من د محمد عباس إلى د المنصف المرزوقي
كيف جرؤت على أن تجعل بينك وبين الله حمقك
لا يستهدف هذا المقال شخصا بل يهدف أن يسير على منوال أباطيل وأسمار للعلامة محمود شاكر: يهدف أن يهدم فكرة ويعرى قوما، ويقيم مقلوبا،ويعدل معوجا ويعيد الأمور إلى نصابها.
هذا المقال هو رد على مقال الدكتور المنصف المرزوقي بعنوان:
رسالة إلى العرب أو من بقي منهم
وتحت هذا العنوان كتب الدكتور المرزوقي هذه المقدمة:
هذا النص ليس مرثية أخرى لأمة ''غسل الله منها يديه''، كما قال نزار قباني. بل هو صرخة فزع أمام خرابها المتفاقم ونحن السواعد والمعاول.
وها هو ذا رابط المقال:
***
ولابد أن أرفض في البداية بقوة ما افتتح به المرزوقي مقاله: من استشهاد بتصوير وقح اقتبسه من قصيدة نزار قباني .
نحن نعلم أن نزار قباني كان وقحا إباحيا وبلا دين، حتى وإن كان شاعرا كبيرا. ونعلم ما حدث عند دفنه من رفض كثير من المسلمين أن يدفن في مقابرهم.
ونعلم يا دكتور مرزوقي أنه رغم كونك يساريا، وعروبيا فإنك مهذب وتراعي شعور الآخرين حتى لو لم تؤمن بما يؤمنون.
غسل يديه؟!
ما أشد وقاحة الجملة
بل ما أشد كفرها
ولقد خجلت أن أجعل اسم الجلالة معها في نفس السطر.
تعالى الله - عن ذلك علوا كبيرا- وهولا يغسل يديه يا دكتور مرزوقي!!
كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا
فلا يجوز وصف الله إلا بما وصف به نفسه أو بما وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يجوز ذلك، إلا في التصور البائس العيي لله على أنه رئيس حزب أشبه ببرهامي أو المدخلي أو صباحي، أو التصور التوراتي له على أنه يمكن أن يصارع ويُغلب
لقد كانت هذه السقطة كفيلة بأن أعزف عن الحوار مع الدكتور المرزوقي، لكنني قبلت على مضض ما غص به قلبي، فجهل العلمانيين واليساريين بأساسيات العقيدة بيّن، ولعلنا لا ننسى السقطات الفاضحة من نوع سقطة الدكتور عمرو موسى حين اعترض على مصطلح “أهل السنة والجماعة” في الدستور لأنه ظن أن أهل السنة تعني السلفيين وبرهامي وأن الجماعة تعني جماعة الإخوان المسلمين والدكتور محمد بديع وسيد قطب وحسن البنا.
سوف نتجاوز هذه السقطة إذن، ولكن بعد أن نسأل الدكتور المرزوقي عن فكرته عن الله وهل الله يحتاج فعلا إلى أي شيء بله أن يغسل يديه ..
هل يجوز أصلا إضافة صفة الاحتياج إلى من لا يحتاج أبدا بل هو يمن علينا بقضاء حاجاتنا.
تعاليت..
تعاليت يا ملك الملوك فالأرض جميعا قبضتك يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينك.
تعاليت
لكن العلمانيين يا دكتور مرزوقي استمرؤوا الجرأة الوقحة على الله ..
ولقد احتفلت مصر منذ أعوام بشاعر فاجر كتب أنه -سبحانه وتعالى- يزغط البط. كتب ذلك في قصيدة جنسية بذيئة احتفلت بها ثقافتنا الفاجرة وإعلامنا الفاجر، مات الشاعر الفاجرـ لكن صديقته الحميمة جدا (جدا،جدا جدا)، وقد أنقذتها سلطة عليا من السجن بتهمة ازدراء الإسلام والسخرية من الحج، لتكلفها بعد إنقاذها بتجديد الخطاب الديني!
ربما لو كنت هنا يا دكتور مرزوقي لكلفوك أنت أيضا بتجديد الخطاب الديني!! ذلك أن الهدف –من الخارج على الأقل- يكاد يكون واحدا!! أنت وهم ترومون استبعاد الإسلام من منظومة الحياة السياسية والاجتماعية. ولقد كان مدهشا لي،رغم ما بدا في مقالك في البداية من جدّة، أنك في المضمون تتفق فيه مع السبسي والسيسي ومحمد بن سلمان وابن زايد ومحمود عباس، بل وربما السودان والأردن. وأن مقالك، لا يخرج في مضمونه، عما تعهد بع العتيبة، من علمنة العالم العربي، تلك ملحوظة أدهشتني شخصيا، رغم انجيازي إليك!
فهل عرفت يا دكتور مرزوقي لماذا نتجاوز عن سقطتك؟
نتجاوزعن سقطتك وسقطات كثيرة، وعن طعنتك وطعنات كثيرة لسبب مؤلم جدا ودام جدا،نتجاوز لأنّ :
أمر ما نابنا مصمئل ... جل حتى دق فيه الأجل
سوف نتجاوز هذه السقطة إذن، لا من أجل خاطر الدكتور المرزوقي، بل من أجل دفع خطر داهم مروع وخطير، تحمله مقالة الدكتور المرزوقي، الذي كنا نعتبره من أهل العدل والإنصاف والموضوعية والمنطق إلى أن واجهنا بمقاله الأخير:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة ... على النفس من وقع الحسام المهند.
فلنترك هذه المقدمة الحزينة المؤلمة، ولندلف إلى المقال، آملا أن نصل إلى نقاط اتفاق مع الدكتور المرزوقي وربما تكون هناك نقاط اتفاق بأكثر مما نتوقع، فإذا ركزت عليها إنما سأفعل ذلك تأليفًا لقلبه.
***
لكن:
من الواضح أن الله الذي نقل إلينا المرزوقي أنه غسل يديه ليس إلهنا، ليس هو الله، بل هو إله بني إسرائيل!
ولقد لاحظت هذه الملاحظة المأساوية، إن ثقافة اليساريين في بلادنا كلها ثقافة غربية، وكما يقول الناقد الأشهر "ت إس إليوت" إن ثقافة الأمة هي دينها، إنهم يعرفون كل شيء عن التوراة والإنجيل، ويجيدون الجلوس في الكنائس، لكنهم لا يستطيعون الجلوس في المسجد أبدا! نعم، يعرفون كل شيء عن غير دينهم، حتى البهائية والدرزية ودين بوذا، ولكنهم لا يعرفون أي شيء عن الإسلام، ولعلكم سمعتم كثيرين منهم يطالبون بإقامة معبد بوذي، أو إقامة ألف كنيسة وترخيص ألف كنيسة، بل وإقامة معبد يهودي حيث لا يوجد يهودي واحد، فهل سمعتم أبدا في أي وقت من الأوقات أن أحدا منهم طالب: لا أقول بإنشاء مسجد فهذا أكبر من أن نحلم به، بل بإعطاء الأزهر ربع حقوق الكاتدرائية، والمساجد عشر حقوق الكنائس، هل سمعت عن مثل هذا يا دكتور مرزوقي وأنت واحد من أفضلهم، وأنا واثق أنك قرأت التوراة والإنجيل، لكنني أظن أنه لم تقرأ من القرآن شيئا، ولا سورة، ولا حتى آية، وإلا ما كنت جرؤت أبدا على أن تقول عنه سبحانه ما قلته.
لقد فتح مفكر ألماني القرآن، وبعد ثوان صرخ: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وعلل موقفه قائلا: لا يجرؤ بشر، في الماضي والحاضر والمستقبل، على أن يقول أن كتابه لا ريب فيه: هذا قول مطلق، لا يقوله إلا مطلق، وهو الله.
لكن المذهل حقا، أن علمانيينا قرأوا التوراة والإنجيل، فحكموا بما فيهما عن القرآن وعن الإسلام. وقد قرأوا في اتجاه واحد، لم يقرؤوا ضمن ما قرأوه عن الإنجيل ما كتبته الأستاذة الدكتورة زينب عبدالعزيز في كتبها العديدة ومقالاتها الرائعة عن التحريف الهائل الذي جعل أكثر من 80% من الإنجيل لم يتنزل من السماء بل وضعه القساوسة والرهبان وأن ما يقرب من 90% من المنسوب إلى عبدالله المسيح بن مريم عليه السلام ثبت قطعيا أنه لم يقله. بقي أن نقول أن الدكتورة زينب تعمدت إلا تعتمد على أي مرجع مسلم، بل كانت كل مراجعها للقساوسة والرهبان والمفكرين النصارى.
يقرأ اليساريون تحريفات التوراة والإنجيل فيحكمون بها على القرآن، ويا له من أمر غريب.
***
في مقال كتبه الدكتور مصطفى محمود في مجلة " أكتوبر في 13 يوليو 1997 يقول إن الصورة التي صورتها التوراة لله صورة مليئة بالتشويش والتناقض وسوء الفهم .. فهو في معظم صفحات الكتاب إله ندمان، يفعل الفعل ثم ما يلبث أن يدرك أنه أخطأ ويندم عليه ويرجع عنه .. وهو إله مادي يفرح برائحة الشواء على المذابح، ويدركه التعب إذا اشتغل بعض الوقت فيحتاج إلى الراحة بل هو ينهزم ويبكي ويتوسل ويصرخ (حاش لله) .. وهو إله عنصري متحيز لا يعرف من مخلوقاته إلا بني إسرائيل، وهو يشرع الفضائل للتداول الداخلي بين أفراد هذه العشيرة الإسرائيلية.
" للأجنبى تقرض بربا ولكن لأخيك لا تقرض بربا" (تثنية 23).
" لا تأكلوا جثة ما.. تعطيها للغريب الذي في أبوابك فيأكلها" (تثنية 14 الآية 21).
" أبناء المستوطنين النازلين عندكم تستعبدونهم إلى الدهر.. وتتخذون منهم عبيداً وإماءً .. إخوتكم من بني إسرائيل فلا يتسلط إنسان على أخيه بعنف" (لاويين).
***
هذا هو إلههم بعد التحريف وليس إلهنا، وهو جدير بأن يغسل يديه بل جسده كله وفكره كله وتاريخه كله يا دكتور مرزوقي وهو إله جدير بأن تتهاوى قلاعه، ليس أمام معاول الفلاسفة والمفكرين بل أمام معاول الأطفال!.
***
إله يسكر نبيه نوح حتى يفقد وعيه، ونبيه لوط يضاجع بنتيه وهو سكران .. ويعقوب يسرق البركة والنبوة والأغنام والمواشي .. ويهوذا يزني بامرأة ابنه .. وداود يشتهي زوجة الضابط أوريا فيزني بها ويرسل زوجها للقتل ليتخلص منه .. وبيت داود النبي العظيم هو أشبه ببيت دعارة . . الأخ يغتصب الأخت .. والابن يضاجع زوجات أبيه في عين الشمس وأمام جميع إسرائيل .. أما سليمان فيختم حياته المجيدة بعبادة الأصنام .. وهارون يصنع العجل الذهب ويعبده .. حتى موسى تقول التوراة إنه خان ربه ولم يقدسه .. ولهذا يحرمه الرب من دخول الأرض الموعودة ويموت في سيناء هو وهارون .. إله هكذا قمين بأن يكون هو الذي غسل يديه يا دكتور مرزوقي!
***
يحاول البابا شنودة أن يقدم تفسيرا لصراع يعقوب مع الله وانتصاره عليه فيقول إنه سبحانه قد تصرف كالأب الذي يوهم ابنه أنه انتصر عليه كي يمنحه الثقة في نفسه! وإله كهذا- حاش لله- لابد أن يغسل يديه وأن يكفر الدكتور المرزوقي بطريقه.
***
الحقيقة أن الدكتور المرزوقي أذهلني بمقاله
للمرة الألف أكتشف أن فكرتنا المبهمة عن الأشخاص دون دراسة مفصلة كثيرا ما تخطئ
يقول الدكتور المرزوقي إنه في القرن الماضي كانت لنا شعوب واعية وحية
متى يا دكتور مرزوقي؟
عندما انضمت الحجاز إلى بريطانيا تحت قيادة الشاذ لورانس فحررت القدس (!!) من العروبة والإسلام تمهيدا لتسليمها لليهود؟!
عندما جندت مصر 200000 لتحارب جيش المسلمين لصالح بريطانيا: اقرأ التفاصيل الدامية في: الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر للدكتور محمد محمد حسين.
عندما اختارت الجزائر بعد طوفان الدماء وجبال الأشلاء وعشرة ملايين شهيد (فالمليون ونصف شهيد كانوا في سنوات الثورة فقط) أن تحارب الإسلام والإسلاميين وتقصيهم.
وها أنت ذا تفعل مثلهم يا دكتور مرزوقي
رضعت مثلهم من ثدي الغرب فتحدثت بلغته وبلسانه واعتبرت الإسلام عقبة أمام تقدم الأمة.
متى ..
عندما احتفلت مصر بالغزوة الفرنسية التي قتل فيها سبع الشعب المصري (300 ألفا من مليونين)،
وعندما سمت الغزو الفرنسي الوحشي حملة، وسمت الفتح الإسلامي سواء لسيدنا عمرو بن العاص أو للسلطان سليم الأول غزوا، مع أن الأزهر والشعب قد باركوا الفتح العثماني
متى؟
عندما اعتبر بعض الصعاليك اليساريين الخائن الأكبر والأقذر المعلم يعقوب بطلا قوميا ورائدا للتحرير (راجع محمد جلال كشك).
متى؟
متى؟
متى؟
متى يا دكتور مرزوقي؟
أنت لم تحاول أبدا أن تربط ما بين انهيار الخلافة - مهما كانت مثالبها - وبين الدمار والخراب الذي حل بنا وأظهره زرع إسرائيل. لم تربط، لأنك ضد الخلافة أصلا، وضد أي تصور إسلامي للحكم، وأنتم كيساريين تقدسون أبا الدستور عبدالرازق السنهوري لكن لم تتطرقوا أبدا لكتابه – وهو رسالة الدكتوراه التي حصل عليها من السوربون - عن الخلافة.. بل إن هذا الكتاب ظل يتيما على موائد اللئام ستين عاما حتى طبعته ابنته على حسابها.
متى يا دكتور مرزوقي؟
حتى أنصاف المثقفين الآن يدركون أننا وقعنا في خديعة هائلة منذ قرنين على الأقل لم يكشفها إلا الربيع العربي الذي تم إجهاضه على يد نفس الأجهزة التي شكلت وعينا في القرنين الأخيرين. نعم، الغرب والشيطان شكلا وجداننا فيها: لا أساطين الفكر ولا أعمدة الكتب، ولا نظريات الفلسفة بل أجهزة الأمن والمخابرات، وحتى من اعتبرناهم أساطين الفكر ثبت أن عددا كبيرا منهم كان عميلا للمخابرات الأمريكية وكانت مكافأته على تجنيد عميل جديد مائة دولار (كانت تساوي أيامها ستين جنيها) وراجع مأساة الكااتب الهائل "إرنست هيمنجواي"، ولكن، لاحظ أننا في الغرب نحصيهم كأفراد أو كعشرات أو كمئات، لكننا في بلادنا نكاد نصاب باليأس من العكس! من العثورعلى مفكر ليس عميلا للأمن أوالمخابرات، أو القيادة السياسية!.
جدير بالذكر أن معظم هؤلاء العملاء كانوا من اليساريين الذين كانت أمريكا تمولهم وتنفق على مؤتمراتهم! راجع "فرنسيس ستونز": من يدفع أجر العازف.
كانت أجهزة الأمن والمخابرات بمراكزها العالمية وفروعها المحلية القطرية هي مصادر المعرفة الوحيدة عندنا عن طريق أذرعها المختلفة من إعلام وإعلان وندوات وكتب وسينما ومسرح و.. و.. و.. وراجع الاستشراق لإدوارد سعيد.
والعجيب يا دكتور مرزوقي أنك كنت أنت نفسك ضحية الخديعة الإعلامية الهائلة الشاملة، ففقدت منصب الرئاسة تحت مطارق الإعلام الخائن والمال النجس للغرب من خلال جاريتهم: الإمارات ( ولكم اعتصر الحزن قلوبنا أيامها من أجلك!!.
كنت ضحية ..
ومع ذلك تكتب وتفكر وكأنك لا تعلم!!
أيها اليساري العتيد منصف المرزوقي: هل عرفت اليسارية العتيدة أروى صالح؟
لقد تنبأت بشفافية مذهلة لليساريين والقوميين والناصريين العرب بمآلهم حين قالت إنهم سينتهون جميعا على حجر إسرائيل.
***
الصادقون مع أنفسهم من القوميين أدركوا ذلك، أدركوا عبث ما يسعون خلفه، فانتقل بعضهم إلى جماعة المسلمين، أما البعض الآخر، فكان كالعشيقة التي خدعها معشوقها فاكتشفت في النهاية أنها مجرد بغي، وبواقع الصدمة راحت تبيع نفسها لمن يدفع الثمن. وفي حالات نادرة، لم يستطيعوا هذا أو ذاك، فأقدموا على الانتحار. وكان من هذا الصنف الأخير الكاتبة أروى صالح، والتي تنبأت في شفافية عالية بأن النهاية المنطقية للقومية واليسار هي: أن تقع في حجر إسرائيل. ولكم روعتها بشاعة النهاية، ورغم أنها لم تكن تحمل للإسلام اعتزازا فقد روعها تناقض نهاية اليسار مع بدايته، تضاد الشعار والواقع، فرأت بشفافيتها الحلف الذي تنعقد أواصره بين القوميين وبين اليسار لمحاربة الإسلام، وأن الخطوة التالية لهذا الحزب هي أن يتحالف مع إسرائيل لمحاربة الإسلاميين (الإرهابيين الرجعيين المتخلفين) .. ولم يكن لديها من الإسلام رصيد يحميها من الغرق، فكتبت كتابا ضمنته رؤاها، وذهبت إلى خالتها في حي الزمالك، في الدور الحادي عشر، وغافلتها، وقفزت من النافذة.
***
والحقيقة يا دكتور مرزوقي أنني لم أستثنك من نبوءة أروى صالح، ولكن لأنك أفضل اليساريين فسوف يتأخر وصولك إلى حجر إسرائيل بعض الوقت.
***
ليس لدي شك في أن الدور الذي اضطلع به في سالف الزمان اليهود والمبشرون يقوم به الآن: القوميون العلمانيون عامة واليساريون خاصة، فمنذ بداية القرن العشرين، حرموا الأمة من فرصة نادرة لاستعادة وعيها وطريقها الصحيح، بالعودة إلى مرجعية الإسلام. كان الاستعمار جاثما علي كل بلادنا الإسلامية، ورفعوا هم لواء الحرب، لا على الاستعمار بل على الإسلام.
الأمر إذن عكس ما تقوله تماما يا دكتور مرزوقي..
كانت أمام شعوبنا فرصة لاستعادة وعينا.. لكن اليساريين ضيعوها بالتحالف مع كل من يكره الإسلام: دين الأمة، حتى لوكان التحالف مع الاستعمار ذاته، ومع الشيطان ومع اليهود.
هل تعلميا دكتور مرزوقي أن عبد الناصرفصل عشرة من أمهر الطيارين بعد الهزيمة الفادحة المذلة عام67، وعندما احتج قائد الطيران مدكور أبوالعز على فصلهم والجيش في أمس الحاجة إليهم بعد كارثة الطيران المذلة المهينة أبي قائد القومية العربية وقال قولته الخالدة (في النار إن شاء الله):
- انت ما تعرفهمش يا مدكور، دول إخوان، يعني ألعن من اليهود!!
كان احتجاج مدكور لمهارة وخبرةالطيارين وتدريبهم العالي وحاجة الجيش الماسة إليهم حيث لن يمكن تعويضهم إلا بعد فترة طويلة ولا مفر من استعواضهم بطيارين روس.
نعم يا دكتور مرزوقي.
وانتهى الأمر بعد شهور بإقالةمدكور أبو العز.
جل اليساريين على دين عبد الناصر
عدا عاقل منصف مثلك
***
المشروع الفكري للقوميين ومن شابههم منعروبيين وخلافه – كما شهد شاهد منهم هو الدكتور فؤاد زكريا – ليس مشروعا .. لأنهم لا يملكون في الحقيقة سوي مشروع واحد: هو محاربة المشروع الإسلامي.
ولم يقل لنا فؤاد زكريا: لصالح من؟
***
هل تريدون يا قراء جملة وحيدة تجمع أعداء الإسلام جميعا وتلخص مشروعهم كله، علي اختلاف أصولهم ومشاربهم ودعاواهم ..
إليكم هذه الجملة ..
إن مشروعهم هو مشروع "كرومر" ..
أما مشروع اللورد كرومر فهو:
إن الدين الإسلامي دين جامد لا يتسع صدره للمدنية، ولا يصلح للنظام الاجتماعي، وأن الإسلام دين موضوع ابتدعه عربي بدوي أمي ما قرأ في حياته صحيفة، ولا دخل مدرسة، ولا سمع حكمة اليونان، ولا رأى مدينة الرومان، ولا تلقي شيئاً من علوم الشرائع والعمران.
بل لنترك اللورد كرومر يلخص لنا الأمر بنفسه..
جئت إلى مصر لأمحو ثلاثاً : القرآن والكعبة والأزهر ..
وهذا بالضبط هو الدور الذي يضطلع به العلمانيون في بلادنا ..
والذين يفخر الدكتور المرزوقي بأنه منهم.
***
ولكن دعونا نفصل في هذه القضية أولا: ما هي العلاقة بين القومية والعروبة والناصرية والاشتراكية والشيوعية والماركسية والحداثة وما بعد الحداثة؟
لن نطلق سؤالنا في الفراغ بل نحدده في إطار مثقف عربي مسلم ولو اسما (وهو الذي يتعلق به الأمر).
يمكننا كتابة الإجابة في كتاب أو في مائة كتاب، لكن ما يهمنا فيها جميعا يمكن تلخيصه في سطر واحد: هوالقاسم المشترك الأعظم الذي يتطلبه المثقف العربي العلماني منها، هذا القاسم المشرك الأعظم هو:
استبعاد الإسلام وتنحيته.
لن نتأثر إذن كثيرا بكلام الدكتور المرزوقي أنه عروبي غير قومي، فقد كان قبل ذلك عروبيا وقوميا وماركسيا، ثم إن العروبية اسم مقنّع للقومية بعد أن ساءت سمعتها بين الناس. وثمة تعريفات للقومية تقصرها على اللغة.
ولقد اختلف الدعاة إلى القومية العربية في عناصرها، فمن قائل: إنها الوطن، والنسب، واللغة العربية. ومن قائل: إنها اللغة فقط. ومن قائل: إنها اللغة مع المشاركة في الآلام والآمال.
المجمع عليه أن الدين ليس من عناصر القومية عند الصرحاء منهم، وحتى لو ادعى بعضهم أنها تحترم الأديان كلها من الإسلام وغيره فإن هذا الادعاء لا يتجاوز كونه عنصرَ مهادنة والأغلب أنه مؤقت، ويحمل سوء نية لا يتغافل عنه إلا متآمر أو أحمق، ذلك أن الإسلام يرفض معطيات القومية أصلا، حيث لا يميز الناس بعضهم عن بعضهم إلا التقوى، أما أتباع الأديان الأخرى فلهم الحقوق التي يكفلها لهم الإسلام وهي هائلة.
الهدنة المؤقتة التي يتبناها الأقلون من القوميين مع الدين كمثل تلك الهدنة التي خدع بها الغرب المسلمين كي يتحالف معهم ضد الشيوعية لينقلب عليهم بعد ذلك.
لذلك فإن ادعاء بعضهم – وهم أقلية على أية حال – لا يتجاوز الهدنة المؤقتة التي ينقلبون بعدها عليك، فكيف تتهادن مع من يرفض أصلا وجودك إلا إذا كنت سيّء النية. فمن المعروف أن مبادئ الإسلام ومبادئ القوميين متباينة كلياً.
***
يقول جارودي ( الإسلام الحي - دار البيروني - بيروت) إنه ليس هناك فكرة مناقضة لعقلية الأمة الإسلامية أكثر من فكرة القومية، وهي فكرة تتناقض مع وحدة الإنسانية التي تعتبر المفتاح الرئيسي للنظرة الإسلامية للعالم. كانت القومية تمزيقا للأمة، وكانت مؤامرة غربية صليبية، وكانت شَركا وقعت فيه الثورة، وطعما ابتلعته، فما نجحت في إرساء الدولة القومية ولا هي سعت إلى وحدة الدولة الإسلامية. بل لقد استبعدت الدين أصلا كمحرك للصراع. وتجاهلت تاريخا طويلا مضمّخا بالدم والمعارك.
يعلي الفكر القومي من شأن رابطة القربى والدم على حساب رابطة الدين، وإذا كان بعض كتاب القومية العربية يسكتون عن الدين، فإن بعضهم الآخر يصر على إبعاده إبعاداً تاماً عن الروابط التي تقوم عليها الأمة، بحجة أن ذلك يمزق الأمة بسبب وجود غير المسلمين فيها ويرون أن رابطة اللغة والجنس أقدر على جمع كلمة العرب من رابطة الدين.
ولقد تسبب هؤلاء الخونة بموقفهم ذلك في انفراط العقد، فلنقل على سبيل المثال أن خمسة بالمائة من العالم العربي تشكله ديانات أخرى: المسيحية أساسا، من أجل هذه الخمسة بالمائة ضحى هؤلاء الحمقى بالرابطة الإسلامية التي تربط العرب بالمسلمين من غير العرب الذين يعيشون في البلاد العربية ونسبتهم لا تقل عن 20%:الأكراد والبربر والنوبيون والزنوج على سبيل المثال. وبعضهم لا يربطه بالعرب إلا الإسلام، فإذا ألغينا رابطة الإسلام جاز لهم أن يطالبوا بالانفصال، وهو ما حدث فعلا بعد انهيار الخلافةوانتشار القومية.
فيالها من حماقة..
من أجل أن نحتفظ ب 5% ضحينا ب 20%.
وحتى حجة الاحتفاظ بالـ5 % كانت حديث خرافة ضحك بها نصاب على جاهل. إن الـ5 % يعيشون بيننا منذ 1500 عام ولم يفكروا في الانفصال طيلتها، لم يفكروا في الانفصال إلا من بعد أن جئتموهم بالقومية، يا منصف المرزوقي!!
كانوا يمزقون الدولة العربية وهم يزعمون توحيدها.
ولقد تنازلوا عن الدين كي يصلوا إلى قاسم مشترك مع الأقباط، لكن الأقباط أعلوا من شأن دينهم، وانتموا إلى كنائس خارج أوطانهم العربية .. ولأول مرة في التاريخ.
***
في إيجاز معجز وإعجاز مذهل يتحدث ابن خلدون عن ثلاثة أنماط من الحكم:
- النوع الأول: الملك الطبيعي وهو حمل الكافة على مقتضى الغرض والشهوة
- النوع الثانى: الملك السياسي وهو حمل الكافة على مقتضى النظر العقلي في جلب المصالح الدنيوية ودفع المضار. ثم يعود ابن خلدون ليقسم هذا النوع من الحكم إلى قسمين: نوع يهدف إلى مراعاة الصالح على العموم ونوع ثان يهدف إلى مصلحة السلطان فقط
- النوع الثالث: الخلافة وهي حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به
ويتفق على عزت بيغوفيتش مع ابن خلدون فالإسلام ليس مجرد أمّة بالمعنى البيولوجي أو الإثنيّ أو العرقي، وليس حتى جماعة دينية بالمعنى الروحي الخالص للكلمة، وإنما هو "دعوة لأمة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، أي تؤدى رسالة "أخلاقية". إن الإسلام الحقيقى ليس مجرد دين روحى أو طريقة حياة فقط، بل هو منهج ومبدأ لتنظيم الكون أكثر منه حلا جاهزاً، إنه المركب الذي يؤلف بين المبادئ المتعارضة. إن الإسلام ليس دينا ودولة كما يقول البعض الذين وقعوا صرعى التعريفات العلمانية الغربية، والتى تعطى مركزية هائلة للدولة، بل هو دين ودنيا يتوجه للجانبين الروحى والمادى في الإنسان.
هل قرأت هذا يا دكتور مرزوقي؟
هل فهمته؟!
الأمر أعقد بكثير جدا مما تخيلتَه، تماما كما أنه أعقد من جواز "مضاجعة الزوجة المتوفاة" و"نكاح الجهاد"!!
***
ثم يتكلم الدكتور المرزوقي عن انهيار مؤسساتنا: انهيار مؤسساتنا المشتركة؛ في الستينيات والسبعينيات دفنّا "الجمهورية العربية المتحدة"، ومشاريع الوحدة بين تونس وليبيا، وبين المغرب وليبيا. لنرفع أيدينا إلى السماء ترحُّماً على اتحاد المغرب العربي. وربما جاء دور مجلس التعاون الخليجي، لنقيم عليه صلاة الجنازة.
***
معقول يا دكتور مرزوقي؟
لقد كنت رئيس جمهورية
أهذه هي حدود فكرك الاستراتيجي؟
معقول أن تترحم على نظم كلها فاسدة وكلها تنتمي إلى المخابرات الأمريكية بل وتعتبر بعضها معبرة عن الإسلام السياسي؟!
لقد اعترض رئيس منظمة إسلامية على أن يكون مكتبه في مكة بحجة أن ذلك سيعيق لقاءاته بغير المسلمين، فأخبروه بأنهم سينقلونه إلى جدة فأصر أن يكون في الإسكندرية، وأسر لخلصائه أنه اختارها كي يكون قريبا من الخمر!
تترحم على مشاريع الوحدة التي دبرتها المخابرات الأمريكية بلا استثناء!!
ألم تعلم على سبيل المثال أن أمريكا دفعت عبدالناصر وشكري القوتلي بقوة لإتمام هذه الوحدة، فقد قدرت أن الشعب السورى متجه نحو الشيوعية وأنه ليس أقدر من حاكم قومي ذي جاذبية وسحر "كاريزما" قوية على انتزاعه من الشيوعية، ثم تنقلب هي على الزعيم القومي لتعود الأمور كما كانت.
كل مشاريع الوحدة بلا استثناء كانت لخدمة المشروع الأمريكي، إلا إذا صدقت سمادير هيكل عن الكماشة والبندقة! عليه من الله ما يستحق، فقد هشمت البندقة الكماشة!
***
كيف تحتاج مني يا دكتور أن أحدثك عن البديهيات كما لو كانت اكتشافات حديثة ما تزال تحتاج إلى إثبات!
***
انظر إلى بكائية الدكتور المرزوقي حول لغة الضاد، وهو أول رأي له أوافقه عليه، لكنني أسأله: من الذي حاول سحق لغة الضاد سوى القوميين واليساريين والنصارى؟ من الذي دافع عن اللغة العامية وكتب أن العلاقة بين اللغة العربية واللغة العامية كالعلاقة بين اللغات الأوروبية الحديثة واللغة اللاتينية، وأن جماهير المسلمين لا يفهمون حرفا واحدا من لغة القرآن ولا الخطب في المساجد ولا من خطب زعمائهم وأن ذلك هو سر تخلفهم؟ من الذي دعمهم في فكرتهم هذه: القوميون واليساريون! أحمد لطفي السيد وعبدالعزيز فهمي ولويس عوض، ولولا الدكتورة نفوسة زكريا والعلامة محمود شاكر لنجحت أكاذيبهم.
***
انظر إلى بكائيته عن فلسطين
من الذي يسلمها لإسرائيل الآن
من الذي ظل يكتم أنفاسنا سبعين عاما فلا صوت يعلو على صوت المعركة ثم إذا به على حجر إسرائيل .. لا .. ليس على حجرها .. فالوضع أفحش بكثير وأبشع بكثير.
من الذي سلمها سوى القوميين والعلمانيين .. القوميين الذين اعتبروا الإسلام أشد خطورة من إسرائيل بل اعتبروا إسرائيل صديقة والإسلام عدوًا.
من يا مرزوقي .. من .. من ..من ..
إياك أن تقول لي إن السعودية تسلمها أيضا ..
إياك أن تقول ذلك
لقد كنت رئيس جمهورية
فلا تخدش جلال منصبك: السعودية لم تكن أبدا دولة إسلامية .. ولقد كتبت منذ أعوام طويلة أن العلمانية في السعودية أشد شراسة وكفرا من مثيلتها في مصر،بل من المؤكد أنك تعلم كرئيس سابق،من أجهزة أمنك على الأقل أن من أهم أسباب إنشاء السعودية، أن تكون بديلا كاريكاتوريا عن الخلافة، بالإضافة إلى هدف هام جدا، وهو إجهاض المحاولات التي كانت نشطة جدا أيامها لإعادة الخلافة.
***
تتحدث عن بشار وعن الطواغيت وعن الدم المسفوك (ولسبب غير مفهوم استثنيت كمال أتاتورك، لعنه الله) ، فمن سفكه سوى إخوانك يا دكتور مرزوقي، القوميين والعلمانيين واليساريين والناصريين، من الذي سفكه؟ تجاهلت هذا! وتجاهلت أيضا أن كل الدماء المسفوكة كانت مسلمة، كانت كل الجروح مسلمة وكل المسلمين جروح.
***
يتساءل الدكتور المرزوقي:
أين باب النفق بل هل ثمة منفذ أصلا؟ لا علاج لمرض لم تعرف أسبابه.
لقد أذهلني تساؤلك هذا يا دكتور ..
أذهلني ..
ألا تعرف حقا ما السبب؟؟
أنت تذهلني ..
فإن كنت لا تعرفه بعد كل هذا العمر وكل هذه المناصب فأولى بك أن تظل لا تعرفه!!
سنترك الإجابة الآن لكننا سنعود إليها في آخر المقال.
***
آآآآآآآآآآآآآآآآه يا دكتور مرزوقي
من أشد لحظات الجراح مرارة ويأسا، تلك اللحظة التي يموت فيها المريض داخل حجرة العمليات، ويكون على الطبيب الجراح إلا يتركه، بل عليه أن يعيد جسده إلى سيرته الأولى، فيخيط الجروح ويمسح الدم و... و... و... وهو جهد عبثي يائس حزين ..
أعترف لك يا دكتور مرزوقي أنني شعرت هذا الشعور تجاه الحوار بيننا حين وجدتك تكتب متسائلا عن سبب المصيبة التي وجدنا أنفسنا فيها:
في الاستعمار والإمبريالية والصهيونية والمؤامرة الكونية .. في سوء الطالع، والتاريخ أيضا ارتطام حزمة من الصُّدَف بحزمة أخرى، تولّد صُدَفا نسميها الأقدار. ربما شاءت هذه الأقدار اللعينة أن يموت لنا طفل في الخامسة بِلدغة أفعى غبية، وكان هو الذي سيلعب لدينا دور كمال أتاتورك الأتراك وماو تسي تونغ الصينيين.
كمال أتاتورك؟
كمال أتاتورك يا منصف يا مرزوقي؟!
كمال أتاتورك يا رجل!
كمال أتاتورك يا رئيس الجمهورية السابق
كمال أتاتورك أيها المفكر العروبي غير القومي – ودعني أقل لك إن التفرقة بينالعروبي والقومي تفرقة متعسفة مكشوفة بل وبلهاء - لأنك إن وضعت لافتة على الزنزانة أنها حديقة فلن يغير هذا من الواقع شيئا. العروبي هو القومي والقومي هو العروبي. أما التبديل بينهما فيشبه نكتةذلكالرجل المسيحي الذي أسلم، وكان اسمه عبد المسيح فؤاد، فقالوا له أناسمه لا يناسب شخصا مسلما وأنه لابد أن يغيره، فذهب، وأخذ يدور شهورا بين المكاتب والأضابير، وعاد أخيرا صائحا مهللا يحمل شهادة اسمه الجديد، ونظروا إليها فإذا به قد غيرها إلى عبد المسيح سمير!!
هذا هو الفرق بين القومي والعروبي يا دكتور مرزوقي!
***
كمال أتاتورك
كمال أتاتورك يا منصف يامرزوقي
كمال أتاتورك
اصدقني القول يا منصف
هل أنت ذكي جدا بحيث تظن أنك قادر على خداع العالم
أم جاهل جدا لا تعرف كل ما يعرفه العالم ..
دعني أحدثك قليلا عن كمال أتاتورك:
ولو سألتنى أيها القارئ عن فرد واحد في هذا العالم أساء للإسلام أكثر مما أساء له أي واحد آخر لما تجاوزت إجابتي لك: كمال أتاتورك .. أكثر حتى من عبدالله بن سبأ .. كان يرجع في أصوله إلى يهود الدونمة .. كانت أمه غانية .. أما أبوه – في شهادة الميلاد – فقد كان ضابطا تركيا انتحر كما يقول المؤلف التركي المجهول لكتاب: "الرجل الصنم".. وكان من أسباب انتحاره معرفته بأن كمال أتاتورك ليس ابنه بل ابن سفاح لجندي صربي ..
هذا اليهودي ابن السفاح هو الذي قضى على الدولة الإسلامية ..
دبر اليهود والغرب مؤامرتهم الكبرى .. ووصلوا إلى بغيتهم في ابنهم كمال أتاتورك .. كان فاسقا عربيدا لا يكف عن السكر .. وكان قاتلا سفاحا .. لكنه غطى على كل ذلك .. وفى إطار عملية الخداع عين فقيهين مالكيين لتعليمه الدين ثم أعدمهما عندما استتب له الأمر ..
ويذكر كتاب "الرجل الصنم" وهو من أهم الكتب التي تكشف سر كمال أتاتورك: "… الذي يتمعن في حركة مصطفى كمال يرى العجب في المدى الذي وصل إليه في تقليد الغرب: غير الأحرف التركية إلى الأحرف اللاتينية .. غير القيافة إلى القيافة الغربية .. غير حتى الأعياد الدينية، وجعل يوم الأحد هو يوم العطلة الرسمية بدلا من يوم الجمعة، ومنع الحج .. وأباح تزويج المسلمة لغير مسلم.."
هذا اليهودي ابن السفاح هو الذي قضى على الدولة الإسلامية ..
دبر اليهود والغرب مؤامرتهم الكبرى .. ووصلوا إلى بغيتهم في ابنهم كمال أتاتورك .. كان فاسقا عربيدا لا يكف عن السكر .. وكان قاتلا سفاحا .. لكنه غطى على كل ذلك .. وفى إطار عملية الخداع عين فقيهين مالكيين لتعليمه الدين ثم أعدمهما عندما استتب له الأمر ..
ويذكر كتاب "الرجل الصنم" وهو من أهم الكتب التي تكشف سر كمال أتاتورك: "… الذي يتمعن في حركة مصطفى كمال يرى العجب في المدى الذي وصل إليه في تقليد الغرب: غير الأحرف التركية إلى الأحرف اللاتينية .. غير القيافة إلى القيافة الغربية .. غير حتى الأعياد الدينية، وجعل يوم الأحد هو يوم العطلة الرسمية بدلا من يوم الجمعة، ومنع الحج .. وأباح تزويج المسلمة لغير مسلم.."
دعونا الآن نركز على لحظات موت مصطفى كمال .. نعود إليها فيما نشرته صحيفة الأهرام نقلا عن وثائق بريطانية .. تحت عنوان: كمال أتاتورك رشح سفير بريطانيا ليخلفه في رئاسة الجمهورية التركية، كتبت الأهرام:
في نوفمبر 1938 كان كمال أتاتورك رئيس تركيا يرقد على فراش الموت، وعلى امتداد 15 سنة حاول أتاتورك بدكتاتورية صارمة أن يجرجر تركيا رغم أنفها ويدخلها إلى القرن العشرين، ومنع لبس الطربوش والحجاب وحطم سلطان الدين وأدخل نظام اللغة التركية بالحروف اللاتينية .
وعندما رقد أتاتورك على فراش الموت كان يخشى إلا يجد شخصا يخلفه قادرا على استمرار هذا العمل الذي بدأه فاستدعى السفير "بيرسي لورين" السفير البريطاني إلى قصر الرئاسة في إسطنبول. أما ما دار بينهما فقد ظل سرا أكثر من ثلاثين عاما (..) يروي "لورين" تفاصيل مقابلته غير المألوفة مع الدكتاتور المحتضر: " … بدأ فخامته يتحدث ببطء ولكن بعناية شديدة وقال لي إنه أرسل في طلبي لأنه يريد أن يطلب مني طلبا عاجلا راجيا أن أعطيه جوابي عليه بطريقة قاطعة. ولقد كانت صداقتي ونصيحتي هي الوحيدة التي كان يحافظ عليها ويقدرها أكثر من أية نصيحة أخرى لأنها كانت ثابتة لا تتغير وكان هذا هو السبب الذي جعله يستشيرني في مناسبات متعددة .. بحرية تامة كما لو كنت وزيرا في مجلس الوزراء التركي .
وقد كان من سلطاته كرئيس للجمهورية أن يختار خليفة له قبل وفاته. وقد كانت أخلص رغبة له هو أن أخلفه في منصب الرئيس ومن ثم فقد كان يريد أن يعرف رد فعلي لهذا الاقتراح. وبعد بضع دقائق من التفكير الصامت قلت لفخامته إن جوابي هو أنني عاجز تماما عن أن أجد الكلمات التي تعبر عن مشاعري بصدق أو بما فيه الكفاية (…) " ... وعلى ذلك فإنني لا أجد سوى أن أعتذر آسفا، ولكن بحزم .
وعندما انتهيت من حديثي ظهرت على الرئيس علامات التأثر الشديد (…) كان رقيقا كعادته عندما أضاف أنه بالرغم من خيبة أمله الشديدة فقد كان هذا هو الجواب الذي ينتظره مني ولهذا فقد قرر أن يعين عصمت إينونو بدلا مني .
وختم "بيرسي لورين" برقيته لوزير خارجيته بقوله :
" وأكون شاكرا لو أننى تلقيت منكم يا سيادة اللورد رسالة تتضمن موافقتك على الموقف الذي اتخذته ورجائي إبلاغ الملك"
هذا هو الرجل – بل الشيطان - الذي ادعى في البداية أنه يتقدم لينقذ الخلافة..
احتشدت قلوب المسلمين خلفه وهو يحارب غير مدركين أنه كان ضالعا في المؤامرة من زمان طويل ..
في نوفمبر 1938 كان كمال أتاتورك رئيس تركيا يرقد على فراش الموت، وعلى امتداد 15 سنة حاول أتاتورك بدكتاتورية صارمة أن يجرجر تركيا رغم أنفها ويدخلها إلى القرن العشرين، ومنع لبس الطربوش والحجاب وحطم سلطان الدين وأدخل نظام اللغة التركية بالحروف اللاتينية .
وعندما رقد أتاتورك على فراش الموت كان يخشى إلا يجد شخصا يخلفه قادرا على استمرار هذا العمل الذي بدأه فاستدعى السفير "بيرسي لورين" السفير البريطاني إلى قصر الرئاسة في إسطنبول. أما ما دار بينهما فقد ظل سرا أكثر من ثلاثين عاما (..) يروي "لورين" تفاصيل مقابلته غير المألوفة مع الدكتاتور المحتضر: " … بدأ فخامته يتحدث ببطء ولكن بعناية شديدة وقال لي إنه أرسل في طلبي لأنه يريد أن يطلب مني طلبا عاجلا راجيا أن أعطيه جوابي عليه بطريقة قاطعة. ولقد كانت صداقتي ونصيحتي هي الوحيدة التي كان يحافظ عليها ويقدرها أكثر من أية نصيحة أخرى لأنها كانت ثابتة لا تتغير وكان هذا هو السبب الذي جعله يستشيرني في مناسبات متعددة .. بحرية تامة كما لو كنت وزيرا في مجلس الوزراء التركي .
وقد كان من سلطاته كرئيس للجمهورية أن يختار خليفة له قبل وفاته. وقد كانت أخلص رغبة له هو أن أخلفه في منصب الرئيس ومن ثم فقد كان يريد أن يعرف رد فعلي لهذا الاقتراح. وبعد بضع دقائق من التفكير الصامت قلت لفخامته إن جوابي هو أنني عاجز تماما عن أن أجد الكلمات التي تعبر عن مشاعري بصدق أو بما فيه الكفاية (…) " ... وعلى ذلك فإنني لا أجد سوى أن أعتذر آسفا، ولكن بحزم .
وعندما انتهيت من حديثي ظهرت على الرئيس علامات التأثر الشديد (…) كان رقيقا كعادته عندما أضاف أنه بالرغم من خيبة أمله الشديدة فقد كان هذا هو الجواب الذي ينتظره مني ولهذا فقد قرر أن يعين عصمت إينونو بدلا مني .
وختم "بيرسي لورين" برقيته لوزير خارجيته بقوله :
" وأكون شاكرا لو أننى تلقيت منكم يا سيادة اللورد رسالة تتضمن موافقتك على الموقف الذي اتخذته ورجائي إبلاغ الملك"
هذا هو الرجل – بل الشيطان - الذي ادعى في البداية أنه يتقدم لينقذ الخلافة..
احتشدت قلوب المسلمين خلفه وهو يحارب غير مدركين أنه كان ضالعا في المؤامرة من زمان طويل ..
***
هذا هو كمال أتاتورك يا منصف يا مرزوقي ..
فإن كنت معجبا به فأنت إذن مثله
ولم أتجاوز في حقك إذن حين قلت لك إن نبوءة أروى صالح تنطبق عليك ..
دعنا من ماوتسي تونغ الآن
لكن عليّ واجب ثقيل لابد أن أقوم به تجاهك أيها القارئ
واجب ثقيل
وهو أن أخبرك بالحقيقة، الحقيقة التي أخفاها منصف المرزوقي عنك: وهو أن ماو قتل من الشعب الصيني 79 مليون نسمة: راجع كتاب: ماوتسي تونغ: القصة المجهولة، وهو بقلم أحد حراسه.
راجع أيضا شذرات عن زوجة ماو التي انتحرت في النهاية.
ليس هذا هامًّا ياقراء
ليس هامًّا أن ماو قتل ثمانين مليون إنسان وأن الإنسان الطيب المثالي العاقل الناضج منصف المرزوقي معجب به ولم يأبه ولم يهتم ولم يتأثر بسفك دم 80 مليونا.
ولّوه أموركم إذن علّه يريحكم من هذه الحياة.ولاحظوا أنه، هو الذي لا يأبه لقتل ثمانينمليونا ليس إرهابيا لأنه عروربي، أما أنت أيها القارئ الذي لم يسفك حتى دم دجاجة، فأنت إرهابي لأنك مسلم. لمجرد أنك مسلم. وهاهوذا الدكتور المرزوقي يسلبك حقوقك المدنية كلها، سوف نسمح لك أن تعيش بيننا، وياله من فضل عظيم، لكن: لسماحنا هذاشرطان: أولهما أن تنسى تماما أنكمسلم، فإسلامكعلاقةبينكوبينربك لا شأن لنا بها ولا شأن بها لنا، الأمر الثاني الذي لابد لك أن تنساه كما نسيت إسلامك، هو أنكوالمسلمين تمثلون 90% على الأقل من مجتمعاتنا! لونسيت هذين الأمرين فأنت واحدمنا، وإلا كنت إرهابيا وكان علينا مطاردتك أوحصارك أو قتلك!!
***
الحقيقة أنني فقدت الرغبة في مواصلة تتبع المرزوقي خاصة أنه بعد ذلك ينحو إلى تخريف يحسبه شيئا وليس بشيء في صورة أحلام يقظة بإبادة أجيال ونشوء أجيال وطفرات وحقب قد – قد- تتحقق بعد مليون عام. لكن ما اعتصر قلبي اعتصارا هو قوله:
ثمة من لا يزالون مصرّين على أن الإسلام هو القالب الشرعي والوحيد لصهر كل هذه الشعوب وإعطائها هويتها الأساسية. وكما لم ينجح الأمر في الماضي، إذ تطورت الشعوبية إلى قوميات فارسية وعربية وتركية وكردية متناحرة؛ فإنه لن ينجح في المستقبل ونحن نرى تفاقم الشعور القومي عند كل هذه الشعوب، والانقسام داخل القومية الواحدة، كما هو الحال بين السنّة والشيعة العرب.
قل لي يا مرزوقي: في أي آية أو حديث قرأت أن الإسلام سيجعل من الأرض جنة بل بديلا عن جنة الآخرة؟
ألم يخبرنا عن الابتلاء وعن أننا سنعيش في كبد ونموت في كمد. ألم يخبرنا المصطفى صلوات الله وسلامه عليه عن فتن كقطع الليل يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع أقوام دينهم بعرض من الدنيا ؟
لم يعدنا الإسلام أبدا بجنة على الأرض .. بل حذرنا من الهوائل النازلة والنوازل الهائلة ومن الملاحم والفتن .. لكنك تصورت .. كيف تصورت ومن أين تصورت أن الإسلام سيمنحنا جنة على الأرض .. في عالم السمادير والأوهام تصورت ذلك .. ثم جئت لتخبرنا بالحقيقة الأليمة التي لم يكتشفها من البشر أحد غيرك .. أن الإسلام وعدنا فأخلف وعده، فعلينا أن نبحث عن الحل فيما سواه.
ويبدو أن الدكتور المرزوقي فعل في النهاية ما فعله في البداية: حين قرأ الإنجيل فحكم على القرآن .. وهاهو ذا الآن .. يقرأ نبوءات ماركس عن الجنة التي على الأرض .. ويعاقب الإسلام على عدم تحقيقها!!
***
لابد أن القارئ مصدوم مثلي في الدكتور منصف المرزوقي
فالرجل أقل كثيرا مما قدرت وأسوأ كثيرا مما نظن. كان قوميا عروبيا ماركسيا
- يرى الفكر القومي والعروبي والماركسي أن الأديان والأقليات والتقاليد المتوارثة عقبات ينبغي التخلص منها من أجل بناء مستقبل الأمة.
- يقول عدد من قادة هذا الفكر: نحن عرب قبل عيسى وموسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام.
- ويقرر الفكر القومي أن الوحدة العربية حقيقة أما الوحدة الإسلامية فهي حلم
- كثيراُ ما يتمثل دعاة الفكر القومي والعروبي بقول الشاعر القروي:
هبوني عيداً يجعل العُرْبَ أمة ... وسيروا بجثماني على دين بُرْهُمِ
سلام على كفر يوحد بيننا ... وأهلاً وسهلاً بعده بجهنمِ
***
يقول المرزوقي عن نفسه:
شباب السبعينيات، كنا كلنا يساريين قوميين أو يساريين، لأنه لم يكن هناك لا ديمقراطيين ولا إسلاميين، الشباب الثائر كان إما يساري وإما قومي، وأنا كنت الاثنين، كان عندي طرح قومي وطرح يساري، ولكن في الثمانينيات، غادرت القوميين واليساريين لأنني اكتشفت أن جزءًا أصبح مهووسا بالعداء للإسلاميين، والقضية الطبقية والاجتماعية والفقر والتهميش أصبحت ثانوية بالنسبة إليه، وهذا أدى في نهاية المطاف إلى التحالف مع الدكتاتورية في التسعينيات، وأنا أعتبر أن ذلك كان انزلاقا وأنا يساريتي تعني الوفاء للفقراء وللطبقات المسحوقة”.
من هذا المنطلق، تبنّى المرزوقي توجّها علمانيا يساريا يقدم “الاجتماعي على الإيديولوجي “، فمحاربة الفقر لا تفرض شرط الالتقاء الإيديولوجي أو لعله اختار ذلك لأنه لم يكن معنيا مباشرة بصراع أواخر السبعينيات الطاحن بين الإسلاميين والشيوعيين في رحاب الجامعة.
***
باختصار شديد يقول جورج كيرك في كتابه "موجز في تاريخ الشرق الأوسط": "إن القومية العربية ولدت في دار المندوب السامي البريطاني" ..
ونضيف نحن إليه: والجامعة العربية أيضا ..
ونضيف أيضا إليه أن كل الدول القومية، لم تحترم شيئا في حياتها كما احترمت حدود سايكس بيكو! ..
وأن الدول القومية، التي ترتكز في فلسفة وجودها على اللغة العربية، كانت هي أكثر الدول التي أساءت إلى اللغة العربية وامتهنتها .. بل لقد بلغ الأمر أن ممثلا سفيها مثل عادل إمام .. وأقرانه اعتبروا اللغة العربية الفصحى دليلا لا يدحض على الإرهاب والجمود والتخلف ..
وكانت أجهزة إعلام الدول القومية (!!) تحتفل بهذه الإساءة للغة أيما احتفال.
وما تزال..
***
لم تكن القومية أو العروبة إلا ستارا كتلك الستائر التي يخفون بها بناية شرعوا في هدمها .. وقد تواكبت معها جهود كانت تتيح للمغيبين أن يفيقوا وللعميان أن يبصروا .. لكنها لا تعمى الأبصار بل تعمى القلوب التي في الصدور.
ولم تقتصر هذه الجهود على العالم العربي بل امتدت لتشمل العالم الإسلامي بأسره.
في المغرب: حاولت الإدارة الفرنسية أن تشد أزر الروح الجنسية بين بربر مراكش، فقامت بإصدار الظهير البربري في 61 مايو سنة 1930 الذي قضى بتنفيذ الأحكام العرفية البربرية وقانونهم الخاص بالأحوال الشخصية بدل الشريعة الإسلامية.
وفي إندونيسيا: اكتشفت الحضارة الجاوية - الهندوكية.
وفي لبنان: أثار سعيد عقل ويوسف السود وفيكتور خلاط شبح الفنيقية وقالوا: بأن لبنان لا ينتمي إلى العرب بل جزء من حضارة البحر المتوسط - إيطاليا، اليونان.
وفي مصر: أثيرت الحضارة الفرعونية خاصة بعد اكتشاف توت عنخ آمون، وبعد أن حل "شاملبيون" حجر رشيد، وتولى سلامة موسى، ولطفي السيد، ثم سعد زغلول، وطه حسين الدعوة إلى الفرعونية، وبدأت تظهر أسماء رعمسيس، الأهرام، نفرتيتي، أبوالهول، واتخذ أبو الهول شعارا ليمثل نهضة مصر. وأصبح الأتراك ينادون بشعار (تركيا للأتراك) ومصر (للمصريين).
يقول "زويمر" - زعيم المنصرين - مخاطبا المبشرين (إنكم أعددتم شبابا في ديار الإسلام لا يعرف الصلة بالله ولايريد أن يعرفها، وأخرجتم المسلم من الإسلام فجاء النشء الإسلامي طبقا لما أراده الاستعمار لا يهتم للعظائم ويحب الراحة والكسل ولا يصرف همه في الدنيا إلا في الشهوات) .
لكن هذا ما تفعله أنت وأقرانك أيضا يا دكتور منصف المرزوقي، ويتميز عليكم "زويمر" بالصراحة والصدق وعدم خداع أقرانه.
صارحنا يا دكتور مرزوقي
لماذا ترفض الإسلام هذا الرفض العنيف
لن أسألك الآن ما هو موقفك من الإسلام؟
لن أسألك عن إيمانك
أسألك فقط لماذا ترفض المرجعية الإسلامية بل وتعتبرها تدميرا لمشروعك الفكري
لماذا؟!
هل تخاف مثلا من إثارة النعرات الدينية والطائفية كما تدعون وتزعمون، فتريد أن تبعد 90% من أبناء الدول العربية عن إسلامهم وتخرجهم عن دينهم مراعاة لشعور فئة قليلة من النصارى العرب. (وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ....) (النساء 61-62).
اصدقني القول يا دكتور مرزوقي
اصدقني القول ..
أريد أن أحتفظ بثقتي فيك وباحترامي لك
هل رفض الإسلام عندك مسألة مبدأ؟!
هل تمارس التقيةعلينا؟!
هل ترى أن الإسلام غير صالح لهذا الزمان، ولذلك كثيرا ما يصفه أصحابك بالرجعية والجمود والتأخر، ويصفون العلمانية والتحلل من الدين بالتقدمية والتحرر.
هل ترون أن الإسلام كان مجرد وثبة زمنية من وثبات الأمة العربية أدت دورها ومضت، وأما إلىوم فهناك مبادئ أخرى تؤدي دورها دون الإسلام الذي لايستطيع أن يواكب العصر.
أم أنك ترى أن القومية العربية دين جديد له سدنته وحواريوه وأتباعه وقديسوه، يقول محمود تيمور (84): (وإن كتاب العرب في أعناقهم أمانة هي أن يكونوا حواريين لتلك النبوة الصادقة - القومية- يزكونها بأقلامهم)، ويقول علي ناصر الدين (84) في مقدمة كتابه (قضية العرب ط3): (العروبة نفسها دين عندنا - نحن القوميين العرب - المؤمنين العريقين من مسلمين ومسيحيين، ولئن كان لكل عصر نبوته المقدسة، إن القومية العربية لهي نبوة هذا العصر)، جاء في مجلة العربي (85) عدد 2 ص 9 يناير 59: (الوحدة العربية يجب أن تنزل من قلوب العرب أينما كانوا منزل وحدة الله من قلوب قوم مؤمنين)، ويقول عمر فاخوري (كيف ينهض العرب): (لا ينهض العرب إلا إذا أصبحت العربية - أو المبدأ العربي - دينا يغارون عليها كما يغار المسلم على قرآن النبي الكريم وغرضي من هذا الكتاب تشكيل ديانة جديدة هي الجنسية أو العنصرية العربية).
اصدقني القول يا دكتور مرزوقي: هل تعتبر العروبة دينا جديدا
اصدقني القول: هل ترى مثل قرينك زكي الأرسوزي تقديم للجاهلية على الإسلام والجاهلية: هي كل حكم غير حكم الله. ولقد رأينا أن زكي الأرسوزي (43) يرى أن الجاهلية العربية هي الفترة الذهبية في حياة العرب ويراها مثله الأعلى.
فهل هي مثلك الأعلى يا منصف المرزوقي
يا دكتور منصف المرزوقي: إن العروبة والقومية والماركسية والحداثة وكل ما شابهها من أسماء إنما هي طاغوت جديد وصنم حداثي، والطاغوت: كل حكم غير حكم الله، وكل ما أطيع من دون الله، وكل من تحاكم إليه الناس دون الله، سواء كان صنما أو كاهنا أو شيطانا أو قانونا أو وطنا أو قوما أو زعيم قبيلة أو عشيرة أو بلدا. وهذا كفر بنص القرآن (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62) ) (86)، صدق الله العظيم: إنهم يقولون لا نريد إلا الإحسان والتوفيق بالقومية، لا نريد إلا الوحدة الوطنية، ونريد أن نتلافي الخلافات المذهبية والطائفية والدينية. يقول ابن كثير (87): (من ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبدالله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة فقد كفر. فكيف بمن تحاكم إلى الياسق؟؟ - قانون جنكيرخان - وقدمها عليه - على الإسلام - لا شك أن هذا يكفر باجماع المسلمين)، ويقول سيد قطب (إن الذي يحكم على عابد الوثن بالشرك ولا يحكم على الذي يتحاكم إلى الطاغوت بالشرك. ويتحرج من هذه - الحكم بالكفر على من يتحاكم إلى الطاغوت - ولا يتحرج من تلك، إن هؤلاء لا يقرأون القرآن، فليقرأوا القرآن كما أنزل، وليأخذوا قول الله بجد (وإن أطعتموهم إنكم لمشركون).
***
يا دكتور منصف المرزوقي:
هل قرأت حكم علماء المسلمين عن القومية والعلمانية وما شابههما
يقول الشيخ بن باز: إن هدف القومية غير هدف الإسلام وإن مقاصدها تخالف مقاصد الإسلام والدليل على ذلك أن الدعوة إلى القومية العربية وردت إلينا وجاءت من أعدائنا الغربيين ليكيدونا بها نحن المسلمين ولفصل بعضنا عن بعض وتحطيم كياننا وتفريق شملنا على نحو قاعدتهم المشؤومة (فرق تسد) وذكر كثيرمن مؤرخي الدعوة إلى القومية العربية ومنهم مؤلف الموسوعة العربية: أن أول من دعا إلى القومية العربية هم الغربيون على أيدي بعثات التبشير في سوريا ليفصلوا الترك عن العرب ويفرقوا بين المسلمين
((القومية أو الوطنية أو القبلية أو الحزبية أو النعرات العرقية أو الطائفية أو ما أشبه ذلك كلها يجمعها أنها تنافي وتخالف التفاضل بين الناس بالتقوى.))
لأن هذا المشروع السياسي هو جوهر الدين وأساسه، أو بصريح عبارة سيد قطب (نقلا عن المودودي): أن كلمة "دين" في القرآن تعني على وجه الدقة والتحديد نظام الحكم
رغم أن الفترة الزمنية التي نجح فيها القوميون في امتلاك أزقّة الأمور والحكم، كانت ومازالت أسوأ الاحقاب الزمنية التي مرت، وليس على الأمة العربية فحسب، ولكن على كل الأمة الإسلامية فكم من الهزائم مُنيَ بها العرب وكم من عداوات وأحقاد فيما بينهم لازالت إلى الآن تطحن الشعوب العربية المسلمة طحنا.
وما ذلك إلا جرّاء لمخالفة نص الرسول عليه الصلاة والسلام الذي يقول: (لا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى) وقوله: (دعوها فإنها منتنة) بعد ما سمّاها جاهلية.
***
يا دكتور منصف المرزوقي:
هل تسمعني؟
هل تفهمني؟
بل هل تسمع أمتك وتفهمها ..
بأي حق تنحي حكم الإسلام عن قوم يريدونه
هل أنت وصي عليهم
هل صارحتهم بأن ما تدعوهم إليه خروج من الإسلام؟
بل هو الكفر بعينه.
هل تتأول؟!
أهي تقية؟!
هل أنت مسلم؟!
هل آمنت؟!
هل كفرت؟!
أليس من حق الناس الذين تدعوهم إلى السير خلفك أن يعلموا إن كان زعيمهم ورئيسهم مؤمنا أوكافرا؟!
أليس من حق الناس الذين تدعوهم إلى السير خلفك أن يعرفوا إن كنت تقودهم إلى جنة الدنيا وجهنم الآخرة؟ أم إلى جهنم الدنيا وجهنم الآخرة؟!
أليس من حق الناس الذين تدعوهم إلى السير خلفك أن يعلموا إن كنت قد عثرت على أدلة يقينية تثبت لك (حاش لله) أن الله غير موجود؟! وأن المصطفى، سيد النبيين وخاتم المرسلين، كان (حاش لله) كاهنا أوهمته الغرانيق أنه نبي؟!
أليس من حق الناس الذين تدعوهم إلى السير خلفك أن يعلموا إن كنت قد عثرت على وثائق يقينية لا يمكن دحضها أبدا أثبتت لك أن الإسلام أساطير الأولين؟!.
أليس من حق الناس الذين تدعوهم إلى السير خلفك أن يعلموا سر ذلك اليقين المطلق الذي تحيط به دعوتك وتنحيتك للإسلام والتعامل معه كمنتج بشري لا كدين سماوي؟
يا دكتور مرزوقي
يا دكتور مرزوقي: أنت تتعامل كما لوكان خلافك مع الدين مع الله، خلافا بين رئيس ورئيس وزعيم حزب وزعيم حزب، نقول إن الله يقول، وأنت تقول أنا أقول، ونقول إن المصطفى يقول، فتقول أنا أقول، أريد أن أعلم يا مرزوقي، على أي أساس فكري أو علمي أو فلسفي أو ألف مليون "أو" على أي أساس أصدقك وأكذب الله ورسوله.
وكيف جاز لعقلك أن تطلب هذا الطلب المجنون ..
يا مرزوقي ..
اصدقني القول أرجوك
هل تظن أنك عاقل؟
أم أنك مجنون؟
هل أنت مؤمن
أم كافر زنديق؟!
هل صدقتنا طول عمرك؟
أم كذبت علينا؟
هل أخلصت لنا؟
أم خدعتنا؟
أليس من حق من تريد منهم أن يكونوا أتباعك وأن يطيعوك ويسيروا خلفك في الطريق أن تصارحهم بكل ذلك؟
أليس من حقهم أن تصارحهم بحجية ومصادر معارفك ومعلوماتك؟!
تكلم يا مرزوقي تكلم
تكلم ..
***
هناك سؤال هام وهائل لابد من طرحه على الدكتور المرزوقي بمنهى الدهشة والحزن والألم:
سؤال يقول: ما هي مصادر المعرفة؟؟ ما هي مصادر معرفتك أنت؟! من حق جمهورك الذي تريده أن يسير خلفك أن تعطيه أدلة دامغة جدا بل مفحمة ليصدقك ويكذب ما تربى عليه.
***
أعترف حزينا أنني كنت أظن نقاط التوافق بيني وبين الدكتور المرزوقي أكثر بكثير، ذلك أن منهجنا الفكري المتأثر بالدراسة في كلية الطب، يجعل أدواتنا الفكرية متقاربة. لقد درسنا نفس المناهج، وربما قرأنا ذات الكتب، بل وربما دخلنا نفس الدوامة، لذلك أعتقدت أن ما يجمعني بالدكتور المرزوقي أكثر من مجرد دراسة الطب.
وقد لاحظت أنه مهتم بالأدب الروسي الذي قرأت عيونه في العشرين: كل تولستوي وكل دستويفسكي وكل تشيكوف وباسترناك لكنني لم أطق أبدا جوركي. بل ولقد كان لدي إحساس غامض بأن الدكتورالمرزوقي يشبه ديمتري في الإخوة كارمازوف!.
وكنت أظن أنني سأصادف مثقفا رصينا على أساس صلب .. وكنت أنوي تنحية خلفيتي الثقافية السلفية لأحاوره بمقولاته الفلسفية التي غرقت فيها سنين ..
وكنت أظن أنني سأكون متفهما له مهما كان اختلافنا، فقد خضت في بحور الفلسفة .. وفي صدر شبابي أردت أن أمسك أهداب اليقين كي لا أفلتها أبدا فقسرت نفسي على تجنيب اقتناعات الماضي والبداية من جديد .. ونظرت إلى الشبهات باهتمام مضاعف .. خيفة أن يكون رفضي لها رفض وجدان وعاطفة لا رفض عقل وفلسفة ..
ولقد من الله علىّ في رحلتي الشاقة الطويلة الدامية بأن استطعت أن أحمي عقلي من الانبهار وفكري من الانهيار .. لقد درست الفلسفة دراسة علمية متعمقة .. كنت أبحث فيها عن سر الوجود وإكسير الحياة .. وقد استعملت في دراستها ذات القواعد الصارمة والمقاييس الحاسمة مع الدين والعلم .. وما أكثر الأيام والأسابيع والشهور .. التي قضيتها عاكفا على فلسفة ما .. أقرأ مراجعها .. وأفك طلاسمها .. وأعود إلى القواميس علها تطرح معنى آخر لكلمة ملتبسة .. وإلى كتب التاريخ علها تفسر لي انعكاس واقعة تاريخية على فكرة .. كنت أفعل ذلك بمنتهى الجدية والألم .. وكثيرا ما استمالتني البدايات الواعدة فأقول هذه هذه .. لكنني سرعان ما كنت أنكفئ على نفسي حسيرا محملا بخيبة الأمل .. تعاملت مع كل فلسفة وكأنها الخلاص الأخير لكنني لم أكن أتردد لحظة عندما تنجلي الحقيقة أمامي في أن أطوح بالكتاب من يدي هاتفا في ازدراء: ما هذا التخريف؟ ..
لم أخدع نفسي ولم أخدع الناس أبدا .. ولم أكذب عليهم أبدا يا منصف المرزوقي .. أبدا .. أبدا ..
***
كنت أغوص في الفلسفة في صراع ضار وألم عظيم .. مسألة حياة أو موت .. وجود أو عدم .. وكأنني في أحد كتب الفلسفة سأجد إكسير الحياة الذي يحميني من الفناء..
في القرن السادس قبل الميلاد كانت بدايات الفلسفة الإغريقية عندما رد "طاليس" الكون إلى الماء فخالفه "أنكسيمانس" ليرده إلى الهواء لكن "أنكسيمانيس" يرجع بأصله إلى اللانهاية ثم يأتي "فيثاغورث" ليتحول من الأصل المادي إلى الأصل التجريدي فرد الوجود إلى العدد والنغم (كلاهما غير مادي) .. ثم جاء من تحدث عن العناصر الأربعة ثم جاء من أضاف العقل إلى العناصر الأربعة ثم جاء السفسطائيون بفلسفة المنفعة التي لا تختلف في شيء عن الذرائعية أو النفعية "البراغماتية" وواجههم سقراط ثم جاء الرواقيون بعولمتهم وقيمهم الأخلاقية ليأتي الأبيقوريون الذين يعتبرون أن الانحراف هو دليل حرية الإنسان (هل هناك فرق) .. ثم جاءت المسيحية باللاهوت و "أوغسطين" و "توما الأكويني" ثم الإسلام بفلاسفته من الكندي والفارابي والغزالي وابن رشد ثم "ديكارت" بفلسفته العقلية وواجهه لوك وهيوم بفلسفتهما التجريبية ثم الوضعية والوجودية والحياتية والفينومينولوجية والبراغماتية والواقعية الجديدة والماركسية والوجودية والحداثة وما بعد الحداثة..
كنت أتقلب على الجمر .. كنت أتأمل أمريكا البراغماتية وروسيا والصين الماركسيتين وانجلترا تحت ظلال الفلسفة الواقعية لـ "جون ستيوارت ميل" و "برتراند راسل" وألمانيا بفلسفتها المثالية وفيلسوفها الأكبر "هيغل" وفيلسوفها المتعالي "كانط". وفرنسا في الغارقة في التيار العقلي لـ "ديكارت" لكنهم بعد الحرب كفروا بالعقل واندفعوا إلى الفلسفة الوجودية وبدلا من الشعار الذي رفعه "ديكارت": "أنا أفكر إذن فأنا موجود"" رفعت الوجودية شعار: "أنا حر إذن فأنا موجود "..
كنت أتساءل: إن كانت الفلسفة روح الحكمة وعين اليقين فلماذا ينقض كل فيلسوف ما غزل صاحبه ويهدم ما بناه ..
لماذا يؤله الغربيون فلاسفتهم ويقدسونهم تماما كما كان الرومان والإغريق يقدسون آلهتهم.. لماذا يرتفعون بالفيلسوف إلى عنان السماء ثم يتركونه يسقط ليرتفع غيره..
هل نستطيع أن نقول إن "هيغل" أذكى من "أرسطو" .. أو إن "شوبنهور" أعمق من "أفلاطون.. "
لا ..
سبحان من وزع العقول بعدل ..
يقول ديكارت "العقل أعدل الأشياء قسمة بين الناس"
في ذلك الوقت قلت لنفسي مندهشا إن الفكر الإسلامي أرقى بكثير وأحكم بكثير وأكثر فلسفة من الفلسفة!!.
يقول فقيهنا أنا صواب يحتمل الخطأ وغيري خطأ يحتمل الصواب أما هم فينزلون بالأغيار أسفل سافلين..
وصرخت ذات يوم أن الفلسفة الغربية ليست بيت الحكمة بل قلعة الحماقة.
عزفت عن اللاهوت فقد كانت تفسيراتهم سواء الدينية أو الإلحادية تثير غضبي وسخريتي .. وربما يلخص هذا قول الأستاذ الدكتور عبدالواحد يحيى الذي تحول إلى الإسلام لأنه قد استحال عليه أن يقتنع أن 1+1+1=1 !!.. وهو يقصد التثليث والتوحيد.
***
كانت الفلسفة بالنسبة لي ما تزال مسألة حياة أو موت ..
قلت لنفسي فلننحِّ الشقَّ الديني والغيبي "الميتافيزيقي" كله ولنبحث عن تفسير ومبرر ووسيلة لإصلاح الحياة الدنيا .. عن وسيلة لفهم التاريخ .. ديوان المعارف كلها..
وكانت الأسئلة تزلزلني زلزالا شديدا..
حاولت - وأستميحك عذرا - كنت أكثر منك صدقا مع نفسي فلم أجرؤ أبدا على ترديد فكرة أن فصل الدين عن الدولة ليس خروجا من الملة، كنت أدرك أنه خروج، وكم كنت أود من مفكر كبير مثلك، أن يعترف أنه خروج. أنت تورطت - أستميحك عذرا- في الكذب على نفسك، وأنا تورطت في التلفيق الفكري، كنت أظن ساعتها أنه توفيق لا تلفيق، إلا أن البناء الذي بنيته سرعان ما انفك يتداعى تحت قرع مطارق الأسئلة..
بدت الأسئلة لا كسطور من الكلمات بل ككتائب للمدفعية والصواريخ وقواعد للقاذفات الاستراتيجية الثقيلة.
ورحت أتساءل، فهل تساءلت أنت في رحلتك الطويلة الدامية كما تساءلتُ أنا في رحلتي الوعرة: هل تساءلت عن معنى المعرفة؟ عن مصدرها؟؟ عن مآلاتها؟؟ عن موثوقيتها؟؟ عن اليقين والشك فيها؟؟ عن اكتشاف أنها كانت خطأ لكن بأثر رجعي؟
هل تساءلت عن ذلك؟
هل تساءلت: إذا كان التاريخ هو محتوى المعرفة وكان معنيا بـ"كتابة مجرى الحوادث الفعلي"أو على الأقل بـ"التدوين القصصي لمجرى شئون العالم كله أو بعضه" فإن الأسئلة التي تنفجر على الفور تتعلق بشيء أساسي جدا وهام جدا ومأساوي جدا .. ذلك أن السؤال الأول الذي يجب أن نطرحه قد يغنينا - أو حتى يمنعنا- عن طرح باقي الأسئلة .. وقد يكون زلزالا يهدم كل شيء أو بركانا يحرقه .. هذا السؤال يصرخ: "هل المعرفة ممكنة من الأساس؟" .. سوف يكون علينا بعد ذلك أن نطرح أسئلة أخرى عن طبيعة المعرفة الإنسانية أو موضوعها ومحتواها .. عن استحالة التجرد المطلق لأن الإنسان كائن حي وليس ميزانا كما أنه ليس معادلة رياضية .. ولأنه جزء من التجربة فمن المستحيل التجرد .. إذن .. من المستحيل الوصول إلى حقائق مجردة دون موضوعية مطلقة .. وفي نفس الوقت من المستحيل الوصول إلى موضوعية مجردة مطلقة .. كانت تلك هي الدوامة التي ظللت أدور فيها سنين عددا أحاول طول الوقت ألا يدوخني الدوار وألا يغيّب وعيي .. "هل المعرفة ممكنة؟" العلم الموضوعي المجرد يسأل أيّ .. وأين .. وكيف .. وماذا .. أما الفلسفة فتسأل لماذا .. أما موضوع السؤال فهو محتوى المعرفة لكن أي نوع من المعرفة؟ هل هي المعرفة الكلية التي تحيط بكل شيء .. ليست معرفة ما هو كائن فقط .. بل ما كان وما سيكون .. فهل يمكن لبشر أو لكل البشر أن يحيطوا بهذه المعرفة الكلية .. سنوافق على أن المعرفة الآن جزئية وناقصة .. وأن حصيلة البشر تزداد منها مع الزمن .. فهل نتصور إذن بعد مليار عام أو مليار مليار عام أن تصل البشرية إلى المعرفة النهائية المطلقة .. أن تكتشف على سبيل المثال سر الموت فتمنعه .. أو لغز الخلق فتصنعه .. هل تستطيع المعرفة البشرية بعد مليار عام أو مليار مليار عام أن تقول للشيء كن فيكون .. فإن كان ذلك مستحيلا على البشر فهل يعني ذلك أن قدرتنا على الوصول إلى المعرفة والإحاطة بها مستحيلة لأن معرفتنا ناقصة بدرجة مذهلة من ناحية، ونسبية بصورة مخجلة من ناحية أخرى .. فهل يجب أن نقر ونعترف بأنه: "وما أوتيتم من العلم إلا قليلا"؟.
ولكن .. إن كانت المعرفة ناقصة ونسبية فكيف نبني أحكاما نهائية مطلقة اعتمادا عليها..
المعرفة الكلية مستحيلة إذن .. سوف نعلن الاستسلام .. سوف نختصر آمالنا .. وسوف نسحب أذرعنا القصيرة .. وأيدينا المجذوذة الأصابع .. التي أردنا بها أن نلمس الشمس وأن نملك القمر .. سنختصر .. وسنقبل ما هو متاح لنا .. فليس أمام البؤس الإنساني المخلوق في كبد إلا أن يسعى خلف المعرفة الناقصة .. لكن .. قبل هذا السعي ينفجر سؤال آخر .. ينفجر شلال دم ينبثق من داخل الجمجمة فيغطى العيون ويكاد يعمي البصر .. سؤال يقول كيف نصل إلى هذه المعرفة الناقصة؟ بالعلم أم بالدين؟ بالعقل أم بالحواس أم بالقلب؟ فإن كان العلم - وهو المعرفة - ناقصا وجزئيا .. وكان العقل حتى إن اعتمد على المعلومات النظرية المجردة من الحواس محدودا بدرجة معذّبة جدا .. وكانت الحواس دائما خادعة مخدوعة .. وكان القلب مراوغا بين الهدى وبين الهوى وبين الكلال وبين الضلال وبين الملال وبين الحرام وبين الحلال.. وكان الحدس لا دليل عليه ولا قانون يضبطه إلا بهداية خارجية .. إن كان كل ذلك فأين السبيل إذن وأين اليقين .. لا يبقى إلا الدين .. لا يبقى إلا "من يهد الله فهو المهتد" .. لا يبقى إلا" من يضلل الله فما له من هاد" .. لا يبقى إلا "يضل من يشاء ويهدي من يشاء".
لكن ما تزال هناك أسئلة باقية:
لم تنته الأسئلة بعد .. إذ أنه من الضروري أن نتساءل عن طبيعة المعرفة الناقصة النسبية التي نسعى إليها .. هل هي المعرفة الواقعية الخاضعة للتجريب أم المعرفة المثالية الرياضية المتسمة بالتجريد .. وبعد هذا كله لابد أن نتحدث عن كنه المعرفة التي نتوصل إليها بعد كل هذا العناء وكل هذا الكبد: هل هي معرفة ثابتة وقاطعة ونهائية أم أنها مؤقتة .. وأنها كالعقاقير ذات تاريخ صلاحية محدود! .. ألم يقض بذلك "هيغل"؟! فكل فكرة جديدة يظن أنها صحيحة لم تقم إلا بعد ثبوت فساد سابقتها فهل صحة المعرفة أم خطؤها مرتبط بالزمن فتكون صحيحة في زمان وخاطئة في زمان ما ..
***
على هذا المستوى كنت أفكر .. وبهذا الألم كنت أذوب وأنصهر .. لكنني في الجانب الآخر كنت أرى العلمانيين (واليساريين أيضا يا دكتور مرزوقي وأنت منهم وإن كنت من أفضلهم) لا يملكون - إلا فيما ندر - إلا السخرية والاستهزاء من الدين دون أي مضمون أو فكر أو معاناة أو ألم ..
كانوا يتكلمون في سفالة ووقاحة لم يشهدها عالم الفكر قبل ذلك عن نكاح الوداع وجواز معاشرة الزوجة الميتة بل والحيوانات، وكانوا يصمون الإسلاميين بذلك، وكانوا هم أول من يعرف كم أنهم كذابون مختلقون سفلة!
نفس السخرية التي يمكن أن يسخر بها جندي أمي من عالم صواريخ .. أو بغي من نبي ..
لشد ما لجأ العلمانيون والشيوعيون والليبراليون إلى تسطيح الأمر .. تسطيحا جاهلا ظالما شريرا سفيها .. لكنه في بلادنا يزيد على ذلك أنه خائن أيضا ومدفوع الثمن..
كانوا يتهمون جانبنا بالسطحية والسذاجة والجهل .. وكنا أبرياء من ذلك وكانوا هم الغارقين فيه..
اهتزت ثقتي بالفلسفة وبهم .. بل تهاوت ..
***
ما أكثر الأشياء التي كنا متيقنين من صوابها وقتا ما، فإذا بالزمن يكشف خطأها الجسيم .. والعكس صحيح .. وما أكثر الأشياء التي حسبنا ذات يوم أنه لا غنى لنا عنها فإذا هي غثاء كغثاء السيل .. وما أكثر ما ظنناه بلا قيمة بينما هو القيمة الحقيقية .. أو كما يقول الفيلسوف الإسلامي الرائع على عزت بيغوفيتش:
"لقد علمونا أن نفخر بما يجب أن نخجل منه .. وأن نخجل مما يجب أن نفخر به "..
من أين أتتنا هذه الجرأة الوقحة لكي نتحدث بكل هذا اليقين ..
من أين أتتنا هذه الجرأة الوقحة ..
أسألك أنت يا دكتور منصف المرزوقي .. أسألك أنت: من أين جئت بكل هذا اليقين على أفكارك ومن أين أتيت بهذه الجرأة الوقحة فعندما أقول لك قال الله تقول أنا أقول ..
أسألك أنت يا دكتور منصف المرزوقي .. أسألك أنت: من أين أتاك كل هذا اليقين بصواب نظريتك في الحكم وفي حركة الشعوب..
من أين جئت بهذه الجرأة الوقحة وأنت تقول:
ثمة من لا يزالون مصرّين على أن الإسلام هو القالب الشرعي والوحيد لصهر كل هذه الشعوب وإعطائها هويتها الأساسية. وكما لم ينجح الأمر في الماضي، فإنه لن ينجح في المستقبل
من أين جئت بهذا اليقين الفج المغرور؟
هل سمعت عن نظرية انعدام اليقين؟
لكن المجال الآن ليس لها ..
يا دكتور مرزوقي:
لقد حدثتك عن مشكلة المعرفة، وكيف أن من المستحيل الوصول إلى يقين في عالمنا عن طريق العقل.
يا دكتور مرزوقي: أنت طبيب أعصاب وتعرف تأثير المواد الكيماوية التي تفرزها الخلايا والهرمونات التي تفرزها الغدد الصماء على مسارات التفكير.
هل تذكر ما هو تأثير السيروتينين والتفاعلات الكيميائية على الناقلات العصبية في مخك على أفكارك
ألا تكفي شحنة كهربية خفيفة على صدغيك لكي تجعلك تؤمن بما تكفر به الآن
ألا يكفي لذلك قرص دواء أو جرعة "ريسبيردال"؟!
أنت طبيب أعصاب بارز
ألا يأتيك أحيانا مريض يفكر كما يفكر أقرانك وأصحابك العصابيون فتصف له عقار الإنفيجا سيستنا فيصبحون طبيعيين خلال أسبوع أو أسبوعين..
لماذا كل هذه الثقة بالعقل إذن..
لماذا هذه الجرأة الوقحة؟
هل قرأت لـ "ماركيز"
هل قرأت رائعته خريف البطريرك وعرفت كيف أن نوبة إمساك في معيّ الجنرال أو احتباس بعض الغازات في قولونه كفيلة بأن يصدر قرارات تغير مسار البلاد دون يقين أحمق كيقينك؟!
لقد انتهت الحتمية..
و انهارت آليات "هيغل" منذ زمان طويل
ورغم أنني أظن أن إيمانك بالله يشوبه خلل جسيم وبالتالي إيمانك باللوح المحفوظ، لكنك تتصرف كما لو كنت تملك اليقين النهائي المطلق الكفيل بحل بما لم تحله البشرية في تاريخها الطويل، بل بحل ما لم تحله الأديان أيضا.
جرأة وقحة
***
الآن سأكشف لك سرا يا دكتور مرزوقي؟!
هل تعلم من الذي أجاب عن كل أسئلتي الدامية المروعة التي دوختني عاما وبعض عام؟!.. من الذي أعطاني شربة مريئة لم أظمأ بعدها أبدا؟! من الذي أعطاني إجابة مفحمة مذهلة مقنعة لم تجرؤ الأسئلة بعدها على الظهور أبدا؟! كان ذلك منذ خمسين عاما .. من حينها دفنت الأسئلة ولم تطرح نفسها أبدا.
من أجاب عن أسئلتي:
نحلة ونملة وزهرة ومجرة
رأس طفل لم تكتمل ولادته ..
عينا ميت صعدت روحه لتوها ..
دفقة حنان أم
ودفقة أخرى:
دفقة دم شهيدٍ
لوعة فَقْدٍ
إرادة مؤمنٍ
إعصار جبار ونسمة نديةٌ
حضن ابنتك المعجبة وهي تظنك أقوىمن في الوجود
ثم حضن ابنتك بعد أن كبرت قليلا وعرفت الله وروعها الألم وهدتها الفجيعة وصعقتها الصاخة فأدركت أنك حتما ستموت: ذات يوم ستموت.
قبلتك على جبين أمك البارد المبلل بالعرق.. آآآآآآآآآآآخر قبلة فقد ماتت منذ دقيقة.
لوعتك وأنت ترى أباك الذي ظننته ذات يوم أقوى من في الوجود وتراه اليوم في مرض احتضاره وقد انكمش إلى نصف حجمه وأصبحت تحمله بدلا من أن يحملك وسمعته يصرخ من الألم ومن الخجل أيضا فلم يعديستطيع قضاء حاجته إلا من خلالك..
ضوءالقمر..
ضوء القمر
ضوء القمر
وتلك الأمواج الهادئة من الأضواء الفضية تنساب منه انسياب الماء في الغدير.
فكرة..
كلمة..
حرف..
كن فيكون..
لحظة ارتواء
لحظة جوع
لحظة شبع
لحظة عطش
طوفان كطوفان نوح .. وتسونامي وكوب ماء.
أن تشرئب رؤوسنا نحو الحق تبحث عنه
وعن العدل تهفو أن تطبقه ..
وعن الظلم ترفضه وإن ماتت في سبيل ذلك.
غراب!
علمنا كيف ندفن موتانا!!
كل أولئك أعطوني الإجابة ..
أعطوني شربة مريئة لم أظمأ بعدها أبدا؟! أعطوني إجابة مفحمة مذهلة مقنعة لم تجرؤ الأسئلة بعدها على الظهور أبدا؟!
***
إن الجسم مادة .. ولكن مادة الجسم لا تحرك نفسها .. وإنما تحركها النفس والروح والوجدان فما الذي يحرك مادة العالم؟ .. ما الذي يحرك الشمس والقمر والنجوم والأفلاك ..
أيها أهم: المخ أم العقل؟ العين أم البصر .. الأذن أم السمع .. المادة أم الروح..
ليس الجسد سوى وسيلة لغاية .. أو قالب يمكن أن ننسج عليه ليس له في حد ذاته قيمة ..
كنت أدرك طول الوقت أن الإنسان دون دين كالسابح في الفضاء دون جاذبية ..
كنت كلما أوغلت في الفلسفة أنشطر .. ولم يلتئم انشطاري إلا بعد أن أدركت أنه ليس ثمة إلا "لا إله إلا الله محمد رسول الله" .. وهي لا تحتاج إلى سواها.
***
في بحثي عن مصادر المعرفة وحجيتها قرأت المفكر الإسلامي الهندي وحيد الدين خان الذي يتناول في كتابه "الإسلام يتحدى" (الناشر : المختار الإسلامي) ما يسمونه بالمنهج العلمي واليقين الذي لا يتولد إلا بمعرفة الحقيقة بالتجربة والمشاهدة، ذلك المنهج الذي يناقض يقين القلب والحدس والروح، يقين ما وراء الحواس التي لا يمكن إخضاعها للتجربة، يقولون إن المنهج العلمي العلماني حقيقي لأنه يرى الحقيقة ويجربها .. أما منهج الدين الذي لا يقوم على أي أساس علمي فباطل لأنه كله مبني على قياس واستقراء
***
القضية التي يطرحها أولئك المنهجيون العلمانيون خطأ، لأنها لا تقوم على أسس علمية، ثم إنها تناقض نفسها، إنها لا تنفى وجود أشياء لم تجرب مباشرة كما لا تنفى القياس..
يصرخ وحيد الدين خان أن التجربة لا تعد حقيقة لمجرد أنها شوهدت، كما أن القياس ليس باطلا لمجرد أنه قياس..
إن إمكانية الصحة والبطلان موجودة فيهما على حد سواء ..
منذ آلاف الأعوام يستعمل الناس السفن الشراعية ويصنعونها من الخشب، كانت الحقيقة العلمية المبنية على المشاهدة تقضي بضرورة ذلك لأنه لن يطفو على الماء إلا ما هو أخف منه، وخرج على الناس من يقول أن السفن ستصنع ذات يوم من الحديد فأنكر الناس مقالته واتخذوه هزوا، اتهموه بالجهل، بالابتعاد عن المنهج العلمي للتفكير، وجاء أحد من يدعون منهج العلم التجريبي في جمع من الناس لكي يثبت لهم جهل الجاهل الذي ادعى أن الحديد سيطفو، أتى صاحبنا بإناء ضخم وألقى فيه بنعل من الحديد فغاص، هلل الناس للعالم ونبذوا الجاهل، كانت تجربة علمية رآها الناس بأعينهم، وعلى الرغم من ذلك، كانت التجربة العملية التي شاهدتها العين باطلا لا حقيقة، فقد صنعت السفن بعد ذلك من الحديد فلم تغص في الماء وطفت، وثبت أن العالم المغرور كان جاهلا رغم تجربته العلمية التي - برغم مشاهدة الناس لها - عبرت عن باطل وخطأ لا يثير الآن سوى سخرية وتفكها ..
في بداية القرن العشرين كنا نملك تليسكوبا ضعيفا راقبنا به الكون، رأيناه، فكان تصورنا عنه بالغ الاختلاف عما رأيناه بعد ذلك بعقود باستعمال تليسكوب قوي .. كانت التجربة تنفي التجربة وتصمها بالزيغ والبطلان .. ويعلم الله ماذا سنرى بعد عشرات العقود الأخرى عندما نكتشف تليسكوبا أقوى ..
التجربة والمشاهدة إذن ليستا وسيلتي العلم القطعيتين والعلم لا ينحصر في الأمور التي شوهدت بالتجربة المباشرة، لقد اخترعنا الكثير من الأدوات للملاحظة الواسعة النطاق وللدراسة، ولكن الأشياء التي نلاحظها بهذه الوسائل كثيرا ما تكون أمورا سطحية ومتغيرة بتغير درجة دقة الوسائل التي نلاحظها بها وتقدمها، أما النظريات التي نتوصل إليها بناء على هذه المشاهدات فهي أمور لا سبيل إلى ملاحظتها، والذي يطالع العلم الحديث يجد أن أكثر آرائه تفسير للملاحظات وأن هذه الآراء لم تجرب مباشرة وإنما تم الوصول إليها بالقياس .. ذلك أن بعض الملاحظات يدفع العلماء إلى الإيمان بوجود بعض حقائق لم تثبتها التجربة المباشرة، إن أي عالم من علماء عصرنا لا يجرؤ أن يخطو خطوة علمية واحدة دون الاعتماد على ألفاظ مثل القوة أو الطاقة أو الطبيعة أو الجاذبية أو الإشعاع أو الموجات الكهرومغنطيسية .. لكن أي عالم على ظهر الأرض لم ير مباشرة القوة أو الطاقة أو الطبيعة أو الجاذبية أو الإشعاع أو الموجات الكهرومغنطيسية ..!!.. إن هذا العالم لا يستطيع تفسير هذه الألفاظ وما تعنيه إلا بالاستنباط والقياس .. وهي نفس الطريقة التي يصل بها المؤمن إلى الإيمان بالله ..!!!! كلاهما قد صاغ كلمات تعبر عن وقائع معلومة لكي يبين عن علل غير معلومة .. كلاهما لا يستطيع أن يرى أو يمسك ما آمن به .. وكلاهما يؤمن إذن بما لم ير .. يؤمن بعلل غير معلومة .. علل غيبية ..
أليست تلك هي التهمة التي طالما واجهنا بها المتشدقون بالنهج العلمي الرافضون للغيبيات؟!..
أجل، في معظم الأحوال لا يرى العالم الحقيقة مباشرة بل يصل إليها بالقياس والاستنباط والاستنتاج. والعلم الحديث لا يجرؤ على الادعاء أن الحقيقة محصورة فيما علمناه من التجربة المباشرة. إن ذرة الهيدروجين عبارة عن نواة تحتوى على بروتون واحد ومدار يدور فيه إليكترون واحد، تلك حقيقة لا يجرؤ أي واحد من البشر على إنكارها، رغم أن أي واحد من البشر لم يرها قط.. !!.. ولا حتى بأقوى مجهر في العالم..
يقول الدكتور "أليكسيس كاريل": "إن الكون الرياضي شبكة عجيبة من القياسات والفروض، لا تشتمل على شيء غير معادلة الرموز التي تحتوي على مجردات لا سبيل إلى تفسيرها "..
ويقول الدكتور "ا. مانديرا": "إن الوقائع المحسوسة هي أجزاء من حقائق الكون، غير أن هذه الحقائق التي ندركها بالحواس قد تكون جزئية وغير مرتبطة ببعضها البعض، فلو طالعناها منفصلة عن أخواتها فقدت معناها مطلقا، أما إذا درسناها في ضوء الحقائق الكثيرة التي علمناها مباشرة أو بالاستنباط فإننا سندرك حقيقتها.."
ثم يستطرد "مانديرا" قائلا: "إننا نرى أن الطير عندما يموت يقع على الأرض، ونعرف أن رفع الحجر على الظهر صعب، ويتطلب جهدا، ونلاحظ أن القمر يدور في الفلك، ونعلم أن الصعود إلى الجبل أصعب من النزول منه، ونلاحظ حقائق كثيرة كل يوم لا علاقة لإحداها بالأخرى في الظاهر، ثم نتعرف على حقيقة استنباطية هي قانون الجاذبية، وهنا ترتبط جميع هذه الحقائق فنعرف للمرة الأولى أنها كلها مرتبطة إحداها بالأخرى ارتباطا كاملا داخل النظام، وكذلك الحال لو طالعنا الوقائع المحسوسة مجردة فلن نجد بينها أي ترتيب، فهي متفرقة، غير مترابطة، ولكن حين نربط الوقائع المحسوسة بالحقائق الاستنباطية فسنخرج بصورة منظمة للحقائق "..
إن الجاذبية لا يمكن رؤيتها قطعا، وكل ما شاهده العلماء لا يمثل في ذاته قانون الجاذبية، وإنما هي أشياء أخرى، اضطروا لأجلها منطقيا أن يؤمنوا بوجود هذا القانون ..
إن "نيوتن" .. مكتشف قانون الجاذبية .. يتحدث عن اكتشافه قائلا: "إنه لأمر غير مفهوم أن نجد مادة لا حياة فيها ولا إحساس وهي تؤثر على مادة أخرى، مع أنه لا توجد أي علاقة بينهما"..
يا قراء ..
يا علماء ..
يا دكتور منصف المرزوقي ..
هل ينكر منكم أحد قانون الجاذبية؟ !..
الجاذبية .. تلك النظرية المعقدة غير المفهومة .. والتى لا يوجد أي سبيل إلى مشاهدتها مباشرة .. نعتبرها اليوم – جميعا – حقيقة علمية بلا جدال ..
لماذا ؟ !..
لأنها تفسر بعض ملاحظاتنا ..
ليست الحقيقة العلمية إذن هي ما علمناه مباشرة بالتجربة .. بل هي اعتقاد يقيني في وجود حقيقة لا نراها تربط وتفسر ما نراه ..
حقيقة لا نراها تربط وتفسر ما نراه ..
ماذا تسمون إنسانا لا يؤمن بنظرية الجاذبية ..
الحقيقة التي لا نراها ولكنها تربط وتفسر ما نراه ..
ماذا تطلقون على الكافر بها والذي يعلن أنه لن يؤمن بها إلا إذا رآها..
ماذا تطلقون على الأحمق الذي يرفض الربط بين تجلياتها وظواهرها ونتائجها .. ويعتبرها غيبا يتنافى الإيمان به مع المنهج العلمي..
أي قدر من الاتهامات الهائلة يمكن أن نواجه به هذا الأحمق الغبي المأفون ..
هل تسمح لي أيها القارئ وهل يغفر لي الله تجاوزي إن أنا استبدلت كلمة الله بكلمة الجاذبية؟ ..
يا منصف المرزوقي ..
يا قارئ..
هب أن واحدا اشمأز قلبه فقال أنا لا أومن بقانون الجاذبية، أو حتى قال: أنا أومن به كأمر واقع لكنني ما دمت لا أفهمه لن أرتضي أحكامه .. سوف أعقب عليها .. سوف أسقطها وسأصنع قانوني الخاص الخاضع لتجربتي العملية..
هبوا أن ذلك الرجل الذي قرر ألا يتحكم قانون الجاذبية فيه خرج إلى شرفة بيته .. في الطابق العاشر أو العشرين .. ثم قرر أن يتحدى القانون الذي لا يفهمه .. فخطا في الهواء ليمشى - ضد قانون الجاذبية - نحو السحاب ..
ماذا سيحدث؟!..
لن يموت على الفور ..
سوف تكون هناك ثوان يسقط فيها..
فى هذه الثواني سوف يرى ما لم يره أبدا .. وسوف يحس بما لم يحس به أبدا..
ما بين التحدى والهلاك ثوان .. ليست كمثلها ثوان ..
يا قارئ..
يا منصف المرزوقي ..
لو أن واحدا منا .. قال لنفسه إنه لا يؤمن بالله .. أو كتبه أو رسله أو اليوم الآخر .. ولو أنه قرر أنه حتى وإن آمن فإنه لا يفهم .. ومن أجل ذلك سيسقط أحكام الله .. سينشئ أحكامه الخاصة الخاضعة لمنطقه .. هبوه فعل ذلك .. ثم انطلق في حياته يمنطقها بمنطقه .. وهو يظن أنه بين السحاب يوشك أن يمسك النجوم ..
هذا التعيس .. في هذه اللحظة .. يكون قد بدأ سقوطه .. سقوط يستمر أربعين أو خمسين أو ستين عاما ..
فما أربعون أو خمسون أو ستون عاما إزاء الأبد ..
أهي أكثر من ثوانِ؟؟!!..
ثوان .. نسقط فيها من أرحام أمهاتنا .. فيلتمع الضوء لحظة .. ثم نسقط في غياهب القبور ..
أوتنكرون عليّ إن قلت لكم إن عمر أي واحد فينا إزاء الخلد القابع في الغيب .. ليس إلا لحظة كمثل تلك اللحظة وثوان كمثل تيك الثواني؟!..
ثوان يتبعها الخلد أبدا .. إما في جحيم وإما في نعيم ..
ولكن عميت بصائرنا..!!
فهل فهمت الآن يا منصف المرزوقي لماذا أصروا ولا يزالون مصرّين على أن الإسلام هو القالب الشرعي والوحيد لصهر كل هذه الشعوب وإعطائها هويتها الأساسية.
لماذا لا تجرب يا دكتور منصف المرزوقي أن تتجاهل قانون الجاذبية؟
لماذا؟
لماذا؟
لماذا
سوف يقول الناس عنك - بل سوف تقول أنت عن نفسك - إنك مجنون إن فعلت؟
فلماذا يا مسكين إذن تجاهلت من هو أكبر من قانون الجاذبية ..
بل خالق الجاذبية نفسها؟!
هل فهمت
هل فهمت
هل فهمت؟
***
هل فهمت يا دكتور مرزوقي؟
أيها القومي العروبي ..
***
تظن أن مشروعك الذي تدعو إليه سوف يفيد؟
فلنحرر الألفاظ والمعاني أولا
فهو ليس مشروعك
بل هو مشروع الغرب منذ كان هناك غرب
مشروع اليهود منذ كان هناك يهود
مشروع شيطاني يخرج الإنسان من الإيمان ليخسر الدنيا والآخرة
مشروع الإنسان ..
ليس منذ "آدم سميث" و "دارون" و "فرويد"
ولا منذ "هتلر" و "ستالين"
ولا منذ "ماو" و "ماركس" و "لينين"
ولا منذ ابن سبأ وأتاتورك وجمال عبدالناصر..
بل منذ قابيل
منذ قابيل يا مرزوقي ..
لقد كان لمشروعنا هدف وحيد منذ آدم عليه السلام:
أن نتمم مكارم الأخلاق ..
لكننا..
لكننا
لكننا إذا شئنا أن نلخص هدف الغرب - وهدفك بالتالي (يابن الغرب!) في جملة جامعة مانعة، لما كانت هذه الجملة إلا: إنما أتيت لأدمر مكارم الأخلاق ..!!
ولأن الإسلام نزل على البشرية ليتمم مكارم الأخلاق فليس ثمة قوة في العالم بقادرة على تدمير مشروعك ومشروع الغرب ووقف هذا الوحش الغبي المسعور إلا الإسلام والمسلمين.
كيف لم تفهم أيها المثقف العتيد أن الفكرة القومية ليست سوى ابن شرعي للفكر الصليبي والصهيوني.
***
ليس لدي شك في أن ثلاثية الشيطان التي مارسها الغرب ضدنا منذ ألف عام أو يزيد، وهى: الاستشراق ثم التبشير ثم الاستعمار، والتي تمخضت بعد اكتمال الثلاثية الأولى عن ثلاثية ثانية هي السيطرة على التعليم والإعلام والثقافة، ولم يكن يتسنى لهم الوصول إلى ذلك دون ثلاثية أخرى، هي نظام حكم قومي علماني، أنكر الدين كمرجعية وإن لم يعلن ذلك، ورجل أمن غبي يهدر أمن أمته ويسومها سوء العذاب، ومثقف خائن، يتقاضى ثمن خيانته مجدا وشهرة، ليسفر الأمر،عن ضابط أمن دولة، يوازيه مثقف أمن دولة، وكما يجوز لضابط أمن الدولة، أن يمثل دور المعارض للنظام، ليخترق المعارضين ويهدمهم من الداخل، فإن المثقف الذي باع نفسه يقوم بنفس الدور، خاصة عندما يدعي أنه يجدد الإسلام من داخل الإسلام.
وللإنصاف لست أزعم أن كل المثقفين المعادين لحكم الله وشرعه عملاء للأنظمة ..
فبعضهم عميل للشيطان مباشرة ..
وبعضهم جاهل أو دعي أو غبي .. أو .. أو .. أو أضله الله على علم .. مثلك يا دكتور مرزوقي!!
***
هل قسوت عليك؟
آه لو تعلم أنني كنت كالقابض على الجمر لكن الجمر انتقل من يدي إلى قلبي
آآآه لو علمت ذلك: إذن لعلمت أن الألم الذي سببته لي أضعاف الألم الذي سببته لك!
***
أريد أن أصالحك ..
أن نترك الجمر المشتعل في قلوبنا .. والذي ساهمت أنت في إشعاله!! أن نترك هذا كله لنتكلم في تخصصنا في الطب قليلا !!
***
من أكثر الأيام ترويعا في حياتي، تلك الأيام التي كنت أسعى فيها للحصول على شهادة الزمالة البريطانية، في عام 1975.. منذ ما يقرب من نصف قرن ..
ورغم أنني عالجت في حياتي لواعج الألم طويلا إلا أنه أيامها صادفني الألم حيث لم أحتسب أبدا ..
في كتب الطب!!!!!
ربما لم تتأجج مشاعري مروعة مذهولة مبهورة كذلك إلا لحيظات من قراءة القرآن في الكعبة، ومع السيرة النبوية .. ..
ومع محمود شاكر وسيد قطب والشيخ مصطفى صبري ..
في هذه المرة لم يكن الترويع مع كتاب من هذه الكتب.
كان - ويا للدهشة- مع كتاب:
GANONG PHYSIOLOGY!!
وهو كتاب في علم وظائف الأعضاء (الفسيولوجيا)
.. وكان الموضوع هو: الصدمة العصبية SHOCK
وكان التركيز بالذات على دور جدار الخلية في الصدمة العصبية ..
وتذكر أيها القارئ وأنت تقرأ ذلك أنك حين تحك جلدك تسقط منك آلاف الخلايا التي نتحدث عنها وأن المليارات منها يتجدد كل يوم ..
الخلية .. التي عجزت الخليقة والكائنات أن تأتي بمثلها أو ببعض منها ..
وتذكر أنك لو أنفقت ملء الأرض ذهبا ما تمكنت من صناعة خلية واحدة..
كنت أقرأ مروعا مذهولا مرعوبا متأملا في رعب تلك القدرة والإمكانيات والتقنيات الجبارة التي وضعها الله في جدار الخلية وفي أدق الشعيرات الدموية.
كنت أقرأ وأبكي بكاء لم أبكه إلا في الصلاة في الكعبة والروضة الشريفة وفي مسجد التوحيد خلف الشيخ فوزي والشيخ نشأت ..
وكنت أخط بالقلم تحت السطور وأتمتم:
فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إلا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ..
مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ
ربما لو لم يمنّ الله عليّ بهذا الألم لكنت الآن مثلك يا دكتور مرزوقي!!
...
...
...
نعود إلى الخلية ..
الموضوع بالغ الصعوبة والتعقيد، وسأختصره اختصارا مخلا كي أوصله للقارئ غير المتخصص .. أما أنت فستفهمني دون أن أقول يا دكتور مرزوقي ..
تبدأ الصدمة العصبية لآلاف الأسباب، وعادة ما تكون هي العتبة الأخيرة التي يعبرها الإنسان قبل ولوجه إلى الدار الآخرة، ما لم يكن موته بالسكتة القلبية أو الدماغية.
تبدأ الصدمة بسبب نزيف أو نقل دم من فصيلة مختلفة أو تسمم أو حادث، أو فشل جهاز من الأجهزة، أو ألم فائق، أو جوع وعطش أو تسلط مجرمين في المعتقلات تخصصوا في القتل عن طريق الغذاء، وقد يكون ذلك بسبب مرض متقدم أو شيخوخة أو حتى حساسية، أو لحظة رعب، أو .. أو .. أو .. مليون سبب .. أو .. أو ..
يستجيب الجسم لمسبب الصدمة على الفور عن طريق المخ والإشارات العصبية والكيماويات والهرمونات بإعلان حالة طوارئ لا يستطيع أي حاسوب (كمبيوتر) في العالم أن يضاهيها أو يقاربها، تُفرز مئات المواد والهرمونات لعلاج الكارثة، مع الصدمة وانخفاض ضغط الدم يزيد القلب سرعة نبضاته للتعويض ثم تضيق الشرايين إلى أقصى حد فيرتفع ضغط الدم وقوة اندفاعه ويُحجب الدم جزئيا عن بعض الأماكن للأماكن الأهم، يحجب الدم عن الجلد فيبرد، وعن العضلات فيتهاوى الإنسان ويسقط، وعن الأمعاء فيتوقف الهضم، وهكذا، ويتدفق إلى المخ والقلب، أعظم كمبيوتر في العالم لا يستطيع تنظيم التدفق والضيق والاتساع وقوة الاندفاع والكيماويات والهرمونات بهذه الطريقة.
***
وكنت أقول لنفسي:
إن خلق جدار خلية واحدة لا يقل إعجازا عن خلق المجرة ولخلق السماوات والأرض أعظم .. وفي المجرات مليارات النجوم ..
قدرة جبارة تحرك كل شيء ..
لخلق السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ
سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ...
تحكم مذهل ..
الله يبدأ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ..
سرعة خارقة
سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ..
تناغم مروع
سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ..
***
تعالج كثير من الحالات في المرحلة الأولى والتي يمكن فيها تدارك الأمر وتسمى صدمة عكوس (مرتجعة): Reversible Shock
وتعقبها المرحة الثانية والأخيرة والتي لا يمكن فيها تدارك الأمر مهما أعطي من علاج وتسمى صدمة غير عكوس (غير مرتجعة): Irreversible Shock
في المرحلة الأولى سوف يذهلك، ليس فقط تداعي كل عضو في الجسد بالسهر والحمى من أجل باقي الجسد، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم .. لكنه حدّث الناس أيام البعثة بما يفهمون، كل عضو على مستوى من المستويات، لكنه في الواقع على مستوى كل خلية، لا، ليس كل خلية فقط بل على مستوى كل جزيء، ليس على مستوى كل جزيء فقط، بل على مستوى كل ذرة، وهذا ما يمكننا فهمه الآن بالميكروسكوب الإليكتروني ووسائل أخرى، بعد خمسين عاما قد يدخل الأمر في تفاصيل مذهلة أخرى. نعم قلت لكم على مستوى الذرة، حيث يتصرف جدار الخلية كالمزلاج والرتاج والقُفل والكالون الإليكتروني.
هل تذكرون دهشتنا عندما استعملت البطاقات الإليكترونية الذكية لفتح أبواب الفنادق لأول مرة ..؟
ما يحدث على مستوى جدار الخلية أعقد وأذكى من ذلك مليار مرة..
تخيل فندقا فيه مليار غرفة وجهاز حاسوب (كمبيوتر) جبار يتحكم في مفاتيحها في ذات اللحظة، وليس ذلك فقط، بل إنه يستطيع تغيير الشفرة مئات المرات في فترة بالغة القصر .. في أجزاء من الثانية ..
يتشكل الجدار ويعيد التشكل ليسمح مثلا لذرة الصوديوم بالدخول ولا يسمح لها بالخروج .. أو ذرة البوتاسيوم، أو الكالسيوم أو المغنسيوم أو المنجنيز .. أو .. أو .. أو .. فإذا حدث تغيير فإن المخ يرسل إشارات تفرز كيماويات وهرمونات تغير شفرة المفاتيح في ثوان معدودة فتنعكس الوظائف ويخرج ما لم يكن ليخرج ويدخل ما لم يكن ليدخل ..
كنت أقرأ وأبكي .. وكنت أمارس الطب فأرى ما أقرأ ..
لم تكن علوم عالم الغيب بل كانت علوم عالم الشهادة ..
وكانت لا تقل روعة مروعة وإبهارا ..
وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً
كان يذهلني تداعي الجسد لبعضه خلية خلية وذرة ذرة ..
كيف يدرك القلب وهو لا يعقل..
كيف تضحي الكليتان والكبد بنصيبهما من الدم ..
كان يبدو لي المخ على سبيل المثال كما لو كان أما لكل الخلايا .. أمًّا مروَّعة مذهولة خائفة على الخلايا وعلى الكبد والكلى التي حجب عنها المخ معظم مخصصاتها من الدم ..
أقول كان المخ كالأم المذعورة، ذعر السيدة هاجر رضي الله عنها وابنها الطفل الرضيع إسماعيل عليه السلام إذ يوشك على الموت من أجل جرعة ماء..
أمّ؟؟
أمٌّ ترعى مليارات الخلايا؟
أمٌّ تقوم مسيَّرةً لا مخيَّرةً بالدفاع عن أبنائها حتى الموت..
في ملحمة هائلة تصبح إزاءها كل ملاحم التاريخ عبث أطفال
أمّ؟؟
ومليارات الخلايا؟؟!!
لا والله .. فما أقل أدبي وما أفقر خيالي
ليست أمًّا ..
ولا ذلك العقل الجبار ينتمي لعقولنا ..
ولا تلك الرحمة رحمة أمٍّ ..
بل هي الرحمة الإلهية ..
رحمة الرحمن لا أحد سواه ..
ساعتها فهمت حديث: أترَونَ هذه طارحَةً ولدَها في النارِ
وفهمت كيف قسّم الله الرحمة مائة جزء استبقى منها تسعة وتسعين وأنزل جزءا واحدا فمن ذلك الجزء تتراحم الخلق، حتى لترفعَ الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه وتعطف الوالدة على ولدها، والوحش والطير بعضها على بعض ..
هذا المخ وهذا القلب في نضال رهيب مروع لا يعقلانه ولا يفهمانه إنما ينفذان الأوامر عبيدا خاضعين، فإذا انقطعت عنهم الإشارة والمدد تحولا خلال ساعات إلى جيفة نتنة يأكلها الدود.
***
في المرحلة الثانية من الصدمة العصبية ينقلب كل شيء ..
مرحلة الصدمة غير المرتجعة : Irreversible Shock
الجسد المتناغم يبعثر .. الجهود المتضافرة تتبعثر .. والأعضاء التي كانت تفتدي الأعضاء الأخرى تضخ فيها السموم .. كأنه يوم القيامة ..
سوف ألمس لكم جانبا وحيدا من الانقلاب وهو ضغط الدم..
بعد محاولات المخ والقلب المستحيلة في رفعه والمحافظة عليه يبدأ الانهيار ..
تضطرب أوامر المخ ..
ويعجز القلب عن أداء واجباته فينخفض ضغط الدم وتعجز الكلية والكبد التي حرما من نصيبهما من الدم عن تنقية السموم التي تتراكم في الأنسجة فتتسبب في توقف انقباض الأوعية الدموية، بل وتبدأ في الانبساط والاتساع مما يؤدي إلى زيادة انخفاض ضغط الدم فيحاول القلب بذل مجهود أكثر فيزداد فشله فيحاول الطبيب ضخ الدم أو السوائل في الأوردة لكنها تضيف عبئا إضافيا على القلب يزيد من فشله وعجزه، ويعطي الطبيب محلول الجلوكوز كي يغذي المخ، لكن البنكرياس المحروم من الدم يتوقف عن إفراز الأنسولين فيعجز المخ عن حرق الجلوكوز.
تفشل أجهزة الجسم جماعة .. تفشل جماعة .. أو جهازا بعد جهاز ..
كجيش مهزوم تبعثرت قواته وراح الباقي من طيرانه يقصف قواته في جنون أعمى وفوضى شاملة .. هذه المرحلة تسمى فشل الأجهزة المتعدد Multi-system failure
يصبح الجسد كله كجواد مرهق يُجلد بالسياط كي يتسلق جبلا بينما هو عاجز عن السير على الأرض المنبسطة.
سيحاول الجواد ويفشل .. وسوف يموت وأنت كطبيب تجلده بالسوط .. ولن يصعد ..
الأوعية الدموية التي تتسع لخمسة لترات من الدم، وهي الكمية التي يعجز القلب الآن عن ضخها، تتمدد لتتسع لخمسين لترا .. لكنك كلما ضخخت المزيد كلما فشل القلب وازداد تدهور الحالة بدلا من أن تتحسن.
طول الأوعية الدموية في الجسد يمكن أن يصنع خيطا متصلا للقمر ..
عندما يصل الأمر إلى هذه الدرجة .. في هذه اللحظات .. لا جدوى ولا أمل ..
يشبه المخ المذعور أمًّا فقدت عقلها ..
أو أمًّا تسعى في أربعة أركان الدنيا لإنقاذ ولدها
كالسيدة هاجر ..
وتشبه منظومة الخلايا بكائية هائلة وملحمة نواح كل خلية تبكي مصيبتها .. وكأنه يوم القيامة .. بل هو يوم قيامتها فعلا ..
تفقد وحدات الجيش الجرار تحكمها في بعضها بعضا .. وتقصف طائراته الناجية من السقوط فلوله .. ويزداد التهاوي فتختنق الخلايا وهي تجاهد من أجل أكسيجين لا تجده بعد أن امتلأت الرئة بالسائل والدم العاجز عن الرجوع للقلب فينبثق من الفم زبدا ساعة الموت فيتقلص الجسد ويتشنج ويختنق ..
ثم يخمد بالموت
***
كطبيب أعي ما أقول، إن ما كتبته لكم في بضع صفحات كان مكتوبا في GANONG في مائة صفحة ..
ربما في المراجع التي يراجعها أي طالب دكتوراه يقرأ في هذا الموضوع مائة ألف صفحة ويتصفح مليونا أخرى ثم يدخل الامتحان مرعوبا من جهله ..
آنذاك فهمت:
قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا..
وبكيت عجزي وتقصيري ..
فليبك منكم من لم يفهم قبل ذلك قدر عجزه وتقصيره ..
أما من فهم ..
فعليه أن يبكي أكثر.
***
أرأيت رحمة ربك يا دكتور مرزوقي؟
أرأيت قدرته
أرأيت رحموته وجبروته
أرأيت القدرة؟
أرأيت القدر الذي وصفته في مقالك بأنه لعين ..
يا لعين
أنت اللعين لا القدر
إنني الآن أبكي وأنتحب لجرأتك على الله .. وحلمه عليك.. جلطةصغيرةفي جذع المخ تجعلك كشجرة.. لكن رحمته سبقت غضبه..
أبكي غضبا ..
أبكي ألما ..
أبكي قهرا
أبكي على مطلق الإنسان وحماقته وجحوده وجنونه وكفره رغم كل ما أسبغ الله عليه من نعم ..
ورغم ..
ورغم ..
ورغم ..
رغم مليارات الخلايا التي في جسده
***
والآن يا دكتور مرزوقي..
ماذا تقول في إنسان يأتي ليقول لك أنه غير موافق ولا مقتنع بسلوك الخلية في مواجهة الصدمة، وأنه سيضع لها نظاما جديدا تسير عليه، وأنه سيستبدل ذرات الصوديم بالمغنسيوم والبوتاسيوم بالمنجنيز! وأنه سيغير السوفت وير الذي يفتح ويغلق أبواب الخلايا .. وأنه وأنه .. وأنه ..
ماذا تقول فيه يا مرزوقي؟!
ماذا ستقول له إن قال لك إن نظام الخلية غامض وأنه لا يعرف من وَضَعَه لذلك لن يعتمده ولن يعترف به لأنه نظام مدمر وقد أدى إلى تفكك الخلايا وتبعثرها وأنك تعترض على سقوط مليارات الخلايا كل يوم بل كل لحظة بل كل لحيظة وأنه لابد من البحث عن سبيل لإنقاذها ..
وماذا ستقول له إن قال لك إنه سيركب جهازا جديدا في القلب (سبعة مليار قلب) يجعله أكثر كفاءة في ضخ الدم، فلا تختنق الرئتان بالسوائل لعجزه. وماذا تقول له إن قال لك أنه سيركب جوانات على الأوردة والشرايين لكي يضبط مجرى الدم. وماذا تقول له إن قال لك إنه سيركب مانعا للموت كمانع الصواعق؟!
ترى كم كان سيذهلك جنونه؟!
أنا: أذهلني جنونك كما كان سيذهلك جنونه!
هل تظن أن ما فعلته بمشروعك أقل حماقة وجنونا
لا والله .. بل أكثر بكثير ..
***
والآن ..
أنت مرغم على الإجابة على بعض الأسئلة
فأنا واحد من الرعاع - رعاياك- الذين سترغمهم على مشروعك!
أنا واحد من الرعاع - رعاياك- الذين سترغمهم في مشروعك على عزل الإسلام وحبسه وعزله كما لو كان مسخا مشوها خطرا على البشرية جمعاء ..
من حقي أن أسألك:
هل ستستشيروننا؟
هل سترفع راية الديمقراطية بيننا؟ هل ستتبع رأي الأغلبية؟ أم ستفعل العكس وتختار الليبرالية فلا يكون من حق الأغلبية أن تنفذ رأيها أبدا ولا يستطيع 99% من المجالس النيابية تحريم الزنا أو فعل قوم لوط؟ أم ستترك هذا وذلك وتبطش بنا بطشة جبارين؟ هل ستفرض نظامك بالقوة القاهرة؟
أم بالأمن المركزي والحرس الوطني والمخابرات الحربية؟
هل ستقدرعلينا؟ خاصة أن 90% منا على الأقل سيختارون طريق الإسلام. هل ستستعين بالإمارات علينا؟ هل ستستأجر لك مرتزقة من كولومبيا يتدلون على سلالم أبواب الأباتشي وهم يصطادوننا بالجرينوف؟ وماذا سيكون موقف إسرائيل وأمريكا وأوروبا منك؟ هل ستستعين بهم؟ هل سيساعدونك؟ هل سيعينونك علينا إن أبينا طاعتك؟ هل ستستدعي من يفتي لك بأنك نبي ثالث حتى تتمكن من تنفيذ مشروعك؟ هل ستضطر في النهاية لادعاء الألوهية كي يكون أمرك هو قدرك اللعين الذي تفرضه علينا .. قدرك أنت بعد أن تتأله وليس قدر الله الواحد القهار جل وعلا. هل ستحكم بالكفر على من يعصيك ؟
***
ولكنني نسيت أن أسألك أسئلة أهم ..
إذ أنه عندما يجد الجد لابد أن تواجه رعاياك ورعاعك وأنا منهم ..
ماذا ستقول لنا:
هل ستقول أنا أومن مثلكم بالله لكنني اكتشفت نظاما خيرا من نظامه؟
أم ستعترف بأنك كافر بالله ولابد أن نكفر مثلك؟
وماذا ستفعل في حبنا المشبوب للرسول المصطفى صلوات الله وسلامه عليه؟
هل سترغمنا على التخلي عنه ..
هل يصوغون لك نماذج كيوسف زيدان وعلي جمعة والهلالي يرقصون حولك منشدين:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار ... فاحكم فأنت الواحد القهار
هل يسلطونهم على حبيبي وسيدي ومولاي صلى الله عليه ويلم يكذبون عليه ويشوهون سيرته؟. وماذا ستقول لنا عنه: أنه كان نبيا عظيما لكن زمنه ولى؟ أم أنه كما يقول عنه اليهود والنصارى ملعونين إلى يوم الدين ..
قل لي
صارحني
نحن الآن موقنون أنك لن تستطيع الإتيان بدليل واحد على صدقك
فماذا ستفعل كي تقنعنا؟
أو كي ترغمنا
ماذا ستفعل؟
ماذا ستفعل؟
يا مسكين!!
يا أحمق!!
***
أسألك.. ماذا ستفعل إن لم يؤمن الناس بك؟
أتلقيهم في الأخدود؟
ماذا تفعل إن واجهك في الانتخابات منافس مسلم فاكتسحك..
تأتي بمخرج يعبث بالفوتو شوب وبوعي الأمة كي تقصيه؟
قل لي يا منصف المرزوقي:
ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك؟
ما غرك به؟ ..
أتساءل:
هل يمكن أن يجرفك طوفان المشاعر فتنفجر باكيا..
أهذا كثير؟
فعلها جيفري لانج
وددت أن أكون ساعتها إلى جوارك..
تبكي فأبكي..
تقول لي: خذني إلى حيث أعرف الله أكثر.. فأقول لك بل خذني أنت فأنت الآن أقرب..
ما غرك!!
***
أريد أن أفشى لك سرا يا دكتور مرزوقي..
في بداية كتابة المقال..بل قبل البداية.. وفي تجهيزي للمقال كتبت ثلاث صفحات عن مناقبك وصفاتك الحميدة، هل تذكر شجرة أفلاطون وصورها الأربعة؟ هل تذكر الصورة المثال، وهي صورة في خيال الإنسان لكنها أصدق من الواقع. هل خدعني أفلاطون؟..مع استمراري في الكتابة، كنت كل صفحة جديدة أكتبها أمحوسطرا أوسطرين من صفحات مناقبك. والله يا دكتور مرزوقي كنت أود أن أمدحك وأن أتقرب منك: من الصورةالمثال في خيالي، لكنني فوجئت بمناقبك تتلاشى، ليس لأنها غير موجودة، بل لأن لك مثالب قضت عليها.
لكم روعني ذلك وأفزعني.. من أجلك .. بل من أجلي!!
وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا
فما غرك؟!
***
تعرف: ذكرتني بمسرحية كافرةعبقرية مجنونة للكاتب العبقري المجنون الملحد يوسف إدريس. مسرحية الفرافير..
هو كان يقصد بالمؤلف –عليه من الله ما يستحق- الله سبحانه وتعالى..
أما أنا فقد رأيتك فيه!
في بداية المسرحية يفاجأ المشاهد بخدعة مسرحية جعلت طول المؤلف ما يقارب الأمتار الثلاثة،
كان المؤلف هوالذي يؤلف المسرحية حية على المسرح، وتمرد الممثلون عليه: (توفيق الدقن ومحمد عبد السلام محمد) وعجز هو عن إقناعهم بأدوارهم فتقلص طوله إلى مترين، ثم إلى متر واحد.. وفي النهاية عجز المؤلف عن إنهاء المسرحية فجاء المخرج بقزم لايتجاوز طوله نصف المتر كي يكملها..
***
يا دكتور منصف المرزقي:
ما غرك بربك الكريم
إنني أعي أن مفردات الواقع تشي بيأس مطبق أسود لا يرى منه ثمة بصيص ضوء .. وإنني لا أدعي - كما يدعي السفهاء - ولا أزعم – كما يزعم الأغبياء - أن جموع الأمة بخير، بل أعترف أنها - جميعها - بشرّ، الحكام والمحكومين، النخبة والعامة، المجنسين والـبدون، الصفوة والحثالة والقضاء والجيش والشرطة والاقتصاد والصناعة والزراعة، والأزهر والحرم والأقصى، ليس ثمة عندنا ما لم يلحق به البوار..
نخرب بيوتنا بأيدينا ..
لا منهج يقودنا ..
ولا نبراس يضيء الطريق لنا..
ولو نظرنا إلى كل الفئات لوجدنا أن أكثر ما أساء ولوث بالعار كل فئة لم يكن الأعداء ولا الإخوة أو الأصدقاء، بل أبناء الفئة نفسها..
فمن أساء إلى هيبة الحكم هم الحكام أنفسهم ..
ومن أساء إلى الدين علماء الدين ..
ومن أساء إلى الأزهر شيخ الأزهر ..
ومن أساء إلى الجيش هم قياداته ..
ومن أساء إلى الشرطة هم ضباطها ..
ومن أساء إلى القضاء قضاة ..
ومن أساء إلى رجال النيابة رجال نيابة ومن أساء إلى المثقفين مثقفون، وإلى الصحفيين صحفيون، وإلى الكتاب كتاب، وإلى أحزاب الأغلبية أحزاب الأغلبية وإلى أحزاب المعارضة أحزاب معارضة وإلى الأمة سكوتها عن كل هذا..
لقد افتقدنا المنهج..
لقد كانت طريقة إدارتنا لكل شئوننا تفتقد إلى منهج، لذلك كان الفشل هائلا والكوارث فادحة..
لست أملك وصفة سحرية نتجرعها في المساء فإذا بالصباح يأتd وقد انقشعت الغيوم ورحلت الهموم وانتهت الكوارث وتحولت الهزائم إلى انتصارات ..
لا أملك ذلك الحل، لكن ما لا أملكه أنا قد يملكه 100 مليون مصري وأغلب الظن يملكه600 مليون عربي، ويقينا يملكه 1700 مليون مسلم..
الحل عكس ما تقوله تماما يا منصف المرزوقي ..
الحل في تبني منهج الحضارة الإسلامية في مواجهة قضايانا ..
المنهج الشامل الكامل الذي هو أوسع من أي جماعة أو حزب لأنه يستوعب الجميع ..
المنهج الذي لا يخطئ أبدا لأنه منهج خالق الكون ..
المنهج الذي نسيناه، والذى يثير عليه العلمانيون الغبار ويقذفونه بالأوحال .. ويزعمون - كذبوا وخسئوا - أنه هو الذي يفرقنا .. المنهج الذي يعيد إلينا الثقة بديننا .. والذى يجعل هذا الدين حتما لا مناص منه .. ليس لأن الإسلام هو الحل لمشاكل دنيانا .. بل لو لم يحل الإسلام لنا أي مشكلة من مشاكل دنيانا - وهذا افتراض غير صحيح – فليس أمامنا سواه .. وليس لنا اختيار .. المنهج الذي يجعلنا نشعر بأننا الأعلون ..
يا دكتور منصف المرزوقي: إن جهد الأمة الآن يجب أن يكرس لا لإصلاح شامل جذري يستحيل حدوثه، بل لتحقيق توازن مبني على قانون إلهي ربما يشبه قانون الكتلة الحرجة في الفيزياء، وهو قانون لا يتحكم فيه (الكمبيوتر) ولا يجري حساباته العقل بل القلب، قانون لا يخطئ، ويقضي بأننا لو استطعنا أن نربي أمام كل ألف خائن مخلصًا واحدًا لانتصرنا..
يا دكتور منصف المرزوقي: استخلص العبر من التاريخ منذ صفين والجمل وكربلاء حتى جماعة كوبنهاغن، عن شرفاء تدنوا، وأطهار تدنسوا، وأبطال خانوا، وأتقياء فسقوا وأسوياء انحرفوا، ومجاهدين بلغ بهم الانحراف بعد أن رفعوا لواء الثأر لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم أن ادعوا النبوة - لماذا يفسد الكل ويتعفن؟ - لماذا.. الإجابة واضحة وجلية: افتقاد المنهج ..
يا دكتور منصف المرزوقي: هل ستسألنى عن الحل؟ .. الحل أراه بقلبىي بعد أن كلت عيني .. ببصيرتي بعد أن زاغ بصري .. الحل أمل في الله ويقين به ورجاء أن تسبق رحمته بنا عدله فينا .. وأننا مساقون سوقا إلى منهجه وإن أبينا ..
وبهذا المنهج أقول إننا برغم كل هذا الانهيار سننهض لننتصر ..
بهذا المنهج أقرر أننا – نحن المؤمنين بشرع الله ومنهجه – نحن الأقل لكننا الأعز، وأننا نحن الضعفاء، المحاصرين، المعتقلين، المعذبين، الشهداء، نحن الذين ننتصر في النهاية دائما رغم كل عناء، وأن التاريخ يلقي بالآخرين في مزابله، وأن الله يفصل بيننا يوم القيامة..
يا دكتور منصف المرزوقي: إن المستقبل غير كل تصوراتنا له، والإعجاز الإلهي في الخليقة يأبى إلا أن يكون معجزا ..
إن منهج الحضارة الغربية يعتمد على المادي المجرب المحسوس، فهو أشبه بجسد بلا روح، أما جوهر الحضارة الإسلامية فإنه يعتمد على كل ذلك مضيفا إليه دعما لا نهائيا وقوة هي قوة الروح، وهنا إذن يكمن جوهر نملكه لا يمكن أن يتمتع أعداؤنا بمثله، جوهر الإيمان بأن وعد الله حق، جوهر الإيمان، لا بالله فقط، بل بنواميس الله التي خلقها والتي تحتم دائما وأبدا انتصار الحق واندحار الشر مهما بعد المدى، ومن هذا المنظور وبهذا المنهج يجب علينا أن نقرأ التاريخ وأن نتأمل عبرته، إن خيانة الحكام والنخبة ليست بحادث طارئ، فعبر التاريخ كله كان حكامنا يخونون قضية أمتهم، تاريخ الحكام هو تاريخ الخيانة والبطش والجبروت والتزوير والكذب، إننا نقع في خطأ تفسير المستشرقين بما يكتنفه من نوايا السوء، حين نطالع تاريخ الحكام مفترضين أنه تاريخ الحقيقة، وليس إلا سلسلة من الأكاذيب لإخفاء الحقيقة، كان الحكام يخونون، لكن الناس كانوا في نفس الوقت يصوغون حضارة شاملة ورائعة في كافة فروع العلم والدين والأدب والمعرفة والحرب، تلك الحضارة هي التي بقيت لنا وللعالم، أما الحكام فقد ذهبوا في مزابل التاريخ. انظر في تاريخ البشرية منذ آدم، وتعلم أنه يتوجب علينا ألا نرفض الشر، لأن الله هو الذي خلقه ليبلونا به، ليمتحننا، علينا إذن أن ندرك الحقيقة المعجزة في بساطتها، في بهائها، في سطوعها الذي يعمي الأبصار عن رؤيتها، أن الله فاعل في هذا الكون، لا تتجاهلوا أهم عنصر في أي صراع في هذه الدنيا، أن الله فاعل .. المادي المجرب المحسوس موجود وعلينا أن نتلمس به الأسباب لكن الله فاعل .. حسابات الحواسيب الضخمة موجودة ويجب أن تحترم ولكن الله فاعل. الله فاعل في هذا الكون، زاغت عقولنا حين تصورنا أن ارتباط الأسباب بالمسببات حقيقة مطلقة بينما هي ليست إلا مشيئة، تتوقف على الفور حين يشاء مسبب المشيئة، إن المؤمن ليس مطالبا بالقوة كلها بل بما يستطيع منها، وأنه حين يتجرد ويخلص، فثمة قانون أشبه بقانون الفيزياء الذي يتحكم بالكتلة الحرجة التي يتحقق بعدها الانفجار النووي، لقد طبق القانون الذي يقضي بأنه حينما يكتمل قدر معين من التجرد والإخلاص، يأتي نصر الله الموعود ليقلب كل موازين القوى. انظروا إلى بدر، انظروا إلى غزوة الخندق، انظروا إلى الحروب الصليبية، انظروا إلى الحرب العالمية في حطين حين خرج صلاح الدين من مصر بجيش قوامه اثنا عشر ألفا ليواجه أضعاف جيشه من جيوش الصليبيين، ولينتصر، بالقانون الإلهي الذي لا ندرك كنهه، انظر إلى ما حدث أيامها عندما جند ملك الألمان جيشا جرارا من ثلاثمائة ألف مقاتل لينجد به الصليبيين وليقضي على المشكلة من جذورها باحتلال مكة والمدينة، وبدأ الجيش الجرار زحفه، تخيلوا لو أن هذا الجيش وصل إلى ساحة الحرب ماذا كان يمكن أن تكون النتيجة؟ .. كيف كان يمكن أن يكون تأثيره على الجغرافيا والتاريخ؟ هل تعرفون ماذا حدث لهذا الجيش؟ حدث أن الله فاعل، أن الله غالب على أمره، لقد نشبت الصراعات بين الجيش واستحر القتل، ثم غرق الإمبراطور وهو يستحم في ترعة صغيرة فخلفه ابنه، ثم فشت الأوبئة فمات الابن أيضا، فهل تعلم كم وصل من الجيش الجرار إلى ساحة الحرب في فلسطين؟ ألف "ألف فقط " منهكين متعبين مهزومين، الله فاعل، الله فاعل، انظر إلى صراع الخير والشر منذ آدم، لو اتبعنا قواعد التفكير العلمي بمنطق أهل الأرض، بالمادي المجرب المحسوس وبأدق وأضخم الحواسيب، لانتهى الخير بالهزيمة الماحقة بعد بضع عشرات أو مئات من السنين من بداية البشرية، لكن الله فاعل، ألق البذرة في الأرض كيفما شئت لكنها ستنبت في اتجاه الشمس، اقلبها، سيستدير الساق نحو الشمس، الله فاعل .. انظر إلى تلك النسبة المعجزة في الإنسان والحيوان والنبات بين الذكور والإناث وملاءمة ذلك لكل جنس منه وانظر إلى زيادة نسبة المواليد الذكور بعد الحروب الكبرى حين يهلك كثير من الرجال .. الله فاعل وثمة قوة لا ندريها ولا ندرك كنهها لكننا نؤمن بها هي التي تحدد النهايات والمصائر .. الله فاعل لكن خطيئتنا الكبرى أننا - خاصة بمفهوم الحضارة الغربية - نعطي العقل أكثر مما يستحق، وليس العقل إلا بعضا من الإنسان قدراته محدودة ومحكومة بوسائل الجسد في تحصيل المعارف، لقد خلقنا الله ثم أعطانا من العقل ما نحتاج فعلا إليه، ما ندرك به النسبي لا المطلق، الناقص لا الكامل، والعقل يشبه حقيبة جراح تحوى من الآلات ما يمكنه من إجراء عمليات محددة، لا يمكنه أداء سواها، وعدم استعماله فيما خلق من أجله حماقة واستعماله فيما لم يخلق من أجله جنون، تماما كما أن الله قد خلق لنا قدمين نسير عليهما، فإن من يتوقف عن استعمالهما أحمق ستدفع حماقته بقدميه إلى الضمور، أما من يحاول استعمالهما للسير بهما على السحاب فهو مجنون ثم أنه لا محالة هالك، الله فاعل، والعقل البشرى محدود، فإذا كنا نؤمن بكل ذلك فلماذا نستبدل المنهج الأرضي بالمنهج الإلهي؟.. وكيف بعد ذلك ننتظر الفلاح والنجاح؟ .. الله فاعل، انظروا إلى صراع الخير والشر من الأزل إلى الأبد، لقد كان المدافعون عن الخير دائما هم الأقلون، هم المستضعفون في الأرض، كان عددهم في كل بقعة من بقاع الأرض لا يتجاوز العشرات إزاء الآلاف، أو الآلاف إزاء الملايين، لكنهم هم الذين انتصروا دائما، لو أخضعتم التاريخ لمقاييس العقل الأرضي لما بقي في الأرض خير، واحد في الألف هم الذين رفعوا الراية دائما عبر التاريخ وسلموها من جيل إلى جيل، واحد في الألف أظهر الله دائما لأيديهم وقلوبهم نوره، واحد في الألف هم الذين أصروا دائما على ألا يستسلموا، ولقد كان الحكام دائما في الجانب الآخر، عدا استثناءات نادرة سجلها التاريخ واحتفى بها أيما احتفاء، واحد في الألف، هم الذين أدركوا أنهم جند الله في الأرض وأنهم هم الوارثون، ليست خيانة الحكام والنخبة اكتشافا جديدا، ومع ذلك، هم الذين يذهبون ملعونين - في أغلب الأحوال - حتى نهاية الزمان ونحن الذين نبقى، نحن المستضعفين، ولست أدعي أننا كنا على الحق دائما، لكننا حاولنا طول الوقت فكنا الخطاءين التوابين، نحن الذين بقينا، نحن الذين ذُبحنا وقُتلنا وعُذبنا وحُرّقنا وصُلبنا وسُجنّا وهُزمنا وتُـقُـوُّلِـت علينا الأقاويل وزُيف ضدنا التاريخ، هم ذهبوا ونحن بقينا، لأنهم أطفأوا نور الله فيهم فلم يبق فيهم إلا الوجود الحيواني الذي لا يترك خلفه بعد الموت إلا نتن الجيف، نحن، نحن المستضعفين منّ الله علينا فأدركنا أننا حملة راية نور تنتقل من جيل إلى جيل، أدركنا أننا نحملها كأمانة تعهدنا بها قبل أن نولد بملايين السنين لنوصلها إلى بعد أن نموت بملايين السنين، كي نقف أمام الله يوم الحساب يباهي بنا نبيُّنا عليه الصلاة والسلام الأمم، نقف منتصرين خالدين لا نموت، ليس يضيرنا إذن أن يسقط منا فرد أو مليون فرد، فنحن نحارب من أجل قضية خلق ووجود وكون لا يحده زمن ولا وطن ولا جيل ولا فرد، قضيتنا مستمرة استمرار الوجود، ولأننا واثقون أن رايتنا هي التي تصل، فلا محل عندنا لليأس ولا انتظار للنصر، لأننا منتصرون ونحن مُحاصرون، منتصرون ونحن نُقصف بالصواريخ أو نعدم بالرصاص، منتصرون معلقين على المشانق، منتصرون مصلوبين، منتصرون لحظة اتخاذ الموقف لا لحظة النتيجة الأرضية، منتصرون حين انتصرنا في الجهاد الأكبر على نفوسنا فتوقفت ذواتنا عن التضخم، توقف كل واحد منا عن اعتبار نفسه مركز الكون وأن موته هو نهاية الدنيا، توقفنا عن انتظار جني ثمار جهادنا في حياتنا، نحن نحارب اليوم كي ننتصر بعد ألف عام، تماما كما حارب الحسين كي ينفي الشرعية عمن اغتصب الحكم رغما عن المسلمين، ولو أنه استسلم لحلّتْ لكل غاصب غصيبته، قولوا لي من انتصر، يزيد أم الحسين، انظروا، لتدركوا أن جهادنا نحن هو الذي يبقى في قلوب الناس وأن كلامهم زبد يذهب في الأرض جفاء. نحن خسرنا الدنيا فلا نطيق أن نفقد من الآخرة شيئا وهم فقدوا الآخرة فلا يطيقون أن يخسروا من الدنيا شيئا، وما خسرنا الدنيا لقلة حيلة لكننا أدركنا أنها لهو ومتاع الغرور، أنها جيفة، ولولا هوانها إلى الله ما رُزق فيها كافر بشربة ماء، لذلك استعصت قلوبنا عليها، لا لزهدنا، بل لطمعنا فيما هو خير وأبقى. فإذا كانت الدنيا جيفة فما موقع التاريخ الكذوب من الجيفة وما قدر حكام خانوا فيها. انظر إلى سر الإعجاز الإلهي في خلقه .. إن الواحد في الألف هو الذي يحدد مسار التاريخ، وهو برغم الأغلبية الكاسحة يتطور باستمرار إلى أمام، إنهم دائما يعرقلون التطور، يؤخرونه، لكن مشيئة الله هي التي تنفذ على أيدينا في النهاية، هذا الواحد في الألف لم يخبرنا به حساب ولا تجربة ولا جهاز حاسوب (كمبيوتر) بل أنبأنا به الله حين أخبرنا أنه يأمر آدم يوم القيامة أن يأتيَه بحصاد جهنم فيأتيه من كل ألف بتسعمائة وتسعة وتسعين، الواحد في الألف إذن هي الكتلة الحرجة التي يحدث بعدها الانتصار، فهل نعجز كأمة أن نربي من كل ألف واحدا وأن يثبت هذا الواحد وهو على يقين من نصر الله؟؟ ..
إننا الآن في الزمن الذي أخبرنا به الرسول صلى الله عليه وسلم، الزمن الذي يخرج فيه الناس من دين الله أفواجا، زمن العولمة، فهل تعجزين يا أمة الإسلام أن تعطي من كل ألف واحدا فقط ؟ أجل، فليثبت منا من كل ألف واحد، وسيكون لنا النصر ..
آرأيت يا دكتور منصف المرزوقي كيف يمكن أن يغير المنهج من نظرتنا للأمر، لسنا مطالبين إذن بالمستحيل، ولا مطالبين بما قد يؤدي إلى مجازر الشعوب والحروب الأهلية، مطالبون فقط بما نقدر ونستطيع، فليكن في الحاشية والجيش والشرطة والقضاة والنيابة والمجتمع كله صالح واحد بين كل ألف طالح، وسينتصر الواحد الصالح لكن هذا الصالح عليه ألا يخشى إلا الله، أن يعبد الله حقا ويعرفه حقا ويجاهد في سبيله حقا .. إن الآخرين يعرفون عن قوانا الكامنة أكثر بكثير مما نعرف، لكن الجهل والخيانة يحاصرانا، وعلى سبيل المثال فما أكثر ما كتب عن كتاب صدام الحضارات وإعادة صنع النظام العالمي، ما أكثر ما كتب عنه، لقد قدمه البعض للقارئ كما لو كان كتابا لا يأتيه باطل، ومع ذلك لم يذكر أحد أن رأي المؤلف :"صمويل هنتنغتون" فينا أفضل من رأينا في أنفسنا، يقول الكاتب: "طالما أن الإسلام يظل - وسيظل - كما هو الإسلام، والغرب يظل - وهذا غير مؤكد - كما هو الغرب، فإن الصراع الكبير بين الحضارتين الكبيرتين وأساليب كل منهما في الحياة سوف يستمر "..
أجل .. مهما كانت كثافة الظلام في الحاضر، ومهما كانت حسابات العقل متشائمة، فإنه لا ينبغى أن نيأس من المستقبل فثمة وجه آخر للأمر علينا إلا نغفله، ذلك أن التطور البشري كله مبني على اكتشاف خطأ ما ظنناه حقائق راسخة لا يتطرق الشك إليها، إن حساباتهم الآن أننا نحتضر .. حسابات صبيان زويمر وتلاميذ دنلوب وجنود كرومر وجماعة كوبنهاغن أيضا تقول ذلك ..
فهل نستيئس؟ !..
لا .. لا يحق لنا نحن مهما صادفنا من إحباط أو نكران أو فشل أن نيأس، فنحن لا نجاهد من أجل قضية شخصية ولا من أجل مجد أرضي، قضيتنا هي إعلاء كلمة الله، وهى قضية محسومة، نحن على الحق، من يسقط منا فاز، ومن يستمر يفوز والقضية في كل الأحوال مستمرة. حتى الأخطاء والهزائم، يوظفها الله لنا كي تكون جنودا لنا، وانظروا في عصرنا الحديث إلى تصرفات بعض دولنا، لقد كان تصرفها ضد مصلحة الأمة كي تثور في الضمائر الآن تساؤلات عن شرعية وجودها، هذه التساؤلات المثارة اليوم سوف تنفجر غدا، وسوف تغير الجغرافيا والتاريخ، انظر مثلا إلى الأزهر عندما نسي دوره ليدعم السلطان، عندما راح يقارن كامب ديفيد بالحديبية، لقد انصرفت الأمة عنه، عزلته كي توقف تأثيره الضار على وجدانها، وحل محل الأزهر خطباء مساجد نصف ما يقولونه من أحاديث هي أحاديث موضوعة، وبرغم ذلك فبجهل الجهلاء لا بعلم العلماء احتفظت الأمة بتوجهها الصحيح، تماما كما يحافظ الصدأ على تماسك هيكل معدني ضخم لو أزلت منه الصدأ لانهار، انظر إلى شيوخ الحرم وقد حرّموا الجهاد وكفّروا المجاهدين وبرّؤوا بني قريظة، هل صدقهم أحد، يظل الكذب كذبا مهما كان قويا ومهما كان أعوانه، ويظل الصدق صدقا مهما ضعف وقوي أعداؤه، وفي النهاية ينتصر ويكتسح الكذب اكتساحا .. فانظرولينظر الناس معك .. انظروا فيوض الكرم حين ينصرنا بضعفنا ويحفظ عقلنا بجهلنا، انظروا أيضا إلى البوسنة، لقد كانت محاولة استئصال شأفة الإسلام هي نفسها الطريق إلى انبثاق أول دولة إسلامية في أوروبا الحديثة. اقرؤوا كتاب: الإسلام يتحدى لوحيد الدين خان، اقرؤوه لتدركوا أن الله سوف يسبب لكم الأسباب .. انظروا وأيقنوا إذن بالنصر، واعلموا أن مأساة البشرية ليست في الموت بل في الخلد، وما الموت سوى عرض عابر، لقد كنا أحياء قبل أن نولد، وسنحيا بعد أن نموت ثم نبعث ثم لا نموت أبدا، وإننا عندما نبدأ الطريق ندرك أن إخوة وأبناء لنا سوف يكملون ما بدأنا، ما لراية ترفع مشيئة الله أن تسقط .. فأبدا لا تستيئسوا، بعون الله سوف ننجح، سنوقف التعذيب وسنمنع التزوير وسنقضي على الفساد وسنوحد الأمة وسنحارب إسرائيل كافة كما أمرنا الله - لا لكي نعيدها إلى حدود 67 بل حتى نزيلها من الوجود ..
يا منصف المرزوقي: لم تجبني:
- هل تؤمن بالله؟
لو أن إنسانا شريفا وعدك وعدا فإن وعد الحر دين عليه ولو أن جلالة ملك أو فخامة رئيس أو سمو أمير أو معالي شيخ وعد وعدا فإن وعده أمر .. أما إذا وعدنا الله نفسه فإن وعده قضاء لا راد له ومجرد الشك في حدوثه معصية نبرأ إليه منها ..
لقد فشلت الدول، وفشلت الأحزاب وفشلت التجمعات لكننا نحن كأفراد سننجح ..
نحن شتلات الزمن الآتي، نحن الذين سنحافظ بإذن الله على اليقين في قلوبنا كي نمنحه لمن يأتي بعدنا، نحن جيش الله، وعلى كل فرد منا أن يدرك أنه يحارب وحده وأنه جيش وحده وأن وعد الله حق ونصره قريب ..
علينا أن نحافظ على أنفسنا، على مبادئنا وقيمنا وأفكارنا كي لا يصيبنا البوار والعفن الذي أصاب الذين من حولنا ..
علينا أن نناضل ونكافح وأن نستعد للاستشهاد في كل لحظة، فما أقل عددنا وما أكثر أعداءنا ..
علينا أن نفعل كل ذلك بحب وبثقة ويقين فنحن جنود، أوصانا قائدنا بمهمة، وعلينا القيام بها، حتى لو متنا في الطريق، فالقائد يعلم، وقد كان قادرا على أن ينفذ مهمته بقدرته دون تكليف لنا، لكن التكليف امتحان لنا، ليس من حقنا نحن الجنود أن نسأل القائد لماذا يفعل ما يفعل، فكوننا لا نقرأ إلا صفحة من كتاب الوجود ثم نذهب يحتم علينا بعدم اكتمال المعرفة ألا نسأل أو نعجب أو نعترض، ثم إنه سبحانه ما ضنّ علينا بوعد النصر، إن الإيمان الأكمل كان يقتضي منا أن ننفذ ما كلفنا به حتى دون وعد، لكنه سبحانه رحم الضعفاء فينا، نحن لا نصل إلى الغايات بل نتبع الوسائل، وفي وسائلنا ينبغي أن نكون دائما كما أمرنا، ولا عذر لنا، تحت أي ظرف من الظروف، في أن نتخلى عن نبلنا وشرفنا، ولا أن ننسى أبدا أننا خير أمة أخرجت للناس ..
***
هل قرأت يا منصف المرزوقي؟
هل قرأت؟
هل فهمت؟
لماذا إذن جرؤت على أن تجعل بينك وبين الله حمقك
يا مسكين ..
ويلك آمن: إن وعد الله حق
يا مسكين
تعال
تعال
تعال
أسرع..
يطارك ماضيك
يناديك..
كلا..
لا تطعه..
واسجد .. واقترب
تعليقات
إرسال تعليق