونية الغربية.. فالعربي الطيب هو العربي الميت.. وكل مسلم مدان حتى تثبت براءته.. وحتى إن ثبتت فهي لا تعني سوى قصور أدلة الاتهام وتظل الشبهة تلاحقه أبدا..

ليست المشكلة إذن مشكلة الحجاب أو اللحية أو..أو..أو.. إنما في مشكلة رفضهم للإسلام كله..

***

الثلاثية القاتلة التي أصابت النخبة  هي ثلاثية  الانبهار والازدراء والتقية..

انبهروا بالغرب فعشيت أبصارهم.. وأحسوا بالتلاشي أمامه.. ثم نقلوا إحساسهم بالتضاؤل والتلاشي إلى أمتهم.. وبدلا من أن يعترفوا بأنهم جديرون بالازدراء وجهوا هذا الازدراء والتعالي إلى شعوبهم.. ولكنهم حين فعلوا ذلك فعلوه بأسلوب مراوغ غير مباشر..

وفي أحوالهم كلها كانوا يتحدثون عن ظرف غريب مريض وكانوا هم فيه كالكلب إن تتركه يلهث و إن تحمل علي يلهث..واستوردوا لمشاكلنا الخاصة حلولا نشأت لمشاكل أخرى..

تماما..

كطرفة من هو  ابن أمك و أبيك , ليس بأختك ولا  بأخيك..

لقد أصروا على أنه هنري كيسنجر!!..

***

والآن.. ما العمل..

إنني في وسط هذا الديجور كله لا أملك إلا العودة إلى ما قاله الشيخ سيد قطب منذ أكثر من نصف قرن: " إنْ العالم يعيش اليوم كله في " جاهلية " من ناحية الأصل الذي تنبثق منه مقومات الحياة وأنظمتها . جاهلية لا تخفف منها شيئًا هذه التيسيرات المادية الهائلة ، وهذا الإبداع المادي الفائق ! "

لكن الشهيد العظيم لا يتركنا.. إنه يقدم لنا التفسير والتحليل والجواب والحل والطريق والطريقة:

" لقد كان الرجل حين يدخل في الإسلام يخلع على عتبته كل ماضيه في الجاهلية . كان يشعر في اللحظة التي يجيء فيها إلى الإسلام أنه يبدأ هذا جديدًا ، منفصلاً كل الانفصال عن حياته التي عاشها في الجاهلية . وكان يقف من كل ما عهده في جاهليته موقف المستريب الشاك الحذر المتخوف ، الذي يحس أن كل هذا رجس لا يصلح للإسلام ! وبهذا الإحساس كان يتلقى هدي الإسلام الجديد ، فإذا غلبته نفسه مرة ، وإذا اجتذبته عاداته مرة ، وإذا ضعف عن تكاليف الإسلام مرة . . شعر في الحال بالإثم والخطيئة ، وأدرك في قرارة نفسه أنه في حاجة إلى التطهر مما وقع فيه ، وعاد يحاول من جديد أن يكون على وفق الهدي القرآني .

كانت هناك عزلة شعورية كاملة بين ماض المسلم في جاهليته وحاضره في إسلامه ، تنشأ عنها عزلة كاملة في صلاته بالمجتمع الجاهلي من حوله وروابطه الاجتماعية ، فهو قد انفصل نهائيًا من بيئته الجاهلية واتصل نهائيا ببيئته الإسلامية . حتى ولو كان يأخذ من بعض المشركين ويعطي في عالم التجارة والتعامل اليومي ، فالعزلة الشعورية شيء والتعامل اليومي شيء آخر .

وكان هناك انخلاع من البيئة الجاهلية ، وعُرْفُها وتصورها وعاداتها وروابطها ، ينشأ عن الانخلاع من عقيدة الشرك إلى عقيدة التوحيد ومن تصور الجاهلية إلى تصور الإسلام عن الحياة والوجود . وينشأ من الانضمام إلى التجمع الإسلامي الجديد ، بقيادته الجديدة ، ومنح هذا المجتمع وهذه القيادة كل ولائه وكل طاعته بل تبعيته . "

ويواصل الشهيد العظيم:

" نحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام أو أظلم . كل ما حولنا جاهلية . . تصورات الناس وعقائدهم ، عاداتهم وتقاليدهم ، موارد ثقافتهم ، فنونهم وآدابهم ، شرائعهم وقوانينهم . حتى الكثير مما نحسبه ثقافة إسلامية ، ومراجع إسلامية ، وفلسفة إسلامية ، وتفكيرا إسلاميًا . . هو كذلك من صنع هذه الجاهلية !! (...) لا بد أن نرجع ابتداء إلى النبع الخالص الذي استمد منه أولئك الرجال ، النبع المضمون أنه لم يختلط ولم تشبه شائبة . نرجع إليه نستمد منه تصورنا لحقيقة الوجود كله ولحقيقة الوجود الإنساني ولكافة الارتباطات بين هذين الوجودين وبين الوجود الكامل الحق ، وجود الله سبحانه .. ومن ثم نستمد تصوراتنا للحياة ، وقيمنا وأخلاقنا ، ومناهجنا للحكم والسياسة والاقتصاد وكل مقومات الحياة .

ولا بد أن نرجع إليه - حين نرجع - بشعور التلقي للتنفيذ والعمل لا بشعور الدراسة والمتاع . نرجع إليه لنعرف ماذا يطلب منا أن نكون ، لنكون (...)  إن مهمتنا أن نغير من أنفسنا أولاً لنغير هذا المجتمع أخيرًا . إن مهمتنا الأولى هي تغيير واقع هذا المجتمع . مهمتنا هي تغيير هذا الواقع الجاهلي من أساسه . هذا الواقع الذي يصطدم اصطدامًا أساسيًا بالمنهج الإسلامي ، وبالتصور الإسلامي ، والذي يحرمنا بالقهر والضغط أن نعيش كما يريد لنا المنهج الإلهي أن نعيش . إن أولى الخطوات إلى طريقنا هي أن نستعلي على هذا المجتمع الجاهلي وقيمه وتصوراته ، وألا نعدِّل في قيمنا وتصوراتنا قليلاً أو كثيرًا لنلتقي معه في منتصف الطريق .كلا ! إننا وإياه على مفرق الطريق ، وحين نسايره خطوة واحدة فإننا نفقد المنهج كله ونفقد الطريق !

وسنلقى في هذا عنتًا ومشقة ، وستفرض علينا تضحيات باهظة ، ولكننا لسنا مخيرين إذا نحن شئنا أن نسلك طريق الجيل الأول الذي أقر الله به منهجه الإلهي ، ونصره على منهج الجاهلية .

وإنه لمن الخير أن ندرك دائمًا طبيعة منهجنا ، وطبيعة موقفنا ، وطبيعة الطريق الذي لا بد أن نسلكه للخروج من الجاهلية كما خرج ذلك الجيل المميز الفريد . .

***

انتهى الاستشهاد بالشهيد  العظيم ( معالم في الطريق)..

انتهى الاستشهاد بالشهيد العظيم و أنا أصرخ:

أمثل هذا يُقتل..

انتهى الاستشهاد بالشهيد العظيم  و أنا أدعو باللعنة على قاتليه و أعوان قاتليه و أنصار قاتليه و أتباع قاتليه .. إلى يوم القيامة..

***

***

***

-                  بريد القراء

 

1.              دفاع عن الشهيد العظيم سيد قطب

الذب عن من نحسبه شهيد و لا نزكي علي الله أحدا

السلام عليكم

الرجاء اطلاع القراء علي رد الشيخ حمود بن عقلا الشعيبي عندما سئل عن الشهيد سيد و لا نزكي علي الله احدا.

أهمية الرد في إنها تكشف أسباب الهجوم خاصة من علماء السلاطين الذين لا يتوانون في الدفاع عن طواغيت الجزيرة و أولياءهم الكفار المحاربين للأمة تحت مسمي دم معصوم و يذموا المؤمنين عاكسين الآية ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) والشيخ حمود رحمة الله من الشيوخ الربانين في زمن الردة قبل أن ينتقل إلى جوار ربه و له احترام وسط أبناء الجزيرة.

اعرف أن هناك تشويش كثير في الجزيرة حول سيد و لذلك اسالك بالله أن توصل هذه الفتوى إلى اكبر عدد من القراء و لو استطعت أن تتركها علي الشبكة لدحض افتراءات علماء السلاطين أو الذين يتركون الأعداء و يتناوشون  في الصغائر خوفا من مواجهة  الأمر الواقع من فتن معاصره

اللهم احشرنا مع عبدك سيد و شيخ حمود و شيخ أسامة و مجاهدي خراسان و تورا بورا و كندز و مجاهدي  الفلوجة و الرياض وبيت لحم و القدس تحت لواء نبيك محمد عليه الصلاة و السلام

رسالة من يتهم سيد في دينه هي عبارة عن فكر سائد في قطاع واسع من أبناء الجزيرة من اجل التفرقة و جهل بعض طلبة العلم بما يدبر للامة من تشكيك و تفرقه كل الأمة إلى أحزاب تتقاتل و تترك الكفار و الطواغيت

ابنك

وليد ع ع

فضيلة الشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي حفظه الله :

كثرت الأقوال في سيد قطب رحمه الله ، فهذا ينزهه من كل خطأ، وذاك يجعله في عداد الفاجرين بل الكافرين فما هو الحق في ذلك ؟

الجواب :

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد

فإن المفكر الأديب سيد قطب رحمه الله له أعداء كثيرون، يختـلفون في كيفية النقد وأهدافه والغايات منه، ويتـفـقون في مصالح مشتركة، وقبل أن أكشف بطلان مثالب الجراحين والمطاعن الموجهة إلى سيد رحمه الله ، أبين أولا لماذا يستهدف سيد قطب خاصة ؟ ومن المستفيد من إسقاطه ؟

إن سيدا رحمه الله يعد في عصره علما من أعلام أصحاب منهج مقارعة الظالمين والكفر بهم ، ومن أفذاذ الدعاة إلى تعبيد الناس لربهم والدعوة إلى توحيد التحاكم إلى الله ، فلم يقض إلا مضاجع أعداء الله ورسوله كجمال عبد الناصر وأمثاله .. وما فرح أحد بقتله كما فرح أولئك، ولقد ضاق أولئك الأذناب بهذا البطل ذرعا، فلما ظنوا أنهم قد قتلوه إذا بدمه يحيي منهجه ويشعل كلماته حماسا، فزاد قبوله بين المسلمين وزاد انتشار كتبه، لأنه دلل بصدقه وإقدامه على قوة منهجه، فسعوا إلى إعادة الطعن فيه رغبة منهم لقتل منهجه أيضا وأنى لهم ذلك.

فاستهداف سيد قطب رحمه الله لم يكن استهدافا مجردا لشخصه، فهو ليس الوحيد من العلماء الذي وجدت له العثرات، فعنده أخطاء لا ننكرها، ولكن الطعن فيه ليس لإسقاطه هو بذاته فقد قدم إلى ربه ونسأل الله له الشهادة، ولكن الذي لا زال يقلق أعداءه وأتباعهم هو منهجه الذي يخشون أن ينتشر بين أبناء المسلمين .

وإني إذ اسمع الطعن في سيد قطب رحمه الله لا أستغرب ذلك لقوله الله تعالى: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً} فكل من معه نور من النبوة أيضا له أعداء من أهل الباطل بقدر ما معه من ميراث نبينا محمد عليه الصلاة والسلام ، فما يضير سيدا طعن الطاعنين، بل هو رفعة له وزيادة في حسناته، ولكن الذي يثير الاستغراب هو فعل أولئك القوم الذين يدّعون اتباع الحق ومع ذلك ينقصون الميزان ولا يزنون بالقسطاس المستقيم والله يقول: { وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ } , فأولئك إذا أرادوا مدح أحد عليه من المآخذ ما يفوق سيدا بأضعاف قالوا كلمتهم المشهورة "تغمس أخطاؤه في بحر حسناته" وقالوا "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث" وغير ذلك، وإذا أرادوا ذم آخر كسيد رحمه الله الذي يعد مجددا في باب (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ) سلكوا معه طريق الخوارج وكفروه بالمعاصي والزلات .

وسيد رحمه الله لا ندعي له العصمة من الخطأ، بل نقول إن له أخطاء ليس هذا مجال تفصيلها، ولكنها لا تخل بأصل دعوته ومنهجه، كما أن عند غيره من الأخطاء التي لم تقدح في منـزلتهم وعلى سبيل المثال ابن حجر والنووي وابن الجوزي وابن حزم، فهؤلاء لهم أخطاء في العقيدة إلا أن أخطاءهم لم تجعل أحدا من أبناء الأمة ولا أعلامها يمتـنع من الاستفادة منهم أو يهضمهم حقهم وينكر فضائلهم ، فهم أئمة إلا فيما أخطئوا فيه، وهذا الحال مع سيد رحمه الله فأخطاؤه لم تقدح في أصل منهجه ودعوته لتوحيد الحاكمية وتعبيد الناس لربهم.

والقاعدة التي يجب أن تقرر في مثل هذه الحالات هي ما يستفاد من قول الله تعالى { يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا } فكل من حقق ما يجب تحقيقه من أصل الدين، ينظر بعد ذلك في سائر منهجه فإن كان خطؤه أكثر من صوابه وشره يغلب على نفعه فإنه يهمل قوله وتطوى كتبه ولا تروى ، وعلى ذلك فالقول الفصل في سيد رحمه الله أن أخطاءه مغمورة في جانب فضائله ودفاعه عن ( لا إله إلا الله )، لا سيما أنه حقق أصول المعتقد الصحيح ، وإن كان عليه بعض المآخذ وعبارات أطلقها لا نوافقه عليها رحمه الله.

وختاما لا يسعني إلا أن اذكر أنني أحسب سيدا والله حسيبه يشمله قوله عليه الصلاة والسلام ( سيد الشهداء حمزة، ورجل قام عند سلطان جائر فأمره ونهاه فقتله ) فنحسب أن سيدا رحمه الله قد حقق ذلك الشرط حيث قال كلمة حق عند سلطان جائر فقتله .. وأنقل كلمة له رحمه الله قبل إعدامه بقليل عندما أعجب أحد الضباط بفرح سيد قطب وسعادته عند سماعه نبأ الحكم عليه بالإعدام "الشهادة" وتعجب لأنه لم يحزن ويكتئب وينهار ويحبط فسأله قائلا : أنت تعتـقد أنك ستكون شهيدا فما معنى شهيد عندك؟ أجاب رحمه الله قائلا : الشهيد هو الذي يقدم شهادة من روحه ودمه أن دين الله أغلى عنده من حياته، ولذلك يبذل روحه وحياته فداء لدين الله .

وله رحمه الله من المواقف والأقوال التي لا يشك عارف بالحق أنها صادرة عن قلب قد مليء بحب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم، وحب التضحية لدينه، نسأل الله أن يرحمنا ويعفو عنا وإياه.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

قاله / حمود بن عقلاء الشعيبي

16/5/1421هـ

 

***

إلى والدي الدكتور....محمد عباس...رسالة دم ودموع؟؟ 

 

بسم الله وبعد...

إلى الأستاذ والدكتور والمفكر الإسلامي الكبير محمد عباس..حفظه الله..!!

يبعث لك عبد من عبيد الله...ومن عبيد الطاغوت الذي اشهر سيفه على رقابنا وقتل ابنائنا واستحيا نسائنا،حتى اصبحنا كحمر مستنفرة فرت من قسورة..؟؟

يبعث لك شاب يائس بائس...من شباب أمة كان شاعرها يقول :

1.      وكنا إذا الجبار صعّر خده**ضربناه حتى تستقيم الأخادد..؟؟

يبعث لك شاب بلغ به اليأس مبلغا،والبؤس حدا كبير جدا...؟؟

ابعث لك يادكتور هذه النزفات من قلب رجل يبكي...بلا ألم ويئن بلا شكوى وبلادموع..؟؟

لماذا تحرضني على البكاء يادكتور محمد..؟؟

اما يكفي بقلبي ما به،حتى اعاود البكاء والنحيب كل ما اقرأ لك مقالا او احس بوجودك وبروعتك وبتميزك...وبحرقة مقالاتك..؟؟

إني ابكي يادكتور....أبكي بكاء مرا علقما...؟؟

فعذرا ياسيدي...فوالله لا اراك لي الا ابا حنونا وأستاذا عطوفا...فعذرا منك يا والدي ان ارتميت في حضنك وهلة...وان طلبت النصح منك...وابتغيت الأمل من قلمك ومداد فكرك...؟؟

سيدي الفاضل...قرأت لك مقالك الأخير عن الأمام الشيخ أسامة...الله يحفظه..؟؟

ولاتدري ماذا فعل مقالك بي...اني ابكي يادكتور؟؟؟

فهل هذا ضعف ام رحمة...ام يأس ام بؤس....؟؟

سيدي الفاضل...تعلم ماذا يفعل بنا جنود الطاغية،لقد قتلوا ابنائنا واستحيوا نسائنا،ولازالوا يخططون ويرسمون ويقتلون،تحرضهم فتاوى علماء السلطان الذين انكشفوا على حقيقتهم لنا جميعا،قد تكون يادكتور لاتعلم كثيرا عن الخبايا التي نعلمها نحن من عشنا تحت ظل هذا النظام البدوي الهمجي المتغطرس..؟؟

لقد عشنا كعبيد في بلادنا...لاحق لنا في شي أبدا...حتى في الموت...يقتلوننا بدم بارد،ثم يأتون بعالم السلطان يرمي على جثثنا فتاوى اللعنة والتكفير،وعلى أجساد الطواغيت فتاوى الحق والنصر المبين..؟؟؟

لقد قتلوا فينا كل شي...لم نعد الا أجسادا ودمى من شحم ولحم...لقد ماتت قلوبنا ياسيدي..لقد ماتت مشاعرنا وأحاسيسنا...وكلاب السلطان على ابواب بيوتنا..تنتهكها في كل لحظة...في كل ثانية...في كل دقيقة...ثم حين يقوم أحد منا يدافع عن عرضه وأهله،يقتلونه ويسجنون زوجته وابنته،ويعذبون إخوانه،ثم يرسلون علمائهم الضلال،ليعطوهم صكوك الغفران،ببطولاتهم وشكرهم على قتلنا ،وبفتاوى أخرى بتكفيرنا وضلالنا وخروجنا...؟؟

ولم يقف الأمر عند علماء السلطة المكشوفين لنا عيانا بيانا، بل وصل الأمر لحد من كنا نسميهم بعلماء الصحوة،الذين كانوا ((يجعجعون؟؟)) ويحرضون أولادنا وإخواننا على الذهاب للجهاد والقتال،ولما فتنهم السلطان بالمال والملايين ..نكصوا على أعقابهم وأصبحوا يفتون بقتل هؤلاء الشبان الأطهار،ويفتون بكفرهم وبخروجهم،حتى وصل الحال بأحدهم أن يصبح محققا للصالحين في سجونهم،وان يصبح شاعرا – سخيفا – على أبواب السلاطين،يستجدي منهم المال،ليصبح أداة في أيديهم وفتوى متحركة يقلتنا بها، انى شاء السلطان...؟؟

سيدي الدكتور محمد...لا ادري ما أقول،ولكن اقسم لك ان احبك في الله ولله،وادعو لك في صلاتي،وحينما اقرأ لك لا البث ان اردد وأقول : ((لسه الدنيا بخير))؟؟

سيدي الفاضل...اشكرك على كل حرف كتبت به دفاعا وحبا عن أسامة،وما ادراك ما أسامة...؟؟

هذا الرجل العظيم...لاتدري كم نحب هذا الإنسان نحن أبناء الجزيرة،بشكل لايوصف ولا يصدق،ولا تصدق يادكتور مايقوله السلطان وأذنابه،ومفتوه،في حق هذا الرجل العظيم،الذي لم يدع لعلماء السلطان موطأ حصا لدى قلوب العامة،من العبيد كحالي وحال أبناء الجزيرة كلهم،لذا فهم يكرهون أسامة....ويكفرونه...ويحقدون عليه؟؟؟

سيدي الفاضل...لاتصدق كل مايقال عن الشيخ أسامة...فوالله انه لمحض هراء،ونحن نعرف أساليب هؤلاء السلاطين البشعة في القتل والطغيان،وشراء الذمم،!!

لقد قتلوا فينا كل إحساس بطعم الحياة...لقد أصبحنا عبيدا...في بلادنا...بشكل لايصدق،لانستطيع التحدث ولا الكلام،الكل يتوجس من الآخر،ولهم الحق في سجنك وتعذيبك ،هكذا....بدون محام ولا تحقيق ولا مايحزنون...وسيحزنون حينما يضع الله الموازين القسط ليوم القيامة....وعندها لا ظلم اليوم...؟؟

ولكن الظلم بشع يادكتور محمد...لقد ظلمونا،ظلما عظيما،وبالأمس فتحوا شمال بلادنا لتنطلق طائرات الصليب تقتل إخواننا في العراق،وقبله فتح المجال الجوي لطائرات الصليب لتقتل المساكين في أفغانستان...اقسم بالله إنها الحقيقة باعترافاتهم هم؟؟؟

سيدي ووالدي....انني يائس بائس...بلغ بي اليأس حد العزلة،والكمون،كمن فقد حبيبا كان له ملأ السمع والبصر،فاستوحش عليه الكون،واصبح يعيش في الآلآم بلا آمال..؟؟

ماذا افعل يادكتور...اني ابكي كثيرا،حينما اتذكر صورة محمد الدرة،وصورة إيمان حجو، أصبت بالأمراض النفسية...وانعزلت عن كل شي،وعن أي شي،فلا اسمع ولا اقرأ الا قتلا...ونهبا...وإجراما...وأقوم وأصحو على أشلاء ممزقة...في فلسطين وفي عراقنا الحبيب...فما الحل يادكتور..؟؟

لقد حاولت ان اعيش كما يعيش ملايين من الدهماء، لا هم ولا غم ولا اهتمام بأحوال المسلمين،ولكني لم استطع،ولن استطع، أليسوا بمسلمين ؟؟ أليس لهم الحق في ان انصرهم بما أستطيع...؟؟ولكني ما استطعت شيء...؟؟

حتى بلغ الأمر ليس فقط في فلسطين والعراق والشيشان...بل في بلادنا يقتل أبنائنا في بيوت الله،وتسحق أجسادهم الطاهرة،وهم راحلون للعراق يجاهدون،ويعتدى على نسائهم وعلى أخوانهم وأخواتهم،وفتاوى علماء السلطان....تنزل داعمة للطغاة،ومنتشية بأعمالهم،تدعو لهم بالنصر المبين،وتحرضهم على هذا ((الجهاد المزعوم)) نصرة لدين بوش....ولعقيدة شارون..؟؟

ثم بعد ذلك كله يفتنون الناس،ويصدونهم عن الخير،ويحللون قتل أولادهم بحجج سخيفة وباطلة،لا يستوعبها عقل عاقل..بحجة الإرهاب..؟؟

انهم يريدون ان يقلتوننا ونحن نسبح بحمدهم،ونقدس،ولم يعلموا انه حتى الدجاجة حينما تثار،ويعتدي الذئب على فراخها، تقاتل حتى الموت...بعزة وشرف..؟؟

يريدون أن يقتلوننا...وان يقتلوا العزة والشرف معنا،ثم يبعثوا بجثثنا لأهلينا، وفوق دمائنا فتوى علمائهم،،،بكفرنا واستباحة دمائنا...؟؟

سيدي الدكتور محمد....

إني احبك في الله ولله،واسأل الله ان يجمعني بك في جنات النعيم، أيها الكاتب الأديب أيها الرجل الشريف،أعذرني على هذا الهيجان العاطفي،وعلى هذه الكلمات الباكية،ويعلم الله لم أجد أحدا أثق فيه كثقتي فيك،فأرجو ان لا أكون قد أزعجتك بكل هذا الكلام،ولكن وكما قال الشاعر :

2.      لابد من شكوى إلى ذي مروءة **يواسيك أو يسليك أو يتوجع..؟؟

ماذا افعل يادكتور؟؟وبما تنصح شابا مريضا أصاب اليأس والبؤس قلبه،فاعتل الفكر وتعب القلب....وحار العقل..؟؟

كيف أستطيع ان انصر إخواني،بما أستطيع، وانا لا أستطيع فعل شيء؟؟

كيف أستطيع أن اخرج من هذه الحالة النفسية المزرية،وهذا الخوف الشديد،والعزلة التامة الموغلة في سرادب اليأس...؟؟

كيف أستطيع بعث الأمل في قلب حزين مكسور...اعتل منذ زمن؟؟؟

سيدي الفاضل...ابعث لك عبر الأثير هذه الصرخة...هذه المرارة..هذه الدمعات الحرّى النازفة...من قلب شاب يبكي وهو يرى جنود الكفر تستوطن بلد محمد وأرض القعقاع وعمر...لتعيث قتلا وأجراما وفسادا في الأرض شرقا وغربا...؟؟

لا تصدق يادكتور كل ما يقوله إعلام السلطان،على ألسنتنا نحن الشعب المسحوق،فكله بهت وكذب،وان تحدثنا فلن نقول الحق،لأننا شعب جبان رعديد...وهذه هي الحقيقة...فسنلعن في العلن أنفسنا ونجلد ذواتنا،ونسبح بحمد السلطان صباحا وعشيا،ونلعن ونكفر شبابنا وحتى أنفسنا...ولكننا في الحقيقة والواقع لا نقول الحق،وذلك من الخوف..؟؟

سيدي الدكتور محمد...انني قرأت لك كل ما تكتبه،من مقالات،واشكرك على ماتكبته في حق الشيخ أسامة،الذي كفروه ولعنوه وفسقه علماء السلطة،وما تركوا فيه قبيحة إلا وقالوها،ولا منكرة الا وأوردوها،وهم يعلمون انهم يكذبون،وان هذا الرجل بكل سلبياته لهو اشرف منهم كلهم،واصدق وأنقى واعظم منهم كلهم،ولكنهم يكرهونه لأنه تربع في قلوبنا نحن المسحوقين...من هذه الأمة...؟؟

لقد قرأت في مقالك الأخير إن أحد الأخوة من الأردن...عمل عمرة للشيخ أسامة،وأني أقسم بالله يادكتور محمد،لو قدر الله لي الذهاب لمكة إن شاء الله،لأؤدي العمرة عنك ولك أيها الكاتب العظيم...وسأدعو لك أن شاء الله تحت أستار الكعبة،أن يحفظك وان يجعلك الله مجاهدا بالقلم في سبيله،؟؟

فنحن ياسيدي...بحاجة لكم ولأمثالكم يادكتور محمد...؟؟

وأني لأشهدك واشهد الله أني احبك في الله...يادكتور ولا ابتغي من هذه المحبة الا وجه الله :

3.      أحب الصالحين ولست منهم**لعلي أن أنال بهم شفاعة
4.      وأكره من تجارته المعاصي**ولو كنا سواء في البضاعة؟؟

حفظكم الله ووفقكم المولى،يادكتور...

ولازال صدى السؤال يتردد...في الآفاق...ما الحل لشاب بائس يائس..بلغ اليأس والبؤس به مبلغه،لوددت أن تصل هذه الصرخات،وأسمع منها الرد إن أمكن...؟؟

كيف أستطيع أن أعيش حياة متوازنة...بعزة وبكرامة...أنا وملايين من أمثالي..؟؟

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أبو عمار

***

2.      كلامك نبضات قلبى 

شكرا لك سيدى على مجهودك البارع فى الكتابه الذى لم استطع ان احدثك من خلال رسالتى بما احسه نحوك لكن لا استطيع ان اقول انك تمثل ما يدور فى قلب كل مصرى وانت النبض الذى بات ينبض بنزيف منهمر وبات ينزف الى الان فشكرا لك سياده الرئيس الكاتب على اسماعنا لنبضات قلوبنا شكرا على احسلسك المرهف الذى لم يترك لك كبيره ولا صغيره الا وتحدث عنها وفقك الله وسدد خطاك ونصرك الله  ولله العزه جميعا ولرسوله وللمؤمنين

 محمد

 

***

الدكتور الفاضل محمد عباس .. سلمه الله

يسعدني أن أرسل لك ملف نصي بعنوان " رسالة الإمام إبن تيمية للمجاهدين " , وهي رسالة صغيرة جميلة جداً وغاية في الإمتاع ,  كتبها إبن تيمية للمجاهدين في حلب بعد أن تخلى عنهم حكام الشام ومصر وأضطروا لمواجهة جيش التتار الضخم لوحدهم , والرسالة عندما تقرأها تجدها وكأنها تحاكي واقعنا اليوم مباشرة ومن هنا أحتلت هذه الرسالة الشهيرة أهميتها وجاذبيتها الساحرة عند الكثير من المجاهدين في ثغورنا الإسلامية اليوم .

والرسالة عندما تقرأها بتركيز وعمق ستشعر أنها كتبت "بنور من الله" فعلاً وبدون أي مبالغة أو إطراء , لذا فهي جديرة بالقراءة والدراسة مرات ومرات .

تحياتي الغالية لك ,,

 

1.              بسم الله الرحمن الرحيم

وكَتَبَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَحْمَد ابْنُ تيمية - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ - لَمَّا قَدِمَ الْعَدُوُّ مِنْ التَّتَارِ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ إلَى حَلَبَ وَانْصَرَفَ عَسْكَرُ مِصْرَ وَبَقِيَ عَسْكَرُ الشَّامِ .

1.      بسم الله الرحمن الرحيم

 إلَى مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ - أَحْسَنَ اللَّهُ إلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَسْبَغَ عَلَيْهِمْ نِعَمَهُ بَاطِنَةً وَظَاهِرَةً وَنَصَرَهُمْ نَصْرًا عَزِيزًا وَفَتَحَ عَلَيْهِمْ فَتْحًا كَبِيرًا وَجَعَلَ لَهُمْ مِنْ لَدُنْه سُلْطَانًا نَصِيرًا وَجَعَلَهُمْ مُعْتَصِمِينَ بِحَبْلِهِ الْمَتِينِ مُهْتَدِينَ إلَى صِرَاطِهِ الْمُسْتَقِيمِ –

سَلَامٌ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ . فَإِنَّا نَحْمَدُ إلَيْكُمْ اللَّهَ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ وَهُوَ لِلْحَمْدِ أَهْلٌ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَنَسْأَلُهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى صَفْوَتِهِ مِنْ خَلِيقَتِهِ وَخَيْرَتِهِ مِنْ بَرِّيَّتِهِ مُحَمَّدٍ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا .

 أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاَللَّهِ شَهِيدًا وَجَعَلَهُ خَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَسَيِّدَ وَلَدِ آدَمَ مِنْ النَّاسِ أَجْمَعِينَ وَجَعَلَ كِتَابَهُ الَّذِي أَنْزَلَهُ  عَلَيْهِ مُهَيْمِنًا عَلَى مَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكُتُبِ وَمُصَدِّقًا لَهَا وَجَعَلَ أُمَّتَهُ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ : يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ ; فَهُمْ يُوفُونَ سَبْعِينَ فِرْقَةً هُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ وَقَدْ أَكْمَلَ لَهُمْ دِينَهُمْ وَأَتَمَّ عَلَيْهِمْ نِعْمَتَهُ وَرَضِيَ لَهُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا . فَلَيْسَ دِينٌ أَفْضَلَ مِنْ دِينِهِمْ الَّذِي جَاءَ بِهِ رَسُولُهُمْ وَلَا كِتَابٌ أَفْضَلَ مِنْ كِتَابِهِمْ وَلَا أُمَّةٌ خَيْرًا مِنْ أُمَّتِهِمْ . بَلْ كِتَابُنَا وَنَبِيُّنَا وَدِينُنَا وَأُمَّتُنَا أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ كِتَابٍ وَدِينٍ وَنَبِيٍّ وَأُمَّةٍ . فَاشْكُرُوا اللَّهَ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ . { وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ } وَاحْفَظُوا هَذِهِ الَّتِي بِهَا تَنَالُونَ نَعِيمَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاحْذَرُوا أَنْ تَكُونُوا مِمَّنْ بَدَّلَ نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا فَتُعْرِضُونَ عَنْ حِفْظِ هَذِهِ النِّعْمَةِ وَرِعَايَتِهَا فَيَحِيقُ بِكُمْ مَا حَاقَ بِمَنْ انْقَلَبَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَاشْتَغَلَ بِمَا لَا يَنْفَعُهُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا عَمَّا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ مِنْ مَصْلَحَةِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ فَخَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ . فَقَدْ سَمِعْتُمْ مَا نَعَتَ اللَّهُ بِهِ الشَّاكِرِينَ وَالْمُنْقَلِبِينَ حَيْثُ يَقُولُ : { وَمَا مُحَمَّدٌ إلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ } . أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ هَذِهِ الْآيَةَ وَمَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ لَمَّا انْكَسَرَ الْمُسْلِمُونَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم .  وَقُتِلَ جَمَاعَةٌ مِنْ خِيَارِ الْأُمَّةِ " وَثَبَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ طَائِفَةٍ يَسِيرَةٍ حَتَّى خَلَصَ إلَيْهِ الْعَدُوُّ فَكَسَرُوا رَبَاعِيَتَهُ وَشَجُّوا وَجْهَهُ وَهَشَّمُوا الْبَيْضَةَ عَلَى رَأْسِهِ وَقُتِلَ وَجُرِحَ دُونَهُ طَائِفَةٌ مِنْ خِيَارِ أَصْحَابِهِ لِذَبِّهِمْ عَنْهُ وَنَعَقَ الشَّيْطَانُ فِيهِمْ : أَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ . فَزَلْزَلَ ذَلِكَ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ حَتَّى انْهَزَمَ طَائِفَةٌ وَثَبَّتَ اللَّهُ آخَرِينَ حَتَّى ثَبَتُوا . وَكَذَلِكَ لَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَتَزَلْزَلَتْ الْقُلُوبُ وَاضْطَرَبَ حَبَلُ الدِّينِ وَغَشِيَتْ الذِّلَّةُ مَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ النَّاسِ حَتَّى خَرَجَ عَلَيْهِمْ الصِّدِّيقُ رضي الله عنها فَقَالَ : مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ وَقَرَأَ قَوْلَهُ : { وَمَا مُحَمَّدٌ إلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ } فَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَسْمَعُوهَا حَتَّى تَلَاهَا الصِّدِّيقُ رضي الله عنه فَلَا يُوجَدُ مِنْ النَّاسِ إلَّا مَنْ يَتْلُوهَا . وَارْتَدَّ بِسَبَبِ مَوْتِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَلَمَّا حَصَلَ لَهُمْ مِنْ الضَّعْفِ جَمَاعَاتٌ مِنْ النَّاسِ : قَوْمٌ ارْتَدُّوا عَنْ الدِّينِ بِالْكُلِّيَّةِ . وَقَوْمٌ ارْتَدُّوا عَنْ بَعْضِهِ فَقَالُوا : نُصَلِّي وَلَا نُزَكِّي . وَقَوْمٌ ارْتَدُّوا عَنْ إخْلَاصِ الدِّينِ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم . فَآمَنُوا مَعَ مُحَمَّدٍ  بِقَوْمٍ مِنْ النَّبِيِّينَ الْكَذَّابِينَ كمسيلمة الْكَذَّابِ وطليحة الأسدي وَغَيْرِهِمَا فَقَامَ إلَى جِهَادِهِمْ الشَّاكِرُونَ الَّذِينَ ثَبَتُوا عَلَى الدِّينِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالطُّلَقَاءِ وَالْأَعْرَابِ وَمَنْ اتَّبَعَهُمْ بِإِحْسَانِ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } هُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ جَاهَدُوا الْمُنْقَلِبِينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ الَّذِينَ لَمْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا . وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ مِنْ آيَةٍ إلَّا وَقَدْ عَمِلَ بِهَا قَوْمٌ وَسَيَعْمَلُ بِهَا آخَرُونَ . فَمَنْ كَانَ مِنْ الشَّاكِرِينَ الثَّابِتِينَ عَلَى الدِّينِ الَّذِينَ يُحِبُّهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ ; فَإِنَّهُ يُجَاهِدُ الْمُنْقَلِبِينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ الَّذِينَ يَخْرُجُونَ عَنْ الدِّينِ وَيَأْخُذُونَ بَعْضَهُ وَيَدَعُونَ بَعْضَهُ كَحَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ الْمُفْسِدِينَ الَّذِينَ خَرَجُوا عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَتَكَلَّمَ بَعْضُهُمْ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَتَسَمَّى بِالْإِسْلَامِ مِنْ غَيْرِ الْتِزَامِ شَرِيعَتِهِ ; فَإِنَّ عَسْكَرَهُمْ مُشْتَمِلٌ عَلَى أَرْبَعِ طَوَائِفَ :

كَافِرَةٌ بَاقِيَةٌ عَلَى كُفْرِهَا : مِنْ الكرج وَالْأَرْمَنِ وَالْمَغُولِ .

وَطَائِفَةٍ كَانَتْ مُسْلِمَةً فَارْتَدَتْ عَنْ الْإِسْلَامِ وَانْقَلَبَتْ عَلَى عَقِبَيْهَا : مِنْ الْعَرَبِ وَالْفُرْسِ وَالرُّومِ وَغَيْرِهِمْ . وَهَؤُلَاءِ أَعْظَمُ جُرْمًا عِنْدَ اللَّهِ  وَعِنْدَ رَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ . فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يَجِبُ قَتْلُهُمْ حَتْمًا مَا لَمْ يَرْجِعُوا إلَى مَا خَرَجُوا عَنْهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْقَدَ لَهُمْ ذِمَّةٌ وَلَا هُدْنَةٌ وَلَا أَمَانٌ وَلَا يُطْلَقُ أَسِيرُهُمْ وَلَا يُفَادَى بِمَالِ وَلَا رِجَالٍ وَلَا تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ وَلَا تُنْكَحُ نِسَاؤُهُمْ وَلَا يسترقون ; مَعَ بَقَائِهِمْ عَلَى الرِّدَّةِ بِالِاتِّفَاقِ . وَيُقْتَلُ مَنْ قَاتَلَ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يُقَاتِلْ ; كَالشَّيْخِ الْهَرِمِ وَالْأَعْمَى وَالزَّمِنِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ . وَكَذَا نِسَاؤُهُمْ عِنْدَ الْجُمْهُورِ . وَالْكَافِرُ الْأَصْلِيُّ يَجُوزُ أَنْ يُعْقَدُ لَهُ أَمَانٌ وَهُدْنَةٌ وَيَجُوزُ الْمَنُّ عَلَيْهِ وَالْمُفَادَاةُ بِهِ إذَا كَانَ أَسِيرًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَيَجُوزُ إذَا كَانَ كِتَابِيًّا أَنْ يُعْقَدُ لَهُ ذِمَّةٌ وَيُؤْكَلُ طَعَامُهُمْ وَتُنْكَحُ نِسَاؤُهُمْ وَلَا تُقْتَلُ نِسَاؤُهُمْ إلَّا أَنْ يُقَاتِلْنَ بِقَوْلِ أَوْ عَمَلٍ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ . وَكَذَلِكَ لَا يُقْتَلُ مِنْهُمْ إلَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ . فَالْكَافِرُ الْمُرْتَدُّ أَسْوَأُ حَالًا فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا مِنْ الْكَافِرِ الْمُسْتَمِرِّ عَلَى كُفْرِهِ . وَهَؤُلَاءِ الْقَوْمُ فِيهِمْ مِنْ الْمُرْتَدَّةِ مَا لَا يُحْصِي عَدَدَهُمْ إلَّا اللَّهُ . فَهَذَانِ صِنْفَانِ.

 

 وَفِيهِمْ أَيْضًا مَنْ كَانَ كَافِرًا فَانْتَسَبَ إلَى الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَلْتَزِمْ شَرَائِعَهُ ; مِنْ إقَامَةِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَحَجِّ الْبَيْتِ وَالْكَفِّ عَنْ دِمَاءِ  الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالِهِمْ وَالْتِزَامِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَضَرْب الْجِزْيَةِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَغَيْر ذَلِكَ ، وَهَؤُلَاءِ يَجِبُ قِتَالُهُمْ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا قَاتَلَ الصِّدِّيقُ مَانِعِي الزَّكَاةِ ; بَلْ هَؤُلَاءِ شَرٌّ مِنْهُمْ مِنْ وُجُوهٍ وَكَمَا قَاتَلَ الصَّحَابَةُ أَيْضًا مَعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ - عَلِيٍّ رضي الله عنه - الْخَوَارِجَ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَيْثُ قَالَ صلى الله عليه وسلم فِي وَصْفِهِمْ : { تُحَقِّرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ أَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا عِنْدَ اللَّهِ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } وَقَالَ : { لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ مَاذَا لَهُمْ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ لَنَكَلُوا عَنْ الْعَمَلِ } وَقَالَ : { هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ خَيْرُ قَتْلَى مَنْ قَتَلُوهُ } . فَهَؤُلَاءِ مَعَ كَثْرَةِ صِيَامِهِمْ وَصَلَاتِهِمْ وَقِرَاءَتِهِمْ . أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقِتَالِهِمْ وَقَاتَلَهُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ مَعَهُ وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ فِي قِتَالِهِمْ كَمَا اخْتَلَفُوا فِي قِتَالِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَالشَّامِ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُقَاتِلُونَ الْمُسْلِمِينَ . فَإِنَّ هَؤُلَاءِ شَرٌّ مِنْ أُولَئِكَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مِثْلَهُمْ فِي الِاعْتِقَادِ ; فَإِنَّ مَعَهُمْ مَنْ يُوَافِقُ رَأْيُهُ فِي الْمُسْلِمِينَ رَأْيَ الْخَوَارِجِ . فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ .

 وَفِيهِمْ صِنْفٌ رَابِعٌ شَرٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ ، وَهُمْ قَوْمٌ ارْتَدُّوا عَنْ شَرَائِعِ  الْإِسْلَامِ وَبَقُوا مُسْتَمْسِكِينَ بِالِانْتِسَابِ إلَيْهِ . فَهَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ الْمُرْتَدُّونَ وَالدَّاخِلُونَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ الْتِزَامٍ لِشَرَائِعِهِ وَالْمُرْتَدُّونَ عَنْ شَرَائِعِهِ لَا عَنْ سَمْتِهِ : كُلُّهُمْ يَجِبُ قِتَالُهُمْ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يَلْتَزِمُوا شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ وَحَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ وَحَتَّى تَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ - الَّتِي هِيَ كِتَابُهُ وَمَا فِيهِ مِنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَخَبَرِهِ - هِيَ الْعُلْيَا ، هَذَا إذَا كَانُوا قَاطِنِينَ فِي أَرْضِهِمْ فَكَيْفَ إذَا اسْتَوْلَوْا عَلَى أَرَاضِي الْإِسْلَامِ : مِنْ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ وَالْجَزِيرَةِ وَالرُّومِ فَكَيْفَ إذَا قَصَدُوكُمْ وَصَالُوا عَلَيْكُمْ بَغْيًا وَعُدْوَانًا { أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } { قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ } { وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } . وَاعْلَمُوا - أَصْلَحَكُمْ اللَّهُ - أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ أَنَّهُ قَالَ : { لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ } وَثَبَتَ أَنَّهُمْ بِالشَّامِ .

 فَهَذِهِ الْفِتْنَةُ قَدْ تُفَرِّقُ النَّاسُ فِيهَا ثَلَاثَ فِرَقٍ :

الطَّائِفَةُ الْمَنْصُورَةُ وَهُمْ الْمُجَاهِدُونَ لِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ .

وَالطَّائِفَةُ الْمُخَالِفَةُ وَهُمْ هَؤُلَاءِ  الْقَوْمُ وَمَنْ تَحَيَّزَ إلَيْهِمْ مِنْ خبالة الْمُنْتَسِبِينَ إلَى الْإِسْلَامِ .

وَالطَّائِفَةُ الْمُخَذِّلَةُ وَهُمْ الْقَاعِدُونَ عَنْ جِهَادِهِمْ ; وَإِنْ كَانُوا صَحِيحِي الْإِسْلَامِ . فَلْيَنْظُرْ الرَّجُلُ أَيَكُونُ مِنْ الطَّائِفَةِ الْمَنْصُورَةِ أَمْ مِنْ الْخَاذِلَةِ أَمْ مِنْ الْمُخَالِفَةِ ؟ فَمَا بَقِيَ قِسْمٌ رَابِعٌ .

 وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجِهَادَ فِيهِ خَيْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَفِي تَرْكِهِ خَسَارَةُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ : { قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إلَّا إحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ } يَعْنِي : إمَّا النَّصْرُ وَالظَّفَرُ وَإِمَّا الشَّهَادَةُ وَالْجَنَّةُ فَمَنْ عَاشَ مِنْ الْمُجَاهِدِينَ كَانَ كَرِيمًا لَهُ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَحُسْنُ ثَوَابِ الْآخِرَةِ . وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ أَوْ قُتِلَ فَإِلَى الْجَنَّةِ . قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : { يُعْطَى الشَّهِيدُ سِتُّ خِصَالٍ يُغْفَرُ لَهُ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهِ وَيُرَى مَقْعَدُهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَيُكْسَى حُلَّةً مِنْ الْإِيمَانِ وَيُزَوَّجُ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ وَيُوقَى فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَيُؤْمَنُ مِنْ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ } رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ . وَقَالَ صلى الله عليه وسلم : { إنَّ فِي الْجَنَّةِ لَمِائَةَ دَرَجَةٍ . مَا بَيْنَ الدَّرَجَةِ إلَى الدَّرَجَةِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَعَدَّهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ } فَهَذَا ارْتِفَاعُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ فِي الْجَنَّةِ لِأَهْلِ الْجِهَادِ . وَقَالَ صلى الله عليه وسلم : { مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَثَلُ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الْقَانِتِ الَّذِي لَا يَفْتُرُ مِنْ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ } { وَقَالَ رَجُلٌ : أَخْبِرْنِي بِعَمَلِ يَعْدِلُ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟ قَالَ : لَا تَسْتَطِيعُهُ .  قَالَ : أَخْبِرْنِي بِهِ ؟ قَالَ : هَلْ تَسْتَطِيعُ إذَا خَرَجَ الْمُجَاهِدُ أَنْ تَصُومَ لَا تُفْطِرُ وَتَقُومَ لَا تَفْتُرُ ؟ قَالَ : لَا . قَالَ : فَذَلِكَ الَّذِي يَعْدِلُ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } . وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا . وَكَذَلِكَ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ - فِيمَا أَعْلَمُ - عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي التَّطَوُّعَاتِ أَفْضَلُ مِنْ الْجِهَادِ . فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْحَجِّ وَأَفْضَلُ مِنْ الصَّوْمِ التَّطَوُّعِ وَأَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ التَّطَوُّعِ. وَالْمُرَابَطَةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ الْمُجَاوَرَةِ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ حَتَّى قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه : لَأَنْ أُرَابِطُ لَيْلَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُوَافِقَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ عِنْدَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ . فَقَدْ اخْتَارَ الرِّبَاطَ لَيْلَةً عَلَى الْعِبَادَةِ فِي أَفْضَلِ اللَّيَالِي عِنْدَ أَفْضَلِ الْبِقَاعِ ; وَلِهَذَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ يُقِيمُونَ بِالْمَدِينَةِ دُونَ مَكَّةَ ; لَمَعَانٍ مِنْهَا أَنَّهُمْ كَانُوا مُرَابِطِينَ بِالْمَدِينَةِ . فَإِنَّ الرِّبَاطَ هُوَ الْمَقَامُ بِمَكَانِ يُخِيفُهُ الْعَدُوُّ وَيُخِيفُ الْعَدُوَّ فَمَنْ أَقَامَ فِيهِ بِنِيَّةِ دَفْعِ الْعَدُوِّ فَهُوَ مُرَابِطٌ وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : { رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ يَوْمٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَنَازِلِ } رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ وَصَحَّحُوهُ . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ " عَنْ سَلْمَانَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ { : رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ وَمَنْ مَاتَ مُرَابِطًا أُجْرِيَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَأَمِنَ الْفَتَّانَ } يَعْنِي مُنْكَرًا وَنَكِيرًا ، فَهَذَا فِي الرِّبَاطِ فَكَيْفَ الْجِهَادُ . 

وَقَالَ صلى الله عليه وسلم : { لَا يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدُخَانٌ جَهَنَّمَ فِي وَجْهِ عَبْدٍ أَبَدًا } وَقَالَ {مَنْ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَهُمَا اللَّهُ عَلَى النَّارِ } فَهَذَا فِي الْغُبَارِ الَّذِي يُصِيبُ الْوَجْهَ وَالرِّجْلَ فَكَيْفَ بِمَا هُوَ أَشَقُّ مِنْهُ ; كَالثَّلْجِ وَالْبَرْدِ وَالْوَحْلِ ، وَلِهَذَا عَابَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يَتَعَلَّلُونَ بِالْعَوَائِقِ كَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ . فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : { فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ } وَهَكَذَا الَّذِينَ يَقُولُونَ : لَا تَنْفِرُوا فِي الْبَرْدِ فَيُقَالُ : نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ بَرْدًا . كَمَا أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : { اشْتَكَتْ النَّارُ إلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ : رَبِّي أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَأْذَنْ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ فَأَشُدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ فَهُوَ مِنْ زَمْهَرِيرِ جَهَنَّمَ } فَالْمُؤْمِنُ يَدْفَعُ بِصَبْرِهِ عَلَى الْحَرِّ وَالْبَرْدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّ جَهَنَّمَ وَبَرْدَهَا وَالْمُنَافِقُ يَفِرُّ مِنْ حَرِّ الدُّنْيَا وَبَرْدِهَا حَتَّى يَقَعَ فِي حَرِّ جَهَنَّمَ وَزَمْهَرِيرِهَا .

وَاعْلَمُوا - أَصْلَحَكُمْ اللَّهُ - أَنَّ النُّصْرَةَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَاَلَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ، وَهَؤُلَاءِ الْقَوْمُ مَقْهُورُونَ مَقْمُوعُونَ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَاصِرُنَا عَلَيْهِمْ وَمُنْتَقِمٌ لَنَا مِنْهُمْ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ ، فَأَبْشِرُوا بِنَصْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِحُسْنِ  عَاقِبَتِهِ { وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } وَهَذَا أَمْرٌ قَدْ تَيَقَّنَّاهُ وَتَحَقَّقْنَاهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } { تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } { يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } { وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ } .

وَاعْلَمُوا - أَصْلَحَكُمْ اللَّهُ - أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ عَلَى مَنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا أَنْ أَحْيَاهُ إلَى هَذَا الْوَقْتِ الَّذِي يُجَدِّدُ اللَّهُ فِيهِ الدِّينَ وَيُحْيِي فِيهِ شِعَارَ الْمُسْلِمِينَ وَأَحْوَالَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدِينَ حَتَّى يَكُونَ شَبِيهًا بِالسَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ .

فَمَنْ قَامَ فِي هَذَا الْوَقْتِ بِذَلِكَ كَانَ مِنْ التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ الَّذِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ، فَيَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَشْكُرُوا اللَّهَ تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الْمِحْنَةِ الَّتِي  حَقِيقَتُهَا مِنْحَةٌ كَرِيمَةٌ مِنْ اللَّهِ وَهَذِهِ الْفِتْنَةُ الَّتِي فِي بَاطِنِهَا نِعْمَةٌ جَسِيمَةٌ حَتَّى وَاَللَّهِ لَوْ كَانَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ - كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِمْ - حَاضِرِينَ فِي هَذَا الزَّمَانِ لَكَانَ مِنْ أَفْضَلِ أَعْمَالِهِمْ جِهَادُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ، وَلَا يَفُوتُ مِثْلُ هَذِهِ الْغُزَاةِ إلَّا مَنْ خَسِرَتْ تِجَارَتُهُ وَسَفَّهَ نَفْسَهُ وَحُرِمَ حَظًّا عَظِيمًا مِنْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ; إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ عَذَّرَ اللَّهُ تَعَالَى كَالْمَرِيضِ وَالْفَقِيرِ وَالْأَعْمَى وَغَيْرِهِمْ وَإِلَّا فَمَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَهُوَ عَاجِزٌ بِبَدَنِهِ فَلْيَغْزُ بِمَالِهِ . فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فَقَدْ غَزَا وَمَنْ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ بِخَيْرِ فَقَدْ غَزَا } وَمَنْ كَانَ قَادِرًا بِبَدَنِهِ وَهُوَ فَقِيرٌ فَلْيَأْخُذْ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ مَا يَتَجَهَّزُ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَأْخُوذُ زَكَاةً أَوْ صِلَةً أَوْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ; حَتَّى لَوْ كَانَ الرَّجُلُ قَدْ حَصَلَ بِيَدِهِ مَالٌ حَرَامٌ وَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ إلَى أَصْحَابِهِ لِجَهْلِهِ بِهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَوْ كَانَ بِيَدِهِ وَدَائِعُ أَوْ رُهُونٌ أَوْ عَوَارٍ قَدْ تَعَذَّرَ مَعْرِفَةُ أَصْحَابِهَا فَلْيُنْفِقْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَصْرِفُهَا .

وَمَنْ كَانَ كَثِيرَ الذُّنُوبِ فَأَعْظَمُ دَوَائِهِ الْجِهَادُ ; فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَغْفِرُ ذُنُوبَهُ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : { يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } .

وَمَنْ أَرَادَ التَّخَلُّصَ مِنْ الْحَرَامِ وَالتَّوْبَةَ وَلَا يُمْكِنُ رَدُّهُ إلَى أَصْحَابِهِ فَلْيُنْفِقْهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَنْ أَصْحَابِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ طَرِيقٌ حَسَنَةٌ إلَى  خَلَاصِهِ مَعَ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ أَجْرِ الْجِهَادِ .

وَكَذَلِكَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ فِي دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ وَحَمِيَّتِهَا فَعَلَيْهِ بِالْجِهَادِ ; فَإِنَّ الَّذِينَ يَتَعَصَّبُونَ لِلْقَبَائِلِ وَغَيْرِ الْقَبَائِلِ - مِثْلَ قَيْسٍ وَيُمَنِّ وَهِلَالٍ وَأَسَدٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ - كُلُّ هَؤُلَاءِ إذَا قُتِلُوا فَإِنَّ الْقَاتِلَ وَالْمَقْتُولَ فِي النَّارِ كَذَلِكَ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : { إذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ . قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ ؟ قَالَ : إنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ أَخِيهِ } أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ . وَقَالَ صلى الله عليه وسلم : { مَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عمية : يَغْضَبُ لِعَصَبِيَّةِ وَيَدْعُو لِعَصَبِيَّةٍ فَهُوَ فِي النَّارِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ صلى الله عليه وسلم : { مَنْ تَعَزَّى بِعَزَاءِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعِضُّوهُ بهن أَبِيهِ وَلَا تَكْنُوا فَسَمِعَ أَبَيُّ بْنُ كَعْبٍ رَجُلًا يَقُولُ : يَا لِفُلَانِ فَقَالَ : اعْضَضْ أَيْرَ أَبِيك فَقَالَ : يَا أَبَا الْمُنْذِرِ ; مَا كُنْت فَاحِشًا . فَقَالَ بِهَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم } . رَوَاهُ أَحْمَد فِي مُسْنَدِهِ . وَمَعْنَى قَوْلِهِ : { مَنْ تَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ } يَعْنِي يَعْتَزِي بِعِزْوَاتِهِمْ وَهِيَ الِانْتِسَابُ إلَيْهِمْ فِي الدَّعْوَةِ مِثْلَ قَوْلِهِ : يَا لِقَيْسِ يَا ليمن وَيَا لِهِلَالِ وَيَا لِأَسَدِ فَمَنْ تَعَصَّبَ لِأَهْلِ بَلْدَتِهِ أَوْ مَذْهَبِهِ أَوْ طَرِيقَتِهِ أَوْ قَرَابَتِهِ أَوْ لِأَصْدِقَائِهِ دُونَ غَيْرِهِمْ كَانَتْ فِيهِ شُعْبَةٌ مِنْ الْجَاهِلِيَّةِ حَتَّى يَكُونَ الْمُؤْمِنُونَ كَمَا أَمَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مُعْتَصِمِينَ بِحَبْلِهِ وَكِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ . فَإِنَّ  كِتَابَهُمْ وَاحِدٌ وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ وَنَبِيُّهُمْ وَاحِدٌ وَرَبُّهُمْ إلَهٌ وَاحِدٌ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } { وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : تَبْيَضُّ وُجُوهُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَتَسْوَدُّ وُجُوهُ أَهْلِ الْفُرْقَةِ وَالْبِدْعَةِ .

فَاَللَّهَ ; اللَّهَ ، عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ والائتلاف عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ ; يَجْمَعْ اللَّهُ قُلُوبَكُمْ وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَحْصُلْ لَكُمْ خَيْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ .

أَعَانَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ عَلَى طَاعَتِهِ وَعِبَادَتِهِ وَصَرَفَ عَنَّا وَعَنْكُمْ سَبِيلَ مَعْصِيَتِهِ وَآتَانَا وَإِيَّاكُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَوَقَانَا عَذَابَ النَّارِ وَجَعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ مِمَّنْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُ جَنَّاتِ النَّعِيمِ إنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَهُوَ حَسَبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ .

وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

***

السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة ,,

اخى الدكتور الفاضل /محمد عباس تحية طيبة لك ,, وبعد :

فقد قرأت مقالك الأخير الذى هو رسالة شوق الى الشيخ أسامه بن لادن ..

فقد كفيت ووفيت بارك الله فيك .

واحببت  ان ارسل لك هذه الرسالة واقول لك امض على الطريق بارك الله فيك ولا تلتفت الى المثبطين المرجفين.

جزاكم الله خيرا ..

اخوك فى الله /العابر الشرقي ..

***

هل أغلقوا "الشعب"؟

 سيدي كل عام وأنتم بخير وأسألكم لا أستطيع الدخول على موقع جريدة الشعب هل تم إغلاقه؟ ومرة أخرى كل عام وأنتم بخير

وشكرا

***

السيد المحترم الدكتور / محمد عباس

            السلام عليكم ورحمه الله

           أحبكم وأحترمكم

أرجو المعذرة ....لم أجد حلا آخر للسؤال عن طريقه الوصول الى عنوان غير مقفول لجريده الشعب إلا البحث فى تسجيلاتى لاسترجع عنوان موقع سيادتكم الذى أعلم أنه يحتوى على رابطه الى صحيفه الشعب ..ولكن ..للأسف هذه الرابطه أيضا لم تصلنى بالصحيفة المحترمة..

1.  هل هناك طريقه للوصول يمكن سيادتكم أن تدلنى عليها..؟

جزاكم الله كل خير

  محمد عبد الحميد

*** أخي في الله:  يحاولون إغلاقها..  فحاول أن تجرب هذا:

http://www.all-nettools.com/tools4.htm

ثم اكتب فيه:

www.alshaab.com

***

الأخ الكريم / د. محمد عباس

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كنت متابعاً لجريدة الشعب الإلكترونية حتى تم منعها من قبل الحكومة المصرية عليها من الله ما تستحق حتى ضيقوا علينا المتنفس الوحيد لنا برجاء تسجيل عنوان بريدي الإلكتروني لإرسال نسخ الجريدة عليه

وعنواني

)...( @yahoo.com

2.  رجاء حار أن تساعدني في هذا الأمر وجزاكم الله خيراً

وبلغ سلامي ودعواتي للقائمين على الجريدة

وإذا لم يتيسر ذلك لأي سبب برجاء إبلاغي بذلك

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 *** : ويا أخي في الله تم إبلاغ رغبتك لرئاسة التحرير.. ولكنني أدعوك و إخوتك لمساعدتنا في صد الهجوم وفك الحصار.. فيمكنك على سبيل المثال الدخول إلى الشعب بطريقة من الطرق المذكورة في هذا البريد.. ثم تكون أنت مجموعات بريدية ترسلها لأصدقائك ومعارفك.. فإن كانت لديك خبرة أكثر فالمطلوب منك أكثر..

م ع

***

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أبى العزيز الغالي

اعلم انك قد تكون في ضيق من الظروف الأخيرة المحيطة بموقع الشعب ولكن أردت ان أقول لك شيء عله يخفف عنك شيء من ما بك عندما علمت بإغلاقهم هذا الموقع برغم اني أصابني ضيق في بادئ الأمر ولكن شعرت بعدها بلحظات "ببرد حلاوة الانتصار فقد  "شعرت بحلاوة الظلم لأول مرة لانه اشعرني بخوف من امامي ويا لضعف موقفهم فلو كانوا على حق فلما اذا جاء الامر باغلاق الموقع  "ولا هو اللي علي راسه بطحة" والكلام جايلهم علي جرح  لا تقلق يا ابي فنحن كقراء سنبحث عنكم وسيربطنا بكم الله اينما كنتم لاننا علي حق نريدكم ونريد دفاعكم انتم عنا وعن الحق وكل ما يؤرقني انكم انتوا اللي في وش المدفع ونحن خلفكم  ولكني ادعو الله ان يثبتكم وينصركم .وان يقوينا لنستطيع التعلم منكم ويا عالم جايز ربنا يمن علينا معكم ويستعملنا في نصرة دينه 

***

                                       بسم الله الرحمن الرحيم

المجاهد الكبير الأستاذ الدكتور محمد عباس السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كل عام و أنت بمليون خير وصحه وعافيه أطال الله فى عمرك ومتعك بوافر الصحه لنا وللمسلمين جميعا لقد فى قلبك الكبير كل هموم الأمه فجزاك الله عنا كل خير أيها الرجل الكريم والمجاهد العظيم فى كتيبة الشعب الغراء اكثر من 13 عام وأنا و لا املك غير الدموع و الحزن على حال خير أمه أخرجت للناس كنت قلق الفتره التى أنقطعت فيها عن الكتابه وسعدت جدا بمقالك الأخير عن شيخ المجاهدين أسامه وأشهد الله أنى احبكم فى الله فآنت ترفع سلاح القلم الذى أقسم الله به ونشهد الله أنك قد أديت الامانه بإخلاص شديد لله ورسوله صلى الله عليه وسلام وأحب أن أعرفك بآن صحيفة الشعب الغراء و مقالتك أنت والأستاذ الفاضل محمود أبو شنب و الأستاذ المجاهد الكبير مجدى حسين و جميع مجاهدى الشعب موضع أهتمام ونقاش من جميع الجاليه العربيه فى أوربا  وأمريكا ولقد لمست ذلك بنفسى لما  فيها من صدق و غيره على الإسلام و المسلمين فجزاك الله عن الإسلام و المسلمين خيرا هذه هى أول مره  أكتب لك وكنت قد حاولت الاتصال بك فى مصر ولكنى لم اوفق الرجاء الدعاء لى فآنى والله أدعو لك أنت وشيخ المجاهدين وجميع المجاهدين فى فلسطين وافغانستان والعراق وكشمير والشيشان والفلبين التى كانت عاصمته أمان ألله أتذكر مقالتك الرائعه سلسة الوعى ينزف من ثقوب الذكره كنت جاهل بآشىء كثيره فجزاك ألله عنى كل خيرا  وأخيرا أرجو منك الدعاء لى بالاشفاء فاانا من ضحيا يوسف ولى فيروس (سى) وادعو لى ايضا بآن يردنى الله الى  اهلى سالم غانم والسلام عليكم ورحمته وبركاته كل عام وانت بخير انت واسرتك الكريمه

ابنك سعد

***

3.      إلى موقظ الجيل 

الدكتور محمد عباس

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

اكتب إليك لهدف واحد و هو أن احظى بشرف الكتابة إليك أرجو ان تعذر لى و لغيرى ممن يراسلونك ركاكة الإسلوب أو الأخطاء اللغوية  فما اندر من يجيدون لغتنا فى اجيالنا هذه ومن سبقنا من الأجيال القريبة ايضاهذا لأنك تعلم وكم علمتنا عبر مقالاتك و كتبك الثمينة حجم النجاح الذى حققة أعداء ديننا و لغتنا فى ما يسمونة بالتربية و التعليم و الإعلام و الثقافة و كل المؤسسات الحكومية المدعومة بل و المرهونة وجودها على مدى ما تدمره فى الأجيال بل وتهدم ما يبنية المصلحون ذوى المرجعية الدينية وذوى الوعى من الأهل وما اقلهم وحتى الفطرة السليمة المرشدة إلى طريق الصواب

أقول المدعومة من الحلف الصليبى الصهيونى المسيطر عليهم تماما و غيرهم من حكومات العالم و لا ينفى هذا مقدار ذرة من جرمهم وخيانتهم المتأصلة والتى لولا وجودها لما تم دعمهم بل ولا إختيارهم لمهامهم أصلاهذا الحلف الذى حشد كل قواه الإقتصادية و على اثرها العسكرية و الإعلامية مدعوما من الشيطان و أقصد شيطان الجن قبل الإنس الذى توعد بضلال العباد و هذا للقضاء على الدين كلة وهو الإسلام و أقصد شيطان الإنس قبل الجن لأنة هو الذى تفوق فى الشر و أبدع فى التنفيذ قدم كل تلك القوى لتبدوا فى حربها و كأنها هى الهدف كحرب إقتصادية  مع التضليل الإعلامى فى صحفنا و وسائط إعلامنا العميل لإخفاء الهدف الذى من أجلة يحدث كل ما يحدث و هو عقيدتنا لكن هل نحن فعلا الجانب الخير فى تلك الحرب؟

ألا نستحق فى مجموعنا كأمة إسلامية حيث تخص الحسنة و تعم البلوى ولا يتفرقون إلا فى الآخرة ما يحدث لنا من تدميرهل ظهرت إحصائية تبين نسبة المصلين وهم المسلمون إلى غيرهم و هم المنتسبوننسبة من يستحلون الاغانى أو من هم يتجاهلون تحريمها و يحرصون عليها إلى غيرهمألم تسمع عن ذلك العدد الهائل من المكالمات الهاتفية الدولية من العالم العربى لترشيح ذلك المطرب أو تلك الغانية و لا أقول المغنية هل حقا لو قامت الخلافة أو الحكم الإسلامي ايا كانت صورته و قاومت قوى الشر العالمى و حاربت كل هذا الفساد محليا أو إقليميا داخل حدودها هل تضمن عدم طعنها من الخلف من قبل الشعوب بل و مظاهرتها أتخيل كم وحجم الغضب و السخط الشعبى بل و المظاهرات التى لم تحدث عند ذبحنا لإعادة الفنانين تحت شعارات الحرية و الترفية و الترويح عن القلوب و الساعة المخصصة للقلب بعد التى خصصت كذبا للربألا يفعل مدمن المخدرات المستحيل للحصول على جرعتة صعبة المنال

آآآآآآآآة

كم نجح هؤلاء ممن قاموا بتربيتنا و تعليمنا و إعلامنا و تثقيفنا لا يكاد أحد يجهل ما تفعلة تلك الحكومات العميلة مقالاتك و مقالات الأستاذ محمود شنب والأستاذ مجدى حسين و الكثيرون تصرخ بتلك الأفاعيل سدوا كل سبل الإكتفاء الذاتى من الغذاء ثم سيطروا على منافذ جلب الأغذية من خلال مناصب فى حجم نائب رئيس الوزراء و رئيس الوزراء و رئيس الدولة ثم حصروا مصادر الغذاء على ذلك الحلف العدو الذى يهجم علينا علانية الآن و تصرخ كل الكيانات المقاومة بل المجاهدة بالكارثة المتمثلة فى الأغذية الملوثة بالإشعاع و المهندسة وراثيا و الملوثة بالمبيدات لتكون النتيجة أرقاما قياسية عالمية فى الإصابات بالأمراض القاتلة فى إبادة جماعية قل أن يوجد لحجمها نظير ولا من مجيب أفسدوا الأخلاق العامة و الفطرة السليمة بالتضييق الإقتصادى  و سد سبل تيسير الزواج مع  فتح كل السبل لهدم الأسر القائمة فعلا عن طريق توجيه التقنين لتيسير الطلاق و الخلع  و تمرد الزوجات  بسبب إستقلالهن المادى عن اسرهن و الطرق المستمر على وجوب حريتها من قوامة الزوج هذا إلى جانب توجيب حريتها من الحجاب و تربية الأبناء و تحققت أرقام قياسية للطلاق  تنضم إلى أرقام قياسية للعنوسة  لتؤدى إلى أرقام قياسية لإنتشار الزنى و المفاسد ملأوا الدنيا ضجيجا عن النمو الإقتصادى و التنمية الإقتصادية و النهضة الكبرى و الرفاهية والرخاء و مشاريع البنية التحتية و و و و  وها نحن نرى بأعيننا لا بأعين الأجيال القادمة تلك النهضة أتذكر كلمة للأستاذ محمد جلال كشك عن الشعارات الحكومية حينما تحدث عن الدليل الماكر الذى يطوف بالعطشى فى الصحراء و يدور بهم فى دوائر حتى يهلكوا او يجنوا او يندفعون إلى اول كامبطاردوا كل مظهر إسلامى للإقتصاد و دعموا كل ما هو ربا بين حتى قل أن يوجد بيت مسلم لا يدخلة نصيب من تلك الأموال التى ورد فى السنة أنها أكثر تحريما من الزنا بالأم أمموا المساجد و أغلقوها بين الصلوات و قد يتم إغلاقها تماما كترتيب منطقى لما يحدث و  وضعوا عليها الرقباء ومنعوا التدريس بها بل و طاردوا من يداوم على إرتيادها و وضعوا الخطب المسبقة التجهيز للأئمة أمسك شيخهم العميل الذى لا يشك أحد فى عمالتة دعم الكتاتيب التى كانت آخر منبع لحفظ القرآن فى الصغر حفظة فقط بدون تدريسة ثم إختصار المناهج القرآنية بالأزهر بحجة التطوير هذا إلى عدم وجود الدين فى التعليم هذا الى جانب الفتاوى بتحليل الربا وأحقية نزع الحجاب و و و وإقتحموا البيوت من خلال القنوات الأرضية و الفضائية المتخصصة فى الفحش والرقص والغناء و أصبح المعتاد للجميع هو الجلوس و السهر و التحديق فى المفاتن مناهج التعليم التى هى مناهج للتجهيل و التعتيم و التعمية  فى حقيقتها وغيرها من المصائب التى لم يعد أحد قادر على إحصائها وتسمع ما يذهل عندما تجد الكثيرين ممن لا ينتفعون من تلك الحكومات من الأفراد العاديين يدافعون عنها و يبررون  ما تفعلة الحكومات و يحصر جرائمهم بل اخطائهم فى الفساد المالى والتأخر الإقتصادى و و و و إلى آخر ما يؤثر فى حياتنا اليومية ولا عجب فى ما يحدث لنا مع هذا الجهل و التجاهل و النظر تحت الأقدام هذا مع تحقير ما يكتب فى الكيانات المقاومة بل المجاهدة مثل جريدة الشعب و إتهامها بتعكير الصفو إثارة الفتن للمصالح الشخصية والحقد الحزبى و حشد الأتباع و السعى لمقاعد الحكم و و و و

تجد من يردد كالببغاء ما تردده وسائط الإعلام العميل عن عمالة التيارات  الإسلامية و توجيهها من قبل المخابرات الأمريكية والأرصدة المزعومة بالبنوك و  وحشية ما يفعلونه فى الأقصر مع السائحين الآمنين وأن سبب ما يحدث لهم من تعذيب  و مطاردة هى نهايتهم المتوقعة من قبل المخابرات بعد إنتهاء أدوارهم المتفق  عليها مثل قتل السياسى العبقرى والزعيم المؤمن الذى سبق عصره هل سينزل نصر الله عينا هكذا من أجل من أجل قلة قليلة تحاول الثبات ينتصر الجميع و يجنون الثمار هناك صحوة إسلامية نشأت كرد فعل لتلك الحرب نعم  ولكن ما أغرب إسلامهم فى هذا الزمن وسط السواد الأعظم ممن ينجرفون بل و  يخشى على مقاومة  تلك القلة للتيار و كأن حالهم هو الإنتظار لذلك الإنهيار أجيالنا التى نشأت أمام التلفاز و ما يبثة من أفلام و مسلسلات و فوازير و لغة  عامية ساقطة و تعليم لا يجهل أحد مصائبة و كارثة حقيقية فى النقص الدينى الشديد الذى لا تكاد تجد معه من يحفظ أقل القليل  من القرآن و الأحاديث والسيرة و من يحفظ لا يفهم و من يفهم لن تجد من يطبقة و  يتخذه منهجا و محكما فى حياته أجيالنا هذه  تبدو و كأنها لا أمل بها للتغيير و مقاومة تلك الحرب لولا ما رأيناة من أفضل البشر بعد الأنبياء وهم الصحابة الأولين رضوان الله  عليهم كانت نشأتهم فى مجتمعات مشركة و إعتقاد معظمهم مع إعتقاد تلك المجتمعات و كان منهم ما نعرف بعد إسلامهم من خير أبلغوة و أمانة بلغت أطراف الدنيا فى  ذلك العصر

نعم كان بينهم رسول الله تعلموا على يديه و رأوا بأعينهم ما لم نرة كانوا خير البشر لأن من تعلم على يدى رسول الله ليس كمن تعلم من غيره

لكن ما أتى به رسول الله  بقى و قيض الله ورثة رسوله  للحفاظ علية و تبليغة ها قد بلغنا ولكن فعلنا معة مثلما فعل المنافقون

التعبيير الأصح تربينا وتعلمنا أن نفعل ما يفعلة المنافقون ضعفنا اللغوى المتعمد حرمنا من فهم ديننا

ضيقنا المالى المتعمد صرفنا لاهثين خلف لقمة العيش يأسنا المتعمد مع ضعفنا المتعمد صرف عنا الأمل فى النصر

رغم مقالاتك و كتبك العظيمة التى لا أشك فى أثرها و فاعليتها فى التنشئة و التغيير

دعنى أسأل سيادتك سؤالا صغيرا فى كلماتة بسيطا فى مظهره رهيبا فى إجابتة : ما هو الحل؟

أى منهج محدد الخطوات واضح المعالم يمكنة تغيير هذة الأجيال من القاع وهذا بعد  خطوتك الآولى فى توضيح الكارثة من خلال مقالاتك و كتبك؟

أرجو إلتماس العذر لإطالتى فهى المرة الآولى التى أراسلك فيها بعد سنوات من متابعة جريدة الشعب

أرجو أيضا تجربة تغيير أرقام DNS التى يتم إلتقاطها أوتوماتيكيا من مزودات  الخدمة بمصر لأرقام اخرى خارج مصر ثابتة للدخول على موقع جريدة الشعب الذى  يمنعونة مثل تلك الأرقام

204.178.72.1, 204.178.72.30

165.87.194.244, 165.87.201.244

63.210.22.8

ربما تجد لتلك الطريقة نفعا

و أرجو أيضا تكليفى بأى عمل تطوعى فى مجال البرمجة على أى نحو تراه مناسبا

لخدمة موقعكم

خالد

*** ليتك يا خالد يا أخي في الله.. وليت إخوانك ممن يقرءون تجدون حلا لمحاولة الطواغيت إغلاق الشعب.. وهناك اقتراح لا أدري أبعاده فنيا.. و هي أن يقوم قراء الشعب الذين يملكون الخبرة الكافية بالدخول على موقع الشعب المحجوب داخل مصر و إعادة بثه على مواقع غير محجوبة و الإعلان عن عنوان هذه الأماكن في الإنترنت والقوائم البريدية.

د محمد عباس

***

4.       رسالة شكر وتقدير 

أخي الكريم دكتور محمد عباس

جزاك الله عنا خيرا وسدد على الدرب خطاك وجعل كلماتك سهاما تخترق أحشاء الظالمين إنني مراسل جديد أردت أن أعبر عن تقديري واعتزازي بالدكتور محمد عباس وبكل من يسير على دربه

أخوكم في الله محمد أبو جهاد 

***

 

jazaka ALLAHU alla ihtimamikum lil islam wa al mouslimeen wa alla houbika li sheikh al batal osama bin ladin

***

 رسالة مهمة   السادة : كل وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية :.

أرسل إليكم هذه الشهادة من مواطن مصري ، فرد عادي  ، إنسان ، آدمي ، يحيا على  أرض مصر ليست له أي انتماءات حزبية . يعتبر أن من أبسط حقوقه أن توصلوا صوته  للناس ، وهو ينتظر منكم أن تفعلوا ذلك ، فإن أبيتم فذلك شأنكم ، ولكنكم تكونوا  قد تقاعستم عن أداء دوركم وقصرتم في النهوض برسالتكم . وإنكم ستتساءلون ولماذا لم تفعل ذلك أنت؟ وإني أرد عليكم السؤال ، كيف أفعل  ذلك؟

تعلمون أنه من الصعوبة بمكان أن أتمكن من ذلك ، وقبل أن أفعل شيئا سأكون في  غياهب السجون ، وذلك في أحسن الأحوال . وما ذلك لأني أقول كلاما يؤاخذ عليه  قانونا ، كلا والله فإن كل ما قلته في هذا الكتيب الصغير الذي أسميته " حتمية الديموقراطية " هو أبسط حقوقي ، وهو بمثابة نصيحة وتوجيه ورأي مخلص  وشهادة أمينة . ولكننا في غابة ، القانون فيها ممتهن والحقوق مهدرة ، وبالمناسبة هذا الكلام  ليس بخصوص الرئيس مبارك ، وحده ، وإنما هو بخصوص الاستبداد والديكتاتورية  والقهر والظلم عموما ، وللأسف فقد  تصادف أن تكون في وقتنا هذا ممثلة في شخص هذا الرئيس وجهازه الحاكم .

وقد يتساءل البعض ، لماذا لا أعلن عن نفسي وأسمي هذه الشهادة بإسمي؟ ولماذا  أحتفظ بذلك؟ وما هي الفائدة من ذلك؟

في البداية إنني أفضل أن تظل هذه الشهادة من مجهول ما أمكنني ذلك وأفضل عدم  معرفتي إلا أن يشاء ربي شيئا آخر وذلك لأسباب ، الأول : إنني أعمل عملا أبتغي به وجه الله ، وأرجو ثوابه ، ولكي  يكون ذلك خالصا لوجه الله ليس فيه أي شبهة  رياء أو سمعة فإني أختفي تماما ،  ولا يهمني إلا النتائج والثمار والآثار لبلدي الطيب .

الثاني : إن الله يطلب منا ألا نلقي بأيدينا إلى التهلكة ، فإذا أمكننا أن نفعل  ما يجب أن نفعله بدون أن يحدث لي ضرر فذلك أولى ، ولا يخفى على أحد الأضرار التي تحدث لمن يقولون للمستبدين  والظالمين كفوا أيديكم ، وارحلوا عنا غير  مأسوف عليكم .

الثالث : إني لا أريد شيئا لنفسي ولا أبتغي أي منفعة شخصية أو أن أحل محل هؤلاء  الذين تسلطوا على أمرنا ولا يريدون أن يرحلوا عنا ويتركوننا وشأننا ، وكل ما

أريده أن يوسد الأمر إلى أهله ،الذين يرتضيهم الناخبون ، وأن يكون هناك تداول سلمي للسلطة ، أريد أن أرى اليوم الذي يتم فيه ذلك في بلدي  مصر وفي باقي أقطار أمتنا العربية المنكوبة .

إذن ما هو المطلوب منكم ؟ المطلوب ببساطة أن تقوموا مشكورين بتوصيل هذا الصوت  إلى الناس ، وتسألونهم عن مدى صحة ما جاء في هذه الرسالة ... وتعرفون منهم ما هو الصحيح وما هو غير الصحيح ، وذلك حقكم وواجبكم في نفس الوقت ، وهذا هو صميم دوركم كوسائل إعلام ، وأنتم أعلم بذلك مني ، ولا تحتاجون من يذكركم بذلك.

***

الاخ الفاضل /د محمد عباس

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

اعرفك بنفسى

عبد الرحمن ش ...

من ارض الكنانه

العمر 40 عام

اعمل مقاول بناء با(...)

الميلاد/ دقهليه

من /محبى الشعب

اتابع مقالاتك عبر جريده الشعب المغضوب عليها من طواغيت العصر

سعدت جدا لموقعك الجيد الذى لم ار مثيل له فى طريقه عرض المادة المكتوبه اتألم لما صار اليه حال امتنا الان واؤمن بشده بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان النصر للاتقى فأن لم يكن  هناك اتقى فأن النصر للاقوى) وكما ترى اخى الفاضل حالنا اليوم لاقوه ولاتقوى وكنت اريد ان اعبر عن امتننانى لك عن موقعك الذى ارى فيه تنوير وشحذ همم وبعث  الروح فى ماتبقى من شرفاء هذه الامة

والله من وراء القصد

1.  وشكرا لك

***

بعد تحية الإسـلام ياأخي في الله دعني أقول لك تعليقاً على مقالك رسالة شوق إلى أسامة بن لادن..

الطواغيت يضحون بالمجاهدين قرابين بشرية إلى المجرم بوش.. السعودية تروع المجاهدين كي تمنعهم من الجهاد في العراق..

يا أخي هل نحن محتاجون لفقهاء أو مفتين لكي يقرروا لنا ما قد تقرر شرعا بنصوص الكتاب والسنة من كفر زعماء العصابات المسمون بالزعماء العرب .

وهل نحن في تردد أن نتلفظ بها.

وهل عندك أدنى شك في أن كل فرد في أجهزة المخابرات العربية (جهاز الشرطة – قوى الأمن والطوارئ وأخص بالذكر أفراد جهاز أمن الدولة والمباحث أنهم وقبل أن ينتسبوا إلى هذا الجهاز الباطش لابد وأن يثبتوا بما لايدع مجالاً للشك أنهم أولاد حرام  وإن لم يكونوا كذلك . وقد يكون أبآءهم صالحين ومع ذلك قرروا هم أن يكونوا أبناء حرام الزعيم. أما من يسمون بفقهاء السلطة ، فوالله أنني لاأريد أن أنجس قلمي بالكتابة عنهم ولاأقل من أن أقول إنهم فقهاء الدولة العبيدية بل أولئك خير منهم. وسلم لي على العلماء. هل سمعت خطبة يوم عرفة ؟ المفتي والخطيب بعرفات كان يثير الغثيان بنفاقه المفضوح . حتى منبر الحج قد تم تأميمه.

***

 

basm alah alrhman alrahim

aldaktoar mohamed abbas .

ana  habit an ashkorak warid an atklam maak kasiran wlakn aarf  mda saawbat alklam bhazihi alloghah  fana alan fi italia wla amlok kombiotar bih alloghah alaarbia arid an ashokrak ala alrsalh alti ktbtha al shikhna wahbibna  ( osama bn ladin ) lany oksamlak balah ya doktoar mohamed  any kabl ma hadratk taktab alrsalh  ana  kont awaz aktabha  bs   manaany aolan alaarbi sanian makotash hakder aktab bnafs asloabk algamil alrakik  alshaik ali hadratk katbt bih  ashan kda habit ashkorak .

ahab aarafk any mshtrak gadid fi alshaab  bs sadkni mn wakt maarftha wakrat lhadratk  ana mafish andy  ghir kotab wamkalatk wa  sit  alshaab wa hazab alaamal  wabdaailko rabna maako waiaanko aala alzalmah ali andko warbna yawafako  ya rab.

 

ibrahim nasr   

                  mwatn masry    mtghrab  bsabb alhakm alzalm

 

***

 

الموضوع:  موضوع الحجاب وموقف الأزهر 

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الأخ الأستاذ الدكتور محمد عباس

نأمل أن نقرأ مقالا لسيادتك تعليقا على كبوة الأمام الأكبر – كما وصفها الأستاذ فهمي هو يدي – وكذا الرد الهزيل الذي صاغه الشيخ سيد طنطاوي وطلب تحويل الأمر إلى وزير الخارجية أو وزير السياحة !  وكان الأفضل أن يطلب تحويل الأمر إلى وزير الأعلام ليتم (التنوير) على طريقة الفيديو كليب !

اللهم ارفع عنا مقتك وغضبك وردنا إليك ردا جميلا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مصطفى عبدالعال

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مرارة الندم..!!

التغيير لن يبدأ إلا بتغيير الحكام..

وهم لن يسلموا إلا بالقوة..

لماذا تخافين الموت يا أمة؟!

 

2.              بقلم د محمد عباس

 

ما أشد مرارة الندم الذي يعتريني عندما أكتشف في نهايات العمر أنني لم أختر الاختيار الصحيح.. و أنه كان علىّ أن أستشهد مع الشهيد العظيم سيد قطب .. فإن كان الأمر قد فاتني عام 1966 فقد كان يمكنني أن أنال شرفه مرة أخرى مع الشهيد العظيم الشيخ أحمد ياسين عام 2004..

ما أشد مرارة الندم حين أدرك أنه وقد فاتني هذا وذاك فإنني لم أشرف بالجهاد مع شيخنا العظيم أسامة بن لادن و أيمن الظواهري ورفاقهما ولو لأمسح عن أقدامهم غبارا عفرها وهم يجاهدون في سبيل الله..

***

طوال الأسابيع الأخيرة أحاول أن أكتب فيسحقني أن كل ما كتبته طوال عمري لا يساوى رصاصة يطلقها مجاهد لتمزق قلب شيطان أمريكي أو إسرائيلي نجس. . بل إنها لا تساوي مجرد حجر يقذفه طفل فلسطيني..

وعندما استشهد حبيبي وسيدي الشيخ أحمد ياسين.. حاولت أن أكتب عنه..

كان كساكن قصر..

ليس مجرد ساكن..

بل ملك حقيقي..

ليس كالدّعار والأطفال والدمى الذين فرضوهم علينا وسموهم ملوكا ورؤساء و أمراء..

ملك حقيقي ليس كمثل ملك وقصر منيف ليس كمثله قصر..

وعندما فكرت أن أكتب بدت كلماتي كمتسول أشعث أغبر معفر الوجه ممزق الثياب حافي القدمين .. وبدا منظر ذلك المتسول وهو يحوم حول القصر مستهجنا ومريبا..

صرخت في المتسول:

-    -   ابتعد يا صعلوك عن قصور الملوك.. ابتعد.. فلو أنك أطلقت ذات يوم رصاصة أو قذفت بحجر لكان ذلك أجدى من كل ما كتبت ولكان جواز مرورك.. ولسمح لك بالدخول للتهنئة لا للعزاء..

وعجزت عن الكتابة..

وجاءتني رسالة ابني الفلسطيني..

هل قلت ابني؟؟!!..

يا لوقاحة الصعلوك..

هل أجرؤ على أن أطلق على أي فلسطيني كلمة " ابني"؟!..

لكنه هو الذي ناداني في رسالته بــ:"أبي"..

هل كان علىّ أن أصارحه أنني لا أملك الشرف الذي يبيح لي أن أقبل نداءه لي بيا أبي؟!!

هل كان علىّ أن أصارحه بأنني أبو الفشل والعجز والإحباط واليأس والمواقف الخاطئة والانخداع والقصور، العجز لا عن أن أكون شهيدا كالشهيد أحمد ياسين أو الشهيد سيد قطب.. ولا عن أن أكون مجاهدا في جيش المجاهد العظيم أسامة بن لادن رضي الله عنه.. بل العجز عن أن أطلق رصاصة أو أن أقذف حجرا.. ولو أنني فعلت فربما حق لي أن أكون أبا لذلك الفلسطيني الغالي الذي كتب في رسالته:

3.              رسالة من فلسطين الذبيحة

السيد الكريم والدكتور الفاضل والأب الغالي /

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سيدي الدكتور سامحني أبي الغالي على تكرار مراسلاتي لك , لكن يشهد الله أنني لا أفعل ذلك إلا ثقة وحبا فيك ولك

ولا ألجأ إلي ذلك إلا عندما تضيق بي الدنيا وتظلم أمام ناظري

سيدي الدكتور الفاضل / الآن وقد حدث ما كنا نتوقعه - في رسالتي الأخيرة إليك-، نعم فقد قتل الشيخ الياسين أملنا بعد الله جل في علاه في هذه الدنيا ، الآن وقد أصبحنا كالأيتام على موائد اللئام ، الآن وقد شعرنا أننا نجتث من الأرض ، والآن ونحن نبكي شيخنا دما وألما وحسرا ت ، ولا نبكي عليه لأنه قد فاز بإذن الله ، ومات ميتة ولا أروع ، ميتة من لا يتمنى مثلها فهو لم يعرف بعد معني هذه الحياة ولم يحسن البيع لله عز وجل .

نبكي يا دكتور على أنفسنا التي أصبحنا بعده كالقطيع في ليلة ظلماء بلا حادي ولا دليل ، نبكي على أمتنا التي أسلمت رقبتها للجزار وتخلت عن دورها تجاه هذه القضية وتركت فلسطين وأهلها وأخيارها نهباً لأخس وأحقر الملل .

سيدي الدكتور /ذهب الشيخ الشهيد إلى عالمه وهنيئاً له الفردوس الأعلى فقد كانت نعم الخاتمة ونشهد له على ذلك

ولكن سيدي دماء الشيخ وأشلاءه وبقايا كرسيه وقطع وشاحه المتناثرة تستصرخنا وتستنهضنا وهي دين في رقابنا ورقاب هذه الأمة نعم دين وأي دين

فما هو طعم الحياة بعد هذا الرجل

نحن هنا في فلسطين تلامذة ومحبين وأنصار لهذا الشيخ قد قطعنا على أنفسنا عهدا وأقسمنا على بقايا أشلاءه قسماً تهتز منه الجبال بأن بكل قطعة من جسده تناثرت وبكل شظية طارت من كرسيه وبكل شقفة تطايرت من وشاحه ، سيكون بإذن الله نارا وحمماً ولهيبا فوق رؤوس بني يهود

ولكن سيدي ...الشيخ الشهيد هو ليس رمزا لنا فحسب بل هو لكل الأمة ولذلك ما على الأمة أن تفعل الآن ؟ هال ستبتلع الإهانة والتحدي وتسكت أم ستقول كلمتها في هذا المصاب الجلل ، وترد اعتبارها وهذا الذي نتمناه ،فإن لم يحركها هذا الزلال فيا ترى ما الذي سيحركها ؟ وخاصة سيدي أن أحد اليهود المجرمين اليوم قال: لم يبق أمامنا الآن سوى إزالة المسجد الأقصى ، وترى إن حدث ذلك والأمة في سباتها - رغم أن إراقة دم المسلم كما حدث اليوم أعظم حرمة عند الله من ذلك - فما هو مبرر وجودها.؟؟؟؟

سيدي ... نعلم أن ليس اليهود وحدهم من ولغ في دماء الشيخ وصحبه بل إن هناك من ساعدهم وأشار عليهم وبارك نيتهم من أطراف محلية وأطراف مجاورة ترى في الشيخ وفكره وحركته خطراً على كراسيها وعلى أطماعها وعلى مصالحها وهم لا يخفون على أحد ، ولذلك هم شركاء في هذه الجريمة ، وهؤلاء سيتكفل بهم رب العالمين ولن يمهلهم طويلا فدماء العلماء والأولياء مسمومة وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .

سيدي الدكتور .. قال اليهود أن تصفية الشيخ ياسين هو بداية القضاء على الإسلام في فلسطين وستتبعها خطوات أخرى بمنتهى التبجح والعنجهية ( لهم حق في ذلك فممن سيخشون؟؟ )، ولكن سيدي خاب فألهم فوالله الذي لا إله غيره إن شهادة هذا الشيخ وبهذا الشكل وفي هذا المكان قد أحيت البعث الإسلامي من جديد ليس في هذه الديار بل في العالم الإسلامي أجمع فهذا الرجل كما كانت حياته بعثا للدعوة في هذه الديار فشهادته ستكون إن شاء الله بعثا للإسلام في كل المعمورة .

هذه رسالتي ولا داعي لكثرة الكلام فالآن جاء دور العمل ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

سيدي أطلت عليك ..ولكن سامحني ففي القلب لا زال الكثير الكثير ولا أريد أن أزعجك وأتمنى أن تكون قد وصلت الرسالة

وفي الختام اسأل الله لك طول العمر والسلامة من كل مكروه وأن يحسن خاتمتك

وجزاك الله عنا خير الجزاء

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ابنكم (...)

***

وكنت أقرأ الرسالة و أصرخ في نفسي:

-    -   ابتعد يا صعلوك عن قصور الملوك.. فهذا الفتي المجاهد لم يترك لك أي فضل أو مزيد من العقل والحكمة والتحليل فماذا يمكن أن تقول بعده..

وكنت أبكي و أنتحب..

وليس البكاء والنحيب شيئا يشرفني ذكره.. بل والله يا قراء يخجلني..

هل كان يعزيني قبل ذلك أن أشبه بكائي - وبكاءكم يا قراء- ببكاء النساء..؟؟!!..

نساء فلسطين سلبوا منا هذا العزاء..

كففن عن البكاء ورحن يستشهدن في سبيل الله وبقينا نحن لا رجالا نجاهد ولا نساء يستشهدن ولا أطفالا يقذفون بالأحجار.. بقينا نزعم أننا كتاب ونملك الجرأة والوقاحة ما يبيح لنا أن نحلل و أن نوزع نصائحنا..

ومع رسالة الفلسطيني الغالي الذي لا أجرؤ على التشرف بأبوته كنت أطالع الصور الذي تناقلتها وكالات الأنباء للشهيد أحمد ياسين..

لم يبق منه إلا وجهه..

الوجه فقط..

كم من حكامنا الدّعار الآن يحتفلون بمن يدلك لهم أجسادهم أو يصبغ لهم شعورهم.. لكنهم لا وجه لهم..

لا وجه لهم...

لا وجه لهم...

وفي هذه اللحظة تماما.. هل يستقل ذلك الملك الفاجر طائرته الخاصة إلى قصره على تلك الربوة الشهيرة في مدينة القمار لاس فيجاس .. ذلك القصر الذي اشتراه بملايين الدولارات.. ليذهب إليه سرا يلعب القمار كل آن وآن..

يـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاه..

كم كان يمكن للشهيد العظيم أن يفعل لو توفرت بعض أموال القمار والقصور لينفقها على الجهاد في سبيل الله..

كنت أراقب الصور..

صور الشهيد العظيم الذي لم يبق منه إلا وجهه..

وانشققت إلى نصفين..

نصف يكاد يقتله الفرح بتلك الخاتمة العظيمة التي يستحقها الشهيد إن شاء الله..

ونصف يقتله الألم .. ألم العجز والقهر وعار الصمت على حكامنا والعجز عن إزالتهم..

نصف يتشظى من الفخر..

ونصف يتشظى من القهر..

أحسست أنني أتفتت.. و أنني لا أطيق مواصلة الحياة دقيقة واحدة أخرى..

هتفت :

-   يـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا رب..

لكن سيخا من الحديد المحمي اخترق قلبي و أنا أقرأ الخبر التالي..

كان الخبر ينعي الكاتب المجاهد العظيم محمد قطب.. شقيق الشهيد سيد قطب.. و أعظم من دافع عن الهوية الإسلامية في العقود الأخيرة كلها..

تضاعف ما بي..

كنت أظن أنني بلغت الحد الأقصى الذي لا مزيد عليه لألم لكنني وجدته يتضاعف.. ووجدتني أنهار و أتلاشى وأنا أهتف:

-   أيضــــــــــــــــــــــا..

لكنني سرعان ما أدركت كيف يعزيني ربي فقد كان الخبر التالي ينفي شائعة موت محمد قطب.

***

لست أدري لماذا لم أتوقع استشهاد الشيخ أحمد ياسين رغم أنني أكتشف الآن أن الرجل كان هو الذي يطارد الاستشهاد ويبحث عنه ويتعقبه طيلة عمره.. ومنذ سجنه الأول في سجون عبد الناصر حتى استشهاده ..

كان قلبي الواجف يرتجف رعبا على حبيبي وسيدي ومولاي المجاهد أسامة بن لادن رضي الله عنه..

وكانت الرسالة من قارئ أردني تقول:

مولاي الدكتور محمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

أرجوك أن تجيب على رسالتي بأية طريقة تشاء، أسألك بالله العلي العظيم أن تجيب.

هل صحيح أن أسامة بن لادن قد أعتقل؟ تورد وكالات الأنباء خبر اعتقاله وتنفي أمريكا وعملائها، وأخشى ما أخشاه بأن ما يقال بأن بوش يؤجل إعلان خبر اعتقال سيدنا أسامه لحين اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية هو كلام صحيح... أسألك بالله يا دكتور محمد أن تطمئنني وأن تقول لي بأن ذلك ليس صحيحاً، لا أعلم لماذا أتوجه بسؤالي هذا إليك، لربما لم أعد من أصدقه وأستطيع أن أصل إليه سواك، لربما لم أعد بمن أثق بقدرته وبقربه من الله سواك، لربما تستطيع أن تجيب على سؤالي بحدس المرهف وإيمانك القوي....قل لي بالله عليك بأن الله لن يخذل أسامة ولن يسلمه إلى أعداءٍ يذيقونه الهوان، قل لي بالله عليك بأن الله سيتكرم عليه بالشهادة بدلاً من ذلك.

أعلم بأنني أجدف في كلماتي هذه، وأعلم بأنك بشر لم يطلعك الله على الغيب، ولكن لا ملجأ لي سواك، لم أستطع النوم البارحة من هذا الخبر المقلق.

عادل - الأردن

وكتبت إليه:

أخي عادل

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

أبكتني رسالتك.. وقبل أن تستبد بك الظنون فإن الشيخ أسامة رضى الله عنه بخير إن شاء الله.. وليس الأمر أمر أمنيات فقط بل اتصلت بمن لهم باع في التحليل والمعلومات فأكدوا لي ذلك، كما أكدوا لي أن أمريكا تسرب هذه الأخبار كي تدفع بطلنا الغالي للتحرك فتكتشفه.

وعلى الرغم من هذا يا أخي..

هل الشيخ أسامة فوق الرسل؟؟

أفإن مات أو قتل.. أو حتى أسر انقلبتم على أعقابكم..

أنا يا أخي في الله مثلك..

ولست أدعي شجاعة أو تجلدا..

أدعو الله أن يتقبله شهيدا..

لكن ..إذا شاء الله - لا قدر الله - أن يؤسر..

أعترف لك أنني سأبكيه حتى الموت..

لكن لن يهتز يقيني بالله أبدا..

جزاك الله خيرا .. وطمأنني و إياك.. ونصر الإسلام والمؤمنين وحفظ من نحسبه خير خلقه على ظهر الأرض الآن: الشيخ أسامة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وكتب هو مرة أخرى:

4.              بسم الله الرحمن الرحيم

سيدي الدكتور محمد عباس..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد..

طمأنك الله في الدنيا والآخرة كما طمأنتني عن حبيبنا أسامة بن لادن، أنا أثق بما تقول يا دكتور، أثق بقدرتك على التحليل وببصيرتك وإيمانك، وكان جوابك الكريم أثراً لا يمكن وصفه، كنت بحاجة إلى كلمات مثل كلماتك الحكيمة تطفئ لهيب القلق الذي انتابني منذ سماعي لشائعة اعتقال سيدنا أسامه.

سيدي، لا تحسب للحظة بأننا نحن شباب المسلمين نرى في سيدنا أسامه كائناً فوق البشر أو فوق الرسل، حاشا لله، نعلم بأنه بشر يموت. ولكن محبتنا له وخوفنا عليه تخرجنا عن طورنا أحياناً لا بل وأقسم بالله العظيم تجعلنا نتمنى له الموت، ولكم أتمنى أن أصحو ذات صباح لأسمع بأنه قتل أو مات حتى موته طبيعية، أتمنى ذلك حتى أتخلص من هاجس يلازمني ليلاً نهاراً بأنهم قد يستطيعون أسره ومسّ شعيرات لحيته الكريمة... ولقد لازمني هذا الهاجس بالأخص منذ رؤيتي لصدام حسين أسيراً مهاناً. وأرجو أن لا تظن بأنني أقارن بينهما، فشتان.

لكن أسامة ليس صدام، ورجال أسامة ليسوا طلاب حياة وأعضاء في حزب البعث، هذا ما يقرّ القلب، لذا فإنهم لن يمكنوا منه أعداء الله بإذنه الواحد الأحد، ولن تغريهم كنوز الدنيا وجوائز بوش الصليبية...

سيدي الدكتور محمد، أرجو المعذرة على مراسلتي إياك شخصياً، أعلم بأنني أثقل عليك وأنت صاحب الهموم الكبيرة. لقد أفرحني ردك على رسالتي فرحاً شخصياً، وفي نفس اللحظات أنّبتُ نفسي على تكبيدك مشاق الرد، فأنت صاحب رسالة كبيرة لذا فإن من حقك علينا نحن أبناءك أن لا نشغلك. أدام الله عليك الصحة يا سيدي، وأبقاك ذخراً لمحبيك وما أكثرهم، وشكراً على مكرمتك الكبيرة في الرد على رسالتي، شرف لا أستحقه والله العظيم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

***

لم يكن استشهاد الشيخ أحمد ياسين هو ما يقلقنا إذن..

بل كان قلقنا على حبيبنا الغالي في أفغانستان..

ثم بعدها الأخبار عن محاصرة البطل المجاهد أيمن الظواهري في مناطق القبائل في وزيرستان بباكستان.. وكنت أصرخ في الشعب الباكستاني ألا يخنع كما خنعنا.. و ألا يحسن الظن في حاكم خائن يخدعه حتى يتمكن منه ثم يسلمه إلى أعدائه.. فلا يدرك الشعب المخدوع المسكين حقيقة ما حدث له إلا بعد أن يكتمل حصاره وتنسد طرق الخلاص أمامه..

كنت أصرخ في الشعب الباكستاني : لا تقع في خطيئتنا..

لا تنتظر.. تول أمرك قبل أن يوردك الخائن موارد التهلكة والبوار.. وقبل أن تخسر الدنيا والآخرة..

لا تنتظر يا شعب باكستان.. فإن أسامة بن لادن و أيمن الظواهري هم وديعة الله عندكم شرفكم بها فلا تضيعوها.. فإنكم إن تضيعوها تضيعوا في الوقت نفسه كل شرفكم وكل تاريخكم وتظل اللعنة تحيق بكم أبد الدهر كما تحيق بمن سلم سبط الرسول الكريم عليه صلوات الله وسلامه الإمام الحسين رضي الله عنه..

لا تنتظر..

و أنت أيها الجيش : ما تنتظر؟..

وهل يليق بالجيش أن يواصل حماية الخائن الذي ستترتب على أفعاله ضياع الدنيا والآخرة والوطن والدولة والأمة .. والجيش أيضا..

وكان الحصار يضيق في وزيرستان فيضيق قفص صدري على قلبي..

و أحسست بغصة في القلب لا في الحلق..

كيف وقعت في هذا الخطأ الفادح.. كيف لم أكتب عن هذا البطل العظيم أيمن الظواهري لأقول له أنه - حتى إن ضيعه الناس - فلن يضيعه الله أبدا.. كيف لم أكتب لأقول له كم يحظى بين أمته الإسلامية بالتأييد والإعزاز والإكبار والحب ..

كيف..

منذ عامين اتصلت ببعض أسرته الكريمة.. وكنت أريد أن أكتب عنه كتابا لا مقالا.. وبدأت أعد عدتي و أجمع مادتي ولكن تهاطل الكوارث وتعاقب المصائب لا يترك لنا أي فرجة من الوقت..

***

وفي هذه الأحداث فقد اتخذ علماء الدين في الباكستان موقفا عظيما هائلا لطالما دعوت فقهاءنا لاتخاذ موقف مثله منذ أعوام طويلة..

إن الشريعة ثابتة والفقه متغير..

و إجراءات الأمن في الظروف العادية غيرها في الظروف الاستثنائية وكذلك يختلف فقه السلم عن فقه الحرب ويختلف أيضا الفقه الذي يمارس في الدولة المسلمة عن الفقه الذي يطبق في الدولة الكافرة بل ويختلف كل ذلك عن الفقه في دوله يحكمها حاكم أو نخبة منافقة تبطن الكفر وتظهر الإسلام.

في إجراءات الأمن لا يخاف من " الفيش والتشبيه" إلا المجرمين..

 وفي الطب لا يخاف من اختبارات الأمراض السرية إلا الزناة..

وفي ظروف كظروف دولنا لا يخاف من تطبيق أحكام الإيمان والكفر إلا الكفرة..

من هنا كان الموقف المبدع لعلماء الباكستان عندما أفتوا بأن جنود الجيش الباكستاني الذين يموتون في المعارك ليسوا مسلمين ولا يصلى عليهم ولا يدفنون في مقابر المسلمين..

لقد حسمت هذه الفتوى المعركة.. حتى أن أسر الجنود المقتولين رفضوا استلام جثثهم..

ماذا لو أن علماءنا فعلوا هذا منذ زمن..

ماذا لو حكموا بنفس الحكم على من يمارس التعذيب والتزوير.. ولا أقصد أي تعذيب و أي تزوير بل أقصد ذلك الذي تفعله حكومات تود أن تكون كلمة الشيطان هي العليا.. ولست أقصد حتى التزوير والتعذيب رغبة في السلطة.. بل أقصد ذلك الذي يكون هدفه الأساسي تنحية الإسلام و إبادة المسلمين..

نعم ..

لشد ما أود أن يتصدى علماؤنا للفتوى في أمور جوهرية في وقت خطر..

أنا أعلم أن الكفر حكم فقهي لا رأي عقلي..

والرأي العقلي ينبئني أن كل حاكم حارب الله ورسوله فهو كافر.. وأن كل نخبة رفضت الاحتكام للإسلام فهي كافرة.. و أن أي تصد للمسلمين لأنهم مسلمون هو كفر مخرج من الملة..

و إن مقصدا من أهم مقاصد الفقه الحفاظ على الدين .. فكيف أعطي لأعداء الدين رخصة فقهية تتيح لهم هدم الدين.

من هنا كان انبهاري و إعجابي بفتوى علماء باكستان.. و أنتظر من الشعب الباكستاني أن يعمل بمقتضيات هذا الحكم.. فليس منطقيا أن يكون الجندي الذي يحارب المسلمين كافرا ويكون من أصدر له الأمر مسلما..!!

نعم فتوى الفقهاء كان يمكن لها أن تنقذنا من مزالق هائلة وقعنا فيها..

وكان ما كان..

***

و تعاقبت الأحداث لتصل بنا إلى ما نحن فيه..

ورحت أعض بنان الندم عندما اكتشف في نهايات العمر أنني لم أختر الاختيار الصحيح بالجهاد أو الاستشهاد..

نعم..

ما أشد مرارة الندم..

وندمي على الثانية أشد من ندمي على الأولى.. ذلك أنني أدرك أن الشهادة ليست ابتلاء بل اصطفاء ..

يقول الدكتور صلاح الخالدي : إن المعنى القريب، الذي يتبادر إلى بعض الأذهان، لكلمة "الشهيد هو من يموت في سبيل الله ولكن للشهيد معنى أشمل من هذا انه شهيد وشاهد!.

ثم يستشهد بما قاله الشهيد سيد قطب في تفسير الظلال ( رحم الله قائله ولعن قاتله) لآية:

) وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاء ( ( آل عمران 140):

" إن الشهداء لمختارون، يختارهم الله من بين المجاهدين، ويتخذهم لنفسه- سبحانه- فما هي رزية إذن ولا خسارة، أن يستشهد في سبيل الله من يستشهد، إنما هو اختيار وانتقاء، وتكريم واختصاص.. ".

إذ تتضمن كلمة "الشهيد، معنى "الشاهد".. فالشهداء إذن، يتخذهم الله، ويستشهدهم على هذا الحق الذي، بعث به للناس، يستشهدهم فيؤدون الشهادة. يؤدونها أداء لا شبهه فيه، ولا مطعن عليه، ولا جدال حوله، يؤدونها بجهادهم حتى الموت، في سبيل إحقاق هذا الحق، وتقريره في دنيا الناس " .

يقول الشهيد العظيم سيد قطب كاتب الظلال ( أعز الله القائل ولعن القاتل ) في تفسير قولة تعالى :

) وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ ( (البقرة:154)

هؤلاء الذين يقتلون في سبيل الله ليسوا أمواتا.. انهم أحياء، فلا يجوز أن يقال عنهم أموات. لا يجوز أن يعتبروا أمواتا في الحس والشعور، ولا أن يقال عنهم أموات بالشفة واللسان. انهم أحياء بشهادة الله سبحانه. فهم لا بد أحياء. انهم قتلوا في ظاهر الأمر، وحسبما ترى العين، ولكن حقيقة الموت وحقيقة الحياة لا تقررهما هذه النظرة السطحية الظاهرة.. إن سمة الحياة الأولى هي الفاعلية والنمو والامتداد، وسمة الموت الأولى هي السلبية والخمود والانقطاع.. وهؤلاء الذين يقتلون في سبيل الله، فاعليتهم في نصرة الحق الذي قتلوا من أجله، فاعلية مؤثرة. والفكرة التي من أجلها قتلوا، ترتوي بدمائهم وتمتد، وتأثر الباقين وراءهم باستشهادهم يقوى ويمتد، فهم ما يزالون عنصرا فعالا دافعا مؤثرا، في تكييف الحياة وتوجيهها، وهذه هي صفة الحياة الأولى. فهم أحياء أولا بهذا الاعتبار الواقعي في دنيا الناس.

***

أجل.. ما أشد مرارة الندم أنني لم أكن مجاهدا في جنين أو في الفالوجة..

وانتبهوا يا ناس..

الجيوش لا تحارب دفاعا عن الأمة..

المدن والمخيمات تفعل..

المدججون بالسلاح لا يقاتلون..

المدنيون العزل يفعلون..

فليخسئوا إذن..

حكامنا ليسوا حكاما ودولنا ليست دولا..

وكل فاجر منهم ليس سوى مأمور سجن لصالح أمريكا و إسرائيل..

نعم..

المدن والمخيمات والعزل يحاربون والجيوش المدججة بالسلاح والحكام الفجار لا يفعلون شيئا إلا تقييد هذه الجماهير العزلاء كي لا تقاتل..

ووصلنا إلى المعادلة المذهلة الفاجعة: كلما ازدادت قوة الحاكم والجيش كلما ازداد ضعف الأمة.. ذلك أن الجيش ليس جيش مجاهدين ولا حتى مقاتلين بل جيش جلادين وسجانين..

جيش لا يحارب العدو بل يقيد الأمة..

أخزاكم الله..

***

ليس فخرا للغرب أن يثخننا بالجراح إذ يستعمل آلته العسكرية الجبارة ضد المدنيين..

ما هي المهارة في أن تسحق دبابة طفلا..

ما هي الجسارة أن تطلق الفانتوم 16 صاروخا على بيت فتهدمه على قاطنيه..

ما هو الإعجاز في أن يحاصر جيشا عرمرما مدينة صغيرة فيمنع عنها الماء والطعام.

بل إنني أزعم أن أي بلد يستطيع هزيمة أمريكا لو استطاع أن يفعل بحكام الولايات الأمريكية الخمسين ما فعلته أمريكا بحكامنا الخمسة والخمسين..

و أعني لو أن أخس و أحط و أضعف حكومة على وجه الأرض وعبر التاريخ ( لا أقصد حكومة الكويت رغم أن حكومة في التاريخ لم تجلب على أمتها ودينها من العار والدمار ما جلبته هذه الحكومة على أمتها ودينها) تستطيع هزيمة أمريكا لو زرعت فيها خمسين خائن : خائن لكل ولاية.

وليس في الأمر أي شجاعة أو مهارة.

و إنما وحشية وخسة لم توجد بهذا القدر أبدا عند أي أمة في التاريخ غير الأمة الأمريكية..

الأمة كلها خسيسة.. الجمهوريون والديموقراطيون وما بين هذا وذاك..

أمة بلا أخلاق ولا ضمير وليست الحكومات الحيوانية المتوحشة إلا تعبيرا عن أمة من الحيوانات المتوحشة..

أعود إلى كتابي: "بغداد عروس عروبتكم" و أعيد مطالعة كيف تعامل الأمريكان المجرمون مع الشعب العراقي:

يقول الطيار الأمريكي ريتشارد وايت عن الغارات الجوية على العراق أنها كانت تكاد تشبه إضاءة المصباح في المطبخ ليلا فتنطلق الصراصير مسرعة فتقتلها..

…" أظهر شريط فيديو متطور التقط ليلا (…) المجندين العراقيين سيئي الحظ والنار تطلق عليهم في الظلام، وبعضهم قد تمزق بفعل قنابل المدفعية …"

وكتب جون بالزار من صحيفة لوس أنجيلوس تايمز يقول أن العراقيين كانوا : " مثل قطيع من الغنم أُخرج من حظيرته، كانوا مصعوقين ومرتعبين، استيقظوا فزعين فارين من خنادق النار، كانوا يُذبحون واحدا بعد الآخر على أيدي مهاجمين لا يستطيعون رؤيتهم أو فهمهم . ومزقت بعضهم انفجارات قذائف مدفعية عيار ثلاثين ملم. وسقط جندي وتلوى على الأرض وحاول النهوض، ولكن انفجارا آخر مزقه إربا " ..

ولم يكن العراقيون يشبهون قطيعا من الغنم لأن أي شعب في العالم يتعرض لما تعرض له الشعب العراقي من هجوم قوات شيطانية بلا عقل ولا أخلاق ولا ضمير لم يكن ليبدي قدرا أعلى من الشجاعة والتجلد..

نواصل الرجوع إلى ما حدث عام 91.. ولنتصور ما أضافته التكنولوجيا الأمريكية منذ ذلك الوقت.

الطيار الأمريكي المجرم رون بالاك يفخر: " عندما عدت جلست على جناح الطائرة ورحت أضحك، ربما كنت أسخر من نفسي، أتسلل إلى هناك و أضرب هنا و أضرب هناك، اقترب رجل منى وربت كل منا على ظهر الآخر … ثم قال : يا إلهي، ظننت أننا قصفنا مزرعة، بدا و كأن أحدا قد فتح بوابة حظيرة الخراف" أما القرصان الضابط براين ووكر فقد كان يتطلع إلى المزيد من نفس النوع من القتل : " لا يوجد ما يمكن أن يُخرجهم من أماكنهم مثل الآباتشى ( طائرة هجومية)، سيكون الأمر مثل صيد البط" …

" أحدث العرض الشامل للأسلحة المتطورة مجزرة جماعية لعدو لا حول له ولا قوة…(…) استعملت الجيوش الأمريكية والبريطانية قاذفة صواريخ من طراز ( MLRS ) وكل عربة من هذا النوع تستطيع إطلاق اثني عشر صاروخا لمسافة تزيد على عشرين ميلا، ويطلق كل صاروخ من هذا النوع ثمانية آلاف قنبلة مضادة للأفراد…(…) في المراحل الأخيرة من الحرب أطلق الجيش الأمريكي عشرة آلاف قذيفة ( MLRS ) في حين أطلقت القوات البريطانية 2500 قذيفة أخرى…"

" … قنابل روك آي العنقودية تحتوى الواحدة منها على 247 قنبلة يدوية ضد الأفراد تنفجر إلى ألفى شظية عالية السرعة كالموسى تمزق الأشخاص…"

هذه القنابل العنقودية هي التي يقصفون بها المدنيين في الفلوجة الآن..

ولنواصل:

… " لقد عنيت السلطات الأمريكية عناية شديدة لإخفاء حجم المجزرة (…) ولقي انسحابان عراقيان كبيران من الكويت - كان من الصعب إخفاؤهما بسبب حجمهما- بعض الاهتمام في الإعلام الغربي، ولكن حتى هنا أُخفى نطاق المجزرة عموما عن الشعوب الغربية: عُرضت في التليفزيون أرتال كبيرة من العجلات المدمرة والمحترقة واختفت آلاف الجثث العراقية على نحو غامض …"

" بدأت هذه المرحلة من المذبحة عندما رصدت الطائرات الأمريكية أرتالا من الرجال اليائسين في طوابير من العجلات العسكرية والمدنية متجهة صوب العراق، كان العراقيون وقتها يلتزمون بمطالب الأمم المتحدة بالانسحاب من الكويت، غير أن هذا الانسحاب الواضح لم ينقذهم، وتعاقبت الطائرات الأمريكية على شن الغارات فكانت المذبحة كاملة، هوجم العراقيون الهاربون، و أسرهم الكويتيون، بلا رحمة بالقنابل العنقودية التي تقطع اللحم البشرى قطعا صغيرة (…) كانت المجزرة جهنمية واستمرت ساعات عدة …(…) وتناثرت الجثث والأشلاء المقطعة في كل مكان، وتحجر بعض الجثث في العجلات، واحترق بعضها الآخر، ولم يتبق من الوجوه سوى الأسنان …" …

علق ضابط الاستخبارات العسكرية المقدم بوب نجنت أنه لم يشاهد مثل هذه المجزرة حتى في فيتنام ..

ووردت تقارير بأن قوات التحالف استعملت البلدوزورات لدفن الآلاف من قتلى العدو في الخنادق أثناء تقدمها …" قُتل جنود عراقيون كثيرون بدفنهم أحياء."

العقيد الأمريكي لون ماغارت يقدر أن القوة التابعة له قتلت 650 عراقيا..

***

والآن أتوقف عن الرجوع إلى التاريخ ليس لأؤكد أن العراق سينتصر في نهاية المطاف بل لأؤكد أنه انتصر بالفعل.. ونزع عن أعتى قوة في التاريخ كل ما كان يستر عورتها..

نعم..

ذلك أن الأحمق المطاع، الغبي المجرم الطائش المجنون جورج بوش ، قد تصرف على نحو فريد في التاريخ، وهو لسطحيته وغبائه لم يدرك أثر جهازه الإعلامي الهائل في خداع العالم.

وقد يكون هذا المجرم أقوي من هتلر ونابليون .. ومن المؤكد أنه أكثر إجراما منهما.. لكن المؤكد أيضا أنهما كانا يتميزان بعبقرية ولو كانت شيطانية أما هو فمجرد بلياتشو غبي أحمق فضح بلاده و أمته وشعبه عبر التاريخ..

نعم كان الكثيرون من الفلاسفة والمفكرين في كافة أرجاء العالم يدركون حقيقة الوحش الأمريكي وخسته وحيوانيته وتوحشه.. وكان المفكرون المسلمون على وجه خاص يدركون ذلك.. ( للشهيد العظيم سيد قطب رؤى مذهلة في ذلك أرجو أن أتناولها بالتعليق في مقال آخر)..

لكن ما هي نسبة هؤلاء و أولئك للعالم..؟.. واحد في المليون؟.. واحد في الألف؟؟.. تظل النسبة الهائلة مخدوعة في الوهم الأمريكي.. ولقد كان هذا الوهم والضلال سر جاذبية الحلم الأمريكي كله.. وكان جهد النخبة الأمريكية إخفاء حقيقة التوحش والزيف في الحلم الشيطاني..

وظل الأمر كذلك حتى جاء جورج الغبي لا يعدو الوصف الذي وصف به أسامة بن منقذ أجداده منذ ألف عام: بغل قوي عديم الروح والأخلاق والنخوة، جاء ومعه مجموعة من الخنازير المتوحشة ، جاءوا بحماقة لم تتكرر في التاريخ، إنهم يعلمون أنهم لصوص، و أنهم مجرمون، و أنهم كاذبون، يعلمون ذلك، وظنوا أن العالم كله يعلم ما يعلمونه.. فخلعوا ورقة التوت.. كانوا كالمجنون الذي رأي عورته فظن الناس جميعا يرونها فخرج إلى الشارع عاريا..

ولأول مرة في التاريخ يكشف الغرب الصليبي للدنيا كلها مدى الحقارة والخسة التي يتمتع بها..

و أظنها أول مرة في التاريخ تنظر البشرية كلها إلى أمة بهذا الازدراء الكلي.. فليس في الحضارة الأمريكية أي شئ يغري.. أما العلم والتكنولوجيا فليست حكرا عليهم..

و أظنها المرة الأولى في التاريخ الذي تتعلم فيه الدنيا دروسا مباشرة عبر الفضائيات أن هذه أمة مجرمة لا تعرف إلا لغة القوة و أنها لن ترعوي إلا إذا قُصفت واشنطن ونيويورك بالقنابل النووية كما قَصفت هيروشيما وناجازاكي.. وإلا بعد أن تصطاد الطائرات الحربية الحديثة المدنيين الأمريكيين العزل في هيوستون ولوس أنجيلوس و أن تهدم ناطحات السحاب عليهم كما فعلت الطائرات الأمريكية في إخوتنا في العراق..

نعم..

يدرك العالم الآن أن الطبيعة الوحشية لا ترجع إلى نوع المعركة أو نوع الشعب الذي يهاجمه الأمريكيون بل يعود إلى السفالة الأمريكية الإجرامية المتوحشة.. و أنها يجب أن تجابه بالعقاب.. ليس على ما ترتكبه أو سترتكبه بل على ما ارتكبته فعلا كذلك..

حماقة المجنون الأمريكي أن العالم كله سيتعلم هذا الدرس..

نحن كعرب قد تعلمناه فعلا..

لكن العالم كله يتعلمه الآن..

ومن المؤكد أن المعارك القادمة سيدور بعضها على الأقل على الأرض الأمريكية.. وستكون أي قوة موازية أو مواجهة حريصة على أن تقطع الذراع الطويلة لسلاح الطيران الأمريكي.. وأن يكون لديها من وسائل الدمار ما يهلك الشعب الأمريكي على أرضه..

سوف يُضرب المدنيون منهم كما ضربوا المدنيين في شتى أنحاء العالم..

وسوف يُمثل بجثث قتلاهم كما مثلوا بشهداء العالم الإسلامي..

المجرم المجنون عرّى بلاده..

هل تريدون عريا أكثر من أن يقف الجنرال الأمريكي الحقير ليعلن على شاشة التلفاز وقف إطلاق النار وفي نفس الوقت وعلى ذات الشاشة صور الطائرات تقصف المدنيين العزل..

نعم أخس أمة في التاريخ..

ومن بين مائتي مليون أمريكي لم يخرج ليحتج إلا بضع مئات..

لم تخرج المظاهرات الحاشدة لتهتف: نحن الأمريكيون شعب همجي متوحش وعلينا أن نتعلم التحضر واحترام حقوق الإنسان..

ولا خرج المفكرون ليؤكدوا أن كل حكوماتهم لم تكن سوي عصابات من المجرمين واللصوص.

***

طال المقال..

وثمة الكثير لم أقله بعد..

لكنني أوجزه على أمل إكماله في مقالات تالية..

لقد كففت عن سباب الحكام و أوجه الآن إدانتي كلها للأمة..

ولم أتوقف عن إدانة الحكام لأنهم أبرياء.. بل أتوقف لأن كل قواميس الدنيا لم تعد كافية لوصف خستهم ونذالتهم وعهرهم وجبنهم.. بل إنني عندما أصفهم بهذه الصفات أظلم الصفات .. لأنني عندما نكتفي بها نكون كمن يكتفي بصفع من يستحق الإعدام..

وما عادت الإدانة تجدي ولن يترتب عليها أي استجابة..

هل يتخيل القارئ أن نذهب إلى سموه قائلين:

-   سموك داعر وشاذ وخائن وقد حولت إمارتك إلى معسكر للأعداء ودمرت الأمة..

وما أن نقول له ذلك حتى يبادر بالاعتذار والاعتزال..

وهل يتخيل القارئ أن نذهب إلى جلالته قائلين:

-   جلالتك عميل قديم لإنجليز ثم للأمريكان.. جلالتك وغد ومقزز وخائن..

فيبادر جلالته بالتخلي عن العرش..

هل يتخيل القارئ أن نذهب إلى فخامته قائلين:

-    -   فخامتك جاسوس قديم وقد ضبطتك الحكومة البلغارية تتجسس عليها لحساب المخابرات الأمريكية عندما كنت مبتعثا إليها.. و أنت عندما أفسدت اجتماع الجامعة كنت تفعل ذلك ولاء لأسيادك.. أيها الجاسوس الحقير؟!..

أو أن نذهب إلى سيادته قائلين:

- يا أخس حاكم حكم بلادنا.. كفاك فقد دمرت الأمة.. كفاك فقد نهبت أنت و أسرتك الأمة..

فيبادر سيادته بالاكتفاء..

لا بد أن نغير..

لكنه تغيير في عكس الاتجاه الذي يفرضه علينا الطواغيت..

في عكسه على طول الخط..

تغيير يحيى الجهاد ولا يجرمه بل يجرم من يجرمه..

تغيير يدفع تلك الجيوش الذليلة الرابضة على قلوب أمتها إلى المبادرة بمواجهة أمريكا و إسرائيل وقتالها..

تغيير يحيي الولاء والبراء..

تغيير يعيد للإسلام سيادته وسؤدده..

تغيير يحتكم للقرآن والسنة

تغيير يردع الداعرات وينفي الشواذ لا تغييرا يدفعهم إلى مقاعد التحكم والسيطرة والسلطة..

تغيير يحاكم اللصوص والخونة وليس الأبطال والمجاهدين..

تغيير يعيد إلى الأمة كرامتها التي أهدرها الحكام الخونة..

تغيير لا يبدأ إلا بتغييرهم..

لعنهم الله..

***

الأمة أمام أزمة تهدد وجودها..

حكامها خونتها..

وعليها أن تغيرهم..

وهم لن يتغيروا بغير القوة..

وعلى الأمة أن تبتكر الوسائل التي تمكنها من هذه القوة..

فلماذا لا نبادر..

لقد مات مليون عراقي في حرب لم يكن لها أن تقوم..

ومات مليون آخر في حرب ظالمة فرضت عليها..

لماذا لا نبذل أرواح مليون آخر لنواجه الطاغوت وننتصر عليه..

لماذا لا نكون مستعدين في مصر لأن نقدم مليون أو مليوني شهيد..

لماذا لا يقدم أهل الجزيرة مليون شهيد..

أم حسبتم أن تقولوا آمنا وأنتم لا تفتنون..

***

كلمة أخيرة أوجهها إلى شعبنا في الجزيرة العربية..

هل حقا تقلع الطائرات التي تضرب أبطال الفلوجة من المطارات في أرض الجزيرة؟؟..

إنني أعرض عليكم هذه الرسالة التي وصلتني من المرصد الإعلامي..

5.              بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

والصلاة والسلام على رسوله الأمين

فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ

إلى إخواننا الموحدين في جزيرة العرب من قاعدة الجهاد وباقي الأخوة العاملين فيها

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وبعد

فهذا نداء إخوانكم من مجاهدي الفلوجة ( مقبرة الأمريكان ) إليكم فقد ورد إلى أسماعنا إن طائرات الإف 16 التي تقصف الفلوجة حاليا بالقنابل العنقودية تنطلق من جزيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فإنّا نستنصركم أن تهبوا لدك المطارات التي تنطلق منها هذه الطائرات التي أهلكت الحرث والنسل ولم تفرق بين مسجد وبيت وصغير وكبير ووالله ما هالنا سكوت أمم الكفر على هذا القصف الهمجي الوحشي فالكفر ملة واحدة .

 ولا هالنا سكوت حكومات الردة في بلاد العرب فهؤلاء أولياء أولئك .

ولا حتى هالنا سكوت عوام الناس من أهل الإسلام فهم في سبات وسيبقون كذلك إلى إن يشاء الله .

ولكن هالنا وآلمنا سكوت إخواننا في الدين والعقيدة في باقي بلاد المسلمين وفي الجزيرة والكويت خاصة .

فالله الله يا موحدين بأهل الفلوجة ..

فانهم قد استنصروكم وقد وجبت عليكم النصرة..

اللهم إنّا استنصرنا إخواننا ، اللهم فاشهد..

مجاهدي الفلوجة

19/2/1425 هـ الموافق 9/4/2004 م

 

§       §        حاشية 1

 

الفلوجة البطلة..

ما يحدث في الفلوجة مذهل ومبهر..

لكم الله يا أبطال الإسلام و أسوده ولعن الله حكاما و أحزابا وكتابا يمنعونكم و إخوتكم من الجهاد منذ عقود وعقود.

المدنيين العزل في الفلوجة يتفاوضون مع أمريكا ويسخرون منها ويقاتلونها في نفس الوقت بطريقة لم يفعلها الاتحاد السوفيتي وروسيا والصين..

أحد الأصدقاء استخفته النشوة فقال - بعد أن دعا لهم بالنصر- :

-    -   لم يبق إلا سقوط حكومتين عربيتين أو ثلاث وتدمير سلاحها وتسريح جيوشها كي نحقق الانتصار الكامل على أمريكا..!!

 

***

 

§       §        حاشية 2

مباحث أمن الشيطان

هل تصدقون يا ناس أن ضابطا من مباحث الشيطان في مصر يلقي القبض على شباب علق بعض الملصقات تنديدا باغتيال الشهيد أحمد يا سين.. جمعهم وروعهم وعذبهم وداس على رؤوسهم بحذائه..

كلب من كلاب النار..

وهو أسوأ حتى من جنود أمريكا و إسرائيل.. فالأخيرة تبيع آخرتها بدنياها.. أما هو فإنه يبيع آخرته ودنياه بدنيا غيره.

***

 

§       §        حاشية 3

مجدي حسين

أغلب الظن أن مجدي حسين سوف يسجن في الأسابيع القادمة..

لا يهم القضية ولا تهم التهمة ولا تهم الإجراءات..

لقد أصيب ضمير القضاء الشامخ المستشار يحيى الرفاعي بأزمة قلبية وهو يشاهد كيف ينتهك القانون في التعامل مع مجدي حسين..

و أصيب بأزمة أخرى وهو يري كم تمكنت السلطة من الإحاطة بأعلى درجات التقاضي..

راجعوا يا قراء مقالاتي عن المستشار يحيى الرفاعي ومجدي حسين..

http://www.mohamadabbas.net/Ma2al/22Karsa.htm

 http://www.mohamadabbas.net/Ma2al/397dthGlal.htm

http://www.mohamadabbas.net/Ma2al/50AdelHussen.htm

أما أصل الحكاية فتعود إلى زمن بعيد بعيد..

ولكي تفهموا يا قراء فإن عليكم أن تنظروا باستمرار في اتجاهين.. ولكي تفهموا كيف تسير الأمور في بلادنا انظروا ما ذا تفعل أمريكا بحكوماتنا..

تمكنت أمريكا من أن تزرع داخل حكوماتنا جواسيس لها تحولوا بمرور الوقت إلى الأغلبية الحاكمة فعلا وتحول الوطنيون إلى أقلية نادرة تكاد لا تذكر..

وعلى نفس المنوال تمكنت أجهزة الأمن من أن تزرع داخل المؤسسات الصحافية عملاء لها يتسترون بالصحافة.. راحوا يتكاثرون حتى أصبحوا الأغلبية الحقيقية المؤثرة في كل صحيفة بل وفي أحيان كثيرة استولوا على كل المناصب الرئيسية فيها..

( ولمجرد ضرب المثال فإن واحدا من هؤلاء كان هو الذي شن حملة شعواء ضد أحد الشيوخ في الأسابيع الأخيرة باسم الأخلاق والدين، ولقد أقسم عالم من علماء الأزهر الشريف على إحدى الفضائيات أن هذا الصحافي لا يعرف عدد ركعات صلاة الظهر، ترقى هذا الصحافي من طالب إلى رئيس تحرير على ساعدي امرأة كانت أجهزة الأمن قد أعدتها لتكون محظية لرئيس عربي - ما يزال في السلطة- وكانت الحكاية مشهورة حتى أن المرأة أصبحت تنسب إلى ذلك الرئيس- ووصلت هذه إلى أرقى المناصب الصحفية وعلى شرفها صعد صاحبنا ذاك.. وفي الشهور الأخيرة اصطدم صاحبنا ذاك بمستشار سابق على شاكلته.. واستدرجه المستشار عن طريق امرأة سوء إلى بيت سوء.. وفي ذلك البيت فوجئ برجلين يغتصبانه.. والقضية أمام الأجهزة المختصة.. ليس بتهمة الاغتصاب.. بل بتهمة الاغتصاب دون إرادته.. فالرجل شاذ.. وهذا الشاذ هو الذي هاجم الشيخ..!!)

 

في مثل آخر.. رئيس تحرير أنشأ صحيفة وافقت عليها أجهزة الأمن في سرعة البرق.. وبعد أسابيع تم القبض على شقيقه الذي يعمل معه في نفس الصحيفة متلبسا بالرشوة والابتزاز لحساب الصحيفة)..

ولم تكن الشعب في بداية عصرها تمثل شذوذا عن القاعدة - بل إن المثلين السابقين بالذات يخصان من عملوا ذات يوم بها- .. واستمر الأمر على هذا المنوال حتى جاء عادل حسين رحمه الله، فحاول تطهيرها وبذل في ذلك جهدا جبارا كلل بنجاح جزئي.. ثم جاء مجدي حسين ليسير على نفس المنوال.. ثم أتت قضية الوليمة لتفرز معادلات أخرى ترتب عليها تطهير الصحيفة من جل عملاء المباحث.. ولم يكن الأمر يشكل خطورة بالنسبة لهذه الأجهزة طالما كانت الصحيفة معطلة..

ومضت الأيام والأسابيع والشهور والسلطة تتحدى عشرات الأحكام القضائية بعودة الشعب للصدور حتى استنفدت كل حيلها وبدا في الأفق اقتراب صدور حكم نهائي بعودة الشعب إلى الصدور..

وهنا كان على أجهزة الأمن أن تستدرك الأمر، هذه الأجهزة التي لم تتوقع أن تصمد صحيفة الشعب الإليكترونية كل هذه السنوات تحت الحصار، بل وتتجاوز الصمود لتصبح واحدة من أهم المواقع على الشبكة الإليكترونية، يتابعها الملايين في شتى أرجاء العالم، للدرجة التي أزعجت أجهزة الأمن فحاولت إعاقة استقبالها في مصر.

كان على هذه الأجهزة أن تحاول إعادة عملائها إلى الصحيفة.. ولم يكن ذلك ممكنا في وجود مجدي حسين.. لذلك فمن المحتم حبسه.. بغض النظر عن القانون والمحاكم والنيابة والقضاء.

***

§       §        حاشية 4

قناة الجزيرة.. ومباحث أمن الدولة..

من المؤكد أن قناة الجزيرة تستحق التحية على تغطيتها لأحداث العراق في الأيام الأخيرة .. لكن هذا موضوع آخر..

أما موضوعنا الآن فقد حدث ظهر اليوم: الجمعة حين فوجئت بمراسل قناة الجزيرة يجري مقابلة مع الأستاذ الدكتور مجدي قرقر داخل الجامع الأزهر.. فاستبدت بي الدهشة..

فالأستاذ مجدي حسين والدكتور مجدي قرقر وكوكبة من الشباب الإسلامي حولهم يقومون منذ ثلاثة أعوام بقيادة مظاهرة كل أسبوع داخل صحن الجامع الأزهر بعد صلاة الجمعة من كل أسبوع.. وهذه المظاهرة تمثل قلب مصر الحقيقي وعقلها وضميرها.. ومع ذلك تجاهلتها كل الفضائيات مع سبق الإصرار والترصد.. وظننت أن الأمر يخضع للسهو والإهمال والنسيان إلى أن أدركت أنه متعمد مع سبق الإصرار والترصد.. إذ يكفي أن يذهب أي وجه غير لإسلامي لتطارده تلك الفضائيات وتسجل له وتظل تعيد التسجيل أياما.. بل لاحظت أن الكاميرا تتعمد الابتعاد عن الوجوه الإسلامية ما استطاعت..

من هنا كان ذهولي، وقلت لنفسي أن حمية الحماسة قد انتقلت من مقر الجزيرة الرئيسي في قطر إلى مكتبها في القاهرة. لكنني سرعان ما تراجعت، ففي نشرات الأخبار التالية، كانت نفس المشاهد والحوارات تتكرر، إلا الحوار مع الدكتور مجدي قرقر فقد تم حذفه.

قلت لنفسي أن إذاعة الحوار كان خطأ فادحا ربما تورط فيه مذيع حديث لا يفهم قانون أمن الدولة.

وربما يندهش القارئ من العلاقة بين قناة فضائية غير مصرية و أمن الدولة في مصر..

وقبل أن أوضح الحكاية أذكركم بقصف مكاتب الجزيرة في أفغانستان والعراق، وبقتل مراسل ومصور العربية في بغداد، ولم يكن القتل عن خطأ في التقدير، بل كان كامل التعمد، وكان رسالة لمن لم يسمع ولم يع: إما أن تذيعوا ما نريدكم أن تذيعوه بلا زيادة أو فالموت مصيركم.

مباحث أمن الدولة في مصر أكثر رقة وتحضرا من خنازير الأمريكان.. فهي لا تقتل .. ولكنها تمارس طريقة شديدة الدهاء .. وكيف لا.. ومؤسسها الأول هو اللورد كرومر.. ثم المخابرات الأمريكية عن طريق صلاح دسوقي الذي تدرب في الـ CIA.. (ليكون مفتاح اللغز في حادث المنشية.. فهو وليس محمود عبد اللطيف الذي أطلق الرصاص تجاه عبد الناصر)..

أقول تمارس المباحث خطة شديدة الدهاء.. إذ أنه من شروط افتتاح مكتب محلي لأي فضائية أو صحيفة عربية الحصول على موافقة المباحث..

والحكاية كما سمعتها من شاهد عيان أن المباحث لم ترفض أبد أي طلب لأي فضائية أو صحيفة.. بل تبلغ الأريحية بهم في بعض الأحيان أن تغمض عينها عن العمل دون ترخيص بإذن شفوي منها.. لكن هذا الإذن الشفوي سرعان ما يسحب عندما يتمرد مندوب تلك الفضائية على قوانين السمع والطاعة ونشر ما تريد المباحث وحجب سواه.

أما بالنسبة للحصول على ترخيص دائم فإن المباحث لا ترفض أبدا.. وتتذرع طول الوقت بأنها ما زالت تبحث الطلب حتى لو استمر الأمر أعواما.. ويظل الأمر كذلك إلى أن تفهم القناة أو الصحيفة حقيقة الأمر فتبحث عن صحافي من أتباعهم.. أو على الأقل إذا ما كانت الفضائية أو الصحيفة قوية فهم يسمحون برئيس للمكتب ليس من العملاء المباشرين لكنهم يلغمون له المكتب بعملائهم.. للدرجة التي جعلت مذيعا كبيرا بأحد أهم الفضائيات العربية يكاد يصاب بالانهيار العصبي عندما حاول لمدة ساعتين أن يتصل بي - بناء على موعد سابق - من مكتب الفضائية في القاهرة.. فعجز تماما.. وفي اليوم التالي اتصل بي من خارج مصر ليقول معتذرا في أسف عظيم..

-    -   هذا الأمر لا يمكن أن يحدث في أي بلد في الدنيا.. لكنه يحدث في مصر.. لقد رفض عمال الأستوديو بإصرار توصيلي بك..

وبهذه الطريقة تستطيع المباحث أن تسيطر سيطرة شبه كاملة على نشر ما تشاء ومنع ما تشاء.. إلا في حالات استثنائية نادرة .. منها ظهور الدكتور مجدي قرقر على شاشة الجزيرة ..

إلا أن علينا أن نعترف أن هذا العوار ينطبق على المكاتب المحلية دون المحطة الرئيسية.. والدليل على ذلك أن المحطة الرئيسية أذاعت الكثير من المقابلات مع قياديين إسلاميين بارزين وهو الأمر الذي لا يحدث عادة في الفرع.

***

§       §        حاشية 5

 

ثورة النعال

بالمناسبة..

أين كلاب العرب من كتاب ومفكرين.. أولئك الذين لم يكفوا عن التباكي على القتلى المدنيين الأمريكيين في 11 سبتمبر..

أين هذه الكلاب..

أين هم من كتاب ووزراء وحكام ومفكرين وقادة..

إنني أدعو من حولهم - مادمنا قد عجزنا عن أي ثورة أخرى - أن ينشئوا حزبا أو أن يبتكروا ثورة جديدة اسمها ثورة النعال ( لم تعتبر أمريكا حتى الآن النعال من أسلحة الدمار الشامل كما أن استعمالها غير خاضع لقوانين الإرهاب).. ليقوم أعضاء هذا الحزب أو هذه الثورة بضرب كل مروجي الحلم الأمريكي بالنعال.. أيا كانت مراكزهم..

***

***

***

6.              بريد القراء

 

كيف نوصل التبرعات إلى فلسطين؟؟!!

 

سيدي الفاضل ..... السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

ولا أجد أفضل من هذه التحية تعبيرا" عن حبي و احترامي لك و لفكرك .... لا أطيل عليك فالإطالة فيك لن تغني.

سيدي أنا مصري أقيم بالسعودية و كما تعلم فلقد تم تجفيف مصادر تمويل الجهاد تماما" . و لم يقتصر الأمر على ذلك بل تعداه ليصبح تجفيفا" للصدقات بين المسلمين فلم يبقى طريق من الطرق التي كانت تعد بالآلاف لإيصال الزكوات و الصدقات ... لقد تم إغلاق كل باب يمكن لمؤمن من خلاله الولوج إلى خير الصدقات.

و عليه يا سيدي .... انقطع بنا نحن الناس العاديون الذين لانعلم كثيرا" من بواطن أمور مجاهدين ، إنقطع بنا السبيل لإيصال مساعداتنا اليهم طاعة لأمر الله الذي أمرنا بالجهاد بأموالنا ...

و الرجاء منك ياسيدي إطلاعي و إطلاع من تستطيع على الطرق و المسارات التي يمكن للمؤمن العادي أن يوصل بها المساعدات لإخوانة المرابطين في كل أطراف أرض الله.

و إن كان من الخطورة اطلاعي و إطلاع كل من سأل عنها ،، ربما لأسباب أمنية،، فنحن نحترم هذا و لكن كيف نوصل مساعداتنا إذن ؟؟؟؟....... أتمنى أن تفيدنى في هذا الموضوع و جعل الله إفادتك لي في ميزان حسناتك ...

سيدي أرجو أن ترد علي سريعا" فأنا أكتب لك بعد وداعنا لشيخنا ياسين وقد إمتلأ القلب فرحة و حسره.

لك خالص التحية و الإحترام من مسلم يشعر بالخزي و العار من نفسه

 

والرد:

أنا عاتب عليك يا أخي في الله..

هل رأيت أما تسأل كيف تصل إلى وليدها كي ترضعه..

هل رأيت أبا ينزف أبناؤه أمامه ثم يسأل كيف يساعدهم..

هل رأيت أبناء يستشهد أبوهم وهم لا يمدون له يد العون..

هل..

هل..

يا أخي: التبرع لفلسطين ليس نفلا ولا صدقة.. إنه فرض .. بل هو أقل الفرض تجاه إخوتنا هناك.. هم يبذلون دماءهم ليس في سبيل فلسطين بل في سبيل الأمة الإسلامية كلها وفي سبيل الله..

لن يجدي يا أخي أن أكتب لك أي طريقة.. ليس لانعدام الطرق.. ولكن لأن أي طريقة أكتبها لك في هذا البريد أو في رسالة خاصة سوف ترصد من كلاب الشيطان..

أخلص قلبك لله وستجد الوسيلة .. وربما تجدها أقرب لك مما تتصور.. ولا تدع الشيطان يوسوس لك حول ضمانات وصول ما تدفع.. فأنت تقرض الله قرضا حسنا.. وسيصل بإذن الله.

و أنتهز الفرصة لأوجه النداء إلى كل من تعود أن ينفق في سبيل الله وانقطع.. أنني أظن ذلك مهما كان السبب إثما كبيرا.. بل على العكس.. يجب أن نضاعف ما كنا ننفق..

و أوجه النداء إلى من لم ينفق قبل ذلك.. أين تذهب من الله؟!..

كلاب النار يجففون المنابع وعلينا أن نقاوم..

***

أرسلت موضوعك الى عشر منتديات

الاخ المعلم المفكر الإسلامي النشيط محمد عباس

لقد طالعت اخر مقالة لك :الأمة على شفا حرب أهلية

وكانت رائعة جدا"مما دفعني لكي انقلها واعممها على منتديات عربية للنقاش والتوعية

اهم هذه المنتديات

نادي الفكر

الحلم

الوسطية

الساحات

هدهد

وغيره

وانا اعتبرك مجاهد في سبيل الله

والله يحقق مرادك في غلبة الامة وصحوتها

والسلام عليكم

س ابراهيم

***

7.              بسم الله الرحمن الرحيم

المجاهد الكبير الأستاذ الدكتور محمد عباس السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كل عام و أنت بمليون خير وصحه وعافيه أطال الله فى عمرك ومتعك بوافر الصحه لنا وللمسلمين جميعا لقد فى قلبك الكبير كل هموم الأمه فجزاك الله عنا كل خير أيها الرجل الكريم والمجاهد العظيم فى كتيبة الشعب الغراء اكثر من 13 عام وأنا و لا املك غير الدموع و الحزن على حال خير أمه اخرجت للناس كنت قلق الفتره التى أنقطعت فيها عن الكتابه وسعدت جدا بمقالك الأخير عن شيخ المجاهدين أسامه وأشهد الله أنى احبكم فى الله فآنت ترفع سلاح القلم الذى أقسم ألله به ونشهد ألله أنك قد أديت الامانه بآخلاص شديد لله ورسوله صلى الله عليه وسلام وأحب أن أعرفك بأن صحيفة الشعب الغراء و مقالتك أنت والأستاذ الفاضل محمود أبو شنب و الأستاذ المجاهد الكبير مجدى حسين و جميع مجاهدى الشعب موضع أهتمام ونقاش من جميع الجاليه العربيه فى أوربا وأمريكا ولقد لمست ذلك بنفسى لما فيها من صدق و غيره على الإسلام و المسلمين فجزاك الله عن الإسلام و المسلمين خيرا هذه هى اول مره أكتب لك وكنت قد حاولت الاتصال بك فى مصر ولكنى لم اوفق الرجاء الدعاء لى فآنى والله أدعولك أنت وشيخ المجاهدين وجميع الجاهدين فى فلسطين وافغنسان والعراق وكشمير والشيشان والفلبين التى كانت عاصمته أمان الله أتذكر مقالتك الرائعه سلسة الوعى ينزف من ثقوب الذكره كنت جاهل بأشياء كثيره فجزاك الله عنى كل خيرا وأخيرا أرجو منك الدعاء لى بالشفاء فاانا من ضحيا يوسف ولى فيروس (سى) وادعو لى ايضا بآن يردنى الله الى اهلى سالم غانم والسلام عليكم ورحمته وبركاته كل عام وانت بخير انت واسرتك الكريمه ابنك سعد

***

الاخ الدكتور محمد عباس تحية طيبه

انا استاذ في جامعة صنعاء وحاولت الدخول على موقعك الالكتروني فلم اتمكن وربما لم يكن العنوان مكتوبا بصوره واضحه - ارجو اذا تكرمتم توضيح عنوان موقعكم الالكتوني فانا ارغب في الاطلاع على كتاباتكم ولكم فائق التحيه..

اخوكم

الدكتور احمد - اليمن

 

يا أخي في الله:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته و أهلا بك.. وعذرا على تأخري.. و أحسبك مع المقال والظروف تدرك دوافع انقطاعي عن الشبكة وعن الكتابة و.. و.. ودواعيي ذلك .

***

 سماحة الوالد الموقر/ د . محمد عباس (حفظه الله) ..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 تحية زكية طيبة أرق من نسيم الصباح .. وبعد ...

 يعلم الله أني قلبي أجمع معك ، وللأسف قلبي فقط ، وكنت أود أن أحظى برؤياك وأن أجثو بين يديك لأتعلم منك ما لم أجده في الأسفار ، ولا في كثير من الأسماء الكبار

 ثمَّ شيء يحيل كلماتك إلى سهام قبول تخرق حجب القلوب ..

 أهو لهجة الصدق ؟ أم هو التجرد لله ... أم شيء آخر ــ من أسرار التوفيق ــ تفضل الله به عليك ، أسأله أن يديمه لنا ولك ، وأن يرزقنا وإياك شكرها ؟

 دُم على ما أنت فيه ، وادن من الإسلام آكثر .. داوم واقترب .

 والدي المبجل ..

 في مقالكم الأخير نقلت عن مجلة "السبيل" الأردنية قول ذلك المأفون المأفوك ( طالباني ) ، وهو كفر صراح لا يتأول له فيه إلا من ضربت على قلبه غشاوة .

 وهنا في لندن تصدر نشرية باسم " رسالة الإخوان" نقلت لنا في عددها (356) ما نصه: " فضيلة المرشد يعزي في ضحايا انفجار ( أربيل ) ــ قدم فضيلة الأستاذ محمد مهدي عاكف ـ المرشد العام للإخوان المسلمين ـ عزاء ( الإخوان ) في ضحايا انفجار مدينة ( أربيل ) العراقية ، الذي استهدف مقري الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني ، أول أيام عيد الأضحى المبارك .

 وتوجه فضيلته إلى السيد "مسعود البارزاني" رئيس الحزب الديمقراطي ، والسيد "جلال طالباني" رئيس الاتحاد الوطني بالعزاء في ضحايا التفجيرين ، مؤكداً لهما إدانة جماعة ( الإخوان المسلمين ) لهذا التفجير "الذي انتهك حرمة العيد المبارك والدم المسلم وقتل الأبرياء" ، داعياً اللهَ ـ عز وجل ـ " أن يرحم الضحايا ، وأن يمن بالشفاء العاجل على المصابين" " [ عن "رسالة الإخوان": العدد (356) ص3: 21ذو الحجة 1424هـ ـ 13/2/2004م ] .

 ولا أذكر ــ والدي الفاضل ــ أنهم تقدموا بمثل هذا العزاء لبعض قتلانا من الجماعات الإسلامية المخالفة لهم ، ولا أحسب أن حجم الخلاف بينهم وبين أي من تلكم الجماعات يبلغ ما بينهم وبين هاتك الأحزاب التي جمعت بين العلمانية والخيانة ، فضلاً عن حربها للإسلام والمسلمين .

 والأشنع من ذلك: أن نتوسط إلى مصالح سياسية حزبية محدودة بمد أيدينا إلى الخونة والعملاء ..

 إنه مثل هذه المواقف المتراكمة على مدار حقب تراجعنا ، تردت الأمة إلى درك الضياع الذي تعانيه اليوم ، والله أعلم إلى متى ، ولا سيما مع استمرار موجات الانكسار والتفريط ، ولا أريد أن أسمها بأبشع من ذلك .

 وقد تناولتم هذه المعاني في مقالاتكم بأحسن بيان وأوسعه وأبلغه وأكثره إقناعاً .

 أستاذنا الرائد ..

 ويطرح سؤال نفسه وبإلحاح: هل ما زال الإخوان يعدون أنفسهم الممثل الوحيد للإسلام ؟ أقول: هذا ربما يفسر لنا سر تقاربهم مع كل مخالف ولو في الاعتقاد ، بل ولو في الملة ، بينما يتخذون موقفاً عدائياً ــ أو على الأقل جافياً ــ من إخوانهم في قلب الحركة الإسلامية ؟!

 قل لهم يا والدي: هل بقي لدينا شك في أننا يجب أن نتجاوز النظرة الحزبية الضيقة ونحن نسحق كأمة ، أيخالون أنه يمكن لجزر صغيرة متهالكة متناثرة أن تثبت في عرض محيط عارم هادر ؟

 سماحة الوالد ..

 تقبل تحياتي ... والسلام .

    ابنكم/

محمد مختار

***

Doctor,

I refer to one of your important articles where you mentioned you intend to

write down about "nazareyyat al mooamara".

I agree with you to write about "al-mouamara, the fact" and I recommend to

ref. to dr. Jamal Abdul Hadi in that concern. I also heard about doctor

called "ahmed Othman" but not quite sure in which university he does he

work. Also please ref. to dr Mohammed Harb "al-daula al-othmaneyya".

 

Away of that, I've realised you previously asked and intelligent question

(as usual) WHY OUR NATION is still sleeping whileas all the treators

(monafiqoon) leading the nation to the disaster??

 

I (humbly) think that one of the main factors is "aqeedat al-irjaa" , kindly

ref. to lectures of shk. Fauzy al-Saeed at www.islamway.com, "tafseer surat

al-ankabout".

with my best regards

your student:

***

8.              بسم الله الرحمن الرحيم

الشيخ أحمد ياسين بيقول "اتمني ان يرضي عني الله"واحنا بقي نقول ايه

وبعــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدين

نفس القصة تتكرر اعزاء يموتون ونفس الملل في العبارات " نحن ندين .. نحن نتنيل نشين .. نحن نستنكر..... نحن نطالب بالجلوس علي مائدة الزفت المفاوضات .. نحن نطالب الفلسطنين بالصمت والفرجة علي أكبادهم تهوي ميتة علي التراب كل يوم بل كل لحظة دون محاولة الدفاع حتي لا نتهم بالارهاب "

وبعدين زهقنا قراية وزهقنا تطيب خواطر وزهقنا حتي من معرفة الحقايق لاننا عرفناها معرفنهاش واحد لاننا فقط نردد " نحن نشين وندين ونستنكرو......" مش عارفة اقول اية ولا حتي عارفة اصرخ في وش مين ولا عارفة حتي بعد ما اخلص كتابة هقوم اعمل اية زهقت حتي من البكاء في صمت زهقت من الكلام واكتر منه زهقت من الصمت "

سمعت يا ابويا الشيخ أحمد ياسين رحمه الله قال ايه بلسانه" اتمني ان يرضي عني الله" الشيخ أحمد بيتمني ذلك مع كل ما عمل وقدم وقاسي تعالي بقي يا ابويا وقولي احنا بقي ندعي ونقول بنتمني ايه من ربنا

عارف انا بتمني ايه؟ ان لو كان بالامكان الفرار من لقاء الله عزوجل لكنت أول الفارين من لقائه ليس خوفا ولكن عارا وكسوفا لان الاسلام والمسلمين كلنا بقينا كده وتخلفنا عن حبينا وهادينا

يا رب سامحني وسامح كل المسلمين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

***

تحيه وتقدير-مع طلب المراسله والتعارف

رفع الله قدرك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة ,,

اخى الدكتور الفاضل /محمد عباس تحية طيبة لك ,, وبعد :

فقد قرأت مقالك الأخير الذى هو رسالة شوق الى الشيخ أسامه بن لادن ..

فقد كفيت ووفيت بارك الله فيك .

واحببت ان ارسل لك هذه الرسالة واقول لك امض على الطريق بارك الله فيك ولا تلتفت الى المثبطين المرجفين.

جزاكم الله خيرا ..

اخوك فى الله /العابر الشرقي ..

***

اخي ووالدي الفاضل :السلام عليكم

لقد اطلعت على ردكم على اخينا هداه الله الذى ماعرف ولن يعرف قيمة فقيد الامة وعظيم هذا الزمان الشيخ الشهيد سيد قطب رضى الله عنه مادام يفكره وقلبه خبل. اقول كم اعجبنى ردكم لانه بجق ازال كثيرا من اللغط والغلط الذى اثاره السائل لاله بل للقراء واضيف فاقول ان مسالة اعتبار الدار <التاصيل > عند الشهيد حسب فهمى قد نظر اليها باعتبارين اعتبار العموم واعتبار المظلة فالعموم عنده مسلم وهذا لالبس فيه عند الناظرين بانصاف واما المظله المنتهجة لشريعة غير شريعة الله فنظرته لها ايضا لالبس فيه ...

ملاحظة :لاادرى ماالسبب الذى جعل كتبكم غير موجودة بالسوق الليبى حبذا لوعرفنا السبب .سابعث لكم لاحقا بعض الاشعار من السجون الليبيه واعتذر عن عدم تمكنى من الكتابة العربية عبر الشاشة.. ارجو ان لاتنسنى من صالح الدعاء اخوكم

عباس .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

***

El Shaab site is not the only politically besieged site all over the web

There is a Canadian site that I would like you to browse, for it presents a great deal of files that tackle the myth of six million jews being burnt in Holocaust with evidences and documents

I - though being a mere student in Faculty of Arts- am translating a book entitled "Did Six Million Really Die.Truth at Last Exposed"

We want to blow the whistle on the Jews who every now and then declare that six millions of them were killed. You MUST - or El Shaab or El Esboa- make use of the facts that were published in this site or -at least- download them as a valuable storage of documents that refute the big lie on which Israel has been built

 You must read these files ,espicially the book of which title has been mentioned - we MUST unmask those pigs and dogs (Jews) at least in the Middle East

Your readers must visit it

http://www.gawab.com/cgi bin/gawabcli?redirect=http%3A%2F%2Fwww.zundelsite.org

The site is mirrored also in

http://www.lebensraum.org

 

م حلمي

آداب انجليزي

الفرقة الثالثة

***

الموضوع: ليس جدلا باذن الله

 سيدى الفاضل الدكتور / محمد عباس تحية مباركة من لدن الرحمن بداية فهذا ليس جدلا ونعوذ بالله من الجدل ولكنها همسة حائرة داخلى انتم سببها وللحق فأنا لم يأسرنى ويستولى على لبى وعقلى أسلوب كتابى سامق فى رشاقته مثلما أعجبنى أسلوب سيادتكم الذى يأخذ بالالباب فتنساق فى غير غفلة نشوانة بجرأتكم فى الحق ولكن صدمتى فيكم كانت الى حد الاضطراب واهتزاز الثقة فى مرجعيتكم الفقهية وأرجو ان تلتمس لى العذر فأنت الذى علمتنى الجرأة فى ابداء المعتقد    فكيف ياسيدى تسمى قتل المسلم الموحد المصلى المزكى الحاج القارىء لايات القران امام وسائل الاعلام امتباهى والمتحدى بأنه رئيس مسلم لدولة مسلمة كيف تسمى قتل هذا الشهيد جهادا وأن الخلاف فى درجة الاجتهاد وهل لقاتل المسلم أجر أو أجرين  ياسيدى والله العظيم أحبك فى الله فلاتعتم صورتك عندى فالرجوع الى الحق أفضل من التمادى فى ال..........اسف لاأستطيع وصم افكاركم بما تكره هل يمكن ان تجتهد وتسرق ويكون لك اجر او اجران وهل يمكن ان تجتهد وتقتل بغير حق ثم يكون لك اجر او اجران وهل يمكن ان تجتهد وتترك الصلاة ثم ترجو الاجر او الاجران  ماهذا ياسيدى  اننى اشفق عليك ان تكون بهذه الحمية للإسلام  ثم تقابل ربك وانت على هذا اليقين بفكرة الإسلام منها براء  هل يحق لى وانا اختلف معك فى الراى فى هذه المسألة ان اطولك بأذى ولى اجر او اجران أرجع ياسيدى الى من هو خير منى ومنك وأعد قراءة خطبة الوداع وجم الاحاديث الواردة فى قتل المسلم وتقاتل المسلمين وجزاء القاتل وبعد ان تفرغ من قراءة خطبة الداع وظنى انك تحفظها عن ظهر قلب اكتب لى وليتسع صدرك لى ولاتبخل على اخيك بالرد واخيرا والله العظيم احبك وطالما سعيت لمعرفتك والدليل على صدقى زيارتى الدائمة لموقعكم الموقر   واخيرا صادق تمنياتى بدوام الصحة والعافية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته  اخيك شريف وهبه المحامى

 

9.              بسم الله الرحمن الرحيم

أخي في الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اللهم إني أبرأ من كل كلمة تأييد في جمال عبد الناصر..

ومعذرة إلى الله فلم أكن أعلم.. ولم أكن أصدق ما أسمع.. وذلك كله منشور منذ أعوام.. خاصة في مقالاتي الأخيرة يمكنك - مشكورا أن تقرأها - على موقعي:

www.mohamadabbas.net

أما عن السادات فإنما أبغضته في الله. وما زلت..

لكن ذلك لا يعني أنني أفتيت أو حتى أيدت قتل السادات..

على العكس.. من أيامها وحتى الآن لم أستسغ ولم أقدر على رؤية شريط الاغتيال..

لكن ذلك لا يعني إغماط اجتهاد البطل العظيم الشهيد بإذن الله خالد الاسلامبولي.. وإن كان ثمة خلاف فهو فقط : إن كان له أجر أو أجران.. أما عن إخلاص النية والاجتهاد فلا ريب لدي فيه.

إنني ضد الاغتيال لكنني لست ضد الجهاد..

المشكلة ليست في فرد بل في طبقة والطبقة لا تغتال.. ولقد مضى السادات فجاء من هو أسوأ..

وجزاك الله خيرا

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

د محمد عباس

***

الأستاذ الفاضل الدكتور محمد عباس.

أبعث إليكم بخالص التحية والتقدير من قلب يرى نصر الله قريبًا ويتمثل قوله تعالى " وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ", والله يا أستاذنا الفاضل لكأني أرى أصحاب الجنة يتنعمون وأصحاب النار يتألمون, وكلما طالعتنا صفحة الحياة بجندي جديد من جنود إبليس ممن لبسوا ثوب الهداية الزائف لا أقول لك إنني أزداد إشفاقا عليه وكلما علا سيف الظلم كلما وجدت الحق أعلى وأعلى وإنني لأري دماء المسلمين وهي تسيل أراها مهر الجنة وكلما نظرت إلى قصور الخونة لا أجدها إلى جواز مرور إلى جهنم, وإنني أسوق البشرى إلى إخواني الذين يتقطعون كمدًا لما يحدث لإخوانهم المسلمين من قتل وذبح أن الليل كلما ازداد سوادًا كلما قرب طلوع الفجر , إن الذي يملك مقادير الأمور هو الله تعالى والله يملي للظالم حتى يتمادى في ظلمه ثم يأخذه أخذ عزير مقتدر, وليسأل الظالمون أنفسهم أين الطغاة أين الجبابرة أين الذين نصّبوا من أنفسهم آلهة ؟ ماذا تساوي كل أموال الدنيا ونعيمها الزائف أمام غمسة واحدة في جهنم, كل الناس يغدو فعابد للمال وعابد للمرأة وعابد للسلطة وعابد للشيطان وعابد للدنيا, فقولوا بحق الله أي سعادة ينالها من يعبد الله تعالى الله, تعالى عما يشركون والله مهما ادعى أهل الزيف سعادتهم بالدنيا وبالمال والمنصب فقد كذبوا فكيف يصل المال إلى الله وكيف تحقق عبودية الدنيا سعادة كالتي تحققها عبودية خالق الدنيا, أيها الطغاة اكذبوا على أنفسكم, أيها المستبدون ما أشقاكم, أنتم محرومون من نعيم لا إله إلا الله محمد رسول الله أنتم محرومون من سعادة نشعر بها ونحن نقول ياااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااارب, يا الله, كم من هموم تلقى عن أنفسنا بذكرنا لله كم من عيون تقر برضى الله كم من يوم يمر وزاد حياتنا سبحان الله , هل تملكون أيها الطغاة أن تدفعوا الضر عن أنفسكم, هل تملكون أن تواجهوا أنفسكم ؟ اسألو أنفسكم سؤالا واحدا متي ستكونون بعد 50 عاما إذا امتدت بكم الحياه والله إنني لأعجب من مقتول أكثر سعادة من القاتل؟ إني أعجب من سعادة ينالها من لا يملك من حطام الدنيا سوى يارب, وأعجب من أناس يملكون الدنيا ولا يستطيعون أن يهنأوا لحظة ولا يستطيعون أن يقنعونا أن ضحكاتهم الزائفة تخفي وراءها سعادة كذبوا والله إنهم هائمون على وجوههم يبحثون عن أنفسهم فلا يجدونها إنهم يحيون في هيستيريا يجرون وراء سراب الدنيا وأتحدى أن يحقق لكم كفركم سعادة كالتي يحققها صلاة ركعتين في جنح الليل أيها الطاغون ما أشقاكم ما أشقاكم في قصوركم ما أشقاكم بذهاب أمانكم النفسي وإلا فما الذي يخيفكم منا نحن العزل مالذي يخيف أميركا من أناس لا يملكون معشار ما تملك من أسلحة أيها الأشقياء إنكم تنقمون منا إيماننا بالله العزير الحميد. إن انتصار الإسلام مسألة وقت مسألة سنة كونية في أن الله ناصر هذا الدين برجال مخلصين وكلمة الله هي العليا حتى لو ملكتم الأسلحة الذرية يا من صعدتم الفضاء؟ ماذا عن الفضاء النفسي الذي تعيشون فيه؟ ماذا عن الفراغ الروحي؟ قولوا بحق الله عندما تخلدون إلى النوم وتفرغوا لانفسكم بعيدا عن عدسات الشهرة هل تشعرون بالنذر اليسير من السعادة, الراحة الاطمئنان النفسي, لا والله لا والله, فمن أعرض عن ذكر الله فإن له معيشة ضنكا أيها السجناء داخل كفركم وعجزكم أيها التائهون في دروب الحياة ما أشقاكم , فلتموتوا بغيظكم وأعلنها لكم "ود الذين كفروا من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيما نكم كفارا حسدًا من عند أنفسهم", وأطمئنكم أيها الغيورون على دينكم, يا أيها الذين تعجزون عن نصرة دينكم يا أيها الأنقياء الأصفياء, أبشروا بنصر الله إنكم الأعلون وهم يعلمون أنكم الأعلون ويريد الذين كفروا أن يردوكم عن دينكم لأنهم وإن حاربوا الإسلام فإنهم يعلمون في قرارة أنفسهم أنه الحق, والله هم أشقياء في نعمائهم وأنتم سعداء في شقائكم فقط قولوا يارب فقط قولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله قولوها بلا وجل سيروا بأمان في هذا الكون فمالك هذا الكون هو الله والجبابرة إلى أسافل المصير ولكنه مسالة وقت, مسألة جمع التهم لهم حتى يعرضوا على محكمة جهنم, أيها المعتقلون أنتم أحرار داخل معتقلاتكم, ومعتقلوكم سجناء داخل كفرهم وطغيانهم استزلهم الشيطان وانتم أعزكم الله بالانتساب إليه, لا تبتئسوا لا تقنطوا فالله بالغ أمرة سددوا ثمن الجنة سددوا ثمن النعيم الأبدي تذكروا أن ما تعانونه اليوم من شقاء هو جواز مروركم إلى الجنة, تذكروا عندما نعرض على الله صفا, وتعلن أمام الملأ قد خاب من حمل ظلما " أبشروا أيها الصابرون أبشروا أبشروا أبشروا

توقيع

أخ لكم يرى بعين اليقين أهل الجنة يتنعمون وأهل النار يصطرخون يرى بفضل الله الحق حقا ويرى الظالمين في الدرك الأسفل من النار يصطرخون ويالهول النار ويالسوء مصير الكافرين

***

الموضوع: الغوث ياعلماء الأمة

أنا يا أستاذ محمد فتاة ابلغ السابعة عشرة من عمري .. استمعت من زميلاتي في ثانوية (...) للمقررات, في منطقة (...) عن برنامج يعرضون فيه مجموعة من الفتيات والشباب يجلسون معاً في مكان واحد ليل نهار, وقالت لي صديقتي: يا فلانة انت دائماً تقولين ما أعرف أكلم شاب.. ما اعرف أشلون أبدأ معاه .. أشعر برهبة من إقامة علاقة مع احدهم.. والآن يا صديقتي تابعي هذا البرنامج لكي تتعلمي منه فنون العلاقات الشبابية..! ثم اردفت صديقتها الشيطانة التي تتقنع بلباس تلميذة قائلة لها: ركزي ببرنامج "ستار أكاديمي" جيداً لمدة يومين فقط وستكتشفين ان الرهبة والخوف والحياء الذي يتملكك من اقامة علاقة مع الشباب ما هي الا رهبة التخلف.. وما حياؤك إلا عبارة عن عقدة نفسية..!

تكمل الفتاة رسالتها وتقول: انتظرت ان اخرج من المدرسة بفارغ الصبر في ذلك اليوم, ولما وصلت البيت جلست ليس لي شغل سوى مشاهدة ما يحصل على الهواء مباشرة .. فكنت ارى البنات والشباب يقبلون بعضهم بعضاً بين ساعة واخرى .. وتارة اخرى يضمون بعضهم بعضاً .. فقلت في نفسي يا إلهي هؤلاء يضمون بعضهم بعضاً ويتراقصون .. فضلاً عن قبلاتهم الساخنة التي لا تنقطع وأمام العالم جميعاً .. وانا ما زلت خائفة ومترددة من التحدث حتى بالهاتف مع صديق ما...!?

تقول صاحبة الرسالة: واصبحت بعد أيام فقط من متابعتي لهم على الهواء اشعر بأنني فعلاً فتاة متخلفة ومحرومة من الحياة الرومانسية المليئة بالحب ودفء المشاعر.. ثم اصبحت اتمنى في كل لحظة ان أكون انا التي في الأكاديمية الآن لأحظى بالجلوس ساعات طوال مع المشارك الفلاني في هذا البرنامج الرائع.. اريد ان ارقص معه .. اريد ان اتصنع الزعل منه ليأتي ويراضيني ويقبلني .. ويفعل معي كما يفعل مع الفتيات الاخريات..!

تكمل صاحبة الرسالة وتقول: واصبحت اذهب الى المدرسة وما عندي حديث الا عن المشارك الفلاني في هذا البرنامج واصبحت اتخيله بالغرفة معي! وبدأت اشعر بالجرأة داخلي بالتحدث مع احد الشباب والتعرف على اي واحد من الذئاب الذين يتسكعون في الأسواق.. واقول في نفسي الى متى وانا "حارمة" نفسي من كل هذا?!

وتكمل صاحبة الرسالة حديثها مطولاً.. وخلاصة رسالتها انها بينما كانت على هذه الحال وبينما كانت نفسها تأمرها بأن تعيش الضياع وتجرب حظها في عالم الحرام .. اتصلت بها احدى صديقاتها بالمدرسة وهي تقول لها: هل رأيت اليوم الأحد ما كتبه احد كتاب جريدة "السياسة" عن برنامجك المفضل "ستار أكاديمي"?! اقرأيه الآن فهو مقال ساخن! فدخلت فوراً على شبكة الانترنت, فهالني عنوان المقال "هكذا يخنثون الشباب" وما ان بدأت بقراءة أول عبارة من المقال حتى شعرت بالقشعريرة تسري بجسدي.. وكنت اشعر ان المقال مكتوب لي أنا بالذات من سائر الناس..!

تقول صاحبة الرسالة وعندما وصلت الى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "لتتبعن سنن من كان قبلكم, حذو القذة بالقذة, شبرا بشبر وذراعاً بذراع, وحتى لو أن احدهم جامع امرأته بالطريق لفعلتموه, وحتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه: قلنا يا رسول الله, اليهود والنصارى? قال: "فمن إذن"!?

اقسم بالله يا أستاذ محمد: ما ان قرأت هذا الحديث حتى جثوت على ركبتي وانا أبكي بحرقة وحسرة على نفسي, ولقد شعرت كيف اني قد جسدت هذا الحديث على نفسي وكيف اني رضيت طوال هذه الاسابيع والاشهر الفائتة ان أعيش حياة هؤلاء الفتيات الساقطات وان اقلدهن وتمنيت ان اكون واحدة منهن .. لقد صدقت نصيحة صديقاتي .. صديقات السوء .. عندما قالوا لي الى متى انت متخلفة ورجعية?! لقد جعلوني عبر هذا البرنامج الحقير أرى الفضيلة تخلفاً .. والحياء عقدة نفسية .. والعفاف والطهر والستر رجعية وغباء..!وانني اشكرك يا استاذ محمد شكراً عظيماً على هذه الصفعة التي صفعتني بها في مقالك .. لقد جعلتني ارى الحقيقة التي كدت انساها وانسى نفسي وديني وانوثتي وانساق وراء هؤلاء الفجار .. سامحني يا استاذ محمد على هذه الاطالة.

 

معاشر السادة النبلاء

هذه الرسالة التي أرسلتها هذه الفتاة الكريمة تجسد لنا وبدقة طريقة هؤلاء الساقطين في تضييع وإفساد بناتنا وشبابنا .. حيث انهم يجعلونهم يألفون المنكر .. وقليلاً قليلاً يعتادون على الحرام, ويعايشونه لحظة بلحظة ودقة بدقة.. ورويداً رويداً حتى يعتادون على أن يعيشوا مثل الحياة التي يعيشها المشاركون في هذا الماخور الكبير (ستار أكاديمي) وشيئاً فشيئاً يكونون جزءاً من واقعهم وحياتهم الساقطة والمنحطة .. ويجعلون الشباب والفتيات يقولون في أنفسهم: كل هذه القبل والرقصات والضم والتقبيل على مرأى ومسمع من العالم اجمع وعلى الهواء مباشرة .. ومع هذا الناس كلهم تصوت لهم وتشجعهم فما بالنا نحن لا نفعل مثلهم حتى في الخش والدس!? لماذا لا نقلد حياتهم الرومانسية!?

وهكذا يا معاشر السادة النبلاء يسعون لتخنيث الشباب فلا حمية له على أخته أو أهله أو عرضه.. والفتاة تتعلم أصول العهر والفجور بالمجان وعلى الهواء مباشرة وهكذا تنحر كل فضيلة في المجتمع ولا يبقى من القيم والمثل الكريمة إلا الشعارات الجوفاء.

واقسم بان مجتمعاً هكذا شأنه فلا خير فيه ولا يرجى منه يوماً ان يغار على دين أو يفزع للإسلام .وبذلك يكون قد نجح اليهود وعملائهم في تغريب مجتمعاتنا وسلخها من هويتها.. فلا دين ولا عزة ولا حتى أدنى كرامة!

رسالة أخيرة إلى عملاء الشيطان الذين يروجون هذا العهر والمنكر قال تعالى :

) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ( .

سلام الله عليكم ورحمته تعالى وبركاته

***

الموضوع: أملي في الله وحضرتكم

10.          بسم الله الرحمن الرحيم

السيد الدكتور المحترم/ محمد عباس

اود ان اعرض علي سيادتكم مشكلتي انا و أبنتي الحاليه الواقعه داخل الاراضي الروسيه

وذلك بعد الحديث التليفوني الذي اجري مع السفاره المصريه بموسكو وجاوبني القنصل (أحنا أسفين جدا معندناش محامي ومش هنقدر نتدخل)

تحيه طيبه وبعد ...

اود ان أحيط علم سيادتكم أنني مواطن مصري اسمي محمد جلال فريد حسن العشماوي ، صاحب ومدير شركة ايجبت ترافل للسياحه ومقيد بسجل المواطنين المصرين المقيمين اقامه مؤقته في دولة روسيا الاتحاديه، حيث انني أواجه مشكله مع زوجته روسية الجنسيه وتدعي ديانا كرنشوفا مواليد 07.12.1975 ومقيمه في محافظة كارليا - مدينة كوندابوجا - شارع مكسيما جوركا منزل 23 شقه 8 .

وقد لجأت الي محكمة مدينة كوندابوجا بمحافظة كارليا علما بانه مثبوت في عقد القران الصادر من محكمة جنوب القاهره الدائره رقم 41 أحوال شخصيه اجانب حيث انه من قواعد الاختصاص وجميع مسائل الاجراءات يطبق عليها القانون المصري عملا بنص الماده 22 من القانون المدني المصري وحيث انه عن الاختصاص القضائي الدولي ولما كان المدعي عليه مصريا فان المحكمه التي تكون مختصه بنظر الدعوى هي محكمة جنوب القاهره دائرة 41 احوال شخصيه اجانب عملا بنص الماده 28 من قانون المرافعات ، وحيث انه عن القانون الواجب التطبيق فلما كان الزوج المدعي عليه مصريا وقت الزواج فان القانون المصري يكون هو وحده الواجب بالاعمال في هذه الدعاوي عملا بالمادتين 12،14 من القانون المدني المصري وكان الطرفين مسلمي الديانه فتكون الشريعه الإسلامية واجبة التطبيق .

وتقدمت بطلب للآستاذ الدكتور علي جمعه مفتي الجمهوريه وقد صدرة شهاده من وزارة العدل دار الآفتاء المصريه أعتمدت وسجلت برقم 166/65 بتاريخ 15 فبراير 2004 بعدم أحقيتها بحضانة الطفله ومصدق عليها وزارة الخارجيه المصريه ..

وطلبت و توسلت لسفارة جمهورية مصر العربيه بدولة روسيا الاتحاديه بمدينة موسكو بلفت نظر محكمة مدينة كوندابوجا بعدم النظر في الدعوه المقدمه من قبل المدعيه ديانا كرنشوفا ضد المدعي عليه محمد جلال فريد حسن العشماوي ذلك لعدم الاختصاص اولا ثم ان حيث ذلك يخالف الاتفاقيه المساعده القضائيه المتبادله في مجال الدعاوي المدنيه والتجاريه و قضايا الاسره بين حكومتي ( جمهورية مصر العربيه و روسيا الا تحاديه ) الا تفاقيه موقعه في موسكو بتاريخ 23.09.1997 ويعمل بها أعتبارا من تاريخ 29.10.2002 وتم توقيع الاتفاقيه بين رئيسي الدولتين ( جمهورية مصر العربيه و دولة روسيا الاتحاديه ) في مدينة موسكو بتاريخ 23.09.1997 وطلبت مره اخري من السفاره المصريه بلفت نظر محكمة مدينة كوندابوجا التابعه لمحافظة كارليا الواقعه في دولة رسيا الاتحاديه بالاطلاع علي الآتفاقيه السالف أبرامها بين الدولتين وأخذها في الآعتبار حيث انها سارية المفعول وعدم البت و النظر في الدعوه المرفوعه ضدي وذلك لعدم أختصاص المحكمه بنظر هذه الدعوي ، أ رجوا سيادتكم سرعة أتخاذ الآجراءات اللازمه لوقف هذه الدعوه حيث ان الدعوه كما ترون ، الآن ينظر في الدعوي امام المحكمه المذكوره وسوف تصدر المحكمه حكمها الباطل قبل نهاية اخر عشرة ايام في شهر مارس الحالي في عام 2004 وأنني اتقدم بطلب المساعده لسيادتكم لثقتي في عون سيادتكم لماتقومون به من اعمال نبيله حيث انني أكن لسيادتكم كل التقدير و الاحترام ووفقكم اللة دائما علي الحفاظ علي حقوق المصرين .

ولسيادتكم وافر الشكر و التحيه والاحترام .

مقدمه لسيادتكم

المواطن المصري

محمد جلال فريد حسن العشماوي

ورقم الموبيل 0079216224150

المنزل 0078145157875

رقم تليفون المحكمه 0078145142068

زينب جلال - محاميه - داخل مصر - 0101548945

برجاء النشر وأتخاذ الازم.

الموضوع: الغوث ياعلماء الأمة

 

***

سلام الله عليكم ورحمته تعالى وبركاته

من منتدى بلسم الايمان الجهادى ..

الشاعر أحمد مطر يخاطب الرؤساء والملوك العرب

بمناسبة فشل انعقاد القمة العربيه في تونس

ارفعوا أقلامكم عنها قليلاً

11.          واملئوا أفواهكم صمتًا طويلاً

لا تجيبوا دعوة القدس .. ولو بالهمس

كي لا تسلبوا أطفالها الموت النبيلا

دونكم هذه الفضائيات فاستوفوا بها "غادر أو عاد"

وبوسوا بعضكم .. وارتشفوا قالاً وقيلاَ

ثم عودوا ..

واتركوا القدس لمولاها ..

فما أعظم بلواها

إذا فرت من الباغي .. لكي تلقى الوكيلا !

طفح الكيل .. وقد آن لكم أن تسمعوا قولاً ثقيلاً

12.          نحن لا نجهل من أنتم .. غسلناكم جميعًا

وعصرناكم .. وجففنا الغسيلا

إننا لسنا نرى مغتصب القدس .. يهوديًا دخيلاً

فهو لم يقطع لنا شبرًا من الأوطان

لو لم تقطعوا من دونه عنا السبيلا

أنتم الأعداء

يا من قد نزعتم صفة الإنسان. من أعماقنا جيلا ًفجيلا

واغتصبتم أرضنا منا

وكنتم نصف قرن .. لبلاد العرب محتلاً أصيلاً

أنتم الأعداء

يا شجعان سلم .. زوجوا الظلم بظلم

وبنوا للوطن المحتل عشرين مثيلاً

أتعدون لنا مؤتمرا ؟

كلا

كفى

شكرًا جزيلاً

لا البيانات ستبني بيننا جسرًا

13.          ولا فتل الإدانات سيجديكم فتيلاً

نحن لا نشري صراخًا بالصواريخ

ولا نبتاع بالسيف صليلاً

نحن لا نبدل بالفرسان أقنانا

ولا نبدل بالخيل الصهيلا

نحن نرجو كل من فيه بقايا خجل .. أن يستقيلا

نحن لا نسألكم إلا الرحيلا

وعلى رغم القباحات التي خلفتموها

سوف لن ننسى لكم هذا الجميلا

ارحلوا

أم تحسبون الله لم يخلق لنا عنكم بديلا ؟!

أي إعجاز لديكم؟

هل من الصعب على أي امرئ ..أن يلبس العار

14.          وأن يصبح للغرب عميلا ؟!

أي إنجاز لديكم ؟

هل من الصعب على القرد إذا ملك المدفع ..أن يقتل فيلا ؟!

ما افتخار اللص بالسلب

وما ميزة من يلبد بالدرب .. ليغتال القتيلا ؟!

احملوا أسلحة الذل وولوا .. لتروا

كيف نُحيلُ الذلَّ بالأحجار عزًا .. ونذلُّ المستحيلا

***

 

بسم الله الرحمن الرحيم

أستاذى العزيز / مجدى أحمد حسين أمين عام حزب العمل والمقاتل الأول فى معركة الحرب ضد الفساد

أستاذى العزيز دكتور / محمد عباس فارس الكلمة المدوية لإيقاظ الأمة من سباتها ونديم عهد مبارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تحية طيبة مباركة من عند الله مقرونة بأسمى آيات الود والاحترام والتقدير من تلميذكما / حسن عبد المطلب سليم عضو حزب العمل بأسوان الذى يحبكما اكثر الحب فى الله ،يهمنى أن أحيطكما علما بتلك المذكرة المرسلة بالفاكس للسيد الأستاذ المستشار / النائب العام وسلمت منها أخرى بذات المضمون للسيد الأستاذ / المحامى العام بأسوان وان شاء الله سوف أحضر إليكما فى أقرب فرصة لوضع الصورة أمامكما بالتفاصيل والمستندات حيث أنى أخوض مواجهة للفساد بأسوان ، ومع التسليم مسبقا بقدر الله إلا أنه فى دولة ديدنها التلفيق والظلم وقانون الطوارىء أتوقع اعتقالى أو احالتى للمحاكمة عبر تلفيق اى اتهامات ساعتها أطلب معونتكما بتبنى قضيتى بالرغم من علمى بتلال الهموم التى تحملونها أعانكما وأعاننى الله ، والله المستعان مع اجمل التهانى بعودة موقعي جريدة الشعب وحزب العمل للصدور ،. وإلغاء عقوبة الحبس للصحفيين وغيرهم فى قضايا النشر وعقبال صدور الصحيفة المطبوعة إن شاء الله

 والى سيادتكما المذكرة

 

15.          بسم الله الرحمن الرحيم

الســـيد الأستاذ المستشار / النائب العام

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بداية يهمنى أن أطرح على عدالتكم بعض الأسئلة :ـ

أولا :ـ ما هى الضوابط التى تحكم آداء النيابة العامة بداية من اجراء التحقيق حتى اتخاذ القرار بالاحالة للمحاكمة (؟؟!)

 وهل هذا العمل يقننه قانون الإجراءات الجنائية أم هو عمل عشوائي يخضع للاجتهاد الشخصي واعتبارات     أخرى مثل الوساطة أو المزاج الشخصي مثلا (؟؟؟!!!) .

ثانيا :ـ هل سمعتم سيادتكم عن دولة تتمتع بالحد الأدنى من الاحترام القضائى تحيل فيها النيابة العامة شخص برئ للمحاكمة على جرم لم يرتكبه بالرغم من وضع جميع أدلة البراءة أمام النيابة العامة والتى تقوم بمهمة قاضى ا لتحقيق وفى حالة عدم آداءها لعملها بالدقة والانضباط المطلوب وخروجا على قانون الإجراءات الجنائية والذى يحتم عليها إعلان المدعى عليه إعلانا صحيحا وذلك شرطا لصحة انعقاد الخصومة القضائية خصوصا فى ظل تكدس القضايا أمام المحاكم والتى تفترض سلامة الإجراءات السابقة ومن ثم تصدر أحكامها غيابيا بالإدانة والحبس على أبرياء والذين يجدون أنفسهم أمام مقصلة تنفيذ الأحكام . والمحصلة النهائية وقوع ظلم بين وبسوء قصد على أبرياء لعدم سلامة الأحكام القضائية ووسمها بالبطلان والسبب يعود للنيابة العامة الأمر الذى ينعكس سلبا على عدالة أحكام القضاء ويضربها فى مقتل .

ثالثا :ـ إذا كانت النيابة العامة تمثل المجتمع فى مواجهة الانحراف والخروج على القانون ومع التسليم بعدم دقة إجراءات البوليس فى المحاضر مثل عبارة تم التنبيه على المذكور أكثر من مرة ولم يحضر حتى وان كان هناك أكثر من عنوان للمذكور بالمخالفة للواقع ولا بأس من التلاعب فى التواريخ (!!) وإذا كان آداء البوليس     ليس فوق مستوى الشبهات ( حيث الحصول على الرشاوى والمبالغ النقدية ) لعلها فضيحة مدوية ومخجلة ترتقى لحد الدعارة الإدارية من جهاز يفترض فيه الحياد والجدية والالتزام والانضباط وووووو أن يكون قد تم استدعاء برىء أتهم زورا بضرب مجنى عليه كاذب قبل وقوع حادثة الضرب بمطوة ب 107 يوم هل هناك تهريج أكثر من ذلك ... وحسبنا الله ونعم الوكيل .

  والسؤال :ـ من المسئول عن مراجعة هذا التهريج المفضوح سوى النيابة العامة (؟؟!!) ولو شعر البوليس بأن هناك نيابة عامة مصحصحة وتدرك خطورة صلاحياتها الواسعة هل يستمر الحال على هذا المنوال (؟؟!!) .

ولقد أدرك أصحاب البلاغات الكاذبة والشرطة سهولة خداع النيابة العامة بل وإصرارها على أن تعيش دور     المخدوع والتى بدورها تصدر الخداع للقضاء والذى يصدر أحكامه بالإدانة دون أى دليل من الإثبات بينما يتم     استبعاد أدلة البراءة , وفى المعارضة قبول المعارضة شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المعارض فيه والقضاء مجددا براءة المتهم مما هو منسوب إليه علما بأن مطلبى من المحكمة هو إعادة القضية للنيابة العامة لتوجيه اتهام البلاغ الكاذب لمقدم البلاغ ولكن لا سميع ولا مجيب وما ذلك إلا بسبب تخلى النيابة العامة الموقرة والمحترمة عن مواجهة الخارج الفعلى على القانون بينما تقدم برىء للمحاكمة الله أكبر إنها بئس العدالة .

نعم لقد استطاعت النيابة العامة أن تجعلنى مجرم محترف لكل أنواع الإجرام من ضرب بالشوم للضرب بزجاج

مكسور للضرب بالمطاوى ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم .

رابعا :ـ لعل سيادتكم تتفقون معى أن عدالة القضاء وسيادة القانون فى هذا البلد المنكوب ما هما إلا كذبة كبرى ينقدها الواقع المرير والمعاش , حتى أنى لم أعد ألمس أى فارق بين آداء النيابة العامة وبين أى وحدة إدارية تتعامل  بالروتين والبيروقراطية والدليل ناهيك عن القضايا الغيابية الجائرة حيث تم تسديدها بالمعارضة وكف البحث ولكن الشىء المؤسف يوم 25/1/2004 يتم عرضى على النيابة العامة على ذمة القضية 17028/2002 جنح قسم أسوان وكان قرارها يعرض باكر, وتم عرضى يوم 26/1 وكنت قد حصلت على البراءة فى 25/ 1 وبالرغم من ذلك لم يتم إخلاء سبيلى من سراى النيابة (!!!) والشىء المؤسف أن تشمر النيابة العامة عن ساعد الجد وتحقق معى مرتين فى بلاغ من محام أرعن ليس لديه وازع من ضمير مهنى أو أخلاقى حيث أنه هو الذى ضرب الشاكى فى القضية 17028/2002 وحاضر عن المدعى المدنى أمام المحكمة ودون أن يحمل توكيل رسمى ، وذلك كى يعزز الاتهام ضدى وان كنت قد واجهته بواقعة ضربه للمجنى عليه أمام المحكمة وشاهدى على ذلك محضر الجلسة يوم 28/1 إلا أنه حرر ضدى المحضر 799/2004 ادارى القسم بزعم سبه وقذفه أثناء عمله وكأن عمله تضليل العدالة وتلفيق الاتهام لشخص برىء سوف تحيله النيابة العامة لجنحة وسوف تقدمنى للمحاكمة ، وقد تسترت النيابة العامة فى السابق والحاضر عن جنايات قتل واستيلاء على المال العام ولم يتم تقديم أصحابها للمحاكمة ، حقا العدالة النموذجية والتى ينبغى تصديرها للعالم المتخلف (!!)

عموما العديد من الملاحظات والتى آمل التحقيق فيها وإخضاع القضايا أرقام 17028/2002 ,13546/2002

،7840/2003 ,1874/2002 جنح القسم والمحضر799/2004 ادارى القسم للتفتيش على أعمال النيابات    مرسله لعدالتكم ... المواطن / حسن عبد المطلب سليم    أسوان السيل الريفى بجوار بقالة القاضى  22/2/2004

ملحوظة تم بالفعل إحالة المحضر الادارى 799 قيد برقم1873/2004 جنح القسم

***

***

 

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

-                  الصورة المقلوبة

***

-    أمريكا: جيش مجرم لشعب مجرم برئيس مجرم..

***

-    لماذا لا يستشهد العلماء الآن ؟؟!!

***

1. مطلوب فتوى عاجلة: إرسال جنود مسلمين إلى العراق كفر مخرج من الملة يشمل الجنود ويوجب الخروج على الحاكم..

***

2.                    إذا كان رأس الحكم في القوم داعرا...

3.              فشيمة أهل الحكم كلهمو العهر..

***

1. بقلم د محمد عباس

 

هل كان الصحابة – رضوان الله عليهم -  من الخوارج؟!..

معاذ الله..

لكن..

ألم يخرجوا على دين أبي لهب و أبي جهل..؟!..

فلماذا إذن لم نحكم عليهم ولم يحكم التاريخ عليهم بأنهم خوارج؟!

وهل كل خروج على الحاكم خروج على دين الله؟

أم أن للأمر ضوابط أخرى غير ما يفتريه حكامنا وفقهاؤهم..

و أن  من هذه الضوابط أن  مثل  هذا الاتهام  يستلزم شرطا ضروريا.. وهو أن يكون ذلك الخروج خروجا على حاكم يقيم شرع الله.. فإن كان الأمر غير ذلك.. وكان الأمر يتعلق بحاكم لا يقيم شرع الله  فإن توجيه  هذا الاتهام إلى المجاهدين أو حتى  للمعارضين ليس سوي وقاحة جريئة فاجرة.

أقول أن الشرط اللازم اللازب أن يكون الحاكم مقيما لشرع الله.. فإن لم يكن يقيمه  فللفقهاء تفصيل في ذلك قد يبيح في النهاية في أحد أحكام الفقه  ليس الخروج على هذا الحاكم فقط .. بل وقتاله أيضا..

نعم..

في أقصى الشروط يبيح الفقه كل الوسائل لمقاومة  الحاكم الذي يستحل الحكم بغير ما أنزل الله و أن يظهر منه كفر بواح..

وبرغم الغنى الهائل في الفقه الإسلامي للدرجة التي  لم يكد فيها   يترك قضية كبيرة أو صغيرة  أو حتى احتمالا عقليا مجردا في الخيال إلا ووضع ضوابطه و أحكامه.. إلا أن هناك وضعا لم يتطرق له..

فالوضع الذي نعيشه الآن .. والبلوى التي ترزح على قلوبنا وتكتم أنفاسنا وتزهق أرواحنا لم يتصورها الفقه ولم يضع لها حلولا..

لم يتصور فكر الفقهاء – فيما أعلم و أنتظر تصحيح القراء-  أن يكون هناك وضع يدعي فيه الحاكم الإيمان ويبطن الكفر.. فيصلى الصلاة جامعة لأوقاتها ثم يستحل المعصية بأنواعها – ولاحظوا أنني أقول يستحل ولا أقول يرتكب و إلا اتهمت أنا أيضا أنني من الخوارج- و أن تشترك النخبة كلها أو جلها مع الحاكم في هذا الوضع فلا يقتصرون على الظلم معه بل ويتجاوزون ذلك إلى شهادة الزور له بأنه أمير المؤمنين. بينما هم إذا ذكر اسم الله اشمأزت قلوبهم.. ولا يكفون أبدا عن السخرية بالدين والازدراء بمعتنقيه.

لم يتصور الفقه أن يتواطأ  مائة ألف مثلا على التظاهر بالإيمان وهم يبطنون الكفر..

ولم يتصور أنهم يملكون مفاتيح ثغرات  ويستغلونها لحماية أنفسهم و للتدليس على الأمة..

كما أن الأمر لا يقتصر على مجرد التظاهر بالإيمان و إبطان الكفر..

لأنهم ينضمون فعلا إلى أعداء الله  فيحاربون الإسلام والمسلمين في صفوف الصهاينة والصليبيين.. ينضمون فعلا.. ليس بالقلب أو اللسان.. بل بالطائرات والصواريخ والممرات المائية وسعر البترول والتجسس الذي يسمونه خدمات لوجستية.

***

في الحرب الأخيرة على العراق كانت إحدى الحكومات العربية لا تكف عن الادعاء بأنها لم و لن تشترك أبدا في الهجوم على بلد مسلم  ولو حتى  تحت راية الأمم المتحدة.. وكان بعض القراء من ذلك البلد يجأرون بالصراخ في رسائلهم لي .. لأنهم يقطنون بجوار قواعد عسكرية لا يتوقف النشاط فيها أبدا في اشتراك فعلى كامل في الحرب على العراق.. حيث لا يكف إطلاق الصواريخ و إقلاع الطائرات المغيرة وتقديم الخدمات لها وللقوات البرية..

كانوا يسألونني الفتوى في هؤلاء: هل الأمر هو الكفر البواح الذي يوجب الخروج على الحاكم أيا كانت النتائج أم أن الأمر دون ذلك..

وأنا يا قراء لا أجرؤ على الفتوى أبدا ولو في دم بعوضة.. فلست عالما ولا فقيها.. إنما أنا واحد من عامة المسلمين أستشعر ما يستشعرون و أستصرخ  العلماء والفقهاء : إن لم تتقدموا الصفوف الآن فمتى؟.. أفتوا بما أنزل الله.. أفتوا ونالوا الشهادة.. لماذا تخافون الموت في سبيل الله.. إن كنتم مؤمنين حقا لماذا تخافون الاستشهاد في سبيل الله؟.. إن الأمة والتاريخ والدين في حاجة إلى دمائكم لتونع بها شجرة الدين وتورق وتثمر..

أعلم أن الحاكم الفاسق أو الكافر يستطيع أن يقتل عالما وعشرة.. لكنه  حين يقتل مائة عالم ستخرج الأمة عليه وستقتله هو..

مجرد هذا الاحتمال هو الذي سيدفع أي حاكم إلى الحركة وإلى تغيير موقفه..

نعم.. لم يعد ما يحرك حاكما في عالمنا الإسلامي أو يمنعه من الحركة إلا خوفه من أن يقتل..

أو على الأقل أن يخلع ويقتل أبناؤه وتشرد أسرته ..

لست عالما.. ولا فقيها.. ولا أبيح لنفسي أن أفتي في دم بعوضة..

إلا أنني هنا أجلى الصورة أن المشكلة المطروحة لم تكن في اتهام المجاهدين  للحكام بالفسق أو تكفير مقترف الكبيرة.. لم يكن الأمر كذلك .. بل كانت أحكاما فقهية عن كفر من يعين الأمريكيين والصهاينة على المسلمين.. وهذا هو السبب الذي يتجاهل الحكام طيلة الوقت طرحه..

لست عالما.. ولو كنت لأمرت الجندي الذي يأمره قائده  أو حاكمه بقتال  المسلمين مظاهرة للكافرين.. لأمرته أن يستدير ليطلق رصاصه على من أمره حتى ولو كان ملكا أو رئيسا أو أميرا..

لست عالما .. ولو كنت لأفتيت  للمعاونة الأرضية أن تسقط أي طائرة و أن تغرق أي سفينة بدلا من أن توجهها وترشدها.. ولأمرت الطيار المسلم أن يسقط طائرات الأعداء حوله..و أن يرتد إلى الفاسق الذي أخرجه ليقصفه.. ثم لأمرت الطيار المسلم  الذي لا يقوم إلا بدور المضيفة في طائرات الأواكس التي تتجسس علينا لصالح أمريكا و إسرائيل.. والطائرات بأموالنا.. والطيارون على حسابنا.. والصور ندفع ثمنها لكننا لا نحصل عليها .. بل تحصل عليها أمريكا و إسرائيل..

لكنني لست عالما..

وليتني كنت.. إذن والله يا ناس.. لما خفت في الله لومة لائم.. ولما رضيت للكفار والمنافقين أن يسلبوا مني آخر سلاح أملكه في الدفاع عن الدين و أهله.. سلاح يقول أن من يقتل المسلمين لأنهم مسلمون قد خرج من الإسلام..

يا علماءنا لقد استهنتم حتى هان الناس.. وفرطتم حتى انفرط عقد الناس..

أنظر إليكم يا سادتي في ذهول..

لقد تركتم ناصية الدين ليمسك بها غير أهله.. حتي لقد تصدى الخنازير والكفار للفتوى وحرم منها علماء المسلمين الذين استكانوا إلى الصمت و كأنما أسقطت عنهم فريضة الجهاد ولو باللسان..

حتى المجرم بوش يعلمنا أن هذا من الإسلام وهذا ليس من الإسلام و أنتم يا حماة الدين صامتون صمت القبور وتركتم الرويبضات من علمانيين أشرار ويساريين أقذار وقوميين فرار ويمينيين فجار وعلماء أشباه رجال كفار  يفتون بما لم ينزل الله حتى اصطنعوا دينا ليس هو الإسلام.. وفي فتاواهم نفاجأ بدين ذليل مُذَل مهين مهان خاضع سلبي متسول إلهه ليس رب السماوات والأرض و إنما موظف صغير أو كبير في سفارة أمريكية حقيرة.. فما أمرتهم به السفارة عملوا به وما نهتهم عنه انتهوا..

دين غريب لا نعرفه..

دين غريب لا يطالبنا أن ندافع عنه  ولا يستحق منا أن نؤمن به.. بل دين يجرّم من يدافع عنه ويدينه ويمنح صكوك الغفران لمن يفسق فيه ويهينه..

دين يدفع الأوغاد والسفلة في سياق دفاعهم الظاهري عنه إلى التوسل إلى الكفار والمشركين أن يرعوا " ظروفنا الخاصة"..

ظروفنا الخاصة يا سفلة..

كما لو كنا معوقين أو مشوهين وأن الإسلام وصمة أُصبنا بها أو تشوها ولدنا به أو عاهة أصابتنا دون أن نملك حيلة للخلاص منها.. و أننا نتسول منهم مراعاة ظروفنا الخاصة..

ظروفنا الخاصة يا منافقين يا كفرة..

وكأنهم يعتذرون عن كوننا مسلمين.. و أقصى ما يتمنونه أن يُقبل اعتذارنا..

بل الإسلام هو الظرف العام.. هو السيد وهو السائد وهو الذي يقاس عليه ويُنسب إليه ويُنحرف عنه..

هو المقياس.. لا يُنسب بل يُنسب إليه..

نعم..

الإسلام  لا أقول عنه أنه أعظم الأديان تسامحا .. لا أقول ذلك  لأنه لا يجوز استعمال أفعل التفضيل معه.. وعندنا  ليس ثمة دين سوى الإسلام  ( ولسوف ينبح علىّ ألف كلب  لم ينبح منهم كلب حين رفض القساوسة والرهبان في مؤتمر ما يسمى الحوار بين الأديان  أن يعترفوا بأن الإسلام دين سماوي)..

ليس عندنا فقط.. بل عند الله  فالدين عند الله الإسلام..

نعم  الإسلام يعلمنا  أعظم النماذج للتسامح في الدنيا لكنه يقدم أيضا أروع آيات الجهاد.. أعظم من علمنا الرحمة لكنه أيضا علمنا القوة.. ونبي الرحمة المهداة هو الذي عفى عمن أساء إلى ابنته وأجهضها.. وهو الذي عفى عمن استأجرت من يقتل عمه الحمزة رضي الله عنه .. ولم يكن الحمزة مجرد عم للرسول عليه السلام بل ردءا للدين وقلعة و أسدا لله. ولكن صاحب هذه الرحمة المهداة نفسه هو الذي أمر بقتل مشرك أساء إلى الدين و إن تعلق بأستار الكعبة.. وسيد البشر وخاتم النبيين الذي بلغ قصارى تهديده لجارية أنه لولا مخافة الله لأوجعها ضربا بالسواك!! لكنه هو  نفسه الذي قال للمشركين:

-         -          جئتكم  بالذبح..

الذبح الذي أناشد فقهاءنا أن يفتوا بأنه يجب أن يكون عقوبة كل من أتى إلى بلاد المسلمين غازيا مستهينا بالإسلام و أهله عازما على إخراجهم من دينهم...

***

المرتزقة.. النخبة السافلة المرتزقة.. تتأفف وتدين ذبح أمريكي غاصب مجرم محتل بسيف.. ثم تصمت صمت القبور عن  ذبح عشرات الآلاف بشظايا القنابل العنقودية.. أو عن تلاشي أجسادهم بسبب القنابل النيوترونية.. وهؤلاء المرتزقة.. النخبة السافلة المرتزقة.. يجلس  الواحد منهم على مقعده الوثير مدفوع  الثمن مدفوع القلم.. في الغرف المكيفة.. نصف ثمل بمشروب تقدمه له نصف سكرتيرة ونصف عاهرة من نصيرات تحرير المرأة.. يجلس هذا السافل المرتزق في مجلسه الفاجر ذاك يحدد للمقاومة البطلة في فلسطين والعراق و الشيشان و أفغانستان  ما هو صواب وما هو خطأ.. ولا يكتفي المرتزق السافل المنحط بذلك  فيتجاوزه ليشرح للمقاومة ما هو حلال وما هو حرام .. وهو الذي لم يركع لله ركعة ولم يقرأ من كلامه آية..  يجلس وقد أحاطوه بهالات الهيبة المزيفة والوقار المصنع المزور وكأنه نبي مرسل وما هو إلا مسيلمة الكذاب بل هو أحط و أخس..

تتجاهل هذه النخبة الفاجرة أن المقاومة تؤدي عملها البطولي المعجز في ظروف لم تسبق في التاريخ .. نعم.. بيقين لم تسبق في التاريخ.. حيث الحصار شبه كامل وخيانة الأشقاء من كل جانب.. ثم .. ولأول مرة في التاريخ انفراد قوة بالعالم دون قطب مصارع.. في هذا الإطار المروع تتحرك المقاومة تحت أحدث أجهزة للرصد والقصف في التاريخ لتقوم بعمليات أشبه بالمعجزات  ليأتي هذا الوغد السفيه ليتحدث في كبرياء وازدراء رافضا هذا النوع من المقاومة أو ذاك ( لم يقل لنا أي خنزير منهم أي نوع من المقاومة يفضل.. إنه يرفض فقط.. يرفض لأن سادته يريدون منه أن يرفض و أن يثبط.. وهذا الخنزير ينظر في ازدراء :

-         -          أنتم تقتلون المدنيين الأبرياء..

أو في اشمئزاز وتأفف :

-         -          يا لها من بشاعة ووحشية .. ذبحوه بسكين..

يا خنزير .. لو أن لدينا الصواريخ والطائرات والقنابل – وحتما سنملكها بإذن الله يوما -  لقصفنا بها نيويورك وواشنطن ولندن وتل أبيب كما يقصفون بغداد والفلوجة والقدس ونابلس.. لكنهم بمعونة أمثالك يا خنزير .. وبمعونة ملوكك ورؤسائك و أمرائك حاصرونا فلم يبق منا سوى شراذم قليلة تجسدت فيها الكرامة والشرف والنخوة ولا إله إلا الله.. فلا يملكون رفاهية وقت يفكرون فيه.. ولا اختيارات يفضلون أحدها على الآخر.. ولا أجهزة مخابرات أو استطلاع تحدد لهم أي الخيارات يختارون  و أي الضربات لن تسفر عن مقتل الأبرياء إن كان منهم أبرياء .. هذه الفئة القليلة تذكرني دائما بتلك الفئة البطلة التي وقفت تدافع عن الرسول صلى الله عليه وسلم يوم أحد .. حينما لاحت ملامح الهزيمة وبدا كما لو أن الخاتمة أطبقت على كل شئ و أن نهاية الإيمان محتومة و أن الكفر ساد إلى الأبد..  ولكن هذه الفئة الطاهرة لم تستسلم وإنما  صمدت وراحت تدافع عن دينها ونبيها صلى الله عليه وسلم..

***

إنني أنصح القراء أن يعيدوا قراءة أحداث غزوة أحد فإنني والله لكأنني أري وجوه صناديدها في وجوها سادتنا المجاهدين في العراق وفي فلسطين و أفغانستان والشيشان و..و..و..

قبيل المعركة رأي الرسول صلى الله عليه وسلم  كتيبة حسنة التسليح منفردة عن سواد الجيش، فسأل عنها، فأخبر أنهم اليهود من حلفاء الخزرج يرغبون المساهمة في القتال ضد المشركين، فسأل‏:‏ ‏‏(‏هل أسلموا ‏؟‏‏)‏ فقالوا‏:‏لا، فأبى أن يستعين بأهل الكفر على أهل الشرك‏.

***

الآن يستعين ولاة أمورنا بالمشركين والكفار جميعا لإبادة المسلمين وقهرهم و إذلالهم واغتصابهم وذبحهم وترويعهم وتسفيه دينهم..

***

في أحد ..  وبينما الكرب قد اشتد بالصحابة إذ سمعوا صائحاً يصيح‏:‏ إن محمداً قد قتل، فطارت بقية صوابهم، وانهارت الروح المعنوية أو كادت تنهار في نفوس كثير من أفرادها، فتوقف من توقف منهم عن القتال، وألقي بأسلحته مستكيناً ‏. ‏ومر بهؤلاء أنس بن النضر، وقد ألقوا ما بأيديهم فقال‏:‏ ما تنتظرون ‏؟‏ فقالوا‏:‏ قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال‏:‏ ما تصنعون بالحياة بعده ‏؟‏ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال‏:‏ اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء، يعني المسلمين، وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء، يعني المشركين، ثم تقدم فلقيه سعد بن معاذ، فقال‏:‏ أين يا أبا عمر ‏؟‏ فقال أنس‏:‏ واها لريح الجنة يا سعد، إني أجده دون أحد، ثم مضي فقاتل القوم حتى قتل، فما عرف حتى عرفته أخته ـ بعد نهاية المعركة ـببنانه، وبه بضع وثمانون ما بين طعنة برمح، وضربة بسيف، ورمية بسهم ‏.‏

***

والله يا قراء لكأنني  أرى ريح أنس بن النضر في المجاهدين في العراق وفلسطين وشتى بلاد المسلمين..

***

والله يا ناس لكأنني أرى في وجوه المجاهدين  ملامح ثابت بن الدَحْدَاح حين نادى  قومه فقال‏:‏ يا معشر الأنصار، إن كان محمد قد قتل، فإن الله حي لا يموت، قاتلوا على دينكم، فإن الله مظفركم وناصركم‏.‏ فنهض إليه نفر من الأنصار، فحمل بهم على كتيبة فرسان خالد فما زال يقاتلهم حتى قتله خالد بالرمح، وقتل أصحابه ‏.‏

***

يا معشر العراقيين .. يا أهل فلسطين .. يا سادتنا في أفغانستان والشيشان :  إن كان سيدنا  محمد صلى الله عليه وسلم  قد انتقل إلى الرفيق الأعلى ، فإن الله حي لا يموت، فقاتلوا على دينكم، فإن الله مظفركم وناصركم..

***

بمثل هذا الاستبسال والشجاعة كان الصحابة رضوان الله عليهم يقاتلون في سبيل الله..

و بمثل هذا الاستبسال والشجاعة أرى المجاهدين  المعاصرين رضوان الله عليهم يقاتلون في سبيل الله..

بمثل هذا الاستبسال كانوا يقاتلون في سبيل الله وقد انتهي أملهم في الدنيا ولم يعد في عالم الشهادة ما يدفعهم لقتال وبقي عالم الغيب  فقاتلوا كما لم يقاتل في الدنيا أحد.. ولو لم يقاتلوا كذلك لتغير وجه الدنيا ولساد الكفر إلى أبد الآبدين.. لم يكونوا يدافعون عن شخص ولو كان سيد البشر وخاتم النبيين فقد وقر في خاطرهم أنه قُتل ومع ذلك استمروا في القتال.. ولم يكونوا يقاتلون  في سبيل دنيا أني لهم بها وقد انقطعت أسبابها و إنما في سبيل الآخرة فأعطاهم الله الدنيا والآخرة..

يا أهلنا في العراق وفلسطين والشيشان وأفغانستان وفي كل بلاد المسلمين .. أنتم لا تقاتلون على دنيا ولا على مال ولا على وطن – ولو فعلتم ما شانكم -  و إنما أنتم يا فلذة الكبد وقرة العين  وسويداء القلب تقاتلون من أجل آخرتكم ومن أجل أمتكم ومن أجل دينكم رضى الله عنكم و أرضاكم.

رضى الله عنكم و أرضاكم. .. ما أقل عددكم لكنكم عند الله بإذن الله كثر.. وفي أحد  لما بدأ المشركون  تطويق جيش المسلمين  لم يكن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تسعة نفر، فلما نادي المسلمين‏:‏ ‏‏(‏هلموا إلي، أنا رسول الله‏)‏، سمع صوته المشركون وعرفوه، فكروا إليه وهاجموه، ومالوا إليه بثقلهم قبل أن يرجع إليه أحد من جيش المسلمين، فجري بين المشركين وبين هؤلاء النفر التسعة من الصحابة عراك عنيف ظهرت فيه نوادر الحب والتفاني والبسالة والبطولة‏.‏

وكان هؤلاء التسعة بصمودهم هم الذين غيروا مجرى التاريخ إلى أبد الآبدين.. فما أشبهكم بهم..

ما أقلكم..

بل ما أكثركم..

من التسعة الذين كانوا حول الرسول صلى الله عليه وسلم  استشهد سبعة.. وبقي اثنان.. طلحة ابن عبيد الله وسعد ـ بن أبي وقاص رضى الله عنهما..  هما اللذان غيرا بصمودهما بعد استشهاد السبعة مجرى التاريخ.. هما الاثنان  يا أسامة بن لادن ويا أيمن الظواهري ويا.. ويا.. ويا..

***

يا أهلنا المجاهدين..

كلما تمزق قلبي إشفاقا على قلة عددكم وخزيا من خذلاننا لكم  فإنني أتعزى بما حدث للرسول صلى الله عليه وسلم  حين  سقط في حفرة من الحفر التي كان أبو عامر الفاسق يكيد بها، فجُحِشَتْ ركبته، وأخذه على بيده، واحتضنه طلحة بن عبيد الله حتى استوي قائماً..[3][1] ‏.‏ . فهل يعزيكم ذلك رضى الله عنكم و أرضاكم؟؟..

***

إلا أنني أناشد كل مسلم على ظهر هذه الأرض أن يفعل كل ما يستطيع لتخفيف الضغط على المجاهدين في ميادين القتال.. وليس لدي اقتراحات محددة.. ولكنني فقط أعيد تذكيركم بأننا فلول أمة خان حكامها وهان شيوخها وانضمت جيوشها وشرطتها إلى الأعداء.. و أن عليهم التصرف على هذا الأساس مدركين أن هلاك المسلمين جميعا إلا واحدا لا يسقط فروض الدين عن هذا الواحد الذي بقي.. و إن بصري يرنو بشكل خاص إلى الخليج كي يقدم اعتذاره التاريخي  وتكفيره عن خيانة حكامه.. بل و أيضا إنقاذا لأجيالهم القادمة.. لأنني أرى عمق الورطة وضخامة الكارثة التي دفع حكام الكويت شعبها إليها.. ذلك أن قوات الاحتلال الأمريكي سوف تنسحب ذات يوم من المنطقة .. و أغلب الظن أنه لن يكون انسحابا بل فرارا .. وأنه لن يكون علينا انتظار مائة عام بل بإذن الله عاما وبعض عام.. وساعتئذ سيدفع الشعب الكويتي دينه الثقيل الباهظ .. ليس بالذهب أو البترول و إنما بالدم.. سيدفع فيما أظن وجوده كله.. ويقال أن الكويتيين يدركون ذلك جيدا .. و أن فقراءهم لا يملكون للكارثة حلا.. أما أغنياؤهم فينقسمون إلى قسمين: القسم الذي ما زال على إسلامه وذلك يشترى البيوت في السعودية.. وقسم العلمانيين والنخبة المثقفة القذرة و أولئك يشترون المنازل في لندن.

***

أعود إلى مناشدة المسلمين في شتى أنحاء العالم أن يفعلوا ما يخففوا به الضغط عن إخوانهم في ميادين القتال.. أن يشتتوا جهد العدو الكــــــــــــــــــــــــــــــــــــــافـــــــــــــــــر.. و أن يجعلوه يفهم أن كل شهيد سيخلف من بعده مجاهديْن مكانه..وكل شهيدين سيخلفوا ثمانية وكل ثمانية سيخلفوا مائة..

شتتوا اهتمام العدو في شتى أرجاء الأرض..

نعم.. إلا تفعلوه  يكن إثم كبير..

إن إخوانكم اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمْ النَّصْرُ  و أثبتوا للعالم أننا أبناء دين يستطيع الدفاع عن نفسه ويستطيع أن يقيم العدل والسلام و إلا فإنه يستطيع أن يسحق أعداءه ويذلهم إذا لزم الأمر.. يستطيع أيضا أن يعاقبهم بمثل ما عاقبوه به..

يستطيع حين يذبحون منا عشرات الآلاف بشظايا القنابل العنقودية أن يرد الصاع لهم ولو بالخناجر..

بل ويستطيع أن يهدد كل المحتلين بالذبح إن لم ينكصوا على أعقابهم.

ومن هذا المنطلق نظرت إلى ذبح الأمريكي الأخير..

ولابد أن أقول هنا أنني لا أستبعد أي احتمال في الواقع المعين لذبح الأمريكي الأخير والذي ترى جهات عديدة أن الأمريكيين والصهاينة وراءه لتخفيف الضغط على الخنازير بوش وبلير وشارون بعد فضيحة الصور.. بل إن فضيحة أخرى بدأت تتكشف عبر اتهامات أمريكية لذلك الذي ذبح بأنه كان على علاقة بالقاعدة.. وبالتحديد زكريا موسوي.. و إن صح ذلك فإن الأمريكيين دون سواهم هم الذين قتلوه..

 ولكنني برغم ذلك أعود إلى أصل القضية.. إذا قام الأمريكيون والبريطانيون و اليهود بذبحنا فعلينا ذبحهم ..

***

 ( اللهم غفرانك وعفوك.. غفرانك وعفوك.. غفرانك وعفوك.. لقد توقفت عند حديث " جئتكم بالذبح" ورحت أسائل نفسي عن المواءمة في الاستشهاد به في مثل حالنا – مجرد المواءمة وليس الاستنكار كما فعل حزب الله في بيان منكر وصم فيه بعض المجاهدين بالانتساب للإسلام زورا- فكرت في المواءمة .. فغفرانك اللهم.. غفرانك.. واخجلي منك يوم العرض.. نعم.. وا خجلتاه.. واخجلتاه  و إن غفرت )..

يا فقهاءنا: بذلكم ذللنا.. وبخنوعكم خنعنا.. وباستسلامكم استسلمنا .. وتكاد الأمة تضيع..

يا فقهاءنا لا تكتموا الشهادة.. وانطقوا بالحق وحددوا حدود الإسلام والكفر التي لم يعد يخط حدودها سوى كافر أو منافق أو ضابط أمن دولة..

لا تكتموها..

وثمة فتوى عاجلة أناشدكم المسارعة بها..

وحاشاى أن أتجاوز قدري أمام علمكم فأبتدع من الفتاوى ما يوافق رأيي  أو يعضد هواي.. أعلم أنني لست أهلا للفتوى.. و أعلم أن الأمر حكم فقهي لا رأي عقلي.. كما أن الأمر ليس مشاعا لاقتراحات حسني النية والهواة..

لذلك لن أبتدع فتوى .. و إنما أتوسل إليكم أن تصدروا فتوى مماثلة للفتوى التي أصدرها علماؤنا في الباكستان.. فتوى تقضي بأن الجندي الذي يموت وهو يقاتل المسلمين قد خرج من الإسلام ولايجوز الصلاة عليه ولا دفنه في مقابر المسلمين.. وهذا حكم بالكفر تترتب عليه كل تداعيات الخروج على الإسلام.. تداعيات تلزم أهل بيته وتتحدد بها المواريث.. بل وتلزم الأمة بقتل الحاكم الذي أظهر كفرا بواحا بموالاة العدو الكافر.

أناشدكم يا علماءنا أن تسارعوا إلى إصدار هذه الفتوي قبل أن يتورط الخونة والمنافقون من حكامنا في إرسال جيوش من بلاد إسلامية تقتل إخوتنا في العراق..

أناشدكم أن تمنعوا الكارثة..

من يرسل هذه القوات كافر.. ومن يؤيده كافر.. والميت فيها كافر لا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين..

وهؤلاء ليسوا مجرد خوارج..

إنهم كفار ومشركون ومنافقون..

***

ليس كل خروج على الحاكم إذن خروجا على الدين..

بل قد تكون موالاة هذا الحاكم على ظلمه واستحلاله موالاة أعداء الله على المسلمين هي الخروج من الدين والمروق من الإيمان..

نعم .. ليس كل خروج على الحاكم إذن خروجا على الدين.. إلا إذا كان هذا الحاكم يقيم شرع الله ويحكم بمقتضاه أو على الأقل لديه من المعاذير ما لا يبيح له ذلك..

أما إن كان الأمر على العكس.. على العكس تماما ..  على العكس لدرجة أن يكون  سفير أبي جهل  وابن أبي لهب أقرب إلى قيصر الروم ( بوش ) من خلصائه بل ومن وزرائه..  نعم.. هم أقرب إليه من أخلص خلصائه حتى أنه – عليه اللعنة-  كشف لهما خطته لغزو بلاد المسلمين قبل أن يعرفها وزير خارجيته أو أي من خلصائه الكفار والمشركين.... أقول عندما يصل الأمر إلى هذا الحد فهل يكون  الخروج عن طاعتهم وطاعة آبائهم خروج عن الإسلام أم عودة إليه و أوبة.. و يكون اتهام المعارضين بأنهم خوارج أكثر من أن تصفه كلمات، يكون أمرا يفوق  الوقاحة والجرأة والفجور، نعم يفوقها، ولا يجد الإنسان أي طريقة ليعبر بها ولا أي كلمات في القواميس تحيط بالمعنى المطلوب،  وهو وضع لا يصلح معه  استعمال صفات لوصف مثل هذا النظام العميل المجرم، بل  ولا سبيل للتعامل معه إلا بالخروج عليه،   بل إن عدم الخروج عليه ليس مجرد إثم بل كبيرة من الكبائر..

اتهام المعارضين إذن بأنهم خوارج صورة مقلوبة..

ونحن نستعمل وصف " الصور المقلوبة"  هنا مجازا.. لأن استعماله دون مجاز قد يقضي بأن الحكام هم الخوارج لأنهم هم الذين يخرجون عن شرع الله.. والأمر ليس كذلك.. الأمر أسوأ بكثير .. بل إن رأس أي حاكم لا يطاول قدم أي خارجي..  لأن الخوارج حين خرجوا إنما كانوا يطلبون الحق فأخطئوه.. أما حكامنا..  فهم من البداية يطلبون الباطل فيصيبونه عبر مسالك لا أول لها ولا آخر من الكذب والخسة والخيانة والادعاء والتآمر..

***

سفير أبي جهل  وابن أبي لهب أقرب إلى قيصر الروم ( بوش ) من خلصائه بل ومن وزرائه..

بيت الشعر القديم لم يعد يكفي إذن ولابد أن يلحقه التغيير..

لم يعد الأمر أمر ضارب دف أو راقص.. بل هو العهر الكامل دون أن أي نقصان أو تجمل..

العهر الكامل..

و إلا فماذا تسمون أن يعرف بعض المسئولين العرب بأخبار غزو العراق قبل أن يعرف بها وزير الخارجية الأمريكي نفسه..

قلت لنفسي لا بأس..

لا بأس فالداعرة تعرف من الرجل ما لا تعرفه منه امرأته..

والغلام يعلم من سيده ما لا يبوح به لصديقه أو أخيه.

فلنغير البيت إذن:

إذا كان رأس الحكم في القوم داعرا...

فشيمة أهل الحكم كلهمو العهر..

***

في هذا الإطار تأتى الدعاوى لاتهام المجاهدين بالإرهاب لتثير الكثير من الريب..

سوف أطيع فتاواك أيها الطاغوت، وسوف أحكم على الخارجين عليك بالإرهاب وحتى بالكفر .. لكن بشرط واحد.. وهو أن تكون صادقا.. و ألا تكون مجرد منفذ فاسق لترديد اتهامات صيغت في كواليس المخابرات الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية..

سوف أطبق فتاواك ..

لكنني لن أحكم لمفقوءة عينه قبل أن أسمع خصمه فقد تكون مفقوءة عيناه..

سوف أضع افتراضين:

أولهما – وما ينبغي له أن يكون الأول – أنك صادق في اتهاماتك..

سوف أحكم معك عليهم بالخروج من الدين كله.. وبمحاكمتهم.. وبقتلهم – بعد المحاكمة لا قبلها-.

لو أنك كنت صادقا فإنني أوافقك على كل ادعاءاتك و أحكامك..

لكن اللازم أن نناقش الفرضية الثانية..

أن نتساءل: وماذا إن كانوا هم الصادقين..

أعدك أيها الطاغوت أنني سأستمع إلى شهادة أحبابك و أوليائك قبل أن أسمع شهادة من تتهمهم بالخروج عليك..

سأستمع إلى شهادة من  اسوشييتد برس تقريرا خاصا نقلت فيه تصريحات مسؤولين من مراجع سياسية عليا  عن حجم  الدعم الذي وفرته دولة الطواغيت وطواغيت الدول   للحرب ضد العراق حيث يعترف المسؤولون بأن القوات الأمريكية أدارت الحرب الجوية من قاعدة (...)  واستخدموا قاعدة (...)  و(...)  لإرسال آلاف العناصر لتنفيذ المهمات الخاصة كما اعترفوا بتحريك ما يصل إلى 300 طائرة في طلعات مختلفة من قواعدكم  الجوية. وخلال الحرب زودت حكومتكم  القوات الأمريكية بالمحروقات بقيمة مخفضة جدا كما ضمنت لأمريكا تعويض أي نقص في النفط العراقي يوميا لتهدئة سوق النفط التي ساد فيها الذعر خوفا من تفجير آبار النفط العراقية.

ماذا يحدث أيها الطاغوت  إن كانت حقيقة الأمر – طبقا لشهادات من واليتهم – أن الجزء الأساسي من توجيه المعركة الجوية ضد العراق قد تمت من أراضيكم  حيث قام عدد من القادة العسكريين بإدارة مركز للسيطرة والقيادة لإطلاق طلعات إف 16 وطلعات إعادة تعبئة وقود وطلعات خاصة للاستخبارات العسكرية..

ماذا يحدث أيها العاهل إذا ما صدقنا أولياءك و أصدقاءك حين يشهدون عليك.. ويشهدون بأنه  تم الإبقاء على معظم المعلومات المتعلقة بهذا التعاون طي الكتمان من قبل السلطات في البلدين خوفا من أن يؤدي إلى زعزعة استقرار حكمكم .

ماذا أيها العاهل لو صدقت الاسوشييتد برس حين قالت أن  حكومتكم قد سمحت بتنفيذ عمليات عسكرية واسعة النطاق ولكنهم رفضوا الإفصاح عن أسمائهم خوفا من حساسية القضية.. و أنه بينما انطلقت القوات البرية من الكويت فقد قام الآلاف من القوات الخاصة بالانطلاق من أراضيكم بعدما رفضت تركيا السماح لأمريكا باستخدام أراضيها لنفس الهدف..

إن  صدق أصدقاؤك أيها العاهل.. فمن هو الخارج على الإسلام ومن هو الذي يجب قتاله وقتله..

ثم..

و أنت تأمر فقهاءك أن يحكموا بالكفر على من يخالفك أو يقاتل حلفاءك الذين أتوا يسفكون دماء المسلمين ويغتصبوا نساءهم ويحتلوا وينجسوا مقدساتهم  .. فهلا سألتهم أن يبينوا للناس حكم من أعطاهم العهد والميثاق .. حكمك أنت أيها العاهل..

وحتى لو كان لك الحق في أن تعطيهم عهد أمان – وليس لك الحق في ذلك- أفلم يرتكبوا ما ينقض ميثاقك لهم، وما ينقض هذا الميثاق هو ما يسمى بالكليات الخمس.. ومنها الإعانة على قتال المسلمين – مجرد الإعانة فما بالك بالقاتل الأصلى- أو قطع الطريق عليهم  أو  إيواء الجواسيس  أو الزنا بالمسلمة  أو فتن المسلم عن دينه  أو سب الله أو النبي.

لم يتغير موقف المجاهدين.. تغير موقف الطواغيت لكن موقف المجاهدين ظل ثابتا.. فهلا أمرت فقهاءك أيها الملك الجبان  أن يشرحوا كيف كان قتال الروس جهادا في سبيل الله بينما يصبح قتال الأمريكان ومن والاهم خروجا من الإسلام؟..

هلا أمرت فقهاءك أيها الرئيس الخسيس أن يكفوا عن تجريح العمليات الاستشهادية..

نعم أيها الأمير الحقير لا يستوي الخارجون على من يحكم بشرع الله مع الخارجين على من يحكم بشرع الأمريكان والصهاينة فمنع حتى القنوت عليهم..

ومن ينتظر من هذا الملك أو ذلك الرئيس أو ذاك الأمير  إعلان الجهاد ضد الصهاينة و الأمريكيين  ، فهو – على حد قول أحد علمائنا -  كمن ينتظر أذان "شارون" من على منبر الأقصى يدعو المسلمين لصلاة الجمعة في العشر الأواخر من رمضان بعد طول قيام وإتقان صيام !!..

بل إن حكامنا ونخبتنا أشد سوءا و أكثر خسة حتى من بوش بلير شارون، و إن جاز التشبيه فإن أولئك يمثلون جنود العدو الفاجر وقادته، ومهما كانت إدانتنا لفجورهم وخستهم ووحشيتهم، إلا أن إجرامهم – بغض النظر عن رأينا وقيمنا – يصب في مصلحة بلادهم، مثل اللص الذي يضع سرقاته بين يدي عصابته، أقول أنهم أقل إجراما من حكامنا  ..  حكامنا الذين يقومون بدور المرتزقة.. بل أشد سوءا حتى من المرتزقة..  لأن  المرتزقة يبيعون إجرامهم لمن يدفع لهم ثمن هذا الإجرام الذي يمارسونه ضد أناس لا يعرفونهم.. أما حكامنا ونخبنا فإنهم يبيعون إجرامهم بأبخس ثمن وضد أهلهم و أمتهم وعقيدتهم.

لم تصب آفة الضمير بعد  أي خنزير من نخبتنا.. ولم يملك هؤلاء الطواغيت ونخبهم من الخنازير ما امتلكته الشرطة المقدونية  حين اعترفت بقتل 7 باكستانيين أبرياء على أنهم إرهابيون.. وجاء في تفاصيل الخبر:

صحيفة الشرق الأوسط 1-5-2004 - : اعترفت الشرطة المقدونية أمس بأنها قتلت 7 باكستانيين قبل عامين باعتبارهم ارهابيين، وذلك للتقرب من الولايات المتحدة، في حين انهم كانوا مجرد لاجئين ليست لهم علاقة بالإرهاب. وقالت المتحدثة باسم الشرطة ميرجانا تونتيسكا ان 5 رجال شرطة ورجل أعمال اتهموا في هذه الجريمة التي وصفتها بأنها «جريمة عقل مريض». وكانت الشرطة المقدونية أعلنت في مارس (آذار) عام 2002 ان وحدة خاصة صفت مجموعة إرهابية كانت تخطط لمهاجمة سفارات أجنبية في مقدونيا. وقالت المتحدثة أن الباكستانيين السبعة كانوا في الحقيقة مهاجرين غير شرعيين جرى تهريبهم إلى مقدونيا بوعد انهم سيتمكنون من دخول أوروبا الغربية. وكانت وحدة خاصة من الشرطة قد حاصرت السبعة في مكان على بعد 5 كيلومترات شمال شرقي العاصمة، وأطلقت عليهم الرصاص وقتلتهم.

***

انتهي ما قالته الصحيفة..

انتهى بعد أن ذكرني بعشرات الأخبار المماثلة عن الإجرام المتأصل في أجهزة الأمن في بلادنا.. ذكرني على سبيل المثال بما نشرته صحيفة شيوعية من أن الأمن في بلد من بلادنا العربية كان يعتقل المجاهدين، ويعذبهم تعذيبا شديدا لإجبارهم على الاعتراف بما يريد الجهاز الخائن المجرم الباطش الجبار الاعتراف به.. ثم يأخذهم مقيدين إلى مزارع القصب أو الصحراء.. ويطلقون عليهم النار ثم يضعون إلى جوار جثة كل شهيد بندقية للإيهام بأنه قتل في اشتباك مع رجال الأمن.

.. اعترف مسئول الشرطة المقدونية بجريمة لم يرتكبها سوى مرة واحدة .. هذه الجريمة مستمرة في بلادنا منذ عقود  دون أن يعترف أي مرتزق خسيس أنه إنما يفعل ذلك مجاملة لسيده ومولاه وشيطانه الرجيم بوش..

غامت عيناي..

وراحت الحروف تتراقص والكلمات تتبدل ورحت أقرأ الخبر : اعترفت الشرطة المصرية أو الأردنية أو السعودية.. أو .. أو.. أو...

غامت عيناي وناء بالألم قلبي و أنا أقول أن مثل هذا الخيال الدامي بالنسبة لنا أمل نحلم به..

نعم..

نحلم أن يعترف أحد ولاة أمورنا أو شرطتنا ذات يوم بجرائمه..

غامت عيناي و أنا أقول لنفسي أن المجاهدين كما أثبت لنا التاريخ لا يكذبون.. وكيف يكذب من يتوقع أن يلقى الله في أي لحظة..

المجاهدون لا يكذبون..

السلطة هي التي تكذب.. ووزراء الداخلية هم الذين يختلقون الأكاذيب كي يتمكنوا تنفيذ السيناريو الصليبي اليهودي..

أمامي الآن كتاب بعنوان : فساد الكبار.. للصحفية كريمة كمال  عن دار    ويتحدث الكتاب عن شجار نشب بين وزيرين مصريين للداخلية هما عبد الحليم موسى وزكي بدر.. وراح كل منهما يتهم الآخر باتهامات مشينة ليس أكبرها السرقة والابتزاز والتربح.. واتهم زكى بدر عبد الحليم موسى بالسرقة.. فرد عليه باتهامه بتجارة السلاح للإرهابيين..

رحت أردد لنفسي:

-         -          صق وهو كذوب..

وعندما سمعت بيانات وزير الداخلية السعودية رحت أسائل نفسي:

-         -          أي نوع من الوزراء هو؟..

***

في السعودية جل الصور مقلوبة و أنت لا تكاد تعرف الحقيقة إلا بمفهوم الضد وجميع ما يعلن يقصد عكسه.. ولنتناول مثلين على ذلك.. فليس منطقيا أن أقول لكم الحكاية كلها فأسرد على مسامعكم مليون مثل..

المثل الأول يتعلق بقرار سعودي أخير بإمكانية الحصول على الجنسية السعودية بعد إقامة عشرة أعوام..

إن الصورة المقلوبة تظهر أن ذلك فضل كبير من المملكة .. فوق أنه تخلص من نزعة التكبر القطري المقيتة النتنة.. كما أنه يظهر التواد والتراحم والأخوة ( دعنا الآن من تصريحات ولى العهد بأنه سيظل يطارد الإرهابيين – كما سماهم  أما نحن فنحسبهم ونحتسبهم مجاهدين يجاهدون ويجتهدون فيصيبون ويخطئون- دعنا من تصريحاته بأنه لن يكف عن مطاردتهم أبدا و أنه سيعتبر من يصمت في هذه المعركة إرهابيا .. دعنا من ذلك.. فهي ترجمة حرفية لما يقوله بوش.. ويلزمنا كثير من علوم النفس ونظرياته كي نحلل كيفية تماهي المظلوم بالظالم والضعيف بالقوي والعبد بالسيد.. لكن ذلك ليس موضوعنا الآن .. فلنعد إلى موضوع التجنس-.

الصورة الحقيقية لقرار التجنس هي استجابة لأمر مباشر من بوش:

-     -    " لقد حرمت الفلسطينيين من حق العودة إلى فلسطين  فامنحوا الفلسطينيين عندكم الجنسية " .. كي يكفوا عن المطالبة بالعودة من ناحية وكي تتكفل الشرطة السعودية بقسوتها الأسطورية والقضاء بظلمه التاريخي – واسألوا د محسن العواجي-  بهم إذا ما حادوا عن الصراط.. صراط المغضوب عليهم .. والضالين.. صراط الأمريكيين والصهاينة .. وعبيدهم.

الصورة المقلوبة الثانية هي قضية سعودة الوظائف خاصة السائقين..

فجأة تنفجر الأحداث في الصحف التي وصفها الشهيد سيد قطب.. صحف العمالة والمخابرات.. تنتشر الفضائح عن مغازلة سائق أجنبي لمحصنة سعودية أو اعتدائه عليها.. ويتناول العلمانيون العملاء القضية فلا يكفون عن النفخ فيها و إشعالها حتى لكأنما أصبحت كل امرأة في الجزيرة مهددة بالاغتصاب وكأنما كل سائق ما أتى إلا ليغتصب سيدته .. وتظل حثالة الغرب من العملاء العلمانيين عن الإثارة  حتى تستجيب الحكومة الراشدة للضغط الشعبي فتلغي استقدام السائقين من الخارج وتعلن سعودة وظيفة السائق..

تنطلق آهات الإعجاب بالحكومة الراشدة الرشيدة التي غارت على مكارم الأخلاق وحمت المحصنات من عبث العابثين.. فياله من شرف ويا لها من نخوة..

لكن الأمر غير ذلك تماما.. والصورة مقلوبة..

أما الصورة الحقيقية فهي أن تعليمات قد صدرت من أمريكا تهدف إلى خلخلة قيم المجتمع السعودي ( يصب في ذلك أيضا قرار التجنيس الذي سيتكفل بالتخطيط المسبق بتغيير منظومة القيم).. والصورة المثالية لذلك هو تحويل العلاقة الإسلامية المبهرة بين الرجل والمرأة.. علاقة المودة والرحمة والمسئولية وصلة الرحم والعطف والبر والتكافل واللباس إلى علاقة صراع وشهوة و إثم.. بغض النظر عن التفاصيل.. إنه استلاك لطاقة الرجل والمرأة في الصراع بينهما بدلا من التكامل الذي شرعه الإسلام – بغض النظر عن التفاصيل ومع الحرص على عدم خلط العادة بالعبادة أو العرف بالشرع)..

صدرت التعليمات.. ولكن تنفيذها صعب.. والمجتمع السعودي المحافظ سيرفض أي خطوة في هذا الاتجاه.. علينا إذن الاقتراب غير المباشر ( تذكروا ليدل هارت وكلاوفتز) .. وبهذا النوع من الاقتراب سنجعل أكثر الناس رفضا لقيادة المرأة للسيارة هو الذي يأتي ليتوسل أن يسمح لها بالقيادة.. لكن ذلك  يستلزم خطة..

سنطلق أحد كلاب الصيد: أعني كتاب السلطة ليتحدث عن حادثة الاغتصاب المريعة وعن التهديد الجسيم لعرض المرأة السعودية.. ليصلوا في النهاية إلى قانون سعودة وظيفة السائق..ولنترك التفاصيل مثل أن السائق السعودي لن يكون أقل غريزة بل سيكون أكثر جرأة إن لم يعتصم بدينه.. ذلك لا يهم.. ولا هو مقصود.. المقصود أن تحدث أزمة حادة في السائقين.. وهي وظيفة يأنف السعوديون  من اتخاذها مهنة.. سترتفع أجورهم إلى درجة تثقل ميزانية الأسرة.. وحتى لو وافقت الأسرة على دفع المبلغ الباهظ  فإنها لن تجده.. عندئذ سيضطر كل رجل إلى اقتطاع جزء مهم من وقته لتوصيل أبنائه إلى المدارس و إعادتهم منها.. كذلك زوجته وشقيقته و أمه وبناته.. فضلا عن الذهاب إلى السوق وشراء الخضروات و.. و.. و..  باختصار سيجد الرجل نفسه يقوم بوظيفة السائق كاملة بالإضافة إلى أعماله ومشاغله.. قد يحتمل شهرا أو شهرين.. لكن من المؤكد أن أكثر الرجال محافظة سوف يذهب بعد ستة شهور يتوسل لى أولي الأمر أن يسمحوا للنساء بقيادة السيارات..

كانت هذه هي الخطة

***

ولعله يكون مناسبا الآن أن نعرض إلى مصنع  يوضح لنا كيف تتم صناعة الصور المقلوبة .. ثم نعود بعد ذلك إلى الصور المقلوبة مرة أخرى.

***

هذا المصنع موجود  في بروتوكولات حكماء  صهيون – ترجمة محمد خليفة التونسي- .. وتحديدا بالبروتوكول العاشر حيث يقول بالنص:

حكمنا سيبدأ في اللحظة ذاتها حين يصرخ الناس الذين مزقتهم الخلافات وتعذبوا تحت افلاس حكامهم (وهذا ما سيكون مدبراً على أيدينا) فيصرخون هاتفين: "اخلعوهم، واعطونا حاكماً عالمياً واحداً يستطيع أن يوحدنا، ويمحق كل أسباب الخلاف، وهي الحدود والقوميات والأديان والديون الدولية ونحوها..حاكماً يستطيع أن يمنحنا السلام والراحة اللذين لا يمكن أن يوجدوا في ظل حكومة رؤسائنا وملوكنا وممثلينا" .

ولكنكم تعلمون علماً دقيقاً وفياً أنه، لكي يصرخ الجمهور بمثل هذا الرجاء، لابد أن يستمر في كل البلاد اضطراب العلاقات القائمة بين الشعوب والحكومات، فتستمر العدوات والحروب، والكراهية، والموت استشهاداً أيضاً، هذا مع الجوع والفقر، ومع تفشي الأمراض وكل ذلك سيمتد إلى حد أن لا يرى الأمميون (غير اليهود) أي مخرج لهم من متاعبهم غير أن يلجأوا إلى الاحتماء بأموالنا وسلطتنا الكاملة .

***

الصور مقلوبة..

نحن لسنا إرهابيين.. وليتنا كنا..

نحن شراذم أمة مهزومة..

بل شراذم شراذم..

جاءنا الأعداء من كل جانب وجاسوا خلال الديار..

والكارثة..

الكارثة العمياء والداهية الدهياء.. أننا في هذا الموقف الذي لا تداني خطورته خطورة.. في هذا الموقف الذي نحتاج فيه إلى كل ملك ورئيس و أمير وقائد وضابط وجندي وصحافي ومفكر.. يحيطون بنا إحاطة السوار بالمعصم.. يخوضون بنا بحور الدم – دمنا – فنخوض معهم دفاعا عن لا إله إلا الله..

دفاعا عن مسلم تفوق حرمة دمه حرمة الكعبة..

مسلم واحد..

الآن.. ليس واحدا.. بل ملايين.. يسفك دمهم  وينتهك عرضهم وتسرق أموالهم وتسلب أموالهم وخنازير النخبة لاهون ليس منهم منجد ولا مغيث بل منهم من يفخرون لأن كل هذه الكوارث وكل هذه البحور من الدم إنما هي أروع العهود وأنصع العهود..

وحكامنا الذين  انتظرناهم  دروعا لنا كانوا دروعا للأعداء..

حكامنا وقادتنا وجيوشنا ومفكرونا وصحفيونا .. جل أولئك انضموا إلى أعدائنا..

وتلك صورة مقلوبة..

***

نحن أمة مهزومة هرب جيشنا لينضم إلى جيش الأعداء.. أما شرطتنا ومباحثنا التي كان المأمول منها أن تكشف تسلل جواسيس العدو إلينا واختراقه لنا.. شرطتنا تلك ومباحثنا أصبحت هي الأداة الأولي للاختراق والوسيلة المثلى للتجسس على الأمة لصالح أعدائها..

أما النخبة المفكرة السافلة فقد انحازت بكليتها إلى الأعداء.. تبريرا وتزويرا وتلفبقا وكذبا.. وتولوا هم التفسير والتأويل ومنعوا أهله منه فكان الأمر أشبه  بأن يتصدى  المشركون لتفسير القرآن والكافرون لتأويل الأحاديث .. ليحددوا ما هو جهاد في سبيل الله وما هو خروج..

نعم..

يُمنع الصحابة والتابعون و إخوان رسول الله صلى الله عليه وسلم  من الاجتهاد  ويقتصر ذلك على أعداء الله و أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم..

يمنع  أبو بكر وعمر و أبو حنيفة والبخاري  وابن تيمية وسيد قطب و أسامة بن لادن  ويتقدم الحارث بن قيس بن عدي، و الوليد بن المغيرة، و أمية بن خلف وأخيه أبي  وأبو قيس بن الفاكه والعاص بن وائل، و النضر بن الحارث، و أبو الحكم بن هشام، و ابن سبأ، و نبيه وأخاه منبه و زهير بن أبي أمية و عقبة بن أبي معيط و مطعم بن عدي، و زكي بدر..  وتركي الحمد وشيخ الأزهر وعايض القرني وصلاح عيسى.. وجمال الغيطانى.. وجابر عصفور ..و أدونيس.. والنبوي إسماعيل.. ونايف و..و.. و..

***

نعم..

تموت الأسد في الغابات جوعا.. ولحم الضأن تأكله الكلاب..

نعم..

يُمنع الأهل والصحاب ويُسمح للخنازير والكلاب..

***

أحد المنافقين أعداء الله لم يخجل من لحيته ولا من الناس ولا من الله فراح يفسر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم  عن إخراج المشركين من جزيرة العرب فأخذ  يقلص من مساحة جزيرة العرب حتى اقتصرت على الحجاز فقط.. ثم راح يقلص الحجاز حتى اقتصرت على مكة والمدينة..

وحتى لو كانت كلمة حق فالمراد بها باطل..

كان الشيخ من الجزيرة العربية.. وكان ينافق سيده ومولاه..

ولم يعتمد في تفسيره على ابن كثير أو السيوطي أو الجلالين أو الصابوني أو الظلال.. بل أظنه اعتمد على رامسيفيلد وبوش وشارون و آخر تفسير عصري لفريدمان..

عليه لعنة الله..

عليه لعنة الله..

عليه وعلى كل آبق منافق مثله لعنة الله..

وتلك أيضا كانت صورة مقلوبة..

***

أقول أننا أمة مهزومة استسلمت حين كان يجب أن تقاتل.. وفوجئت بحكامها وبجيوشها و كل نخبتها تتركها عارية مكشوفة وتنضم إلى الأعداء.. واستكانت الأمة الراكعة الخاضعة الخانعة المستذلة التي استنامت  واستدامت على الركوع والسجود لغير الله.. استكانت واستسلمت .. وبقيت شراذم شراذم.. من كل ألف واحد.. بل أقل و أقل و أقل.. ربما من كل مائة ألف خانع مستسلم خرج واحد فقط أبي أن يستسلم فراح يجاهد.. فانطلق خنازير المثقفين وفقهاء السلاطين يرمون هذه الآحاد الذين أبوا الدنية في دينهم واسترخصوا حياتهم في سبيل الله فراحوا يتسابقون على الاستشهاد .. أقول  راح خنازير المثقفين وفقهاء السلاطين يرمونهم  بالإرهاب ويصفونهم بالخوارج..

كان على الأمة كلها أن تقاتل في صفهم.. لكن لم يقاتل إلا هم ..

وتلك صورة مقلوبة..

***

كانت الصورة مقلوبة أيضا عندما امتلكنا من الخسة قدرا  جعلنا نستنجز حماس وعدها بالثأر للشهيد الشيخ أحمد ياسين..

كانت مقلوبة..

وكنا نرتل:

-         -          إذهبي يا حماس أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون..

نستنجزهم الوعد وكأنما القضية ليست قضيتنا والدم ليس دمنا.. ولا العرض عرضنا ولا الشرف شرفنا ولا الدين ديننا..

شوتني النار..

لفحتني..

كنت كأنما أسمع لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً..

أنقض  الصمت ظهري..

وكنت غارقا في الصمت أعلك الألم و أنادم الغضب  وأتلظى في بحر من النار أو في لجة في ظلمات البحر  حتى قطع ذلك الصمت المؤلم أنين قلبي الملتاع :

-         -          لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ..

وبين النار اللافحة وموج كالجبال من الألم كنت أختنق..

-         -          لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين .. إنا لله و إنا إليه راجعون..

كنت واحدا من الأمة الملهوفة على الرد على جريمة شيخنا الشهيد..

أمة خانعة وملهوفة في نفس الوقت على الثأر..

أمة مشلولة..

***

لم يكن الأمر كما صوره  الدكتور يوسف القرضاوي في أنواع العذاب التي يلقاها الشهداء في سجون الجبابرة:

".. أن الإنسان قد يصبر على الضرب الأول وإن اشتد وطال. ولكن أقسى الضرب وأوجعه هو الضرب الثاني، أي الضرب والجسم مجروح ومشرَّح من آثار الضرب السابق، فهنا يكون الضرب شيئا لا يطاق.

***

لم يكن الأمر كذلك في تلك المرة و أنا مع القاعدين أتلو:

-  إذهبي يا حماس أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون..

وكان الألم على الألم والجرح على الجرح والسوط على السوط.. فذلك هو ما يحدث لي مع كل نشرة أخبار..

***

ذلك اليوم لم يكن الأمر كذلك..

كان أجل و أفظع..

وكنت أراقب شريط الأخبار على التلفاز عندما جاء خبر عاجل عن قصف سيارة في غزة فأزّ الصمت  صرخ الصمت  فزع الصمت  جزع الصمت  أنّ الصمت صاح الصمت  ضج الصمت عَلِزَ  الصمت  وعز الصمت وناء الصمت وباخ الصمت  وعجز الصمت وصمت العجز  وهتف القلب المذبوح:

-         -          الدكتور الرنتيسي..

احتواني شرر كالقصر وسمعت للنار التي تلفح قلبي  تميزا وزفيرا.. وهتفت:

-         -          يـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــارب.

تجسد لي ذي النون فدعوت دعاءه..

تذكرت أبا الأنبياء فدعوت الله أن تكون النار بردا وسلاما..

تذكرت حبيبي ومولاي وسيدي محمد صلى الله عليه وسلم  يهتف عندما لاحت نذر الهزيمة:

-         -          أنا النبي لا كذب.. أنا بن عبد المطلب..

ولاحت لمخيلتي آلام الفاروق عمر بن الخطاب رضى الله عنه قائلا:

-         -          فلماذا نرضى الدنية في ديننا..

لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين .. إنا لله و إنا إليه راجعون..

وكنت كمن يتعلق بإيمانه وهو يهوي من حالق ولم يخذلني الإيمان فاستحالت النار بردا وسلاما.. ليس بذهاب الألم فالألم باق ولكن باستقرار اليقين حين صرخت نفسي وهي تطير شعاعا:

-     -    اثبت يا مسكين فإن وعد الله حق.. اثبت فإن ما فعله الخنزير شارون  لم يحدث خارج نطاق القدرة والمشيئة بل بالمشيئة والقدرة حدث.. اثبت يا مسكين.. إنه الابتلاء و إنها الفتنة .. اثبت يا مسكين فكل ما يحدث يحدث بإرادة الله وما دام يحدث بإرادة الله فعليك أن تكون السبيكة الصعبة التي تمزج الرضا بالصبر بالجهاد.. استشهاد الرنتيسي لم يحدث إلا بأمر الله و إلا  فهل تري أنه يُعصي قسرا.. فافهم.. واعلم أنه لا يحدث في الوجود حدث إلا بمشيئته وقدره  لكن حكمته تخفي علي مثلك يا مسكين .. اثبت يا مسكين وادع من حولك للثبات لأن الله  لا يكلفهم ما لا طاقة لهم به.. إنما يكلفهم ما استطاعوا.. اثبت يا مسكين فإن الشيطان وعبيده  غير معجزى الله.. اثبت لأنه سبحانه لو شاء لأفناهم قبل أن يرتد إليك طرفك.. و لأهلكهم قبل أن يرتد إليك بصرك.. اثبت يا مسكين فإنه قادر على أن يفنيهم بحجر تائه في الفضاء.. مجرد حجر يضربهم فيصبحوا كأن لم يكونوا أبدا..

وكنت أرقب المشهد.. وما زلت أهتف:

- لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين .. إنا لله و إنا إليه راجعون..

 كان الزحام هائلا.. ولم يكونوا قد أعلنوا بعد عن أسماء الشهداء لكن قلبي أدرك.. وكنت أرى شبابا على مبعدة من السيارة المنسوفة المقصوفة يحملون "كشافات" صغيرة و آلات معدنية صغيرة يكشطون بها شيئا يبحثون عنه.. والتقط واحد منهم شيئا فعرضه أمام كاميرا فضائية.. كان قطعة صغيرة جدا من اللحم.. مزقة لا تتجاوز جراما أو جرامين من لحم بشرى متهتك تناثر حول السيارة المنسوفة..

وكنت ألهث بين الفضائيات لأستوثق من شخصيات الشهداء و لأرصد رد الفعل العربي..

وثبت في النهاية ما كنت أخشاه..

كان الشهيد هو الدكتور عبد العزيز الرنتيسي..

وكما حدث مع الشهيد أحمد يسن.. كان نصفي يتفجر من الفخر ونصفي الآخر يتفجر من القهر..

وعلى شاشة إحداها كان فخامة سمو معالي جلالته يخطب..

وكانت تعلو رأسه صورة نسر أو صقر..

شملنى الدوار وغامت عيناي واهتزت صورة الصقر والنسر فلم أعد أدري هل ظلت كما هي أن تحولت إلى بومة ناعقة منذرة بالخراب الذي اكتمل على يدي سمو معالي فخامة جلالته.. وقلت لنفسي أن الأولي أن تعلو رأسه صورة أرنب مذعور أو جرذ قذر أو صرصار في مرحاض..

تمنيت أن أرى جبهة سمو معالي فخامة جلالته مخترقة برصاصة..

 وتمنيت أن أرى أشلاء سمو معالي فخامة جلالته تكشط من الأرض..

تمنيت ألا تجد هذه الأشلاء من يجمعها فتصير إلى طعام للكلاب الضالة وخماص الطير..

تمنيت أن أرى أجساد سمو معالي فخامات جلالاتهم مكومة كما كوم الأمريكان – سادتهم- إخوتنا الأبرياء في العراق في كومة ذل مسحوقة..

وقلت لنفسي أن الذل لم يلحق إخوتنا الأبرياء بل لحق بهؤلاء الطواغيت الأوغاد ونخبهم..

وقلت أن الدنس لم يلحق بالمغتصبات.. بل لحق بهؤلاء الطواغيت..

هم الذين تدنسوا..

وبعد أن تدنسوا راحوا يكيلون لنا التهم بالإرهاب مجاملة لسادتهم..

واستمر خنازير المثقفين وفقهاء السلاطين يتهمون أنبل من فينا بالخروج والإرهاب..

ولقد سمعت بأذني رأسي  ولي عهد – دعنا من استبدال بعض القراء للراء بالدال- وملكا ورئيسا  – يطالب العلماء  بإصدار فتاوى تتهم المجاهدين بالإرهاب والخروج من الإسلام ..

 مولاي أنا أوافقك..

وسوف أحكم لك على الفور.. وسوف أصدر لك من الفتاوى ما تشاء .. بشرط واحد.. هو أن تثبت لي أنك تعبد الله لا بوش.. يا عبد..

مولاي سوف أوافقك..

لكنني لا أحكم لمفقوءة عينه قبل أن أرى خصمه فقد يكون مفقوءة عيناه..

مولاي لقد رأيت هذا الفيلم أو المسلسل أو الرواية – سمها ما شئت – منذ خمسين عاما  أو يزيد..

واكتشفنا بعد خمسين عاما أن من اتهموا بالإرهاب كانوا هم الشهداء و أن الذين اتهموهم كانوا هو الفسقة والخونة والزنادقة..

والذي تستر بالدين واستكتب شيوخ الأزهر و استصدر منهم فتاوى بتكفير المجاهدين.. هذا الكافر نفسه هو الذي قال للمجاهدين وهم في سجونه..

-         -          نادوا ربكم فإن نزل لينقذكم فسوف أحبسه معكم..

لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين..

***

في ذلك الوقت .. منذ خمسين عاما كان الشهيد العظيم سيد قطب قد كشف الأمر و أدرك حقيقة الصور المقلوبة التي تضللنا لنري غير ما يحدث.. لنري الحقيقة مقلوبة والصدق كذبا والكذب صدقا..

أدرك سيد قطب على سبيل المثال حقيقة صحافتنا ودور المخابرات الأجنبية في تمويلها وتوجيها فقال:

-     -    " إن الصحف المصرية- إلا النادر القليل- مؤسسات دولية لا مصرية ولا عربية! مؤسسات تساهم فيها أقلام المخابرات البريطانية والأميركية والفرنسية والمصرية والعربية أخيرا!! مؤسسات تحرر صفحات كاملة فيها بمعرفة أقلام المخابرات هذه لتروج دعايتها في أوساط الجماهير. مؤسسات تخدم الرأسمالية العالمية أكثر مما تخدم قضايا الشعوب العربية وتخدم الاستعمار الخارجي والجهات الحاكمة قبل أن تخدم أوطانها وشعوبها الفقيرة وهذا هو السر في أن الدولة لا تفرض عليها القيود التي تفرض على الكتب. لأن وراءها أقلام المخابرات ومصالح الرأسمالية العالمية، وهي كفيلة بأن تسندها وتذلل لها العقبات وتفسح لها الطريق، لنشر دعايتها المستوردة في أطراف البلاد العربية جميعا[4][2] "..

والآن .. هل يختلف الأمر.. إلا في ضرورة إضافة الفضائيات والمؤتمرات وجميع وسائل الدعاية والإعلام لينطبق عليها نفس الأمر.

وكانت هذه صورة مقلوبة.. فصحافتنا تعمل لصالح أعدائنا.. وكان سيد قطب ذا بصيرة نافذة كشفت أمامه الحجب ليرى بنور الله وليقول أحد أخوات قبل اعتقاله بأسابيع:

-     -    " لقد وقفت على مدى تغلغل الأصابع اليهودية بعد بحث وطول وعناء، واليهود إذا علموا أنني أحيط لذلك فلا بد إن أقتل !!!."

كان سيد قطب قد توصل منذ خمسين عاما إلى مفتاح الشفرة التي تمكنه من فهم الأحداث على وجهها الصحيح لا المقلوب..

فهم سيد قطب على سبيل المثال  ما لم نفهمه من الوحدة بين مصر وسوريا .. ذلك أن سوريا كادت أن تصبح شيوعية، فدبروا لها الوحدة مع أنها تتنافى مع المخطط الصهيوني في المنطقة العربية. فتمت الوحدة بين مصر وسوريا لغرض معين وهو القضاء على الشيوعية، وانتهت بمجرد أدائها الغرض  ..

من أجل هذا الفهم كان لا بد لسيد قطب أن يقتل كما قتل حسن البنا..

وبعد أربعين عاما كانت كلية دار العلوم تحتفل بمرور مائة عام على تأسيسها.. وطبعت كتابا يحتوي على أسماء خريجيها.. لكن الكتاب أغفل تماما ومحا بالكامل كل ما يتعلق  باسم أهم اثنين من خريجيها في القرن الماضي كله وربما في القرون اللاحقة أيضا.. اثنين كان كل واحد منهما أمة في رجل..

اثنين لم يطاول قامة أي منهما أحد..

اثنين كان كل واحد منهما الأول على دفعته..

وكان هذان الإثنين هما:

حسن البنا..

وسيد قطب..!!!

فانظروا يا ناس إلى درجة الفجور في قلب الصورة.

***

الصورة مقلوبة..

ونحن لا نرى الواقع الذي  يجب أن نراه.. بل نرى ما يراد لنا أن نراه..

لا نري الحقيقة بل الكذب..

نرى الصورة المقلوبة..

نحن ضحايا لمؤامرة الصور المقلوبة تلك منذ قرنين على الأقل.. تقدم إلينا المعلومات لتخفي الحقيقة لا لتكشفها .. إن هذه الطريقة في الخداع جزء من الحرب..  جزء يسميه  الخبير العسكري البريطاني الأشهر ليدل هارت:  نظرية الهجوم بالاقتراب غير المباشر وتتضمن هذه النظرية عدم التقرب في مجابهة الخصم تقريباً مباشراً لاختبار القوة بل وإخلال توازن الخصم بتقرب غير متوقع من قبل. يقسم الكاتب البريطاني العسكري (ليدل هارت) الهجوم الاستراتيجي غير المباشر لقسمين أحدهما مادي يستهدف القوات المعادية والآخر معنوي موجه نحو مركز تفكير العدو وجهازه العصبي وذلك لشل عمله ومنعه من التفكير والتخطيط.. والأساس الفكري للخداع في كليهما واحد..

ويقرر الخبير العسكري الألماني الشهير  (كلاوزفيتز) أن القوى المعنوية تلعب في المواجهة دوراً أساسياً فتقوية المعنويات ورعايتها من المهمات السياسية القومية العليا في كل بلد، ويمكن للقوى المعنوية كالقوى المادية أن تتلاشى  مع الزمن بسبب خطأ  ترتكبه الحكومة أو القيادة بحق المواطنين ( مالم يذكره كلاوزفيتز أو يتخيله أن ذلك يمكن أن يحدث ليس بسبب خطأ في التقدير بل بسبب خيانة الحاكم وتواطؤه مع أعداء أمته ودينه.. وهذا بالضبط ما حدث في بلادنا) ..

***

ما أريد أن أقوله الآن.. و أن أنبه القارئ إليه هو أن الوسائل التي يستمد منها معلوماته ويبني على أساسها مواقفه هي وسائل صنعت خصيصا لخداعه لا لإرشاده إلى الصواب.

عد أيها القارئ إلى حرب رمضان 73..

كان من ضمن الأداء الرائع فيها خطوات الخداع الاستراتيجي التي ابتدعها الفكر الإسلامي المبدع لخداع إسرائيل..

ولقد صدقت إسرائيل جزءا من هذا الخداع.. وكان يمكن – لولا اعتبارات عديدة – أن يكون هلاكها في تصديقها للخداع..

أريد أن أقول للقارئ أن هذه المرة كانت المرة الأولي والأخيرة – خلال القرنين الماضيين – التي نستعمل فيها وسائل الخداع لخداع أعدائنا..

بقية القرنين كنا – وما زلنا – نستعمل وسائل الخداع لخداع أمتنا ..

هذه قضية هامة جدا..

في تصديق الآلة الإعلامية الضخمة هلاكنا.. وهي لا تقدم لنا سوي الكذب – إلا من عصم الله- .

***

والآن دعوني أضرب لكم مثلا شخصيا يظهر لكم كيف وكم خدعت في موقف للملك حسين عليه من الله ما يستحق..

طيلة عمري كانت نظرتي للملك حسين شديدة العدائية.. وكانت مفعمة بالريب والشكوك.. بل باليقين.. واستمر الوضع هكذا حتى عام 1990 حيث بدا لي أنه يتنكر لماضيه كله ويتبنى أشجع و أجرأ المواقف لمنع التدخل الأمريكي في المنطقة.. بدا لي الأمر مذهلا  وهو لا يكف عن السعي والنداء والمحاولة حتى اتهمه يهود العرب أنه عميل صدام حسين..  بدا عروبيا أكثر من أي عروبي آخر وبطلا أكثر من أي بطل آخر و أشد تمسكا بالإسلام من كل الشيوخ .. وكان ما يذهلني أنه يقامر بعلاقته بأمريكا.. ومعنى هذه المقامرة أنه يقامر بعرشه بل بالأردن كله.. فالأردن كيان هش أنشئ لحماية إسرائيل ( قبل وجود إسرائيل بربع قرن!! كي يعزل بينها وبين السعودية من ناحية – حيث خطر الزخم الديني – وبين العراق من ناحية أخرى حيث الكثافة البشرية.. لكن ذلك كله موضوع آخر) .. أقول أن الأمر بدا لي أيامها أنه يناطح أمريكا و أنه مقضي عليه لا محالة..

ولست أنكر أنني امتلأت إعجابا به أيامها.. وقلت لنفسي ربما أنني ظلمته فيما سبق وربما أنه يخلط عملا صالحا بعمل غير صالح..

بعد الحرب على العراق عام 91 عاد الملك حسين كما كان.. لكنني لم أستعد الجرأة السابقة على إدانته..

وظل الأمر كذلك حتى مات.. وعملا بـ:" اذكروا محاسن موتاكم " رحت أشيد بموقفه عامي 90 و 91.. وفوجئت بمسئول عربي  على درجة عالية من الأهمية يطلب لقائي ليشرح لي الأمر.. ولأكتشف عن طريقه كيف وكم خُدعت..

قال لي المسئول أن موقف الملك حسين ذاك الذي أشيد به صناعة أمريكية مائة في المائة.. ولما رأى الرجل ذهولي فسر لي الأمر..

-     -    نعم .. خططت أمريكا الأمر كله.. وكان على الملك حسين أن يبدو عدوا لأمريكا بل و أن يكون قائد المواجهة ضدها.. ولم يكن أمامه إلا أن يفعل ذلك.. ذلك أن 60% من الشعب الأردني من الفلسطينيين.. والـ40% الباقية أبناء عمومتهم ويتعاطفون معهم.. هؤلاء جميعا كانت مشاعرهم مشتعلة ضد أمريكا.. كانوا على وشك الانفجار.. وكان رعب أمريكا من انفجار ثورة شعبية  أو انقلاب عسكري ضد الملك حسين.. وهو أمر إن تم كان كفيلا بإفساد المخطط الأمريكي كله.. فإسرائيل من ناحية لن ترضى بالقضاء على حكم واحد من أوفى أصدقائها.. لذلك لابد لها أن تتدخل ضد الانقلاب.. وهذا التدخل لم يكن ليمر دون تدخل مضاد من سوريا والعراق.. وكانت الأمور ستسفر عن أمر من ثلاثة: استيلاء إسرائيل على الأردن.. أو استيلاء العراق عليه.. أما التصور الثالث فقد كان اشتعال حرب طويلة تكون ساحتها الأردن.. وفي الاحتمالات الثلاثة كان الهدف الرئيسي من إنشاء الأردن وخلقها ككيان سوف يُدمّر.. كان الحاجز الواقي لإسرائيل سينهار لتتصل حدودها بالزخم الديني في الجنوب والزخم البشري في الشرق.. وفي هذا خطر هائل على إسرائل كما أنه من ناحية أخرى كان يمكن أن يشكل عاملا قويا لتوحد العرب والمسلمين ونسيان خلافاتهم ..

أي تخاذل من الملك حسين إذن في الهجوم على أمريكا  كان سيتسبب في انقلاب شعبي أو عسكري على حكمه .. وكان سيترتب على ذلك  معركة عربية إسرائيلية .. معركة قد ينضم لها آخرون لكن المؤكد أنها كانت ستقضي قضاء مبرما ونهائيا على التحالف الذي تبنيه أمريكا في الجنوب.. ولم يكن معقولا تحت أي ظرف من الظروف – على سبيل المثال- أن تقاتل القوات السورية إلى جانب القوات العراقية في الشمال في نفس الوقت الذي تهاجمها فيه من الجنوب.. كما لم يكن متصورا بأي صورة أن تكون العراق مشتبكة مع إسرائيل في الشمال بينما يهاجمها العرب من الجنوب.

كانت أمريكا مرعوبة من هذا التطور للأحداث، ولم يكن لديها أي وسيلة لمنع تداعياته إن حدث.. وكان العلاج الوحيد وقائيا.. أن يمنع حدوثه.. ولم يكن من سبيل إلى ذلك إلا بأن يزايد الملك حسين على الجميع حتى لا يترك أي ثغرة لأي واحد يمكن عتابه من خلالها..

كان عليه أن يكون أكثر تطرفا وتشدا وحماسا من أي فرد من أفراد شعبه.. كان عليه ألا يترك أي فرصة لغبره كي يزايد عليه..  وكان هذا هو السبيل الوحيد لتوفير الجو المناسب لأمريكي كي تبني تحالفها في الجنوب..

موقف الملك حسين كان إذن موقفا أمريكيا مائة في المائة.. ولولاه لانهار التحالف..

فهل رأيت أيها القارئ كيف وكم أمكن خداعك وخداعي؟!..

***

واقعة أخرى تتعلق بالملك حسين أيضا.. وهي واقعة لا أكاد أصدقها.. أو على الأحرى لو أننا في ظروف طبيعية لأنكرتها على الفور.. لكننا في حال البين بين.. لا نستطيع أن نصدق بثقة ولا أن نكذب بيقين.. والواقعة تتعلق بموته.. حيث تقول القصة الرسمية أن جلالته استعاد صحته فجأة بعد مرض طويل ميئوس من شفائه ( سرطان) و أنه عاد إلى الأردن مفعما بالعافية فسجد على أرض المطار فور وصوله ثم استقل سيارة مكشوفة طاف بها عمان وسط مشاعر حافة من أفراد شعبه وظل مدة طويلة واقفا يلوح للناس.. ثم انتقل إلى قصره فحكوا له ما حدث أثناء غيابه حين ظن الناس أنه هالك لا محالة فانكشف المستور وظهر ولي العهد – شقيقه  الأمير الحسن-  على حقيقته مما دفع بالملك إلى نزع ولاية العهد منه لصالح ابنه .. وابنه هذا أمه انجليزية وزوجته إنجليزية وينطق العربية بصعوبه.. وما أن أدي جلالة الملك مهمته المقدسة حتى ساءت صحته فجأة فعاد مرة أخرى إلى المستشفى الأمريكية التي كان يعالج فيها.. حيث وافاه الأجل المحتوم..

كانت هذه هي القصة الرسمية..

ولم أكن أجد فيها ما يزلزل ثقتي فيها حتى لقيت مسئولا عربيا على اتصال وثيق بأعلى مراكز الحكم – وكان قريبا جدا من الملك حسين أثناء صحوة الموت -  والرجل يقدم قصة خرافية لا أصدقها حتى الآن..

وخلاصة القصة أن حكاية صحوة الموت هذه كلها كذبة أمريكية.. وكان الملك حسين قد توفي قبلها بأيام.. ورأت أمريكا أن وجود الأمير الحسن على رأس الحكم في الأردن قد يعرقل خططها.. فضلا عن احتياجها إليه كملك للعراق فيما بعد.. كان الملك حسن قد مات فعلا.. ولكن لم يسقط في يد الأمريكيين.. فالشخص الذي عاد إلى الأردن لم يكن هو الملك حسين بل شبيه له يلبس قناعا أعد لوجه الملك في المستشفى بعد موته.

ويقول ذلك المسئول أن طريقة سجدة ذلك الشبيه على أرض المطار لا يمكن أن يفعلها مسلم، طريقة السجدة نفسها، و أن وجهه لم يكن موجها للقبلة كما أنه سجد سجدة واحدة..

وقلت للمسئول أن تلك كلها قرائن لكنها واهية جدا ولا تصلح لإثبات أمر خطير كهذا.. فإذا به يقول أن الأمر كان متاحا لعدة أفراد على قمة السلطة في الأردن.. لكنه في كواليس المخابرات الأمريكية كان منتشرا أكثر خاصة عندما تسببت مستشفى البحرية الأمريكية التي مات فيها في أزمة كبري. فقد أصدرت المستشفى شهادة وفاة للملك حسين الحقيقي  عند موته.. لكن المخابرات الأمريكية عادت لتطلب شهادة أخري بتاريخ آخر بعد الأول بأسبوعين كي يتوافق ذلك مع تاريخ عودة الشبيه من الأردن. وقد رفضت المستشفى بإصرار أن تعطي هذه الشهادة المزورة.

***

إنني أنبه القارئ هنا إلى أشهر تعريفات الحداثة.. إنها القطيعة المعرفية مع الماضي.. وككل التعبيرات الشريرة فإن المعني يبدو مراوغا ويقبل للتفسيرات المختلفة.. كما أن بعض الحداثيين تكفل بتقديم  تطبيق عملي نقوم فيه بإعادة كتابة التاريخ لنغفل ما فعله الغرب بنا في حروبه الصليبية والاستعمارية.. و أن ننسى بالطبع أصل مشكلة إسرائيل.. و أنها لم تكن لتوجد على الإطلاق لو أن عصابات المجرمين الصهاينة لم تأت بناء على وعد المجرمين البريطانيين.. كما أنها لم تكن لتستمر لولا مساعدة المجرمين الأمريكيين..

ما أريد أن أقوله أن الحداثة مناسبة جدا بالنسبة للّصوص لأنه تسقط عنهم كل ديونهم المعنوية والمادية بآلية لم تحدث من قبل في التاريخ قط.. آلية النسيان. انس حقوقك عندي.. ولنبدأ من جديد.. تلك هي الخلاصة النهائية الحقيقية للحداثة.. بيد أن هذه البداية الجديدة لا تحمل أي ضمان.. فبعد عشرة أعوام أو مائة عام.. عندما تتراكم حقوقنا المسلوبة لديهم من جديد ستجد من يقول لك: انس حقوقك عندي.. ولنبدأ من جديد.

هذه هي المستحقات الحالية للحداثة.. أما المستحقات السابقة فقد عبر عنها كلب كأدونيس بقوله بأن "الحداثة هي ظاهرة تتمثل في تجاوز القديم العربي لتصهره في قديم أشمل يوناني، مسيحي، كوني".. وخنزير  كسلامة موسى بقوله : «فلنولِّ وجهنا شطر أوروبا.. ونجعل فلسفتنا وفق فلسفتها ونؤلف عائلاتنا على غرار عائلاتها" وفاسق  كفرج فودة  في قوله: «إن هوية مصر فرعونية، قبطية، إسلامية، متوسطية» وهي نفس مقولات  طه حسين من قبل في «مستقبل الثقافة في مصر» والشعر الجاهلى ومقولات علي عبد الرازق في "الإسلام و أصول الحكم".  ولتقرأ أيضا كلمات هشام شرابي: «التراث الذي ينبغي دراسته والحفاظ على إنجازاته هو التراث الذي صنعته الأجيال الثلاثة أو الأربعة الماضية"..

والأمر كما هو واضح يستعمل الماضي كعبارة مراوغة غامضة.. لكنها مع التمحيص لا تعني سوى التخلص من الإسلام.. هو المطلوب أن ننساه و أن نهجره و أن ننكره..

***

صل ما بين النقاط أيها القارئ..

صل ما بينها.. وستجد أن الخط الذي يبدأ بلويس التاسع سيمر بمحمد على  والخديوي توفيق وكمال أتاتورك وجمال عبد الناصر وحسني مبارك..

صل ما بين النقاط.. فالخط الذي يبدأ بأوربان الثاني سيمر بهنري كوريل لينتهي برفعت السعيد بل وبشيوخ من الأزهر..

صل ما بين النقاط.. ستجد أن الطهطاوي وطه حسين وأحمد لطفي السيد وقاسم أمين وسعد زغلول كانوا هم المفارز الأمامية لفريدمان ورامسيفيلد  ومأمون فندي..

صل ما بين النقاط.. فالخط الذي يمر بقسطنطين زريق  يمر أيضا بلويس عوض وحسين عبد الرازق وصلاح عيسى وجمال الغيطاني..

صل ما بين النقاط وستجد أن مطالبة الصليبيين بنشر اللغة العامية على حساب الفصحى تبدأ بمهندس ري بريطاني صليبي ثم تمتد عبر خنازير كسلامة موسى ومغفلين كعبد العزيز فهمي إلى العلمانيين الأشرار واليساريين الأقذار لتصل في النهاية إلى تمجيد العامية في مصر وطلب الخنازير المؤسسين لحزب مصر الفرعونية بترك العربية إلى الهيروغليفية أو القبطية و إشادة نقاد اليسار الحقراء بالأعمال الأدبية التي تكتب بالعامية – أشهر نقادهم: د محمد مندور نشر فصلا عن شعر سيد قطب في كتابه: " الشعر المصري بعد شوقي".. لكنه حذف هذا الفصل من الطبعات التالية عندما غضب العسكر على الشهيد العظيم.. فانظروا كيف كان شرف وشجاعة أكبر نقادهم.. وبنفس هذا النمط من الشرف جرت المحاولات المسعورة لتحطيم الفصحى وتمجيد العامية.. وما انتشار – بل النشر المصطنع الخائن – الشعر النبطي في أرض الجزيرة العربية إلا جزءا من مثال.

نعم..

صل ما بين النقاط  أيها القارئ فالكفر كله ملة واحدة..

في هذا الإطار للنسيان – أقصد الحداثة – علينا أن نتخلص من كل الأفكار المسبقة عن الجامعة العربية و أن تظل أمامنا كضوء باهر يعمي أكثر مما يضيء.. إياك أن تفكر في ماضيها أو ظروف نشأتها فذلك قد يدفعك إلى اكتشاف حقيقتها.. و أنها لم تكن سوى مسخ خلقه الانجليز كبديل عن الجامعة الإسلامية وكحائط لمحاربة الشيوعية.. وقد أدت وظيفتها بكفاءة كاملة واستمرت مطلوبة حتى عام 90: انهيار الاتحاد السوفيتي من ناحية وسقوط آخر أوكار القومية من ناحية أخري.. وانتهت وظيفة الجامعة العربية فتركوها تموت في مكانها تزكم بعفنها الأنوف دون أن يجرؤ على دفنها أحد.

***

الأمر منظومة واحدة متسلسلة متكاملة والغرب يبني طابقا بعد طابق وفكرة بعد فكرة وهجوم بعد هجوم ومؤامرة بعد مؤامرة منذ أكثر من ألف عام ونحن لا نفعل إلا النظر إلى أرنبة أنوفنا.

في هذه المنظومة الشيطانية فإن كل ما يسيء إلى الإسلام حضاري ومستنير وتقدمي وحداثي وعظيم.. أما كل ما يقرب من الإسلام فهو همجي ووحشي ومتخلف و إرهابي.

لا ينال المديح إلا من كان ضد الدين والأمة والوطن بمعناه الحقيقي..

لا تسلط الأضواء إلا على الخونة أنصار الأجنبي..

لا ينال الحكم لا الخونة والجواسيس والعملاء..

***

في كتاب من أهم الكتب التي تكشف لنا الصور المقلوبة يقول محمود الشاذلي[5][3]:

وأعلن البابا أن كل من يشترك في هذه الحملات ( الصليبية)  تغفر له ذنوبه، ويدخل في  حماية الكنيسة. ومن ثم ملكوت السماء. مغفورة خطاياه. وعلى الذين يضعون " صليبا" من القماش الأحمر على ملابسهم من ناحية الكتف أن يتجهوا إلى الشرق  والرمز المقدس يعلن مشاركتهم في الحرب. أما إذا ترددوا وتقاعسو! فإن  عقوبتهم الطرد من الكنيسة حتى الحرمان.

كل من يشترك في هذه الحملات ( الصليبية)  تغفر له ذنوبه ..

بنفس هذا المرسوم البابوي غفر لصلاح عيسي وجابر عصفور ولويس عوض وسلامة موسى وقاسم أحمد أمين ونوال السعداوي ومحمد سعيد العشماوي وخليل عبد الكريم وسيد القمني.. و آلاف و آلاف من مجتمع النخبة المدنس المدان.

كل من أساء لإسلام تغفر له ذنوبه..

***

ارفع اسم البابا وضع اسم الخنزير بوش وسيستقيم الأمر..

***

حتى في التفاصيل سيستقيم الأمر.. ولنقرأ معا ما قاله مؤلف الكتاب:

وقد كان غل الصليبيين طافحأ في كل معاركهم الخسيسة. ومن ذلك ما ارتكبوه في أنطاكية وبيت المقدس.

ففي أنطاكية مثل حملة الصليب بأهلها أشنع تمثيل فقتلوا عشرة آلات مسلم من الآمنين في المنازل والمساجد والطرقات.

أما في بيت المقدس فقد قاموا بمذبحة وحشية رهيبة. فاستباحوا دم الرجال والنساء والأطفال وأجهزوا على من احتمى بالمسجد الأقصى وخاض جنود الصليبيين –في شوارع القدس- حتى سيقانهم في بحر من الدماء.

***

هل تجد أي فرق أيها القارئ بين ما يحدث منذ شهور وما حدث منذ قرون..

اقرأ .. ستجد نفس الهمجية والتوحش ونفس الخسة.. وهي خسة لا تفلت من أمتهم أحدا.. لا تلت الناس ولا العلماء ولا القساوسة ولا الحكام..

اقرأ وستجد أن الأمر لم يختلف في أوروبا المجرمة عنها في أمريكا المجرمة..

اقرأ كلبا من كلابهم يتحدث عن الجحيم التي قدرت على المسلمين في القدس وقارنه بالخنزير الأمريكي الذي طلب أن يكون سجن أبي غريب " جهنم" لمن فيه:

ويشهد المبشر  "استيفان نيل " في:  "تاريخ الإرساليات المسيحية- لندن 1971) حيث إنه قد قدرت الجحيم بخصوص " الكفار" (نحن المسلمين) فإن الصليبيين يعتقدون أن سحقهم أمر ضرووي وخلقي أيضأ (!) وأما من يسمح له بالحياة منهم، فإلى عبودية دائمة، بمعنى ما يقومون به من خدمات للمؤمنين (المسيحيين)!! وحيث إن المسلمين- ببساطة- كفار، فليس لهم الحق في الوجود، فلا عهد معهم، وينبغي أن يذبحوا بلا رحمة أو شفقة تمجيدا لإله المسيحية" (ص 113).

فهل يختلف هذا عما يقوم به خنازير الصهاينة في فلسطين أو خنازير الأمريكان في العراق و أفغانستان أو خنازير الروس في الشيشان؟!..

وينقل عن "أولدينبرج " من كتابه "تاريخ الحروب الصليبية" قوله: "إن البابا كان على علم بالفظائع التي ارتكبها الصليبيون حيث نقل إليه ممثله هناك - غداة دخولهم القدس- بصراحة مبهرة، أن ما يقرب من عشرين ألفا من هؤلاء الناس (أي المسلمين) قد أعمل فيهم السيف دون النظر إلى العمر أو الجنس " (1)!! (ص ه 11).

ومع ذلك يوافق الكاتب "القسيس نيل) على  ما حدث ويباركه بقوله: "وعلى أية حال فإن المسلمين. لا يظهر أنهم أتباع أمير السلام (المسيح) إ! ومن ثم استحقوا ذلك.. " (ص 114).

البابا المتوحش الهمجي كان على علم..

بوش المتوحش الهمجي أيضا كان على علم..

شبه الرجل بلير أيضا على علم..

والمسخ البشري شارون على علم..

والحرب التي بدأت منذ ألف عام هي نفس الحرب التي ما زالت مشتعلة.

والأمر لا يقتصر إذن على ملك مجرم أو وزير متوحش.. و إنما إجرام توارثته الأجيال عبر القرون ليتركز أكثر ما تركز في أمريكا حيث الشعب مجرم والنخبة مجرمة والرئيس مجرم وتاريخهم كله مجرم.

هذه هي الصورة الصحيحة..

أما الصورة المقلوبة فقد كانت في الادعاءات الفاجرة الكاذبة عن إنسانية هؤلاء الناس وموضوعيتهم و إنسانيتهم..

***

ليس في التاريخ سوى الصور المقلوبة!!..

وعندما أقول التاريخ فإنني أقصد التاريخ الرسمي، التاريخ الذي يُكتب في الكتب والمدارس والجامعات، التاريخ الذي تنشره الصحف وتروجه الفضائيات، وهذا التاريخ في الغالب الأعم هو عكس ما حدث تماما، و إنما يوظف لخدمة أفكار معينة، تماما كما وظفت نظرية التطور لخدمة قضية الإلحاد.

وقد يتساءل القارئ إذا كان التاريخ كله مزيفا هكذا فكيف نميز بين الخطأ والصواب..

والإجابة – على عكس الموقع – سهلة..

ذلك أن نظام  الصور المقلوبة ذلك يجعل كل ما نواجهه في الدنيا غيبا لعالم الشهادة..

ولا سبيل أمامنا لمواجهته إلا غيب عالم الغيب..

و أهم ما في ذلك هو الولاء والبراء..

هو كما يقول الشهيد العظيم سيد قطب في المعالم أرضى الله قائله ولعن قاتله:

أن توحيد الألوهية وإفراد الله - سبحانه - بها ، معناه نزع السلطان الذي يزاوله الكهان ومشيخة القبائل والأمراء والحكام ، وردّه كله إلى الله .. السلطان على الضمائر ، والسلطان على الشعائر ، والسلطان على واقعيات الحياة ، والسلطان في المال ، والسلطان في القضاء ، والسلطان في الأرواح والأبدان .. كانوا يعلمون أن " لا إله إلا الله " ثورة على السلطان الأرضي الذي يغتصب أولى خصائص الألوهية ، وثورة على الأوضاع التي تقوم على قاعدة من هذا الاغتصاب ، وخروج على السلطات التي تحكم بشريعة من عندها لم يأذن بها الله ..

و:

إن الله - سبحانه - لا يريد أن يُعَنِّت رسوله والمؤمنين معه . إنما هو -سبحانه - يعلم أن ليس هذا هو الطريق ، ليس الطريق أن تخلص الأرض من يد طاغوت روماني أو طاغوت فارسي ، إلى يد طاغوت عربي . فالطاغوت كله طاغوت ! إن الأرض لله ، ويجب أن تخلص لله . ولا تخلص لله إلا أن ترتفع عليها راية : " لا إله إلا الله " . وليس الطريق أن يتحرر الناس في هذه الأرض من طاغوت روماني أو فارسي ، إلى طاغوت عربي . فالطاغوت كله طاغوت ! أن النـاس عبيد لله وحده ، ولا يكونون عبيداً لله وحده إلا أن ترتفع راية : " لا إله إلا الله " - لا إله إلا الله كما يدركهـا العربي العارف بمدلولات لغته ، : لا حاكمية إلا الله ، ولا شريعة إلا من الله ، ولا سلطان لأحد على أحد ، لأن السلطان كله لله ، ولأن " الجنسية " التي يريدها الإسلام للناس هي جنسية العقيدة ، التي يتساوى فيها العربي والروماني والفارسي وسائر الأجناس والألوان تحت راية الله .

وهذا هو الطريق ..

نعم..

هذا هو الطريق للتخلص من فخ الصور المقلوبة..

***

سوف نخطئ خطأ فادحا إذا ظننا أن الصور المقلوبة توجد في عصر ويبرأ منها غيره..

إن الأمر يشبه الوباء.. لن نقضي عليه أبدا إذا ما اقتصرنا على مكافحته في حي من أحياء المدينة وتجاهلناه في الأحياء الأخرى..

يجب أن نكافحه في المدينة كلها.. ويجب أن يكون تداعي الأمة شاملا..

لقد جرونا في القرنين الأخيرين على الأقل لمثل هذا.. كنا نكافح في حي ونترك بقية الأحياء.. وغرقنا في الثنائيات.. القومية أم القطرية.. الطورانية أم العربية.. جمال عبد الناصر  أم آل سعود.. سعد زغلول أم اسماعيل صدقي.. طه حسين أم زكي مبارك..

قضوا العمر في الانتصار لهذا أو ذاك .. وقد كانوا جميعا سواء..

بل أريد أن أنبه القراء أن تاريخنا الحديث كله أشبه بنص تمثيلي واحد يمثله ممثلون مختلفون على مسارح متعددة..

من المؤكد أن شخوص الممثلين وتغير مكان العرض سيضعان بصماتهما على النص.. لكن النص سيبقى هو نفس النص دون فرق في النتائج والمآلات والنهايات.. وفي هذا الإطار لن نجد أي فرق بين جمال عبد الناصر وعبد العزيز آل سعود وكمال أتاتورك ومحمد على..

لن نجد فارقا حقيقيا أيضا بين جمال عبد الناصر وبين معمر القذافي..

ولا بين أنور السادات والخديوي اسماعيل.. ولا بين حسني مبارك والخديوي توفيق.. ولا بين الأمير عبد الله ولي عهد السعودية والملك عبد الله الجد ملك الأردن الأسبق..

ليس هناك أي فرق جوهري..


***

ولننظر سريعا إلى عصر محمد علي.. ولنتجاوز الآن عن علاقته بالقنصل الفرنسي الذي أنقذ حياته في اليونان قبل مجيئه إلى مصر بعشرين عاما.. ولنتجاوز أيضا عن لقاء نابليون بالقنصل الفرنسي في الإسكندرية قبل هروبه من مصر، حيث حثه للبحث عن فرد لمساندته وتعضيده حتى يصل إلى مركز هام في الحكم، سوف نتغاضى عن هذا وذاك، وسنتناول طريقة التقديس التي تناول التاريخ بها محمد علي، إن محمد علي في هذا التاريخ هو باني مصر الحديثة، وهو رائد النهضة والتحديث، وهو محرر مصر ، وهو قاهر الدولة العثمانية، وهو.. وهو..وهو..

والكارثة المنهجية أن وجهة النظر تلك تعامل – كما تعامل أمثالها -  بنوع من القداسة الوثنية التي  لا يناقش من يرفضها، بل يؤثم ويقصى ويدان وينبذ، بل ويمنع من نشر رأيه، أو تُصادر الصحف التي يكتب فيها. هذه الكارثة المنهجية كانت وليدة سيطرة العلمانيين الأشرار واليساريين الأقذار على منابر الإعلام والإعلان.

من الصعب جدا أن تجد بحثا كذلك الذي أعده عبد الوهاب محمود المصري بعنوان: " تجربة محمد علي   من منظور مختلف".. حيث يرى أن  تجربة محمد علي  كانت  تغريباً في الثقافة، واستبداداً في السياسة، واحتكاراً في الاقتصاد، وإذلالاً في الجيش، وتبعية في التقانة أو التكنولوجيا، وإذا كان البعض يعتبر تجربة محمد علي "مشروعاً نهضوياً عربياً"، فإننا نرى أنها لم تكن مشروعاً، ولم تكن نهضة، ولم تكن عربية!!! ونتساءل أخيراً: هل يحق لنا أن ننتظر شيئاً أفضل، من رجل كان أمياً جاهلاً(37) ، وكان مصاباً بجنون العظمة، وكان ميكيافيلياً أكثر من ميكيافيلي نفسه، وكان كارهاً للعروبة والإسلام، وكان ألباني الأصل، تركي الجنسية، وفرنسي الهوى؟!؟...‏

ولم تكن تجربة محمد علي في التحليل الأخير، كما يرى المفكر الدكتور برهان غليون، إلا "نهضة البعض واختناق الآخرين"..

حتى الميثاق الذي قدمه الرئيس عبد الناصر إلى المؤتمر الوطني لقوى الشعبية عام 1962م، يقرر أن "محمد علي لم يؤمن بالحركة الشعبية التي مهدت له حكم مصر إلا بوصفها نقطة وثوب إلى مطامعه، ولقد ساق مصر وراءه إلى مغامرات عقيمة استهدفت مصالح الفرد بتجاهله مصالح الشعب"‏ .. والغريب أن جمال عبد الناصر غفل عن حقيقة هامة جدا.. وهي أنه كان يصف نفسه أيضا..

يرى الباحث أن أسباب هزيمة مشروع محمد على مقابل نجاح المشروع الياباني تتلخص في أن  هاجس  تجربة محمد علي كان "مجد الحاكم"، بينما كان الهاجس الأول في التجربة اليابانية كان "نهضة الأمة"..‏

بل إن محمد علي يتحمل  بعضاً من المسؤولية عن جرائم الصهاينة في فلسطين المحتلة... فقد  كان النشاط التبشيري في فلسطين محاصرا بمعارضة الحكومة العثمانية. غير أن تمرد  محمد علي على الدولة الأم بمساعدة الغرب ، خلق المناخ المناسب لنمو الإرساليات التبشيرية وتزايدها، ورفع القيود عن المسيحيين واليهود المقيمين. وإذ سمح للإنجليز بافتتاح قنصلية لهم في القدس، بادرت هذه القنصلية بوضع اليهود تحت حمايتها، علماً بأن اليهود في بريطانيا نفسها لم يتمتعوا بالحقوق السياسية والمدنية إلا في عام 1890م)ـ أي بعد أكثر من خمسين عاماً من تمتعهم بتلك الحقوق في فلسطين أيام حكم محمد علي)!..‏

وبعد أن سرق محمد على أكاليل نصر الشعب على الإنجليز  في رشيد عام 1807 استدار للقضاء على رؤوس المماليك في مذبحة القلعة، ثم  لمواجهة المشايخ الذين اختاروه للحكم، وساعدوه على خصومه، ومن بعد على تثبيته. فأثبت بذلك أنه كان واعياً لدرس ماكيافيلي القائل بأن على الحاكم تحطيم أولئك الذين رفعوه إلى الحكم)، بدون قراءة ماكيافيلي.. إذ قال محمد علي لوزيره آرتين الذي كان يترجم له كتاب "الأمير" بمعدل عشر صفحات في اليوم، بعد اليوم الثالث: "إني أرى بوضوح أنه ليس لدى ماكيافيلي ما يمكنني أن أتعلمه منه، فأنا أعرف من الحيل فوق ما يعرف، فلا داعي للاستمرار في ترجمته".

ولقد كانت القسوة البالغة التي استعملها ابنه وقائد جيوشه إبراهيم باشا ضد المسلمين في الشام سببا في انتشار للفكر القومي على أيدي نصارى الشام.

من النادر أن تقرأ الأجيال المتعاقبة من يتحدث عن إجرام محمد على أو ابنه، وبرغم أنه لم يكن مصريا ولا عربيا إلا أنه يظفر بتقديس القوميين و أنصار الوطنية المصرية، لسبب واحد، هو حجم إساءته للإسلام.

***

كان محمد على صبي فرنسا في الشرق، ولقد شجعته طالما كان شوكة في جنب الإسلام فلما تجرأ على المسيحية في اليونان خانت وتحالفت مع خصومه وحطمته تحطيما. لقد كان بصورة أو بأخرى امتدادا لنابليون، الذي لم تسعفه الأحوال لتنفيذ أحلامه في مصر، لكن محمد علي تكفل بذلك.

قام محمد علي بتنفيذ أوامر نابليون التي لم يتسع الوقت لتنفيذها ومنها أمره إلى تابعه كليبر::" اجتهد في جمع 500 أو600 شخص من المماليك أو من العرب ومشايخ البلدان لنأخذهم إلى فرنسا فنحتجزهم فيها مدّة سنة أو سنتين يشاهدون فيها عظمة الأمَّة الفرنسية ويعتادون تقاليدنا ولغتنا، وعندما يعودون إلى مصر يكون لنا منهم حزب ينضم إليه غيرهم". ويمضي بونابرت في رسالته فيقول في موضع آخر:"كنت قد طلبت مراراً جوقة تمثيلية، وسأهتم اهتماماً خاصاً بإرسالها إليك، لأنَّها ضرورة للجيش وللبدء في تغيير تقاليد البلاد".

***

كانت البغايا اللائي صحبن جيش نابليون أيضا هم الرواد الحقيقيون لحركة تحرير المرأة ( أو على الأحرى تعهيرها).. ولم يكن هناك أي فرق في طرفي المعادلة .. بين بعثات محمد على إلى فرنسا من الرجال كي يعودوا وقد فقدوا الإيمان بدينهم و أمتهم وامتلئوا بالانبهار بفرنسا وبين المومسات اللائي استوردن..

كان رواد التنوير والمومسات هم قادة التغيير والتحرير!!..

***

سوف يدرك العملاق محمود شاكر كل هذا.. لكن محمود شاكر وكل إنتاجه البالغ الأهمية سيتم حصاره. يقول محمود شاكر مقدّمته لكتاب "المتنبي:

" "صار بيّناً عندي أننا نعيش في عالم منقسم انقساماً سافراً: عالم القوة والغنى، وعالم الضعف والفقر، أو عالم الغزاة الناهبين، وعالم المستضعفين المنهوبين. كان عالم الغزاة الممثل في الحضارة الأوروبية، يريد أن يحدث في عالم المستضعفين تحولاً اجتماعياً وثقافياً وسياسياً فهو صيد غزير يمد حضارتهم بجميع أسباب القوة والعلو والغنى والسلطان والغلبة. والطريق إلى هذا التحول عمل سياسي محض، لا غاية له إلا إخضاع هذا العالم "المتخلف" إخضاعاً تاماً لحاجات العالم "المتحضر" التي لا تنفد، ولسيطرته السياسية الكاملة أيضاً. ومع أن هذا العمل السياسي المحض المتشعب، قد بدأ تنفيذه منذ زمن في أجزاء متفرقة من عالمنا، إلا أنه بدأ عندنا في مصر، قلب العالم الإسلامي والعربي، مع الطلائع الأولى لعهد محمد علي، بسيطرة القناصل الأوروبية عليه وعلى دولته، وعلى بناء هذه الدولة كلها بالمشورة والتوجيه. ثم ارتفع إلى ذروته في عهد حفيده إسماعيل بن إبراهيم بن محمد علي الخديوي، حتى جاء الاحتلال الإنجليزي في سنة 1882 وبمجيء سيطر الإنجليز سيطرة مباشرة على كل شيء، وعلى التعليم خاصة، إلى أن جاء "دنلوب" (في 17مارس 1897) ليضع للأمة نظام التعليم المدمر الذي لا نزال نسير عليه، مع الأسف، إلى يومنا هذا" .

ولقد تنبه محمود شاكر إلى خطورة التبشير عامة و إلى بند أساسي في هذا التبشير وهو القضاء على اللغة العربية إما بتدريس اللغة الأجنبية وترسيخها كلغة تعليم أو بالدعوة إلى العامية التي لم تزل تتردد بين عرب معجبين بالغرب "الطهطاوي" إلى مبشرين ثقافيين مثل "سبيلا" و "ويلككس" إلى سلامة موسى ولويس عوض وجابر عصفور.

وقد لاحظ محمود شاكر أن التبشير إذا كان بمعناه الضيق قد أخفق في البلاد الإسلامية إخفاقاً ذريعاً فإنه قد نجح بمعناه العام نجاحاً باهراً. وقد رأى ذلك "زويمر" فيما ينقله عنه محمود شاكر: "ينبغي للمبشرين أن لا يقنطوا إذا رأوا نتيجة تبشيرهم للمسلمين ضعيفة، إذ من المحقق أن المسلمين قد نما في قلوبهم الميل الشديد إلى علوم الأوروبيين وتحرير النساء" ("أباطيل و أسمار" ص254).

ولم يكف محمود شاكر عن التنبيه والتحذير ولم يكف الوسط الثقافي الملوث والمدان عن حصاره..يقول محمود شاكر:  " لم ينتصب أحد لوصف هذا التدمير المفزع الذي يشترك في جريمته مثقفون كثيرون، في الأدب، وفي العلم، وفي التاريخ، وفي الفلسفة، وفي الاجتماع، وفي السياسة، وفي الفن كله من مسرح وسينما وموسيقا وغيرها (...) وقد زاد الأمر فلم يبق مقتصراً على التعليم والكتابة والتأليف والصحافة، بل دخل كل بيت دخولاً مفزعاً عن طريق الإذاعة والتلفزيون،بلا رقيب ولا حسيب ".

إن محمود شاكر يلتقي في اكتشافاته تلك بمقولات الشهيد سيد قطب التي أوردنا بعضها في صدر هذا المقال.

سوف تتجاهل الدولة محمود شاكر والشيخ مصطفي صبري والشهيد سيد قطب.. وكان هذا أمرا طبيعيا لنظم يسيطر عليها أحفاد مومسات نابليون نساء ورجالا.

***

وربما أكون قد أطلت في إبراز نماذج الصور المقلوبة.. لكنها ضرورية لا للحكم على الماضي بل لفهم الحاضر والتعامل معه.

ودعونا نتناول قضية محورية شديدة الأهمية شديدة التأثير..

في عام 1948، كان المطلوب أن تبدو الحقيقة المزورة للعالم على أن الجيوش المتوحشة لسبع دول عربية تهاجم تجمعات يهودية مسكينة تدافع عن وجودها. وكان المطلوب أن يبدو أن الفلسطينيين ق تركوا قراهم كي يتيحوا المجال لهذه الجيوش المتوحشة لسحق الشعب اليهودي المسكين. وبهذا يكونوا قد تركوا بلادهم بسبب العمليات الحربية، وهي الحجة الباطلة التي تعتمد عليها إسرائيل حتى الآن  لحرمان الفلسطينيين من حق العودة.

ما تتجاهله كل وسائل الإعلام – وما ظهر في وثائق أفرج عنها بعد عشرات الأعوام  وفي كتب عديدة منها كتاب" جلوب" "جندي في الصحراء" وهو الذي قاد المعركة في اخطر جبهاتها. ما ظهر هو أن بريطانيا هي التي أصرت على دخول الجيوش العربية وهي التي وضعت الخطة!!..

أحد القراء الطيبين، أو شيوعي فاجر، أو قومي مغفل سيحتج قائلا:

-     -    كيف تكون بريطانيا هي صاحبة وعد بلفور، وهي التي حرصت خلال فترة الانتداب على زرع بذرة الدولة اليهودية ورعايتها هي التي تطلب من الجيوش العربية التدخل للقضاء عليها..؟!!..

والإجابة سهلة.. سهلة تماما ومنطقية..

وباختصار شديد فقد بلغت الجيوش العربية عام 48 في أقصى تقدير لها  35.000 رجل ناقصي التدريب والسلاح لدرجة فادحة ( لم تتجاوز القوات المدربة فعلا سبعة آلاف جندي)  بينما بلغ تعداد القوات الإسرائيلية في أقل تقدير  60.000 جندي جلهم مدرب على أعلى مستوى للتدريب في الحرب العالمية الثانية  مع تدعيم عظيم في العتاد[6][4].

ومع ذلك يبقى السؤال:

-         -          ومع ذلك.. لماذا تعرض بريطانيا ربيبتها إسرائيل لهذه المحنة..

والإجابة دامية..

السبب الأول هو إنقاذ اليهود من هزيمة محققة على يد المقاومة الإسلامية الاستشهادية التي خاضها الشعب الفلسطيني كله بالإضافة إلى فصائل الإخوان المسلمين من مصر وسوريا والأردن والعراق والبوسنة والهند. كانت هذه الحرب هي الحرب الوحيدة الكفيلة بالانتصار.. وهي الحرب التي أوقفتها الجيوش العربية لتقوم هي بالقتال في معارك تلحقها فيها هزيمة فادحة..

( بعد خمسين عاما.. تقبع كل الجيوش العربية في مخابئ الذل والعار.. أما المقاومة الإسلامية فما زالت تزلزل العدو الإسرائيلي)..

السبب الثاني هو أيضا من أجل إسرائيل.. فقد كان دخول الجيوش العربية إلى المعركة وهزيمتها الساحقة مسوغا لأن تستولي  إسرائيل على جزء من فلسطين يفوق من حيث المساحة القسم الذي حدده قرار التقسيم لإنشاء الدولة الصهيونية. كما كان مسوغا لتوقيع اتفاقيات هدنة  مؤقتة في " رودس" (1949) وهي اتفاقيات التزمت فيها الدول السبع  بعدم الاعتداء على إسرائيل!!.. وبهذا ضمنت إسرائيل تجفيف منابع المقاومة الفلسطينية حولها.. إذ أنه لو لم تدخل تلك الدول الحرب لما وقعت اتفاقيات هدنة ولحاولت بعد ذلك الثبات على الحدود ودعم المقاومة الفلسطينية.. وكان هذا الوضع كفيلا بالقضاء على إسرائيل.

السبب الثالث هو إذلال العرب والمسلمين.. فالصورة التي ستقدم إليهم هي أن جيوشا ضخمة لسبعة دول عجزت عن مواجهة عصابات ضعيفة.. فكيف يكون الحال عندما تتحول هذه العصابات إلى دولة كبيرة.

***

نعم..

نفس النص..

يختلف الممثلون وتتعدد خشبات المسارح لكن النص واحد..

والتشابه مذهل بين ما حدث في مصر في بداية الخمسينيات وما يحدث في المملكة العربية السعودية الآن..

نفس الموقف من الإسلام..

نفس الموقف من الأبطال..

نفس المنهج في تشويه المواقف والتعذيب..

يمتد التماثل حتى المهزلة.. ففي مصر الخمسينات أضيفت إلى مرتبات الجنود علاوة تعذيب لقيامهم بتعذيب المسلمين.. وفي سعودية القرن الحادي والعشرين أضيفت إلى مرتبات الجند علاوة الإرهاب..

يمتد التماثل حتى المهزلة..

ففي الخمسينيات ظل محمد حسنين هيكل صامتا صمت القبور عما حدث للإسلاميين..

وفي سعودية القرن الحادي والعشرين خرج محمد حسنين هيكل من منفاه المعنوي الاختياري  بعد أن حاصره اليأس فتوقف عن الكتابة..

خرج ليندد بقيام السعودية باعتقال الإصلاحيين القوميين وعلى رأسهم محمد سعيد طيب..

ولم ينبس ببنت شفة عما حدث للإسلاميين ..

مرة أخرى.. صمت..

لا أقصد المجاهدين.. الذين يعتبرهم هيكل – تماما كما يعتبرهم ولي العهد – إرهابيين ( وانظروا إلى معجزة توحد الرؤى بين النقيضين بعد نصف قرن)..

لا أقصد المجاهدين و إنما أقصد مثلا أساتذة الجامعة..

ما حرصت عليه جل الصحف القومية والحزبية  التي نشرت تنديد هيكل.. ما حرصت عليه ألا تنشر أبدا أن شخصا آخر سبق هيكل في هذا التنديد..

وكان هذا الشخص هو : " كولن باول" وزير الخارجية الأمريكي..

نعم.. كولن باول..

 وزير الخارجية الأمريكي

وكان أمر هذه الصحف أشبه بمومس تدعي الشرف وعليها أن تخفي بطاقة الترخيص لها بالدعارة.. وأن تجيد إخفاءها لأن دورها الذي ستقوم به الآن هو أن تمثل دور امرأة شريفة تندد بالعهر!.

نعم..

كان الربط بين الاثنين سيفضح الدور الحقير والمدمر الذي قامت به القومية للوصول بالأمة إلى ما وصلت إليه..

وكان الربط سيثير التساؤل.. وطريقة القوميين الغوغائية لا تطيق التساؤل وإنما تفضل الهجوم الغوغائي الذي لا يدع للفكر الجاد فرجة..

كان التساؤل سيثير – على سبيل المثال – حقيقة تقول أن الهزيمة المروعة الحالية لعالمنا العربي إنما تعود كلها إلى التيار القومي الذي يحكم منذ مائة عام على الأقل.

***

نفس النص..

يختلف الممثلون وتتعدد خشبات المسارح لكن النص واحد..

والاتهامات التي يوجهها ولي العهد للمجاهدين هي عين الاتهامات التي وجهها محمد علي لشيوخ الأزهر وكمال أتاتورك لشيوخ الإسلام وجمال عبد الناصر للمسلمين..

إن ولي العهد يتهم المجاهدين في الجزيرة العربية بتهم توجب القتل والاستئصال ثم يتعهد بتنفيذ ذلك ولو ظل يحاربهم ثلاثين عاما.. وهو تعهد لست أدري لمن يقدمه.. أيقدمه لله سبحانه وتعالى؟..  هل سيقدمه للرسول صلى الله عليه وسلم يوم الشفاعة؟.. هل يقدمه للشعب العربي في الجزيرة..

أم يقدمه لشارون وبوش؟؟!!..

و إذا كان من حق ولي العهد أن نستمع له فإن من حق المجاهدين أيضا أن نستمع لهم.. لكنهم فك الله أسرهم محاصرون أو مطاردون لا تجري معهم صحيفة حديثا ولا تذيع عنهم فضائية برنامجا ولا يندد محمد حسنين هيكل وكولن باول بقتلهم..

و إن كنا لا نسمعهم فإن من حقنا أن نسمع صوتا آخر يوجه اتهاماته لولي العهد..

من حقنا أن نقرأ جزءا من مقال فهد الريماوي رئيس تحرير صحيفة المجد الأردنية حيث يقبع في السجن الآن بسبب هذا المقال.. يقول فهد الريماوي:

منذ بدايات الانفتاح الامريكي على منطقة الشرق الاوسط في مستهل عقد الخمسينات اختار حكام السعودية درب التذيل لواشنطن، والتبعية لسياساتها، والارتهان لمشيئتها، والانحياز الى معسكرها، والالتحاق بمواقفها، والسير في ركابها، والتحطيب في حبالها، والارتماء في احضانها، والتفاني في خدمة اغراضها واهدافها·

 

ومنذ ذلك الحين والى يومنا هذا، ظل حكام السعودية جيلاً بعد جيل، وكابراً عن كابر، سادرين في غيهم، وممعنين في ضلالهم، ومثابرين على تحالفهم، ومخلصين اشد الاخلاص للبرامج والمخططات وحتى المؤامرات الامريكية المكرسة قديماً وحديثاً لفرض المشاريع الاسرامريكية، وضرب المشاريع النهضوية والوحدوية العربية، منذ عهد جمال عبد الناصر حتى زمن صدام حسين· ولعل نظرة تاريخية فاحصة لمجمل السياسات السعودية على مدى نصف القرن الماضي سوف تكشف بجلاء ان تلك السياسات لم تكن سوى انعكاس حرفي للسياسات والمصالح الامريكية، وتعبير امين ودقيق عنها، ووكيل اقليمي متحمس لها ومستعد للنيابة عنها في تنفيذ اخطر واقذر الادوار، بدءاً من تقويض الوحدة المصرية - السورية ومروراً باستنزاف الجيش المصري في اليمن، وتشكيل الحلف الاسلامي بالتعاون مع شاه ايران لمناهضة الخط القومي العربي، وتوظيف الاسلام السياسي كسلاح مناوئ للمعسكر الاشتراكي في الحرب الباردة، وتشجيع انور السادات على طرد الخبراء السوفيات ونقل البندقية من الكتف السوفياتي الى الكتف الامريكي ثم الاسرائىلي، وافساد ثورة ياسر عرفات بالمال اولاً، ثم بالمبادرات السلمية ثانياً، وتجنيد > المجاهدين < لمقاتلة الوجود السوفياتي في افغانستان، وتوريط صدام حسين في الحرب مع ايران، واستدعاء امريكا وجيوش ثلاثين دولة اخرى لضرب العراقيين في الكويت، ثم الاسهام في تحريض امريكا على محاصرة العراق لاثني عشر عاماً ·· وانتهاءً بفتح الاراضي السعودية والكويتية امام جحافل امريكا وحلفائها لاحتلال العراق، واسقاط نظام صدام حسين·

***

لن نناقش الآن صواب أو خطأ ما قاله الأستاذ فهد الريماوي.. فالأمر يحتاج إلى محكمة يدلي فيها ولي العهد السعودي باتهاماته لمن يسميهم بالإرهابيين وأن تسمع في نفس الوقت اتهاماتهم له.. و أن تسمع شهادة الأستاذ فهد الريماوي في خضم ذلك..

***

والأستاذ فهد الريماوي بلا شك صحفي كبير وشجاع ومثقف وذكي.. وله فضل شخصي في عنقي.. فعندما حوصرت في مصر كان مبادرا بنشر مقالاتي في صحيفته المجد..

وظللت أكتب فيها آملا أن أخفف من غلوائه في الإعجاب بعبد الناصر.. وهو الأمر الذي لم أفلح فيه فانسحبت بعد عام من الكتابة شاكرا وممتنا ..

وبلا شك فإنني معه بكل قلبي في محنته الآن..

لكنني أقول له كأخ في الله أن ما يمكن أن يقال في عبد الناصر لا يقل عما قاله في ولي العهد السعودي..

و أن الصورة التي يراها لعبد الناصر إنما هي صورة مقلوبة..

و أنني أناشده ألا يكون رد فعله استدعاء مخزون هائل من تزييف الوعي عبر عقود..

نحن جميعا ندرك أن كل صحافتنا تكذب و أن كل أجهزة إعلامنا تكذب.. و أننا نتعرض لعملية غسيل مخ مستمرة.. ورغم ذلك فإننا نستعمل هذه الأكاذيب كي ندافع عن مواقفنا.. فنكون أشبه بالمريض الذي يدرك أن الدواء الذي يستعمله قد استبدل ووضع مكانه سم.. ومع ذلك وبالرغم من علمه واقتناعه فإنه كلما هاجمته بوادر المرض سارع إلى تناول الدواء السم.. بانفعال يكاد يكون غريزيا.. دون منهج علمي.. دون مناقشة حقيقية للتفاصيل والمراجع..دون استعادة للتفاصيل و إعادة قراءتها.. أو كما يشبهنا الدكتور جلال أمين في سلسلة مقالاته – التي نشرت في كتاب -: ماذا حدث للمصريين في نصف قرن حيث يشبه الصحف ووسائل الإعلام بالمخدرات.. معظمها مغشوش.. وكلها ضار.. لكننا لا نتوقف أبدا عن الاعتماد عليها.. واعتبار الهلاوس التي نراها بتأثيرها حقائق.. نبني على أساسها حياتنا..

***

ولو نظر الكاتب الكبير فهد الريماوي للأمور بنظرة مجردة  لاكتشف أن ولي العهد يقوم بتمثيل نفس الدور الذي مثله جمال عبد الناصر.. نفس الدور.. ونفس النص.. ونفس العقدة ونفس الهدف ونفس النهاية..

كل الممثلين قد اختارهم نفس المخرج..

وهو الذي يسمح لهذا بالخروج على النص أحيانا ولا يسمح لذاك..

فالصور مقلوبة.. مقلوبة.. مقلوبة..

وما يدفعني لتكرار الإلحاح على ذلك أنني قضينا نصف القرن الأخير نقارن ونمايز ونختلف حول أنظمة حكم مختلفة دون أن ندرك أنهم جميعا من اختيار أو تعيين المخابرات الأمريكية..

جميعا..

بلا استثناء..

من يعلم ومن لا يعلم..

من يستمتع بالخيانة ومن يجبر عليها..

ليس نصف القرن الأخير فقط.. بل القرنين الأخيرين..

قد يتساءل متسائل فما بال أعضاء الجوقة كانوا يتصارعون؟!..

أما جوابي فهو: وكيف تكتمل المسرحية إلا عبر هذا الصراع..

ولقد كان كل ذلك ضروريا لترويض الأمة..

إن الأمة المسلمة ضد ما يفعل حكامها.. ولذلك لابد من تمهيدها وتهيئتها..

***

تمهيد وتهيئة..

هل تذكركم هذه الكلمة بشيء يا قراء..

بشيء بشع ومقزز ومروع ومخيف..

نعم.. قيلت الكلمة في أحداث التعذيب والسحق لشعبنا في العراق.. عندما تحدثوا عن تمهيد وتهيئة المعتقلين للاستجواب..

تهيئتهم بالتعليق والسحق والجلد والنهش والاغتصاب والفحش والعهر والجوع والحبس الانفرادي..

ومثل هذا الذي حدث للأفراد حدث للشعوب..

عام 48 كانت الكلاب المتوحشة تنهش.. عام 56 كنا نجلد بالسياط.. عام 67 كنا نصعق بالكهرباء.. في كامب ديفيد كنا نقر العلاقات الشاذة وغير المشروعة.. عام 82 مع حصار أول عاصمة عربية كنا نغتصب.. ثم.. منذئذ وحتى الآن يفعلون بشعوبنا الفاحشة..

تماما كما يهيئون المعتقلين للاعتراف.. يهيئون الشعوب للاستسلام وفقد الإرادة..

وكان هذا كله لازما لتمهيد الشعوب وتهيئتها للتجرد من دينها وشرفها وكرامتها والاعتراف بكل ما تريده الصليبية الصهيونية منها..

***

ولم تكن الحقبة الناصرية سوى حلقة في تلك الحلقات..

لقد تساءلت في مقال سابق – في إحساس بالفجيعة لا حد له – لماذا لم يؤجل عبد الناصر صدامه بمحمد نجيب عاما واحدا ليخدع الأشقاء السودانيين كي لا تنفصم عرى الوحدة بين القطرين الشقيقين..

و أنا شديد الحرص في استعمال المراجع يا قراء ولا أقر لمرجع واحد باحتكار الحقيقة.. و أتحفظ كثيرا في إطلاق الأحكام النهائية..

وعندما كتبت ما كتبت كانت المراجع أمامي تنطق بالحقيقة التي تناولتها بتحفظ.. الحقيقة التي تقول أن تعطش عبد الناصر للسلطة كان هو الذي فصم عرى الوحدة مع السودان.. و أن هذه العقدة هي التي دفعته إلى وحدة متعجلة مع سوريا .. سرعان ما فشلت هي الأخرى.. ولنفس الأسباب..

 لقد تناولت  مذكرات محمد نجيب بتحفظ شديد.. فمهما كان فإن من مصلحة الرجل  أن يروي ما حدث من وجهة نظره ولصالحه..

كنت أقرأ في مذكراته[7][5] على سبيل المثال:

وعندما دخل عبد الحكيم عامر وحسن إبراهيم. ليبلغاني  يوم 14 نوفمبر عام 1954 بقرار إعفائي من رئاسة الجمهورية، قلت لهما في وضوح:

-           -             بصراحة أنا لن أستقيل..

 فسأل عبد الحكيم عامر:

 - لماذا؟.

 قلت:

-  حتى لا ينسب إلى يوما أنني كنت السبب في انفصال مصر عن السودان.

 وفي الحقيقة.. أنا تحملت كل ما جرى لي بعد تمكن عبد الناصر من السلطة، بعد أزمة مارس، حتى لا تؤثر استقالتي على نتيجة الاستفتاء حول الوحدة مع مصر، في السودان.. خاصة أن الحزب الوطني الاتحادي الذي كان يؤيد الاتحاد، والوحدة مع مصر، قد فاز في الانتخابات في ذلك الوقت لكن.. عبد الناصر ورجاله في مجلس الثورة لم يكن ليشغلهم موضوع السودان.. كان كل ما يهمهم هو كيف يمكن إزاحتي والتخلص منى.  ولست هنا أعطى لنفسي أهمية في ارتباط السودان بي.. بحيث ينفصل عن مصر إذا أنا تركت الحكم.. لكنني اقرر حقيقة يعرفها الجميع في البلدين. ومازالوا.. فأنا جزء من السودان والسودان جزء منى.. وبيني وبين شعبه وزعمائه علاقات دم وصداقة وارتباط قوى.. كما أن السودانيين بطبيعتهم لا يميلون إلى الديكتاتورية.. ويصرون على ممارسة حقوقهم السياسية مهما كلفهم الأمر.. وهذا ما جعلهم يشعرون بالخطر على أنفسهم وعلى بلادهم بعد أن نشبت واشتعلت أزمة مارس في مصر، وأحسوا أن هناك حاجزا من الديكتاتورية  يقف حائلا بين الوحدة مع مصر.  ولأنني كنت أقف مع الديمقراطية كانوا يقفون معي.. ولأن عبد الناصر كان يتجه بالبلاد إلى الديكتاتورية كانوا يخشون الوحدة مع مصر، ولذلك كان قرار تنحيتي عن رئاسة الجمهورية هو في نفس الوقت قرار انفصال السودان  عن مصر.

ويواصل الرئيس محمد نجيب:

ومرة أخرى أؤكد أن.. هذا ليس حديثا شخصيا، ولا كلاما نرجسيا، وإنما أمر واقع لا يزال يوجد من يقره ويعترف به، خاصة في السودان. فعندما سئل كثير من زعماء السودان، بعد ذلك عن سر تدهور العلاقات بين البلدين، قالوا، كلمة واحدة :

- نجيب!..

و لما قال لهم جمال عبد الناصر - إن نجيب فرد.. والفرد زائل.. والعلاقة المتينة بين البلدين خالدة.. كرروا:

-  نجيب! ..

وفقد عبد الناصر أعصابه وقال:

- ليس معقولا أن نضع فردا في كفة وعلاقة بين شعبين في كفة أخرى.

 فقالوا له:

- إننا جعلنا من نجيب رمزا لوحدة الوادي".. شماله مع جنوبه.. ثم أضافوا في اتهام واضح:

- وأنتم حطمتم هذا الرمز . نحن بلد وحكومة ديمقراطية حرة.. لا نقبل الانطواء تحت علم وحكومة أوتوقراطية.

وقبل موعد الاستفتاء واصل السودانيون نفس الكلام.. وقالوا:

-  إننا سنقرر الانفصال عن مصر، ولو أراد المصريون أن نتحد معهم فلا مفر أمامهم من إعادة نجيب.

ويواصل الرئيس نجيب:

وفى ذلك الوقت كنت أطالع الصحف السودانية:" الناس"  " والصراحة " و"السودان الجديد"،" وا النيل"، و" الأيام" .. وكنت أسجل ما تنشره هذه الصحف.. ولازلت احتفظ بما سجلته إلى الآن .. وللتاريخ أعيد الآن نشر بعض مما سجلته.. ففي جريدة النيل نشر صالح عبد القادر قصيدة من 83 بيتا، ونشرت صحيفة أخري قصيدة جاء فيها:

إذا هان مثلك يا نجيب فما هو

الضمان بأنا لا نهون ونهضم

وقالت الأيام:

- إن الديكتاتورية الفاشية التي تحكم مصر بقوة الحديد والنار لا يرضيها أن يرتفع صوت واحد ينادى بالديمقراطية وكانت جريمة نجيب أنه لم يرض سيطرة الديكتاتورية.. إن الشعب المصري سينتصر في معركته القادمة ومعركة الإطاحة بالحكم الديكتاتورى، والشعب السوداني الذي يؤازر شعب مصر في محنته لن يرضى مطلقا أن يتحد مع ديكتاتورية أو يرتبط بفاشستية. وليعلم حكام مصر هذا..  وليعلموا أن أقوالهم وكلماتهم المعسولة لن تجدى في كسب السودانيين..

ونشرت جريدة الأمة يوم الأحد 23 يناير 1955.. إن ارتباط السياسة الخارجية والدفاعية والتجارية مع مصر يعرض سيادتنا للقضاء المحقق خصوصا إذا كان مع حكومات رجعية استبدادية كالحكومة الديكتاتورية التي تحكم مصر الآن والتي حددت موقفها نهائيا من المعسكر الاستعماري بعد أن وقعت معه عدة اتفاقيات خائنة كاتفاقية النقطة الرابعة وهى في طريقها الآن إلى إبرام اتفاق دفاعي جديد يكبل الشعب المصري بمزيد من الأغلال..

وفى 30 يناير 1955، كان  العنوان الرئيسي لجريدة الأمة هو:

-  هل يعاد نجيب إلى رئاسة الجمهورية لإنقاذ الموقف الاتحادي بالسودان؟.

 وفى 3 فبراير 1955 قالت صحيفة " التلغراف :

 "نجيب باق في المرج ويعامل معاملة سيئة". ولم تجد حكومة عبد الناصر ردا مناسبا على كل هذا الكلام، سوى أسلوبها المبتكر، وهو تلفيق التهم والتشهير بالسودانيين.. فقد قبض على الوزير السوداني السيد خضر حمد في القاهرة بتهمة حمل قصيدة كتبها الأستاذ أحمد محمد صالح.. وكانت هذه القصيدة- الأزمة تقول:

ما كنت غدارا ولاخوانا

 كلا ولم تك يا نجيب جبانا

يا صاحب القلب الكبير تحية

 من أمة أوليتها الإحسانا

وهكذا ضاع السودان كما ضاعت الديمقراطية.. وكان لابد أن يقدم عبد الناصر كبش فداء.. ولم يجد بالطبع أفضل من صلاح سالم.. فأجبره على الاستقالة.. فقد استغل عبد الناصر الأخطاء التي وقع فيها صلاح سالم في السودان، وذبحه.. وخرج بريئا من هذه الجريمة.

***

كنت أتناول مذكرات محمد نجيب على أنها وجهة نظر وليست الحقيقة كاملة.. رغم أن أحمد حمروش[8][6] كان يقول:

-      -     كان للسودانيين دور في منع محاكمة نجيب.. لكن عزله كان غلقا لباب الأمل في الوصول إلى اتحاد مصري سوداني.

***

 في الأسابيع الأخيرة  أذاعت  قناة أبي ظبى الفضائية حلقات عن محمد نجيب .. كان كل المتحدثين فيها ناصريين أو يساريين.. وكان إجماعهم أن عزل محمد نجيب يكاد يكون هو السبب الوحيد لانفصال السودان عن مصر..

***

تكمل المراجع الحكاية لتجيب عن تساؤلي الفاجع: لماذا لم يؤجل عبد الناصر خطته عاما من أجل الوحدة..

كانت الصورة المقلوبة هي ما رأينا..

أما الصورة الحقيقية فقد كانت أن عبد الناصر كان واثقا أنه لو استمر الاتحاد بين مصر والسودان فإن شعبية محمد نجيب في القطرين ستكون حائلا مطلقا بين عبد الناصر والسلطة لأنه لن يستطيع القضاء على محمد نجيب أبدا..
وكان مخيرا بين السلطة والسودان فاختار السلطة..

***

وثمة نقطة أخرى في قضية السودان.. فقد كان صلاح سالم هو الذي يتولاها.. وكان صلاح وشقيقه المجنون يمثلان عنصر رعب لجمال عبد الناصر.. فقرر التخلص منهما معا: من صلاح – الذي كان يرى نفسه أحق بالزعامة من ناصر -  بكشف فشله في السودان.. ومن جمال بتكليفه برئاسة المحاكمات الفاجرة للإخوان مما جعله في أعين الناس رمزا للشيطان.. وهكذا انتهت أسطورة الأخوين.

***

كنت أظن أن الصورة المقلوبة في السودان تقتصر على هذا حتى قرأت في كتاب اللعبة الكبرى[9][7]:

"كان لكل هذا نتائج هامة على السودان. فقد كان نجيب فيه ذا شعبية كبرى خاصة وأن له فيه أقارب أما عبد الناصر وجماعته فلم تكن لهم فيه شعبية بالمرة لذلك أدى سقوط نجيب بالسودان الى التخلي عن الاندماج مع مصر والى اتجاه نحو الاستقلال. وحاول عبد الناصر وانصاره لفترة إيقاف هذا التطور بل وشجعوا ثورة في جنوب السودان المسيحي الوثني ضد الشمال المسلم. وعمقت هذه العملية التعارض بين جزئي السودان وهو ما كانت له عواقب وخيمة على مستقبل السودان."..

يا إلهي.. يا إلهي..

وحاول عبد الناصر وأنصاره لفترة إيقاف هذا التطور بل وشجعوا ثورة في جنوب السودان المسيحي الوثني ضد الشمال المسلم. وعمقت هذه العملية التعارض بين جزئي السودان وهو ما كانت له عواقب وخيمة على مستقبل السودان..

لكن..

لماذا أندهش عندما أرى الصورة الحقيقية بعد أن عشت عمرا أرها مقلوبة.. لماذا أندهش من  موقف عبد الناصر مع الوثنيين في الجنوب ضد المسلمين في الشمال.. لقد مات عبد الناصر بعد أن  ترك لأتباعه سنة متبعة أن لا يتركوا مسلما إلا حاربوه وأن لا يتركوا كافرا إلا صادقوه ووالوه وأحبوه.

لقد وقف مع الهند الهندوسية الوثنية ضد الباكستان المسلمة.

لقد وقف مع الهند لفصل بنجلادش عن باكستان.

لقد وقف مع هيلاسيلاسي إمبراطور الحبشة ضد المسلمين في الحبشة ..

لقد وقف عبد الناصر مع تيتو ضد المسلمين في يوغسلافيا وسلمه المجاهدين اليوغسلافيين الذين جاهدوا في فلسطين ليعدمهم في يوغسلافيا..

أما علاقته بالمجاهد مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني فسوف نؤجلها.. لكننا نلمس سريعا رفضه لطلبه عام 58 أن تكون فلسطين هي الدولة الثالثة في الوحدة ( وكان هذا يعني من وجهة نظر عبد الناصر تورطا لا يريده مع إسرائيل) .. وقد اضطهد مفتي فلسطين بعد ذلك وسلطوا عليه بذاءات مجلة روز اليوسف وحرموه من الرد عليها  حتي هرع لمغادرة مصر .

***

من الصور المقلوبة أيضا موقف عبد الناصر من قضية فلسطين والرواية تعود إلى عام 1953.

يقول صلاح دسوقي: ( ضابط مخابرات-شرطة- درب في أمريكا- أحد الطواغيت الصغار الذين أخرجوا تمثيلية المنشية ثم تعذيب الإخوان، ثم – فيما يقال- اغتيال الملك فاروق.. يقول صلاح دسوقي:

 زكريا محيي الدين عمل وزارة الداخلية ".. وعينني أركان حرب لها.. وكان  منصبا جديدا.. وأنا افتكر وأنا سكرتير الحكومة المركزية.. فوجئت- وده كلام يمكن ماحدش كثير يعرفه- وأنا مع الرئيس عبد الناصر  بالليل يوم كنت أمر عليه على العشاء ونتكلم.. قال لي سؤالا غريبا جدا.. قال لي إيه رأيك إن إحنا نتفاهم مع إسرائيل؟.. ونبدأ نتجه للبلد ونبطل الهوسة " اللى إحنا فيها دى؟.. دى ماحدش كتير يعرفها.. وجمال عبد الناصر نفسه قالها وأنا فوجئت مفاجأة غريبة جدا.. فلت له والله ياريس.. الحقيقة دى مفاجأة كبيرة.. وده خط سياسي جديد أتصور إن سيادتك إن حبيت أن تأخذه.. لابد إن جميع أجهزة الإعلام في مصر تاخد الاتجاه ده من 3 إلى 5 سنوات.. ويبقى واضح أمامها إن إنهاء الصراع في الشرق الأوسط يقابله ارتفاع متوسط المعيشة في مصر وإلا تبقى انتحار سياسي..

***

ولنقرأ في نفس المرجع - طارق حبيب-  يذكر أن واحدا من ألمع وزراء خارجية مصر في عصر  جمال عبد الناصر وهو محمود  رياض  صاحب رأى مؤداه: إن موضوع السلام بيننا وبين إسرائيل مقرر من 1949 ولم يكن اختراعا من  السادات في السبعينات.. لكنها المزايدات ".

***

ولنقرأ أيضا في نفس المرجع قول  د. مصطفى خليل رئيس الوزراء الأسبق: " حرب 56 طبعا كلنا عارفين انتهت إلى إيه.. ولابد أني أكون  في منتهى الصراحة إن حرب 56 انتهت بموافقة مصر على مرور البضائع الإسرائيلي غير السفن الإسرائيلية.. وفى نفس الوقت فتح خليج العقبة.. ووصلت قوات الأمم؟3 بس مش على الحدود بين مصر وإسرائيل.. وإنما وضعت بين تقريبا طابا النهارده؟! لغاية شرم الشيخ اللى هو الضفة الغربية لسيناء.. التي هي ليست حد ما بيني وبين إسرائيل  ا !ولكن مصر قبلت في 56 هذا الوضع ".[10][8]

***

في عام 53، كان عبد الناصر يفتح قنوات للاتصال مع الإسرائيليين ويتهم الإخوان والوفد بذلك..

***

يا قراء..

عندما أكتب عن عبد الناصر عام 53 و 54 أشعر أنني أكتب عن ولي العهد عام 2003 و 2004.

بل إنني عندما أقرأ عن الاتصالات بين عبد الناصر وجولدمان أرفع اسميهما فأضع اسمي ولي العهد وفريدمان.. ويتسق المعنى..

***

 

يقول رشاد كامل[11][9]، وهو صحافي مسيحي.. والمسيحيون  في معظمهم ناصريون:

في "أواخر أكتوبر1952 قام " شمئيل ديفون " بالاتصال بعبدالرحمن صادق الذى أوفد من قبل مجلس قيادة الثورة لشغل منصب الملحق الصحفي بالسفارة المصرية بباريس، وحذره صادق من أن هذه اللقاءات لا تمثل اتصالا رسميا بين البلدين، ولكنه كشف النقاب أيضا عن أنه مكلف بإرسال تقارير مباشرة إلى مجلس قيادة الثورة، وعلى ذلك فقد كانت إسرائيل تمتلك قناة مهمة لإرسال الرسائل والاقتراحات إلى الضباط الأحرار.

(...)

لقد تم تبادل رسائل مهمة للغاية عبر هذه القناة في النصف الأول من عام 1953، وداخل مجلس قيادة الثورة كان أحد المؤيدين الرئيسيين لاستمرار الاتصالات والسعي نحو التفاهم مع إسرائيل هو الكولونيل "جمال عبد الناصر" الذى كان برتبة ميجور في حرب فلسطين وكانت له اتصالات مع الضباط الإسرائيليين عندما كان لواؤه تحت الحصار في "الفالوجا" وكان "ناصر" في ذلك الوقت الضابط المسئول عن الإشراف على الاتصالات مع الإسرائيليين في مجلس قيادة الثورة، وكان صادق يكتب التقارير إليه مباشرة ويتلقى منه التعليمات!

وفى نهاية يناير "1953 " أخبر صادق ديفون أن ناصر قد أمره بإجراء مباحثات معه بالنيابة عن مجلس قيادة الثورة على أن يخبره بأن مصر حاليا لا تستطيع الخروج على الإجماع العربي بشأن قضية فلسطين، وفى غضون ذلك طلب صادق " تأييد إسرائيل لكي تحصل مصر على مساعدة اقتصادية من أمريكا، بالإضافة إلى الدعم المعنوي لمطالبة مصر بانسحاب القوات البريطانية من منطقة قناة السويس".

وتم التأكيد على أن ناصر يرغب في أن تظل هذه الاتصالات سرية تماما وحذر من قطعها إذا حدث خلاف ذلك، وحسب رواية "آفى شليم" فقد التقى صادق مع ديفون يوم 13 أكتوبر في فندق رينولدز بباريس وعرض عليه نسخة من خطاب مكتوب على إحدى المطبوعات الرسمية لمجلس قيادة الثورة، وموجه إلى صادق وموقع بواسطة ناصر كنائب لنجيب، وأوضح الخطاب أن الرأي العام في مصر والعالم العربي يرى أنه من الحكمة أن يبنى مجلس قيادة الثورة سياسته تجاه إسرائيل بالتدريج، وأن التصريحات العدائية ضد إسرائيل خطوة أولى في هذا الاتجاه.

وتعهد ناصر مرة أخرى بأن مجلس قيادة الثورة لا يضمر أية نوايا عدوانية وأنه سعيد بقبول إسرائيل لكلمته على أساس الثقة المتبادلة، وحث إسرائيل على استعمال نفوذها في أمريكا من أجل دعم مطلب مصر بانسحاب القوات البريطانية، وأفاد بأن هذا يمكن أن يسهل وصول مجلس قيادة الثورة لتسوية نهائية مع إسرائيل، كما أن مجلس قيادة الثورة ممتن للعرض الإسرائيلي لشراء القطن المصري ولكنه يشعر أن ذلك لم يأن أوانه بعد!

***

وننهي مقال هذا اليوم بصورة مقلوبة في غاية الأهمية توضح جانبا هاما من عوامل انحراف النخبة في طريق الانهيار..

فلقد قامت المخابرات المصرية  باستقطاب الطلبة العرب من خلال بنات الهوى وإعداد هؤلاء لأدوار وظيفية قيادية  قاموا  بها فيما بعد في بلادهم ..  حيث تولوا مراكز قيادية حساسة وكانوا تحت سيطرة وتهديد وتوجيه المخابرات..

أحد هؤلاء العشاق  يشغل الآن منصب رئيس جمهورية في بلد عربي هام..

وكان لهؤلاء أبعد الأثر في تلميع الصحافيين المتأمركين.. فلم يتركوا صحافيا خاملا فى مصر أو مرتبطاً بـ "كامب ديفيد" إلا وعينوه في أجهزة إعلام عربية برواتب خرافية وبصلاحيات واسعة لا حدود لها.

***

لا أريد أن أتوسع في هذا البحر النجس..

لكنني أقول بجدية كاملة أن المومسات هن اللائي حددن التوجه الثقافي للعرب في نصف القرن الأخير..

ولا تنسوا أرجوكم – لهن فضلا آخر.. فقد كان لهن فضل في كثير من الانتخابات في إنجاح مرشحي السلطة: كن يمارسن تعهير ( تحرير ) المرأة  بمحاولة هتك عرض الرجال والنساء الذين يصرون على الإدلاء بأصواتهم.

وكن الكاتبات المشهورات في الصحف..

وكن المذيعات الشهيرات في وسائل الإعلام..

و:

4.                    إذا كان رأس الحكم في القوم داعرا...

5.              فشيمة أهل الحكم كلهمو العهر..

ما أريد أن أقوله فقط هو أن الوزير صفوت الشريف كان هو مسئول ذلك القسم من المخابرات.. قسم تمهيد وتهيئة الطلبة العرب الذين سيصبحون مسئولين كبارا.. ( يبدو أن الأمر قد تطلب بعد ذلك مواهب أخرى لا يتمتع بها صفوت الشريف فأضافوا إليه فاروق حسني).. لكن يظل الشريف هو الأصل..

نعم ..

الشريف..!!

وذلك قد يفسر بقاءه الطويل في السلطة..

إذ أنه يعرف الأسرار جميعا.. وربما تجعله هذه الأسرار أقرب المصريين إلى قلوب كثير من المسئولين والحكام العرب.. و أكثرهم تأثيرا عليهم..

***

طال المقال بأكثر مما قدرت له لكنني حريص أن أقدم للقارئ وجهة نظر كاملة قد تضيع بتجزئة المقال الطويل.

كنت أريد أن أحدثكم عن أشياء أخرى عديدة.. وعن صور مقلوبة..

كنت أريد أن أحدثكم عن مشروع لقاء لم يتم بيني وبين ولي العهد السعودي..

وكنت أريد أن أحدثكم عن إجرام للجهاز الأمني في مصر تتضاءل أمامه أكثر العصابات إجراما..

وكنت أريد أن أحدثكم عن مثقفي عهد عبد الناصر كرموز للفساد والوصولية وخيانة الأمة..

وكنت أريد أن أحدثكم عن تشابه وسائل التعذيب في سجوننا العربية مع ما اكتشف عن وسائل التعذيب الأمريكية حيث يقبع أصل الدنس والقسوة والوحشية..

وكنت أريد أن أقول أنه مهما بلغ اختلال القوي فليس أمامنا من سبيل للنجاة في الدنيا والآخرة إلا بقتال الأمريكان والصهاينة ..

وكنت أريد أن أقول أنني واثق من النصر..

وكنت أريد.. وكنت أريد..

فإلى المقال القادم.

***

-    نداء

نداء إلى الأستاذ محمد ياسين كشك

( دكتوراه في الهندسة- مبعوث من جامعة المنصورة )

1.      بالولايات المتحدة

فقدت وسائل الاتصال بك منذ انتقلت من عملك في نيويورك .. ولديّ أشياء هامة يجب أن تعرفها.. لذا أرجوك.. أو أرجو من يعرفك الاتصال بي.

د محمد عباس

***


 

[2][1][1] -- عبد الله العقيل – من أعلام الحركة والدعوة الإسلامية المعاصرة – مكتبة المنار الإسلامية – الكويت – 1422 هـ = 2001م.

 

1 - الرحيق المختوم - صفي الرحمن المباركفوري.

1- سيد قطب الشهيد الحي- صلاح عبد الفتاح الخالدي- مكتبة الأقصى عمان

3- المسألة الشرقية- محمود ثابت الشاذلي- مكتبة وهبة.

2- اللعبة الكبرى- مرجع سابق.

5- كنت رئيسا لمصر- محمد نجيب- المكتب المصري الحديث.

6- طارق حبيب- مرجع سابق.

5- مرجع سابق.

4- ملفات ثورة يوليو- طارق حبيب- مركز الأهرام للترجمة والنشر.

9- عبد الناصر و إسرائيل- سنوات التفاوض السري- رشاد كامل- در الخيال.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حفل إفطار رمضاني د محمد عباس تحتوى هذة القصة التي نشرت في مجلة المختار الإسلامي في أكتوبر ٢٠٠٧ على تفاصيل مذهلة لما حدث بالفعل في ثورة 25 يناير ومنها على سبيل المثال أن شباب الثورة غيروا اسم ميدان التحرير وجعلوة ميدان الشهداء  كما تحدد القصة ثروة الرئيس الطاغوت الهارب بأنها سبعون مليار دولار وكما تحدثت عن انهيار الأمن وانسحابة وانطلاق فرق البلطجة التابعة للحكم الخميس 1 رمضان 1500 هـ - الموافق 22 يوليو 2077 -1- ها هو ذا رمضان يعود، ما أجمله، كم أحبه، رغم أيام العناء والجوع والعطش، ومنذ كنت أفطر عند الظهر، وكل عام يطول صيامي ساعة أو ساعتين، حتى صمت اليوم كاملا للمرة الأولى في العام الماضي، وكانت جائزتي الكبرى أن قربني جدي، بل وسمح لي في بعض الأحيان أن أتوسد فخذه، فلا يوقظني إشفاقا ورحمة إذا غلبني النوم وأنا أسمع حكاياته . ظللت أعواما وأعواما، كلما سمعت حكاية بطل، تجسد ذلك البطل في شكل جدي . وظننته يخفي علينا أنه كان هو بنفسه البطل . وتخابثت عليه مرة فسألته : - جدي : هل كنت موجودا أيام صلاح الدين وهل شاهدته؟ وكنت أموت شوقا لأن يحتويني في ح

جواز لعن المعين

     جواز لعن الفاسق المعين   1 ـ جواز لعن الفاسق المعين مع الكراهة، وهو القول المعروف عن الإمام أحمد، كما ذكر ابن تيمية (39)، وهو ما ذهب إليه الإمام البخاري في تبويبه لحديث الذي كان يلقَّب حماراً ويشرب الخمر، حيث بوَّب له: «باب ما يكره من لعن شارب الخمر، وأنه ليس بخارجٍ من الملّة» (40) 2 ـ جواز لعن الفاسق المعين ما لم يُحدّ، فإذا حُدَّ لم يجز لعنه: وهذا القول نقله القاضي عياض عن بعضهم ولم يرتضه (41)، ونقله القرطبي ولم يعقّب عليه، وكأنه ارتضاه وقوَّاه حيث قال: «قد ذكر بعض العلماء خلافاً في لعن العاصي المعين، قال: وإنما قال صلى الله عليه وسلم: «لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم» في حق نُعيمان بعد إقامة الحد عليه، ومَن أقيم عليه حدُّ الله فلا ينبغي لعنه، ومَن لم يُقَم عليه الحدّ فلعنته جائزة سواء سُمِّي أو عُيِّن أم لا؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لا يلعن إلا من تجب عليه اللعنة ما دام على تلك الحالة الموجبة للَّعن، فإذا تاب منها وأقلع وطهَّره الحدُّ فلا لعنة تتوجَّه عليه، وبيَّن هذا قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا زنت أمةُ أحدكم فليجلدها الحد ولا يُثرِّب (42). فدلَّ هذا الحديث
ليس على الشيشان وحدها أبكي د محمد عباس لكم كان جارحا ومؤلما أن يتناول حتي أنيس منصور - رغم كل مصائبه - الشيشان بسخرية. ولقد اتسع الجرح في الأسبوع الماضي و أنا أقرأ في العدد الأخير من صحيفة حزبية قومية هجوما ضاريا علي أبطال الشيشان - الإرهابيين في نظرها- والذين لم يتوقفوا عن شن الحرب على روسيا منذ عشرة أعوام.. عشرة أعوام !! .. عشرة أعوام.. ألا يقرأ هؤلاء الناس التاريخ قط..إلا أن الصدمة الكاملة كانت مع مقال الأستاذ فهمي هويدي في أهرام الثلاثاء الماضي..الأمر الذي دفعني للرجوع لتاريخ الشيشان..لكي يدرك الغافل ويعلم الجاهل أن ضياع الشيشان كان خطوة في الطريق إلي ضياع فلسطين، و أن عدم الربط بينهما هو الطريق إلى ضياعنا جميعا.. ليس على الشيشان وحدها أبكى.. .. الدكتور محمد عباس: ... أرسل لسيادتك صورة من مقال : مواقف لأنيس منصور المنشور  فى الأهرام وأنا أكاد أنفجر من الغيظ، ولا أعرف ماذا أفعل بالنسبة لهؤلاء الناس والكتاب. عندما تقرأها ستكتشف أن السم فى كل كلمة منها. إننى أبكى كل يوم قبل أن أنام بسبب ما يحدث للمسلمين فى العالم وعلى رأسهم اخوتنا الشيشانيون، ولست أتخيل كيف طاوع ه